لم نكن بانتظار البرابرة وقصائد أخرى/ حسين حبش
لا تدخل النَّعش
احمل نعشكَ دائماً
ولا تفكِّر بالموت أبداً
وإذا ما داهمكَ فجأةً
ضع النَّعشَ على الأرض
وتحايل على موتكَ.
وإنْ متَّ موتاً لا ريب فيه
إذهب وأبحث عن قبركَ
تمدَّد فيه على ظهركَ
ولا تغلق الباب عليكَ
نم في النِّهار كله
وفي اللَّيل أمعن النَّظر
في نجمتكَ.
جواب!
مَن الطَّارق؟
أنا ملاكٌ مرسلٌ، افتح الباب.
أجابه متعجباً
أخطأتَ أيُّها الملاك
وهل يفتحُ الميِّت باب قبره؟
جسارة!
أصبح على حافة الموت
ولم يقل أنقذوني
تمدَّد في وحشة القبر
وقال: بردانٌ أنا
هيَّا غطُّوني!
رحيل!
نظر إلى ساعته
وقال: هذه ساعتي قد حانت
أطبقَ قلبه وغطَّ في موتٍ عميق!
وحدة
أنتَ وحيد
وتعرف أنَّ الوحدة قاتلة
دمكَ يكاد يسيل من تحت السرير!
ردّ الجميل!
كان يملك بيتاً
وضع مفتاحه في يديها
وقال لها خذيه
وهو هدية لك.
كان يملك حصاناً
وضع السرج على ظهره
وقال لها هيا اركبيه
وهو هدية لك.
كان يملك بندقية
وضعها على كتفها
وقال لها خذيها
وهي هدية لك أيضاً.
أخذت البيت
والحصان
والبندقية.
لقمت البندقية جيداً
وأطلقت رصاصتين
على قلبه!
شوق
استبدَّ به الشَّوق
وقال: لا أحبُّ الاستبداد
حتى ولو كان في الشَّوق
ثم أجهش بالبكاء.
إيقاع حياتك
لا يمكن ضبط إيقاع حياتكَ
فأنتَ موجود في كلِّ مكان
وضائع في كلِّ زمان.
صانع مسرَّات تارةً
وصانع حسراتٍ تارةً أخرى
لذلك لا يمكن ضبط إيقاع حياتكَ أبداً
أيلزم أصلاً ضبط إيقاع الحياة؟
أعني حياتكَ التي ضيعتها
وتضيعها بجنون ولا مبالاة!
رجل غريب الأطوار
رجلٌ غريب الأطوار
يقيم في مدينة بون
يعتمر قبعةً سوداء
يمشي على ضفة “الراين”
لا يثير ريبة أحد
ولا يلتف لأحد
في عينيه حزنٌ دائم
يمشي
يمشي
ويمشي
حتَّى يتورَّم قلبه من التعب.
إرأف بمنفاكَ
احذر الموت
ولا تقل: الموت أجمل
وقسوته أرأف من المنفى
وحده الميت يعرف
كم الموت رديء وطلَّته كئيبة.
فكِّر بحالكَ
وأشكر نهار منفاكَ
فنهاره ما زال نهاراً
وشمسه ما زالت تشرق عليكَ
إذن إرأف بمنفاكَ.
أخوَّة!
يا للسكاكين التي في أيدينا
يا لطعناتنا المميتة
يا لأخوتنا الفظيعة!
إياك!
ضع يدكَ في يدي
لكن إياكَ
وأنتَ تسحبها
أن تسرق أصابعي.
لم نكن بانتظار البرابرة
لم نكن بانتظار البرابرة يا كفافيس
ولم يكن أحد منّا في استقبالهم.
وصلوا بلحاهم الطويلة وبيارقهم السَّوداء
دمَّروا القرى، شرَّدوا الناس
وسالت الدِّماء في الشوارع بغزارة.
قاومناهم بكلِّ ما أوتينا من عزمٍ وبسالة.
لم يستطيعوا السيطرة على المدينة
وسنّ قوانينهم فيها.
وصولُ البرابرة لم يكن أبداً حلاً من الحلول.
الآنَ ماذا سنفعل بهم؟
كيف سننظف المدينة منهم؟
نريد حلاً من الحلول يا كفافيس
نريد حلاً…!
كأنها أغنيتي
لم أكتب أغنية لنفسي
ولم أقرأها لأحد
لكنني كلَّما قرأت
“أغنية نفسي” لوولت وايتمان
خلتها أغنية نفسي
وينبغي عليَّ أن أقرأها لغيري
كأنَّها أغنيتي.
نحن وغيرنا
الأرض تدور كحجر الرَّحى
على صدورنا
بينما غيرنا يُدحرجها
ككرةٍ مسلِّية بين قدميه!
وهم الوصول
طوبى للذين لا يصلون إلى أي شيء، طوبى للخاسرين دوماً
تركوا أوطانهم وحملوا أوهامهم الكثيرة،
وذكرياتهم المُؤلمة كعبءٍ ثقيل.
لوَّحوا للغياب بمناديلهم التي ذابت من لوعة التلويح.
غافلوا الموت وجازفوا في غفلته كثيراً.
رفعوا على أكتافهم ما تبقَّى من غزلان الأمل
وأداروا وجوههم نحو بلادٍ لن يصلوها أبداً!
ساروا طويلاً
ساروا، حتى طالت لحية المسير من تحت أقدامهم.
لم يقل أحداً منهم، لقد تعبنا، لنأخذَ قسطاً من التَّأمل!
ضلُّوا الوصول وأيقنوا أنَّ لا حلَّ ولا أملَ ولا دليلَ يقيهم من غائلة الضياع.
جلسوا في رهبة التِّيه وسردوا حكاياتهم الحزينة على مسامع الجبال، حتَّى ذعُرتْ!
رقدوا من الإعياء في قلب الإعياء ولم يستيقظوا
لكنَّهم من خلال الكوابيس كانوا يتابعونَ آمال الطريق،
الطريق التي أكلتْ أحلامهم وابتزَّتْ رُكَبَهُم كثيراً، حتَّى أُهينتْ.
ماتوا، تاركينَ على صدورهم المخرَّمة صُوَر أطفالهم الذَّاهلة
وبقايا أحلامٍ قديمة كانت تراود خيالهم كوهمٍ أبدي.
(بون).
ضفة ثالثة