عن محنة اللاجئين السوريين في كل مكان-مقالات وتحليلات مختارة-
——————————-
لاجئون سوريون مجرّدون من حقوقهم بسبب حجز وثائقهم في لبنان/ أحمد حاج حمدو
“ابني حصل على فرصة عمل لكنّه خسرها لعدم حيازته أوراقاً ثبوتية”… هنا قصص سوريين يعيشون على هامش الحياة بسبب فقدانهم أوراق ثبوتية.
تحوّلت حياة اللاجئة السورية “أمينة” (اسم مستعار) وعائلتها المقيمة في مدينة طرابلس شمال لبنان إلى سجنٍ داخل المنزل، بعدما انتزع “الأمن العام اللبناني” جواز سفرها وجوازات سفر عائلتها وتجمّدت حياة الأسرة المكوّنة من تسعة أشخاص. لا يستطيعون الخروج من المنزل إلّا خلسة، ولم يعد زوج أمينة وابنها البِكر قادرين على الخروج للعمل لإعالة بقيّة أفراد الأسرة، وقد وصلت أمينة وزوجها وأولادها الستّة إلى لبنان عام 2012 بعد إصابة زوجها بقذيفة قرب دمشق، فاحتاج إلى العلاج، لذا انتقلت الأسرة إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان.
هناك تلّقت الأسرة مساعدات من جمعيات خيرية، كتأمين مسكن ومساعدات غذائية وعلاج لزوجها، وسجّلت العائلة نفسها في مفوضية شؤون اللاجئين في بيروت التابعة للأمم المتحدة، ولكن لم تكن لديها معلومات عن ضرورة تجديد تصريح الإقامة في لبنان، وخلال وجود الأسرة في لبنان، علم زوجها أن عليه مخالفة مالية قدرها 800 دولار أميركي (1760 مليون ليرة سورية) بسبب عدم تجديد إقامته، وبعدما استطاع تأمين المبلغ وذهب لسداده تلقّى قراراً بالترحيل من الأمن العام اللبناني.
في لبنان، وضعت أمينة طفلين آخرين، أحدها وُلد بمرض خلقي، إذ كان يعاني من فتحة في القلب، وبسبب تكلفة العلاج المرتفعة في لبنان ومجّانيته في سوريا، قرّرت أمينة العودة إلى دمشق عام 2014 مع طفليها الصغيرين لاستكمال علاج ابنها المريض. تقول أمينة: “خلال ذهابي إلى سوريا منحني الجانب اللبناني بطاقات زهرية اللون لتسوية وضعي ولكنّني علمتُ لاحقاً أنّ فيها قراراً بمنع الدخول بسبب مخالفتي مدّة الإقامة”.
يمنح لبنان إقامات مختلفة للوافدين من سوريا، تتراوح من 24 ساعة (مرور إلى المطار، أو موعد في سفارة أجنبية، أو مراجعة طبيب مثلاً) لغاية السنة (بموجب طلب إقامة عمل أو طالب جامعي، أو مقيم) بعد شروط فرضتها الحكومة اللبنانية منذ بداية 2015، بعدما أصدرت المديرية العامة للأمن العام اللبناني قراراً يشترط على الداخلين الحصول على موافقة مسبقة للدخول أو بموجب تأمين أوراق إضافية، علماً أن مجلس شورى الدولة أبطل هذه القرارات وأعلن أنها غير قانونية لصدورها عن سلطة غير مختصّة (قرار مجلس شورى الدولة رقم 412/2017-2020).
عالجت أمينة ابنها في سوريا، وبعد ثلاثة أشهر حاولت العودة إلى لبنان فأخبرها أمن الحدود اللبناني أنَّ هناك قراراً بمنعها من الدخول، صُعقت أمينة عندما علمت أن السبب هو عدم تجديد إقامتها في لبنان. فعادت إلى أدراجها في سوريا، وكان زوجها تحدّث مع أحد الأشخاص في لبنان، ساعده على إدخال زوجته بموجب برقية للأمن العام كانت على الحدود، ولكن خلال دخولها مع طفليها سُحبت جوازات سفرهم منهم وتم إبلاغهم بضرورة مراجعة مركز الأمن العام اللبناني في بيروت.
وعند مراجعتها مركز الأمن العام طلب منها المسؤولون أن تعود لمراجعتهم بعد 15 يوماً، وعندما عادت إليهم طلبوا منها العودة في وقت لاحق، وتكرّرت القصة مرات عدة، ليطلب منها أحد موظّفي الأمن العام في المرّة الأخيرة ألّا تعود نهائياً، مهدداً إياها بالتوقيف.
حياة أمينة ومثلها حياة العديد من اللاجئين السوريين في لبنان، توقفت بسبب احتجاز وثائقهم الرسمية (خاصة جوازات سفر، وبطاقات هوية، إقامات) من قبل الأمن العام اللبناني، ما يتسبب لهم في تقييد حركتهم داخل البلد نفسه والسفر خارجه، إضافةً إلى الحرمان من حق التقديم للحصول على فرصة عمل، وتسجيل واقعات الأحوال المدنية (زواج، طلاق وولادات جديدة).
تهرّب من الاعتراف
الطبيعة الجغرافية لسوريا ولبنان جعلت أعداداً كبيرة من السوريين المقيمين على المناطق الحدودية تلجأ إلى لبنان هرباً من الموت مع بدء تصاعد وتيرة المعارك في الداخل السوري.
استقبل لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين مقارنة بعدد سكانه، ولأن لبنان غير موقّع على الاتفاقية الخاصّة بوضع اللاجئين 1951، فلا قوانين تحمي حقوق أولئك اللاجئين، بعد تجريدهم من الصفة القانونية وتلقيبهم بـ”نازحين”، لئلا يلتزم لبنان تجاههم بأي مسؤولية سواء إعادة توطينهم أو حصولهم على حقوق المواطنين الأخرى كالصحة والتعليم والعمل، بعد الاعتراف القانوني بصفتهم الحقيقية كـ”لاجئين”. فبين المصطلحين فروقات قانونية، النازحون داخلياً، على عكس اللاجئين، هم أشخاص لم يعبروا حدوداً دولية بحثاً عن الأمان، ولكنهم أبقوا مهجرين داخل أوطانهم، أمّا اللاجئون فهم أشخاص يفرون من الصراع أو الاضطهاد، ويعترف بهم القانون الدولي ويحميهم، ولا يجب طردهم أو إعادتهم إلى أوضاع تعرض حياتهم وحريتهم للخطر.
وعلى غرار أمينة وثّق “مركز وصول لحقوق الإنسان” 41 حالة احتجاز لوثائق لاجئين سوريين في لبنان، بينها 15 حالة عام 2019. منها ثلاث حالات جماعية استهدفت موظفي منظمات المجتمع المدني، و26 حالة احتجاز أخرى، ما بين مطلع عام 2020 حتّى 15 أكتوبر/ تشرين الأول، منها أربع حالات لناشطين في المجتمع المدني. علماً أن 22 حالة الأخرى تعود لأشخاص مسجلين لدى مفوضية اللاجئين و13 حالة دخلت لبنان بطريقة نظامية.
وبطبيعة الحال، يؤدّي احتجاز الوثائق إلى حرمان اللاجئين من حق التنقّل داخل لبنان والسفر خارجه، إضافةً إلى عدم قدرتهم على العمل لإعالة أنفسهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّون بها، فضلاً عن عدم القدرة على إجراء معاملات الأحوال المدنية كتثبيت وقائع الزواج والطلاق وتسجيل الولادات الجدد.
استقبل لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين مقارنة بعدد سكانه، ولأن لبنان غير موقّع على الاتفاقية الخاصّة بوضع اللاجئين، 1951 فلا قوانين تحمي حقوقهم.
ويخالف هذا الإجراء الذي اتخذته السلطات المحلية الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأبرزها “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” ووثيقة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” بشكل واضح وصريح، وقد تأسس الأمن العام اللبناني (وهو أحد الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية والبلديات اللبنانية)، عام 1921 باسم “المكتب الأول” وهو المعني الرئيسي بالتعامل مع قضايا اللاجئين القانونية في لبنان.
يقول المحامي اللبناني نبيل الحلبي رئيس المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف): “كل شخص لديه مخالفة ما، أو يعمل من دون “تصريح عمل” يكون مهدّداً بوضع إشارة الترحيل على أوراقه، حالما تم إلقاء القبض عليه على أحد الحواجز الأمنية، أو أثناء زيارته أحد مراكز الأمن العام، ولكن معظم القرارات غير منفّذة بسبب الضغوط على السلطات اللبنانية من قبل المنظمات الحقوقية، وبذلك يتحول ذلك الشخص إلى ضحية مخالفاً القانون بسبب القرارات المخالفة للقوانين المحلية والتزامات لبنان الدولية، ويصبح عرضة للاستغلال السهل على أي من الحواجز الأمنية بسبب تجريده من الوضع القانوني، في هذه الحالة الهشّة يسهل حرمانه من حقوقه ويصبح مقيماً بشكل غير مشروع وهارباً من القانون، وفي حال غادر لبنان فلن يستطيع العودة إليه إطلاقاً”.
الوضع المخيف يهدد اللاجئين السوريين في لبنان وعددهم 879 ألفاً و529 شخصاً مسجّلاً بحسب بيانات مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، وهم يشكّلون 15.8 في المئة من إجمالي عدد اللاجئين السوريين في العالم، ويتوزعون بشكل أساسي في مناطق البقاع والشمال.
خسائر ما بعد احتجاز الوثائق
وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، فإن خطة الاستجابة للبنان 2017-2020 تسعى إلى توفير إطار استجابة متكاملة للتنمية الإنسانية، تلبي احتياجات اللاجئين – إلى أقصى حد ممكن – بناءً على القوانين والسياسات الوطنية.
لكن احتياجات أمينة، وحقها الأساسي في استعادة وثائقها الرسمية، ما زالت قيد التمنّي.
تتحدث عن مرحلة ما بعد احتجاز وثائقها: “طُلبت منّا عام 2020 مراجعة سرايا أميون وإحضار أطفالنا مع وثائقهم، بسبب قرار بترحيلنا إلى سوريا، إضافةً إلى ضرورة دفع مخالفة بـ3 ملايين ليرة لبنانية عن ابني البكر ذي العشرين عاماً”، وهناك تم تبصيم الأسرة على قرار الترحيل، وتم احتجاز وثائقها وإعادة جوازات السفر المنتهية مدّتها فقط.
تواصلت الأسرة مع “مفوضّية اللاجئين” التي أبلغتها بأن تغيّر سكنها، ففعلت ذلك، وقد خسر زوج أمينة عمله بسبب تغيير مكان سكنهم، وابنها البكر الذي تزوّج وانتقل للعيش في منزلٍ آخر، لم يعد قادراً على العمل بسبب حجز وثائقه الثبوتية، وتتابع أمينة: “ابني يعيش في منطقة وأنا في منطقة أخرى، ولا نستطيع رؤية بعضنا بسبب الخوف من الخروج، فأنا لم أره منذ خمسة أشهر”.
إضافةً إلى ذلك، كانت أمينة فقدت فرصة السفر إلى تركيا في 2015، بسبب سحب جواز سفرها وأسرتها وعدم قدرتها على استرجاع وثائقها المحتجزة، إذ كانت تنوي الوصول إلى أوروبا مع موجات اللاجئين السوريين التي غادرت من تركيا آنذاك. وتكمل السيدة: “ابني وزوجي كانا يعملان والآن فقدا عمليهما، حتّى أن ابني حصل على فرصة عمل في ميناء طرابلس ولكنّه خسرها لعدم حيازته أوراقاً ثبوتية”. حالياً، فقدت العائلة مصدر دخلها، وباتت تعيش في غرفة مساحتها 30 متراً، هي عبارة عن قبو في أحد المباني السكنية، مقابل الاعتناء بمدخل البناء وتنظيفه.
وفق مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، يواجه اللاجئون مخاطر متزايدة في مجال الحماية، مع عدم وجود إقامة قانونية، ما من شأنه أن يؤدي إلى خطر الاعتقال والترحيل والطرد من السكن والعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس وإساءة معاملة الأطفال. فيما تزداد الحاجة في مجال المساعدات الأساسية، لا سيما الصحة والمأوى والصرف الصحي.
الخسارة الأكبر جراء احتجاز الوثائق، تكبّدها الشاب حسن أحمد (28 سنة)، (اسم مستعار)، إذ فشل بتسجيل زواجه، وتسجيل ولادة ابنه الذي تخطى عمره السنة، فأصبح مكتوم القيد. حسن عسكري منشق عن الجيش السوري، عام 2019 ذهب لتسوية وضعه القانوني والتجديد من طريق نظام الكفالة ودفع 900 ألف ليرة لبنانية (600 دولار أميركي وقتذاك)، فاحتجز عناصر الأمن العام وثائقه الشخصية، وأعطوه أوراق مغادرة بحجّة أنّه دخل بطريقة “غير قانونية” إلى لبنان، وحتّى الآن لم يحصل على وثائقه.
بعد احتجاز وثائقه، تزوّج حسن وأنجب ابنه الأول بالتزامن مع محاولة استرداد وثائقه، طُلب منه دفع 400 ألف ليرة (265 دولاراً) ليستردّ أوراقه من الأمن العام، ولكن عليه مغادرة البلاد بعد ذلك!
يأمل حسن بالتوجّه إلى أربيل العراقية، ولكنّه يخشى من تنفيذ قرار “منع دخول” بحقّه إلى لبنان، ما يصعّب سفره خارج لبنان أو حتى تفكيره في ذلك.
يقول حسن: “زواجي غير مسجّل وابني أيضاً، لأن زوجتي دخلت إلى لبنان خلسة أيضاً، أخشى من التنقّل داخل لبنان خوفاً من إعادتي إلى سوريا لأنّني منشق عن الجيش”. تواصل حسن مع منظمات تُعنى بمتابعة شؤون اللاجئين السوريين، وذكر منها “المجلس النروجي” من دون أي نتيجة، كان لديه موعد مع قسم الحماية في مفوضية اللاجئين، ولكن تم تأجيله بسبب “كوفيد-19”.
450 حالة احتجاز وثائق
عدم حيازة اللاجئين أوراقاً ثبوتية يشكل تحدياً كبيراً في الوصول إلى الخدمات الأساسية والبسيطة، وقد يعرقل نشاطهم اليومي الأساسي، وتعددت أسباب حجز وثائقهم الرسمية منها الاعتقال، أو أثناء تجديد أوراق الإقامة من دون مسوغ قانوني رسمي، أو في المستشفيات بسبب عدم قدرة اللاجئين على دفع تكاليف علاج مرضاهم، وغيرها.
بحسب تقرير صادر عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فإن السلطات اللبنانية نفّذت حملتي اعتقال في أيلول/ سبتمبر 2014 على مخيّمات عرسال، أوقفت خلالهما 450 لاجئاً سورياً، على مرحلتين بحجّة “الإرهاب” ثم أخلت سبيلهم بشكلٍ تدريجي.
كان بين المعتقلين، الشقيقان ماهر ومهند، وهما يعيشان في منطقة بعلبك. خلال اعتقاله، تعرّض ماهر للضرب والتعذيب بحسب قوله، فأصيب بـ”ديسك” (انقراص مفاصل العمود الفقري) في ظهره، ولم يعد قادراً على العمل. بعد التحقّق من براءته وبراءة شقيقه حجزت سلطات الجيش بطاقته الشخصية وبطاقة شقيقه وأطلق سراحهما. يقول ماهر: “طلب منّا الجيش مراجعة بلدية عرسال لاسترجاع بطاقتينا، وبعد يومين ذهبنا إلى البلدية التي نفت وجود البطاقتين لديها”.
راجع الشقيقان البلدية مرّات عدّة على مدار أشهر من دون جدوى، وفي نهاية المطاف قال أحد الموظفين هناك: “انسوها لهوياتكم”، مشيراً إلى أن الأوراق قد تكون فُقدت بين الجيش والأمن والبلدية. حاول ماهر مراجعة منظّمات من بينها مفوضية الأمم لشؤون اللاجئين، وكان لديه موعدٌ مع الأخيرة لتلقّي المساعدة كون حالته الصحّية متراجعة ولا يستطيع العمل، ولكن بسبب تفشّي “كوفيد-19” فشل الأمر.
ومنذ الحادثة عام 2014 حتّى الآن، تزوّج ماهر وأنجب أطفالاً ولكن لم يستطع تثبيت زواجه أو تسجيل أولاده، على رغم محاولة منظمات المساعدة بذلك، لكنّها فشلت لأنه بحاجة لوثائق إضافية من سوريا، وهو غير قادر على العودة أو حتى مراجعة السفارة السورية في بيروت، بسبب حاجز للجيش اللبناني على مدخل منطقة السفارة السورية، يضيّق على اللاجئين الذين يراجعون السفارة في أحيان كثيرة.
يوضح الشقيقان أن احتجاز بطاقتيهما الشخصيتين أسفر عنه عدم القدرة على استصدار جواز سفر، وعدم القدرة على مراجعة مفوضية الأمم المتّحدة، أو إيجاد فرص عمل بسبب صعوبة التنقّل بين الحواجز الأمنية للمناطق.
توضح “مفوضية اللاجئين” في ردٍ مكتوب على أسئلة معدي التحقيق، أنّها “تدعم المديرية العامة للأمن العام من خلال المعدات والبرمجيات وتجديد المراكز لزيادة قدرتها على معالجة طلبات تجديد الإقامة من اللاجئين السوريين، وتوفر المعدات والموظفين لمكاتب إدارة الأحوال الشخصية PSD في جميع أنحاء البلاد لزيادة قدرة مديرية الأمن العام على تسجيل الأحداث الحيوية للاجئين”.
69%
من عاملات المنازل البنغلادشيّات والنيباليّات المُستقدَمات إلى لبنان إمّا استدنّ المال أو بعن ممتلكاتهنّ لتأمين تكاليف الاستقدام.
وأضافت المفوضية، أنّها تقدم من خلال شركائها، المساعدة القانونية بما في ذلك الاستشارة والتمثيل، وتنظم جلسات توعية وحملات لتعزيز معرفة اللاجئين حول كيفية الحصول على الإقامة القانونية والوثائق المدنية للتصديق على المواليد والزواج والطلاق والوفيات التي حدثت في لبنان، وإجراءات الوصول المتعلقة بقضايا الأسرة، والعنف الأسري، والنزاعات المدنية أو الإدارية. إضافة إلى ذلك، تدعم المفوضية اللاجئين من خلال التسجيل نيابة عنهم في سجلات المواليد، دوائر الأجانب في المديرية العامة للأحوال الشخصية. وترافق مجموعات من اللاجئين إلى الأمن العام لتجديد إقاماتهم.
كما أشارت إلى أنّها تقدم مع شركائها استشارات قانونية فردية بشأن تسجيل المواليد والزواج والوفاة، وتقدم الدعم المباشر للأسر لتسجيل ولادة أطفالها على مستويي المديرية العامة للأحوال الشخصية ووزارة الخارجية والحصول على إثبات القرابة (اثبات النسب) من المحكمة الشرعية في حالات محددة. وتشمل المساعدة الحصول على إثبات بأثر رجعي للزواج لمن تزوجوا بشكل غير رسمي وتسجيل الزيجات والوفيات.
العودة “لطوعية” إلى سوريا
“إن ما يحصل ليس سحب وثائق، بل هو احتجازها لمدّة طويلة قد تصل إلى سنوات بشكلٍ متعمد، خصوصاً إذا كان على الشخص السوري إشارة أمنية، فيقوم “الأمن العام” باعتباره معارضاً ويريد السفر خارجاً ويتحدّث عما حصل معه في لبنان، وهي عملية تنسيق أمني بين السلطات اللبنانية والنظام السوري من أجل إعاقة حياة أولئك اللاجئين وجعل حياتهم إلى بائسة وإرغامهم في نهاية المطاف بطريقة غير مباشرة، على العودة إلى سوريا قسراً، تحت مسمّى “العودة الطوعية”، هكذا يفسّر المحامي اللبناني نبيل الحلبي، رئيس “المؤسسة اللبنانية للديموقراطية وحقوق الإنسان” (لايف) ما يحصل.
ويرى أن الغرض الرئيسي لاحتجاز الوثائق هو التضييق على اللاجئين السوريين في لبنان. وقال: “صدر بيان عن الخارجية النرويجية منذ أربع سنوات يتحدّث عن منع السلطات اللبنانية لاجئين سوريين من السفر إلى النرويج بعدما حصلوا على فرصة إعادة التوطين في بلد ثالث، وتكرر هذا الأمر مع لاجئين آخرين حين أتيحت لهم الفرصة لمغادرة لبنان متجهين إلى كندا أو بلدان أخرى”.
مخالفات قانونية
في ظل غياب نصوص قانونية محلية لبنانية حول سحب الوثائق الرسمية من المقيمين على الأراضي اللبنانية، إلّا أن لبنان ملزم بتطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مثل “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، اللذين يحتويان على بنودٍ تكرّس حرية التنقل والحق في الشخصية القانونية للمقيمين على أراضيها بصرف النظر عن الأسباب التي دعتهم للخروج من بلادهم الأصلية.
وأعطت المادة السادسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 16 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق لكل فردٍ، في أي مكان، بأن يعترف له بالشخصية القانونية، وتطرقت جميع الاتفاقيات الدولية التسعة الأساسية لحقوق الإنسان إلى الحقّ في الجنسية القانونية، فهو حقّ غير قابل للانتقاص، لا يمكن إلغاؤه أو تعليقه، حتّى في حالات الطوارئ.
تكتسب الشخصية القانونية من خلال التسجيل القانوني للفرد عقب وقوع حدث أساسي كالولادة أو الوفاة أو الزواج أو الطلاق، وهي من حقوق الإنسان الأساسية، إذ تسمح للفرد بالحصول على جنسية أو إقامة قانونية وعلى الحقوق والمزايا والمسؤوليات في بلده، وبالتالي فإن احتجاز الوثائق الرسمية من شأنه أن يمنع الشخص من ممارسة هذه الحقوق وبالتالي من تثبيت الزواج وتسجيل الولادات، كما يقيد وصوله إلى المساعدات الإنسانية والاستفادة من الخدمات الأساسية كالتعليم والطبابة، وفتح حساب مصرفي، ويزيد من خطر انعدام الجنسية.
وأكثر من ذلك، يؤثّر احتجاز الوثائق في حق التنقل، وفي هذا الصدد، أعطت المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق التنقل لكل فرد وحق مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده والعودة إليه، في حين تضمن الفقرة الأولى من المادة 12 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” حرية التنقل واختيار مكان الإقامة لكل فرد موجود على “نحو قانوني” داخل إقليم دولة ما.
دور مفوضية اللاجئين
من بين 41 حالة احتجاز وثائق، وثّقها مركز “وصول” لحقوق الإنسان هناك 37 شخصاً مسجلون رسمياً لدى “مفوّضية اللاجئين”، وعلى رغم ذلك لم تتدخّل الأخيرة لفعل شيء وفق مقابلات مع لاجئين، علماً أن التسجيل في المفوضية يعني أن اللاجئ أصبح تحت حمايتها.
وفي هذا الصدد، يقول الحلبي: “تتفاقم المشكلة عندما يكون اللاجئ السوري الذي تُحتجز أوراقه غير مسجّل في مفوضية اللاجئين، وبالتالي لا يستطيع مكتب الحماية التابع للمفوضية التدخّل، ولا يملك أي مرجعية من قبل المفوضية، حتى وإن أحالت المنظمات الحقوقية حالات اللاجئين إلى المفوضية فهي لا تستطيع القيام بأي تحرّك من دون أن يكون اللاجئ مسجّلاً لديها”.
ويحث الحلبي، المجتمع الدولي ومفوضية اللاجئين على التحرّك إزاء حالات احتجاز الوثائق، حتّى لو كان الأشخاص غير مسجّلين في المفوضية، وبالتالي على المفوضية أن تتحرك وتراجع السلطات، لأن احتجاز الأوراق ينعكس على الحقوق كلها، حق التنقل وحق العمل ضمناً، لا سيما أن مصادرة الأوراق غير محددة المدة مردفاً: “إذا أردنا التسليم بمشروعية ما تقوم به الأجهزة الأمنية اللبنانية، فإن الاحتجاز يجب أن يكون محدّد المدّة وإلّا فإن ما يحصل هو “تعسّف باستخدام الحق”.
ويرى المحامي اللبناني محمد عراجي رئيس مجلس إدارة مركز “وصول” أن ما تستطيع المفوضية فعله هو أنّها تقوم بإعداد بروتوكول مع الأمن العام اللبناني لمعالجة ملفات حجز المستندات الرسمية للأشخاص الذين ليست لديهم مشكلات أمنية، على أقل تقدير يتم منحهم إقامة لمدّة ستة أشهر ريثما يتم البت بوضع وثائقهم.
وشدّد “عراجي” على ضرورة أن تجري المفوضية دراسة ميدانية عن أوضاع السوريين لمعرفة نسب الأشخاص المخالفين وحاملي الإقامة ما يمكّنهم من العمل مع الأمن العام على حل مشكلاتهم.
المفوّضية كانت ذكرت مطلع العام الحالي أن “من أولوياتها الرئيسية لعام 2020، ضمان حصول اللاجئين على الحماية والإقامة القانونية الموقّتة وتوثيق المواليد والأحوال المدنية والحماية من الإعادة القسرية”.
تواصل معدّا التحقيق مع “مفوضية اللاجئين” وطرحا عليها مجموعة أسئلة حول موقفها من احتجاز الوثائق، والخطوات التي تقوم بها في مواجهة هذه المخالفة، إضافةً الى التدابير التي تتخذها لضمان قيام الأشخاص المحتجزة وثائقهم بتسجيل معاملات الأحوال المدنية، وضمان دخولهم إلى المستشفيات والحملات التي تقوم بها مع الحكومة اللبنانية لضمان الالتزام بالقوانين الدولية.
وجاء في الرد، “إذا لفت اللاجئون انتباهنا الى أمر كهذا، على سبيل المثال البرامج القانونية، فسنقوم بالتدخل لدى السلطات. واستجابة للمناصرة المستمرة من طرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أصدر الأمن العام مذكرة داخلية تطالب بموجبها جميع المراكز بعدم أخذ المستندات الأصلية (بطاقات الهوية، وجوازات السفر، واخراج قيد مدني، وتأشيرات الدخول والخروج) من السوريين عند تجديد إقاماتهم، وطلب بدل ذلك نسخاً ملونة عن الوثائق الأصلية. ويضمن هذا القرار عدم احتفاظ الأمن العام بأي وثيقة تعريف شخصية، وذلك حتى في حالة رفض طلب الإقامة. كما يعمل أيضاً على توفير أساس قوي للتدخل في حال استمرار ممارسة هذا الأمر.
وأوضحت المفوّضية، أنّها تجري حواراً مستمراً مع مديرية الأمن العام على المستويين المركزي والمحلي لمعالجة أي ممارسات غير متسقة وضمان مواءمة هذه الممارسات.
وفي ردٍ على سؤال حول نوع تدخّل المفوّضية في حال انتزاع وثائق اللاجئين قالت: “عند مصادرة الوثائق من قبل الأفراد (أصحاب الأراضي، أرباب العمل، إلخ …) أو المؤسسات الخاصة (المستشفيات)، تتدخل المفوضية مباشرة أو من خلال شركاء قانونيين، وتتوسط مع هؤلاء الأطراف لضمان إعادة هذه الوثائق بالنسبة للحالات المحددة التي تفشل فيها الوساطة، يمكن اتخاذ إجراء قانوني آخر مثل إرسال إشعار قانوني أو رفع القضية إلى سلطة أعلى مثل وزارة الصحة العامة في حالة المستشفيات”.
وفي حالة مصادرة الوثائق أو الاحتفاظ بها من قبل السلطات، تقوم المفوضية وشركاؤها إما بمساعدة اللاجئ على استرداد وثائقه، باتباع العمليات الإدارية الحالية على سبيل المثال في GSO أو المناصرة على المستوى الإقليمي أو المركزي مع السلطة المختصة لهذا الغرض
عدم حيازة اللاجئين أوراقاً ثبوتية يشكل تحدياً كبيراً في الوصول إلى الخدمات الأساسية والبسيطة، وقديعرقل نشاطهم اليومي الأساسي.
وفي ما يخص مواصلة التعليم للأطفال الذين احتُجزت وثائق عائلاتهم أوضحت المفوضّية أنّ الأطفال الذين لا يملكون وثائق هوية، بإمكانهم التسجيل في المدرسة بشرط أن تكون لديهم إفادة سكن من المختار، أو شهادة تسجيل من المفوضية.
وأشارت إلى أنّها تجري نقاشاتٍ مستمرة مع الحكومة اللبنانية، بدعم من المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والمجتمع المدني لضمان احترام مسؤوليات لبنان الدولية وتنفيذ القوانين المحلية.
كما تواصل معدّا التحقيق مع الأمن العام اللبناني عبر البريد الإلكتروني الرسمي، وطرح عليه أسئلة، مثل أسباب احتجاز الوثائق للاجئين السوريين، وآلية استرجاع هذه الوثائق، إضافةً لأسئلة تتعلق فيما إذا كان الأمن العام يسهّل استرداد الوثائق للاجئين الراغبين بالسفر خارج لبنان، أو منح اللاجئين وثائق بديلة تخوّلهم دخول المستشفيات أو تسجيل واقعات الزواج والطلاق والولادات، كما أحال الأسئلة مباشرةً إلى البريد الإلكتروني الخاص بدائرة حقوق الإنسان والمنظمات والهجرة، ولكن لم يتم الرد.
في هذه الأثناء، لا تزال أمينة تنتظر مع عائلتها بفارغ الصبر استعادة وثائقها حتى تتمكن من لقاء ابنها الذي يعيش بعيداً منها منذ سنوات. حالها كحال الشاب حسن أيضاً، الذي يأمل باسترجاع أوراقه ليتمكن من تسجيل زواجه، وابنه أيضاً في سجل الولادات لاستكمال إجراءات التسجيل حتى يكبر ومعه بطاقة هوية شخصية.
أنجز هذا التحقيق بالشراكة بين الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – “سراج”، ومركز “وصول” لحقوق الإنسان، وبدعم من FPU Free Press Unlimited.
شارك في التحقيق وجمع البيانات:
مارييل الحايك – باحثة في مجال حقوق الإنسان/ عيد الخضر – ناشط حقوقي
درج
————————————
الشمال السوري: 200 ألف يتيم ومثلهم من ذوي الاحتياجات الخاصة و45 ألف أرملة لا معيل لها/ حسام محمد
بعد أن حملت مصطلح “سوريا الكبرى” خلال السياق التاريخي، فإن سوريا اليوم بحدودها التي رسمتها اتفاقية سايكس- بيكو، دخلت نفقا مظلما يحمل في جعبته مخاطر التقسيم، إن لم يكن على المستوى الجغرافي فربما سيكون في المستوى الاجتماعي، ولعل ما نراه اليوم في سوريا الصغرى “شمال غرب سوريا” خير دليل على ما آلت إليه أوضاع البلاد بعد سنوات الحرب التي أثقلت كاهل الشعب السوري، الذي أصبح الحلقة الأضعف بعد أن كان بطل البدايات فيها وما زال، رغم ما يعانيه من حياة شاقة وظروف أقل ما توصف به بأنها لا إنسانية.
شمال غرب سوريا، في أرجائه اليوم، ابن العاصمة السياسية-دمشق، وكذلك ابن عاصمتها الاقتصادية-حلب، وفي مخيماته أيضا، ابن مهد الثورة السورية-درعا، وابن حمص الوليد، ولا تنتهي الإحصائيات عند ابن حماة أبي الفداء، ولا تقف حدوده عند أبناء الغوطة وغيرهم، ولعل هذا النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب، وجمعته اتفاقيات التهجير، يمكن وصفه بسوريا الصغرى، وفق ما تشير إليه بعض الآراء السورية المناهضة للنظام والمحور الداعم له.
يقدر عدد السكان الحالي في الشمال السوري بما يزيد عن 4 ملايين نسمة، وفق إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة، يتوزعون في محافظتي إدلب وريفي حلب الشمالي والغربي، وهي مناطق يُطلق عليها محليا مسمى “المناطق المحررة” وتعرف دوليا بالمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
وفي إحصائيات حصلت عليها “القدس العربي” فإن عدد النازحين إلى مخيمات شمال غرب سوريا قد بلغ 1.022.216 نازح، أما في مخيمات ريف حلب الشمالي، فوصلت أعداد النازحين إلى 176.813 نازح، تمت عملية توزيعهم على 30 مخيما.
الدكتور جواد أبو حطب، وهو الرئيس السابق للحكومة السورية المؤقتة المنبثقة عن الائتلاف السوري المعارض، يقول إن عدد المخيمات في شمال غرب سوريا بلغ 1259 مخيما، أما في ريف حلب الشمالي، فهي 30 مخيما.
يشكل عدد النازحين إلى مخيمات الشمال السوري في الإطار العام ما نسبته 28.65 في المئة من سكان المناطق المحررة، والتي يبلغ عدد سكانها 4.184.480 نسمة، مع العلم أن نسبة النازحين من سكان الشمال السوري هو 48 في المئة من مجموع سكان المنطقة.
إحصائيات مرعبة
وفق إحصائيات حصلت عليها “القدس العربي” فإن شمال غرب سوريا يحتوي اليوم على 200 ألف يتيم غالبيتهم دون سن 18. ويقول الدكتور أبو حطب: “إن ذات المنطقة تحتوي أيضا على ذات الإحصائيات من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
ويضيف المصدر، مناطق شمال غرب سوريا، تحتوي اليوم على 45 ألف أرمل، يعيشن مع عائلاتهن ضمن أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة، ودون وجود معيل لهن. ووفق الإحصائيات، فإن عدد الأطفال، يبلغ 1.400.000 طفل.
الأطفال: الخاسر الأكبر
في دراسة لوحدة التنسيق والدعم للمعارضة السورية حول الأطفال شمال غرب سوريا، فإن 25 في المئة من الأطفال خارج المدارس، منهم من التحق بالمدارس قبل عام 2011 ثم انقطع عنها، ووفق الدراسة فإن 75 في المئة من هؤلاء الأطفال لم يلتحقوا أبدا بالمدارس بعد ذلك.
تقسم فئات الأطفال في الشمال السوري إلى ثلاث، الأولى ممن تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 10 سنوات، وهؤلاء الأطفال يشكلون ما نسبته 17 في المئة من إجمالي الأطفال، أما الفئة الثانية من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 11- 15 عاما، ونسبتهم 31 في المئة.
أما الثالثة، وهم الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16- 18 عاما، وهؤلاء هم النسبة الأكبر، إذ تبلغ 52 في المئة من المجمل.
المدارس منكوبة
وفق ذات الإحصائية الصادرة عن وحدة التنسيق والدعم، نقلها الدكتور جواد أبو حطب، فإن 12 في المئة من المدارس المستخدمة في الشمال الغربي من سوريا مدمرة بشكل جزئي.
كما أن 48 في المئة من المدارس، توفر المياه الصالحة للشرب للطلاب باستخدام وسائل نقل بدائية، في حين أن 11 في المئة من مدارس شمال غرب سوريا لا تتوفر فيها مياه الشرب للطلاب.
ووفق ما ذكره المصدر، فإن 264 مدرسة تعرضت للدمار بفعل المقاتلات الحربية السورية والروسية خلال حملاتهم العسكرية طيلة السنوات السابقة، في حين 13 في المئة من مقاعد الدراسة تحتاج إلى صيانة، و8 في المئة منها مدمر، وأن 78 في المئة من المدارس المتضررة، لا يذهب طلابها إلى مدارس أخرى.
كما أن الإحصائيات تشير، إلى أن 73 في المئة من الأطفال لا يمتلكون حقائب مدرسية، وأن 24 في المئة من الطلاب لا يتناولون وجبة طعام قبل التوجه إلى مدراسهم، فيما تتساوى النسب بين الإناث والذكور في طلب العلم، بفارق 1 في المئة لصالح الذكور.
ويقول الدكتور جواد أبو حطب: “سلاح الجو الروسي، قتل أكثر من 6680 مدنيا سوريا في شمال غرب سوريا، من ضمنهم 1928 طفلا و908 سيدات، كما دمر الحلف الروسي 56 سوقا شعبيا وأجبر 3.3 مليون سوري على النزوح.
كورونا قد يصيب الملايين
سجلت السلطات الصحية في شمال غرب سوريا 395 إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، ليرتفع إجمالي الإصابات، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان- مركز لندن، إلى 13179 إضافة مع تسجيل 178 حالة شفاء جديدة.
كما توفي 7 أشخاص بفيروس كورونا في شمال غرب سوريا خلال الـ48 ساعة الفائتة، ليرتفع إجمالي الوفيات إلى 103.
وبالنظر إلى أن عتبة المناعة الحرجة “مناعة القطيع” في وباء كورونا- كوفيد19 في المجتمع بشكل عام تشكل 60 في المئة من الناس وهذا يعني أن يصاب في المناطق المحررة قرابة 2.700000 شخص لوقف انتشار وباء الكورونا في هذه المناطق.
وفيما يخص المعايير العالمية المطلوبة لمواجهة تفشي الوباء في منطقة ما فإن المعدل العالمي في حال عدم وجود وباء، وفق الدكتور جواد أبو حطب، هو سبعة أسرّة لكل ألف شخص في حده الأعلى، وثلاثة أسرة لكل ألف شخص كحد أدنى.
وإذا ما نظرنا إلى ما هو متوفر حاليا في مناطق شمال غرب سوريا، فإننا سنجد أنه يوجد 3065 سريرا، أي سرير واحد لكل 1365 مواطنا.
بينما الحاجة الدنيا هي 4095 سريرا، أما أسرة العناية المشددة فهي عشرة أسرة لكل 100 ألف مواطن وفق المعايير العالمية وبناء عليه نحن في حاجة إلى 418 سريرا والموجود منها فقط 201 سرير أي بمعدل 5 أسرة لكل 100 ألف شخص.
على الصعيد الطبي
يبلغ عدد الأطباء في مناطق شمال غرب سوريا، ما يقارب 1155 وفق إحصائيات “هيرامز” لكن العدد المسجل في نقابة أطباء الشمال السوري يعادل 700 طبيب، بينما يفترض وجود 2168 طبيبا، وفق المعايير العالمية، وبالتالي فإن هذه المناطق تعاني من نقص كبير في أعداد الكوادر الطبية.
فيما يبلغ عدد الممرضين في مناطق شمال غرب سوريا ما يقارب 1928 ممرضا، وفق إحصائيات “هيرامز” بينما من المفترض وفق المعايير العالمية وفي الظروف العادية تواجد 7077 ممرضا، بالتالي هناك نقص يقدر بـ 5150 ممرضا.
المجتمع الدولي
في شهر تشرين الأول/أكتوبر صوتت 11 دولة ضد قرارات مجلس حقوق الإنسان التي تدين الانتهاكات بحق الشعب السوري منذ آذار/مارس 2011 حتى الآن، حيث أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان “غير رسمية” إلى أن الغالبية العظمى من دول العالم صوتت لصالح حقوق الشعب السوري، لافتة إلى أن انضمام روسيا والصين إلى المجلس يُعزز تحالف الدول المعادية لحقوق الإنسان.
ويقول مدير الشبكة الحقوقية فضل عبد الغني: “لقد كان مجموع الدول المصوِّتة لصالح قرارات مجلس حقوق الإنسان في سوريا منذ آذار/ مارس2011 حتى الآن أكثر بكثير من الدول الدكتاتورية التي صوَّتت لصالح النظام السوري، وكذلك الحال في جميع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي قرارات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حقوق الإنسان تنتصر في جميع المحافل الدولية، لأن أغلب الدول تكترث لسمعتها ومن الصعوبة التصويت لصالح نظام إجرامي، لكن حقوق الإنسان تفشل بشكل فظيع في مجلس الأمن، ومجلس الأمن ركَّز الغالبية العظمى من الصلاحيات التنفيذية في يده؛ لهذا نشهد إخفاقاً ذريعاً على مستوى تطبيق اتفاقيات ومعايير حقوق الإنسان على صعيد الكوكب، وفي مقدمته في سوريا”.
أما منظمة “هيومن رايتس ووتش” فقد أشارت في تقرير لها منتصف الشهر الماضي، إلى أن الهجمات المتكررة للقوات المسلحة السورية والروسية على البنى التحتية المدنية في إدلب شمال غربي سوريا شكلت جرائم حرب على ما يبدو وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
كما قتلت عشرات الضربات الجوية والبرية غير القانونية على المستشفيات، والمدارس، والأسواق من نيسان/ابريل 2019 إلى آذار/مارس 2020 مئات المدنيين. كما أضرّت الهجمات بشكل خطير بالحق في الصحة، والتعليم، والغذاء، والماء، والمأوى، فتسببت في نزوح جماعي.
القدس العربي”
————————————-
أحوال اللاجئين تزداد سوءًا مع الوباء: هل نفعل ما يكفي؟
ترجمة أحمد عيشة
مقدمة
يواجه العالم في عام 2020 أسوأ أزمة صحية عامة في تاريخه، بعد ما يقرب من مئة عام من الإنفلونزا الإسبانية. لقد أصاب فيروس (كوفيد -19) عالم القرن الحادي والعشرين بالشلل، وأدى إلى تركيع الحكومات والشركات. في منتصف آذار/ مارس، بسبب عدم وجود أي تدابير أفضل، أجبر الوباء كثيرًا من الحكومات الوطنية على الدخول في عمليات إغلاق جزئية أو كاملة على مستوى البلاد، لمنع انهيار المجتمع. وعلى حد تعبير كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، هناك حالة سيئة من “الركود العالمي كسوء الأزمة المالية العالمية أو أسوأ”.
أثّرت هذه الظروف المخيفة تأثيرًا مباشرًا على الملايين. كان هناك إدراك جماعي لأهمية توفر الغذاء، والمأوى والقدرة على الحصول على الرعاية الصحية اللازمة. لكن الوباء فاقم حالة اللاجئين العالمية أكثر مما هي عليه. أصدرت كل من منظمة الصحة العالمية، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والمنظمة الدولية للهجرة، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بيانًا مشتركًا يعربون فيه عن المخاوف بخصوص الحماية العاجلة لحقوق وصحة المهاجرين واللاجئين وعديمي الجنسية. بينما أغلقت بعض البلدان حدودها، وحُرم الناس من فرصة السعي نحو/ طلب اللجوء، يكافح كثير من اللاجئين لضمان ظروف معيشية صحية وتوفير السلع الأساسية.
في حين أن كثيرًا من الأعمال قد سلّطت الضوء على الصعوبات التي يواجهها اللاجئون وعلى قانون مسؤولية الدولة، فإن هذه المدونة ستسلط الضوء على الالتزامات المحددة للدول في الظروف الخاصة التي يسببها (كوفيد -19) وتناقش كيف تعاملت الدول ووكالات الأمم المتحدة مع الوضع في الأشهر القليلة الماضية.
الالتزامات الدولية والاستجابة العالمية
أظهر التاريخ، في أوقات الشدة، سواء كانت بسبب صراعات مسلحة أو أوبئة وأمراض، أن البلدان تلجأ إلى التسلسل الهرمي لالتزاماتها، لتلبية احتياجات مواطنيها أولًا، كما لو أن حقوق الإنسان تنطبق عليهم بشكل خاص، وبدرجة ثانية على المهاجرين واللاجئين. هذا النهج غير أخلاقي وخطير، وهو أيضًا غير متوافق تمامًا مع القانون الدولي. فالقانون الدولي للاجئين ينص على التزام بسيط، وهو توفير اللجوء مع حماية حقوق الإنسان لجميع اللاجئين.
بالنظر إلى الأحوال الصعبة لطالبي اللجوء واللاجئين في مثل هذه الأوقات، يجب مناقشة استجابة الدول والتزاماتها في مجالين مهمين: الأول الحق في طلب اللجوء، والثاني الوفاء بالظروف المعيشية وحقوقها (أي حماية اللاجئين وحقوقهم). إن التحديد المهم الذي يجب القيام به يتعلق بمدى تعديل هذه الالتزامات أو إلغائها أو تضخيمها أثناء حالات الطوارئ، مثل حالة أي وباء.
الحق في طلب اللجوء
الالتزام الأول للدول -بموجب القانون الدولي للاجئين- يتعلق بالسماح لطالبي اللجوء بالدخول. الحق في طلب اللجوء هو حق من حقوق الإنسان المنصوص عليها في المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو محمي بمبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر الرفض وعدم القبول والطرد على الحدود. ومبدأ عدم الإعادة القسرية منصوص عليه في معاهدات عدة، وهو من مبادئ القانون الدولي العرفي، والمبادئ الناظمة المتفق عليها دوليًا، وهي التزام مطلق لا تلغيه حالات الطوارئ الصحية مثل الوباء.
لسوء الحظ، منذ اشتداد تفشي (كوفيد -19)، رفضت كثير من البلدان -من دون وازع- دخول طالبي اللجوء، لأسباب تتعلق بالصحة العامة والسيطرة على انتشار الفيروس.
تستند هذه الإجراءات الحكومية إلى ذريعة أن التزامات قانون اللاجئين الدولي بعدم الإعادة القسرية قد ألغتها أزمة (كوفيد -19). ولحسن الحظ، لا يمكن الاستفادة من الاستثناء الوحيد للمبدأ (منع اللجوء لشخص قد يشكل خطرًا على أمن الدولة) بموجب المادة 33 (2) من اتفاقية عام 1951. وفي ضوء الالتزام المترتب على أن الأمن القومي يمكن أن تهدده أزمة صحية، لن يكون من المناسب ولا من الممكن اتخاذ إجراء بتقديم القبول القانوني، في بلد ثالث آمن.
يجب على الدول أن تدرك أن رفض دخول طالبي اللجوء، على حد تعبير المفوضية، “يمكن أن يعرض طالبي اللجوء لمزيد من المخاطر، ولرضّات نفسية إضافية”. علاوة على ذلك، في مثل هذه الأوقات من الأزمة الوطنية، لا يمكن لدولة واحدة إدارة التدفق الجماعي للاجئين. وعلى الرغم من أن عدم الإعادة القسرية هو التزام مستقل، فإن التضامن الدولي وتقاسم الأعباء أصبحا الآن وثيقي الصلة. وبالتالي، يجب على الدول أولًا منح اللجوء مع الحد الأدنى من المعايير، ثم وضع خطط لتوزيع العبء والمسؤوليات. وفق هذا المنوال، وخاصة في سياق اللاجئين السوريين، دعت المفوضية الحكومات إلى وقف عمليات الإخلاء وعودة اللاجئين إلى البلدان المجاورة، وإلى تقاسم المسؤولية والعبء الناتجين عن موجة التدفق.
علاوة على ذلك، ينصّ قانون اللاجئين على إجراءات متناسبة ومختلفة، يمكن للدول من خلالها حماية مصالحها الوطنية مع احترام الحق في طلب اللجوء. لحماية الصحة العامة، يُسمح بإجراء الفحص العام وإجراء المقابلات، وفقًا للوائح الصحية الدولية لعام 2005 ويسمح بحجز طالبي اللجوء الأفراد كإجراء وقائي عند دخولهم، وقد حدث ذلك من قبل في حالات الأوبئة والأمراض. في ظروف خاصة، لحماية المصالح المشروعة، مثل الصحة العامة والأمن، يمكن للدول تقييد حرية الحركة والإقامة لطالبي اللجوء في مواقع محددة.
حماية اللاجئين
إن منح اللجوء يحلّ نصف المشكلة فقط. ومن الجوانب التي لا تقلّ أهمية، خاصة في أوقات كهذه، وتحتاج إلى مزيد من المساعدة والتدابير الإيجابية لحماية حقوق الإنسان، ومن ضمنها الحق في الحياة والصحة، الاهتمامُ بالظروف المعيشية الإنسانية والصحية للاجئين.
في حين أن حالة مخيمات اللاجئين ومراكز الاحتجاز مروعة في الأوقات العادية، وغالبًا ما تُنتقَد، فمن المرجح أن تكون الظروف في أثناء الوباء أسوأ. تشهد كثير من البلدان هبوطًا كبيرًا في اقتصادها، ومخاوف صحية عامة عالية، وحالات إصابة بـ (كوفيد -19) تتسلل حتمًا إلى مراكز الاحتجاز. وتفيد التقارير أن كثيرًا من مراكز الاحتجاز، في اليونان وفلسطين ولبنان، تفتقر إلى خطط الطوارئ والمرافق المناسبة للصرف الصحي والإمدادات والقدرة على فرض معايير التباعد الاجتماعي.
يتعين على الدول تطوير نظام مؤهل يضمن الحماية والظروف المعيشية المتساوية. ويجب أن يشمل ذلك أولًا، حماية الحق في الحياة وفي الصحة، وثانيًا مراعاة العناية الواجبة بالامتثال لمبدأ عدم الضرر والالتزامات المختلفة بموجب اللوائح الصحية الدولية لعام 2005. علاوة على ذلك، تحدد المعاهدات الدولية الخاصة (كل من القوانين الصارمة وغير الملزمة)، المعايير المناسبة للحماية لمختلف جوانب رعاية اللاجئين ومعاملة الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، مثل كبار السن والنساء والفتيات والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة ومجموعات الأقليات.
الالتزامات الصحية
أبلغ اللاجئون في جميع أنحاء العالم عن كثير من الصعوبات الإضافية التي ظهرت خلال جائحة (كوفيد -19)، ومن ضمنها: خسارة كاملة للدخل، وعدم القدرة على شراء الطعام والأدوية ودفع الإيجار، وعدم توفر وسائل النقل حتى للوصول إلى أقرب المشافي.
تُعدّ أنظمة المياه والصرف الصحي والنظافة جزءًا مهمًا من تدابير الوقاية، ولكن هذه المتطلبات الأساسية لم يتم الوفاء بها، كما ورد عمّا يحدث في ليبيا واليونان وباكستان وأثيوبيا وغيرها. ومع ذلك، فقد اتخذت الحكومات الوطنية والمفوضية عددًا من المبادرات لتوفير هذه الخدمات. ومن الجدير بالذكر، كأسلوب قابل للتكيف، أن البرتغال منحت الوصول إلى نظام الرعاية الصحية (كما هو متاح لمواطنيها) لجميع المهاجرين وطالبي اللجوء الذين لديهم طلبات معلقة. لقد ساهمت المساهمة النقدية لليابان في الأمم المتحدة للتدخلات الإنسانية في أوغندا بصورة جيدة في تحسين مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في المراكز الصحية.
لجعل الخدمات الصحية المتعلقة بـ (كوفيد -19) أكثر سهولة للاجئين والمجموعات الضعيفة، أعلنت المملكة المتحدة تقديم اختبار وعلاج مجاني لـلفيروس لجميع الزوار الأجانب، بغض النظر عن وضعهم من حيث الهجرة. وعلاوة على ذلك، كإجراء شامل، سنّت حكومة بيرو لائحة خاصة لتوفير الوصول المؤقت إلى تغطية التأمين الحكومية للاجئين الذين ثبتت إصابتهم بـ (كوفيد -19). وفي عديد من البلدان، مثل تشيلي وبيرو والأرجنتين، سُمح للأطباء والممرضات اللاجئين الحاصلين على تدريب طبي بالانضمام إلى قوات الاستجابة لـ (كوفيد -19).
بينما أدى إنشاء مراكز العزل وزيادة الاختبارات إلى استقرار وضع مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، فإن كثيرًا من الدول تعاني نقصًا في العاملين الصحيين، ونقصًا في اختبارات (كوفيد -19) للاجئين، وعدم القدرة على تنفيذ معايير التباعد الاجتماعي. في المناطق المتضررة من الصراع في جنوب السودان واليمن وفلسطين، يزداد الوضع سوءًا بسبب العبء الملقى على عاتق المرافق الصحية. حيث حذّر الخبراء من أن الوضع سيزداد سوءًا مع اقتراب فصل الشتاء. ولذلك يجب على البلدان زيادة التمويل والمساعدات، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المحلية والشركات الخاصة.
علاوة على ذلك، يجب على الحكومات، تعزيزًا لواجبها في الحفاظ على الحق في الصحة وحمايته لجميع اللاجئين بطريقة غير تمييزية، بناءُ مرافق الحجر الصحي وضمان توفير مرافق رعاية صحية أولية وثانوية عالية الجودة، وتوفير الأقنعة والمطهرات مع الأدوية واللوازم الأساسية الأخرى. كما يجب على الدول أيضًا ضمان توفير إمدادات عالية الجودة مثل مجموعات معدات الوقاية الشخصية وأقنعة (N 95) وغيرها من الإمدادات للعاملين الصحيين.
هناك أيضًا حاجة عميقة إلى ضمان توصيل جميع طرق ضمان الوقاية من (كوفيد -19) وفهم أعراضه من خلال “معلومات مناسبة ودقيقة في الوقت المناسب” شاملة ومتاحة لجميع الثقافات والمجتمعات والفئات العمرية والأقليات العرقية والدينية. وعلاوة على ذلك، بينما تحتاج جوانب الرعاية الصحية في المقام الأول إلى مكافحة (كوفيد -19)، يجب على الحكومات مواصلة الحد الأدنى من الخدمات للوصول إلى الرعاية الصحية الأولية والتحصين والوقاية من الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي وسوء التغذية ووفيات الأطفال. ويجب أيضًا تقديم الدعم للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي على نحو يتماشى مع الإرشادات التي أعدتها اللجنة الدائمة المشتركة بين مختلف الوكالات المعنية.
التعليم
لقد تأثر التعليم كثيرًا بالأزمة، وبينما تمكن الأشخاص الذين لديهم إمكانية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر والإنترنت من مواصلة الدراسات، بأقلّ قدر من التأثر، فمن المهم ضمان عدم تعطيل وصول اللاجئين إلى التعليم. يمكن القيام بذلك من خلال دعم المدارس للبقاء مفتوحة، حيث تكون الظروف الصحية تحت السيطرة، والاستثمار في التعليم عن بعد عبر الإنترنت أو الترتيبات المحلية غير المتصلة بالإنترنت.
تعاونت (يونيسف) ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين معًا، لمعالجة هذه المشكلة، وعملتا في بلدان مختلفة. حيث ضغطوا من أجل إحداث “ثورة في التعلم والتعليم والتدريب على المهارات”، لمواجهة آثار الوباء. في تشاد ومالي والنيجر، تعمل المفوضية جنبًا إلى جنب مع الحكومات الوطنية، لضمان إدراج اللاجئين في سياسات التعليم، وإعادة فتح المدارس وتنفيذ خطة الطوارئ لمواصلة التعليم، في فترة الإغلاق، من خلال برامج وكتيّبات التعلم الذاتي.
تُدعم البرامج التي كانت قد بدأت في وقت سابق مثل توريد “مدرسة في حقيبة” و”برنامج مدارس الشبكة الفورية” دعمًا كبيرًا. وفي بلدان أخرى، مثل أوغندا ومصر وجنوب السودان وغانا وإندونيسيا، يتعين على الوكالة العمل بالتعاون مع مجموعة التعليم أو الشركات الخاصة، لتزويد حزم الدراسة الذاتية والمواد الدراسية وبدء البث التلفزيوني والإذاعي وتقديم المساعدة النقدية لمزيد من اتصال ونقل البيانات. وقد أعربت المملكة المتحدة وكندا عن عزمهما زيادة الوصول إلى التكنولوجيا لتعزيز تعليم اللاجئين.
الفئات الضعيفة
مع ضمان الحماية، يجب على الدول أيضًا أن تضع في اعتبارها ضعف التركيبة السكانية. وغالبًا ما يعاني اللاجئون الذين يعيشون في مخيمات ذات مرافق صحية يرثى لها آثارَ الإهمال. وهذا ينطبق بشكل خاص على البلدان التي تواجه أزمة إنسانية ضخمة تكافح “بصورة طارئة الأمور الأكثر خطرًا”.
تتأثر بعض فئات الناس أكثر من غيرها، إذ يتعرض كبار السن والأطفال والنساء الحوامل لخطر الموت بسبب الفيروس، ويحتاجون إلى مزيد من المساعدة الطبية. وعلاوة على ذلك، تتحمل النساء والفتيات مزيدًا من المسؤوليات المنزلية غير مدفوعة الأجر، ويتعرضن لخطر الاستغلال الجنسي والاعتداء الجنسي، ولديهن مدخرات أقلّ بينما يتعرضن بشدة للمخاطر. مع الأخذ في الحسبان العنف المتزايد القائم على النوع الاجتماعي (الجندر)، أصدرت منظمة العفو الدولية مبادئ توجيهية لحماية حقوق المرأة والفتاة والمتحوّلين جنسيًا وثنائيي الجنس أثناء الوباء.
يعاني الأطفال كثيرًا، بسبب إغلاق برامج التغذية المدرسية وخطر العنف وعدم القدرة على الوصول إلى خدمة حماية الطفل المنقذة للحياة في أثناء الوباء. وقد أصدرت (يونيسف) نصائح سريعة حول (كوفيد -19) وحول الأطفال المهاجرين واللاجئين والمشردين داخليًا (الأطفال المتنقلون)، ووضعت اعتبارات سياسية لحماية الأطفال من وصمة العار والتمييز والعنف. والأهم من ذلك، يحتاج الأشخاص ذوو الإعاقة إلى مزيد من الدعم مع تدابير الحماية الأساسية، وهم، إلى جانب الأقليات، يعانون أخطار التمييز وسوء المعاملة. في الأردن، يتم توفير مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في مراكز الحجر الصحي، مع مراعاة الراحة وسهولة وصول ذوي الإعاقة إليها. ومن المهم ضمانُ العناية بظروفهم الخاصة من خلال تدابير متخصصة.
أفضل الممارسات العالمية
بينما لا يزال هناك طريق طويل أمامنا، في النهاية، هناك جانب مضيء. لقد اتخذت البلدان في جميع أنحاء العالم خطوات عديدة جديرة بالثناء. قامت رواندا بتوسيع نطاق التأمين الصحي المجتمعي الوطني، ليشمل اللاجئين في المناطق الحضرية. وتمّ توظيف اللاجئين السوريين في المراكز الصحية للمهاجرين في تركيا. وأدرجت أوغندا الخدمات الصحية للاجئين كقطاع أساسي تحت إشراف الوزارة، وأُدرج اللاجئون في الخدمات الصحية الوطنية في بيرو. في الآونة الأخيرة، ساهم الاتحاد الأوروبي بمبلغ (12,6) مليون يورو لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، لتأمين المساعدة المالية للاجئين الفلسطينيين في الأردن المتضررين من فيروس (كوفيد -19). وفي الهند، زوّدت عائلات اللاجئين الروهينغا الذين يعيشون في المدينة بحصص الإعاشة والمرافق الصحية في فترة الإغلاق على مستوى البلاد.
تُقدّم كثير من المنظمات غير الحكومية كثيرًا من المساعدة على أرض الواقع. على سبيل المثال لا الحصر، لدى الهلال الأحمر التركي (Kızılaykart) خطة مساعدة مبتكرة قائمة على التجاوب السريع، وقد قامت منظمة (Water4) بعمل نموذجي في الكونغو، واتخذت منظومة الأمم المتحدة مع شركاء التنمية، مثل مجموعة البنك الدولي وغيرها، خطوات رائدة للإدماج والتماسك الاجتماعي والتمويل المبسط.
الطريق إلى الأمام
الطريق إلى الأمام هو طريق التعاطف والرحمة. بينما تبذل وكالات الأمم المتحدة والحكومات الوطنية كثيرًا من الجهود، لا يمكن المبالغة في الحاجة إلى استجابة متخصصة ومخصصة لتوفير الحماية الكافية للاجئين. يجب على الحكومات أن تفي بمسؤوليتها، لتوفير اللجوء والظروف المعيشية المناسبة التي تفرضها هذه الأوقات العصيبة. والمبادئ الأساسية التي تجب مراعاتها هي تقاسم المسؤولية والحماية والإدماج في النظم الوطنية والحلول الدائمة.
في هذه المعركة، لا يُتوقّع من الدول أن تعمل بمفردها. يمكن للدول أن تتبع أفضل الممارسات العالمية، ولكن تقاسم الأعباء والمسؤوليات هو السبيل للتقدّم. ويمكنها الاستفادة من قاعدة بيانات المعلومات الخاصة بأفضل الممارسات والمشكلات الميدانية وخطط الاستجابة الإنسانية التي تقدمها المفوضية. إن العمل عن كثب مع هذه المنظمات والمنظمات غير الحكومية التي تتمتع بالخبرة والقوى العاملة، والاستفادة المثلى من مهارات وموارد اللاجئين والمهاجرين وعديمي الجنسية، يمكن أن ينجح نجاحًا كبيرًا. وبينما تعمل هذه المنظمات بجد لمساعدة اللاجئين على أرض الواقع، فإنها مقيدة بمتطلباتها المالية. وبناء على ذلك، يجب على الدول أن توفر لها التمويل الكافي، بصرف النظر عن حزم الرعاية الاقتصادية الخاصة باللاجئين. وأخيرًا، وهو الأكثر أهمية، يمكننا -المواطنين- التبرعُ لمنظمات محترمة تعمل عن كثب مع اللاجئين، وحيثما أمكن، علينا التطوع والقيام بـ “واجبنا”.
اسم المقالة الأصلي Refugee Situation Worsens with the Pandemic: Are we doing enough?
الكاتب لافانيا باثاك، Lavanya Pathak
مكان النشر وتاريخه مبادرة قانون اللاجئين، مدرسة الدراسات المتقدمة الجامعية في لندن، Refugee Law intiative، 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020
رابط المقالة https://bit.ly/3lVw1Ia
ترجمة قسم الترجمة/ أحمد عيشة
مركز حرمون
—————————————–
ناجون مع وقف التنفيذ/ شام العلي
هل ينجو السوريون من قبضة الألم وجنون الرعب عندما يعبرون هذه القارّات الواسعة؟ هل يمكن للحرب أن تتسرّب عبر كوابيس الليل والنهار لتسقي الرعب المزروع في الجسم والذهن؟ هل يمكن أن نتعافى من الماضي كما يتعافى الجلد من الحرق؟
شهم السالم مثلاً، عندما استيقظَ من غيبوبته، وجد نفسه ممدداً على فراشٍ أبيض والأطباء يتجولون حوله برداءٍ طبي. نهض من مكانه وتتبّع اللافتات المكتوبة بالألمانية ليدرك أنه في مشفى الاضطرابات النفسية. راح يذرع الغرفة جيئةً وذهابًا، تشغله الأفكار وتحتل ذهنه بلا توقف متّبعةً النسق نفسه. هل يُعقل أن يحتمل جسده القصف والصواريخ ورحلة البحر ثم ينتهي به المطاف في مشفى للأمراض العقلية؟ هل خانته صلابته وقوته؟
قبل أشهر، كان شهم قد بدأ يشعر أنه ليس على ما يرام. جلساته مع نفسه صارت تطول، تستمر لساعات. تلك الرفاهية لم تتسن له طيلة المرحلة السابقة؛ رفاهية الخلوة التي أرغمته على البقاء مع ذاته وجسده، وجهًا لوجه. ليس هناك الكثير ليلقّمه لحواسه في غرفته الصغيرة في القرية المعزولة شرق ألمانيا. كانت الغرفة مجهزةً بأربعة أو خمسة أشياء صمّاء، وهو لا يكفّ عن التنقل بضجرٍ بينها. ذكرياته في الرقّة، وأيامه في تركيا، ورحلته على طريق اللجوء، تستيقظ كلها في عقله كجيوشٍ من القوارض وتدبّ فيها الحياة. عندما يفتح صنبور المياه، يشعر بالطائرات المقاتلة تحوم حول رأسه. عندما يشرب قهوته، يدوي صوت الانفجارات في أذنيه. يسدّهما بيديه، فيعلو الصوت أكثر. يهرب منه، فيُلاحقه.
يومًا بعد يوم، راح الألم يغزو جسد شهم وعقله، يجتاحهما بطريقةٍ وحشيةٍ كأنه يلتهمهما حتى يَسودَهما. كان يراقب الألم ويحاول أن يتعامل معه، إلى أن خرج الوحش عن السيطرة. بعد محاولات شفاء لم يُكتَب لها النجاح، شعر شهم بأن عليه أن يتخلص من اكتئابه ومن ذاته التي أصبحت عبئًا عليه. تأمل في المرآة قسماته شديدة الصلابة والرجولة، ثم بدأت صورة ذاته تهلّ أمامه: شبحية، معتمة، مُمتقعة. كان كلّ شيءٍ في داخله متيبّسًا متجمّدًا. إلى أيّ حدٍّ يمكن له أن يقبع داخل هذه الذات الموحشة؟ أغمض عينيه وفتنته فكرة الانطفاء رويدًا رويدًا. حَضَّرَ كميةً من مادة «السيانيد» السامّة. تناول موته بقبضة يده، واعترته رجفةٌ باردة. سيتناول «السيانيد» ويستريح. يستريح ماضيه وحاضره في نهاية الأزمنة.
قبل أن تفتك المادة بجسمه تمّ إسعافه، ثم تحويله إلى مشفى الصحة النفسية في ولاية ساكسونيا. يقول شهم:
«استيقظتُ لأجد نفسي في المشفى، لم يحتمل جسدي فكرة أني مريض نفسيًا. بدأت عصبيتي تزداد. كنتُ أضغط على زر الطوارئ الأحمر في الغرفة. ثم أقضي الوقت مع الطبيب المناوب، أفتح معه مختلف المواضيع لأثبت له أنني سليم العقل وأن رجاحتي العقلية في أحسن صورها، لا بل ولديَ اطلاعٌ في علم النفس. اكتشفت أن لغتي الألمانية أفضل مما كنت أعتقد، لكن تم تشخيصي باضطراب ما بعد الصدمة PTSD».
التراوما بالأرقام
في محاولته للتخلص من ذاته لم يكن شهم وحيدًا. إذ ينتحر العديد من اللاجئين المصابين باضطراب ما بعد الصدمة. وفقًا للغرفة الاتحادية للمعالجين النفسيين في ألمانيا، فإن نسبة 40 بالمئة منهم لديها خطط للانتحار أو حاولت الانتحار. لكن لا تتوفر حتى الآن بيانات دقيقة حول أعداد اللاجئين الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة في ألمانيا، ولا بيانات تدلّ على حاجتهم إلى العلاج، وهو ما انتقدته شبكة الرعاية النفسية والاجتماعية للاجئين وضحايا التعذيب (BAfF) في تقريرها الأخير.
ومع ذلك، تتوفّر أرقامٌ عامة تدلّ على الواقع. فقد اعتمد تقريرٌ صادر في العام 2018 أرقاماً استقاها عبر الاستطلاع، تفيد بأن حوالي نصف اللاجئين إلى ألمانيا من سوريا والعراق وأفغانستان يعانون من صدماتٍ نفسية، وأن نصف هؤلاء بحاجة إلى مساعدةٍ علاجية. وأشارت دراسة أجراها باحثون من جامعة لايبتزغ أن نسبةً تقارب 50 بالمئة من اللاجئين الذين شملهم الاستطلاع تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة. وخلصت دراسةٌ أجرتها جامعة إيرلانغن، على عينة من 200 لاجئ سوري حاصل على حق الإقامة، أن واحداً من بين كل ثلاثة منهم يعاني من صدمة نفسية.
في حديثه إلى الجمهورية، يشرح الطبيب والاختصاصي النفسي مهيار الخشروم أن الحصول على أرقام دقيقة في حالات اضطراب ما بعد الصدمة هو أمرٌ شديد الصعوبة، لأن التراوما تتوارى ولو ظهرت. لذلك، يتوقع الخشروم أن الأرقام الحقيقية تتجاوز بكثير تلك التي تتوصّل إليها الدراسات والأبحاث.
ردّ فعل طبيعي على حدث غير طبيعي
تعود جذور مصطلح تراوما إلى اليونانية القديمة، وتعني: الجرح. والجرح النفسي، على عكس جروح الجسد، ليس مرئياً. لا يتمدد صاحبه على فراشٍ أبيض. لا تتوزع حوله الورود الملونة، ولا يحيط به العطف.
تؤدي الكثير من الصدمات إلى اضطرابات ما بعد الصدمة، وكثيرًا ما تكشف الصدمة عن وجهها بطريقةٍ لم تكن في الحسبان؛ ألمٌ في الأسنان، كوابيسٌ في الليل، نوبات ذعر. ويكون مقدّرًا لهذا الانكشاف أن يترك ندبةً غائرةً في روح الفرد؛ ندبةً تشتعل وتهدأ تباعاً على امتداد الوقت، تصاحبها رغبةٌ في إبقائها سرّية؛ رغبةٌ ملحّة، مستحيلة الترويض، وأحيانًا قاتلة.
بعد الأزمنة العصيبة التي قضاها غالبية السوريين تحت القصف والحصار وفي السجون، أو خلال رحلة اللجوء، كان من المتوقع لوصولهم إلى برّ النجاة أخيرًا أن يتركهم لينعموا بنجاتهم. لكنّ النجاة كانت بالنسبة إلى كثيرين نجاةً من المكان الذي شهد ويشهد تشكّل «التراومات»، لا من الألم. لم تكن النجاة كاملة. فاللاجئ يحمل معه إلى بلد اللجوء حقيبته والندبات التي راكمها قبل الوصول. اللاجئة تصل إلى برٍّ لا تعرف لغة سكانه، وعليها أن تتكيف مع جملة من التغييرات دفعة واحدة: صندوق البريد، الطقس الذي يتغير في اليوم الواحد عدّة مرات، ومعارك تأسيس حياةٍ من الصفر. يخوض اللاجئ هذه المعارك بينما قصته لا تزال تنبض في جسمه والأجسام الحبيبة، إن بقيت هناك أو أتت معه.
تُعرِّفُ رابطة الجمعيات العلمية الطبية الاختصاصية في ألمانيا اضطراب ما بعد الصدمة بأنه رد فعلٍ لاحقٍ مُحتمل على معايشة حدثٍ مؤلم. عند حدوث صدمة تفوق قدرة الجسد وآليات العقل على التعامل معها، يقوم العقل بتجاهلها ونسيانها وتأجيل التعامل معها، ليغرق الحدث في ذاكرةٍ خاصة مختلفة عن ذاكرة الحياة اليومية. بعض الصدمات تبقى عميقةً في الجسد ولا تترك أثرًا على حياة المصاب، وبعضها يخرج كل فترةٍ وأخرى، ليبعثر قطع حياة المصاب، التي ظنّ أنها مرتبة، ويقلب حياته. فاقَ الحدثُ قدرة الإنسان على التعامل معه ولم يستطع العقل أن يهضمه، فبقي حيّاً فيه يجاور حاضره ولا يذوب في الذكرى. يشرح الباحثون اضطراب ما بعد الصدمة على أنه رد فعل طبيعي على حدثٍ غير طبيعي.
رغم أنّ سبب الصدمة يتوارى في اللاوعي، تكفي أحيانًا صورة، لمسة أو رائحة، لتفعيل الصدمة كما لو أنّ الحدث يقع الآن. هنا تقفز مشاهد الماضي إلى ساحة الوعي على شكل صورٍ أو أعراضٍ جسديةٍ وحسيّة تسمى الفلاش باكس Flash-Backs، أي الومضات من الماضي، ويروح الحدث الصادم يعيد نفسه في عقل المصاب على شكل فيلمٍ شديد الحضور والقوة، حتى يبدو وكأنه يحدث مجدّدًا فعلًا.لشرح طريقة تعامل العقل مع الحدث الصادم، يستخدم المختصون تشبيه خزانة الملابس. عند حصول موقف يفوق قدرة العقل على التعامل معه، يُكدِّسُ العقل الذكريات على عجلة في الخزانة بشكل عشوائي ويقفل عليها الباب. لكن، إذا تمّ لمس الباب (المنبه)، سرعان ما ينفتح وتسقط قطعٌ من الملابس (ارتجاع) على رأس صاحبها. هنا يحاول العقل أن يغلق الخزانة بأقصى سرعةٍ وينهي المسألة، لكنّ الذكريات ما زالت تعج بالفوضى، وخطرُ أن ينفتح الباب مجددًا قائمٌ في كل لحظة.
علاج الصدمة يتمحور حول إخراج قطع الملابس من الخزانة، واحدةً تلو الأخرى وببطء، النظر إليها بعناية، والاعتراف بحجم الألم الذي تسببت به، ثم طيها بدقة وإعادة وضعها بشكلٍ مرتب. بهذه الطريقة، يُستدعى الحدث الصادم من اللاوعي، ويتم ترتيبه في الوعي. فلا يكون علاج الصدمة كالشفاء من المرض، وإنما هو تصالحٌ مع ما حدث. الذكريات لن تُمحَى من الذاكرة، لكنها ستكون مرتّبة، ولن تسقط بشكلٍ مفاجئٍ على رأس صاحبها.
الاندماج والصدمة لا يلتقيان
يشرح د. الخشروم أنّ اضطراب ما بعد الصدمة يفاجئ الفرد في فترات الراحة والاستقرار، ولا يظهر عادةً إلا مع تراخٍ في الزمن ومرور الوقت على الصدمة، ما يفسر الزيادة الكبيرة في الطلب على مراكز الدعم النفسي للاجئين بعد مرور فترةٍ على وصولهم إلى البلد المضيف.
وهو ما تؤكده يسيم إريم، رئيسة قسم العلاج النفسي في جامعة إيرلانغن، والتي قادت دراسةً حول الصحة النفسية للاجئين السوريين في ألمانيا. بالاستناد إلى بحثها، توضح إريم أن «المهاجرين، بشكلٍ عام، يركزون أولاً على الاندماج في الدولة الجديدة. المشاكل النفسية لا تبدأ بالظهور إلا بعد مرور بعض الوقت». وهو ما لاحَظتهُ أيضاً مديرة شبكة اللاجئين المصابين بصدماتٍ نفسية كارين لوس، التي لفتت النظر في مقابلةٍ لها مع «migazin» إلى أنّ اللاجئين لا يتوجهون لطلب الدعم عندما تفاجئهم أعراض الصدمة، ولا يتفاعلون معها بشكلٍ مباشر. تقول: «اللاجئ يعتقد بأنه بالتأكيد سيتحسن عندما يجد سكنًا. ثم يظن أن الحلّ في إيجاد عمل، ثم، ثم… لكن للأسف، لا الفرد يتحسن ولا هذا الانتظار والجهد يتعاملان مع المشكلة بحيث يستدعيان التحسّن». الأمر الذي توضحه الأرقام التي وفّرها التقرير السنوي للشبكة، حيث أن أعداد اللاجئين الطالبين للدعم النفسي لا تتناقص مع انخفاض أعداد طالبي اللجوء، وإنما تتضاعف. استقبلت مراكز الشبكة في العام 2018 أكثر من ضعفي عدد طالبي العلاج الذين استقبلتهم في العام 2016.
قبل أن تؤسس كارين لوس شبكة اللاجئين المصابين بالصدمات سنة 2007، كانت قد عملت في وظيفتها في مجلس ولاية ساكسونيا السفلى للاجئين على مشروع لدراسة الحالة الصحية للاجئين، وخلال عملها هذا سرعان ما أصبح واضحًا لها أن أكبر مشكلةٍ تواجه اللاجئين هي صعوبة الوصول إلى الدعم النفسي.
مقارنةً بتقدّم الأبحاث الدقيقة والمستمرة حول اندماج اللاجئين وسرعة تعلّمهم اللغة، ما زالت الدراسات والأبحاث حول صحتهم النفسية متواضعة وغير كافية لتوصيف الواقع، وبالتالي المباشرة بالتعامل معه. تسعى الحكومة جاهدةً لإنجاح الاندماج، إلا أنها تُغفل في محاولاتها هذه تأمين التربة النفسية الخصبة لذلك. من هنا، انتقد البيان الذي نشرته الأكاديمية الوطنية ليوبولدينا وأكاديمية برلين-براندنبورغ للعلوم في مطلع نيسان (أبريل) 2018 تَأخُّرَ الحكومة في تقديم المساعدة النفسية للاجئين، وأوصى بأن يتم الإسراع بتقديم الدعم بأسرع ما يمكن، كما أوصى بمنح اللاجئين معاينةً متخصصةً فور تسجيلهم في البلدية من أجل تحديد الحاجة المحتملة للعلاج والإسراع في تقديمه. فالمصابون بالصدمة يجدون صعوبةً في الوثوق بالآخرين، ويعانون مشاكل في التركيز ويميلون إلى الوحدة والانعزال. وبالتالي، فإن المقومات الرئيسية للاندماج غير متوفرة، ما يذهب بعروض الاندماج أدراج الرياح، لأنها لا تجد لها أرضًا. بالمقابل، ذَكَّرَ بيان الأكاديميتين بأن التدخلات العلاجية يمكنها أن تحدث فرقًا كبيرًا، وأن الصدمات يمكن أن تشفى.
ولعلّ أبرز ما لفت إليه بيان الأكاديميتين هو أن التركيز على الاندماج مع تجاهل العلاج النفسي ليس أمرًا غير مجد وهدراً للأموال الحكومية فحسب، بل يعتمد مقاربةً تزيد الطين بلّة: فمحاولة الناجي الاندماج والتعلّم، ثم فشله فيها، يضعانه تحت ضغوطٍ إضافية، ما يعمّق المعاناة النفسية ويجذّر الإحساس بالغربة عن الحاضر، وهو إحساسٌ تمليه الصدمة.
والصدمة إذا بقيت بلا علاج، تعبّر عن نفسها على شكل أوجاعٍ جسدية وآلامٍ مستمرة، ما يؤدي بالفرد لأن يصبح أقرب إلى ما أسماه البيان بـ «مرضى الباب الدوار» (Drehtürpatienten)، أي المرضى الدائمين. ما يثقل الكلفة على نظام الرعاية الصحية: وبالتالي، ما تقتصده الحكومة من تكاليف العلاج النفسي على المدى القصير، ستسدد فاتورته أضعافًا على المدى البعيد. إن الاندماج والصدمة لا يلتقيان.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الصدمة لا تتوقف عند الجيل الذي تعرض مباشرةً لها، بل يستمر الأثر بأشكالٍ مختلفة على الأولاد. فقد أكّدت دراساتٌ كثيرةٌ في علم النفس، كالدراسة التي أنجزها معهد ماكس بلانك، أن الصدمات يمكن أن تُورَّث جينيًا من جيلٍ إلى جيل، كونها تنطبع في خلايانا.
عوائق على درب الخروج من الصدمة
يُعاني اللاجئون من اضطراب ما بعد الصدمة بمعدلٍ يتجاوز تسعة أضعاف معدله لدى سكان البلد المُضيف (3.4 بالمئة)، لكنّ طريقهم إلى كرسي المُعالِج النفسي أطول بأضعاف. ومع أن الدولة الألمانية تكفل وصول اللاجئ إلى النظام الصحي، تبقى عوائق كثيرة أخرى ماثلةً على الطريق.
اللغة مثلاً تقف في بلد اللجوء «بوّابًا» يعيق الوصول إلى الدعم النفسي. تسدُّ الباب بدلاً من أن تفرش الطريق بين داخلنا وخارجنا. لتخطي عائق اللغة في العلاج، يتم أحياناً الاستعانة ببابٍ خلفي إلى النفس، فتحضر لغةٌ ثالثة لتبني التواصل بين المعالج والمريض، كالإنكليزية. وأحيانًا، يتم التواصل بواسطة مترجمٍ يحضر في لحظة العلاج الحميم.
وبحسب الأرقام التي استقتها غرفة الأطباء النفسيين في ولاية بادن فورتمبيرغ من الاستقصاء، فإنّ ما يزيد عن 50 بالمئة من المعالجين النفسيّين يتواصلون مع مرضاهم عبر اللغة الانكليزية. ولا يعتمد أكثر من الثلث على مترجمين مُدرّبين ومؤهلين لخوض العلاج النفسي، نظرًا لقلة وجودهم.
في معظم الأحيان، لا يغطي التأمين تكلفة المترجم بحسب د.الخشروم، كما أن هناك نقصاً شديداً في الاختصاصيين الذين يتكلمون العربية والكردية. يشرح الخشروم: «قيلَ لي إنني الأخصائي النفسي الوحيد الذي يتكلم العربية في مقاطعة شمال الراين. مواعيدي المخصصة للعرب الذين يحتاجون للعلاج النفسي محجوزة حتى شهرين ونصف من الآن».
بعد تجسير اللغة، تتّضح عقباتٌ أخرى، منها الذاتي ومنها الاجتماعي.
عهود، مثلاً، مانعت العلاج قليلاً لعارٍ تراه فيه ولم تَرضَ به لنفسها. عندما وصلت إلى ألمانيا عام 2016 بمنحة تبادلٍ دراسي مدّتها ثلاث شهور، ثم تمّ قبول لجوئها بمعجزة، بحسب تعبيرها. حينها، أحسّت بنت الثانية والعشرين وكأنها ولدت من جديد. ها هو العالم الكبير يفتح لها أبوابه التي حلمت بها وهي صغيرة. أرادت أن تكبر، أن تعوّض سنوات الحرب بأقصى سرعة، وأن تواكب دهشة العالم. عرفت أنها بحاجةٍ إلى قوةٍ جديدةٍ ولغةٍ جديدة. أكملت عهود صفوف اللغة في فترةٍ قياسية، وبدأت تقدم سيرتها المهنية إلى الجامعات. حينها، بدأ الحزن القديم يستيقظ داخلها. توترت علاقتها بصديقها، وبدأت عرائش الحزن في داخلها تنعكس مساحاتٍ سوداء تحت عينيها.
زارت عهود طبيب العائلة لتشتكي من ألمٍ في الرأس وصعوبةٍ في النوم، فحوّلها بعد عدد من الفحوصات إلى الطبيب النفسي. بمرافقة صديقها، خرجت من العيادة ونزلت الدرج. استبدَّ بها خوفٌ قاتم، شرع فجأةً يدور أمام عينيها كدوامة. جَمَّدَ تصلّبٌ فظيعٌ قدميها، واضطُرت إلى التشبث بالدرابزين حتى لا تهوي إلى الأمام: «أليس مثيرًا للسخرية أن أكون مريضةً نفسيًا؟ ما زلتُ في العشرينيات من عمري! هل سأقضي بقيته وأنا أبتلع المنومات!؟».
لم تكن تفكر في الموعد ولا العلاج، كان عقلها مشغولًا بإيجاد ملاذٍ لتُجنِّبَ نفسها عار الفضيحة؛ فضيحة المرض النفسي. تقول لـ«الجمهورية»: «أفلتُّ يدي من يد صديقي. اعتراني خوف أن يتركني هو الآخر. بذلتُ جهدًا كبيرًا في التحرك إلى الأمام، كانت خطواتي ثقيلة وكأنني أعبر في مستنقعٍ أو أغوص في الثلج حتى الركب. كبحتُ خوفي كي لا يظهر شيءٌ من ارتباكي. حاولتُ أن أفتح حديثًا عن موضوع آخر. أردتُ أن أشغل نفسي، أن أتشاغلَ حتى بأمورٍ تافهة. لم أرد التفكير في أيّ شيءٍ لكي لا أسقط في هوة الرعب».
قالت لنفسها: «لا بد أن الطبيب مخطئ»، وتجاهلت تحويلها إلى الطبيب النفسي. لكنّ الألمَ استمر، وراح يضغط عليها مؤكداً لها أنها ليست على ما يرام. أصبحت عهود شديدة النزق. كانت تُفاجئها نوباتٌ من الخوف، تليها نوباتٌ من العزلة، تتخللها نوباتٌ من الهلع أو البكاء. ثقتُها بنفسها كانت في أقل مستوياتها، وثِقَتُها بصديقها كانت تنهار أحيانًا. أوقاتٌ من انعدام الرغبة في الحياة، تليها أوقاتٌ من شراهة الرغبة، ثم الذعر الذي يتشبث بتلابيب الروح. توسّل إليها صديقها أن تذهب إلى الطبيب النفسي، وفي نهاية المطاف فعلت، فشَخَّصها الطبيب باضطراب ما بعد الصدمة: «بينما كان الطبيب يشرح لي طبيعة ما أعانيه، راحت صورٌ وذكرياتٌ ومواقفٌ تتوالى على رأسي وتلمع في عقلي. أدركتُ لحظتها الأمور بوضوحٍ هائلٍ. وفجأةً، كأن النقاط قد وضعت على حروف مشاعري وتصرفاتي غير المفهومة كلها».
لمدة شهرين، بقيت عهود تستيقظ في منتصف الليل مبتلةً بعرقها والرعب يتمسك بعمودها الفقري كشيطان. كان صديقها عبد الرحيم يمسك يدها لساعاتٍ ويداعب شعرها حتى تغفو. تفاصيل الاعتقال التي حسبت أنها أصبحت من الماضي عادت لتسحبها من حياتها المثالية إلى جحيم المعتقل، إلى الأغطية المحشوّة بالقمل والدم المتيبس والصرخات التي تجرح الأذن. لم تمكث عهود في المعتقل في سوريا أكثر من تسعة أيام، ثم أُفرِجَ عنها وسَاعدتها أمّها في إخفاء الخبر عن إخوتها. لم يكن من السهل عليها أن تبوح لعبد الرحيم بما مرّت به: «رغم محبتي العارمة له، إلا أنني لم أكن أستطيع أن أثق بأحد. بالتحديد أولئك الذين أحبهم».
أدركت عهود خيوط شبكة الآلام التي كانت تسحبها إلى الأسفل، وبدأت تفك العقد واحدةً تلو الأخرى في جلسات العلاج النفسي: «قبل عام، أوضح لي الطبيب طبيعة ما أنا فيه. لا أزال أشعر داخلي بالألم، ولكنّه ألمٌ مليءٌ بالوعود؛ مثل جرحٍ يحرق قبل أن يلتئم».
«عقدة الناجي»
إلى الاعتبارات الذاتية والاجتماعية، تحضر عوائق أخرى كالإحساس بالذنب لتبعد المريض عن العلاج، ومنها ما يجمع السوريين بسواهم من «الناجين». إذ، كسواهم من ناجي الحروب والصراعات، يلاحق السوريين في ألمانيا ما يصطلح عليه شعبيًا بتعبير «عقدة الناجي»: كيف لنا أن نتذمّر ونحن نعيش تفاصيل «النعيم» التي يحلم بها السوريون الأقل حظًا؟ وكيف لنا أن نحكي تفاصيل معاناتنا التي انقضت، بينما يعيش أهلنا ورفاقنا هذه المعاناة كواقعٍ لم ينته بعد؟
في المجموعات السورية على وسائل التواصل الاجتماعي، كثيراً ما تنزلق محاولات التعبير عن المعاناة إلى لعبة المقارنات، وهي لعبةٌ تتكرر حتى تكاد تنزع الشرعية عن معاناةٍ وآلامٍ في معرض تقدير سواها. صاحب المعاناة الأكبر هو الوحيد الذي يحق له أن يعبّر عنها. قوانين هذه اللعبة غير معروفة، ولا نهاية لها ولا يفوز بها أحد.
وشهم مثلاً، لم يكن ينكر بينه وبين نفسه أنه ليس على ما يرام، لكنه مثل كثيرين من أبناء بلده فَضَّلَ أن يعاني في سرّه. كما أنّ شهم كان يحتّم ممانعته لطلب المساعدة بأنّ «الأطباء البيض لن يفهموا ما انسكب عليَّ من رعبٍ وحصارٍ وموتٍ وبراميل».
عندما استيقظ شهم من غيبوبته ووجدَ نفسه ممدداً على فراشٍ أبيض والأطباء حوله، شعر بالعرق البارد يقطر خلف رقبته، وشعر برغبةٍ في الهرب، لكنّ تجربته بالحصول على المساعدة النفسية سمحت لخيوطٍ من نور أن تمسّ ذاكرته المعتمة وتغيّر رأيه بالعلاج النفسي. ما عاد يجد فيه عيبًا أو نقيصة، بل حقًا وواجبًا.
وكذلك عهود، عندما عرفت أنها بحاجة لطبيبٍ نفسي، أفلتت يدها من يد حبيبها وتمسّكت بالدرابزين خوفًا من أن تهوي. لكن بعد جلسات العلاج، صارت عهود تنام من دون أن تستيقظ مذعورةً ومُبللةً بالعرق. فهمت حكاياتها وبدأت تتعامل معها وتقلم أظافر خوفها.
الصدمة هي حدثٌ فاق قدرة عقلنا على التعامل معه، لذلك نحن بحاجة للمساعدة. إن كان علينا أن نتأقلم في البلد الجديد، فلنا الحق في أن نكون أسوياء. وإن كنا نتألم، فلنا الحق في الشفاء. وإن كنا نعاني، فلنا الحق على الأقل بأن نحكي عن ألمٍ يخنق الروح والذاكرة. لا الاعتراف سهلٌ ولا طريق التعافي تُظلّله أوراق الشجر، لكن بإمكاننا استعادة الحياة التي فقدناها وانتزاع حقنا في النجاة. بإمكاننا أن نُشرع صدورنا لخطواتٍ في الشمس، وأن نجتازَ العتبة والعتمة، كي لا تكون نجاتنا نجاةً مع وقف التنفيذ.
*****
هوامش:
– خريطة تَوزُّع مراكز الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين وضحايا التعذيب (BAfF) في ألمانيا. تُقدِّمُ مراكز الدعم النفسي المشورة النفسية والاجتماعية، كما التشخيص والعلاج في حالات التراوما واضطراب ما بعد الصدمة في جميع أنحاء ألمانيا.
– قام معهد ماكس بلانك بدراساتٍ حول الصحة النفسية للاجئين، وفي سياقها أَنتجَ فيديوهاتٍ عن الصدمة النفسية وعن الدعم الذاتي للمُصابين بالصدمة بثلاث عشرة لغة، من بينها العربية.
– هنا كتبَ مهيار الخشروم دليلًا عمليًا للمساعدة الذاتية للمصابين بالصدمات.
– يقدم مركز überleben التشخيص والعلاج النفسي للاجئين مع مترجمين مُدرّبين تدريباً خاصاً بأكثر من أربعين لغة، كما يقدم العلاج الطبي العام والنفسي، والأدوية النفسية عند الحاجة.
– وتقدم منظمة ipso care استشارات نفسية الكترونية، يقدمها مستشارون مؤهلون لتقديم المساعدة باللغة الأم من متكلمي هذه اللغة لطالبيها.
– ويطور مجموعة من الباحثين في جامعة برلين الحرة من ألمانيا، وبالتعاون مع جامعة لينشوبينغ من السويد، البرنامج الإلكتروني خطوة خطوة، الذي يقدم الدعم النفسي والمشورة.
موقع الجمهورية
—————————–
السمسرة غير القانونية: الجنسية التركية للسوريين مقابل آلاف الدولارات!/ جاد الأمين، سلجوق محمد
“إن قضية دفع المال مقابل تحريك الملفات موجودة ومنتشرة بكثرة”… يكشف هذا التحقيق انتشار ظاهرة السماسرة الذين يعملون على تحريك ملفات سوريين للحصول على الجنسية التركية مقابل مبالغ مالية.
مضى أكثر من ثلاث سنوات على تقديم السوري عمر (35 سنة) أوراقه للحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، بناءً على طلب من دائرة الهجرة في اسطنبول، لكن منذ ذلك الوقت، وحتى منتصف آب/ أغسطس 2020، بقي ملفه حبيس ما بات يعرف بالمرحلة الرابعة في مديرية النفوس في العاصمة التركية أنقرة.
وتعتبر المرحلة الرابعة ضمن عملية الحصول على الجنسية التركية من أكثر المراحل التي تستغرق وقتاً حتى يجتازها المرشح، وأحياناً لا يجتازها وتعتبر تلك المرحلة مفصلية بالنسبة إلى تحديد مصير ملفاتهم، بحسب أشخاص قابلناهم.
يقول عمر وهو أب لطفلين، إنه يحمل إقامة عمل تركية رسمية مسجلة في إسطنبول، ويعمل منذ وصوله عام 2013 بإذن عمل رسمي، ولديه تأمين صحي ووثيقة ضمان اجتماعي.
لم يسبق للرجل وهو من محافظة إدلب السورية، أن تعرض لأي توقيف أو اعتقال، مؤكداً أن تقييمه الأمني والمالي في إجراءات منح الجنسية كان إيجابياً ولا يحمل أي شبهة أمنية أو جنائية، لكن وعلى رغم ذلك، بقي ملفه يراوح مكانه.
ذهب معدا التحقيق برفقة عمر أكثر من مرة إلى مديرية الهجرة والجنسية في اسطنبول، وكان رد الموظف أن الملف سليم وليس عليه سوى الانتظار.
صبيحة 22 آب 2020، فوجئ الرجل مع أكثر من 5 آلاف سوري مرشحين للحصول على الجنسية التركية الاستثنائية، بظهور رسالة على موقع متابعة مراحل الجنسية التركية، تفيد بإزالة ملفات التجنيس بعد وصولها إلى المرحلة الرابعة، بعد فترات طويلة من الانتظار.
تتضمن الرسالة عبارة تقول، “أزيل ملفك الخاص بالحصول على الجنسية التركية الاستثنائية”.
في هذا التحقيق الاستقصائي، نكشف انتشار ظاهرة السماسرة المتعاملين مع موظفين أتراك يعملون في دوائر الهجرة والنفوس والأمن، على تحريك ملفات سوريين لاجتياز المرحلة الرابعة، وهي “مرحلة التدقيق والبحث الأمني”، مقابل مبالغ مالية ومن ثم حصولهم على الجنسية، مقابل أكثر من خمسة آلاف سوري بقيت ملفاتهم معلقة حتى تم إلغاؤها من دون أي سبب.
وبحسب القانون التركي، تمنح تركيا جنسيتها عبر أربعة مداخل، هي الإقامة بغرض العمل بشكل متواصل لمدة خمس سنوات، أو الزواج من مواطن أو مواطنة تركية، أو الجنسية الاستثنائية، أو من طريق شراء عقار بمبلغ لا يقل عن 250 ألف دولار يمنع بيعه قبل ثلاث سنوات على الأقل.
وبحسب الأرقام الرسمية، حصل 110 آلاف سوري على الجنسية التركية منذ عام 2016، بحسب ما ذكره الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ندوة عُقدت في جامعة Bilken، في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2019، لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
تحريك الملف
في مقابل حالة عمر الذي لا يملك المال الذي يتوجب دفعه للسماسرة، وعدم رغبته بسلوك هذا الطريق، حصل فراس وهو شاب سوري (38 سنة) على الجنسية والهوية التركية بطبيعة الحال بعد 55 يوماً فقط من بدء تواصله مع أحد السماسرة السوريين، إذ نقل ملفه خلال أقل من شهر من المرحلة الرابعة إلى المرحلة الخامسة مقابل 8 آلاف دولار أميركي، عبر إعادة إجراء مقابلته في مديرية الهجرة، بسبب ضياع ملفه في أروقة دائرة النفوس في أنقرة، كما أخبر معدا التحقيق.
وللتأكد من أن عملية السمسرة منظمة وليست فردية، تتبع فريق التحقيق عدداً من السوريين من الذين يودون دفع مبالغ مالية من أجل الانتقال إلى المرحلة الخامسة والحصول على الجنسية التركية.
وثق معدا التحقيق ثلاث شبكات مختلفة من السماسرة السوريين من الذين يرتبطون بعلاقات جيدة مع مسؤولين رفيعي المستوى من دوائر الهجرة والنفوس ومديريات الأمن، يقوم معظم هؤلاء بتغيير أرقامهم كل 60 يوماً، كحد أقصى ولا يعلنون أسماءهم الحقيقية إطلاقاً للزبون، ويكون التواصل بينهم وبين الذي يود الحصول على الجنسية بشكل أولي عبر تطبيق “واتس آب” و”تيلغرام”، وذلك بعد توصية وضمان إما من أحد معارف السمسار أو أحد الزبائن السابقين الذي تعامل معهم.
في مرحلة لاحقة يطلب السمسار معلومات ملف الشخص الذي يود الحصول على الجنسية قبل أن تبدأ الإجراءات اللاحقة.
سميرة فواز (44 سنة) تنتظر منذ 3 سنوات الحصول على الجنسية التركية، بعدما قدّمت أوراقها في شباط/ فبراير عام 2017، على رغم خلوه ملفها من أي نواقص، بحسب رد موظف مسؤول الجنسية في مديرية الهجرة والمواطنة في اسطنبول، لكن لا تزال منذ أكثر من سنتين في مرحلة البحث والتدقيق، وهي المرحلة التي باتت تعرف بين السوريين بالمرحلة الرابعة، وبعد محاولات كثيرة للسؤال في دائرة الهجرة في اسطنبول، حيث تقيم، وفي دائرة النفوس العامة في أنقرة، لم تحصل على إجابات واضحة أو قانونية، عن سبب عدم انتقالها إلى المرحلة التالية ثم الحصول على الهوية التركية.
تقول سميرة :” استفسرت من طريق محامٍ لديه معارف في دائرة الأمن فكان ملفي إيجابياً أي نظيفاً، وليس هناك ما يمنع حصولي على الجنسية التركية، لكنه بقي معلقاً”.
بعدما يئست سميرة من أي تحريك لملفها، قررت اللجوء إلى الطريق الآخر وهو دفع المال، رافق معدا التحقيق السيدة منذ هذه اللحظة، إذ بدأت الاستفسار عن الموضوع حتى توصلت إلى أحد المعارف ممن حصل على الجنسية مقابل دفع رشوى، وبعد ذلك تواصل هذا الشخص مع السمسار السوري، وبعد أخذ الموافقة منه أعطاها الرقم.
تحيط خشية كبيرة بالسوريين الذين يودون الحصول على الجنسية لجهة إما كشف أمر الرشوة أو تعرضهم للخداع والنصب المالي، لأن معرفة السلطات التركية بتورط موظفين مع سماسرة لمنح الجنسية عبر الرشاوى يعرض الموظفين للفصل وسحب الجنسية.
“استفسرت من طريق محامٍ لديه معارف في دائرة الأمن فكان ملفي إيجابياً أي نظيفاً،
وليس هناك ما يمنع حصولي على الجنسية التركية، لكنه بقي معلقاً”.
التواصل الأول بين سميرة والسمسار السوري حسن الذي يجيد التركية بطلاقة، كان حول سير العملية، طلبت سميرة أن يكون الدفع بعد الانتقال إلى المرحلة الخامسة، لكن السمسار طلب منها أن تقوم بإرسال معلومات ملفها للبحث في سبل تحريكه، قبل الحديث عن الدفع المالي.
بعد يومين، عاد السمسار للاتصال من رقم “واتس آب” (غير تركي) مختلف، وأخبر سميرة أن الطريق بات متاحاً للمضي بالعملية، طلب السمسار مبلغ 9 آلاف دولار يوضع بحوزة طرف ثالث، وهو الشخص الذي أعطى الرقم لسميرة على أن يتم إعطاؤه المال بعد الانتقال إلى المرحلة الخامسة. بعد مضي نحو 12 يوماً طلب السمسار من سميرة تجهيز أوراقها كاملة من جديد، وإعادة المقابلة التي أجرتها قبل 3 سنوات في مديرية الهجرة في اسطنبول، والسبب بحسب السمسار حسن، أن الملفات التي أخذت هذا الوقت أو ما باتت تعرف بالملفات العالقة هي ملفات ضائعة ولا وجود لمعظمها.
أجرت سميرة المقابلة في 16 آب/ أغسطس وتم تحويل الأوراق من جديد، بعد أيام على ذلك، أزيل ملفها من “سيستم” الجنسيات على الإنترنت بسبب إجراء غير مفهوم قامت به وزارة الداخلية، أزالت من خلاله أكثر من 5 آلاف ملف من نظام المراحل والتتبع من دون أي تبرير.
اتصلت السيدة بالسمسار فأخبرها أن هذا الإجراء زاد الأمور تعقيداً، لكنه لن يؤثر في حصولها على الجنسية، إذا وافقت على دفع مبلغ 17 ألف دولار أي زيادة على المبلغ المتفق عليه بـ8 آلاف دولار.
رفضت سميرة ذلك بحجة أنها اتفقت معه مسبقاً على مبلغ 9 آلاف، لكن السمسار أصر على ذلك وإلا سيقوم بإيقاف كل شي، رفضت سميرة الاستمرار بذلك خوفاً من ضياع أموالها وعدم قدرتها على تأمين مبلغ 8 آلاف دولار جديدة، لكن السمسار أخبرها أنها إذا انسحبت لن تعود إليها أموالها السابقة وبات يهددها بعلاقاته القوية داخل أجهزة الأمن، وحتى ساعة نشر هذا التحقيق لم تتخذ سميرة قراراً بالمضي قدماً ودفع الزيادة المالية أو الانسحاب وخسارة أمواله. وبذلك تكون سميرة وقعت ضحية السمسار من جهة والإجراءات الحكومية غير المفهومة من جهة أخرى.
عبد القادر فليفل وهو ناشط تركي يتابع الموضوع عن كثب ولديه مجموعة خاصة على “فايسبوك” تضم أكثر من 200 ألف متابع لأخبار الجنسية للسوريين يشير باستمرار إلى حصول هذه التجاوزات.
في مقابلة معه، يقول: “إن قضية دفع المال مقابل تحريك الملفات موجودة ومنتشرة بكثرة”، لافتاً إلى أن “الموظف المسؤول لو عمل على تحريك 10 ملفات سيجمع ثروة كبيرة ولن يهمه إن فصل من عمله أو بقي”.
كل شيء بالمال
وعلى رغم الحيطة الكبيرة التي يعمل بها هؤلاء السماسرة، منهم من يعمل بشكل علني وينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إعلانات متكررة لمن يود الترشح لنيل الجنسية أو تخطي المرحلة الرابعة أو حتى الحصول على الجنسية.
يقول سامر (اسم مستعار) وهو سمسار يقيم في مدينة أورفة جنوب تركيا: “أي معاملة يمكن القيام بها مقابل المال، بدءاً من عملية الترشيح وتجاوز الملفات العالقة وانتهاءً بمنح الجنسية التركية بشكل كامل خلال نحو 100 يوم”.
ويضيف: “عملية انتقال الملفات من المرحلة الرابعة إلى الخامسة تكلف نحو 10 آلاف دولار للملفات العادية و20 ألفاً للملفات المزالة”.
ويكشف لمعدي التحقيق أنه يحصل على نسبة معينة من المبلغ عن كل شخص لأنه لا يقوم بالمعاملة بنفسه بل ينقلها لشخص أعلى منه (سمسار آخر) يحصل أيضاً على نسبة من المبلغ والباقي يذهب إلى مسؤولين في الأمن ودائرة النفوس في أنقرة.
هناك سماسرة تكون علاقاتهم مباشرة مع المسؤولين في الدوائر الحكومية وبعضهم يرتبط بسماسرة أقوى ويكونون عبارة عن وكلاء. بعد أسابيع من التنسيق تمكنا من لقاء أحد السماسرة المهمين في أنقرة ممن يملكون علاقات وثيقة مع المسؤولين، أخبرنا أنه يقوم بأي معاملة نريد وأن التكلفة عنده أقل من غيره. ويقول، “إذا تمكن أحد ما من الوصول إلى هؤلاء المسؤولين من دون وساطة يمكن أن تنخفض التكاليف إلى النصف تقريباً كأن تصبح تكلفة نقل ملف المرحلة الرابعة نحو 5 آلاف دولار للملف العادي و10 آلاف للملفات المزالة”.
لكنه يضيف أن ذلك شبه مستحيل لأن هؤلاء المسؤولين متنفذين وفي حال تم كشف أمرهم يفصلون من عملهم ويعاقبون، يخبرنا هذا السمسار أنه قبل يومين تعرف إلى موظف كبير في دائرة النفوس الجديدة في أنقرة حيث تواعدا في مكان ما وقبل ربع ساعة من الموعد غيّر المسؤول مكان اللقاء، بعدما أقله حرس المسؤول بسيارتهم إلى المكان الجديد وترك سيارته في مكان الموعد الأول. يشير إلى أن اللقاءات الأولى تكون حذرة جداً لكسب الثقة، لافتاً إلى أنه دفع 4 آلاف ليرة تركية مقابل هذه السهرة وهدية قيمة لهذا المسؤول، ويختم بالقول “نحن نأخذ أقل من نصف المبلغ”.
يوسف (سمسار آخر في مدينة غازي عينتاب) يعمل في تسريع ملفات الجنسية التركية بالتعاون مع أتراك موجودين داخل مراكز البوليس التركي، لقاء مبلغ من المال.
تواصلنا معه بعد إخفاء هويتنا الصحافية، مدّعين أننا نحتاج إلى مساعدته في تحريك ملف الجنسية.
في بداية حديثنا معه نكر الأمر وأصّر على أنه لا يتعاطى بهذه الأمور وحجته كانت أن ملف الجنسية في مرحلته الرابعة (الدوام) وهذه المرحلة هي مرحلة البحث والتدقيق لدى البوليس، عن مقدم الطلب، ولا يستطيع أحد تسريع الملف في هذه المرحلة أو تخطيها من دون تدقيق، وأكد أنه يمكن أن يمكث الملف أشهراً أو سنوات بحسب حظ صاحب الطلب.
وبعد إغرائه بالمال، ووعده بالحصول على جزء من المال المقدم لمسرع الملف قال يوسف: “أرسل لي صورة الهوية (الكمليك) وأنا أرسلها إلى أحد الموظفين لدى دائرة الهجرة لكي يتم البحث عن المخفر، حيث ملف الجنسية، ومن ثم نتفق على المبلغ الكلي الذي سوف يتم دفعه مقابل تخطي هذه المرحلة والتفاصيل الكاملة حول إجراءات هذه العملية كاملة”.
في نهاية عام 2016 أقرت تركيا بحق الحصول على الجنسية التركية للسوريين، وقالت إنها تسعى لتجنيس الكفاءات السورية من الأطباء والأكاديميين وأصحاب الدراسات العليا وأساتذة المدارس وأصحاب أذون العمل لكن قبول تقديم أوراق أي سوري ضمن هذه الفئات لا يخضع لأي معايير.
يكشف مهدي داوود، رئيس منبر الجمعيات السورية في تركيا عن عدد الملفات الملغاة: “إن الملفات الملغاة تجاوز 15 ألف ملف، مذ أعلنت السلطات التركية قرار فتح باب التجنيس للسوريين قبل نحو 4 أعوام”، موضحاً لصحيفة زمان التركية أن هذه هي المرة الثالثة التي يتم فيها حذف ملفات تجنيس للسوريين؛ إذ بلغت خلال هذه المرة وحدها ما بين 4 آلاف إلى 5 آلاف ملف”.
مبالغ طائلة
وثق معدا التحقيق 16 سورياً حصلوا على الجنسية التركية بعد الانتقال إلى المرحلة الخامسة عبر دفع رشاوى، إذ يتجاوز مجموع ما دفعه هؤلاء فقط 130 ألف دولار، ولا يعرف على وجه الدقة مجموع كل من قاموا بالعملية بسبب الخوف من سحب الجنسية منهم. كما وثق معدا التحقيق شخصين سوريين آخرين دفعا 3 آلاف دولار لوضع اسميهما ضمن جداول المرشحين للتقديم على الجنسية وتسهيل إجراءات المراحل التالية وتسريعها، وأحدهم هو عبد المولى مقيم في قطر ولا يأتي إلى تركيا إلا مرة في السنة للزيارة 10 أيام، حصل على الجنسية التركية خلال أقل من 13 شهراً بعد دفع هذا المبلغ.
ظاهرة السمسرة هذه باتت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ انتقاد هذه الظاهرة عبر الكثير من التغريدات والمنشورات من خلال الإشارة غير المباشرة إلى قصص من هذا النوع.
وعلى رغم تغير موظفي وكوادر دائرة النفوس في الولايات التركية لا تزال عملية نقل الملفات جارية إلا أنها باتت أكثر صعوبة وأكثر كلفة.
اتصل معدا التحقيق مع عدة سماسرة لكن واحداً فقط تجاوب من الأسئلة عبر طلبه لمبلغ 10 آلاف دولار أمريكي لتحريك الملف من المرحلة الرابعة إلى المرحلة الخامسة وضمان الحصول على الهوية التركية خلال مدة لاتتجاوز ثلاثة أشهر كحد أقصى.
حاول معدا التحقيق الحصول على إجابات مباشرة من وزارة الداخلية التركية أو دائرة النفوس العامة في أنقرة، حول هذه الظاهرة، لكن من دون أي استجابة، وبعد محاولات عدة طلب منهم إرسال أسئلة على إيميل المكتب الصحافي للوزارة. وهكذا فعل معدا التحقيق منتصف أيلول/ سبتمبر 2020 لكن من دون أي رد، على رغم تكرار الرسالة مرة أخرى بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي، وحتى ساعة نشر هذا التحقيق لم ترد السلطات التركية على أسئلتنا حول هذا الأمر.
توزيع الرشاوى
تذهب الرشاوى المدفوعة لثلاث مستويات في الشبكة بحسب شهادات السماسرة الذين التقينا بهم في منطقة أكسراي وسط اسطنبول (منطقة شهيرة يجتمع فيها مهربو البشر إلى أوروبا وسماسرة المعاملات).
ويؤكد جميع من التقينا بهم أن الرقم الأكبر يتوزع بين موظفين في دائرة النفوس في أنقرة وموظفين في دائرة الهجرة في الولاية حيث يقيم صاحب الطلب، وبين ضباط وعناصر أمن في الاستخبارات في أنقرة، إضافة إلى السمسار نفسه وشركائه.
مصطفى عبد القادر (32 سنة) شاب سوري يعيش في تركيا، تواصلنا معه عبر “فايسبوك” بعدما كتب عن معاناته في مجموعة مغلقة على التطبيق، فأخبرنا أنه يعمل طبيباً في مستشفيات تركية، ويتحدث اللغة التركية بطلاقة، كما أنه متزوج من سيدة تركية، ولديه إذن عمل رسمي ويدفع الضرائب إلا أن ملفه ألغي من قائمة السوريين الذين ينتظرون الجنسية الاستثنائية.
يقول مصطفى: “خلال أزمة وباء كورونا كان واضحاً جهد الكوادر الطبية، والذي لا يقدر بثمن، للأسف وبعد هذا العذاب مع المرضى كان الجزاء بازالة ملف الجنسية الذي انتظرته منذ سنوات… والسبب؟ مزاجية موظف فقط لا غير”.
حاول معدا التحقيق التواصل مع أكثر من سمسار في مدينة غازي عنتاب التركية لمواجهتهم بما لدينا من أدلة ووثائق عن الموضوع، لكنهم رفضوا الحديث معنا.
وفي مقابل عمر الذي كان لا يزال ينتظر انتهاء العمليات الروتينية، أزيل ملفه من “سيستم” تتبع مراحل الجنسية التركية، وجد بعض رفاقه الذين كانوا عالقين في هذه المرحلة أساليب غير قانونية للحصول على الهوية التركية عبر دفع ما يعادل 9 آلاف دولار لسماسرة سوريين لنقل الملفات في دائرة النفوس العامة في أنقرة.
يقول عمر والحيرة واضحة على ملامح وجهه: “اليوم بات مصير آلاف السوريين معلقاً بيد هؤلاء السماسرة، بسبب الإهمال الإداري في دوائر الهجرة والنفوس العامة والفساد المستشري لدى شريحة من العاملين الحكوميين، وعلى رغم تأكيد الجهات الرسمية أنها لا تسمح بهذا النوع من السمسرة، لكن الإهمال والروتين والفساد، عوامل فتحت الباب على مصراعيه لجمع ثروات هائلة من جيوب الباحثين عن وثيقة تحميهم من خطر الترحيل أو تغيير السياسات الحكومية تجاههم نتيجة تقلب المعادلات السياسية في البلاد”.
تم تطوير هذا التحقيق بدعم من مشروع Money Trail
درج
————————————–
========================