كيانات المعارضة إلى إين؟ من الائتلاف إلى هيئة التفاوض مرورا بالحكومة المؤقتة/ ماجد كيالي
تغيّر مشهد الصراع السوري كثيراً، في السنوات الثلاث الماضية، بمداخلاته وتعقيداته وتموضع الأطراف المشاركة فيه، كما بالنسبة لواقع المعارضة ذاتها، بكياناتها السياسية والعسكرية والخدمية، ويمكن تعيين السمات الأساسية لذلك المشهد على النحو الآتي:
أولاً، أضحت الأطراف الخارجية (الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل) تتحكم بمجريات الصراع في سوريا، على حساب الطرفين المعنيين (النظام والمعارضة).
ثانياً، فقدت فصائل المعارضة المسلحة، التي كانت تسيطر على مناطق واسعة من سوريا، نفوذها، منذ انخراط روسيا عسكريا في الدفاع عن النظام، قبل أربعة أعوام (سبتمبر 2015)، ما انعكس سلبا على قوتها ومكانتها إزاء النظام، الذي بات يعتبر نفسه منتصرا.
ثالثاً، تبدل تموضع تركيا، بعد أن أحضت ضمن تحالف آستانا الثلاثي مع شريكي النظام (روسيا وإيران)، منذ ثلاثة أعوام تقريبا (مطلع 2017)، وكان ذلك انقلابا سياسيا كبيرا، بالنسبة للمعارضة، وللصراع الجاري في سوريا، إذ أثر سلبا على مكانة المعارضة، وعلى كياناتها ونفوذها وصدقيتها، إزاء شعبها وفي العالم. وقد شهدنا تداعيات ذلك، بسقوط مواقع المعارضة المسلحة في حلب، نتيجة ذهاب فصائلها إلى معركة “درع الفرات” (أواخر 2016)، وصولا إلى انهيار أو اختفاء كيانات المعارضة المسلحة في الوسط والشمال والجنوب، كنتيجة لتداعيات ما يسمى “المناطق منخفضة التصعيد”، التي أضحت مناطق خالية من المعارضة، وتحت سيطرة النظام، باستثناء إدلب وما حولها.
رابعاً، باتت منطقة شرقي الفرات، وهي تشكل ثلث مساحة سوريا، تحت نفوذ الولايات المتحدة، التي تمحض دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، وهي العمود الفقري لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري)، من دون أن يكون للمعارضة السورية الرسمية، أية صلة بذلك، والتعامل مع الأمر وفقا لرؤية ومصالح ومتطلبات تركيا، بدلا من وضع مصالح شعب سوريا، وسلامة مسار ثورته في عين الاعتبار.
في مقابل كل ذلك، ماذا فعلت المعارضة إزاء كل تلك المتغيرات؟ أو ماذا فعلت لمواجهة الاستحقاقات الجديدة؟ ومثلا: هل أعادت بناء صفوفها؟ وهل عملت على توحيد خطاباتها؟ وهل قامت بتوسيع تمثيلها لاستقطاب أوسع قطاعات من السوريين؟ وبالطبع فإن الحديث هنا يتعلق بالمعارضة الرسمية، أي تلك الكيانات المتمثلة في “الإئتلاف الوطني”، و”الحكومة المؤقتة”، و”هيئة التفاوض”، ومؤخّراً أضيف ذلك الجزء (من المعارضة) المتمثل في “اللجنة الدستورية”.
واضح أن الإجابة سلبية على كل ما تقدم، مع الأسف، ذلك أن كيان “الائتلاف الوطني” بات حكرا على عشرات الأشخاص المشاركين فيه، من دون صفة تمثيلية حقيقية، أو خبرات مناسبة، ما أضعف دوره وشل فاعليته وقوض صدقيته، في حين كان يفترض به توسيع مكانته التمثيلية، والحرص على استقطاب الشخصيات الكفؤة والمؤثرة، كي يصبح حقا بمثابة الكيان الوطني الجمعي للسوريين، والمعبر عنهم، وقائد كفاحهم، والمدافع عن حقوقهم.
وبديهي أن الأمر ذاته ينطبق على “الحكومة المؤقتة”، إذ لا أحد من السوريين يعرف كيف يتم اختيار رئيسها وأعضائها، إلا من خلال تدوير المناصب بين بعض الشخصيات الموجودة، أو المهيمنة، في الإئتلاف. والأهم من ذلك لا أحد يعرف ماذا تعمل تلك الحكومة؟ أو كيف تعمل؟ وماهي الخدمات أو الإنجازات التي حققتها؟ ماهي موازنتها؟ وكيف تصرف؟
أما بخصوص “الهيئة العليا للمفاوضات”، وهي تشكلت في الرياض أواخر 2015 في نسختها الأولى برئاسة رياض حجاب، ثم في أواخر 2017 في نسختها الثانية برئاسة نصر الحريري، فهي عكست التخبّط والتشتت والمزاجية والتجريبية في المعارضة المتصدرة، فثمة ممثلون عن الائتلاف، وممثلون عن الفصائل العسكرية، ومستقلون، وممثلون عن هيئة التنسيق الوطني (دمشق)، وفي النسخة الثانية أضيف ممثلون عن المنابر الأخرى في القاهرة وموسكو، أي أن تلك الهيئة لم تعكس موقفا موحدا أو ناضجا تجاه قضايا الصراع السوري، وهو ما انعكس في تصريحات وخطابات متعارضة، أضرت بصدقيتها، وأضعفت مكانتها؛ هذا أولاً. ثانياً، في المقابل بدا وفد النظام، في مختلف الجولات التفاوضية، أكثر وحدة وتماسكا وثباتا من وفد الهيئة، أي أنه في المعركة التفاوضية فقد خسرت الهيئة العليا للمفاوضات المعركة في الصراع على الصورة، إزاء شعبها وإزاء الأطراف الدولية والإقليمية، سيما إذا علمنا أن وفد النظام كان يتألف من عدد محدود من الأشخاص، يلمون بكل الملفات، في حين كان وفد المعارضة يضم عشرات الأشخاص، من دون معايير محددة أو مناسبة. ثالثا، لم تنجح الهيئة العليا للمفاوضات في سعيها التركيز على تفعيل مفاوضات جنيف إزاء محاولات تحالف آستانا (وبينهم تركيا) خلق مسار تفاوضي جديد، أو بديل، إذ إنها لم تقاوم ذلك المسعى إلى الدرجة المناسبة، ولا حتى في خطاباتها وبياناتها، وهو ما ينطبق على الائتلاف، رغم أن الائتلاف كان صارع كثيرا من أجل الاعتراف به كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وللثورة السورية. رابعاً، طوال الجولات التفاوضية التي تم خوضها، سواء في ظل الهيئة السابقة، أو الهيئة الحالية، لم يكن هناك مفاوضات حقيقية بينها وبين النظام، إذ أن تلك الجولات اقتصرت على جلسات افتتاحية، وعلى اجتماعات مكوكية يقوم بها المبعوث الدولي بين الطرفين المعنيين (النظام والمعارضة).
القصد من كل ذلك القول إن المعارضة، وهي تقف إزاء تحديات واستحقاقات جديدة في المشهد السوري، معنية بإجراء مراجعة نقدية جدية ومسؤولة لأوضاع كياناتها، ولخطاباتها وأشكال عملها، ومعنية بتوسيع إطاراتها، ومكانتها التمثيلية، بالانفتاح على السوريين في كافة أماكن تواجدهم لاستقطاب الشخصيات الكفؤة والمؤثرة بينهم. يأتي في ذلك السعي لإعادة بناء الائتلاف الوطني، كي يصبح فعلا معبرا عن السوريين، وممثلا لقضيتهم، وضمن ذلك النظر بإيجاد آلية تضمن إيجاد تشكيلة حكومية من شخصيات فاعلة وخبيرة، وأخيرا فإن ذلك يتطلب إعادة النظر بالهيئة العليا للمفاوضات، سيما بعد مرور عامين على تشكيلها، وتجاهلها لأي تغيير في بنيتها الرئاسية، كما يفترض، بحسب نظامها الداخلي، الأمر الذي يفترض تشكيل هيئة جديدة متوازنة ومتماسكة، ومدركة لدورها ومكانتها، بعيدا عن أية حسابات أخرى.
نقول ذلك كله، أولاً، باعتبار النقد من أبجديات العمل السياسي، وباعتبار أن الثورة حالة نقدية أصلا. ثانيا، النقد السياسي هو لعملية ضرورية للمراجعة ووضع حد للأخطاء والثغرات، وللترشيد والتطوير، وللوفاء لتضحيات شعبنا. ثالثا، نقول ذلك اليوم بالتحديد مع ولادة جسم جديد، هو اللجنة الدستورية، التي يمكن أن تجبّ ما قبلها من كيانات، سيما إذا بقيت تلك الكيانات (الإئتلاف والحكومة وهيئة التفاوض) على الحال التي ذكرناها.
بروكار برس