الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 5
نبع السلام: الحرب التركية في شمال شرق سوريا/ منهل باريش ورائد صالحة وإسماعيل جمال
الأعمال العسكرية الهجومية التي تشنها تركيا بمشاركة فصائل سورية في نطاق عملية “نبع السلام” منذ الأربعاء 9 تشرين الأول/اكتوبر على مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا، منحصرة حالياً في القطاع الممتد بين تل أبيض ورأس العين، مع قصف طال مناطق في العمق السوري.
شرق الفرات: تركيا تقطع الطرق الواصلة إلى تل أبيض ورأس العين
منهل باريش
نجحت القوات الخاصة التركية وفصائل “الجيش الوطني” في السيطرة على عدة قرى ومزارع شرقي وغربي كل من مدينتي تل أبيض ورأس العين السوريتين الحدوديتين مع تركيا، ضمن معركة “نبع السلام”.
وتوسعت جبهة المعركة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في التاسع من تشرين الثاني (أكتوبر) الجاري، لتشمل قصف تركيا مناطق في الدرباسية وشرق القامشلي وجوار عين عرب (كوباني). وقصف الجيش التركي كذلك نقاط متقدمة في شمال منطقة عين عيسى (35 كم جنوباً). وتمكنت القوات التركية المهاجمة بعد قصف الأربعاء من التوغل صباحاً في عدة قرى وبلدات في منطقتي تل أبيض ورأس العين. وتجنبت القوات المهاجمة الدخول واقتحام المدينتين الحدوديتين بشكل مباشر، وفضلت السيطرة على النقاط الأسهل وتخفيف خسائر الاشتباك المباشر مع مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في حرب المدن.
ولجأت القوات التركية إلى تكتيك فتح ثغرات متعددة بهدف تشتيت قوة المدافعين. ومن الواضح كذلك أن الهدف الآني هو قطع طرق الإمداد وهو ما حصل يوم الخميس من خلال السيطرة على بير عاشق التي تعتبر عقدة طرق شرق تل أبيض، وتربط بين تل أبيض وسلوك أكبر بلدات الريف الشرقي الجنوبي. كما تعتبر بوابة الريف الشرقي الحدودي وتربط تل أبيض بقرى مشرفة الشيخ وعيساوي والجنداوي والديك الشرقي ودادات والطويلة، وهو الطريق المحاذي للحدود التركية.
في غرب تل أبيض، سيطرت القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني” على قرى تل فنر وتل أحمر ومزارع الوسيطة الشمالية. وتمكنت القوات المهاجمة من إحكام سيطرتها على قرية اليابسة وهي أعلى منطقة على الإطلاق بجوار مدينة تل أبيض ومنها ترصد الأطراف الغربية والجنوبية لتل أبيض وعين العروس الملاصقة لها من الجهة الجنوبية. وتعتبر اليابسة أول قرية تسيطر عليها القوات التركية في عملية “نبع السلام”.
وعين العروس هي البوابة الجنوبية للمدينة وعقدة الطرق الأهم التي تربط تل أبيض بعين عيسى جنوبا والريف الغربي وصولا إلى مدينة عين العرب (كوباني) وهي أحد العقدتين الرئيسيتين للبلدة (الثانية هي بئر عاشق) وفي حال السيطرة عليها (عين العروس) فهذا يعني أن طرق الإمداد الحيوية قد قطعت عن تل أبيض، وتبقى الطرق الفرعية الزراعية في القوس الممتد من عباطين شرقاً مروراً بقرى تل برغي وطاش باش وجدلة وصولاً إلى عين العروس.
في رأس العين، لم تتمكن القوات التركية ومقاتلو الفيلق الثالث في “الجيش الوطني” من إحراز تقدم على غرار ما فعل رفاقهم في تل أبيض. وتمكنوا من السيطرة على قريتي كشتو وكشتو تحتاني غرب رأس العين، ومزارع صغيرة في محور الهجوم شرق المدينة، وهي المزارع القريبة للجدار الأمني التركي الفاصل مع سوريا. وسيطرت القوات على حاجز المنطقة الصناعية غرب المدينة بعد الهجوم الذي تجدد صباح الجمعة.
وانتشر “الجيش الوطني” إلى جانب القوات التركية حسب القطاعات، فقد اتخذ الفيلق الثاني والذي يضم كلا من فرقة الحمزة والسلطان مرا د قطاع محور اخاصا للهجوم ضد قوات سوريا الديمقراطية. فيما انتشر الفيلق الثالث، والتي تعتبر الجبهة الشامية القوة الضاربة فيه إضافة لبعض الفصائل التي التحقت به مثل أحرار الشام وجيش الإسلام.
ونفى الناطق باسم “الجيش الوطني” المقدم يوسف حمود ما تم تداوله حول تأخر مشاركة الفيلق الأول وتحديداً “جيش الشرقية” و”أحرار الشرقية” في المعركة، بسبب شعورهم أن هناك رغبة بعدم إيكال دور كبير لهم مقارنة بأعداد الفيلق الثاني والثالث والذين شاركوا في المعركة.
وقال حمود في تصرح لـ”القدس العربي” إن “الفيالق مقسمة على محاور هجوم، وتم نقل الفيلق الأول إلى مواقعه حسب الخطة المرسومة”. ووصل مقاتلو الفصيلين على دفعات مساء يوم الجمعة إلى منطقة تل أبيض، ومن المرجح أن تقوم تركيا بإشراكهم في محور هجومي جديد متوسط بين تل أبيض ورأس العين، يرجح أن يكون في الأراضي الإدارية لمحافظة الحسكة، ويكون أقرب إلى رأس العين، وذلك لعدة أسباب أهمها أن هذا القطاع هو الأقرب إلى طريق M4الذي تسعى تركيا للسيطرة عليه، حيث تفصله مسافة 25 كم فقط عن الحدود التركية، ولاعتبار ضعف الكثافة السكانية في المنطقة مقارنة بمنطقتي تل أبيض ورأس العين، وقلة القرى والأماكن المأهولة وتباعدها، بالإضافة إلى سهولة الأراضي وعدم إعاقة الجغرافيا من مهمة المهاجمين على ذلك المحور.
وأكد الناطق باسم الجيش الوطني “دخول الطيران التركي في المجال الجوي السوري خلال العملية الهجومية، إضافة إلى طائرات الدرون القتالية التركية التي تشارك في المعركة أيضاً”.
على صعيد آخر، ردت قوات سوريا الديمقراطية بقصف عدة مدن حدودية مع تركيا، سقط إثره سبعة مدنيين بينهم خمسة أطفال، أحدهم رضيع سوري. وطال القصف أقجي قلعة المقابلة لتل أبيض وجيلان بينار المواجهة لرأس العين في ولاية شانلي أورفة، ومدينة نصيبين في ولاية ماردين. وذكرت وكالة الأناضول الرسمية التركية أن “قذائف الإرهابيين أدت إلى إصابة 45 مدنيا في شانلي أورفة، و24 في ماردين التركية”.
إنسانياً، قال برنامج الأغذية العالمي الذي يساعد في إطعام ما يقرب من 650 ألف شخص في شمال شرق سوريا إن أكثر من 70 ألفا من سكان رأس العين وتل أبيض نزحوا عن ديارهم وسط تصاعد العنف.
في حين قالت منظمة أطباء بلا حدود، في بيان لها يوم الجمعة، أن المستشفى العام الوحيد (الذي تدعمه) في منطقة تل أبيض اضطر للإغلاق، بعد فرار معظم عامليه تحت وطأة القصف على مدى الأربع والعشرين ساعة الماضية. وأشار البيان أن معظم العاملين في الفريق الطبي غادروا مع أسرهم، وأن تل أبيض باتت مهجورة.
وحتى ساعة إعداد هذا التقرير، كانت العمليات العسكرية الهجومية منحصرة في القطاع الممتد بين تل أبيض ورأس العين، رغم قصف عدة مناطق في العمق السوري، مثل اللواء 93 قرب عين عيسى ومناطق أخرى في المستطيل المنحصر بين طريق M4 والحدود التركية.
لا خلافات بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن “المنطقة الآمنة” والفجوة تتسع بين ترامب والكونغرس بشأن الأكراد
واشنطن-“القدس العربي”: رائد صالحة
تصر وزارة الدفاع الأمريكية على أن موقفها “كان ولا يزال أن أنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا هو أفضل طريق إلى الأمام للحفاظ على الاستقرار” مع تأكيدات على أن الجيش الأمريكي لم يجر أي تغييرات على وجود القوات في سوريا، وأن القوات تم نقلها بعيداً عن التوغل التركي لضمان سلامتهم.
وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية أن ترامب لم يمنح تركيا “الضوء الأخضر” لغزو سوريا، وأن من بين حوالي 1000 جندي أمريكي في البلاد، سيتم نقل حوالي 50 إلى 100 إلى قواعد أخرى.
ودافع ترامب عن تركيا كحليف في الناتو وشريك تجاري قوي للولايات المتحدة بعد يوم واحد من تعرضه لانتقادات شديدة من قبل الجمهوريين لقراره سحب القوات من شمال سوريا، وقام وفقا للتقارير الأمريكية، بهذا القرار بناء على طلب من الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
وقال الباحث أونير كاجابتاي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن العملية التركية التي وافقت عليها إدارة ترامب، ستسمح للرئيس التركي بتوفير مكان جاهز لإرسال مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أن اردوغان أثبت مرة أخرى مدى نفوذه مع ترامب بشأن سياسة سوريا.
وانتقد العديد من خبراء واشنطن في الشأن السوري قرار البيت الأبيض وحذروا من أن التخلي عن الحلفاء الأكراد يمكن أن يوسع الصراع السوري المستمر منذ ثماني سنوات، ويدفع الأكراد إلى التحالف مع نظام بشار الأسد.
ومن الواضح أن ترامب يتفهم جيدأ مطالب اردوغان بمنطقة آمنة على عمق 20 ميلاً و300 ميل على طول الحدود التركية السورية شرق الفرات، وينسجم هذا الادراك مع رغبته في سحب القوات الأمريكية من جميع “الحروب السخيفة التي لا تنتهي” وعدم تكرار “أكبر خطأ أمريكي بالتدخل في الشرق الأوسط”. وقال اردوغان إن تلك المنطقة ستكون مخصصة لعودة مليون لأجئ سوري على الأقل من داخل تركيا، وهدد بإرسال موجة من المهاجرين إلى أوروبا بدلا من ذلك إذا كان المجتمع الدولي لا يدعم مبادرة إعادتهم إلى سوريا.
وفي الواقع، اتفقت الولايات المتحدة وتركيا على إنشاء مركز عمليات مشتركا لتنسيق وإدارة إقامة “المنطقة الآمنة” في شمال سوريا في آب/أغسطس الماضي، ولسبب غير واضح، لم يتناول العديد من المراقبين والمحللين هذا الأمر، ولكن واشنطن التزمت بالاتفاق، الذي جاء بعد ثلاثة أيام من المحادثات المكثفة بين البلدين.
ولم تكشف واشنطن في ذلك الوقت المزيد من التفاصيل ولكنها قالت إن المنطقة الآمنة ستصبح ممراً للسلام، كما أكدت أن الوفود وافقت على معالجة التنفيذ السريع للتدابير الأولية لمعالجة المخاوف الأمنية التركية، مضيفة أنه يجب بذل كل جهد ممكن حتى يتمكن السوريون من العودة إلى بلادهم.
وضغطت تركيا على الولايات المتحدة لأسابيع لإقامة منطقة عميقة 40-30 كيلو مترا داخل سوريا، بهدف إزالة الوحدات الكردية من المنطقة وتدمير انفاقها وتحصيناتها، في حين حاولت الولايات المتحدة تقليل حجم المنطقة لمسافة 10 كيلومترات، ومن غير الواضح كيف سيكون شكل المنطقة وما هي القوات التي ستشارك في هذا الأمر.
وكان هذا الاتفاق، بمثابة ضوء أخضر من إدارة ترامب للبدء في العملية التركية في شمال سوريا، ولكن الاتفاق لم يصل إلى حد الطموح التركي بأن تتخلى الولايات المتحدة تماما عن الحلفاء الأكراد، وفي الواقع تم تصوير الاتفاق وكأنه فقط عبارة عن تنظيم آلية أمنية تهدف إلى تخفيف التوترات بين تركيا والأكراد، حيث بدأت الولايات المتحدة وتركيا بتسيير دوريات مشتركة، وقد ساعدت الولايات المتحدة في طرد بعض القوات الكردية السورية من الحدود التركية، بما في ذلك تدمير تحصيناتها، لإنشاء منطقة عازلة أصغر.
ويبدو أن الولايات المتحدة وتركيا تمكنتا من التوصل لنقطة توافق تعالج المصالح المتضاربة بين الجانبين، ومن الواضح أنه تم التوصل لاتفاق بشأن الجزء الشمالي الغربي من المنطقة الواقعة شرق نهر الفرات.
تفهم ترامب للمنطقة الآمنة والعملية التركية في شمال سوريا لم يعجب الكونغرس، بما في ذلك أعضاء المجلس من الحزب الجمهوري، ووفقا لتوقعات العديد من المحللين، فإن ترامب يتجه بالفعل نحو مواجهة مع الكونغرس بشأن قرار الانسحاب والسماح بتنفيذ الخطط التركية.
وقد أثار قرار ترامب موجة من الإدانة من الجمهوريين التقليديين، ووصف المشرعون الإعلان بأنه “كارثة في طور الاعداد” و”خطأ فادح” و”قرار فظيع”.
ويدرس المشرعون بالفعل كيفية الرد على قرار ترامب، مما يمهد الطريق لصدام رفيع المستوى مع الرئيس بمجرد عودة الكونغرس من إجازة لمدة أسبوعين.
وقالت النائبة ليز تشيني أن الكونغرس يجب أن يعمل للحد من التأثير الكارثي لهذا القرار، مضيفة أن قرار ترامب ستكون له “عواقب وخيمة يمكن التنبؤ بها”.
ويستعد أعضاء مجلس الشيوخ، الذين انتقدوا قرار سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، لرد فعل تشريعي على الهجوم التركي هناك، ولكن بعض أعضاء المجلس يشعرون بالقلق من أن شركاء الولايات المتحدة الأكراد قد يموتون بحلول الوقت الذي تفرض فيه العقوبات.
وقدم السيناتوران ليندسي غراهام وكريس فان هولين اقتراحات تشريعية حادة ولكنها مقبولة في الكونغرس لمواجهة الأزمة الحالية، ويتضمن مشروع القانون عقوبات على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وموقف أشد ضد شراء أنقرة لنظام الدفاع الجوي الروسي اس 400.
وناشد غراهام، حليف ترامب الذي ابتعد عن الإدارة علنا بسبب قرار سحب القوات من شمال سوريا، الرئيس الأمريكي لمعاقبة تركيا، وطالب بانشاء منطقة آمنة للأكراد، وقال إن قرار ترامب له عواقب وخيمة على الأمن القومي الأمريكي وأمن حلفاء الولايات المتحدة كما طالب السلطة التنفيذية بأن تشهد للكونغرس أن تركيا لا تشارك في أنشطة عسكرية في المناطق المتنازع عليها في سوريا وانه يجب سحب جميع المقاتلين الأتراك من الأراضي السورية، وهذا يعني أن الكونغرس يرفض تماما فكرة أي نفوذ تركي على أي منطقة آمنة في سوريا، أو اقامتها برعاية الأكراد فقط.
وكشف السيناتور كريس مورفي من لجنة العلاقات الخارجية أن ترامب وحده، وليس الكونغرس، يمكنه إصلاح الأزمة، ودعا الجمهوريين للضغط على ترامب، وهو اعتراف من السلطة التشريعية بعدم قدرتها على منع ترامب من الاستمرار في قراره دعم العملية التركية، والخطوة التالية بانشاء المنطقة الآمنة.
شرق الفرات: الجيش التركي يضغط لكسب الأرض والوحدات الكردية تسعى إلى حرب استنزاف
إسطنبول-“القدس العربي”: إسماعيل جمال
تتسارع بشكل كبير التطورات العسكرية والسياسية المرتبطة بعملية “نبع السلام” العسكرية التي بدأها الجيش التركي والمعارضة السورية ضد الوحدات الكردية في شرق نهر الفرات شمالي سوريا.
وبينما وضعت تركيا كل ثقلها من أجل تحقيق إنجازات عسكرية سريعة على الأرض والسيطرة في أسرع وقت ممكن على الشريط الحدودي، تحاول الوحدات الكردية توسيع أرض المعركة وتحويلها إلى “حرب استنزاف” عبر مهاجمة الأراضي التركية على طوال الشريط الحدودي وتوجيه ضربات لنقاط تمركز الجيش التركي في كل المناطق داخل سوريا.
على الجانب التركي، وبعد ساعات قليلة على بدء العملية العسكرية بضربات جوية ومدفعية واسعة، أطلق الجيش العملية البرية بشكل أسرع من المتوقع، وزج بأعداد كبيرة من الدبابات وناقلات الجنود والعربات العسكرية بالإضافة إلى وحدات الكوماندوز التي بدأت التقدم برياً جنباً إلى جنب قوات المعارضة السورية التي توحدت تحت اسم “الجيش الوطني السوري”.
ويهدف الجيش التركي إلى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض في أسرع وقت ممكن، وذلك لهدفين أساسيين، الأول سياسي متعلق بتحقيق إنجازات عسكرية قبل تزايد الضغوط الدولية أو تصاعد الخلاف مع واشنطن أو أي تغيرات غير محسوبة قد تجبر أنقرة على تجميد العملية أو إيقافها. فعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان شدد على أن بلاده لن توقف العملية “رغم الانتقادات والتهديدات” إلا أن تزايد الضغوط الدولية والتلويح بعقوبات كبيرة والخشية من صدام أكبر مع إدارة ترامب، قد تؤثر على سير العملية في الأيام المقبلة.
وعسكرياً، يسابق الجيش التركي الزمن من أجل السيطرة على عمق لا يقل عن 10 كيلومترات خلال الساعات المقبلة على طوال المنطقة الممتدة من أرس العين إلى تل أبيض وتدمير كافة الأنفاق الممتدة إلى تلك المنطقة وذلك في محاولة لإنهاء خطر قذائف الهاون وإبعاد خطر الصواريخ التي انهالت بالمئات على البلدات الحدودية التركية وأوقعت عشرات القتلى والجرحى.
في المقابل، تعمل الوحدات الكردية خطة مضادة تتمثل في تحويل المعركة إلى “حرب استنزاف” ومنع حصرها في منطقة العمليات الأساسية فقط، حيث أطلقت مئات قذائف الهاون والصواريخ على البلدات الحدودية التركية من مناطق مختلفة على طول الحدود من شرق الفرات إلى الحدود العراقية على امتداد 480 كيلومترا، في تطبيق لتهديدها السابق بـ”اشعال الحدود التركية بشكل كامل” في حال تنفيذ هجوم تركي على شرق الفرات.
وحسب إحصائيات مختلفة نشرتها الجهات الرسمية التركية ووسائل الإعلام، وصل عدد القتلى من المدنيين الأتراك إلى قرابة 17 قتيلاً وأكثر من 200 جريح في الهجمات الصاروخية التي تركزت على منطقة نصيبين في ولاية ماردين المقابلة لمدينة القامشلي السورية، ومنطقة أقجة قلعة التابعة لولاية شانلي أورفا المقابلة لمنطقة تل أبيض، ومنطقة جيلان بينار التابعة لولاية شانلي أورفا والمقابلة لمنطقة رأس العين، ومناطق أخرى تابعة لولاية غازي عنتاب، كما أطلقت صواريخ من عين العرب “كوباني” على منطقة سوروج المقابلة لها.
كما تحركت الوحدات الكردية لمهاجمة مناطق تواجد الجيش التركي في شرقي نهر الفرات، ونفذت هجمات مختلفة على الجيش التركي في محيط عفرين ومناطق درع الفرات، حيث قتل جنديين تركيين وأصيب ثلاثة آخرين في هجوم على قاعدة عسكرية تركية قرب تل رفعت غربي نهر الفرات.
وتقدر أوساط تركية أن الوحدات الكردية تعمل أيضاً بقوة من أجل تحريك الموقف الأمريكي ضد تركيا عسكرياً على الأرض إلى جانب الضغط السياسي، حيث قالت وسائل إعلام تركية إن الوحدات الكردية هاجمت الأراضي التركية من جانب المواقع ونقاط المراقبة الأمريكية، كما تحاول استجلاب رد تركي في مناطق يعتقد أن أنقرة تعهدت لواشنطن بعدم مهاجمتها مثل عين العرب والقامشلي.
وفي تأكيد لهذا الأمر، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية مهاجمة محيط نقطة مراقبة أمريكية في عين العرب، وهو ما دفع وزارة الدفاع التركية لإصدار نفي سريع والتأكيد على أن الجيش التركي هاجم مصادر للنيران والقذائف استهدفت الأراضي التركية على بعد 1000 متر من النقطة الأمريكية وأنها اتخذت الاحتياطات اللازمة لعدم إلحاق الأذى بالجنود الأمريكيين، كما نفت في وقت سابق مهاجمة القامشلي.
وصباح السبت، أكدت وكالة “الأناضول” الرسمية وصول قوات المعارضة السورية إلى الطريق الدولي “أم 4” في اختراق ميداني كبير، وسط توقعات بقرب سيطرة الجيش التركي على منطقتي تل أبيض ورأس العين، واحتمال سقوط طول المنطقة الواقعة بينهما على امتداد قرابة 120 كيلومترا، خلال فترة قصيرة كونها مناطق شبه فارغة ولا توجد فيها تحصينات للوحدات الكردية.
لكن في المقابل، لا يعرف إن كانت الوحدات الكردية سوف تبقي المعركة في الإطار الذي تحاول تركيا الإبقاء عليه -المنطقة الممتدة ما بين رأس العين وتل أبيض-أم أنها سوف تواصل استهداف الأراضي التركية على طول الشريط الحدودي وهو ما قد يطيل أمد المعركة ويزيد من حجم الخسائر في الجانب التركي.
تركيا تتحوّط… واشنطن تهدد بـ”شل” الاقتصاد وأنقرة تلوّح بالرد
إسطنبول ــ عدنان عبد الرزاق
تصاعدت المناوشات بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، بعد تلويح واشنطن باستخدام ورقة العقوبات الاقتصادية ضد أنقرة لوقف عمليتها العسكرية شمال سورية، فيما يشير خبراء اقتصاد إلى تحوّط الحكومة التركية من إمكانية تعرّض الاقتصاد لمشاكل في ظل الأجواء الحالية.
وقال وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، إن الولايات المتحدة تستطيع “شل” الاقتصاد التركي “إذا اضطرت إلى ذلك”، مع استمرار هجوم أنقرة على المقاتلين الأكراد، لتعلن تركيا أنها سترد بالمثل على أية عقوبات.
وقال منوتشين، في مؤتمر صحافي، يوم الجمعة، إن “الرئيس دونالد ترامب يعتزم توقيع مرسوم لردع تركيا عن مواصلة هجومها العسكري في شمال شرق سورية”، مضيفا: “إنها عقوبات شديدة جدا. نأمل ألا نضطر للجوء إليها، ولكننا نستطيع شل الاقتصاد التركي إذا اضطررنا إلى ذلك”.
وتابع أن العقوبات يمكن أن تشمل أي شخص على صلة بالسلطات والحكم في أنقرة، محذرا المؤسسات المالية التركية من أنها قد تكون عرضة للعقوبات.
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، في بيان، إن بلاده أبلغت الإدارة الأميركية على كافة المستويات حول انطلاق العملية العسكرية “نبع السلام” ضد التنظيمات الإرهابية شرقي الفرات، منذ الأربعاء الماضي.
وأضاف “تركيا تحارب تنظيمات إرهابية تشكل تهديداً على أمنها القومي، وهذا الكفاح سيستمر بحزم، ولا ينبغي لأحد أن يشك في أننا سنرد بالمثل على أي خطوة تتخذ ضد بلادنا في إطار المعاملة بالمثل”.
ويعيد التلويح الأميركي بفرض عقوبات على تركيا، إلى الأذهان، الأزمة التي نشبت بين واشنطن وأنقرة في أغسطس/آب 2018، وأدت إلى تهاوي الليرة التركية لتفقد أكثر من 30 في المائة من قيمتها.
لكن خبراء اقتصاد يرون أن المشهد مختلف هذه المرة، في ظل الإجراءات التي اتخذتها تركيا منذ ذلك الحين للسيطرة على تحركات الأموال الساخنة وكبح المضاربات التي كان لها دور كبير في تهاوي الليرة قبل نحو عام.
وقبل تهديد وزير الخزانة الأميركي بـ”شل الاقتصاد التركي”، هدد ترامب، يوم الإثنين الماضي، بـ”محو الاقتصاد التركي”، وتراجعت الليرة التركية قليلا بنسبة لم تتجاوز 2 في المائة، لتعاود في اليوم التالي استقرارها، حيث إن الأسواق لم تأخذ، على ما يبدو، تصريحات الرئيس الأميركي، على مأخذ الجد، إذ تراجع بعدها بساعات ليقول في تغريدة على “تويتر”، يوم الثلاثاء إن “تركيا شريك تجاري كبير للولايات المتحدة. وفي الواقع، فإنّهم يصنعون الهيكل الفولاذي لأربع طائرات من إف ـ 35”. وأضاف ترامب “لنتذكر دائماً، وعلى نحو مهم، أنّ تركيا عضو مهم للمكانة الجيدة لحلف شمال الأطلسي”.
وقال فراس شعبو، أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير التركية، لـ”العربي الجديد”، إن من الطبيعي أن تشهد الأسواق التركية هروب بعض الأموال الساخنة أو المضاربات في مثل الظروف الحالية، لأنها تبحث عن الربح السريع، لكن على الحكومة التركية زيادة الرقابة خلال هذه الفترة والتدخل إذا اقتضت الحاجة.
والأسبوع الماضي، أرسلت أنقرة وموسكو رسالة إلى الإدارة الأميركية، عبر الكشف عن اتفاق روسي تركي على استخدام عملتي البلدين الليرة والروبل في التسويات المالية بينهما. وقالت وزارة المالية الروسية، يوم الثلاثاء الماضي، إنّ الوزير أنطون سيليانوف وقّع اتفاقاً مع تركيا لاستخدام عملتي البلدين المحليتين في المدفوعات والتسويات بينهما.
وتابعت الوزارة أنّ الاتفاق الموقّع، في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، يهدف إلى التحول تدريجياً لاستخدام الروبل والليرة في التسويات بين البلدين. ويسعى الاتفاق إلى ربط البنوك والشركات التركية بالنسخة الروسية من نظام سويفت للمدفوعات وتعزيز البنية التحتية في تركيا، مما سيسمح باستخدام بطاقات “إم.آي.آر” الروسية التي صممتها موسكو كبديل لبطاقات ماستر كارد وفيزا.
وقال محمد كامل ديميريل، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، لـ”العربي الجديد”، إن الأموال الساخنة هي التي تضر بالاقتصاد، لكن تركيا أضحت متحوطة لتلك الأموال.
وأشار ديميريل إلى طرح الحكومة مشروعات كبرى للمستثمرين على مبدأ المشاركة لفترات زمنية متوسطة وطويلة، ووضع شروط وضوابط للاستثمارات، تفادياً لاستخدام الأموال بالمضاربة خلال أي حدث طارئ، حيث تقوم هيئة الرقابة المصرفية على البنوك بتحديد نسب للأموال الساخنة والمضاربات في البورصة وتراقب أداء السوق النقدي وتضبطه باستمرار.
ويرى محللون أن تركيا والولايات المتحدة لا تعتبران شريكين تجاريين مهمين بالنسبة إلى بعضهما، وبالمقارنة بحجم التجارة الخارجية لكل منهما، فحجم التبادل التجاري بينهما يمثل نحو 0.5 بالمائة فقط من حجم التجارة الخارجية الأميركية، ونحو 5.3 في المائة من إجمالي حجم التجارة الخارجية لتركيا.
العربي الجديد
ترامب: لنترك تركيا تتدبر أمور حدودها
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فجر الأحد، إنّ حزب “العمال الكردستاني” غير قادر على صد القوات التركية التي بدأت عملية عسكرية ضده شمال شرقي سورية، لافتاً إلى أن الحزب الكردي يميل للانسحاب من الحدود التركية السورية بعمق 30 كيلومترا.
وأضاف ترامب خلال فعالية في واشنطن، نقلتها وكالة “الأناضول”، “آمل أن ينسحبوا (العمال الكردستاني)، إذا لم يكن لديكم طائرات فمن الصعب جدا التغلب على قوة تمتلك طائرات (في إشارة إلى القوات التركية)”.
وأشار الرئيس الأميركي إلى أن “الحزب الكردي يميل للانسحاب من الحدود التركية السورية بعمق 30 كيلومترا”.
وتابع ترامب أنه “بقي وسط خلاف بين بغداد وإدارة إقليم كردستان بشمال العراق العام الماضي، فيما هذه المرة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني”.
وأضاف أن التنظيم “يميل للانسحاب إلى عمق 22 ميلاً (30 كيلومترا) على طول الحدود التركية السورية وهذا سيكون أمراً جيداً”، مشدداً القول “دعوا (الأتراك) يتدبرون أمر حدودهم”.
وأشار إلى أنه “في الوقت الذي لا نستطيع فيه حماية حدودنا، فينبغي ألا ننتظر 50 عاماً أخرى على الحدود التركية السورية”.
واستدرك بالقول: “الجنود الأميركيون لا ينبغي لهم أن يكونوا في تلك المنطقة لحماية حدود بين بلدين، في الوقت الذي لم تتمكن بعد الولايات المتحدة من حراسة حدودها الذاتية”، في إشارة إلى الحدود الجنوبية مع المكسيك.
ولفت ترامب إلى أن الإعلام الأميركي كان سيستهدفه بغض النظر عن قراره حول سحب الجنود الأميركيين من سورية.
وقال “لو اتخذت قراراً عكس ذلك وقلت إننا سنبقى ونحارب تركيا، لكانوا سيكرهونني أيضاً بغض النظر عن القرار الذي أتخذه”.
والأربعاء الماضي، أطلق الجيش التركي بالتعاون مع الجيش الوطني السوري، عملية عسكرية في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سورية.
دعم الأقليات في سورية
ومن جانب آخر، وافق ترامب على تخصيص 50 مليون دولار لمساعدة المؤسسات والمنظمات التي تعتني بحماية حقوق الأقليات العرقية والدينية في سورية.
وذكر بيان للبيت الأبيض، أن ترامب يولي الأقليات العرقية والدينية التي تعاني في سورية، أهمية كبيرة.
وأضاف أن ترامب أفرج عن مساعدة بقيمة المبلغ المذكور، من أجل تحسين حقوق الإنسان وحماية الأقليات العرقية والدينية في سورية.
وأشار إلى أن المساعدة سيتم إرسالها إلى مؤسسات ومنظمات تدافع عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات تعتني بعمليات إعادة التأهيل في سورية، من دون تفاصيل إضافية.
130 ألف نازح من تل أبيض ورأس العين
جنيف، إسطنبول – العربي الجديد، جابر عمر
أعلنت الأمم المتحدة، اليوم الأحد، أن أكثر من 130 ألف شخص نزحوا من مناطق ريفية في محيط مدينتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين بشمال شرق سورية، نتيجة للقتال بين قوات تقودها تركيا وفصائل كردية. في حين أقفلت المدارس في بلدات تركية حدودية قريبة من مناطق العمليات.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان، اليوم الأحد، أن تقديراته هو ووكالات إغاثة أخرى تشير إلى أن ما يصل إلى 400 ألف مدني في منطقة الصراع تلك في سورية ربما يحتاجون إلى المساعدة والحماية في الفترة المقبلة.
وأشار التقرير إلى أن الوضع المائي في مدينة الحسكة والمناطق المحيطة بها يتدهور بسرعة ويصبح حرجًا، إذ إن الفرق الفنية لم تتمكن بعد من الوصول إلى الموقع لإصلاح الأضرار. ولفت إلى أن الأمم المتحدة تواصل دعوة الأطراف المعنية لتسهيل الوصول إلى إصلاح خط الطاقة واستعادة إمدادات المياه.
وأكد أن أكثر من 400 ألف شخص يتأثرون بشح المياه وتعطل وصولها، بما في ذلك نحو 82 ألفاً من سكان المخيمات في الحول وعريشة، التي تستضيف غالبية النازحين الذين وصلوا في اليومين الماضيين من مخيم مبروكة، ومجموعهم يقدر بنحو 5033 نازحاً.
ولفت التقرير إلى أن المستشفيات العامة والخاصة أغلقت في رأس العين وتل أبيض أول من أمس الجمعة، لافتاً إلى أن تعبئة الجهود تنصب على الاستجابة إلى حاجات نحو 33 مأوى جماعياً تم تحديدها حتى الآن، وهي في مدينة الرقة (مأوى واحد)، ومدينة الحسكة (14 مأوى)، والتامر (18 مأوى).
تعليق الدراسة في بلدات تركية
على صعيد متصل، أعلنت ولايتا ماردين وشانلي أورفا في جنوب تركيا، اليوم الأحد، تعليق الدراسة في عدد من البلدات الحدودية في الأيام المقبلة، خشية سقوط مزيد من القذائف من داخل سورية، مصدرها وحدات الحماية الكردية، رداً على العملية العسكرية التركية.
وكانت أنقرة قد أعلنت مقتل 17 مدنياً؛ بينهم رضيع سوري وإصابة العشرات، نتيجة القصف الذي تعرّضت له المدن والبلدات الحدودية، من قبل المليشيات الكردية.
وبحسب الإعلان الرسمي سيتم تعطيل الدراسة في البلدات التركية ثلاثة أيام، وتشمل كامل بلدة نصيبين في ولاية مرتين، والأجزاء القريبة من بلدات أرتوكلو وقزل تبه، وذلك بعد توقيف الدراسة الأسبوع الماضي لمدة يومين.
أما في ولاية شانلي أورفة، فإن جميع مدارس بلدتي أقجة قلعة، وجيلان بينار، المواجهة مباشرة لبلدتي رأس العين وتل أبيض السورية، تم توقيف الدراسة فيها ثلاثة أيام أيضاً، كما أوقفت الدراسة جزئياً في بلدتي سوروج وبيرجيك.
وتأتي المخاوف التركية من تواصل قصف البلدات التركية مع تواصل العملية العسكرية، وتأخر فرض السيطرة التركية على المنطقة الحدودية، ما يتيح فرصاً أكبر للمليشيات الكردية بتنفيذ مزيد من الهجمات على المدن التركية.
وخلال عملية غصن الزيتون التي جرت العام الماضي، في منطقة عفرين، فقد سبعة مدنيين أتراك حياتهم جراء القصف الذي كان مصدره الوحدات الكردية، في حين جرح 113 آخرون.
الجيش الوطني يسيطر على سلوك واجزاء من رأس العين
سيطرت قوات “الجيش الوطني” بدعم من القوات الخاصة التركية على بلدة سلوك شرقي مدينة تل ابيض في ريف الرقة الشمالي، فجر الاحد، بعد هجوم مباغت، بحسب مراسل “المدن” عدنان الحسين.
وتمكنت قوات “الفيلق الأول” من التحرك ليلا عبر الحدود التركية، ومن القرى التي سيطرت عليها، السبت، والتوغل في بلدة سلوك حيث لم تلق أي مقاومة بعد انسحاب “قوات سوريا الديموقراطية” منها، إضافة للسيطرة على قرى اخرى في المحور الشرقي لمدينة تل ابيض وصولا إلى الاوتستراد الدولي عبر عمليات تسلل وخلايا تابعة لـ”الجيش الوطني”، ما أدى لمقتل واسر عدد من عناصر “قسد” اثناء مرورهم على الطريق الدولية.
وفي المحور الغربي لمدينة تل أبيض، أحرزت قوات “الجيش الوطني” تقدماً واسعاً وسط انهيار في صفوف “قسد”، وسيطر مقاتلو المعارضة على قرى الطريق الدولي بالكامل، فيما ترافق ذلك مع انسحاب “كامل” للمقاتلين الأكراد من عين عيسى باتجاه الچلبية.
ووفق ما ذكرت مصادر لـ”المدن”، فإن القرى المسيطر عليها حتى الآن هي: دغيليب – الجهبل – الخالدية – صيدا – معلق – مخيم عين عيسى.
واوضحت المصادر أن “الجيش الوطني” أصبح على مدخل عين عيسى، لكن القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة أقامت حاجزاً عند قرية الخالدية لمنعه من التقدم بإتجاه القاعدة الأميركية المتواجدة هناك.
التقدم الواسع لـ”الجيش الوطني”، وبتغطية مدفعية فقط من الجيش التركي، سببه أن كل القرى التي تقدموا فيها هي مناطق عربية وقرى في أراض سهلية اعطت أفضلية للقوى المهاجمة.
ومن المتوقع ان توسع قوات “الجيش الوطني” تقدمها من خلال التوجه جنوباً وشرقاً باتجاه مدينة تل ابيض، خاصة بعد السيطرة على صوامع الدهليز على أطراف المدينة، والتي من المتوقع ان تسقط سريعاً في يد قوات المعارضة بعد حصار من كل الجهات سوى منفذ واحد.
وعلى محور مدينة رأس العين، ظلت الاشتباكات مستمرة بعد سيطرة “الجيش الوطني” على أجزاء واسعة من المدينة خلال الساعات الماضية، لكن قوات “قسد” شنت ليلاً هجوماً واسعاً، مستغلة انفاقاً كانت قد حفرتها سابقاً، واستعادت اجزاء واسعة من المدينة، الا ان فصائل المعارضة تمكنت من الاحتفاظ بحي الصناعة والمعبر الحدودي ومن المتوقع ان تشن هجوماً جديداً اليوم.
وتستخدم قوات المعارضة تكتيكاً استخدمته سابقاً خلال عملية “غصن الزيتون”، حيث تسيطر على مواقع واسعة وتنسحب ليلاً من أجزاء منها بهدف تقليل خسائرها ثم تهاجم في اليوم التالي وتوسع سيطرتها وتقدم مواقع رباطها وبذلك تنجح في احكام سيطرتها المواقع الرئيسية.
وتبدو “قوات سوريا الديموقراطية” غير قادرة على المواجهة سوى في المدن الكبرى من خلال حرب العصابات، خاصة انها انهارت بشكل واسع في القرى العربية شمال شرقي وغربي الرقة رغم تجنيدها لالاف الشبان.
ويشكل العنصر البشري من المكون العربي قبان ميزان القوى عند “قسد”، الا ان عدم مشاركته في المعارك الحالية إلا باعداد قليلة، يعطي احتمالاً كبيراً لانهيار “قسد” في المعارك المقبلة.
وتتجه قوات المعارضة والقوات التركية لفتح محور جديد للمعارك في الجهة الغربية لمدينة عين العرب/كوباني، من خلال هجومين متوقعين: الاول عبر جسور عائمة باتجاه بلدة الشيوخ، والثاني من الحدود السورية التركية غرب عين العرب/كوباني بـ15 كيلومتراً، حيث دفعت بقوات كبيرة من أجل ذلك.
ترامب: على الأكراد السوريين أن يقاتلوا وحدهم
دافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قراره سحب القوات الاميركية من شمال شرق سوريا، وقال للنشطاء المسيحيين المحافظين إن الولايات المتحدة يجب أن تعطي الأولوية لحماية حدودها.
وقال ترامب في كلمة ألقاها في مؤتمر سنوي للمحافظين المتدينين في واشنطن “لا أعتقد أن جنودنا يجب أن يكونوا هناك طوال الخمسين عاما القادمة لحراسة الحدود بين تركيا وسوريا عندما لا نستطيع حراسة حدودنا في الداخل”.
وانتخب ترامب في عام 2016 بعدما دعا في حملته الانتخابية إلى تشديد سياسة الهجرة وسعى إلى جعل الهجرة القانونية وغير القانونية إلى الولايات المتحدة أكثر صعوبة خلال فترة حكمه المستمرة منذ أكثر من عامين. كما سعى إلى بناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك ضمن إجراءات أخرى.
وبعد مكالمة هاتفية بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد الماضي، غيّر ترامب سياسته فجأة وأمر بسحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا والتي كانت تقاتل مع “وحدات حماية الشعب” الكردية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وخلال أيام بدأت تركيا هجوما على “وحدات حماية الشعب” التي تقول إنها جماعة إرهابية تدعم المتمردين الأكراد في تركيا.
وقال ترامب في تصريحاته الأخيرة، إن على الأكراد السوريين أن يقاتلوا بمفردهم. وتابع ترامب “لا تنسى أنهم يقاتلون من أجل أرضهم. لم يساعدوننا في القتال من أجل أرضنا. هم يقاتلون من أجل أرضهم وهذا أمر جيد لكننا ساعدناهم”.
وتسيطر “قوات سوريا الديموقراطية”، التي تتقدمها “وحدات حماية الشعب” الكردية، على معظم الأراضي التي كانت تمثل “خلافة” تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، وتحتجز آلافاً من مقاتلي التنظيم المتشدد في أحد السجون.
انتقد بعض الزعماء الإنجيليين ترامب بسبب سياسته تجاه سوريا وقالوا إنه يهدد عشرات آلاف المسيحيين في منطقة يسيطر عليها المسلمون.
وتعرض ترامب أيضا لانتقادات نادرة من شخصيات بارزة في حزبه الجمهوري اتهمته بالتخلي عن الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة. وقال ترامب إنه لا يؤيد التوغل التركي لكن مئات الأكراد تظاهروا أمام البيت الأبيض يوم السبت واتهموا ترامب بالتخلي عن الأكراد في مواجهة الهجوم التركي.
“الجيش الوطني” يسيطر على رأس العين
أعلنت وزارة الدفاع التركية، السبت، السيطرة على مدينة رأس العين السورية شرقي نهر الفرات، في إطار عملية “نبع السلام”، “نتيجة العمليات الناجحة المستمرة في إطار عملية نبع السلام”.
وأفادت وكالة “الأناضول” أن “الجيش الوطني” وصل إلى الطريق الدولي منبج-القامشلي شرقي سوريا.
وقال المتحدث باسم “الجيش الوطني” يوسف حمود، لـ”رويترز”، إن المقاتلين قطعوا الطريق رقم 712 الذي يربط بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، محور الهجوم التركي. ويمثل الطريق نفسه الحدود في بعض المناطق ويمتد بضعة كيلومترات داخل سوريا في مناطق أخرى.
وقال حمود: “التقدم هذا كان محورا جديداً ومفاجئاً… ما بين تل أبيض ورأس العين. هذا المحور استطاع أن يقطع الطرق التي تربط سلوك، تل أبيض، رأس العين مع بعضها البعض مع القرى المنتشرة في المنطقة”.
وقالت وزارة الدفاع التركية، السبت، إنه جرى “تحييد” 415 من مقاتلي “وحدات حماية الشعب” الكردية منذ بدء العملية.
إلا أن مسؤولا في “قوات سوريا الديموقراطية” قال لـ”فرانس برس”: “رأس العين لا تزال تقاوم، والاشتباكات العنيفة مستمرة”. وأكد “المرصد السوري” دخول القوات التركية والمقاتلين السوريين الموالين لها إلى البلدة، من دون أن تتمكن من السيطرة سوى على حي الصناعة عند أطرافها.
وأشار مراسل “فرانس برس” إلى صعوبة تقدم تلك القوات بسبب القناصة المنتشرين. كما تحدث قيادي في الفصائل الموالية لأنقرة، عن صعوبة في التقدم “نتيجة المقاومة الشرسة لوحدات حماية الشعب الكردية، وعدد القناصة الكثيف جداً”.
وقدرت الأمم المتحدة نزوح مئة ألف مدني من مناطق حدودية منذ بدء الهجوم التركي. وقالت منظمة الأغذية العالمية السبت إن “المزيد من الأشخاص يغادرون (مناطقهم) بشكل يومي، والأعداد إلى ازدياد”.
من جانب آخر، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية”، السبت، مسؤوليته عن تفجير سيارة ملغومة في مدينة القامشلي، الجمعة. وكانت “قوات سوريا الديموقراطية” قد قالت إن خمسة من مقاتلي “الدولة الإسلامية”، فروا من سجن هناك، كما أحرقت نساء أجنبيات ينتمين للتنظيم خياما في مخيم يُحتجزن فيه وهاجمن الحرس بالعصي والحجارة.
من جانبه، دعا رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، من أسماها “البلدان المصدرة للإرهابيين”، إلى تسلم مواطنيها من المنطقة ومحاكمتهم وإعادة تأهيلهم.
وقال شنطوب إن “المقاتلين الإرهابيين الأجانب في صفوف داعش وبي كا كا، يشكلون تحدياً كبيراً بالنسبة لنا جميعاً، ولا يمكن وضع العبء بكامله على عاتق بضعة بلدان”. وأوضح شنطوب أن “العملية العسكرية ستدعم الجهود الدولية الرامية إلى تسهيل عودة السوريين المهجرين إلى مواطنهم أو إلى الأماكن التي يرغبون في العودة إليها بطريقة آمنة وطوعية، ووفقاً لقواعد القانون الدولي وبالتنسيق مع المؤسسات الأممية المعنية”.
في حين قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن ضرب قوات أميركية و”التحالف الدولي” في سوريا غير وارد على الإطلاق، مشيرا إلى أن هناك تنسيقا متواصلا مع الأميركيين.
وتفقّد خلوصي، السبت، مع كبار قادة الجيش التركي، الوضع الميداني للعملية العسكرية التركية في مركز قيادة العمليات على الشريط الحدودي مع سوريا، مشددا على أن العملية العسكرية سوف تنجح.
ترامب يوجه بسحب ألفي جندي من الشمال السوري
وقال وزير الدفاع الأميركي “مارك إسبر”، الأحد، إن الجيش الأمريكي وجد نفسه عالقا بين جيشين متحاربين في الشمال السوري، مشيرا إلى أن “ترامب” أمر القوات بالانسحاب جنوبا وليس مغادرة سوريا.
وبعد مكالمة هاتفية بين “ترامب”، والرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، الأسبوع الماضي، غير “ترامب” سياسته فجأة وأمر بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، والتي كانت تقاتل مع وحدات حماية الشعب الكردية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
بيد أن “إسبر”، قال إن مسؤولين أمريكيين كباراً تحدثوا مع نظرائهم الأتراك، وطالبوهم بوقف العملية العسكرية التركية التي أطلقتها أنقرة بعنوان “نبع السلام”، ضد وحدات الشعب الكردية، نظرا “للتأثيرات السلبية المترتبة عليها في زعزعة الاستقرار في أنحاء المنطقة”.
وأكد أن الأتراك لم يظهروا أي مؤشر على استعدادهم لوقف عمليتهم العسكرية التي انطلقت، الأربعاء الماضي.
وتقول أنقرة إنها تهدف بعمليتها، إلى إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، للسماح بعودة النازحين السوريين، والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية التي تصفها تركيا بالتنظيم الإرهابي، والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري.
“تل أبيض” في قبضة “نبع السلام” التركية
أحكم الجيشان التركي و”الوطني السوري” سيطرتهما على مدينة “تل أبيض” شرقي نهر الفرات بالشمال السوري، في إطار عملية “نبع السلام”، الهادفة لطرد المليشيات الكردية وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين.
وأعلنت وكالة “الأناضول” التركية، أن الجيشين التركي والوطني السوري أحكما السيطرة على مدينة “تل أبيض” بعد طرد مليشيا “ي ب ك” الكردية منها ضمن عملية “نبع السلام”.
وفي سابق من اليوم، نجح الجيشان أيضاً في تحرير بلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض، من مليشيات “ي ب ك/ بي كا كا” الكردية التي تصنفها أنقرة إرهابية، في حين تواصل تلك الجماعة قصف أهداف مدنية داخل الأراضي التركية بقذائف الهاون.
وذكرا الوكالة التركية الرسمية، القوات المشاركة في عملية “نبع السلام” حررت الجزء الغربي من مدينة تل أبيض وسيطرت على مركز بلدة سلوك، الواقعة جنوب شرقي منطقة تل أبيض، بريف محافظة الرقة، وذلك بعد قصفها بالمدفعية.
وبينت أن القوات العسكرية تستمر في تمشيط المناطق المحررة من المسلحين ببلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض، بعد تحريرها من المسلحين.
كذلك، أصيب اليوم، 3 مدنيين أحدهم بجراح واثنان بنوبة ذعر، إثر استهداف تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا” ، بقذائف الهاون أحياءً سكنية في ولاية شانلي أورفة، جنوب شرقي تركيا.
وتسبب القصف في إحداث أضرار بـ3 منازل في قضاء “سوروج” بالولاية، في حين أسفر عن إصابة مدني، نُقل إلى مستشفى “سوروج” الحكومي لتلقي العلاج.
وأمس السبت أعلنت وزارة الدفاع التركية، السيطرة على مدينة رأس العين السورية شرقي نهر الفرات، بعد تحريرها في إطار العملية العسكرية.
والأربعاء، أطلق الجيش التركي بالتعاون مع الجيش الوطني السوري، عملية “نبع السلام” في منطقة شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، بعد تحشيد استمر أشهراً، وسجال حاد مع الأمريكان انتهى بانسحابهم من المنطقة.
وتُمني تركيا النفس من خلال عملية “نبع السلام” بتحييد المليشيات الكردية الانفصالية من على حدودها مع سوريا، إضافة إلى القضاء على فكرة إنشاء كيان كردي بين البلدين وإبقاء سوريا موحدة أرضاً وشعباً، علاوة على إقامة منطقة آمنة تُمهد الطريق أمام عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى ديارهم وأراضيهم بعد نزوح قسري منذ سنوات.
وبحسب ما ذكرته وسائل إعلامية تركية، ستكون المنطقة الآمنة المرتقبة على طول 422 كيلومتراً من الحدود التركية-السورية، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً، وسط تقديرات بإمكانية استيعابها نحو مليوني لاجئ سوري بعد الانتهاء من تأمينها.
وقفت بجانب الأسد.. لماذا ترفض دول عربية “نبع السلام” التركية؟
تشترك تركيا مع الدول العربية في الإسلام فضلاً عن القرب الجغرافي، لكن علاقات أنقرة مع العرب ليست وردية تماماً، وشابها كثير من الخلافات، خصوصاً في الآونة الأخيرة.
وتصاعدت بشكل كبير، الخلافات التركية-العربية، في الأسبوع الأخير، الذي شهد سلسلة طويلة من البيانات الرسمية الحادة، وسط حرب إعلامية متواصلة بين الجانبين وصلت إلى حد عقد اجتماع طارئ للجامعة العربية، لمناقشة العملية العسكرية التي تنفذها تركيا شمالي سوريا.
وبدأت تركيا، الأربعاء الماضي (9 أكتوبر 2019)، عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا، لقتال مليشيات تصفها أنقرة بـ”الإرهابية”، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من المنطقة، وسط صفعة تلقتها دول عربية من قرار واشنطن.
تصعيد مفاجئ
مع بدء العمليات العسكرية التي أعلنت عنها أنقرة، صعَّدت كثير من الدول العربية هجومها على تركيا، وتزعمت تلك المواقف دول حصار قطر (السعودية والإمارات ومصر والبحرين).
البداية كانت من السعودية، التي وصفت العملية العسكرية بـ”العُدوان”، وبينما دعت مصر الجامعة العربية إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة القضية، قالت الإمارات إن التطورات الخطيرة والمحيطة بسوريا “ما هي إلا تداعيات للانقسام العربي الحالي”، إضافة إلى إدانات أطلقتها دول عربية مختلفة.
لم يتوقف الأمر عند تلك الإدانات، بل عقدت الجامعة العربية، السبت (12 أكتوبر 2019)، اجتماعاً لوزراء الخارجية العرب، وُصف بـ”الطارئ” في مقر جامعة الدول العربية.
ووفق ما بثته وسائل الإعلام، تحدث وزراء خارجية العراق ومصر ولبنان والبحرين وتونس وموريتانيا، وكذلك وزيرا الشؤون الخارجية في السعودية والإمارات، عن أهمية وقف العملية، وإيجاد حل سياسي لسوريا.
واللافت فيما مضى أن السعودية رحبت بالعمليتين العسكريتين السابقتين ضد المليشيات الكردية الانفصالية (درع الفرات 2016) و(غصن الزيتون 2018)، إلى أن موقفها الحالي يبدو وكأنه مناكفة سياسية بسبب الخلاف بينهما التي أحدثته جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.
تصعيد مفاجئ أيضاً جاء من الأردن التي سبق وطرحت في أكثر مناسبة رغبتها بإقامة منطقة آمنة للسوريين، لكن موقفها الحالي من العملية يعكس ضغوطات قد تكون مورست عليها من جانب الرياض وأبوظبي.
التهديد بقطع العلاقات
وحمل البيان الختامي لاجتماع الجامعة العربية، لهجة حادة؛ إذ أشار إلى أنه “سيتم النظر في اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وسياحية فيما يتعلق بالتعاون مع تركيا”، كما دعوا إلى استعادة سوريا دورها في المنظومة العربية، رغم منعها من العودة منذ 2011، بسبب الجرائم المرتكبة ضد المدنيين.
الجامعة
البيان الختامي للاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية، قال إن أعضاء الجامعة سيتخذون إجراءات، من ضمنها “خفض العلاقات الدبلوماسية، ووقف التعاون العسكري، ومراجعة مستوى العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياحية مع تركيا”.
وبينما وقَّعت الدول العربية على ذلك البيان، تحفظت قطر والصومال عليه، كما قُطع البث عن كلمة ممثل قطر خلال الجلسة.
ولم يتوقف العرب عند ذلك الحد؛ بل وصل الحال إلى استقبال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وفداً من مجلس سوريا الديمقراطية (الأكراد)، والذين تتهمهم تركيا بتنفيذ “أعمال إرهابية” على أراضيها، إضافة إلى اتهامات عربية لقوات ذلك المجلس بارتكاب أعمال قتل وتهجير للعرب في مناطق سيطرتهم.
Meanwhile in Cairo, Egyptian Minister of Foreign Affair meets with SDF-affiliated delegation to discuss Turkish offensive #Turkey #Syria pic.twitter.com/PiLPskyNCZ
— Michael A. Horowitz (@michaelh992) October 12, 2019
تحرُّك غير مفاجئ
ويضع هذا الموقف تساؤلات كثيرة وراء التباين في مواقف الدول العربية من التدخل العسكري الروسي والإيراني في سوريا، مقارنة بالتصعيد المفاجئ ضد تركيا بعد تدخُّلها العسكري لحماية حدودها الجنوبية.
يقول الباحث اليمني محمد السماوي، إن التصعيد الحالي من دول عربية ضد تركيا ليس مفاجئاً، بل إن بعضها مثل السعودية والإمارات ومصر، “زادت لغتها العدائية، واتهاماتها وافتراءاتها تجاه أنقرة”.
وأضاف في حديث خاص مع “الخليج أونلاين”: “يأتي هذا التطور العربي، خصوصاً بعد وقوف تركيا إلى جانب قطر في مواجهة بعض دول الخليج العربي التي فرضت حصاراً على الدوحة، بزعامة السعودية والإمارات، فضلاً عن موقفها الأخلاقي من قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر من العام الماضي”.
حصار
وأوضح أن من يقف وراء إثارة هذه القضية “الرياض وأبوظبي والقاهرة”، مشيراً إلى أن السعودية أول من أدان التدخل العسكري التركي، في حين كانت مصر هي التي دعت إلى الاجتماع الطارئ.
وأضاف: “حتى أبوظبي التي تسببت في تفكُّك بعض الدول العربية وأثارت النزاعات بين الشعوب، ظهرت اليوم بدور الناصح الذي يدعو إلى إعادة التلاحم بين العرب لمواجهة الأخطار، في حين أنها للأسف أكبر خطر يهدد الوطن العربي والشرق الأوسط”.
وأكد أن من حق العرب إدانة أي تدخُّل دولي، سواء من تركيا أو من أي دولة أخرى، لكنه عبَّر عن استيائه من أن يكون هذا الغضب تجاه تركيا بسبب الخلافات، “في الوقت الذي يتجاهل فيه العرب وجود روسيا وقواعدها العسكرية بسوريا والتدخل الإيراني الكبير أيضاً، وسط صمت عربي”.
قلق من المشروع التركي
من جانبه يؤكد الباحث اللبناني في الشؤون الإقليمية والدولية محمود علوش، وجود دول عربية نافذة، على رأسها السعودية والإمارات ومصر، تقود هذه الحملة ضد تركيا.
ويرى أن هذه الحملة تعكس مدى قلق هذه الدول من المشروع التركي المتصاعد في سوريا والمنطقة عموماً، مشيراً إلى أنها ترى فيه “خطراً أكبر عليها حتى من الخطر الإيراني، لأنه ليس مشروعاً طائفياً أو مذهبياً، كما أنه قادر على التأثير في المجتمعات العربية عكس المشروع الإيراني الذي تنبذه غالبية شعوب المنطقة”.
وفي حديثه مع “الخليج أونلاين”، أكد علوش أن هذه الدول “سعت خلال الفترة الماضية، إلى أن يكون لها دور في شمال شرقي سوريا من خلال البوابة الكردية وورثة النفوذ الأمريكي كما حال الأوروبيين”، في إشارة إلى الزيارات التي قام بها وزير سعودي لتلك المنطقة.
سوريا
وأضاف: “هُم الآن ممتعضون من ترامب وتفاهماته مع أردوغان، ويعتقدون أن انتزاع الأخير ورقة الوحدات الكردية يعني خسارة كبيرة لإحدى أوراق الضغط التي يسعون مع الأوروبيين لامتلاكها”.
الْتقاء مصالح
كما أوضح الباحث علوش أن هذا الإجماع العربي شبه الكامل على إدانة تركيا، “لا يعكس موقفاً عربياً موحداً من سوريا بقدر ما يشكل نقطة التقاء مصالح دول عربية كثيرة”، موضحاً بقوله: “على سبيل المثال، العراق ولبنان رفضا التدخل التركي، لكنهما لا يستطيعان تبنّي موقف مُعارض للتدخل الإيراني مثلاً”.
وتابع: “غالبية الدول العربية -إن لم يكن كلّها- لا تجرؤ حتى على إدانة التدخل الروسي، كما أن هناك أطرافاً تسعى إلى استغلال هذا الإجماع العربي لإعادة عضوية سوريا بالجامعة، كمصر والإمارات والعراق”.
وفيما يتعلق بتأثير هذا التصعيد ضد تركيا، يرى علوش أنه “لا يؤثر كثيراً في المعادلة السورية وليست له أي قيمة بالنسبة للأتراك”، مضيفاً: “العرب باتوا خارج المعادلة السورية منذ فترة، لأنه لم تكن لديهم الشجاعة لمواصلة دعمهم العسكري للمعارضة حتى النهاية، ومصير تأثيرهم كان مرهوناً بمصير التأثير الأمريكي، وها هو ترامب يريد مغادرة سوريا”.
لكنه استطرد قائلاً: “ما يمكن أن يُقلق الأتراك في هذه المرحلة هو نجاح السعودية ومصر والإمارات في جر الدول العربية الأخرى إلى أن تكون في حالة عداء مع تركيا، فهذا لا يصبُّ في مصلحة أنقرة”.
هجوم تركي على الجامعة العربية
مستشار رئيس حزب “العدالة والتنمية” التركي، ياسين أكتاي، وصف التصريحات المصرية والإماراتية بأنها تأتي على رأس قائمة ردود الفعل “التراجيكوميدية”.
وعبَّر عن استغرابه من رد فعل الجامعة العربية، قائلاً: “يزعمون أن تركيا تعتدي على سيادة دولة عربية شقيقة، وهذا الأمر في غاية السخافة”، مضيفاً: “من تكون هذه الدولة العربية ذات السيادة؟ سوريا؟! عن أي سيادة يتحدثون وقد تقاسمت أراضيها سبع دول؟”.
تركيا
وقال في مقال له بصحيفة “يني شفق” التركية: “هل أنتم مهتمون حقاً بعروبة سوريا؟ وهل بقي لديكم احترام للعرب والعروبة؟ فماذا فعلتم لنصرة الشعب السوري الشقيق، الذي يتعرض إما للقتل وإما للتهجير منذ ثماني سنوات؟”.
كما هاجم زعماءَ العرب على خلفية تجاهلهم معاناة السوريين، وقال: “بأي وجه تتذكرون هذا الآن في الوقت الذي لا تتذكرون فيه أن تركيا التي وقفت إلى جانب الشعب السوري ليست دولة عربية في الوقت الذي تخليتم فيه أنتم عنه؟”.
وتساءل عن الصمت العربي إزاء ما سماها “الجرائم” التي تعرضت لها بعض الشعوب العربية، بقوله: “هل هناك أي دولة عربية فعلت أي شيء لنصرة العرب الذين أُزهقت أرواحهم، وانتُهكت حرماتهم، وسُرقت أموالهم في سوريا وليبيا واليمن ومصر؟”.
وأكد أن بلاده لم تتدخل في سوريا لمهاجمة “أشقائنا العرب، بل دفاعاً عنهم، كي لا يتعرضوا لمزيد من عمليات التطهير العرقي، كما أن تركيا تنفذ هذه العملية بالتعاون مع الأشقاء السوريين أنفسهم”.
خامس أيام “نبع السلام” بسوريا.. قوات المعارضة بدعم تركي تسيطر على تل أبيض وتتوغل بعمق 12
قال مراسل الجزيرة إن الجيش التركي وقوات المعارضة السورية سيطرا على كامل مدينة تل أبيض بعد ساعات من دخولهم الأحياء الغربية لها، وبلدة المبروكة ومخيمها شرق المدينة الواقعة شمالي شرقي سوريا.
وتأتي سيطرة قوات المعارضة مدعومة من الجيش التركي على المدينة بعيد الإعلان عن سيطرتها على أربع قرى غرب مدينة رأس العين شمال الحسكة، إضافة لبلدة سلوك شمال محافظة الرقة.
وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت سيطرة قواتها وقوات المعارضة السورية على مركز مدينة رأس العين شمالي سوريا، وهو الأمر الذي نفته ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية.
وأفاد مراسل الجزيرة على الحدود التركية السورية بأن الجيش التركي والمعارضة السورية سيطرا على معبر رأس العين الحدودي مع تركيا وعلى 18 قرية بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، وقطعا الطريق الرئيسي بين الحسكة وحلب.
في المقابل، قالت قوات سوريا الديمقراطية إن مقاتليها تصدوا للهجمات التي شنت على مواقعهم، وإن 45 من مقاتليها سقطوا في المعارك الدائرة في شمالي شرقي سوريا.
وارتفعت حصيلة قتلى العملية في الجانب الكردي، وفقا لوزارة الدفاع التركية، إلى 480 قتيلا منذ انطلاق عملية نبع السلام الأربعاء الماضي.
وبينما تتضارب الأنباء بشأن سيطرة قوات الجيش الوطني السوري مدعوما بالقوات التركية على مدينة رأس العين، قال مراسل الجزيرة عمرو حلبي إن هناك اشتباكات تدور بين الحين والآخر في محيطها، وإن ذلك التضارب يعود ربما إلى طبيعة المعارك التي تشهد عمليات كر وفر، وإن قوات الجيش والمعارضة تقوم بعمليات تمشيط داخل المدينة وفي محيطها لطرد عناصر قوات سوريا الديمقراطية.
وأضاف أن توغل القوات المعارضة وصل حتى الآن إلى عمق 12 كلم داخل الأراضي السورية، وهو ما مكنها من السيطرة على عدد من الطرق المهمة، والوصول إلى الطريق الرابط بين تل أبيض ورأس العين.
شبكة أنفاق
وفي السياق ذاته، ذكرت شبكة شام أن الجيش الوطني السوري أعلن أمس السبت عن كشف شبكة أنفاق كبيرة للقوات الكردية خلال عمليات التمشيط في مدينة رأس العين.
وذكرت أنه تم نشر صور لشبكة أنفاق محصنة “كانت تستخدمها عناصر “قسد” في مدينة رأس العين بمحاذاة الحدود السورية التركية، والتي زعمت أنها ردمتها تطبيقا لاتفاق المنطقة الآمنة.
وأضافت أن الآلية المتبعة من طرف قوات الجيش الوطني السوري مدعومة بالقوات التركية تقوم على ضرب الخواصر المحيطة في المدن والتجمعات السكنية، والسيطرة على القرى والبلدات والطرق المحيطة بهذه التجمعات تمهيدا لإحكام الطوق عليها من محاور عدة، مما يجبر القوات الكردية على الانسحاب.
خيبة أمل
من جهة أخرى، قال القيادي فيما تسمى قوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل إنهم وخلال كل السنوات الماضية لم يشكلوا تهديدا لتركيا، ولم يطلقوا أي طلقة باتجاهها.
وأشار خليل إلى أن حلفاء قوات سوريا الديمقراطية تخلوا عنها عبر سحب قواتهم من الحدود التركية، معتبرا ذلك خيبة أمل كبيرة وطعنة من الخلف.
وفي مؤتمر صحفي، قال خليل إن القصف التركي الكثيف أسفر منذ بدايته في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن سقوط أكثر من مئتي شخص بين قتيل وجريح، إضافة إلى نزوح نحو مئة ألف من سكان المنطقة الحدودية.
نزوح وفرار
وفي الجانب الإنساني، أعلنت الأمم المتحدة الأحد أن العملية العسكرية التركية الجارية في الشمال السوري أجبرت 130 ألف شخص على الفرار من منازلهم، مشيرة إلى أنها تتوقع أن يرتفع هذا العدد أكثر من ثلاث مرات.
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لاركي في رسالة عبر البريد الإلكتروني لوكالة الصحافة الفرنسية “انتقلنا إلى سيناريو الاستعداد لنزوح ما يقارب من 400 ألف شخص داخليا في أنحاء المناطق المتأثرة” بالعملية التركية، مضيفا أن هؤلاء سيكونون “بحاجة إلى المساعدة والحماية”.
واستقر كثير من النازحين عند أقاربهم أو لدى مجتمعات محلية مضيفة، لكن أعدادا متزايدة تصل إلى ملاجئ جماعية بما فيها مدارس.
المصدر : الجزيرة + وكالات
ميديابارت: الهجوم التركي يكشف كيف أعاد الصراع السوري كتابة خطوط النفوذ بالشرق الأوسط
هكذا لخص الكاتب توماس كانتالوب في موقع ميديابارت الفرنسي ما وصفها بــ”الفوضى الجيوسياسية لما بعد سوريا”، مؤكدا أن الهجوم التركي على الأكراد شمالي سوريا وما وُوجه به من ردات فعل مؤشرٌ واضح على هذا التغيير.
انحسار الدور الأميركي
في البداية لاحظ الكاتب التراجع الأميركي المضطرد في المنطقة، موردا بعض تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن أسباب انسحاب بلاده من سوريا ورفضها مساعدة الأكراد، ليؤكد بعد ذلك أن هذا التوجه لم يأت مع ترامب وإنما كان سياسة ممنهجة لسلفه باراك أوباما.
ولخص الكاتب ذلك في قوله إن واشنطن لم تعد ترغب في لعب دور الحكم العسكري بالشرق الأوسط، ولا المشاركة في حروب بعيدة من أجل قضايا لا تؤثر عليها إلا بشكل هامشي.
ولفت كانتالوب إلى أن العديد من الخبراء الأميركيين أبرزوا مدى تشابه سياسات أوباما وترامب بشأن الأزمة السورية بغض النظر عن اختلاف الأساليب والحجج المستخدمة لتبريرها.
وأورد الكاتب كمثال على ذلك ردة فعل أوباما عندما تجاوز النظام السوري خطوطه الحمراء بشأن السلاح الكيميائي، إذ لم يحرك ساكنا ولا حرك ساكنا عندما قررت روسيا في العام 2015 التدخل مباشرة لقلب موازين القوى في سوريا لصالح النظام.
وأضاف أنه حتى وإن حاول ترامب التأكيد على اختلاف سياسته في هذا الشأن عن أوباما، فإنه بانسحابه من سوريا غسل يديه من كل ما يتعلق بمصير هذا البلد وقوض احتمال استمرار حلفائه الأكراد.
وفي مقابل انحسار الدور الأميركي في المنطقة، يقول كانتالوب إن الدور التركي ما فتئ يتعاظم، ولم يخف الرئيس رجب طيب أردوغان نيته في إنشاء منطقة آمنة على طول حدود بلاده مع سوريا، يُبعد من خلالها القوات الكردية ويستخدمها لإعادة تطوين ملايين اللاجئين السوريين الموجودين حاليا في تركيا.
ولفت الكاتب إلى أن أردوغان تجاهل في الواقع الانصياع لحليفه الأميركي خلال الأشهر الأخيرة، وأعطى كمثال على ذلك موقفه بشأن شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي واستمرار أنقرة في شراء النفط والغاز الإيرانيين في تحد واضع للعقوبات الأميركية.
غياب أوروبي
أما الأوروبيون -بحسب المقال- فقد غابوا منذ بداية الحرب الأهلية السورية عن المشهد، إذ فضل الاتحاد الأوروبي دفع مئات الملايين من الدولارات لتركيا مقابل منعها للاجئين من التدفق إلى حدوده.
وباستثناء ألمانيا، يقول الكاتب، تهربت كل دول الاتحاد من مسؤولياتها، حتى إنها رفضت مجرد التضامن الإنساني باستقبال جزء من هؤلاء اللاجئين.
وكما هي الحال في العديد من الأزمات الأخرى حول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، فإن أوروبا تراقب قطار الهجوم التركي في شمالي سوريا يمر رغم أنفها دون أن يكون بإمكانها فعل أي شيء أو التأثير في مجريات الأحداث، وفقا للكاتب.
ولفت كانتالوب إلى أن حلفاء واشنطن في المنطقة وخاصة السعودية وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة ينتابهم القلق إذ يخشون إن هم احتاجوا لواشنطن أن تعاملهم كما عاملت حلفاءها الأكراد.
روسيا وإيران
أما روسيا وإيران فإنهما الرابحتان الأساسيتان من الصراع السوري، إذ تمكنت طهران من تحقيق هدف مهم عندها يتمثل في إنشاء “هلال شيعي” ممتد من بحر العرب إلى البحر الأبيض المتوسط، وفق الكاتب.
أما روسيا فإنها تركت لتركيا الحبل على الغارب في هذا الهجوم ليمثل مقدمة لسيطرة قوات النظام السوري على آخر معقل للمعارضة في محافظة إدلب بحيث تستقبل تركيا في منطقتها الآمنة فلول مقاتلي المعارضة النازحين من إدلب.
وهذا ما سيمثل، حسب الكاتب، جزءا من صفقة يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يبرمها بين سوريا وتركيا والأكراد ليعيد بذلك السلام إلى هذه المنطقة ويكرس بذلك عودة بلاده إلى المشهد الشرق أوسطي، وفقا للكاتب.
المصدر : ميديابارت
4 أيام من الحرب التركية في سوريا… ماذا جنت أنقرة دولياً؟
بالتوازي مع الانتقادات الدوليَّة المتصاعدة ضد أنقرة إثر عمليتها العسكريَّة التي أطلقتها في الشمال السوري منذ يوم الأربعاء الـ9 من أكتوبر (تشرين الأول)، تتزايد حملة الضغوط على الحكومة التركيَّة لوقف الهجوم، معتبرة أن “الخطوة التركيَّة من شأنها إضافة مزيد من التعقيد على المشهد السوري”، وتعد “انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدوليَّة”.
ومن الإدانة إلى قرارات وقف التسليح للجيش التركي، فضلاً عن تظاهرات في عواصم غربيَّة تتسع رقعتها ضد سياسات أنقرة، إضافة إلى تخوَّفات حقوقيَّة وإنسانيَّة لتبعات الخطوة على الأوضاع الإنسانيَّة في سوريا التي تعاني حرباً طاحنة منذ أكثر من 8 سنوات، تتراوح أشكال الضغط على الحكومة التركيَّة التي تلوّح بفتح حدودها للاجئين نحو الدول الأوروبيَّة ما لم تُوقف نقدها لعمليتها العسكريَّة المسماة “نبع السلام”، التي تهدف من خلالها إلى خلق “منطقة آمنة” خاليَّة من المسلحين الأكراد (تعتبرهم أنقرة إرهابيين) يمكن أن يقيم فيها اللاجئون السوريون.
4 دول تعلق تسليح أنقرة
بعد قرار من النرويج وهولندا بتعليق تصدير أي شحنات أسلحة جديدة إلى أنقرة إثر الهجوم الذي بدأته في شمال شرق سوريا، أعلنت برلين وباريس اليوم قراراً مماثلاً.
ووفق ما نقلت صحيفة “بيلد” الألمانيَّة عن وزير الخارجيَّة هايكو ماس، فإن ألمانيا ستوقف تسليم تركيا أسلحة “يمكن أن تستخدم في شمال شرق سوريا” ضد المقاتلين الأكراد.
وقال ماس للصحيفة، “نظراً إلى الهجوم العسكري التركي في شمال شرق سوريا لن تصدر الحكومة الاتحاديَّة أي تراخيص جديدة لكل العتاد العسكري الذي يمكن أن تستخدمه تركيا في سوريا”.
وبلغت قيمة صادرات الأسلحة الألمانيَّة عام 2018 إلى تركيا 242,8 مليون يورو، ما يساوي ثلث القيمة الإجماليَّة لصادرات الأسلحة الألمانيَّة (770,8 مليون يورو).
ووصلت قيمة مبيعات الأسلحة الألمانيَّة لتركيا إلى 184,1 مليون يورو في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019، وتركيا هي أكبر مشترٍ للأسلحة الألمانيَّة داخل حلف شمال الأطلسي.
واليوم السبت أيضاً، قالت فرنسا إنها “علَّقت كل مبيعات السلاح إلى تركيا”، وحذَّرت أنقرة من أن هجومها على شمال سوريا “يهدد الأمن الأوروبي”.
وقال بيان مشترك من وزارتي الدفاع والخارجيَّة الفرنسيتين “قررت فرنسا، التي تتوقع انتهاء هذا الهجوم، تعليق كل خطط تصدير السلاح إلى تركيا، الذي يمكن أن يستخدم في هذا الهجوم. القرار يسري على الفور”.
وتابع البيان، “وزراء خارجيَّة دول الاتحاد الأوروبي سينسقون مواقفهم في اجتماع يُعقد يوم الإثنين في لوكسمبورغ”.
وجاء القراران الألماني والفرنسي بعد يوم من إعلان وزارة الخارجيَّة الهولنديَّة “تعليق تصدير أي شحنات أسلحة جديدة إلى أنقرة”.
وقال نائب رئيس الوزراء هوغو دي يونغي، في مؤتمر صحافي بلاهاي، إثر الجلسة الأسبوعيَّة لمجلس الوزراء التي لم يحضرها رئيس الوزراء مارك روته بسبب وجوده في أستراليا، “ندعو الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى القيام بالأمر نفسه”.
وأضاف المسؤول الهولندي، “نحن قلقون جداً للتداعيات الإنسانيَّة المحتملة لهذه العمليَّة” التي تهدد “بإعاقة المعركة ضد تنظيم داعش (وتهدد) الاستقرار في المنطقة”.
وكانت النرويج، العضو في حلف شمال الأطلسي، هي الأخرى أعلنت تعليق تصدير شحنات الأسلحة إلى تركيا.
ومن المتوقع أن تهيمن المسألة التركيَّة على جدول الأعمال في اجتماع وزراء خارجيَّة الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ الإثنين المقبل، كما سيناقش قادة الاتحاد الأوروبي هذه المسألة في قمة تُعقد في بروكسل يومي الخميس والجمعة المقبلين.
تحقيقات واحتماليَّة فرض عقوبات
وفيما يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على استكمال العمليَّة العسكريَّة بدأت الإدارة الأميركيَّة في الاتجاه إلى “فرض عقوبات اقتصاديَّة”، وصفها مسؤولون في البيت الأبيض بأنها ستكون “قاسيَّة”، وتعمل على “شل” الاقتصاد التركي، جاء ذلك في وقت أعلنت فيه أيضاً دول الاتحاد الأوروبي اعتزامها “فرض عقوبات” على تركيا حال إصرارها على مواصلة العمليَّة العسكريَّة في سوريا.
ففي واشنطن، أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفين منوشين، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فوَّض وزارة الخزانة في اتخاذ الإجراءات التي تستهدف “شل” الاقتصاد التركي.
العقوبات الجديدة لن تستهدف الاقتصاد التركي فقط، لكنها تمتد حسب وزير الخزانة الأميركي إلى “أي شخص يدعم النظام التركي، وأي شخص أو كيان يتعامل مع الحكومة التركيَّة في الأمور التجاريَّة”. ومن المقرر أن تُفرض هذه العقوبات على مراحل أوليَّة وثانويَّة.
وقال منوشين، “الرئيس دونالد ترمب وقَّع بالفعل أمراً تنفيذياً يمنح إدارته السلطة لفرض عقوبات على تركيا بسبب توغلها في سوريا”.
وأضاف، “توجد عقوبات قويَّة للغايَّة، نأمل أن لا نستخدمها، ويمكننا تدمير الاقتصاد التركي إذا احتجنا إلى ذلك”.
وكان الرئيس الأميركي هدد بمحو اقتصاد تركيا إذا تجاوزت الحد المسموح به خلال العمليَّة العسكريَّة التي بدأتها هذا الأسبوع في سوريا.
وفي هذه الأثناء، يسعى الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي إلى فرض عقوبات على تركيا، على خلفيَّة العمليَّة العسكريَّة ذاتها، إذ يعمل نحو 29 عضواً من أعضاء الكونغرس الجمهوريين مع نظرائهم الديموقراطيين لتفعيل إجراءات تشمل فرض عقوبات صارمة على القادة الأتراك، وفق تقارير أميركيَّة.
وعلى المستوي الأوروبي، هددت حكوماته بفرض عقوبات على تركيا، رافضة تهديدات الرئيس أردوغان من أنه “سيفتح الأبواب”، ويرسل 3.6 مليون لاجئ إلى أوروبا إذا لم تسانده.
وحسب الوزيرة الفرنسيَّة للشؤون الأوروبيَّة أميلي دي مونشالان، فإن فرض عقوبات على تركيا “مطروح” للنقاش.
وقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي، الذي يرأس قمم الاتحاد الأوروبي، على (تويتر)، “لن نقبل بأي حال أن يكون اللاجئون سلاحاً، وأن يُستخدموا في ابتزازنا”. وأضاف “تهديدات الرئيس أردوغان ليست في محلها تماماً”.
تخوفات إنسانيَّة
وبينما حذَّرت منظمات حقوقيَّة دوليَّة، وعلى رأسها منظمة العفو الدوليَّة من استهداف أنقرة المدنيين والأهداف المدنيَّة خلال عملياتها العسكريَّة في سوريا. قال برنامج الأغذيَّة العالمي التابع للأمم المتحدة، اليوم السبت، إن أكثر من 100 ألف شخص نزحوا من مدينتي رأس العين وتل أبيض السوريتين مع تصاعد العنف هناك.
وذكر البرنامج أنه سيواصل مع شركائه مساعدة السكان في شمال شرق سوريا على الرغم من تدهور الوضع الأمني هناك. إذ يعيش حالياً نحو 580 ألف شخص ممن يوفر لهم البرنامج الغذاء في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد.
تظاهرات تتسع رقعتها
ومن المستوى الرسمي إلى غير الرسمي، اتسعت رقعت التظاهرات المنددة بالعمليات التركيَّة في عدد من الدول الأوروبيَّة.
وفي باريس وعدد من المدن الفرنسيَّة، تظاهر آلاف الأشخاص إلى جانب شخصيات سياسيَّة فرنسيَّة من اليسار دعماً للأكراد وتنديداً بالهجوم التركي على مواقعهم في شمال سوريا.
وتجمّع آلاف الأشخاص بعد الظهر بدعوة من المجلس الديموقراطي الكردي في فرنسا في ساحة الجمهوريَّة، ثم بدؤوا بالتوجه نحو ساحة شاتليه في قلب باريس. وقدر المنظمون عدد المتظاهرين “بأكثر من 20 ألف شخص”.
ونظمت تظاهرات أيضاً في عدة مدن فرنسيَّة بعد ظهر السبت، ورفع المتظاهرون لافتات كُتِب عليها “ترمب سفاح”، و”خلف واجهة البغدادي، أردوغان القائد الفعلي لداعش” أو “تركيا تجتاح روجافا، وأوروبا تتأمل” في إشارة إلى مناطق الإدارة الذاتيَّة الكرديَّة في شمال شرق سوريا، وردد المتظاهرون هتافات “أردوغان، إرهابي” و”روجافا، مقاومة”.
وشارك برلمانيون فرنسيون عديدون من أحزاب اليسار في التجمع، وألقوا كلمات تنديداً بالهجوم التركي.
ونظّمت تظاهرات مماثلة في عدة دول أوروبيَّة اليوم السبت، وفي ألمانيا، شارك “آلاف الأشخاص” بالتظاهرات في مختلف المدن حسب وكالة الأنباء الألمانيَّة “دي بي إيه” مشيرة إلى أكثر من عشرة آلاف متظاهر في كولونيا ونحو أربعة آلاف في فرانكفورت. وجرت تظاهرات داعمة الأكراد أيضاً، السبت، في قبرص وأثينا ووارسو وبروكسل.
في لاهاي، تجمَّع مئات الأكراد الهولنديين في وسط المدينة، ونظموا مسيرة، واضطرت الشرطة إلى التدخل فترة وجيزة للفصل بين هولنديين من أصل تركي ومتظاهرين أكراد، كما أفادت محطة التلفزيون الهولنديَّة العامة “إن أو أس”، وتظاهر المئات كذلك في بودابست والآلاف في فيينا.
خسائر بشريَّة واعتقال المنتقدين
ومع دخول العمليات العسكريَّة التركيَّة يومها الرابع، أعلنت وزارة الدفاع التركيَّة مقتل اثنين من قواتها بعد هجوم بالمورتر على منطقة قريبة من موقع عسكري في جزء من شمال سوريا كانت أنقرة شنَّت فيه عمليَّة ضد مسلحين أكراد العام الماضي.
وقالت الوزارة، في بيان، إن “الجنديين قُتِلا بعد أن قصف مسلحون من وحدات حمايَّة الشعب المنطقة التي يوجد بها موقع عسكري تركي داخل ما سمّته (منطقة غصن الزيتون)”. ولم تذكر مزيداً من التفاصيل.
في غضون ذلك، واصلت السلطات التركيَّة اعتقالاتها في الداخل لمن ينتقدون العمليَّة العسكريَّة، وذلك بتهمة “الدعايَّة الإعلاميَّة الإرهابيَّة”.
وحسب ما ذكرت وكالة الأناضول التركيَّة، اُعتقل نحو 121 شخصاً منذ بدء العمليات العسكريَّة بسبب انتقادهم لها. من بينهم هاكان ديمير رئيس موقع “بيرغون” اليساري بعد اتهامه بـ”تحريض الشعب على الكراهيَّة والعداوة”، بعد أن تحدّث الموقع عن وقوع إصابات بين المدنيين في الهجوم.
واعتقلت الشرطة التركيَّة 21 شخصاً في مدينة ماردين جنوب شرق تركيا بسبب “الدعايَّة الإعلاميَّة الإرهابيَّة” حسب الأناضول.
كما ذكرت الشرطة أنها فتحت 78 قضيَّة ضد أفراد بسبب نشرهم “دعايَّة إعلاميَّة” ضد العمليَّة.
وقال النائب العام في تركيا إنه فُتِحَت قضايا بحق زعيمي حزب الشعوب الديموقراطي الموالي الأكراد سيزاي تيميللي وبيرفين بولدان، وغيرهما من أعضاء الحزب.
وتحظر السلطات التركيَّة أي انتقاد للعمليات العسكريَّة، حتى إنها تطلب من أحزاب المعارضة الإشادة بها. وسبق للسلطات أن اعتقلت منتقدين على الإنترنت خلال عمليات سابقة ضد القوات التركيَّة في سوريا، واتهمتهم بـ”الدعايَّة الإعلاميَّة الإرهابيَّة”.
وتنتقد جماعات حقوقيَّة تضاؤل حريَّة التعبير في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، خصوصاً عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 التي تلتها حملة قمع اُعتقل خلالها آلاف المعارضين السياسيين.
بعد رأس العين.. مقاتلو “نبع السلام” يقتحمون تل أبيض
بدأ مقاتلو الجيشين الوطني السوري والتركي، اليوم الأحد، باقتحام مدينة تل أبيض (الحدودية مع تركيا) شمال الرقة، وذلك في إطار العملية العسكرية “نبع السلام” المشتركة بين الجيشين شرق الفرات.
وقال مراسل تلفزيون سوريا: إن اشتباكات “عنيفة” تدور حالياً بين مقاتلي عملية “نبع السلام” مِن جهة و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مِن جهةٍ أخرى، وذلك في الأحياء الغربية لمدينة تل أبيض.
وجاء تقدّم قوات الجيش الوطني إلى مشارف مدينة تل أبيض بعد ساعات مِن سيطرتها، في وقتٍ سابق اليوم، على كامل بلدة سلوك جنوبي شرقي المدينة، ومِن ثم فرض حصارٍ عليها مِن جميع الجهات.
وسبق أن ذكر ناشطون وإعلاميون في الجيش الوطني، أن مقاتلي “نبع السلام” يحاصرون مدينة تل أبيض، لكنهم تريّثوا في الدخول إليها لحين التمكّن مِن إزالة الألغام وقطع جميع الطرق المؤدية إلى المدينة.
أمّا بالنسبة إلى محور مدينة رأس العين شمال غرب الحسكة، فإن مقاتلي الجيش الوطني تمكّنوا مِن السيطرة على قريتي (حروبي، ورجعان) غربي المدينة، وبدؤوا باقتحام بلدة المبروكة القريبة.
وكان الجيشان الوطني السوري والتركي قد سيطرا، أمس السبت، على كامل مدينة رأس العين، كما وصلا إلى الطريق الحدودي الواصل بينها وبين مدينة تل أبيض، عقب سيطرتهما على 18 قرية في المنطقة، بمعارك أسفرت عن سقوط عشرات القتلى لـ”قسد”.
يشار إلى أن الجيشين الوطني السوري والتركي أطلقا، يوم الأربعاء الفائت، عملية عسكرية تحت اسم “نبع السلام”، تهدف إلى طرد مكّونات “قسد” مِن مناطق شرق الفرات، وإعادة اللاجئين السوريين (في تركيا) إلى تلك المناطق، حسب تصريحات الحكومة التركية.
مقالات تناولت الحدث
في بعض دلالات عملية “نبع السلام” التركية/ عبدالله أمين حلاق
مع بدء العملية العسكرية التركية في منطقة شرق الفرات، بالأهداف التي حددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقول: “تطهير المنطقة من تنظيمي بي كي كي وتنظيم ي ب ك، وداعش.. وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”، يبدو سيناريو عفرين ماثلاً بقوة هذه المرة أيضاً، لكن على نطاق جغرافي أوسع.
لم يكن الكلام عن العملية العسكرية جديداً، فقد سبق أن شهدت المنطقة تصعيداً إعلامياً ينذر بتحرك تركي وشيك قبل حوالي عشرة أشهر، عندما أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب نيته سحب قواته من المنطقة، وبدا أن الطريق ممهدة لدخول قوات تركية كان من المحتم أن تدخل في صدام عسكري واسع مع القوات والميليشيات الكردية المتواجدة في المنطقة تلك. تراجع ترامب يومها عن قرار الانسحاب، واليوم، تدخل تركيا والفصائل السورية المعارضة المعركة في مواجهة الفصائل الكردية، من دون أن يكون هناك ما يشير إلى ان الأكراد كمكون أهلي من أبناء المنطقة، لن يكونوا هدفاً سهلاً لــ”نبع السلام”. بدايات العملية العسكرية كانت تقول ذلك على الأقل.
في المواقف واللامواقف
عندما أعلن ترامب سحب قواته من سوريا في نهاية عام 2018، كان أول تعليق لسياسي سوري معروف وهو قيادي في الائتلاف الوطني قوله، إن القرار الاميركي “مربِك لنا كمعارضة، ولم تتضح مفاعيله حتى اللحظة. نحن بانتظار التطورات”. ربما يكون هذا هو التصريح الأوضح الذي يعبر عن حال المعارضة السياسية السورية التي “أربكها” قرار ترامب، بحيث يبدو للمشاهد أنها كانت تسير بمسار تراكمي وسياسي “سليم” و”منطقي” قبل أن “تُربَك”، ناهيك عن أن انتظارها “التطورات” ومسار الامور لاحقاً هو اعتراف علني منها بأنها خارج اللعبة، بحيث يبدو مسارها “السياسي” مرتهناً بتغريدات سيد البيت الأبيض على تويتر.
لا غرابة في ذلك، ولا انتقاص من قيمة المعارضة، فالسوريون لن يستطيعوا مقاومة خمس أو ست دول تلعب في الساحة السورية وتسرح وتمرح فيها. وهُم، والنظام على رأسهم، خارج اللعبة وخارج دائرة القرار تماماً باستثناء قدرة النظام المستمرة على القتل والاعتقال والتنكيل بأهالي إدلب. لكن، ربما كان يلزم المعارضة السورية اعتراف علني وصريح من قبلها بكونها خارج دائرة الفعل والتأثير منذ زمن، على الأقل كنوع من “حرصها” ودأبها” المفترضَين للحفاظ على شرف الثورة التي اندلعت ذات آذار، والتفاتاً منها إلى كرامة من تدعي تمثيلهم من سوريين. هذا بدلاً من الخطابات والزجليات الرنانة عن الصمود والتصدي والثورة المستمرة والرهان على “حلفاء” يدخل أحدهم اليوم، رجب طيب أردوغان، إلى الأراضي السورية وبمساعدة ومشاركة من فصائل معارضة تبدو احتمالات التطهير والقمع الذي مورس بحق اكراد عفرين احتمالاً وارداً على يديها اليوم، وذلك في ظل دوران قسم كبير من المعارضة السورية بمؤسساتها وأشخاصها في فلك أردوغان، واستعدادهم ليكونوا المدافعين عن مشروعه. هذا الموقف المفترض بالمعارضة السورية أن تتخذه صعب طبعاً، ويحتاج قادة تاريخيين وذوي حس عالٍ بالمسؤولية واحترام الذات وغير ذلك مما يفترض أن يصاحب قضية محقة وعادلة كالقضية السورية.
استنكف الكثير من شخصيات المعارضة السورية، وخصوصاً المقيمة في كنف “بطل نبع السلام” في إسطنبول، عن التصريح المباشر حول العملية العسكرية، ليس لأنها “مربكة” هذه المرة أيضاً، وربما كانت المواقف التي ستتوالى منها في الأيام القليلة القادمة كفيلة بانقشاع غيوم الاستغراب.
على “الجبهة” الأخرى، أي في جانب نظام الأسد، يبدو الأسد مسروراً بما يحدث، إذا ما استخفّينا وسخِرنا، كما يقول المنطق والعقل، بمواقفه من التدخل الخارجي التركي في الأراضي السورية. ويبدو أردوغان وكأنه يقدم هدية ثمينة للأسد وخصوصاً بعد أن أعلن الكثير من الفصائل الكردية استعدادها لفتح حوار مع النظام السوري برعاية روسية، على خلفية العملية العسكرية التركية الحالية. المؤكد أنه لم يكن هناك قطع مع النظام السوري من قبل هذه الفصائل والميليشيات، بل غزَل مستمر، وجاءت اللحظة المناسبة لإعلان ذلك الغزل بين الطرفين بحجة عملية “نبع السلام” هذه المرة. فإذا ما أضفنا إلى ذلك، الانتهاكات الواسعة التي مارستها هذه الميليشات والقوى ضد معارضيها من عرب وكرد، وتلويح قادة الميليشيات والقوى الكردية بإطلاق سراح معتقلي داعش لديها، بات المشهد مثيراً للرعب والضحك في الآن عينه.
في دلالات العملية ذاتها
من المستغرب ألا تتدخل تركيا بهذا الشكل في سوريا. “المنطق” و”البداهة” يقولان أنها “تأخرت”. سوريا بأسرها اليوم بلد مشاع، مستباح من قوى إقليمية ودولية متعددة، وتسرح وتمرح فيه مخابرات هذه الدول. اسرائيل وإيران وروسيا وقوات التحالف الدولي و.. وطبعاً الاحتلال “المحلي” ممثلاً بنظام الأسد. هل بقي أحد من دول الجوار المعنية لم يدخل ويستعرض عضلاته فوق الجثة إلا تركيا؟
تأخر الدخول التركي كثيراً، واليوم اكتملت لوحة الاحتلالات. ثمة دولة مجاورة تدخل اليوم ولها أيادٍ سورية تساعدها على تنفيذ مشروعها داخل سوريا، هي الميليشيات والفصائل العربية الموالية والدائرة في فلك أنقرة هذه المرة. اللوحة السوداء كانت ناقصة، واكتملت مع تفجر “ينبوع السلام” على يد “الجارة” الشمالية. من المبكر التكهن كيف ومتى ستنتهي هذه العملية، والمآلات والشكل الذي ستستقر عليه منطقة شرق الفرات. ربما تكون هذه العملية هي المشهد الأخير والفصل الختامي من مسلسل الحرب السورية، والذي قد ينتهي بتقاسم معلن للنفوذ وعلى الملأ وبسيطرة تركية أوسع على الأرض، وعندها ستكون سوريا بشكلها المستقبلي أرضية مناسبة لإعادة تعويم الأسد واستمراره لفترة مقبلة، وقد وضعت الحرب أوزارها معلنة سوريا بلداً محتلاً باحتلال “كوكتيل”، مزيج، ومختلط، وهذه فرادة أخرى تضاف إلى الفرادة السورية المستمرة والمعمدة بدماء السوريين دائماً، وبدماء كرد تلك المنطقة هذه المرة.
الموت أستاذ قادم من تركيا/ جولان حاجي
سنة 1928، أصدر مصطفى كمال أتاتورك مرسوماً جمهورياً يقضي باعتماد الحروف اللاتينية-الرومانية في كتابة اللغة التركية، بدلاً من الأبجدية العربية التي اعتمدها سلاطين الإمبراطورية العثمانية لأربعة قرون. هكذا أرسى القطيعة “العلمانية” الكبرى مع الماضي، وهي قطيعة ناقصة بطبيعة الحال، لأن الكمالية لم تنفصل في جوهرها عن الإسلام. أمضى أتاتورك على المرسوم، بعدما جرّب التوقيع الجديد عدة مرات، إذ كان ينسخه عن نموذج جاهز أمامه، من تصميم الخطّاط الأرمني هاكوب جرجيان. بالطبع، كانت الإبادة الأرمنية قد أنجِزت وقتذاك، وظنّ مهندسوها أن صفحتها قد طُويت وسيحمل الأكراد كاملَ وزرها. لا يزال هذا الإمضاء أحد أشيع الوشوم على جلود عشاق “الذئاب” القوميين الأتراك، على زنودهم وأعناقهم وأرساغهم وحتى جباههم، فهذا وشم الرجل الذي احتكر، ولا يزال، لقب “أبو الأتراك”، بدهاء نظرته الزرقاء الثاقبة.
صوّت البرلمان التركي بالإجماع على قانون الأبجدية، وقاد مؤسس الجمهورية والحداثة التركيتين جولة طويلة عبر الأناضول مروّجاً لمزايا الثقافة الجديدة وسهولة اكتسابها. نُصبت سبّورة في كل بنك ومكتب بريد ومخفر شرطة، وحتى تحت الجسور وعلى المراكب. صارت تركيا “قاعة مدرسية واسعة”. تحوّل قصر دولمة بخجة في إسطنبول إلى مدرسة ابتدائية، حيث الخدم والوزراء والضباط منهمكون بتعلم لغتهم الجديدة، وكان أتاتورك يدرّسهم بنفسه.
قبل أن يتفجّر “نبع السلام”
يتعادى الجيران عداوات طاحنة وملهِمة غالباً ما ينفقون فيها معظم حياتهم.
العام الماضي، حملت حمائم أردوغان أغصان الزيتون تمهيداً لاحتلال عفرين، وقبل تطويقها بمحاربين رفع بعضهم صُور المأسوف على بسالته صدام حسين أسد السنّة. “الموت أستاذ قادم من تركيا عيناه زرقاوان”، هذا تحوير طفيف لما كتبه بول تسيلان. الموت أستاذ زائر عيناه زرقاوان آتٍ ليلقّن العُصاة دروساً لن ينسوها، يحطّ هنا أو هناك، طورانياً في تركيا أو فرنسياً في الجزائر، إسرائيلياً في فلسطين أو أنغلوسكسونياً في أميركا، وقد يعلّم الضحايا كيف يصيرون لصوصاً وقتلة، واعظاً من ينسى الموعظة.
الدرس الفرنسي
منتصف القرن التاسع عشر، الجنرال إِمابل بيليسيه خنق بالدخان مئات “البدو” الجزائريين المحاصرين داخل الكهوف في جبال الظهرة، وكان جزاؤه أن كوفئ بالترقية. حين عاد إلى باريس كتب إن الأجدى للإمبراطورية الاكتفاء باحتلال بعض الموانئ الجزائرية. عارضه فكتور هيغو الذي كان متمسّكاً باستعمار الجزائر كلّها، وقد أقول إن الأخير قد حنّ إلى مديح المقصلة حين كتب إن ما ينقص فرنسا هو قليل من البربرية، فالأتراك العثمانيون، السبّاقين إلى احتلال الجزائر وإخضاعها، كانوا يحسنون قطع رؤوس البرابرة أكثر من الفرنسيين.
الدرس العثماني/الألماني
بعد تفنّن الأساتذة الفرنسيين في الخنق والتجويع، جاءت إبادة الأرمن التي كانت نبعاً آخر من ينابيع الإلهام لدى مهندسي الموت في معسكرات الاعتقال النازية. غير أن الدأب الألماني لا يعرف الكلل وصرامة قوانينه لا تغيب، لا في الحياة الدنيا ولا في الآخرة. لنتذكّر الملائكة الألمان الذين رآهم سويدنبورغ في الجنة وهم يحملون دائماً مجلدات ضخمة ولا يجازفون بالإجابة على أي سؤال قبل التثبّت من ورودها في المراجع. في هذا المقتطف من كتاب “على مبعدة سنين ضوئية” لمرسيل كوهين، نقرأ كيف اشترى اليهود اليائسون حتوفهم وكيف سدّدوا من جيوبهم ثمن موتهم:
“سافر الضحايا بمالهم الخاصّ حتى دخولهم معسكرات الإبادة. كانت تعرفة نقلهم في عربات المواشي هي التعرفة نفسها في قطارات المسافرين، أي 4 بفنيغ لكل كيلومتر. الأطفال الأصغر من 10 سنوات يدفعون نصف القيمة، والأصغر من 4 سنوات يسافرون مجاناً. كانت التعرفة ترتفع كلّ ستة أشهر، وكانت هناك أسعار خاصّة 2 بفنيغ للمجموعات التي تضمّ أكثر من 400 شخص”.
*
حين دُشّنت غرف الغاز اختبر المهندسون نجاعتها على المرضى النفسيين والمشوّهين والمعاقين والمجانين. لم تكن هندسة الإبادة اختراعاً ألمانياً حديثاً. أثناء الحرب العالمية الأولى سبق العثمانيون حلفاءهم الألمان، فخنقوا الأرمن بالدخان في مغاور الأناضول التي أغلق المحاربون مداخلها بالصخور، بعد أن جرّدوا المحبوسين في المخانق من كلّ ثمين: الحلي والخواتم والأقراط وحتى ذهب الأسنان.
قبل غزو بولونيا، احتدم الجدل بين الضباط النازيين قبل اتخاذ القرار بغزو بولونيا، منطلق الحرب العالمية الثانية. استمع هتلر إلى الاعتراضات العديدة التي تعالت، وكان معظمها متعلقاً بالضجة العالمية التي ستنجم عن اجتياح جيران أقوياء لبلد جيرانهم. “إنها فضيحة”، قال أحد المستشارين؛ طمأنهم هتلر قائلاً إن مثل هذه الضوضاء جوفاء ولن تستمر طويلاً، ودعم حجته بهذا السؤال: “ومن يتذكّر الأرمن؟”
*
فليتخيّل القارئ شوارع في ألمانيا تحمل حالياً أسماء هيملر أو آيخمان، حين يقرأ أن المجرمين الضالعين في إبادة الأرمن أبطال مكرّمون في طول تركيا وعرضها:
رشيد باشا، أو جزّار ديار بكر، شارع رئيسي في أنقرة. لمحمد كمال شوارع تحمل اسمه في إسطنبول وإزمير وتماثيل في أضنة وإزمير. محمد طلعت وأنور، وهما بالترتيب وزير الداخلية ووزير الحرب العثمانيان أثناء الإبادة الأرمنية، اسمان لمدارس وشوارع كثيرة في تركيا المعاصرة. سنة 1943، حُمل تابوت طلعت باشا على متن قطار مهدى من مصانع الرايخ الثالث وأشرف على تشييع الجنازة العسكرية عصمت إينونو ثاني الرؤساء الأتراك. سنة 1996، استرجعت الجمهورية رفات أنور باشا من طاجكستان، وأعاد الرئيس سليمان ديمرل دفنه بيديه مشفوعاً باحتفال رسمي مهيب في إسطنبول.
الحملات
كان لي زميلٌ طبيب في دمشق يهوى قراءة الأعداد القديمة من الصحف والمجلات. كان يمضي صباح الجمعة مستلقياً على الأرض والمقص في يده يقتطع أنباء متفرقة من زوايا المحليات والمنوعات، وكان إذا راق مزاجه رتّب القصاصات في مغلفات موسومة بالموضوع والتواريخ. لدي واحد من هذه المغلفات نجا من التنقلات المستمرّة بين المدن، وتجمع محتوياته أنباء من الفترة التي تزامنت فيها المشاريع التجارية لأردوغان، بوجوهها الإسلامية المتمدّنة التي لم تكن قد وصمت حينذاك بـ “الأخونة”، وتقاطعت مع مسيرة التحديث والتطوير التي قادها الدكتور بشار الأسد. ففي إحدى تغطيات صحيفة “الثورة” المواكبة لزيارات الأسد الصغير وحملاته التوعوية في المحافظات السورية، نقرأ: “مواطنون بسطاء في محافظة الحسكة ينحرون كبشاً أمام موكب سيادة الرئيس ويحملون سيارته في الهواء”. وفي قصاصة أخرى تنقل صحيفة “تشرين” عن فيصل كلثوم، قبل أربع سنين من اندلاع أولى المظاهرات في درعا التي كان كلثوم محافظها في ربيع 2011: “إن السلطات المحلية ستبدأ حملة شاملة للقضاء على الكلاب الشاردة في كافة مناطق المحافظة [درعا]، يحصل خلالها كلّ مَن يقتل كلباً ضالاً على مبلغ 300 ليرة سورية”، لأن الكلاب الضالّة “تؤثّر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية”.
على القصاصة الأقدم، المقتطعة من صحيفة “الحياة”، المصفرّة كقشّ قديم كان لونه الصدئ كناية عن أردوغان لأن الرجل بشواربه: “مساجدنا ثكناتنا/قبابنا خُوذُنا/ مآذننا حرابنا/ المؤمنون جنودنا/ هذا هو الجيش المقدس حارس ديننا”. هذه الأبيات الشعرية المقفاة، الجامعة رموز الفحولة والحرب، معروفة في تركيا، وقد دخل أردوغان بسببها إلى السجن أربعة شهور حين كان رئيس بلدية إسطنبول سنة 1997. ولأنه لا ينسى الإساءة ويضمر الذكرى الموجعة في قلبه ويتحيّن الفرص لردّ الصاع صاعين، فقد عاد وأنشد هذه الأبيات إياها في أكثر من مؤتمر انتخابي لحزب العدالة والتنمية، وبعد استلامه رئاسة البلاد. يُعرف عنه حب الشعر وتلاوة المدائح النبوية في المناسبات، وبكى مرة حين أنشد قصيدة عن حنينه للمسجد الأقصى.
*
لعشاق الشعر مآثرهم بين الساسة الأتراك. الشاعر بولنت أجاويد قاد احتلال شمال قبرص سنة 1974، وأجبر الجيش التركي المجندين الأكراد على القتال في صدارة الجبهة مع القبارصة اليونانيين. ليس جديداً في تاريخ تركيا الحديث الزجّ بأبناء قوميات أو طوائف أخرى في الاقتتال ضد بعضها البعض، فيما ضباط جيش أتاتورك يتفرّجون على المذبحة ويديرونها، وغايتهم القصوى تتريك كل ما يمكن تتريكه. دولتهم الحديثة قامت على المذابح ولم تتوقّف عن تدبيرها وارتكابها. مجازر اليونانيين وإحراق كنائسهم ومحلاتهم ومدارسهم 1955-1964، قتل القبارصة اليونانيين وطردهم 1974، قمع العرب والعلويين في المناطق السورية المحتلة وأماكن أخرى 1978-1993، قتل الأكراد وقمعهم انتفاضاتهم المتتالية منذ 1923 وحتى الآن. العلويون في تركيا قرابة 12 مليونا، ربعهم من الأكراد الذين يقارب عددهم 15 مليوناً. أتوقف عند هذه النقطة لأن عبد الله أوجلان يُصوّر كردياً علوياً صفّى خصومه السياسيين وباع نفسه إلى الخميني والأسد، ثم إلى أميركا وإسرائيل، ورايات حزبه الـ PKK صفراء كنجمة داوود أو كرايات حزب الله. كان مألوفاً أن يُسمَع القوميون يتندّرون على بيع الأكراد الحمقى أرواحهم إلى الشيطان لأنه ربّهم.
مقياس أوجلان للزلازل
درج تعبير “الوضع في جنوب شرق تركيا” كناية عن “القضية الكردية”. سنة 2007 زاد أردوغان بنداً في شعار أتاتورك، حين قال على شاشات التلفزيون، أمام توابيت جنود أتراك قتلوا جنوب شرق تركيا: “علم واحد. أمة واحدة. لغة واحدة. دولة واحدة”. لا يليق بزعيم مثله الخروج خالي الوفاض من مجازر التاريخ، ولا ينسى بالتأكيد دخول النساء الكرديات حلبات السياسة والقتال، والمثال الصارخ لليلى زانا مطلع التسعينيات حين تكلمت بالكردية الكرمانجية في البرلمان التركي، فجوبهت بالهتافات: “انفصالية! إرهابية! اعتقلوها!” حاول أسد السنّة أبو بلال، أكثر من مرة، تمرير قانون الزنا والحكم على مقترفه بعقوبة السجن ثلاث سنوات.
القوانين التركية في جزء منها مستلهمة من الفاشيتين الإيطالية والإسبانية. بعد انقلاب 1980 الذي نكّل باليسار التركي وشرّد أعضاءه في السجون ومنافي أوروبا، جرّم القانون استخدام اللغة الكردية، المغيّبة أساساً منذ نشأة تركيا الحديثة. كانت سياسة الدولة في الواقع هي المحو التام. لم تتوقف الاغتيالات السياسية بحق الصحافيين والكتّاب والناشطين. منذ بدء عمليات حزب العمال الكردستاني سنة 1984 وحتى اعتقال عبد الله أوجلان في نيروبي وتسليمه مخدّراً مكبّلَ اليدين معصوب العينين عبر الموساد والسي آي إيه إلى سلطات أنقرة سنة 1999، أحرق الجيش التركي أكثر من 3000 قرية كردية، وقتل أكثر من خمسين ألف شخص، وشرّد ملايين الأكراد إلى ضواحي المدن الكبرى. كان اعتقال أوجلان، أو “آبو” [العمّ]، انتصاراً لعبدة “أبو الأتراك”، وتوقفت الحلول عند ذلك النصر، ولم يتوقف الدمار. أثناء محاكمة آبو، فوجئ أنصاره بمديحه لأتاتورك، واعتذاره لوقوع قتلى أتراك في حرب العصابات التي لا يزال مقاتلو حزبه يخوضونها في جبال كردستان. لم يقل شيئاً عن القتلى الأكراد وحلم كردستان. مثلما كان الكردي الآخر يلماز غوناي يخرج فيلمه “الطريق” من سجون أخرى في تركيا، أوجلان المقيم وحده في سجن إيمرله منذ عشرين عاماً، يدير حزبه من هناك بطريقة تستعصي على الفهم، وأحياناً في غضب ضجران يهزّ مثل شمشون قضبان زنزانته فيزلزل إسطنبول، ويتجاهل المحللون هذا التعليل لتفسير الزلازل التي تضرب تركيا.
لاعب الكرة المتقاعد
“عندما تحاول الأقدام أن تتولّى الحكم بدلاً من الرأس فتلك ساعة القيامة”. هذا واحدٌ من الأقوال المأثورة للخطيب المفوّه رجب طيب أردوغان، يعيدنا إلى بداياته المهنية كلاعب كرة قدم محترف، ابن الطبقة العاملة وخريج المدارس الدينية في إسطنبول، قبل أن يتسلّق النجم الصاعد سلالم السياسة في حزب الرفاه ويصبح رئيس بلدية إسطنبول وعمره أربعون عاماً. خلال تلك السنين كان قد راكم ثروة كرجل أعمال، مقتدياً في التجارة بالرسول الكريم، وليس هذا جديداً بالطبع على الساسة أمثاله. مزية الرئيس المؤمن التقوى، يبدأ اجتماعاته وخطاباته بسورة الفاتحة، ويتلو مقاتلوه المأجورون سورة الفتح قبل غزو المدن والقرى الكردية في شمال سوريا، لكنه لا يرحم “أمهات إسطنبول” الكرديات المعتصمات المطالبات بمعرفة مصائر أبنائهن المفقودين. إنه يحبّ الجمهور العريض، وحاول ذات مرة ترضية الأكراد رغم عقوقهم وجحودهم، فجمع في الملعب البلدي في ديار بكر بين مسعود البرزاني والمغنّيين الكرديين إبراهيم طاطليس وشفان برور متأملاً الوصول إلى اتفاق أو تسوية خريف 2013. أردوغان الرياضي السابق، صاحب الكاريزما وذا القامة الفارعة وإن شابها تقوّس في الساقين، قريب من هموم الناس ويفضّل لغة الشارع على أدب الصالونات، مثال الرجولة في الصمت وسرعة الغضب قولاً وفعلاً، سواء مع الخصوم أو الأصدقاء، وهو بهذه المزايا ينضمّ إلى سرب الجوارح المحلقة في سماء العالم، من بوتين وفكتور أوربان إلى ترامب وبولسونارو. إنه مثلهم، على غرار نجوم الصحافة الصفراء، كابوس دسم لرسامي الكاريكاتير والصحفيين، أبواب الطرافة فيه مشرعة على الغثيان. لنتذكر مباركة عرس بلال أردوغان بحضور برلسكوني، أو استغراب ترامب احتجاج العالم لأن صدام حسين رشّ الأكراد “بقليل من الغاز”، أو التخلّي عنهم لأنهم لم يشاركوا في إنزال النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، أو النزاع بين الأكراد والأتراك عمره قرون في الشرق الأوسط الذي لا يجلب سوى الرمل والموت، وبرغم سماجة النكات التي تطاول سيد المكتب البيضاوي، سأجازف باجتراح هذه الطرفة على لسانه: “نفط الخليج للأمريكان، لأنه ديناصوراتنا التي هاجرت من أميركا منذ ملايين السنين وماتت في صحراء العرب”.
مجلة رمان
كرد سوريا بين الانسحاب الأمريكي والتدخل التركي/ عبد الباسط سيدا
لم يكن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من سوريا، وسعيه من أجل ترميم العلاقة مع تركيا بالأمر المفاجئ بالنسبة إلى المتابعين لسياسات ترامب، والمطلعين على كيفية تعامل القوى الكبرى، خاصة في المرحلة الراهنة، مع مختلف الموضوعات؛ فالمصالح العارية هي التي تحدد التوجهات، وتتحكّم في عملية بناء التحالفات المرحلية، وتجاوزها نحو تحالفات أخرى، تكون أكثر جدوى، وفق الحسابات الاستراتيجية للقوى المعنية.
فما كان من تحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين قوات قسد، التابعة عملياً لحزب العمال الكردستاني؛ أو بتعبير أدق، ما سوّق على أنه تحالف؛ لم يتجاوز في واقع الأمر حدود تنسيق استخباراتي عسكري، وتحكّم من جانب الأمريكان بتلك القوات الكبيرة من جهة العدد عبر مجموعة صغيرة نسبياً من المستشارين والجنود.
وقد كان موضوع التدخل التركي في منطقة شرقي الفرات مثار شد وجذب بين الجانبين الأمريكي والتركي منذ سنوات. ويبدو أن الإدارة الأمريكية منذ عهد أوباما قد قررت التحالف مع الحزب المعني، أو بكلام آخر أقرب إلى حقيقة الأمور، قد قررت الاعتماد على القوى العسكرية لـ ب. ي. د. التي كانت تُعرف سابقا بقوات حماية الشعب، وتعرف حالياً باسم قسد (قوات سوريا الديمقراطية)، ليكون ذلك وسيلة للضغط على الجانب التركي، وذلك من أجل فرض شروط عليها لها علاقة بالترتيبات المستقبلية لأوضاع المنطقة، والمعادلات التوازنية التي ستفعّل بموجب الحسابات الأمريكية.
ونحن إذا عدنا إلى النقلة التي قفز بموجبها حزب العمال الكردستاني، الذي يقود فعلياً القوات التي يدور حولها الحديث هنا، من تحالفه مع النظام والروس إلى التحالف مع الأمريكان، سنرى أن التحالف الجديد لم يكن بعيداً عن التفاهم الأمريكي الروسي منذ البدايات، هذا رغم التباينات والخلافات الظاهرة، وتلك التي يعبر عنها كل جانب في مختلف المناسبات.
فالحزب المقصود هنا، كان في منطقة عفرين منسقاً متفاهما مع الروس. وفي منطقتي الجزيرة وكوباني/ عين العرب كان متحالفاً مع الأمريكان في قتال داعش وليس النظام. ولم يكن موضوع اخراج قوات النظام وأجهزة مخابراته من منطقة الجزيرة في يوم من الأيام أولوية بالنسبة إلى هذا الحزب، ولا بالنسبة إلى الأمريكان أنفسهم. بل على العكس من ذلك، تعايش الجميع معاً، وتبادلوا الأدوار والمهام في مختلف الميادين.
أما تركيا، فقد حاولت بداية الأمر احتواء وجود حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا “ب. ي. د” وفتحت معه قنوات الاتصال، بعد أن كانت قد دخلت في مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني نفسه. ولكن بعد اخفاق تلك المفاوضات، بدأت تحتج لدى الجانب الأمريكي، الذي كان قد فتح القنوات لتوه مع الحزب المعني، وبدأ بتزويده بالأسلحة والأموال، خاصة بعد معارك كوباني التي كانت بين التنظيم المذكور وداعش، في حين أن الموقف التركي كان وقتها مترددا، رغم التوافق الذي حصل لاحقاً، وكانت حصيلته دخول قوات البيشمركه من كردستان العراق عبر تركيا إلى مدينة كوباني، من أجل دعم المقاتلين فيها ضد داعش.
وهكذا تطورت العلاقة بين الجانبين الأمريكي وحزب الاتحاد الديمقراطي، ولكن العلاقة كانت دائمة في المستوى الأمني العسكري، ولم تكن هناك أية اتفاقيات أو التزامات سياسية.
وجاءت معركة الرقة التي قرر فيها الجانب الأمريكي الاعتماد على الحزب المذكور، رغم المعارضة الشديدة من جانب تركيا، وإبدائها الاستعداد للإسهام في تلك المعركة، ولكن شرط استبعاد “ب. ي. د” عن الموضوع، وهو الأمر الذي رفضه الأمريكان، مما أدى إلى اضطراب في العلاقات الأمريكية التركية؛ حتى أن الولايات المتحدة رفضت بيع تركيا منظومة صواريخ باتريوت، بل سحبت تلك التي كانت قد نصبتها على أراضيها. هذا في حين أن تركيا كانت تعاني من أزمة عميقة مع الروس بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية، وكانت العلاقات مع إسرائيل هي الأخرى متأزمة. ولكن مع تباعد المواقف بين تركيا وحليفاتها الأطلسيات، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لاذت تركيا بالانفتاح على الروس في الوقت ذاته؛ وباتت ركناً أساسياً من أركان مسار أستانا الذي جمع بينها وبين الروس والإيرانيين. وقد تمكنت بفعل التفاهم مع الروس، وضوء أخضر أمريكي من الدخول إلى منطقة جرابلس واعزاز، ومن ثم دخلت إلى عفرين. ولكنها كانت دائماً تؤكد أنها ستبذل كل المساعي من أجل الدخول إلى منطقة شرقي الفرات لإخراج حزب الاتحاد الديمقراطي من هناك، وهو الأمر الذي كان الأمريكان يعارضونه باستمرار، رغم وجود اشارات كانت توحي باستعداد ترامب وأركان من إدارته، رغم رفض آخرين، بالتعامل الإيجابي مع المطلب التركي.
وقد تفاجأ العالم بقرار ترامب بعد إعلانه القضاء على تنظيم داعش في سوريا، إذ اتخذ قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو الأمر الذي أثار موجة من التنديدات ضمن الإدارة الأمريكية نفسها، وإلى استقالة العديد من المسؤولين فيها؛ مما دفع بترامب إلى مراجعة قراره وتعليقه، ولكن من دون إلغائه. وفي الأثناء تواصلت المباحثات والمشاورات بين الجانبين الأمريكي والتركي. ومعها التهديدات التركية المستمرة بدخول المنطقة، هذا مع معرفة الجميع بأن خطوة من هذا القبيل لن تكون من دون الحصول على ضوء أخضر أمريكي، وهو الضوء الذي أعطاه ترامب بتغريداته وتصريحاته المبهمة المتناقضة مؤخراً؛ الأمر الذي يعزز انطباعاً مفاده بأنه ليس من المستبعد أن تكون الخطوة الأمريكية متكاملة مع خطوة أخرى، يكون قد الاتفاق عليها مع الروس.
المتضرر الأكبر من كل ما جرى ويجري في منطقة شرقي الفرات والجزيرة السورية هم الكرد السوريون من دون غيرهم. فقد سيطر الحزب الديمقراطي على مناطقهم بتفويض تام من النظام، وتنسيق كامل معه منذ اليوم الأول للثورة السورية. وتسبّب هذا الأمر في هجرة نحو مليون كردي نتيجة ممارسة الحزب المذكور الشاذة، مثل التجنيد الإجباري الذي فرض على الشباب؛ وإلحاق أسوأ الكوارث بالعملية التعليمية؛ هذا إلى جانب قمع الحزب المعني للحريات، وتجسد ذلك في اعتقال المنتقدين والمنافسين المحتملين، وتصفيتهم وترحيلهم، بل وصل الأمر ببعض قادته إلى الإعلان صراحة بأن من لا يقبلون بسياساتهم عليهم أن يرحلوا. واستمرت الأمور هكذا، حتى جاء الأمريكي الذي تعامل مع القوات العسكرية التابعة للحزب المعني كما يتعامل مع أية شركة أمنية تؤجر القوات للمهام الخاصة.
وكان من الواضح دائماً أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بخروج تركيا من منظومتها التحالفية، لتغدو جزءاً من تحالف روسي إيراني، وربما صيني، الأمر الذي من شأنه تهديد المصالح والحسابات الأمريكية في منطقتنا، ومناطق أخرى في العالم. فالقوى العظمى تعطي الاعتبار الأكبر في نهاية المطاف للمصالح كما أسلفنا، ولا تقيم أي وزن مؤثر لموضوع القيم والمبادئ والالتزامات الأخلاقية، خاصة في عصرنا الشعبوي هذا؛ وهي لا تخشى في ذلك لومة لائم، ولا تشعر بأي حرج أو خجل.
أما بالنسبة إلى حزب العمال الكردستاني، فهو أمام عدة خيارات: إما العودة إلى تفاهمه وتنسيقه مع النظام السوري؛ أو سحب كوادره إلى مواقعهم في جبل قنديل، انتظاراً لمهمات أخرى. أما الاحتمال الثالث، وهو الأنجع، فهو الدخول في مفاوضات مع الدولة التركية للوصول إلى حل سلمي لمختلف النقاط المختلف حولها، ويمكن للولايات المتحدة أن تتوسط في هذا المجال، وتدفع بالأمور نحو هذا المنحى، إذا كانت تفكر في مصلحة حليفتها تركيا والكرد، ومصلحة الاستقرار في المنطقة.
أما الكرد السوريون، فهم الحلقة الأضعف أصلاً في المجتمع السوري نتيجة عقود من الاضطهاد والتهميش؛ وجولات من استغلال حزب العمال الكردستاني لهم، واستنزافه لمواردهم الاقتصادية الضحلة من الأساس، وتسبب في مقتل الآلاف من شبابهم، وتهجير مئات الآلاف. الكرد السوريون هم في وضع لا يحسدون عليه، وقد دفعوا ثمناً باهظاً في معارك لا تخصهم، بل كانوا مجرد مادة وأداة في مشاريع الآخرين. وما ينتظرهم في قادم الأيام ليس واضحاً بعد، ولكن الخطوة الأهم التي ستخفّف الضغط عنهم بعض الشيء تتمثل في ضرورة فك الارتباط بين الـ “ب. ي. د” وحزب العمال، ليغدو الأول حزبا سورياً، وبأجندة سورية كردية.
ما نحتاجه اليوم على المستوى السوري الوطني العام، وعلى مستوى منطقة الجزيرة بصورة خاصة، هو الحد من ديماغوجية خطاب الحقد والكراهية الذي يتبناه أصحاب العقلية الانتقامية المتطرفة، سواء بين العرب أم الكرد، وذلك للمحافظة على السلم المجتمعي المحلي في الجزيرة، هذا المجتمع الذي يعد النواة الضامنة للسلم الوطني السوري العالم.
كما أن الحوار التركي الكردي الداخلي مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، وذلك من أجل إيجاد الحلول الإبداعية لمختلف المشكلات المعلقة. ومن دون مثل هذا الحوار ستظل الأرضية خصبة لكل أولئك الذين لا تهمهم مصلحة الطرفين (التركي والكردي)، ويسعون لمغازلة المتطرفين هنا وهناك، وتشجيعهم ودعمهم بهدف المزيد من عدم الاستقرار واستنزاف الطاقات.
*كاتب وأكاديمي سوري
القدس العربي
منطقة آمنة أم حقل ألغام؟/ بسام يوسف
ليس من المنطقي، ولا من المعقول، أن يكون الرئيس التركي قد اتخذ قرار التدخل العسكري في منطقة الجزيرة السورية من دون تنسيق مع القوى الموجودة في تلك المنطقة، ومع أطراف أخرى قد لا يكون لها حضور مادي معلن كإسرائيل- وبالتأكيد، إن قسد ليست من تلك القوى التي أقصد- إن هذا الافتراض لا يحتاج إلى كثير من الاجتهاد، خصوصاً أنه على اتصال وتنسيق دائمين مع هذه الأطراف، إما مباشرة أو بالنيابة (الروس نيابة عن بشار الأسد مثلاً).
وليس من المنطقي، ولا من المعقول، أن تتوافق هذه الأطراف جميعها على هذا التدخل العسكري المباشر، دون أن تتفق على ضوابط وحدود هذا التدخل، ودون أن تتفق أيضاً على مصالح تشترطها هذه الأطراف.
وليس من المنطقي، ولا من المعقول، أن يكون الإعلام وحده بوصلتنا لقراءة ما يحدث، سيما وأن وقائع كثيرة، لا تزال ساخنة في ذاكرتنا، تخبرنا: أن ما يقال، وما يصرح به، مهما كانت نبرته عالية، قد يكون عكس ما هو متفق عليه، فلا تزال قصة احتلال صدام للكويت حاضرة في ذاكرتنا، ولا يزال احتلال العراق أيضاً، ولا تزال مسرحية إيران وسفن النفط ماثلة…إلخ.
إن الموقف الروسي لا يحتاج فهمه إلى عناء كبير؛ فهو يكاد أن يكون معلناً، إضافة إلى أن روسيا قد مارسته علناً منذ أن انفجرت الثورة السورية؛ فروسيا تحاول- بكل الوسائل- إعادة بسط سلطة تابعها “بشار الأسد” على أكبر مساحة ممكنة، وتحاول إعادة تدوير نظامه بتجميله وإعادة تسويقه إقليمياً ودولياً.
أما موقف إسرائيل الذي بدا غاضباً من هذا التدخل، والذي دفع رئيس وزرائها إلى إطلاق مصطلح (المحافظات الكردية) على قسم من الأرض السورية، فلا يفسره الادعاء: أن إسرائيل فوجئت بما حدث؛ فما من أحد يتحرك في الجغرافيا السورية دون تنسيق مباشر أو غير مباشر معها. ولا يفسره زعم: أنها مغلوبة على أمرها، وأنها وجدت نفسها أمام حقيقة على الأرض، علمت بها، لكنها ترفضها. قد يمكن الركون إلى تفسير مقبول إلى حد ما، وهو: أن إسرائيل تعلن موقفاً مغايراً لموقفها الحقيقي، حرصاً منها على علاقة اشتغلت عليها- منذ زمن طويل- وتحاول ترسيخها مع الكرد في العراق وسوريا، وهي لا تريد الظهور بمظهر من يتخلى عن هذه العلاقة.
أما الحديث عن “داعش”، ومكافحة الإرهاب، وكل هذا الدجل الإعلامي الذي يصطنع بتواطؤ الجميع، والذي ارتكبت باسمه أفظع الجرائم والسياسات القذرة، فما هو إلا “الجوكر” الذي يستعمل من قبل الجميع عند الحاجة، وهو وسيلة عند الجميع، وليس هدفاً لأحد.
بعد هذا، لعل الموقف الأمريكي هو الأجدر بالقراءة والتحليل، وهو ما يبدو ملتبساً، سيما أن ترمب- لا يزال منذ ترشحه لانتخابات الرئاسة الأمريكية وفوزه بها، وحتى اللحظة- يمارس السياسة مثل بهلوان؛ إذ لا تهمه معايير السياسة الكلاسيكية كثيراً، ولا تهمه تقاليدها، ولا أساليبها الناعمة، ولا أعرافها. فهو يشهر قوة بلاده، ويلوح بها، وبفهمه النفعي المادي لهذه القوة، فيندفع إلى فرض ما يريد مثل مقامر. مع ذلك، إن ترمب- هذا الواصل إلى موقع الرئاسة الأمريكية- يصطدم بمجموعة حقائق يعرفها جيداً، فهو يعرف حضور إسرائيل داخل مواقع القرار الأمريكية وقوتها فيها، وهو يعرف جيداً الألاعيب التي مارسها للوصول إلى موقع الرئاسة، ويعرف أن هذه الألاعيب التي لا تنسجم مع كلاسيكيات المدرسة الأمريكية، لابد أن يستعملها خصومه ضده، وهو يعرف أنها قد تودي به، لكنه مادام يمارس السياسة كما مارس أعماله الاقتصادية؛ فإنه مقتنع بقدرته على إيجاد حل لأي مشكلة، قد تنفجر فجأة في وجهه. على هذا، يمكن تلخيص المبدأ الأساس لمعركة ترمب ضد خصومه داخل البيت الأمريكي بجملة واحدة: كسب الناخب الأمريكي، ومن أجل كسب هذا الناخب؛ فهو يعمل باتجاهين رئيسين:
1- استنهاض النزعة الأمريكية الاستعلائية التي وصلت إلى حد العنصرية في مواقف كثيرة أعلنها مراراً، مع ما يعنيه هذا من تخليق ناخب عصبوي يصعب سحبه من قوة جذب هذه العصبوية.
2- إغراء الناخب الأمريكي بالمال؛ أي: بالتشبيح عالمياً، من أجل زيادة دخل المواطن الأمريكي بغض النظر عن مصدر هذه الزيادة.
ولهذا، كان واضحاً أن ترمب قد أعطى ضوءاً أخضر لأردوغان، وكان واضحاً أن أوامر ترمب إلى جنوده بالانسحاب من بعض مواقعها في الأراضي السورية، قد كانت هي الإشارة الممنوحة لأردوغان للتدخل، غير أن هذه الإشارة قد حررت ذريعة داخل المؤسسات السياسية والقضائية الأمريكية لمواجهة ترمب وفضحه وإضعافه فمحاولة عزله. وباختصار، إن موافقة ترمب على دخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية، قد أعطيت في ضوء ثلاث حيثيات بالغة الأهمية:
1- التقارب الروسي التركي.
2- العلاقة الأمريكية مع قوات “قسد”.
3- محاولات عزله.
هكذا يبدو لي، أن من غير المعقول، أن يكون ترمب قد أعطى موافقته دون موافقة إسرائيل؛ فهو لن يغامر أبداً- في هذه اللحظة الحرجة- بتأليب لوبي إسرائيل داخل أمريكا ضده، وبالتالي: إن الموقف الإسرائيلي الصاخب، هو موقف إعلامي لا أكثر ولا أبعد.
وأيضاً، هو قد أعطى موافقته بعد اتفاق أمريكي روسي تركي، وبالتالي: إن حدود هذا التدخل وتفاصيله متفق عليها، ولن يجرؤ الجيش التركي على تجاوزها؛ لأن أي تجاوز قد يؤدي إلى كوارث عسكرية وسياسية لن يتحملها أردوغان. وعلى هذا، إن التهديدات التي أطلقها ترمب بمحو الاقتصاد التركي، وبقلب الطاولة، لها هدفان، فهي: أولاً رسالة إلى الداخل الأمريكي لتعزيز موقعه في وجه من يحاولون عزله، وتؤسس سيناريو الإدارة الأمريكية للتعامل مع أردوغان ثانياً. إذاً، ما الذي يريده ترمب من موافقته على الحملة العسكرية التركية؟ لعل هدف ترمب الأساس من هذه الموافقة، هو كسر التقارب الروسي التركي، وعودة تركيا إلى تبعيتها لأمريكا، لكن هناك احتمالان لسيناريو هذا الكسر، فقد تكون الموافقة المجردة مرضية لتركيا وكافية لعودة العلاقات إلى سابق عهدها وهو السيناريو الأول، أما السيناريو الثاني فهو كارثي بكل معنى الكلمة، وهو دفع تركيا إلى مستنقع استنزاف سياسي وعسكري لن تستطيع تركيا تحمله، وبالتالي انهيار البنية السياسية التركية التي بدأت تتصدع في السنوات الأخيرة، وقد يؤدي هذا إلى انقلاب عسكري تركي يعيد تركيا إلى صيغتها السابقة، صيغة الدولة بواجهتها العلمانية وبقيادة العسكر من وراء الكواليس. السيناريو الثاني سيدفع بالمنطقة إلى دورة عنف قد تكون الأقسى، وقد تتوسع الأطراف التي ستزج مرغمة في أتون هذا الصراع، ولن تخسر أمريكا شيئاً فهي من سيحصد أخيراً. أما المأساة المهزلة، فهي أننا- نحن السوريين بكل تصنيفاتنا- من دفع الثمن الباهظ، ومن يدفعه، ومن سيدفعه.
تلفزيون سوريا
الحسم العسكري من شرق الفرات إلى إدلب/ عقيل حسين
عبّر بعض الثوار والمعارضين عن رفضهم، أو لنقُل عن عدم تفضيلهم خوض معركة (نبع السلام) التي أطلقتها القوات التركية بالتشارك مع الجيش الوطني السوري للسيطرة على مناطق خاضعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال شرقي البلاد.
وإذا استثنينا الأشخاص أو القوى السورية المرتبطة بدول على خصومة مع تركيا، فإن الغالبية العظمى من هؤلاء المعارضين للمعركة، يعتبرون شخصيات وطنية تشهد لهم مواقفهم قبل الثورة وبعدها.
لا ينطلق هؤلاء في معارضتهم للمعركة من موقف مسبق تجاه تركيا، بل يعبرون عن موقف مبدأي رافض لأي معركة تستنزف القوى العسكرية السورية المعارضة خارج الهدف الرئيس للثورة، كما أنهم يأخذون بعين الاعتبار وجود الآلاف من المقاتلين السوريين من العرب وغير العرب، كثيرون منهم كانوا جزءاً من الجيش الحر، في صفوف قسد الآن، وهؤلاء مع المدنيين الذين يعيشون في تلك المناطق، سيكونون ضحية معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وحسب معرفتي ببعضهم على الأقل، فإن أصحاب وجهة النظر هذه يعارضون أيضاً أي عملية عسكرية قادمة يمكن أن تشنها تركيا وفصائل المعارضة ضد هيئة تحرير الشام وبقية الفصائل الجهادية شمال غرب سوريا، وذلك انطلاقاً من الموقف نفسه، أي الحرص على أرواح المدنيين، وكذلك وجود المئات، بل والآلاف من المقاتلين السوريين في صفوف الهيئة، وهؤلاء سيكونون أيضاً ضحية لمواجهة لم يفكروا فيها يوماً.
موقف لا يمكن أن يجادل فيه اثنان من الناحية الإنسانية، إلا أنه عملياً، هو في النهاية موقف عاطفي لا يأخذ بعين الاعتبار وقائع سياسية وعسكرية باتت شبه محسومة، وبيد قادة (البي واي دي) وهيئة تحرير الشام فقط تغييرها.
لقد أثبت تصويت كل من الولايات المتحدة وروسيا يوم الخميس ضد بيان في مجلس الأمن يطالب تركيا بوقف عمليتها العسكرية الحالية، أن الأمور في سوريا تسير باتجاه الحسم، بعد توافقات كبرى أنجزت أو يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها.
من بين التصريحات الكثيرة المتضاربة التي أدلى بها ترمب خلال الأيام الثلاثة الأخيرة الماضية، فيما يتعلق بعملية نبع السلام، هناك تصريح وحيد لم يأخذ حقه من الاهتمام، رغم أنه بتقديري كان أهم ما أدلى به الرئيس الأمريكي مؤخراً.
“آن لهذه الحرب السخيفة أن تنتهي” .. هذه الجملة التي وردت بين سلسلة تصريحات ترمب يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن مجرد جملة عابرة أو إضافة بلا معنى، بل إن الدعم الثنائي الأمريكي-الروسي لتركيا ضد حليف مدلل هو “قسد” يؤكد أن ما اتفقت عليه الدول الثلاث أكبر بكثير مما هو معلن حتى الآن.
يبدو أن عملية (نبع السلام) تسير كما هو مخطط لها، وقد لا يمر وقت طويل إلا وتكون تركيا قد أنجزت ما تريد من هذه العملية، وبلا شك فإن التالي سيكون ملف إدلب.
وبلا شك أيضاً فإن روسيا، وحتماً الولايات المتحدة، لم تمنحا أنقرة هذا التفويض في شرق الفرات إلا مقابل اتفاق ما حول الشمال الغربي، وبالتالي فإن من المتوقع أن تكون وجهة الجيش التركي القادمة هي إدلب، إلا إذا استطاعت الحكومة التركية إنجاز اتفاق، سيكون تاريخياً، لتجنيب هذه المنطقة معركة مؤلمة.
تدرك هيئة تحرير الشام ومختلف الفصائل السلفية الجهادية التي تنشط في المنطقة هذا الأمر مسبقاً، لكن أحداً لا يمتلك يقيناً قاطعاً حول موقفها من أي توجه تركي لإنهاء سيطرتها على إدلب وما حولها، إلا أن الجميع يخشى أن يكون قرار هذه الفصائل هو المواجهة.
نظرياً تمتلك الهيئة، وهي أكبر هذه الفصائل وأكثرها قوة، ما يكفي من البراغماتية والليونة لتقديم تنازلات، لكن ليس إلى درجة القبول بأن تحل نفسها، وإن كان احتمال قبولها بهذا الخيار يبقى وارداً، إلا أن العقدة الأخطر ستبقى قائمة مع التنظيمات الصغيرة الأخرى.
وإذا استثنينا الحزب الإسلامي التركستاني الذي يدور في فلك الهيئة ولا يتبنى مواقف عدائية تجاه الحكومة التركية، فإن عدة تشكيلات أخرى تمتلك، على صغر حجمها وقلة أعداد مقاتليها، القدرة على تشكيل مخاطر حقيقية على أرواح من يعيشون في مناطق سيطرتها من المدنيين، إذا ما قررت المواجهة.
لن تسمح تركيا باستمرار وجود حزب العمال الكردستاني وقيادته لقوة كبيرة بحجم قوات سوريا الديمقراطية على حدودها الجنوبية طال الزمان أم قصر، ومخطئ من يعتقد أن “نبع السلام” ستكون الأخيرة إذا ما استمر الحزب الكردي الراديكالي بنشاطه في سوريا.
وبالمقابل، لن يسمح العالم، وعلى رأسه روسيا وأمريكا، باستمرار وجود ونشاط جماعات جهادية في سوريا أيضاً، وخيار المواجهة مع هذه القوى يبدو خياراً محسوماً اليوم أكثر من أي وقت مضى، وعليه فإن الأمل الوحيد المتبقي هو أن تقتنع هذه التنظيمات بإيجاد مخارج سلمية من خلال أنقرة، تجنب المدنيين الذين يعيشون تحت سيطرتهم حروباً يدركون أنها أكبر بكثير من طاقتهم، أو على الأقل تجنبهم عودة النظام تحت غطاء القوة الروسية المدمرة.
تلفزيون سوريا
تركيا والاستنفار السعودي/ حسام كنفاني
منذ إطلاق العملية العسكرية التركية في سورية، انقسمت الآراء بشأن كيفية التعاطي معها، وإلى أي مدى من الممكن تأييدها أو معارضتها، خصوصاً أنها حرب سيذهب ضحيتها مدنيون، وقد تخلّف عشرات آلاف النازحين السوريين الجدد، لتزيد المعاناة السورية المستمرة منذ ثماني سنوات. ومهما حاول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تزيين الأهداف التي من أجلها شنّ ما أطلق عليها اسم “نبع السلام”، على الرغم من أن الحروب لا تأتي بالسلام، إلا أنه في النهاية لا بد من تساؤلاتٍ عديدة عن الأهداف الحقيقية للعملية التركية، ومدى ارتباطها بالتفاهمات الإقليمية والدولية، وخصوصاً مع الشريكين، الروسي والأميركي، واللذين دافعا عن العملية خلف الأبواب المغلقة لمجلس الأمن، على الرغم من الانتقادات العلنية التي يوجهها المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب، ونظراؤهم الروس، وفي طليعتهم وزير الخارجية، سيرجي لافروف.
بناء عليه، فإن اتخاذ موقف سياسي واضح من العملية التركية، بعيداً عن الموقف الأخلاقي الطبيعي الرافض للقتل والتدمير، سيكون بعد تبيان مآلاتها، وما إذا كانت فعلاً تحمل أجندات خفية، قد تكون مرتبطةً بإدلب، أو بالتمدد الجغرافي التركي في الداخل السوري، أو التغيير الديمغرافي في المنطقة المنوي تحويلها “آمنةً”، وكيفية توظيف هذه المنطقة في الحسابات الدولية والإقليمية المتصارعة في الداخل السوري، وهي كثيرةٌ ومتشعبة، وهو ما تشير إليه المواقف اليومية الصادرة من عواصم عالمية على تماسّ مع الوضع السوري، سواء في شقه السياسي أو الاجتماعي المرتبط باللاجئين، خصوصاً أنه سيكون لتداعيات العملية التركية تأثير مباشر على العملية السياسية، أو تدفق مزيد من اللاجئين إلى الدول الأوروبية.
مواقف هذه الدول ومعارضتها العملية التركية يمكن تفهّمها، ولكن وسط هذا الصراع السياسي الدولي، يبرز الموقف السعودي، والذي لا ناقة له ولا جمل في الوضع السوري، ولا يقدّم ولا يؤخر فيه، ليظهر استنفاراً كاملاً ضد العملية التركية، سواء عبر الإعلام الموالي له أو عبر تجنيد الدول التي تدور في فلكه، لإصدار مواقف تدين هجوم شرق الفرات. إدانة بالتأكيد لا تنبع من الحرص السعودي والإماراتي والمصري على وحدة الأراضي السورية أو على سيادة البلاد ورفض التدخل الأجنبي فيها، على الرغم من أنها باتت مرتعاً لجيوش الأرض، ولا هو خوف على السوريين الذين دخلوا طوراً جديداً من الحرب عليهم من الممكن أن يزيد معاناتهم، وهم الذين يعانون منذ سنوات حرب إبادة غضت السعودية الطرف عنها، بل وكانت أحد عناصر تأجيجها، قبل أن تنسحب وتنشغل في حروب أخرى. موقف السعودية ووكلائها لا يمكن فهمه إلا في إطار المناكفة مع “الخصم” التركي، ومحاولة إضعافه، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مع أن قدرة الرياض على ذلك أقل مما تظن، لاعتباراتٍ لها علاقة بالموقع التركي الجيوسياسي والمحوري بالنسبة إلى الدول الغربية.
اللافت أن الموقف السعودي أعلى بدرجات من المواقف التي تصدر عن النظام السوري، وباقي محور الممانعة، والتي لا تبدو متأزمةً من العملية التركية الحالية، إذ ربما تخدم مصالحها في وقت لاحق، على عكس الحال بالنسبة إلى الرياض، المستمرّة بالخسارة اقتصادياً وعسكرياً، وحتى بالثقل السياسي الذي لم يعد موجوداً، في نظر الغرب، إلا بقدر الأموال التي تدفعها، وهي باتت شحيحة.
هذه الهجمة السعودية الواضحة تلقفها الرئيس التركي، ولكن ليس من باب تفنيد أهدافها والتشكيك بالمشروع السعودي بالمطلق، بل بتعيير السعودية بالحرب التي تشنها في اليمن وقتل سكانه وتهديد وحدة أراضيه، وهو أمر ليس في صالح الخطاب التركي ودفاعه عن عمليته العسكرية، إذ كأن لسان حال أردوغان يقول “نحن نفعل كما تفعلون، وبالتالي لا يحق لكم لومنا”. تعيير لا يمكن تبريره، إذ لا شرعية للقتل لا في سورية ولا اليمن.
العربي الجديد
العربي الجديد
سورية والعملية التركية/ فاطمة ياسين
لا يرغب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في خوض الحروب. وكان هذا عنواناً لحملته الانتخابية، وقد أعلن مراراً على منصة “تويتر” أنه سيسحب قواته من هنا وهناك، وحدّد أكثر من مرة منطقة شمال سورية. وقد تكون رغبته في عدم خوض الحرب عجّلت برحيل مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، الرجل الذي يصرّ على استراتيجية حربية واضحة. بدت أميركا، منذ بداية الحرب السورية، مرتبكة، ينسحب ذلك على مستوى الدولتين، العميقة والسطحية، فيها، وكذا مؤسساتها المختلفة، وإدارتيها اللتين حكمتا خلال هذه الفترة. واقتصر التدخل الأميركي أيام الرئيس باراك أوباما على تسليح مجموعاتٍ صغيرة منتقاة، ثم سرعان ما تراجع هذا الدعم، وتحوّل أوباما إلى رجل مكافحة الأسلحة الكيميائية، إلى أن غادر البيت الأبيض مورّثاً خلفه ترامب هذا الملف. بحث ترامب عن مجموعةٍ منظمة على الأرض السورية، يمكنه أن يدعمها، ولم يجد إلا كرد المنطقة الشمالية، فوقع في إشكالات سياسية عميقة مع حليفه التركي الذي يكلف استعداؤه الكثير. ولكن تدخّله، ربما، كان بسبب غيرة سياسية، شعر بها من نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي رسخ قدماً عميقة في سورية.
كَبُرَ حجم القوة الكردية، بفضل الدعم الأميركي، وساهم وجود تنظيم الدولة الإسلامية في حصول الكرد على مزيد من الدعم لمحاربة هذا التنظيم، فهيمنوا على المنطقة الشمالية الشرقية، وحرِّمت أراضيهم على قوات النظام بشكل تام، وصار شرق الفرات خالصاً لهم، بما فيه كل الحدود الشرقية المتاخمة لتركيا، وكذلك الحدود المشتركة مع العراق، وامتدّت سيطرتهم إلى غرب الفرات قليلاً حتى منبج، وما يحيط بها، وتضم المناطق المذكورة معظم حقول النفط السورية وبعضاً من حقول الغاز، وتحتوي على مساحات شاسعة من أراضٍ تنتج القمح والقطن، ولديها كل المياه اللازمة لري هذين المحصولين الاستراتيجيين. شكّل الوجود الكردي، المليشياوي المسلح، ضغطاً على الدولة التركية التي رفضت وجود تجمّع عسكري معادٍ على حدودها، وحاولت أن تقيّد هذا التجمع بالمحادثات مع الولايات المتحدة، فراوغها ترامب بداية، واستغرق الأمر وقتاً، في عملية شد وجذب، حتى أعطى قبل أيام ضوءا أخضر متحفظاً، وأصبح بمقدور تركيا أن تقيم المنطقة العازلة التي ترغب فيها.
لم يكن الروس بعيدين عن هذا الحوار، فقد راقب بوتين، عن كثب، المحادثات التركية الأميركية. وألمح إلى عدم ممانعته في إنشاء منطقة آمنة بالطريقة التي تريدها تركيا، وأبدى اهتماماً أكبر بمدينة إدلب مع أريافها، ووصلت هذه الحسابات إلى نقطة بدء الهجوم التركي في يوم الخميس الماضي على المناطق الحدودية مع سورية، في عملية “نبع السلام”. يمكن أن يتوغّل الجيش التركي، بمساعدة من مجموعات عسكرية سورية معارضة، إلى عمقٍ يصل إلى ثلاثين كيلومتراً، وهذا شرط أميركي، وقد يتجاوز ذلك بقليل، على الرغم من اعتراضات أوروبية وعربية، غير ذات فاعلية، صدرت عن بعض المسؤولين. ويدرك الجانب الكردي هذه الحقيقة، وقد يسارع بالانسحاب، بعد قليلٍ من المقاومة، لكنه سيتوجه بالتأكيد إلى ملاذ النظام، على الرغم من إعلان الأخير أن تقاربه مع الكرد مستبعد. يشوّش هذا الإعلان على إمكانية البت في حصول تقارب، ولكن تعطش النظام لمزيد من الأراضي قد يجعله يعدّل من خططه، وقد يقنع الحليف الروسي بذلك.. توجِد هذه العملية نقاط تماسٍّ مختلفة، هي حدود المنطقة الآمنة. وقد يلجأ الكرد إلى إطلاق أفراد من تنظيم الدولة الإسلامية الأسرى لديهم. ولكن في الواقع لا ينشئ الاختراق التركي وضعاً جديداً بقدر ما يعدل على أوضاع موجودة فعلاً، وسيتسع الشريط الحدودي الذي تسيطر عليه تركيا، ليشمل كامل الحدود السورية التركية، فيكسب الأتراك بضع أوراقٍ سياسيةٍ في المسألة السورية، ومزيداً من المسؤوليات في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي قد يعاود نشاطه، ويمكن أن ترمّم هذه العملية العلاقات التركية الأميركية، إذا اكتفت تركيا بشريط حدودي بعمق مقبول، بينما يستعد الروس لخطوتهم التالية باتجاه جبهة إدلب.
العربي الجديد
أردوغان الهارب إلى سوريا/ خيرالله خيرالله
سيذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعيدا في اختبار نيّات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. سيحاول بدوره تجريب حظّه مع ترامب. بعدما نجحت إيران في تفادي أي ردود فعل أميركية على الصعيد العسكري، لماذا لا يجرّب أردوغان بدوره حظّه مع رئيس أميركي حصر كلّ همومه بالعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات خريف السنة 2020؟
بات واضحا أن تركيا انضمّت إلى الذين يراهنون على أن ترامب لن يفوز بولاية ثانية. ولذلك لا بدّ من الاستفادة إلى أبعد حدود من وضعه الحالي، أي من رغبته في تفادي أي مواجهة عسكرية من أيّ نوع.
لو لم يكن الأمر كذلك، لما تجرّأ أردوغان على دخول سوريا من أجل إقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومترا قد تصل مساحتها إلى نحو خمسة آلاف كيلومتر مربّع. ليس ما تقوم به تركيا سوى استيلاء على قطعة من الكعكة السورية بعدما كرست كلّ من إيران وروسيا وإسرائيل وجودها في هذا البلد. تدفع سوريا ثمن إدارة أميركية أسيرة رغبة ترامب في العودة إلى البيت الأبيض. ولكن في أساس المأساة التي باتت كلّ القوى الفاعلة، بما في ذلك أميركا، تتجاهلها، وجود نظام سوري لا يهمّه سوى البقاء في السلطة حتّى لو كانت دمشق تحت السيطرة الإيرانية أمنيا وأسيرة النفوذ الروسي سياسيا. فضلا عن ذلك كلّه، لم يتردّد النظام السوري، من أجل البقاء، في التغاضي عن تكريس الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وهو احتلال مستمرّ منذ العام 1967.
يظلّ التوقيت العنصر الأهم في الدخول التركي الذي نجح رجب طيب أردوغان في إعداد الداخل له وتعبئته. ليس معروفا إلى متى سيبقى الداخل التركي داعما لأردوغان وللعملية العسكرية، خصوصا في حال سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف القوات التركية. الأكيد أن تركيا تتحمّل مقتل المئات من العسكريين، لكن تبقى هناك حدود لحجم الخسائر التي يمكن أن تتحمّلها، خصوصا إذا طالت العملية العسكرية والاشتباكات أشهرا عدّة من دون تحقيق هدف واضح، اللهمّ إلا إذا كان أردوغان مصمّما على اقتطاع جزء من سوريا وتحويله إلى جرم يدور في الفلك التركي، كما حال دولة شمال قبرص التركية. هذه الدولة، التي لم يعترف بها أحد غير تركيا، قائمة منذ العام 1974، تاريخ الإنزال التركي في قبرص التي شهدت وقتذاك انقلابا نفّذه اليمين المتطرف في صفوف القبارصة اليونانيين، وأدّى إلى تقسيم الجزيرة.
ما كان لتركيا الإقدام على الخطوة السورية لولا إدراكها أن ترامب لا يعترض على العملية. تدلّ على ذلك كلّ التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأميركيين في الأيام التي سبقت التحرّك العسكري التركي، وصولا إلى تبرير الرئيس الأميركي لطعنه الأكراد السوريين في الظهر. ذهب في تبرير تخليه عن حلفاء الأمس إلى حدّ قوله إن الأكراد، الذين “يحبّهم” لم يدعموا القوّات الأميركية في إنزال شاطئ النورماندي الذي مهّد لنهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945. عاد ما يزيد على سبعين عاما إلى خلف بغية فتح حساب مع الأكراد، من دون أن يكون معروفا هل كان مطروحا مشاركة الأكراد، الذين لم يتمكنوا من إيجاد دولة مستقلة خاصة بهم، في إنزال النورماندي؟
يدفع الشعب السوري ثمن غياب الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وذلك منذ فترة طويلة. يتبيّن بعد العملية العسكرية التركية أنّ دونالد ترامب لم يكن أفضل من باراك أوباما الذي اختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط والخليج بالملفّ النووي الإيراني. لم يقدم أوباما على أيّ ردّ فعل جدّي بعد تجاوز النظام السوري كلّ الخطوط الحمر التي رسمها له، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي لقتل شعبه. أما ترامب، فقد ذهب بعيدا في التخلي عن الشعب السوري بتركه تركيا تتصرّف بالطريقة التي تتصرّف بها، بما يؤدي إلى تهجير المزيد من السوريين الأكراد والعرب وتكريس وجودها في منطقة سورية تعتبرها مهمّة بالنسبة إليها لأسباب كردية قبل أيّ شيء آخر.
يظلّ أسوأ ما في العملية التركية كونها جاءت متأخّرة جدا ولم تصبّ في خدمة الشعب السوري كما يدّعي أردوغان. جعل التوقيت، الذي كشف تخلي أميركا عن حلفائها الأكراد الذين قاتلوا “داعش”، من تركيا إيران أخرى. فلو كانت تركيا جدّية في دعم الشعب السوري ولا أطماع لها في البلد، لكانت أقامت المنطقة الآمنة باكرا، أي في العام 2011 و2012. هنا أخطأ رجب طيب أردوغان الذي حاول إلباس خطابه عن العملية العسكرية في سوريا لباسا دينيا تحت عنوان “فتح من الله ونصر قريب”. ربّما أراد عن طريق الرداء الديني لخطابه الظهور في مظهر رئيس جمعية خيرية مستعد لتقديم تضحيات من أجل سوريا والسوريين…
تعاطت تركيا مع بشّار الأسد باكرا. عرفت أنّه شبيه بمصاب بمرض التوحّد. عرف أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي في تلك الأيام، إلى أيّ حدّ يعيش الرجل في عالم خاص به لا علاقة له بالواقع. اكتشفت تركيا منذ آذار/ مارس 2011 خطورة ما يجري في سوريا وأبعاده. فقد ولدت وقتذاك قناعة لدى المسؤولين الأتراك بأنّ بشّار ونظامه هما في أساس المشكلة وأنّه يستحيل استخدام المنطق في التعاطي معه.
بدل اتخاذ الإجراءات المطلوبة للتخلّص سريعا من بشّار الأسد وإنقاذ سوريا، راحت تركيا تماطل وتمارس سياسة الابتزاز. فتحت أبوابها مشكورة لملايين السوريين الذين لجأوا إليها هربا من ظلم النظام وقمعه. لكنها ما لبثت أن ندمت على ذلك. ليس معروفا لماذا أضاع أردوغان كلّ هذا الوقت وصولا إلى تحوله إلى باحث عن دور في سوريا بعدما كان صاحب الدور الأول فيها. هل يعود ذلك إلى العقد التي تحكّمت بالرئيس التركي منذ قرّر ألّا يكون له أي شريك في السلطة؟ هل هذا عائد إلى اعتقاده أنّه يستطيع التنافس مع إيران وروسيا بعدما كان قادرا على قطع طريق سوريا عليهما؟
لا حاجة إلى الترحّم على أحداث الماضي القريب ولا على الفرص الضائعة لتركيا في سوريا ولا على فشل تركيا في المواجهة التي خاضتها مع روسيا والتي انتهت إلى تحوّلها إلى حليف لها. لعلّ أفضل دليل على وجود هذا الحلف شراء تركيا شبكة الصواريخ “أس- 400” الروسية المضادة للطائرات التي ليس معروفا ما الذي ستفعله بها.
الحاجة إلى بحث تركي عن مكان في المعادلة السورية يعوّض الفرص الضائعة في تركيا بسبب العقد التي عانى منها ولا يزال يعاني منها رجب طيب أردوغان الهارب إلى سوريا من أزماته الداخلية، بما في ذلك أزمته مع رجالات حزبه الذين انفضّوا عنه الواحد تلو الآخر.
إعلامي لبناني
العرب
تركيا تتوارى خلف حربها على الأكراد لترسيخ أقدامها في الساحة السورية/ رانيا مصطفى
دقت ساعة الحرب التركية، وبدأ الهجوم ليل الأربعاء الماضي على مناطق تمركز وحدات حماية الشعب الكردية بالقرب من الشريط الحدودي شرق الفرات، وذلك بعد عشرة أشهر من التهديدات التركية، التي عجزت الدبلوماسية الأميركية عن تهدئتها وتلبية مطالب أنقرة الأمنية، بسبب التخبط في السياسة الأميركية، نتيجة التجاذبات داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، بين البنتاغون والقادة العسكريين من جهة، والذين يريدون دعم قوات سوريا الديمقراطية حتى النهاية، والبالغ عددهم 60 ألف مقاتل، بوصفهم حلفاء مخلصين ومقاتلين أشداء ضد تنظيم داعش، وبين دبلوماسيي الخارجية من جهة ثانية، والذين يفضّلون تلبية المطالب التركية، دون التخلي عن الحلفاء الأكراد.
ونهاية العام الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب قواته الفوري من سوريا، فيما تمكنت إدارته من تعطيل القرار، لعدم واقعيته؛ الآن وجد ترامب فرصة الهجوم التركي مناسبة لإعلان سحب قواته من الحدود السورية التركية، قبل يوم من بدء العملية العسكرية التركية، هي فرصة ليقول ترامب لناخبيه إنه يفي بوعوده الانتخابية، وهو على أبواب الترشح لولاية جديدة، ويعاني الكثير من المساءلات من قبل إدارته، ويواجه الدعاوى القضائية من قبل منافسيه.
ورغم ما يقال عن الرئيس الأميركي من مزاجية أو رعونة في قراراته، لكنه لا يستطيع الخروج عن سياسة أميركية تتطلبها المرحلة الحالية، تتعلق بالانسحاب من الشرق الأوسط، بدأها الرئيس السابق باراك أوباما، وكان الانكفاء الأميركي عنوان حملة ترامب الانتخابية. وبالفعل، منذ بداية العام الماضي حتى الآن تم تخفيض عدد القوات الأميركية في سوريا من 2000 إلى 500 جندي، وتعويض النقص بقوات من فرنسا وبريطانيا ودول أخرى، فيما تمسكت واشنطن بقاعدة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، بغرض الحد من النفوذ الإيراني في سوريا.
ما سبق يعني أن أنقرة أخذت ضوءا أخضر من واشنطن بتوغل عسكري محدود داخل الأراضي السورية، وأن الإدارة الأميركية لا تمانع فيه كلياً، على أن يكون ضمن الحدود المتفق عليها، مع بقاء المخاوف الأميركية من ترك العنان لتركيا للتوغل داخل الأراضي السورية، وما يترتب عليه من عواقب؛ أولاها عودة تنظيم داعش، خاصة أن قرابة 14 ألف مقاتل من تنظيم داعش، معظمهم أجانب، محتجزون في سجون تابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
وثانيًا، سيمثل ذلك تنازلات أميركية مجانية تصب في مصلحة زيادة نفوذ تركيا، وقوة تحالفها مع روسيا عبر مسار أستانة، وزيادة في التوغل الإيراني، وكلّها عواقب مرفوضة إسرائيلياً ومن العديد من الدول العربية، التي أبدت موقفا واضحا وصارما ضد التوغل التركي في سوريا.
وثالثا، هي بمثابة ترك الساحة السورية لموسكو، لتعقد الصفقات مع أنقرة، بفتح حوار بينها وبين دمشق، لتقوم الأخيرة، بدعم روسي، بالسيطرة على ما تبقى من شرق الفرات، حيث تتركز غالبية الثروات النفطية والزراعية، وعلى إدلب، مقابل توسيع اتفاق أضنة إلى عمق يرضي الأتراك، ويشمل كامل الحدود مع تركيا، حتى شمال اللاذقية، بطول 900 كيلومتر؛ فقد التبس موقف موسكو من الهجوم العسكري التركي الأخير، بين متخوف من احتمال عقد اتفاق تركي- أميركي، وبين راغب فيه يريد تجييره لمصلحته، حيث جدد الروس مطالبتهم الأتراك بالعمل باتفاق أضنة، الذي لم تنكره حكومة أنقرة في رسالتها إلى الأمم المتحدة، لتبرير الهجوم.
ورابعا، مطامح أنقرة، وفق ما أعلنته، تتعلق بأن يكون كامل الشريط الحدودي وبعمق 32 كيلومتراً منطقة نفوذ لها، تريد إجراء تغيير ديموغرافي فيها، بإسكان مليوني نازح سوري في تركيا، ليسوا من أبناء هذه المنطقة، عبر بناء وحدات سكنية فيها، وهددت المجتمع الدولي بفتح الحدود أمام اللاجئين إلى أوروبا في حال تمت معارضة خطتها.
وعمدت تركيا إلى إعطاء العملية العسكرية صبغة إسلامية، حيث سمّت جيشها بالمحمدي، فيما ينفذ “الجيش الوطني” السوري، المشكل من فصائل تابعة لها، أجندتها؛ بينما لا ينبئ سلوك فصائل درع الفرات في جرابلس والباب، وغصن الزيتون في عفرين، بالقدرة على تحقيق الاستقرار، حيث تتصرف كعصابات للسرقة وطرد السكان الأصليين من الأكراد، وفرض لباس شرعي على النساء، وتهديم المقامات الدينية.
وخامسا، قد ينهار تحالف قوات سوريا الديمقراطية مع تخلي واشنطن عن دعمها، نتيجة سياسة التمييز التي يتبعها الأكراد ضد العرب، إضافة إلى الشقاق الكردي- الكردي، بين حزب الاتحاد الديمقراطي الموالي لعبدالله أوجلان التركي، وبين المجلس الوطني الكردي الموالي لتركيا، والذي قد يستقطب الكثير من الأكراد.
خوفاً من تلك العواقب، عاد الرئيس ترامب إلى الحديث عن خطوط حمر للعملية العسكرية، ربطها باستهداف المدنيين، ملوحاً بالعقوبات الاقتصادية، فيما طالب جمهوريون وديمقراطيون من الكونغرس بفرض عقوبات على تركيا.
كانت واشنطن قد عرضت على قوات سوريا الديمقراطية القبول بآلية أمنية بعمق 14 كيلومترا، وطول 80-70 كيلومترا، وهي المسافة بين تل أبيض ورأس العين. القصف التركي يتركز على هذه المنطقة، رغم توسعه شرقاً حتى ريف القامشلي، وإلى أعماق تصل حتى ريف الرقة الشمالي؛ لكن التوغل البري يهدف إلى محاصرة تل أبيض ورأس العين، من أجل استسلامهما، بعد أن سحبت القوات الأميركية قواتها من قاعدتها في المنطقة، فيما لا تتواجد قوات أميركية أخرى في العمق.
قد تكون هذه هي حدود العملية التركية المسموح بها أميركيًّا، والأكراد أبلغوا بها في الغالب، ولعلها تنفيذ للعرض الأميركي، لكن بإعطاء رجب طيب أردوغان فرصة لحفظ ماء الوجه، مع تراجع قوته في الداخل التركي، بعد خسارته الانتخابات البلدية في إسطنبول.
في كل الأحوال يجب تذكّر أن وحدات الحماية الكردية لم تستهدف الأمن التركي طيلة فترة سيطرتها شرق الفرات، ما يضعف الحجة التركية، خاصة أمام الأوروبيين الذين أدانوا العملية. وكان الزعيم الكردي عبدالله أوجلان المحتجز في تركيا قد كتب رسالة إلى أتباعه الأكراد يوافق فيها على احترام المخاوف الأمنية التركية، ويفتح باباً للحوار مع السلطات. لكن حكومة أردوغان تصر على فرض أجندتها بالسيطرة على مناطق سورية واعتبارها ولايات تابعة لها.
هذه العملية ستكلف السوريين ثمناً باهظاً، ليس بسبب القتل والدمار الذي سينجم عنها وحسب، بل بسبب تعميق الشرخ العربي- الكردي؛ مع المخاوف من ذهاب العملية إلى الأسوأ، أي استبدال سكان تل أبيض ورأس العين والدرباسية الأكراد بآخرين عرب، مع فعل مماثل في مناطق عربية في الرقة، تحت السيطرة الأميركية، يشبه ما حصل في عفرين التي كانت بغالبية كردية، وتسيطر عليها فصائل عربية إسلامية تابعة لتركيا، وتل رفعت العربية، التي يسيطر عليها الأكراد تحت الوصاية الروسية.
كاتبة سورية
العرب
alarab.co.uk/styles/article_image_800x450_scale/s3/2019-10/rasma_1.jpg?chC6dl6Yu
مشهد المنطقة العربية بما يتعدى رفع الإبط الأميركي والروسي والأوروبي أمام تركيا في سوريا/ راغدة درغام
كنّا نعتقد، ونحن نستعدّ لعقد قمة ”بيروت انستيتيوت” في أبو ظبي بنسختها الثالثة هذا الأسبوع، أن المسألة الإيرانية ستهيمن على المداولات سيّما بعدما أوضح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه لن ينخرط في مواجهة عسكرية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية مهما استفزّته عبر تهديد أمن حلفائه لأن الخط الأحمر لديه هو سلامة القوات الأميركية فقط، لا غير.
المفاجأة أتت من تركيا، ببعدٍ أميركي استراتيجي وببصمات “ترامبية”، حيث رفع دونالد ترامب إبطه أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقرأ الأخير الرسالة بأنها مباركة له لغزوه سوريا لملاحقة الكرد هناك بذريعة استهداف “إرهابيي وحدات حماية الشعب وداعش” وإقامة “منطقة آمنة” في شمال شرقي سوريا “تسمح بعودة اللاجئين الى بلدهم”، حسب مزاعمه. أردوغان لمس استعداداً روسيّاً وأوروبيّاً لرفع الإبط أيضاً، وليس فقط أميركيّاً. قرّر خوض مغامرته السورية مباشرة عقب إعلان ترامب سحب قواتٍ أميركية من سوريا. كان على يقين ان الرئيسين الأميركي والروسي أعطياه – أردوغان – الضوء الأصفر مرفقاً بدعوته الى تلطيف غزوه شرط أن لا يعبر الخطوط الحمر. لكن رجب طيب أردوغان لا يفهم لغة الضوء الأصفر لأن شخصيته تحسم دائماً بين الضوء الأخضر والضوء الأحمر. لذلك فسّر المواقف الأميركية والروسية بأنها واشنطن وموسكو لن تقفا في وجه عملياته العسكرية في سوريا، وقرأ المواقف الأوروبية بأنها سترحّب بمشاريعه لإقامة “المنطقة الآمنة” لأن الأولويّة الأوروبية هي صدّ الباب في وجه اللاجئين السوريين.
أردوغان قدّم عمليّاً للأوروبيين أفضل الخيارات لأنه وعد بإعادة حوالى 4 ملايين سوري من تركيا الى سوريا بعدما كان لجأ الى الابتزاز والتهديد بدفعهم الى الديار الأوروبية ما لم ترضخ الدول الأوروبية لطلباته.
الإدانات الأوروبية التي تحاول التغطية على حقيقة المواقف الأوروبية، والالتفاف الأميركي الواضح على الوعود التقليدية للكرد في سوريا، والابتسامة الضمنيّة لروسيا بالرغم من القلق من وطأة المغامرة التركية على مشروع روسيا في سوريا، كلها توحي لرجب طيب أردوغان ان مغامرته سَلِسَة وانه في خير لأن المؤسّسة العسكرية التركية وراءه وتدعمه كليّاً في هذا المسعى. السؤال هو: هل كل هذا يشير الى قرارات استراتيجيّة لكل الدول المعنيّة خلاصتها أنه من غير المسموح إحداث تغيير جذري في خريطة الشرق الأوسط السياسيّة والعرقية والأمنيّة، وبالتالي ليس من المسموح للأكراد أن يفكّروا في كردستان عراقية وسوريّة وإيرانيّة وتركيّة؟ أم ان الرئيس التركي الذي لا يعرف الخطوط الحمر سيتورّط وسيورّط غيره لدرجة الاضطرار الى هجره وبما يتطوّر الى حفرةٍ يوقع نفسه فيها في المستنقع السوري؟ ثم هل تصرّف دونالد ترامب في إعلانه سحب القوات الأميركية السورية بوعي تام لانعكاسات هذا القرار على المشاريع الإقليمية لكل من تركيا وإيران ليس من جهة الكرد فقط وإنما من ناحية مصير الممر أو الهلال الشيعي الفارسي الذي تخطط له طهران تنفيذاً لطموحاتها الإقليمية. ومصير رعاية أردوغان لمشروع “الإخوان المسلمين” تنفيذاً لحلمه إحياء الإمبراطورية العثمانية؟ أم أنه ارتجل القرار لأسبابه الانتخابية العابرة وليس لأسباب استراتيجية؟
هذه الأسئلة مصيريّة للمنطقة العربية التي تقع بين الحلمين والمشروعين الفارسي الشيعي، والعثماني السنّي الذي يحلم بهما كل من مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان. كلاهما توسّعي وكلاهما يؤرق القيادات العربية التي تتخبّط في انقساماتها التقليدية حيناً وفي تنوّع صحي لمشاريعها المستقبلية. ثم هناك المشروع الإسرائيلي الذي وحّد العرب في إدانتهم له عبر العقود دون أن يتمكنوا من قطع مسيرته التوسعيّة.
غاية مؤسسة “بيروت انستيتيوت” الفكريّة، التي لي شرف تأسيسها وترؤسِّها، هي ان تتطرّق الى هواجس وأحلام وتطلّعات المنطقة العربية وعلاقاتها مع العالم، لذلك عندما تجتمع 250 شخصية عالمية وعربية في أبو ظبي هذين اليومين بتاريخ 13 و14 تشرين الأول (أوكتوبر)، لن يتمحور النقاش حول حدث غزو تركيا لسوريا، أو حول استدراج “الحرس الثوري” الإيراني لضربة عسكرية أميركيّة كدرع حماية من انتفاضةٍ داخلية تسبب اسقاط النظام. ان ما ستدقق فيه قمة “بيروت انستيتيوت” في أبو ظبي بنسختها الثالثة هو فعلاً وتماماً ما يتضمنه عنوانها. عقد العشرينيات: ماذا نتوقع؟ كيف نستعدّ؟
كمثال، ستبحث القمة مستقبل الخليج العربي بين التصعيد السياسي والأمن البحري من منطلق هل التحوّل مستدام وسط الاضطرابات، وهل يمكن تنفيذ خطط الإصلاح الطموحة مع بقاء منطقة الخليج على حافة الهاوية؟ بكلام آخر، هل يمكن أن تتعايش الرؤى البعيدة المدى للمنطقة العربية مع الصراعات والمنافسات ووسط مشاريع إيرانية وتركية وإسرائيلية، أم أن الصدام لا مفر منه؟ هذه الأسئلة ليست تمارين في فن الخطابة وإنما في صلب ضرورة الإجابة البراغماتية والرؤيويّة على تساؤلات وأسئلة مصيريّة للمنطقة العربية وتموضعها إقليمياً ودولياً.
ثم هناك المسألة الأميركية. أي هناك موضوع الثقة والخيبة في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية عبر مختلف الإدارات والعقود. لا مناص من التحدّث عمّا تريده الولايات المتحدة في المنطقة العربية بالذات على ضوء تقلّبات سياساتها المرحليّة والدائمة. هل العطب في النظرة العربية الى النوعيّة في العلاقة العربية – الأميركية، بمعنى، هل تدفن قيادات الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة عبر السنين الرؤوس في الرمال طوعاً لأن لا خيار آخر أمامها؟ أو أنها حسبت حسابات “الخيانة” الأميركية ووجدت نفسها في وضع أكثر أمناً، بغض النظر؟ أو انها فعلاً راهنت على الوفاء الأميركي التلقائي فيما الولايات المتحدة أوضحت دوماً أنه وفاءها هو قطعاً للمصلحة الأميركية وان اتهامها بالخيانة ليس سوى قصر نظر.
ولأن لكل رئيس أميركي بصماته المميّزة في صنع السياسات الخارجية تتخذ شخصية دونالد ترامب – الذي يواجه حالياً مساعي عزله عن الرئاسة – بُعداً خرافياً لأنها شخصية غير اعتيادية مثيرة للمشاعر والقلق. ومن هنا تتناول إحدى الجلسات في القمة سؤالاً له أبعاده إقليمياً وعالمياً وهو: هل تقود أميركا بحزم في هذه الحقبة من تاريخها أو انها تفوّض القيادة الى “متعهّدين” اقليميين لأنها فعلاً غير مهتمّة بهذه المنطقة سوى من ناحية بيع معدّات الأمن والأسلحة التقليديّة، لا اهتمام استراتيجي لها بالمنطقة العربية؟ وما هو تأثير تناقضات السياسة الخارجية الأميركية في تغيير ديناميات النزاعات الإقليمية؟
روسيا أيضاً تتصدّر أولويات التبصّر في مستقبل المنطقة العربية على ضوء أدوارها العلنيّة أو الخفيّة من سوريا الى ليبيا، ولذلك تتناول قمة “بيروت انستيتيوت” وطأة العلاقات الأميركية – الروسية على موازين القوى الإقليمية بين الدول العربية وإيران وسوريا وتركيا. كما تتناول اقتصاديات الجغرافيا – السياسية في الشرق الأوسط بالذات في خطط الصين وروسيا في بلدان ما بعد النزاعات مثل سوريا واليمن والعراق والبلدان التي تمرّ في مرحلة انتقالية مثل الجزائر وليبيا والسودان. ولأن البنية التحتية البشرية تدخل دوماً خانة النسيان والاستخفاف بالرغم من أهميتها الفائقة، تطرح إحدى الجلسات ضرورة تحديد وتعريف الجهات المسؤولة عن إعادة بناء البنية التحتية البشرية في هذه المنطقة العربية، ضحيّة البؤس الاقتصادي والنزاعات السياسية.
لا تكتفي قمة “بيروت انستيتيوت” في أبو ظبي بالبحث في الخطاب الأمني ودوره في إحلال السلام أو اندلاع الحروب، بل انها تتطرّق بعمق الى مدى جهوزية المنطقة العربية لمواكبة التقدّم التكنولوجي المتسارع لا سيّما في ظل الخروقات الأمنية الإلكترونية.
ولأن عنوان القمة هو ماذا نتوقع وكيف نستعدّ لعقد العشرينيات، يأخذ موضوع الابتكار التكنولوجي المرتقب حيّزاً مهماً من المنافسات. وتتنوّع مواضيع القمة لتشمل مقاربة أسس الانتقال نحو تطبيق مبدأ الاقتصاد الدائري وتعزيز موقع المنطقة العربية على الخارطة العالمية لناحية الإبتكار والإبداع سواء في عالم التصميم، عالم الأزياء، أو في مجال الهندسة المعمارية. وتبحث في سُبل دعم الموهوبين والمبتكرين وبناء مجتمع متمكّن رقميّاً للحد من ضياع الفرص الاقتصادية الحيويّة.
ولأن الأحاديث السياسية لها عدوى الزكام سيما على ضوء تطوّرات عسكرية على نسق الغزو التركي لسوريا، واضح أن تجمّع حوالى 250 شخصية عالمية في أبو ظبي لقمّة “بيروت انستيتيوت” بنسختها الثالثة سيؤدّي الى البحث المعمّق في خلفيات وتداعيات المغامرة التركية ودلائل المباركة الضمنيّة لها من ناحية الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية ضمن حدود.
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يدمّر مشروعه في سوريا، لذلك التنبيه والتذكير بالخطوط الحمر، أي حصر التوغّل التركي في الأراضي السورية بحوالى 22 كيلومتراً وليس بعمق 44 كيلومتراً كما يودّ أردوغان. بوتين في حاجة الآن الى عمليّة سياسيّة ناجحة في سوريا ولا يريد لأردوغان أن يحطّمها.
أحد المستفيدين من رفع الإبط الأميركي والروسي والأوروبي كإشارة مرور لأردوغان هو إيران التي لها مشاريعها الإقليمية في وعبر سوريا. وهذا ما أثار حيرة المراقبين الأميركيين لمسيرة السياسة الأميركية الخارجية في زمن الترامبية المتقلّبة. ثم هناك “داعش” التي ازدادت حظوظ انتعاشها نتيجة المغامرة التركية. أما الكرد فإنهم أمام امتحان آخر يذكّرهم بأن القرار الدولي الاستراتيجي لم يتغيّر لصالحهم رغم كل مساهماتهم في محاربة “داعش” وما تهيّأ لهم بأنه نقلة نوعية. فبناء الدولة الكردية الكبرى خط أحمر مهما تهيّأ لمن شاء أن ضوءاً أصفر برق في الأفق يوماً.
تفصيل جغرافي آخر يرسمه رعاة المأساة السورية/ إياد أبو شقرا
الحقيقة الأكيدة الوحيدة في محنة سوريا المستمرة منذ 2011، بل ربما منذ إسقاط ورقة رئاسة أمين الحافظ في بواكير عام 1966، هو أن الثابت الوحيد هو التغير.
«سوريا الكبرى»، وليس فقط كيان سوريا المستقلة عام 1943، عرفت التنوّع منذ فجر التاريخ المكتوب. وكما صار التنوع جزءاً لا يتجزأ من هويتها، صارت الاجتياحات والاحتلالات وعمليات الضم لإمبراطوريات شرقية وغربية من كل الهويات والمعتقدات والأحجام. وحقاً، فإن قلة من مناطق «العالم القديم» شهدت حركة مستمرة، وتعاقب ممالك وإمبراطوريات ودول كحال ذلك «الهلال الخصيب» الممتد من غرب جبال زاغروس في الشرق إلى سواحل شرق البحر المتوسط غرباً، وأعلاه الشمال السوري من جبال الهكارية إلى جبال طوروس.
القوميات ظاهرة حديثة نسبياً في حياة الشعوب، بل ثمة خلاف في تعريف القومية حتى اللحظة، ولا سيما لدى الخلط بينها وبين عبارات كالوطن والحضارة أو ربطها بالأديان واللغات. حتى في الغرب، هناك مفردات كثيرة تعني أشياء مختلفة… تبعاً لنسبتها لحالات وظواهر سياسية متعددة.
وهنا، في خضم هذا الارتباك تحدث تطوّرات، كتلك التي نرى اليوم في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، شرق نهر الفرات، تنقسم حيالها الاجتهادات… بصرف النظر عن المعايير الأخلاقية والإنسانية.
لا جديد إطلاقاً في أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحمل قناعات عقائدية وقومية تحفّزه على استعادة ما كان حتى 100 سنة خلت مناطق تابعة لـ«دولة الخلافة العثمانية». والحال، أن إردوغان، لا يعتبر في قرارة نفسه أنه وريث مصطفى كمال «أتاتورك» بقدر ما هو مؤتمن على الشرعية الدينية، والمرجعية السنّية خاصة، في تاريخ تركيا العثماني. وهذا المزيج بين الحنين إلى الحلم الإمبراطوري التركي العثماني والمرجعية العليا للسنّة الذين يشكّلون ما بين 75 في المائة و80 في المائة من المسلمين، يعطيه الحق – في رأيه – بالتدخل حيث يرى له مصلحة في التدخل.
من ناحية أخرى، رغم أن غالبية الأكراد العظمى من أهل السنّة والجماعة، وبالتالي، يفترض أنهم في معسكر واحد مع أنقرة، فإن الشق القومي من المعادلة ينسف هذا الاعتبار، ويحوّل الحليف النظري إلى خصم واقعي. وعند هذه المحطة، لا بد من تكرار القول إن إحدى نقاط التلاقي والتفاهم القليلة بين «العدوين التاريخيين»، الأتراك والإيرانيين، هي منع نشوء كيان كردي كبير يهدّد الكيانين الكبيرين التعدّديين الحاليين اللذين يسيطر عليهما الشعبان التركي والإيراني. والحق، أن الأكراد – أو على الأقل، أهل الدراية منهم – يدركون هذه الحقيقة، ولذا تصرفوا دائماً تحت سقف الواقعية والنَفَس الطويل بانتظار الظرف السياسي المؤاتي.
العرب، أيضاً، كانت لهم غالباً مواقف ملتبسة من الهوية الكردية القومية وحلم «الوطن الكردي». غير أن الكيانات العربية التي عاش فيها الأكراد، وما زالوا يعيشون، كانت إما إمبراطوريات تعدّدية (الخلافات الأموية والعباسية والفاطمية) أو أصبحت أجزاء من إمبراطوريات تعدّدية كالدولتين العثمانية والصفوية، وهو ما حال دون تبلوُر تنافر إلغائي بين العرب والكرد، ربما حتى النصف الثاني من القرن الـ20… مع تصاعد مفهوم القومية العربية المتردّد في تفهّم حساسيات الأقليات غير العربية. اليوم، بجانب التحرّك التركي الهادف إلى السيطرة على الشريط الحدودي ذي الغالبية الكردية داخل سوريا، ثمة واقع هيمنة إيرانية صارخة في العراق وسوريا ولبنان وأجزاء من فلسطين واليمن. وبعيداً عن الكلام الاستهلاكي الفارغ، فإن إيران مرتاحة جداً للعمليات العسكرية التركية ضد الجيوب الكردية في شمال سوريا وشمالي شرقها، وذلك لأنها: أولاً صاحبة مشروع… وثانياً، لأن لديها حسابات تحسب معها كلفة مناوراتها، فتعرف أين مصلحتها.
هذه الميزة المزدوجة عند الإيرانيين مُفتقَدة عند العرب، حيث لا يوجد مشروع واحد ولا حسابات واحدة. ومع أن العمليات الجارية الآن في الشمال تجري – نظرياً ورسمياً على الأقل – على أرض عربية، فلا تبدو هناك ملامح مقاربة استراتيجية عربية لهذه العمليات… فتقيّم جوهرها، وأبعادها، ومآلاتها المحتملة، بعيداً عن الحسابات الضيقة والكيدية المتبادلة.
لقد أخطأ بعض إخوتنا الأكراد السوريين، بُعيد تفجّر الانتفاضة السورية، عندما تعجّلوا فصل مسارهم وأولوياتهم عن باقي مكوّنات الانتفاضة، طبعاً، قبل أن يقدم آخرون على تلغيمها وتدميرها من الداخل. وخرج نفرٌ من متطرّفيهم ومشبوهيهم علانية للكلام عن مشروع دولة «روج آفا» الكردية بشمال شرقي سوريا، ورسموا خريطتها وغيروا أسماء مدنها، ونشطوا لربطها بـ«جيب» عفرين، عبر مناطق شمال الرقة العربية. وكل هذا، بينما كانت هناك قوى كردية وطنية وعاقلة مقتنعة بأن الغاية الأسمى هي سوريا سيدة مستقلة لا طائفية ولا عرقية تتسع بعدالة وتعايش لجميع مكوّنات الشعب السوري.
في المقابل، انتقلت القيادتان في تركيا وإيران خلال سنوات الانتفاضة التسع من رعاية الجانبين المتناحرين، إلى التفاهم الضمني والتنسيق مع روسيا. إيران التي اتهمت تركيا بدعم التكفيريين… انتهت شريكاً لها في صفقة «مسار آستانة»، وتركيا التي طالما هددت بأنها «لن تقف مكتوفة الأيدي» إزاء ما يفعله نظام الأسد… تناست دور ميليشيات طهران الطائفية ودعم موسكو العسكري، بل وملايين اللاجئين السوريين، من أجل التحالف مع مَن تسبب في تهجيرهم.
وأخيراً، هناك الغائب الحاضر الأكبر، الولايات المتحدة.
واشنطن كانت لسنوات تعتبر طهران و«تابعها» نظام دمشق، نظامين داعمين للإرهاب. بيد أنها، مع هذا، بحجة «داعش»، تغاضت عن التمدد الإيراني عبر المنطقة في عهد باراك أوباما، وها هي رغم تصدّي الأكراد لـ«داعش» بالأمس، تتركهم اليوم… بينما تصمت عن بقاء النظام ومعظم أراضيه بحماية موسكو وطهران.
الكل، كباراً وصغاراً، لديهم مصالح واعتبارات… في حين يقتصر دورنا نحن – العرب – على ردّات الفعل.
هذه مسألة غير مطمئنة للمستقبل. ومع أن القوى الإقليمية الثلاث، إسرائيل وإيران وتركيا، تعاني من أزمات حقيقية، فإنها بفضل القرار الموحّد، والحدّ الأدنى من التفاهم الداخلي، تعمل على «تصدير» أزماتها إلى الخارج… رغم هذه الأزمات، بل ربما بسبب هذه الأزمات!
للأسف الشديد، الوضع العربي مختلف، والقراءة العربية لمستقبل المنطقة تبقى قاصرة ومقصّرة.
الشرق الاوسط
الغزو التركي لسوريا: ما الذي أثاره وما التالي؟/ سونر چاغاپتاي
في 9 تشرين الأول أكتوبر، شنت تركيا عمليتها العسكرية المتوقعة منذ زمنٍ طويل في شمال سوريا بهدف تقويض «وحدات حماية الشعب» الكردية. فلماذا تحرّكت أنقرة الآن؟ ما هي الأهداف التكتيكية للعملية؟ وكيف ينسجم القرار مع أهداف إدارة ترامب في سوريا؟
المحركات الرئيسية في تركيا
تُعتبر «وحدات حماية الشعب» أحد فروع «حزب العمال الكردستاني» – الجماعة التي تحارب الحكومة التركية منذ عقود، والمصنفة ككيان إرهابي من قبل الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في حلف “الناتو”. ولم تقبل تركيا أبداً قرار الولايات المتحدة بالتحالف مع «وحدات حماية الشعب» في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وبدلاً من ذلك، تقبّل الرئيس رجب طيّب أردوغان هذه الشراكة إلى حين انهيار الأجزاء الأخيرة من “خلافة” «داعش» في سوريا في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، ثم بدأ في وضع خطط للقيام بغزو عسكري.
وباختصار، كانت أنقرة عازمة على التحرّك، وقد يكون من الصعب تقييد العملية في المستقبل القريب. ولفهم السبب لذلك، لا يحتاج المرء سوى إلى النظر في عاملَين محلّيَين أساسيَين في تركيا هما:
انتشار الاستياء العام تجاه «حزب العمال الكردستاني». لا تُعتبر العملية الحالية “حرب أردوغان”. ففي معظم القضايا، تبقى تركيا مستقطبة بين معسكريَن كبيرَين، أحدهما يعارض الرئيس التركي والآخر يؤيّده. ومع ذلك، تُشكّل قضية «حزب العمال الكردستاني» استثناءً – فبصرف النظر عن الأنصار القوميين الأكراد ذوي الميول اليسارية، تنظر الغالبية العظمى من المواطنين الأتراك (من بينهم العديد من الأكراد المحافظين) إلى «حزب العمال الكردستاني» على أنه جماعة إرهابية، ويحتقره الكثيرون. وبالتالي، يتمتع أردوغان بدعم كبير في الداخل التركي نحو اتخاذ خطوات ضد الجماعة التي يعتبرها الكثيرون من الأتراك وكيلاً سورياً لـ «حزب العمال الكردستاني».
إلحاح مسألة اللاجئين. لا تزال تركيا موطناً لنحو أربعة ملايين لاجئ سوري، وبينما استقبلتهم برحابة صدر لسنوات، أدّى التراجع الاقتصادي الحاد في البلاد الذي بدأ عام 2018 إلى تزايد المشاعر المعادية للاجئين. فقد انقلب ناخبون من الطبقة العاملة، والكثير منهم من أنصار أردوغان، ضد السوريين، ملقين اللوم عليهم بـ “سرقة” الوظائف ورفع الإيجارات. ويستاء ناخبون من الطبقة الوسطى، بمن فيهم كثيرون في المعارضة، من هؤلاء اللاجئين لأنهم “اجتاحوا” تركيا بقيمهم الثقافية المحافظة. ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤخّراً “جامعة قادر هاس” في اسطنبول، هناك فقط 7٪ من المواطنين “الراضين” عن سياسة الحكومة الحالية تجاه اللاجئين. وتدرك الحكومة التركية جيداً هذه الاتجاهات ولا شك أنها تشعر بأنها مضطرة لاتخاذ إجراءات عاجلاً وليس آجلاً.
التكتيكات العملياتية والأهداف
عند اتخاذ قرارها حول المناطق التي يبدأ فيه التوغل، الذي يُطلق عليه “عملية نبع السلام”، اختارت أنقرة بلدات الحدود السورية ذات الأغلبية العربية الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب»، بما فيها رأس العين وتل أبيض. وكان هذا القرار قراراً فطناً من الناحية التكتيكية لسببَين.
أولاً، يستاء الكثيرون من العرب السنّة الذين يعيشون تحت حكم «وحدات حماية الشعب» من السيطرة الاستبدادية والسياسات الثقافية التي تمارسها الجماعة (على سبيل المثال، يجب على التلاميذ في هذه المناطق أن يأخذو دروساً في الإيديولوجية القومية الكردية العلمانية، الماركسية المصدر، لزعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان). وهذا ما يجعلهم يرحّبون على الأرجح بالقوات التركية ويدعمونها، على الأقل مقارنة بالكيفية التي ستستقبلهم بها البلدات ذات الغالبية الكردية.
ثانياً، تنوي أنقرة نقل اللاجئين السوريين إلى أي مناطق تستولي عليها من «وحدات حماية الشعب». ورغم أنه من غير المرجح إعادة الملايين منهم إلى بلدهم، إلّا أن نقل بضع مئات الآلاف من هؤلاء اللاجئين قد يساعد أردوغان على نزع فتيل التوترات الداخلية التركية بشأن هذه القضية. ويتمثّل الهدف الديمغرافي النهائي لأنقرة في تحويل أقسام كبيرة من الحدود السورية إلى كتل إقليمية عربية راسخة، وبالتالي تقسيم الأراضي التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» إلى مقاطعات معزولة. وتحقيقاً لهذه الغاية، قد تُعطي الأولوية لعودة العرب إلى رأس العين وتل أبيض، خاصة أولئك الذين طُردوا من ديارهم عندما سيطر تنظيم «داعش» أو «وحدات حماية الشعب» على بلداتهم في شمال سوريا.
وكما أشار المحلل العسكري متين غوركان على موقع “تويتر” في 11 تشرين الأول/أكتوبر، يبدو أن القوات التركية تتحرك ببطء أكبر بكثير منذ بداية العملية مقارنةً بالتوغلات السابقة في سوريا (مثل “عملية غصن الزيتون” في كانون الثاني/يناير 2018). ويعود سبب ذلك على الأرجح لأن أنقرة تأمل في تقويض «وحدات حماية الشعب» من خلال وجودها العسكري المستمر – وهي المرحلة الأخيرة في حملتها الأوسع ضد «حزب العمال الكردستاني». وخلال السنوات القليلة الماضية، تخلّصت قوات الأمن التركية من جزءٍ كبير من تواجد «حزب العمال الكردستاني» داخل أراضيها ونجحت في استهداف أهم قادة هذا الحزب في جبال قنديل بالعراق. ومن وجهة نظرها، فإن ذلك يترك الفروع السورية للجماعة كالهدف المنطقي التالي.
آفاق السلام؟
في مرحلة معيّنة، سترغب الحكومة التركية في إعادة إطلاق محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني» من أجل وضع حدّ لنزاعهما اللامتناهي بشكلٍ نهائي. ومع ذلك، يبدو أن أنقرة تعتقد أنه يجب عليها أولاً إعادة توازن علاقة هذه الجماعة مع «وحدات حماية الشعب».
عندما تشكّلت «وحدات حماية الشعب» قبل سنوات من الحرب السورية، كانت كوادرها متحمسة إلى حدّ كبير من القوة العسكرية الكبيرة والمآثر التي حققها زملاؤهم الأكراد في «حزب العمال الكردستاني» التركي في ذلك الوقت. لكنّ هذه الديناميكية انقلبت بعد عام 2014، حين أدّت المساعدات الأمريكية وعمليات انسحاب نظام الأسد إلى تمكين «وحدات حماية الشعب» من الاستيلاء على ما يقرب من ثلث الأراضي السورية. وشدّدت هذه المكاسب بدورها من عزيمة «حزب العمال الكردستاني»، الذي كان يشارك في محادثات سلام مع أردوغان في ذلك الوقت بعد معاناته سنوات من النكسات على أيدي القوات التركية. وبعد رؤية الحكم الذاتي المتزايد لـ «وحدات حماية الشعب» في الجوار، سرعان ما أحبط «حزب العمال الكردستاني» المحادثات التي كان كان يجريها مع الحكومة التركية في ذلك الوقت بإطلاقه حملة عسكرية جديدة ضد الحكومة في صيف عام 2015، في محاولةٍ للاستيلاء على المدن في جنوب شرق تركيا بنفس الأسلوب الذي اتبعته «وحدات حماية الشعب» عبر الحدود.
ورغم أن تركيا أخمدت حملة الاستحواذ تلك في نهاية المطاف، إلا أن «حزب العمال الكردستاني» يواصل شن هجمات منفصلة ضد أهداف حكومية وعسكرية مختلفة، مستلهماً جزئياً من السيطرة المستمرة لـ «وحدات حماية الشعب» على الحدود السورية. ومن خلال محاولة إلحاق الضرر بـ”قصة النجاح” التي حققتها «وحدات حماية الشعب»، تأمل أنقرة في إحباط مساعي «حزب العمال الكردستاني» وإرغام الجماعة في النهاية على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقفٍ أضعف – وهو الهدف الذي سيتم تعزيزه إذا استمرت الولايات المتحدة في سحب دعمها من «وحدات حماية الشعب». ومع ذلك، من غير المحتمل أن يدخل قادة «حزب العمال الكردستاني» في محادثات جديدة إذا دمّرت القوات التركية «وحدات حماية الشعب» بصورة تامة، أو [قضت على] حكمها الذاتي الذي حققته بصعوبة بالغة. وبدلاً من ذلك، يريد هؤلاء القادة أن تتوصل أنقرة إلى نوع من تسوية مؤقتة مع الجماعة في شمال سوريا.
التداعيات على السياسة الأمريكية
خلال مؤتمر صحفي عُقد في 10 تشرين الأول/أكتوبر، أشار كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية إلى أنه إذا اتخذت تركيا إجراء “غير متناسب” أثناء توغلها، فقد “يفرض” الرئيس ترامب “تكاليف كبيرة” [عليها]. ومن المحتمل أن تنشأ هذه التحذيرات من واقع قيام الكونغرس بالضغط على الإدارة الأمريكية من أجل فرض عقوبات على تركيا بسبب إطلاقها العملية، مما يشير إلى أن هناك نافذة محدودة أمام أنقرة لتحقيق أهدافها الأساسية. وإذا كان الأمر كذلك، ستضطر تركيا إلى إثبات نقاط عبورها في الأراضي التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» في المستقبل القريب، إذا كانت تأمل في تجنب فرض عقوبات صارمة. وسيخيب ظن الإدارة الأمريكية أيضاً إذا أحدث التوغل فراغاً يسمح لتنظيم «الدولة الإسلامية» أو لمحور إيران -الأسد بإعادة التمركز في شرق سوريا. على سبيل المثال، يتم احتجاز الآلاف من إرهابيي تنظيم «الدولة الإسلامية» في السجون التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب»، وقد أفادت بعض التقارير أن عدداً منهم هرب من سجن في القامشلي في الأيام الأولى من التوغل نتيجة القصف التركي القريب من سِجنهم.
إلّا أن أيّ من ذلك لا يعني بالضرورة أن البيت الأبيض سيحاول إيقاف العملية أو التشكيك في أهداف تركيا في سوريا. ففي المؤتمر الصحفي الذي عُقد في 11 تشرين الأول/أكتوبر، كرّر المسؤولون الأمريكيون ادعاء أنقرة بأن «وحدات حماية الشعب» – الشريك المحلي الرئيسي للولايات المتحدة في قتال تنظيم «الدولة الإسلامية» – هي “جناح” لـ «حزب العمال الكردستاني». كما أشاروا إلى أنه في حين أن الإدارة الأمريكية لن تؤيد الغزو أو تساعده، إلّا أنها لن تعارضه عسكرياً أيضاً. وسبق أن استخدم المسؤولون الأمريكيون حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الدولي في 10 تشرين الأول/أكتوبر الذي أدان عملية التوغل، مما يعطي بالتالي المزيد من الوقت لتركيا. ودعا الرئيس ترامب أيضاً أردوغان إلى البيت الأبيض في 13 تشرين الثاني/نوفمبر- وهو تاريخ قد يكون بمثابة موعد نهائي لأنقرة لكي تقوم بما تشعر بأنّه يتوجب عليها أن تفعله في سوريا. ومع ذلك، إذا تسبب التوغل بوقوع ضحايا مدنية هائلة أو مشاكل كبيرة أخرى، فإن ذلك قد يدفع الكونغرس الأمريكي إلى فرض عقوبات صارمة قبل ذلك التاريخ بكثير.
سونر چاغاپتاي هو زميل “باير فاميلي” ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن ومؤلف الكتاب الجديد، “إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط”.
شركاء تركيا في “نبع السلام”/ سمير صالحة
قليل هوعدد من كان يعرف بالعملية العسكرية التركية في شرق الفرات لكنهم كثر الذين فتحوا الطريق أمامها عسكريا وسياسيا:
– الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كرر مرارا أن ساعة الصفر تقترب وأن تركيا ستقتلع شوكها بيدها بالتنسيق مع حلفائها في المعارضة السورية لكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب كان يعرف الكثير فهو الذي سحب الجنود الأميركيين وأزال الحواجز لتسهيل تحرك القوات التركية وأعلن أنه سينتقم من أنقرة إذا ما ابتعدت عن التفاهمات وأمطر الأصوات المنتقدة في “قسد” بقذائف “قبضتم ثمن خدماتكم وأكثر”.
– القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية التي عقدت في أنقرة لبحث الملف السوري كانت تعرف الكثير أيضا حول الخطط التركية والسيناريوهات السياسية والعسكرية المحتملة. إصرار موسكو وطهران على حماية موقع ودور النظام في دمشق والعودة إلى اتفاقية أضنه الموقعة عام 1998 رافقه دائما تفهم الهواجس التركية وتحميل مجموعات وحدات الحماية مسؤولية إيصال الأمور إلى هذه النقطة.
– مجلس الأمن الدولي في جلسته الأخيرة لناحية الدعوة والنقاشات وتقارب المواقف الأميركية الروسية حول التريث والانتظار عكس حقيقة اعتماد الواقعية ومنح تركيا الفرصة لتغيير مسار الأمور في التعامل مع الملف السوري ودفعه نحو الحلحلة.
– فرنسا وألمانيا والمجموعة الأوروبية التي حضرت لتبحث قبل أسبوعين ملف اللجوء مع الأتراك اطلعت على الخطط التركية العسكرية والسياسية وأهدافها وإمكانيات تحويلها إلى فرصة لتخفيف أعباء ملفات اللجوء وإنهاء مسألة الجماعات الإرهابية وتحديدا موضوع داعش. لكنها رفضت التصور التركي كما يبدو كونه لا يجعل من هذه العواصم لاعبا أساسياً في الملف والقرارات ولأنه سيسحب الورقة الكردية من يدها ويبعدها أكثر عن تقاسم النفوذ في المنطقة لصالح موسكو وواشنطن وأنقرة.
ردة الفعل الأوروبية هي ترجمة سياسية واستراتيجية على قرار رسم المشهد السياسي والدستوري الجديد في سوريا بعيدا عن باريس وبرلين ولندن لذلك نراها تعلن الحرب وعلى كل الجبهات ضد تركيا. فرنسا وألمانيا وإنكلترا لن يجدوا إلا شريكا واحدا بعد الآن ينسقون معه وهو بعض العواصم العربية التي تحتاج هي الأخرى إلى مسند ظهر بعدما لم يعد بيدها سوى شرح قرار التحرك العسكري التركي على أنه قرار “إخواني أردوغاني” والتحضير لمسح تاريخ فرنسا وبريطانيا الاستعماري في المنطقة من الكتب الدراسية التي تستعد في طباعتها القادمة للحديث عن “الإرهاب العثماني”.
وحتى نكون منصفين هنا، المؤكد هو أن الطرف الوحيد الذي لا علم له بالعملية هو جامعة الدول العربية التي تستقي المعلومات من الفضائيات ومراسليها إلى مناطق الحدود التركية السورية والتي قررت التنسيق الكامل مع بعض العواصم الأوروبية كونها هي الأخرى لم تجد مكانا لها على المائدة الأميركية الروسية والتركية. هل تفاجئنا القمة العربية وبهدف قلب المعادلات بدعوة النظام في دمشق إلى جلستها الطارئة التي تعقد بمادة واحدة الدفاع عن سوريا وسيادتها ووحدتها لكن الشعب السوري غائب عنها؟ واشنطن وباريس لن ينصحان بذلك والنظام نفسه قد لا يذهب إذا لم تقطع هذه الدول علاقتها بحليفها في شرق الفرات ثم إن الهدف هو تركيا وليس إخراج الشعب السوري من أزمته.
خيار آخر قد تلجأ إليه هذه العواصم وهو الانفتاح أكثر فأكثر على رئيس الوزراء الإسرائيلي بعدما التقت المواقف والتحليلات حيال العملية العسكرية التركية، فإسرائيل أيضا أعلنت أنها فوجئت بالعملية والموقف الأميركي ودعت للتعاون الإقليمي لحماية المكون الكردي.
بين الأهداف اللامعلنة للعملية والتي ستظهر تدريجيا إلى العلن قد تكون:
– تضييق الخناق على “وحدات الحماية” وحزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، لإخراجه تماما من المشهد السياسي والميداني بسبب رفض النظام ودول الأستانة الثلاث والأمم المتحدة لطروحاته وأهدافه وإصراره على الاحتماء بأميركا التي أبلغته أن العقودات انتهى مفعولها.
– تفكيك تحالف “قسد” الذي ولد ميتا أصلا وظهر بقوة التهديد والابتزاز والضغوطات والرشاوى الإقليمية وبعدما تم إبعاده عن اللجنة الدستورية بقبول أممي.
– تقدم القناعة الأميركية الروسية أن حل الأزمة السورية اقترب موعده وأن العملية التركية من الممكن تحويلها إلى فرصة سياسية تساهم في دفع الملف السوري نحو التسويات.
– فتح الطريق أمام حوار بين أنقرة ودمشق بجهود روسية إيرانية طالما أن الملف السوري عرضة للذهاب في طريق أكثر خطورة على البلاد ودول الجوار.
– مواصلة مطاردة مجموعات وحدات الحماية في العمق السوري كما أعلن الرئيس التركي وبعكس ما طالب به ترمب حول حدود العملية خصوصا إذا ما استمرت هذه المجموعات في استخدام السلاح الأميركي ضد تركيا وبقية مكونات الشعب السوري.
– دفع الأمور نحو التسويات الكبرى في سوريا والتي ستكون أبعد من تشكيل اللجنة الدستورية والرهان على دورها كخشبة خلاص في سوريا.
– إفشال المشروع الإسرائيلي في شرق الفرات الهادف للوصول عبر الكيان الكردي المزمع إنشاؤه إلى مياه نهري دجلة والفرات فتنجح تل أبيب هنا في حرمان دمشق من مياه النهرين وتعلن لاحقا شراكتها فيهما عبر الحليف المحلي الجديد في شرق سوريا وشمالها تماما كما فعلت في بلدان منابع النيل مع مصر لتضييق الخناق مائيا عليها.
– أن تتوسع قريبا رقعة العمليات العسكرية وتمتد إلى إدلب ضد مجموعات النصرة التي لم تحسم قرارها بين خيارات التفكك والاستسلام والانسحاب من المشهد وإلا فإن ما تسوقه أنقرة حول حربها مع المجموعات الإرهابية سيتعثر ويتحول إلى سلاح سياسي يستخدم ضدها.
– إسقاط محاولات تكرار تجربة شمال العراق في شرق سوريا والذي اشترت بعض العواصم العربية والأوروبية فيه حق التأليف من الرئيس ترمب للمساومة عليه والتسويق له.
– سحب ملف داعش من يد قسد وتسليمه إلى أنقرة والتعاون والتنسيق الإقليمي والدولي على حله نهائياً من النواحي التقنية والأمنية والاستخبارية.
إذا ما أغضب البعض في العالم العربي ترمب أكثر من ذلك فهو لن يتردد في نشر الغسيل حول صفقات شرق الفرات ودعم وتمويل حزب الاتحاد الديمقراطي ومحاضر الاجتماعات الاستخبارية التي عقدت ولعبت القاهرة فيها دور محطة الارتباط.
اليوم تذكرت مجموعات “مسد” أن قرار سوريا هو بيد أبنائها وضرورة انسحاب القوات التركية رغم أنها تحارب بأطنان الأسلحة الأميركية وتلجأ لابتزاز أوروبا بافتعال حوادث هرب عناصر داعش من سجونهم وتحظى بكل هذا الدعم اللوجستي السياسي والإعلامي الغربي وتنتصر حسب تقارير من يروج لها في فضائيات عربية مناصرة تبنت القضية الكردية فجأة.
أولى مؤشرات الانتقام الأوروبي بعد فشل مناورة مجلس الأمن الدولي، إعلان بروكسل أنها لن ترسل القسط الثاني من المساعدات إلى اللاجئين وأنها لن تكون شريكا ممولا في خطة المنطقة الآمنة. أنقرة سترجىء إنجاز مشروع أو مشروعي التنمية والإنماء الاستراتيجيين لوقت آخر وتحول الأموال إلى اللاجىء السوري أين ما كان.
العملية العسكرية التركية شرقي الفرات في عالم الصفقات/ عمر كوش
يشي استمرار العملية العسكرية التركية في شرقي نهر الفرات في سورية، إلى أن القيادة التركية ماضية فيها، حتى تحقق على الأقل جزءاً كبيراً من الأهداف التي رسمتها ووضعتها، والمتمثلة بإبعاد مقاتلي وحدات الحماية الكردية (YPG) ومقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) وسواهم عن حدودها الجنوبية، وإنشاء “منطقة آمنة” فيها، تضمن حدوداً آمنة لتركيا في خاصرتها الجنوبية، وجعلها منطقة لإعادة قسم من اللاجئين السوريين إليها.
وبالرغم من التنديد العربي والأوروبي الواسع للعملية العسكرية، واعتبارها غزواً للمنطقة، إلا أن ما يهم الساسة الأتراك هما الموقفين الأميركي والروسي بالدرجة الأولى، بوصفهما يؤمنان التغطية الدولية اللازمة لصفقة تمتّ معهما، وبما يضمن استمرار عمليهم العسكرية، وتحقيق أهدافها.
وليس خافياً على أحد أن الموقفين، الأميركي والروسي، هما من أعطيا الضوء الأخضر لبدء العملية، بعد التفاهم الذي بناه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيريه، الأميركي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، حول مدى العملية وحدودها وتفاصيلها، لذلك لن يصغِ الساسة الأتراك للمواقف الأوروبية الرافضة، بل راحوا يلوحون بورقة فتح الأبواب أمام تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، إن استمروا بموقفهم الرافض لها.
ولا شك في أن العملية العسكرية التركية لها أهداف عديدة، داخلية وخارجية، حيث جرى التمهيد لها في البرلمان التركي، الذي لم يتردد في منح الحكومة التخويل اللازم للبدء فيها، وبموافقة كل أحزاب المعارضة، باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، وجرى التسويق لأهدافها المعلنة، المتمثلة بإقامة “ممر يساهم في الاستقرار والسلام في المنطقة”، بحيث “يمكن للسوريين العيش فيه بأجواء كريمة”، لكن الهف الأساس هو منع أي إمكانية لقبام كيان كردي في المنطقة، ما يعني ضرورة القيام بعمل عسكري لإخراج المسلحين الأكراد منها.
ولعل الطموح التركي بتوسيع مدى وعمق المنطقة الآمنة، يجعل من الصعب تحقيق أهدافها دفعة واحدة، خاصة أمام ارتفاع حدّة الأصوات المطالبة بوقفها في الكونغرس الأميركي، وفي وزارة الدفاع الأميركية، مع التلويح بفرض عقوبات اقتصادية أميركية قاسية على تركيا، لذلك قد تقسم العملية العسكرية إلى عدة مراحل، وربما ستتوقف مؤقتاً في مرحلتها الأولى، التي ترى بعض الأوساط السياسية التركيه، أنها ستقف عند عمق 30 كم داخل الأراضي السورية، وبطول يمتد 120 كم، الأمر الذي يفسر أن ثقل العملية تركّز في الحيّز الجغرافي، الممتد من منطقتي تل أبيض ورأس العين وجوارهما.
ويبدو أن الدخول في الحروب وحسم النزاعات في مناطق عديدة من العالم، تحول في أيامنا هذه إلى صفقات بين ساسة الدول الكبرى، ولعل القضية السورية طوال السنوات الثمانية الماضية، شهدت العديد منها، خاصة في مسار أستانة وسوتشي وسواهما. ولا تخرج العملية العسكرية التركية في شرقي الفرات عن هذا النطاق، إذ أن الساسة الأتراك ظلوا يطلقون تهديدات للقيام بعمليتهم العسكرية طوال أشهر عديدة خلت، وحشدوا لها قوات عسكرية كبيرة، لكنهم لم يبدأوا بها، إلا حين توقرت الشروط اللازمة، واكتملت خيوط الصفقة بينهم وبين ساسة كل من الكرملين والبيت الأبيض.
وإن كانت قرارات الكرملين لا تلقى أي معارضة داخلية، نظراً لافتقار النظام الروسي البوتيني إلى المؤسسات الديمقراطية والتقاليد الديمقراطية، لكن الأمر مختلف في الولايات المتحدة الأميركية، حيث انقلب على الرئيس ترامب، عندما تعالت الأصوات المنددة بقراره سحب الجنود الأميركيين من منطقة العملية العسكرية التركية، بوصفه الضوء الأخضر الأميركي لها، الأمر الذي جعله يطلق تغريدات وتصريحات متناقضة، فمن جهة أولى، اعتبر تركيا حليفاً مهماً وشريكاً اقتصادياً كبيراً ونافعاً، كونهم “يقومون بتصنيع الإطار الهيكلي الفولاذي للمقاتلة الأميركية إف-35، وهذا يقضتي وفق منطق الصفقات، القائم على المقايضة، تفهم الدواعي الأمنية لتركيا، لكنه من جهة ثانية، راح يهدد بتدمير اقتصادها، الذي ربطه بتجاوزها الخطوط الحمراء، التي لم يحددها بدقة، وذلك كي يهدّأ من حدّة الأصوات المعارضة لتفاهماته ومقايضاته وتغريداته الانفالية.
أما الخاسر الأكبر، وهو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا (PYD)، الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، فقد أحس بفقدان توازان كبير وذهاب لطموحات وأحلام، وراح يتحدث عن الخيانة والخذلان، لكن ترامب ذكر قادتهم بمنطق الصفقات الذي يعتمده، كونهم قبضوا أموالاً كثيرة من إدارته، وتلقوا كميات كبيرة من الأسحلة الأميركية الصنع، مقابل اشتراكهم في الحرب على داعش، لذلك فإن إدارته لم تتخل عن “الأكراد المميزين”، بأي شكل من الأشكال، حسب وصفه.
إذاً، في عالم السياسة، الذي بات مرتعاً لشعوبيات جديدة متعددة الوجوه، يجسدها المثالين، البوتيني والترامبي، بوصفهما أسوأ مثالين في تاريخ الشعوبية الطويل، فإن ساسة الدول الكبرى يتخذون القرارات بمفردهم، ويبرمون ما يشاؤون من الصفقات، والخاسر الأكبر هم الشعوب والكيانات الصغيرة، لذلك لن تجدي بيانات الأعتراض، ولا ينفع القلق في مثل هذه الحالات، وذلك بعد أن طبخ الساسة الأتراك نار العملية العسكرية في شرقي الفرات بهدوء مع ساسة البيت الأبيض وساسة الكرملين، كي يؤمنوا الغطاء السياسي والدبلوماسي، ورفعوا ذلك إلى درجة التنسيق والتفاهم على مختلف التفاصيل.
بروكار برس
أنظر تغطيتنا للحدث
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3-
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 4-