“داعش” ينتظر انطلاقة جديدة/ فايز سارة
مضت ثمانية أشهر على معركة الباغوز التي سجلت انتصاراً حاسماً لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في مواجهة ميليشيات “داعش”، حيث ألحقت الأولى بالثانية هزيمة، قيل في حينها إنها هزيمة نهائية، ليس فقط بسبب ضخامة المعركة التي شارك فيها آلاف المسلحين من الجانبين وسط دعم من قوات التحالف الدولي في مواجهة الإرهاب، إنما أيضا لأن المعركة، كانت في الموقع العلني الأخير لـ “داعش” بعد أن تواصلت انسحابات عناصره من مختلف الجبهات وصولاً إلى الباغوز.
وقد تشارك العالم كله في إعلان انتصاره على “داعش” بعد معركة الباغوز، ولم تتخلف عن ذلك أطراف مثل نظام الأسد وإيران، ممن دعموا “داعش” سراً، ودعموه علناً بطرائق غير مباشرة، والأمثلة في ذلك كثيرة، يثبتها استمرار التنظيم في الوجود والتمدد في سوريا طوال خمس سنوات متواصلة، سيطر في خلالها على نحو ثلث مساحة البلاد، وخاض فيها معارك طاحنة وتصفيات ضد قوات المعارضة السورية المسلحة، وضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، إضافة إلى خوض “داعش” مواجهات محسوبة مع قوات النظام في معارك، جرى ترتيب نتائجها وفق توافقات مسبقة بين “داعش” ونظام الأسد.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها كُرد قوات سوريا الديمقراطية، أكثر الأطراف التي احتفلت بالانتصار على “داعش”، لأن الحرب على الأخير، كانت في المعلن هدفاُ رئيسياً للطرفين، وكانت أساس تحالفهما، ولأن الطرفين خاضا معاً غمار المعركة الأخيرة في الباغوز، فقد وضعا أيديهما على ما كان في الباغوز من “داعش”، فأسرا من بقي حيا من قادة التنظيم وعناصره، ورحلا من كان في الباغوز من نساء وأطفال “داعش”، ووضعا أيديهما على ما تبقى من أسلحة التنظيم وذخائره وممتلكاته وأمواله، والأهم أنهما وضعا أيديهما على أوراق “داعش” ووثائقها، ما وفر لهم قدرة للسيطرة على ما بقي من قدرات التنظيم البشرية والمادية، وأعطاهم فرصة لمعرفة هي الأوسع والأعمق حول التنظيم في بنيته وعلاقاته ومسيرته.
وبدلاً من أن يذهب الأمريكيون وقوات سوريا الديمقراطية إلى الكشف الواسع عما حصل من نتائج في الباغوز، وما لحق “داعش” من خسائر مادية وبشرية هناك، وما جرى الوصول إليه من أسرار التنظيم وعلاقاته، فقد طُوي الموضوع كله، وسط تسريبات محدودة، لم تقدم واحدة منها سردية مكتملة عن جانب محدد في قضية “داعش” ومسيرته، كما في مثال بيان ماذا حصل بالنسبة إلى معتقلي “داعش” في الرقة، وقد سجن التنظيم آلافا هناك في المدة ما بين 2014 و2017، واختفى كثير منهم، ما أبقى الموضوع في دائرة الأسرار، ما يؤشر إلى رغبتهما المشتركة في استخدامه وفق التطورات السياسية والميدانية المحيطة بالصراع في سوريا وعليها في المرحلة المقبلة.
وسمحت السرية التي أحيطت بها قضية “داعش” وما اتصل بها من موضوعات لطروحات تكررت في الأشهر الماضية، الجوهري فيها احتمال عودة التنظيم إلى نشاطه ولو جزئياً، وهو أمر صار غير مستبعد في ضوء عدد من الوقائع ذات الصلة.
أول الوقائع وأهمها السكوت المريب المحيط بالتنظيم وعلاقاته وبخاصة مصادر تمويله غير المعروفة، وكشف ما آلت إليه أوضاع قياداته التي لم يعد يسمع عنها إلا القليل في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون قد قُبض على أغلبهم، والتحقيق معهم، ويفترض أيضا أن يكون هؤلاء قد حُوِّلوا إلى محاكم، لينالوا جزاء ما اقترفوه من جرائم.
الواقعة الثانية، تلميحات الرئيس الأمريكي ترامب بإطلاق سراح معتقلي “داعش” الموقوفين في سجون قوات سوريا الديمقراطية، فيما لو استمر موقف الدول في رفضها استعادة مواطنيها من معتقلي “داعش”، وإصرارها على تحميل قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة كل المسؤولية في معالجة الموضوع.
الواقعة الرابعة، ما تضمنه التحقيق المصور الذي أجرته قناة سي.بي.اس الأمريكية عن معتقلي “داعش” وسجنائها في أحد سجون قوات سوريا الديمقراطية، وقد كشف أعدادا هائلة من أعضاء التنظيم وقياداته وبخاصة الشباب قيد الاعتقال، يعيشون أوضاعا مزرية، ما يعمق حقدهم، ويدفعهم وحواضنهم المتطرفة إلى التفكير في الانتقام بالسعي للتخلص من الأسر واستعادة التنظيم، وكشفت تحقيقات صحافية في الأشهر الماضية عن نساء مقاتلي “داعش” وأراملهم -وبينها تحقيق من مخيم الهول- أن ترتيبات تجري في صفوفهن، وان بعضهن، يجري تنظيمهن في خلايا، يمكن أن تضاف في وقت لاحق إلى خلايا التنظيم النائمة التي تحول إليها أعضاء التنظيم الذين لم يقتلوا أو يُعتقلوا في المعارك.
الواقعة الخامسة، وهي دعوة خليفة “داعش” أبو بكر البغدادي معتقلي التنظيم “في سجون سوريا والعراق للتمرد، ولإعادة تأسيس التنظيم” مجدداً التي خاطب فيها أعضاء تنظيمه بالقول “يجب أن تبذلوا كل جهدكم لإنقاذ إخوانكم وأخواتكم وكسر الجدران التي تسجنهم”.
ولعل بين ما يعطي الوقائع السابقة أهمية، ويعزز دورها في إمكانية عودة “داعش” إلى العلن، التذكير بالدور الذي قام به نظام الأسد بعد ثورة السوريين ضده. إذا أطلق سراح آلاف من الجهاديين ومنهم بعض الذين أصبحوا قادة وكوادر في الجماعات الجهادية من “داعش” إلى النصرة -التي صارت هيئة تحرير الشام، وجيش الإسلام وحركة أحرار الشام وغيرها، وقد قام النظام المرتبط بإيران في العراق بخطوة مقاربة، حيث سمح بفرار آلاف من الجهاديين من سجونه وبينها سجن أبو غريب شديد الحراسة والتحصين، وتهاون في مرورهم إلى سوريا، وقسم منهم صار بين قيادات “داعش” وكوادره ومسلحيه.
بروكار برس