الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 6
أحداث
جيش النظام السوري يدخل بلدات جديدة في مناطق الأكراد قرب الحدود التركية
سوريا: واصل جيش النظام السوري اليوم الإثنين انتشاره في مناطق سيطرة الأكراد شمالي البلاد، وذلك غداة إعلان حكومة النظام أن وحدات من الجيش ستتحرك باتجاه الشمال للتصدي للعملية العسكرية التركية.
وذكرت وكالة الأنباء الحكومية السورية (سانا) أن “وحدات من الجيش دخلت بلدة تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي لمواجهة العدوان التركي، وسط ترحيب الأهالي”.
كما قالت مصادر مقربة من قوات النظام إن الجيش سيطر على مطار الطبقة العسكري وحقول نفط الطبقة، ويواصل تقدمه باتجاه بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي.
وأوضحت المصادر أن “الجيش دخل إلى مطار الطبقة العسكري (45 كلم غرب مدينة الطبقة) وحقول نفط الحباري جنوب المطار فجر اليوم، كما عبر رتل عسكري نهر الفرات في مدينة الطبقة باتجاه بلدة عين عيسى (65 كلم شمال مدينة الرقة)”.
وذكرت وكالة “سانا” أيضا أن قوات الجيش دخلت بلدة تل تمر التي تقع على طريق سريع إستراتيجي يربط بين الشرق والغرب السوري.
وقالت القوات التركية إنها سيطرت على الطريق السريع أمس الأحد. وتبعد تل تمر 35 كيلومترا جنوب شرقي رأس العين، إحدى الأهداف الرئيسية للهجوم التركي.
في المقابل، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن قوات النظام السوري أصبحت على مسافة 6 كيلومترات من الحدود مع تركيا.
وأوضح المرصد أنه رصد “تحركات لقوات النظام ضمن المنطقة الواقعة بين مدينتي الحسكة ورأس العين”، مضيفا أن من المرتقب أن تتقدم القوات أكثر باتجاه منطقة رأس العين.
وكشف المرصد أن هذا الانتشار جاء بموجب اتفاق ووعود روسية بدعم قوات سورية الديمقراطية (قسد) في المنطقة في مقابل مشاركة (قسد)، تحت مسمى قوات رديفة، مع الروس وقوات النظام في محافظة إدلب.
وفي وقت لاحق من الإثنين، قال المرصد السوري إن قوات الحكومة السورية انتشرت في بلدة عين عيسى بشمال البلاد على خط المواجهة مع القوات التركية.
وعرض التلفزيون الرسمي السوري (تابع للنظام) لقطات تظهر ما قال إنه مدخل عين عيسى، حيث شوهد السكان وهم يرحبون بوصول قوات الحكومة.
من جهته، قال مسؤول كردي سوري بارز إن اتفاقا عسكريا مبدئيا مع دمشق يقتصر على انتشار الجيش على طول الحدود، وإن الجانبين سيبحثان القضايا السياسية في وقت لاحق.
وقال بدران جيا كرد إن الاتفاق يقضي بدخول قوات النظام المناطق الحدودية من بلدة منبج إلى ديريك في شمال شرق البلاد.
وأضاف أن السلطات التي يقودها الأكراد اضطرت للبحث عن سبل لحماية المنطقة بعد أن منحت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لهجوم تركي هناك.
(وكالات)
سوريا: الأكراد يعلنون الاتفاق مع دمشق على انتشار قوات النظام على الحدود مع تركيا/ وائل عصام وإسماعيل جمال وهبة محمد
عواصم ـ «القدس العربي»:أعلنت الإدارة الذاتية الكردية أمس الأحد التوصل إلى اتفاق مع دمشق ينص على انتشار الجيش السوري على طول الحدود مع تركيا للتصدي لهجوم أنقرة والفصائل السورية الموالية لها المستمر منذ خمسة أيام ضد مناطق سيطرتها.
وقالت الإدارة الذاتية في بيان على صفحتها على فيسبوك «لكي نمنع ونصد هذا الاعتداء فقد تم الاتفاق مع الحكومة السورية (…) كي يدخل الجيش السوري وينتشر على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة قوات سوريا الديموقراطية»، مضيفة أن «هذا الاتفاق يتيح الفرصة لتحرير باقي الأراضي والمدن السورية المحتلة من قبل الجيش التركي».
وكان الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المسلحة أعلن عن سيطرته على مدينة تل أبيض، وعشرات القرى في محيط مدينة رأس العين شمال شرقي سوريا، بمساحة 220 كيلومتراً مربعاً داخل الأراضي السورية، انطلاقاً من غرب تل أبيض إلى غرب مدينة رأس العين، وصولاً إلى اوتوستراد الحسكة – حلب المعروف بـ «ام 4»، بالتزامن مع عرض من الرئيس الأمريكي على الأكراد بالانسحاب حتى 30 كلم أمام الجيش التركي.
وحسب المرصد السوري فقد قتل 26 مدنياً الأحد في قصف وإطلاق نار شنتهما القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في اليوم الخامس للهجوم ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرقي سوريا، وذكرت تقارير أممية أن حصيلة النزوح الجماعي للمدنيين وصلت إلى حوالى 130 ألفاً حسب وكالات الأنباء.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لرويترز، أمس الأحد، إن الولايات المتحدة تبحث تقارير عن مقتل السياسية الكردية هفرين خلف ومقاتلين أكراد أسرى في شمال شرق سوريا خلال الهجوم التركي، مضيفاً أن واشنطن تراها تقارير مقلقة. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن جماعات مدعومة من تركيا قتلت تسعة مدنيين من بينهم هفرين الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل وسائقها ومساعدها.
وبعدما تلقت «قوات سوريا الديمقراطية» ما وصفتها قيادات «وحدات الحماية الكردية» بـ«طعنة غادرة»، وانحسرت رقعة سيطرتها في معقلها الوحيد شرقي سوريا، قامت أمس بفتح أبواب السجون أمام مقاتلي تنظيم «الدولة»، وهو ما هدد به مسؤول لدى قوات «قسد» في حديث مع «القدس العربي»، حيث أكدت مصادره فرار أكثر من 100 من عائلات التنظيم، حيث هربوا «من مخيم عين عيسى الذي تحرسه قوات أمن سورية ويقودها الأكراد» ويصل عددهم إلى 785.
وتناقلت مواقع صحافية مقربة من النظام السوري، تصريحات لنائب ما يعرف بإقليم الفرات، محمد شاهين، قال فيها إن قوات الحكومة السورية تستعد لدخول مدينتي منبج و«عين العرب» (كوباني) خلال اليومين المقبلين، بعد الاتفاق مع النظام السوري، وسيكون على قوات النظام السوري، في حال تم هذا الاتفاق، الدخول من بلدة صرين، شرق نهر الفرات، والتوجه إلى منبج غرباً عبر النهر، وكذلك شمالاً إلى كوباني.
وكان مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، قد صرح مؤخراً، لقناة سي أن أن الأمريكية، أنه يريد من الأمريكيين رداً حول قدرتهم على حماية الأكراد شمال سوريا، وإلا «فإنه في حاجة لعقد صفقة مع روسيا والنظام ودعوة طائراتهم لحماية هذه المناطق».
كما أن وزير الدفاع الأمريكي، قال أمس، إن «واشنطن تعتقد أن الأكراد على وشك إبرام اتفاق مع الجيش السوري وروسيا للتصدي لتركيا».
من جهته طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرة للوساطة بين تركيا والوحدات الكردية في مسعى لوقف العملية العسكرية التي بدأها الجيش التركي، لكن الرد التركي الأول جاء بشكل غير مباشر على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي شدد على أن بلاده لن توقف هجومها.
وكان لافتاً قول ترامب من حيث أنه يشي بقبوله الدخول التركي، إن الوحدات الكردية غير قادرة على صد القوات التركية، موضحاً: «آمل أن ينسحبوا، إذا لم تكن لديكم طائرات فمن الصعب جداً التغلب على قوة تمتلك طائرات (في اشارة إلى القوات التركية)»، ويبدو أن ترامب هدف من التساهل مع تركيا في بدء العملية في المنطقة الضغط على الوحدات الكردية للقبول بالمطالب التركية والانسحاب بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود، حيث أعلنت قوات سوريا الديمقراطية قبولها بالمقترح الأمريكي للتوسط مع تركيا.
أردوغان لا يرى أي مشكلة في كوباني بعد انتشار الجيش السوري ويرحب بانسحاب أمريكا
أنقرة: قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الإثنين، إنه لا يعتقد أن أي مشاكل ستقع في مدينة كوباني السورية بعد انتشار الجيش السوري على الحدود، مضيفا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبدى “نهجا إيجابيا”.
وفي وقت سابق اليوم، أفادت وسائل إعلام رسمية بأن القوات السورية دخلت بلدة تل تمر في شمال شرق سوريا بعد أن توصلت دمشق لاتفاق مع القوات التي يقودها الأكراد في المنطقة للانتشار هناك بهدف التصدي لهجوم تركي.
وفي حديث للصحافيين قبل التوجه لأذربيجان، قال أردوغان إن تركيا ستنفذ خططها بشأن بلدة منبج في شمال سوريا وستقوم بتوطين عرب هناك. وأضاف أن القرار الأمريكي بسحب نحو ألف جندي من شمال سوريا خطوة إيجابية.
أوبزيرفر: العملية التركية وحدت الأعداء ضد أنقرة وجعلت إيران والسعودية في نفس الخندق
كتب المعلق سايمون تيسدال في صحيفة “أوبزيرفر” عن العملية التركية في شمال سوريا، تحت عنوان “استطاع أردوغان تحقيق المستحيل: وحد كل أعدائه في الشرق الأوسط”.
وقال تيسدال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال اجتياحه شمالي سوريا وحد كل المتنافسين ممن لديهم حصة في البلد.
ووصف تيسدال التحرك التركي بالمتهور والمزعزع للاستقرار وأن أردوغان القومي ذو النزعة الديكتاتورية الذي عادة ما يصور نفسه على أنه الرجل الذي يواجه العالم وذلك طوال فترة حكمه التي مضى عليها 16 عاما متتالية، أولا كرئيس للوزراء وثانيا كرئيس تنفيذي.
ويعترف الكاتب أن القتال على الحدود التركية- السورية لا يزال محدودا لكن الوضع قد يتغير. فقد حذرت مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل قائلة: “لو زادت وتيرة الأعمال العدائية فقد تقوم تركيا بعملية واسعة في المناطق ذات الكثافة السكانية مما سيؤدي لضحايا وتهجير الكثير من السكان المحليين ويغذي النزعات المتمردة”. وقال إن الاتحاد الأوروبي وروسيا وإيران والجامعة العربية أعربت عن معارضتها للغزو التركي، وهو ما ترفضه أنقرة وتفضل تسمية العملية التي تقوم بها بـ”نبع السلام”.
ويرى الكاتب أن كل طرف يحاول التكيف مع الوضع الناجم عن العملية ويمارس لعبة اللوم في وقت يحاول الاستفادة منها. وكان أردوغان قد توقع الرد العدواني الأوروبي ولهذا هدد بفتح الباب للمهاجرين وخلق أزمة كتلك في عام 2015. كما لم يتحرك عندما هددت بعض الدول بتعليق عضوية بلاده في حلف الناتو.
ويعرف أردوغان أن علاقة بلاده مع أوروبا في أدنى مستوياتها، خاصة بعد انتقاد بروكسل سجل حقوق الإنسان والذي كان سببا في توقف قبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
ويعلق الكاتب أن القادة الأوروبيين يدفعون ثمن محاولاتهم تطبيع العلاقة مع أردوغان، فقد أثبت أنه ليس ديمقراطيا أو حليفا ولا صديقا. ويعتقد الكاتب أن دول أوروبا لا أثر لها عما سيحدث في سوريا، إلا أن أمريكا لديها الكثير من أوراق الضغط ولكنها مصممة على رميها. ورغم النفي والبيان الذي صدر عن البيت الأبيض في 6 تشرين الأول/أكتوبر فمن الواضح أن الرئيس دونالد ترامب وافق على العملية التركية بدون استشارة حلفائه وسهلها من خلال سحب القوات الأمريكية من المنطقة الحدودية. وكان قرارا كارثيا تحاول الولايات المتحدة تصحيحه.
ويعتقد الكاتب أن خيانة الأكراد، رفاق السلاح في الحرب ضد تنظيم الدولة، كان سيئا بدرجة كافية. وما هو أسوأ التخلي عن سوريا لروسيا وإيران المنافستين الرئيستين والداعمتين لبشار الأسد ونظامه الديكتاتوري المجرم، بشكل وضع نهاية للفشل الأمريكي في سوريا خلال الثماني سنوات الماضية. وربما كانت روسيا سعيدة من خروج الأمريكيين، خاصة أنها عملت على دفع أمريكا من سوريا وعموم الشرق الأوسط، إلا أن ردها كان سلبيا كما هو الحال عندما تدخلت تركيا في إدلب العام الماضي.
فعندما أرسل فلاديمير بوتين قواته إلى سوريا عام 2015 فقد راهن على انتصار الأسد، ولكن النصر ابتعد عنه في وقت زاد فيه الثمن السياسي والمالي.
كما عقدت خطوة أردوغان من العملية السلمية التي تشرف عليها روسيا إلى جانب تركيا وإيران. ولهذا السبب تحث روسيا الأكراد على عقد اتفاقية دفاع مشترك أو نوع من الحكم الفدرالي مع نظام بشار الأسد. ويرى هذا فرصة لاستعادة المناطق التي خسرها وهو ليس مهتما بفكرة أردوغان عن المنطقة الآمنة.
وبنفس المقام أعربت إيران عن عدم رضاها من العملية التركية ولكن لأسبابها الخاصة. فهي وإن رغبت برؤية ظهر الأمريكيين، ليست عاشقة للأكراد الذين يثيرون المشاكل لها في داخل البلاد، ولكن دخول تركيا يهدد خطط طهران بالسيطرة على الممر الشمالي الذي يربطها مع حلفائها في لبنان أو ما تطلق عليه إسرائيل “ممر الإرهاب”. وبعد محاولاتها لإنشاء نظام مؤيد لها في العراق بعد عام 2003 فإيران ليست راغبة بمواجهة انتفاضة سنية جديدة في العراق وسوريا.
ويقول المحلل بلال البلوش إن الانسحاب الأمريكي سيشعل المخاوف الإيرانية من تمرد سني عبر ظهور جديد لتنظيم الدولة.
ويرى الكاتب أن المخاوف من عودة تنظيم الدولة حقيقية وهذا بسبب التوغل التركي. والغريب أن إيران والولايات المتحدة والسعودية التي كانت على حافة الحرب تجد نفسها في نفس الخندق ضد تركيا.
وشجبت دول عربية مثل الإمارات ومصر والبحرين والأردن ولبنان العملية التركية، فبعد دعم أولي للمعارضين السوريين بدأت هذه الدول وبحذر تتقارب مع نظام الأسد. ويعارض القادة العرب دعم أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين وأفكاره عن دور تركيا الجديد في المنطقة.
وتقوم هذه الدول مثل روسيا وإيران بإعادة حساباتها وتتعامل بطريقة براغماتية حول الحرب في سوريا، وإن الطريق الوحيد لوقفها هو دعم الأسد، إلا أن أردوغان يقف الآن عقبة. وبالمقابل فقد قدمت الأزمة الجديدة دروسا تحذيرية هي أن التحالفات الأمريكية لا يمكن الاعتماد عليها.
ويعرف الأكراد هذا الأمر، فقد تم التخلي عنهم عام 1991، وتركهم الأمريكيون لصدام حسين بعد نهاية حرب الخليج الأولى. لكن عدم مصداقية أمريكا تعتبر جديدة للنظام السعودي الذي يعتمد مثل إسرائيل على واشنطن لتقديم الدعم الأمني لها. وكلما اكتشف السعوديون أنه لا يمكن الاعتماد على السعودية كلما حاولوا بناء جسور مع إيران، وهذا ما يحدث الآن حسب تقارير.
ومن المفارقة الساخرة أن قرار ترامب قدم فرصة غير مباشرة لإنهاء حرب الوكالة بين السعودية وإيران، مع أن الصقور في الإدارة وإسرائيل دفعوا بشكل قوي باتجاه ضرب طهران.
أردوغان: العملية التركية في مرحلة دخول منبج
أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه “لا يوجد خلاف مع روسيا بشأن منطقة عين العرب (كوباني)، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبدى نهجاً إيجابياً بشأن الوضع على الحدود”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن القوات التركية الآن في مرحلة تطبيق قرار دخول منبج، في إطار العملية العسكرية التي تشنها أنقرة على مواقع الأكراد في شمال سورية.
وقال أردوغان، في مؤتمر صحافي بمطار أتاتورك، اليوم الإثنين: “حتى الآن، يبدو أنه لن تكون هنالك أي مشكلة مع السياسة الإيجابية لروسيا في عين العرب (كوباني)، أما بالنسبة لمنبج فنحن في مرحلة تنفيذ قراراتنا”.
وأضاف أردوغان: “عند تحرير مدينة منبج سيدخلها أصحابها الحقيقيون”.
وحول الحديث عن اتفاق نظام الرئيس السوري بشار الأسد مع حزب “العمال الكردستاني”، قال أردوغان: “هناك الكثير من الشائعات، ويبدو أنه لن تحدث مشكلة في عين العرب (كوباني)”.
وفي وقت سابق اليوم، ذكرت مصادر من الجيش الوطني، لـ”العربي الجديد”، أن الجيش التركي استقدم تعزيزات عسكرية إلى الجبهات المطلة على مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي.
وأضافت أن التعزيزات التركية رافقتها تعزيزات من “الجيش الوطني”، وتضمنت تلك التعزيزات ناقلات جنود ودبابات وجسوراً مائية، وتمركزت على جبهات نهر الساجور الفاصل بين مناطق سيطرة “الجيش الوطني” و”وحدات حماية الشعب” في شمال مدينة منبج.
وكانت العمليات العسكرية قد أسفرت، أمس، عن تقدم واسع لقوات الجيش الوطني والجيش التركي، حيث انتزع الأخيران سيطرتهما على مدينة تل أبيض وعلى العديد من القرى والبلدات في محوري تل أبيض ورأس العين.
وبدأت أنقرة العملية العسكرية، بعد ظهر يوم الأربعاء الماضي، بشن غارات جوية وضربات مدفعية على مواقع المليشيات في منطقتي تل أبيض ورأس العين.
من جهة ثانية، رحّب الرئيس التركي بقرار الولايات المتحدة سحب ألف جندي من شمال سورية. ولدى سؤاله خلال مؤتمر صحافي عن إعلان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر الذي صدر الأحد في هذا الشأن، رد أردوغان بالقول: “إنها خطوة إيجابية”.
كذلك خاطب أردوغان دول شمال حلف الأطلسي (الناتو)، متسائلاً: “هل ستقفون إلى جانب حليفكم في الناتو أم إلى جانب الإرهابيين؟ بالطبع لا يستطيعون الإجابة”.
دمشق تحرك قوات إلى الحدود التركية..وتفاوض الأكراد في حميميم
قالت وسائل إعلام سورية رسمية، الأحد، إن دمشق بدأت بتحريك وحدات عسكرية إلى جبهات القتال في شمال شرق البلاد “لمواجهة العدوان التركي على الأراضي السورية”.
وبينما لم تحدد وسائل الإعلام الرسمية مواقع انتشار القوات السورية في شمال البلاد، نقلت وكالة “رويترز” عن سياسي كردي سوري قوله، إن “الحكومة السورية وقوات سوريا الديموقراطية تعقدان حاليا مفاوضات في قاعدة جوية روسية في سوريا، معبرا عن أمله في التوصل إلى اتفاق من شأنه وقف هجوم تركي”.
وقال أحمد سليمان العضو البارز في “الحزب الديموقراطي التقدمي” الكردي في سوريا، إن المحادثات تجري حاليا في قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية. لكنه لم يذكر ما إذا كان له أو لحزبه دور في هذه المفاوضات. ولا صلة لهذا الحزب بـ”قوات سوريا الديموقراطية”.
الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، قالت في بيان إن “الجيش السوري سينتشر على امتداد الحدود مع تركيا بالاتفاق مع الإدارة للمساعدة في صد هجوم تركي”.
وأضافت أن نشر الجيش سيدعم “قوات سوريا الديموقراطية في التصدي “لهذا العدوان وتحرير الأراضي التي دخلها الجيش التركي والمرتزقة”، وذلك في إشارة إلى قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وقال البيان إن ذلك سيسمح أيضا “بتحرير المدن السورية الأخرى التي احتلها الجيش التركي مثل عفرين”.
وكانت “رويترز” قد نقلت عن مصطفى بالي مدير المركز الإعلامي لـ”قوات سوريا الديموقراطية” قوله، إنه لا يملك تعليقاً على تلك الأنباء، لكنه أوضح: “كنا قد أكدنا منذ بداية الغزو أننا سندرس كل الخيارات التي من شأنها تجنيب شعبنا التطهير العرقي”.
مئات من “الدواعش”يفرون من مخيمهم في سوريا
أعلنت الإدارة الذاتية الكردية، الأحد، عن فرار 785 شخصاً من أفراد عائلات تنظيم “الدولة الإسلامية” من مخيم عين عيسى للنازحين، بعدما طاله قصف القوات التركية التي تشن هجوماً منذ الأربعاء في شمال شرق سوريا.
ونقلت وكالة “فرانس برس” عن الإدارة الذاتية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن عناصر الحراسة انسحبت من المخيم، الذي يقطنه 13 ألف نازح بينهم أفراد عائلات عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” الأجانب.
وقالت الإدارة الذاتية في بيان: “استطاع اليوم 785 عنصراً من منتسبي داعش الأجانب الفرار من مخيم عين عيسى”، مشيرة إلى أنهم قاموا “بالهجوم على حراسة المخيم وفتح الأبواب للفرار” بعدما طال قصف المخيم.
وكانت الإدارة الذاتية الكردية أعلنت في وقت سابق أن القصف التركي طال المخيم في بلدة عين عيسى الواقعة على بعد 30 كيلومتراً من الحدود التركية. واكد مسؤول في المخيم لـ”فرانس برس”، أن القصف وقع على الطريق الدولي بالقرب من القسم المخصص بعائلات التنظيم المتطرف.
ونقلت صفحة الإدارة الذاتية على فايسبوك عن عبد القادر موحد، مسؤول مكتب الشؤون الإنسانية وشؤون المنظمات، أن المخيم “بات بلا حراسة وبلا إدارة”، مشيراً إلى أنه “تم انسحاب الحامية التابعة لقوى الأمن الداخلي منه بعد أعمال الشغب التي قامت بها عوائل مقاتلين تنظيم داعش داخل المخيم إثر القصف التركي” على أطرافه.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان فرار عائلات مقاتلي التنظيم “تباعاً مع انسحاب غالبية عناصر الحراسة منه للانضمام إلى معارك كانت تدور على بعد أقل من عشرة كيلومترات بين قوات سوريا الديموقراطية ومقاتلين سوريين موالين لأنقرة”.
وكانت الإدارة الذاتية أعلنت الجمعة أنها تبحث عن حل أو موقع بديل لمخيم عين عيسى الذي يضم 13 ألف شخص، بينهم 785 من عائلات مقاتلي التنظيم، بعدما طالته قذائف القوات التركية.
كما أخلت الإدارة الذاتية الجمعة مخيماً آخر يضم سبعة آلاف نازح، ويقع على بعد 12 كيلومتراً من الحدود التركية، للأسباب ذاتها.
وبدأت القوات التركية وفصائل سورية موالية لها الأربعاء هجوماً واسعاً ضد المقاتلين الأكراد في المنطقة الحدودية. وتخوض اشتباكات عنيفة مع قوات سوريا الديموقراطية التي تحاول منع تقدمها في المنطقة الحدودية.
وكررت قوات سوريا الديموقراطية وعمودها الفقري المقاتلون الأكراد، مؤخراً خشيتها من أن ينعكس انصرافها إلى قتال القوات التركية سلباً على جهودها في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات التي تضم مقاتلي التنظيم المتطرف وأفراد عائلاتهم.
ويتوزع 12 ألف شخص من عائلات التنظيم المتطرف على ثلاث مخيمات تسيطر عليها القوات الكردية، هي مخيمات عين عيسى (شمال) وروج والهول (شمال شرق). ويقبع غالبية هؤلاء في مخيم الهول.
ترمب: الأكراد يطلقون عمدًا سراح بعض سجناء داعش
واشنطن: ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب الإثنين الى أن الأكراد يطلقون بشكل متعمد سراح “بعض” السجناء من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، لدفع الولايات المتحدة الى مواصلة تدخلها في شمال شرق سوريا.
وذكر البنتاغون الأحد أن ترمب أمر بسحب نحو ألف جندي من شمال سوريا، اي القوة البرية بأكملها، وسط تصاعد الهجوم التركي على الأكراد في تلك المنطقة.
ولقي قرار ترمب الاسبوع الماضي بسحب القوات بما يمهد الطريق أمام الهجوم التركي، انتقادات واسعة في الولايات المتحدة واتهامات بأنه خان حلفاءه الأكراد بشكل يمكن أن يسهم في عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال ترمب في تغريدة على تويتر “كان أمام أوروبا فرصة استعادة سجناء داعش، ولكن لم يرغبوا في تحمل تكاليف ذلك، وقالوا +دعوا الولايات المتحدة تدفع+”.
وأضاف “قد يكون الأكراد يطلقون سراح البعض لإجبارنا على التدخل”، مضيفا أنه “في إمكان تركيا أو الدول الأوروبية التي يتحدر منها هؤلاء الجهاديون أن يعتقلوهم مجددا بسهولة، لكن يجب أن يتحركوا بسرعة”.
وذكرت السلطات الكردية الاحد أن 800 من افراد عائلات مجاهدي تنظيم الدولة الاسلامية فروا من مخيم يحتجزون فيه في عين عيسى في شمال سوريا بسبب القصف التركي.
فريق دبلوماسي أميركي يغادر شمال شرقي سوريا
واشنطن تدرس سحب معظم قواتها من شرق الفرات خلال أيام
قال مسؤول أميركي اليوم (الاثنين)، إن فريقا دبلوماسيا أميركيا كان يعمل في مشروعات إرساء الاستقرار شمال شرقي سوريا غادر البلاد بعد يوم من إعلان واشنطن أنها تعتزم سحب ألف جندي من سوريا.
وأشار المسؤول، بحسب وكالة «رويترز» إلى أن القوات الأميركية لا تزال في سوريا لكن المراحل المبكرة من الانسحاب بدأت، دون ذكر تفاصيل.
إلى ذلك، قال مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» اليوم (الأحد)، إن الولايات المتحدة تدرس خططاً لسحب معظم قواتها من شمال سوريا خلال أيام، وذلك في جدول زمني أسرع مما كان متوقعاً للانسحاب الأميركي في ظل تصعيد الهجوم التركي على المنطقة.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في وقت سابق اليوم، أنه يعمل، بناء على أوامر من الرئيس دونالد ترمب، على بدء تنفيذ انسحاب القوات من شمال سوريا حيث يوجد نحو ألف جندي أميركي.
ولم يحدد إسبر موعداً للانسحاب، واكتفى بالقول إنه يريد تنفيذه «بأمان وفي أسرع وقت ممكن». وقال إسبر في مقابلة تلفزيونية إنه يتوقع أن يسعى الأكراد السوريون إلى ضمان بقائهم باللجوء إلى منافسي الولايات المتحدة في الصراع السوري؛ وهما روسيا وبشار الأسد. وقال إسبر: «نتوقع بشدة أن يبرم الأكراد السوريون اتفاقاً مع القوات السورية والروسية».
وقال المسؤولان الأميركيان، اللذان طلبا عدم نشر اسميهما، لوكالة «رويترز»، إن الولايات المتحدة تبحث خيارات عدة، لكنهما أضافا أن الجيش الأميركي سيسحب على الأرجح معظم قواته خلال أيام وليس أسابيع.
وقال أحدهما إن الانسحاب الكامل ربما يستغرق أسبوعين أو أكثر، غير أن ذلك ربما يتم بوتيرة أسرع من المتوقع.
ويأتي الكشف عن قرار الانسحاب السريع بعد أحداث سياسية متسارعة خلال الأيام الماضية في سوريا. وبدأت التطورات الأخيرة يوم الأحد الماضي، حين قرر ترمب أثناء اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نقل عدد قليل من الجنود الأميركيين من شمال شرقي سوريا. وانتقد معارضو ترمب هذا القرار قائلين إنه مهد الطريق بعدها بثلاثة أيام لهجوم تركي على المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن.
وقالت الولايات المتحدة إنها لن تدافع عن المقاتلين الأكراد السوريين في مواجهة تركيا والقوات التي تدعمها أنقرة، رغم أن الأكراد قاتلوا إلى جانب القوات الأميركية ضد تنظيم «داعش» ويحرسون حالياً السجون التي يوجد بها عشرات الآلاف من المتشددين.
وقال إسبر إن من المتوقع «أن يبرم الأكراد السوريون اتفاقاً مع قوات النظام وروسيا».
وفي مؤشر محتمل على ذلك، قالت وسائل إعلام رسمية تابعة للنظام السوري أمس (الأحد)، إن الجيش السوري بدأ في تحريك قواته إلى جبهات القتال في شمال شرقي البلاد «لمواجهة العدوان التركي على الأراضي السورية».
وبدا ترمب، في تغريدات على «تويتر»، مدافعاً عن نهجه العسكري الذي آثر الابتعاد عن طريق التوغل التركي، لكنه أكد إمكانية فرض عقوبات على أنقرة. وأشار الرئيس الأميركي إلى أن تركيا وأكراد سوريا «يتقاتلون منذ سنوات كثيرة». وتابع: «ربما يود آخرون في المجيء والقتال لصالح طرف أو آخر… دعهم! نحن نراقب الموقف عن كثب. إنها حروب لا تنتهي».
وتعتبر تركيا أكراد سوريا المدعومين من واشنطن امتداداً لمتمردين أكراد تقاتلهم على أرضها. وسيترك الانسحاب من سوريا وقطع العلاقات الكامل مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد الولايات المتحدة دون وجود على الأرض في وجه تهديد «داعش» في شمال سوريا.
وعبر بريت ماكجورك، الذي كان أكبر دبلوماسي بإدارة ترمب في التحالف الذي قادته واشنطن ضد التنظيم المتطرف حتى استقالته العام الماضي، عن أسفه لتفكك السياسة الأميركية في سوريا بعد سنوات من المكاسب ضد التنظيم.
وقال ماكجورك على «تويتر»: «القوات المسلحة الأميركية تنسحب من شمال شرقي سوريا حيث كانت خلافة داعش. هذا كله دون تفكير أو تجهيز أو تخطيط». وأضاف: «ستكون لذلك تداعيات خطيرة على أمننا القومي يتجاوز سوريا. الآن نتمنى أن يخرج رجالنا سالمين».
سباق بين أنقرة ودمشق لملء الفراغ الأميركي
النظام للانتشار على الحدود باتفاق مع الأكراد… وفصائل موالية لتركيا تسيطر على طريق استراتيجية
ظهر سباق بين أنقرة ودمشق لملء الفراغ شمال شرقي سوريا بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تكليف وزارة الدفاع (بنتاغون) وضع خطة لانسحاب مدروس للقوات الأميركية.
وقال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر: «تحدثت مع الرئيس (ترمب) بعد نقاشات مع باقي أعضاء فريق الأمن القومي، ووجّه بأن نبدأ بسحب (…) للقوات من شمال شرقي سوريا»، مضيفاً أن عدد العناصر الذين سيتم سحبهم «هو أقل من 1000. لا يمكنني تقديم إطار زمني، لأن الأمور تتبدل كل ساعة. نريد أن نضمن القيام بذلك بشكل آمن للغاية ومدروس».
في المقابل، أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» الاتفاق مع الحكومة السورية {التي من واجبها حماية حدود البلاد والحفاظ على السيادة}، على الانتشار في مناطق الحدود مع تركيا {لصد العدوان وتحرير المناطق التي دخلها الجيش التركي ومرتزقته المأجورين}.
وأفادت وسائل إعلام سورية في وقت لاحق أمس بتحرك الجيش إلى جبهات القتال في شمال شرقي البلاد. وقبل ذلك، قال سياسي كردي كبير إن الحكومة السورية و{قوات سوريا الديمقراطية} أجرتا محادثات في قاعدة روسية بسوريا.
في غضون ذلك، أكدت وزارة الدفاع التركية أن القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها سيطرت أمس على طريق «إم 4» الدولي الاستراتيجي، بعد توغلها بعمق 30 – 35 كلم في شمال سوريا، وتقدمها في تل أبيض ورأس العين.
وقتل 26 مدنياً في قصف وإطلاق نار من جانب القوات التركية والفصائل السورية الموالية، في اليوم الخامس للهجوم أمس
فصائل سورية تدعمها أنقرة تتقدم شرق الفرات… وإردوغان يلوح بتوسيع «التوغل»
عشرات القتلى المدنيين خلال المعارك… ورفض تركي لوساطة أميركية
سعيد عبد الرازق
تواصلت الاشتباكات على محاور القتال في شرق الفرات مع استمرار القصف الجوي والمدفعي العنيف من جانب الجيش التركي في اليوم الخامس لعملية «نبع السلام» في شرق الفرات. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن التوغل التركي في سوريا سيمتد من عين العرب (كوباني) في الغرب إلى الحسكة في الشرق، بعمق نحو 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، مضيفاً أن بلدة رأس العين أصبحت بالفعل تحت السيطرة التركية.
وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من ريفي مدينتي تل أبيض ورأس العين عقب قصف مواقع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وسُمِعت أصوات القصف والاشتباكات فيهما من بلدتي جيلان بينار، وأكتشا قلعة، في ولاية شانلي أورفا الحدودية مع سوريا.
وقالت «وكالة أنباء الأناضول» التركية إن الجيشين التركي و«الوطني السوري» أحكما السيطرة على مدينة تل أبيض، بعد أن تقدما، صباح أمس، من جبهتها الغربية، وإن اشتباكات تدور مع عدد قليل من عناصر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) متحصنين في مبنى البريد المحاصر من «الجيش الوطني السوري».
وكانت مصادر في الجيش الوطني الموالي لتركيا، بالإضافة إلى وسائل الإعلام التركية، أكدت أن القوات المشاركة في العملية العسكرية استولت على بلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض في شمال شرقي الرقة من يد «قسد».
وبحسب «وكالة أنباء الأناضول التركية» الرسمية، سيطر الجيشان التركي و«الوطني السوري» على 42 قرية في مدينتي رأس العين وتل أبيض خلال اليومين الماضيين، وأن عدد القرى التي تمت السيطرة عليها منذ انطلاق عملية «نبع السلام» يوم الأربعاء الماضي، بلغ 56 قرية شمال شرقي سوريا.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيان، أمس (الأحد)، مقتل 480 مسلحاً من «قسد»، منذ انطلاق العملية.
وردّاً على القصف التركي، استهدفت «قسد» مناطق في ولاية شانلي أورفا. وأسفر القصف عن إصابة أحد الأتراك، بالإضافة إلى أضرار في 3 منازل بقضاء سوروج بالولاية.
وأسفر قصف لـ«قسد» على قضاء أكتشا قلعة في الولاية ذاتها عن أضرار مادية كبيرة في بعض الأبنية.
وأحصت تركيا 18 قتيلاً في الجانب التركي من الحدود (11 في نصيبين بولاية ماردين، و3 في سوروج، و2 في أكتشا قلعة، و2 في جيلان بينار في شانلي أوفا)، جراء الرد من جانب «قسد» منذ انطلاق العملية في شرق الفرات.
وطالت هجمات «قسد»، بقذائف الهاون والقذائف الصاروخية، مدن نصيبين بولاية ماردين، وأقضية أكتشا قلعة وجيلان بينار وسوروج وبيراجيك، في ولاية شانلي أورفا، وإلى جانب القتلى الثمانية عشر أصيب أكثر من 100 شخص.
وأعلنت «قسد» مقتل 31 من عناصرها في الاشتباكات مع فصائل الجيش الوطني خلال اليومين الماضيين، أمس.
وقتل 14 مدنياً، أمس، في قصف مدفعي وإطلاق نار من جانب القوات التركية. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: «قُتِل 9 مدنيين، بينهم طفل، في قصف مدفعي تركي قرب بلدة رأس العين (شمال الحسكة) وشمال بلدة عين عيسى (شمال الرقة) واستهدفت القوات التركية برشاشاتها سيارة جنوب مدينة تل أبيض (شمال الرقة) ما أسفر عن مقتل 5 مدنيين».
وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 130 ألف شخص نزحوا من ريف رأس العين وتل أبيض بسبب القصف التركي، تم إيواؤهم في المدارس التي من المفروض أن تستقبل تلاميذ المنطقة، محذرة من أن الرقم قد يصل إلى 400 ألف.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الجيش التركي وحلفاءه سيطروا على أجزاء كبيرة من بلدة سلوك الواقعة على بعد 10 كيلومترات من الحدود مع تركيا جنوب شرقي تل أبيض، وإن المعارك لا تزال مستمرة على أطراف بلدة رأس العين من الجهة الغربية، فيما يدور حديث عن دحر «قسد» للمقاتلين الموالين لتركيا عن تلك البلدة التي قال الجيش التركي في وقت سابق إنه سيطر عليها.
وتمكنت «قسد» من استعادة السيطرة على حي الصناعة في مدينة رأس العين بعد اشتباكات عنيفة مع الفصائل الموالية للجيش التركي، أسفرت عن مقتل عشرات المسلحين التركمان ضمن ما يُسمى بـ«ألوية السلاطين».
وأعلنت «قسد» أمس عن قتلها 75 جندياً تركياً، وتدمير 7 دبابات في رأس العين، بحسب وكالة «الفرات» التابعة لها، كما قتلت 54 مسلحاً من عناصر «لواء السلطان مراد» و«لواء السلطان محمد الفاتح» المنضويَيْن تحت «الجيش الوطني»، وتدمير 3 آليات والاستيلاء على اثنتين، كما يتم التعامل مع الميليشيات الموالية للجيش التركي في الحي الغربي من مدينة رأس العين.
وقالت «قسد» إن 80 في المائة من مدينة رأس العين لا تزال تحت سيطرة قوات «قسد»، وإن تعزيزات عسكرية كبيرة وصلت من مناطق في شرق الفرات بينها المئات من مقاتلي العشائر الذين وصلوا أمس من ريف دير الزور وباقي المناطق لمؤازرة قوات «قسد». في الوقت ذاته، أعلنت تركيا رفضها عرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للوساطة مع «قسد»، لوقف العملية العسكرية التركية. وأكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، رفض بلاده التفاوض مع المنظمات الإرهابية، والوساطة التي طرحها زعماء بلدان أخرى في هذا الإطار.
وأضاف، خلال لقاء في إسطنبول، أمس، مع بعض ممثلي وسائل الإعلام: «متى رأيتم دولة ما تجلس إلى طاولة المفاوضات مع (منظمة إرهابية)؟».
وقال إن أولوية بلاده كانت تنفيذ مشروع «المنطقة الآمنة» مع حلفائها الموجودين في المنطقة، وحل هذا الأمر، مشيراً إلى سيطرة القوات المشاركة في العملية العسكرية على مركز مدينة رأس العين، و4 قرى في الوقت الحالي، و«من المهم أن تتم العملية بأقل قدر من الخسائر والآلام».
ولفت إلى أن مناطق سكنية في ولايات شانلي أورفا وماردين وشرناق وغازي عنتاب، تعرضت إلى 652 هجوماً بالهاون والقذائف الصاروخية حتى الآن، ما أدى إلى مقتل 18 من المواطنين، وإصابة 147 في الهجمات على المدن التركية الحدودية مع سوريا، إضافة إلى مقتل اثنين من الجنود الأتراك و16 من أفراد الجيش الوطني السوري في منطقة العملية تم تحييدهم في إطار العملية، بلغ 490 إرهابيا، بينهم 440 قتيلاً، و26 مصاباً، و24 سلموا أنفسهم.
وأعلن أنه تمت السيطرة على 109 كلم مربع حتى الآن خلال عملية «نبع السلام». واستطرد: «عمليتنا لا تستهدف الشعب السوري، ولا الأكراد هناك، بل الإرهابيين، وهذا واضح للعيان». وشدّد على أن تركيا لم ولن تسمح بإقامة دويلة إرهابية شمال سوريا.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده لن تتفاوض مع «قسد»، وترفض أي مقترح أميركي محتمل في هذا الإطار، وإنها جربت الحل السياسي في السابق دون جدوى.
وبشأن العقوبات الأميركية المحتملة على بلاده جراء العملية العسكرية، قال جاويش أوغلو في مقابلة ليل أول من أمس، إن «التهديدات الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية لن تردع أنقرة عن الاستمرار في تأمين حدودها، وإن الولايات المتحدة سبق لها أن فرضت عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين (بسبب قضية القس أندرو برانسون)، وردَّت أنقرة على تلك العقوبات بالمثل، وستردّ من مبدأ المعاملة بالمثل تجاه أي إجراء سلبي تجاهها».
إلى ذلك، ندد نائب الرئيس التركي فؤاد أوكطاي، بتصريحات لرئيس ما يسمى بـ«جمهورية شمال قبرص التركية»، التي لا تعترف بها إلا تركيا، مصطفى أكينجي، حول عملية «نبع السلام» في شمال سوريا، التي وصفها بأنها «نبع الدم».
وقال أوكطاي، على «تويتر»، إن أكينجي أصدر بياناً لم يقف فيه إلى جانب تركيا في مكافحتها المحقة لوحدات حماية الشعب الكردية (التي وصفها بـ«الإرهابية»)، وإن أكينجي الذي تعامى عن حقيقة أن «عملية نبع السلام نُفذت من أجل استقرار المنطقة».
المعارضة السورية والجيش التركي يتقدمان لمنبج والنظام يحشد قواته
بدأت المعارضة المسلحة السورية والجيش التركي اليوم الاثنين عملية لاقتحام مدينة منبج وريفها شرق الفرات بشمال سوريا، في حين حشد النظام قواته بمحيط منبج وسيطر على عدة مناطق، وأكدت أنقرة أنها اتفقت مع موسكو وواشنطن على العملية.
وأفاد مراسل الجزيرة أن المعارضة السورية والجيش التركي سيطرا على أولى القرى في محيط منبج بريف حلب الشرقي، وأن الجيش التركي يمهد للعملية بغارات جوية وقصف مدفعي تمهيدا للتقدم البري.
وسبق أن سيطرت المعارضة السورية والجيش التركي على أربع قرى وتلة على محور تل أبيض بريف الرقة، بعد مواجهات مع “قوات سوريا الديمقراطية”، كما سيطرا على معسكرات الصالحية والليبية وتل البنات والبحوث العلمية وقرية الصالحية، على محور رأس العين بريف الحسكة.
وقال قيادي في المعارضة السورية إن السيطرة على مدينة تل أبيض وأجزاء واسعة من ريفها لم تلق مقاومة واسعة من قوات سوريا الديمقراطية التي لجأت إلى القتال عبر أنفاق أقامتها داخل المنازل والمدارس.
النظام يتدخل
وأفادت وكالة سانا التابعة للنظام السوري أن وحدات من قوات النظام دخلت بلدة تل تمر الواقعة على بعد نحو ثلاثين كيلومترا من رأس العين في ريف الحسكة الشمالي لمواجهة ما وصفته بالعدوان التركي، واقتربت على نحو ستة كيلومترات من الحدود التركية، كما انتشرت وحدات من قوات النظام مزودة بدبابات وآليات ثقيلة في محيط مدينة منبج.
كما أكدت الوكالة دخول القوات إلى مدينة الطبقة وريفها ومطارها العسكري وبلدة عين عيسى بريف الرقة، وأضافت أن علم النظام السوري رُفع على عدد من المؤسسات في مدينتي القامشلي والحسكة.
وكانت الإدارة الذاتية الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت في بيان، أنه تم الاتفاق مع النظام ليتدخل جيشه وينتشر على طول الحدود السورية التركية.
وقال مسؤول قوات الدفاع في الإدارة الذاتية الكردية عصمت شيخ حسن إن الإدارة توصلت إلى اتفاق مع روسيا يقضي بتسليم مدينة عين العرب (كوباني) إلى النظام السوري، مضيفا أنه من المتوقع دخول قوات النظام الليلة إلى المدينة.
من جهته، قال ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي إن بلاده ماضية في عمليتها العسكرية “نبع السلام” رغم ما أعلن عن اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري.
كما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده لا تواجه مشكلات في عملية نبع السلام بالنسبة لمدينتي عين العرب ومنبج، وإنها أجرت اتصالات مع الولايات المتحدة وروسيا بخصوص هاتين المدينتين، مشيرا إلى أن بلاده اتفقت قبل عام مع واشنطن على انسحاب “التنظيمات الإرهابية” من منبج خلال 90 يوما، وهو ما لم يتحقق بعد.
وأوضح أردوغان خلال مؤتمر صحفي عقده في إسطنبول أن الجيش التركي لن يدخل مدينة منبج وسيكتفي بتقديم الدعم لقوات المعارضة السورية وقوات العشائر السورية.
المصدر : الجزيرة + وكالات
اتهمهم بـ”ابتزاز” واشنطن.. ترامب: الأكراد ربما يفرجون عمدا عن مقاتلين من تنظيم الدولة
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الاثنين إن القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا ربما تطلق سراح أسرى من تنظيم الدولة الإسلامية لحمل القوات الأميركية على العودة للمنطقة، مضيفا أنه سيكون من السهل للغاية أسرهم مرة أخرى.
وقال ترامب في سلسلة تغريدات على تويتر “الأكراد ربما يفرجون عن البعض لحملنا على التدخل. من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية التي ينحدر منها الكثيرون أسرهم، لكن ينبغي لهم التحرك بسرعة”.
وأكد أن بلاده لن تخوض حربا أخرى تدور بين أناس يتقاتلون منذ 200 عام، وأكد أنه “ستفرض على تركيا عقوبات كبيرة، لكن هل يعتقد البعض أننا سنخوض حربا مع عضو في الناتو؟ إن الحروب التي لا تبدو لها نهاية سوف تنتهي”.
واتهم ترامب في تغريدة أخرى الأوروبيين بالتقاعس عن استلام مواطنيهم المنتمين لتنظيم الدولة والمعتقلين في الشمال السوري، قائلا إنه كانت لدى أوروبا فرصة لأخذ عناصر تنظيم الدولة الأوروبيين المعتقلين لكنها لم ترغب في تحمل التبعات، تاركة تكلفة ذلك للولايات المتحدة لتدفعها.
من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إن تركيا لا تقاتل فقط وحدات حماية الشعب الكردية بل جميع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة.
وشدد آكار على أن هدف بلاده هو مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن وحدات حماية الشعب الكردية هي التي أطلقت عناصر تنظيم الدولة من السجون في شمال سوريا.
وبشأن تطورات العملية العسكرية أكد آكار أن مدينتي تل أبيض ورأس العين أصبحتا تحت السيطرة وأن الجهود متواصلة في باقي المنطقة.
آكار: تركيا تقاتل جميع التنظيمات الإرهابية والوحدات الكردية حررت معتقلي تنظيم الدولة بسوريا
أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار اليوم الاثنين أن تركيا لا تقاتل فقط وحدات حماية الشعب الكردية بل جميع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، واتهم الوحدات بأنها هي التي أطلقت عناصر تنظيم الدولة من السجون في شمال سوريا.
وقال آكار للصحفيين في أنقرة “نحن لا نقاتل فقط وحدات حماية الشعب الكردية من خلال عملية نبع السلام، بل نقاتل أيضا كل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة، هدفنا الوحيد هو القضاء على الإرهاب، وغير ذلك لا توجد لدينا أي مشكلة مع أي جماعة عرقية ولا دينية في المنطقة، وأمنهم مهم بالنسبة لنا”.
وشدد الوزير على أن بلاده تبذل كل ما بوسعها لتأمين أمن “الإخوة” الكرد وكل سكان شمال سوريا بلا استثناء.
وبشأن إطلاق سراح أفراد من تنظيم الدولة، قال آكار “نحن نتابع هذا الأمر بشكل دقيق وحساس، هناك سجن واحد فقط في المنطقة يوجد فيه سجناء تنظيم الدولة، وعندما وصلنا إلى هناك تبين لنا أن وحدات حماية الشعب الكردية هي من أطلقت العناصر وهربتهم من السجن”.
وأكد وزير الدفاع التركي أن القوات التركية صورت السجن ووثقت ما حدث، مضيفا “أبلغنا الأمر للجهات المعنية المخاطبة لنا”.
وبشأن تطورات العملية العسكرية التي بدأتها تركيا الأربعاء، أكد آكار أن مدينتي تل أبيض ورأس العين أصبحتا تحت السيطرة وأن الجهود متواصلة في باقي المنطقة.
وكانت بعض الدول الكبرى قد استبقت الأحداث وحذرت من احتمال إطلاق عناصر معتقلين من تنظيم الدولة خلال العملية التركية، ففي الجمعة الماضي أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عدم تأكده من قدرة الجيش التركي على السيطرة على هذا الوضع بسرعة، وقال إن هناك خطرا حقيقيا يكمن في فرار مقاتلي تنظيم الدولة المعتقلين في معسكرات تديرها الفصائل الكردية.
وفي اليوم نفسه، تحدث أمين حلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس شتولتنبرغ أثناء زيارته لإسطنبول عن مخاوف الناتو من فرار مقاتلي تنظيم الدولة من سوريا.
نزوح متصاعد في الجزيرة السورية/ كدر أحمد
منذ بداية الحملة العسكرية التركية يوم الأربعاء الماضي، التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، تشهد أغلب المدن والبلدات والقرى المحاذية للشريط الحدودي السوري التركي في شمال الجزيرة السورية حركة نزوح واسعة للسكان نتيجة الاشتباكات والقصف، الذي أسفر عن ضحايا بين المدنيين بلغ عددهم نحو 64 شخصاً حتى يوم أمس بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقد بلغ عدد النازحين نحو 160 ألف شخص بحسب تقرير أصدره يوم أمس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (الأوتشا)، فيما قالت الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا إن العدد اقترب من 200 ألف نازح، وحذرت الأمم المتحدة من أن استمرار العمليات العسكرية قد يؤدي إلى ارتفاع عدد النازحين إلى 400 ألف شخص خلال الأيام القادمة.
وشهدت مدينة تل أبيض شمالي محافظة الرقة ومدينة رأس العين شمال شرقي محافظة الحسكة حركة النزوح الأكثر كثافة، باعتبار أن العمليات العسكرية البرية كانت قد بدأت منهما، ونتج عنها تقدم القوات التركية والقوات السورية التابعة لها في محيطهما ثم في داخلهما. وتوجه معظم النازحين إلى قرى ومناطق بعيدة عن الحدود التركية، وعلى وجه الخصوص القرى الكردية في محافظة الحسكة؛ أو إلى مدينتي الحسكة وتل تمر بمحافظة الحسكة، ومدينة عين عيسى بمحافظة الرقة؛ في حين توجه قسم قليل منهم إلى مدينة الرقة نفسها.
كذلك شهدت مدينة عين العرب/كوباني وريفها حركة نزوح كبيرة أيضاً، وقد تحدثنا إلى هوزان، وهو أحد المدنيين الذين نزحوا من قرية عين البط في ريف المدينة الشرقي، التي تبعد عن الحدود السورية التركية نحو كيلو مترين. يقول هوزان للجمهورية إن «قرب المدينة وقراها من الحدود التركية جعلت المدنيين في قلق كبير من التعرض للقصف، ولذلك نزح معظمهم، ومعهم غالبية المدنيين في القرى الحدودية وكثيرون من سكان المدينة نفسها جنوباً نحو الداخل، متوجهين إلى القرى البعيدة نوعاً ما عن الحدود. لقد نزحتُ مع أسرتي إلى قرية تبعد حوالي سبعة كيلومترات عن الحدود بعد سماع أصوات الأسلحة الخفيفة، ولكن فيما بعد لاحظنا وجود طائرة في السماء ما زاد من خوفنا فاتجهنا نحو قرية تبعد أكثر من 15 كيلومتر عن الحدود».
يقول هوزان إن سيارة والده باتت هي «المنزل الوحيد» لعائلته وبعض أقربائه الذين فرّوا برفقتهم، مضيفاً أنهم يعيشون الآن «بين الأشجار وفي البراري» حالهم كحال الكثيرين، إذ لا تتواجد أي مخيمات أو منظمات إنسانية لتقديم الدعم لهم في مناطق نزوحهم.
ويؤكد الناشط المحلي بانكين العبد الله حديث هوزان، فهو يقول إن الحياة في عين العرب/ كوباني وقراها بدأت تصبح شديدة التوتر منذ اليوم الأول للحملة، وعاش الأهالي حالة ترقب مليئة بالخوف والذعر، مع قصف مواقع في المدينة وريفها ثم وصول أخبار المعارك، وقصف الجيش التركي للقامشلي، وقصفه وتقدمه في تل أبيض ورأس العين.
يقول بانكين «منذ اليوم الأول لبدء الحملة العسكرية استعدّ معظم أهالي مدينة عين العرب للنزوح، إذ باتوا ليلتهم الأولى في العراء ليعودوا إلى بيوتهم صباحاً خوفاً من القصف الليلي، بينما اتجه قسم منهم باتجاه الجنوب المفتوح على كافة الاحتمالات من التعرض للقتل أو النهب والاعتقال. ومع بداية استهداف المدينة في اليوم الثاني نزح نصف سكان المدينة قاصدين مواقع تواجد القوات الأميركية في المطار العسكري جنوب عين العرب بحوالي (15-20 كم) وفي بلدة خراب عشك، ليحتموا بالقوات الأميركية المتواجدة هناك».
يضيف بانكين أن عين العرب/كوباني تحولت بعدها إلى مدينة مرعبة خالية تقريباً من السكان، مع تعرض أطرافها (جبل مشتنور وتلة كانيا كوردان وحاجز مرزا داود) للقصف، الذي أجبر من تبقى من السكان على النزوح. وهو يقول إن عدد النازحين من المدينة وريفها قد وصل لأكثر من 15 ألف عائلة متوزعين باتجاه الجنوب من صرّين إلى خراب عشك شرقاً، يقطنون البراري وينامون في العراء، مضيفاً أنه لا توجد إلى الآن أي منظمة إنسانية أو إغاثية تساعد الأهالي المشردين هناك.
وقد تزايدت أحوال النازحين سوءاً مع طلب القوات الأميركية منهم إخلاء المناطق القريبة من مقراتها، ويقول بعض من تواصلنا معهم إن ذلك جاء بعد أخذ وردّ حول الدور الأميركي السلبي تجاه ما يحدث في المنطقة، وحول تخليهم عن الأهالي، مع أنباء عن انسحاب قريب للقوات الأميركية، وهو ما دفع الأهالي للنزوح مرة أخرى نحو مناطق أبعد، وذلك بحسب بانكين الذي ختم حديثه «الأوضاع الإنسانية مزرية، لا ماء ولا غذاء ولا حليب للأطفال، ولا فراش أو مأوى؛ معظم العائلات تفترش العراء بانتظار ما ستؤول إليه المعارك».
وقد أطلق ناشطون من شمال سوريا نداءً من أجل مساعدة النازحين، تضمَّنَ الحديث عن الأوضاع الإنسانية السيئة جداً، في ظل توقف الإنترنت الفضائي وخطوط الواي فاي، وهو ما فاقم المشكلة نتيجة تعذر إيصال الصورة الحقيقة لمعاناة الناس إلى العالم، وصعوبة التواصل مع الجهات التي يُحتمل ان تقدم المساعدة. وأضاف النداء أنه ونتيجة المعارك نزحت آلاف العوائل، وهو عدد قابل للزيادة مع تقدم المعارك نحو المدن، وناشد النشطاء في ندائهم المنظمات الإنسانية بالتوجه إلى المخيمات ومساعدة الأهالي، حيث بات تأمين حليب الأطفال والأدوية وحتى المواد الغذائية أمراً صعباً بالنسبة للنازحين.
وقد شهدت مدن محافظة الحسكة حالات نزوح أيضاً، لكن بشكل أضيق نطاقاً من تل أبيض ورأس العين وعين عرب، وذلك بحسب الناشط المحلي بشير خليل، الذي أضاف أن كلاً من حي قدور بيك وقناة السويس هما الحيان الوحيدان اللذين تعرضا للقصف التركي في مدينة القامشلي، وهو ما أدى لنزوح بعض العائلات منهما نحو مدينة الحسكة.
وأضاف بشير أن غالبية النازحين إلى مدينة الحسكة هم من مدينة رأس العين، وأن كثيرين منهم تم إيواؤهم في مدارس، فقد «باتت مدارس سعد بن أبي وقاص وبلال بن رباح وفواز جولي ولبيد بن ربيعة وبلحد موسى مقراً للنازحين، تتجمع فيها أكثر من 210 عائلات بمجموع أفراد يقارب الألف شخص».
علي أوسكان هو عامل في منظمات المجتمع المدني منذ ما يزيد عن ثمان سنوات في مدينة الحسكة، وهو يشغل حالياً موقع مدير فرع الحسكة والرقة لمنظمة صروح للاستشارات والتدريب، وقد صرَّحَ للجمهورية أن «غالبية النازحين من رأس العين والدرباسية يقصدون مدينتي الحسكة وتل تمر، لأنها المدن الأكثر أماناً في الوقت الحالي، حتى بلغ عدد النازحين إلى هاتين المدينتين نحو 100 ألف»، مضيفاً أن غالبية النازحين يقصدون بيوت أقاربهم أو يستأجرون بيوتاً، فيما يقيم قسمٌ منهم في مراكز الإيواء.
وقد وصفَ أوسكان وضع المساعدات الإنسانية بأنه «سيئ جداً»، خاصة أن المنظمات الدولية العاملة في مناطق الإدارة الذاتية قد غادرتها تماماً، بعضها منذ أشهر وبعضها الآخر توقف عن العمل قبل الحملة بأيام قليلة، بينما اقتصرت استجابة الأمم المتحدة على النازحين في مراكز الإيواء فقط ومن خلال المنظمات التي لديها مشاريع مشتركة معها سابقاً، وهي استجابة وصفها أوسكان بأنها «غير كافية»، بينما تعمل بعض المنظمات المحلية على تقديم بعض المساعدات للنازحين، بالإضافة إلى نشاط شبكات التضامن الأهلي والمبادرات الفردية.
ولفت أوسكان إلى أن كلّاً من الهلال الأحمر السوري وبطركية الروم الأرثوذكس، وبعض الجمعيات الأخرى، هي التي تعمل بشكل رئيسي في الحسكة في مجال المساعدات والإغاثة الطارئة، بينما ينشط الهلال الأحمر الكردي في الجانب الصحي والطبي.
وتقدم المنظمات العاملة في مدينة الحسكة، بحسب أوسكان، سلّات غذائية وفرش وعدة نوم، بالإضافة إلى تقديم ثلاث وجبات غذائية خلال اليوم الواحد، وختم حديثه للجمهورية بالقول إنه تم تشكيل لجنة من قبل المنظمات والجمعيات المحلية في الحسكة من أجل التنسيق بينهم، على الرغم من أن الاستجابة ليست بالقدر المطلوب فالناس تحتاج إلى استجابة أكثر وخاصة الأطفال والمرضى.
بعض الأهالي، خاصة كبار السن والنساء والأطفال، اتجهوا نحو مناطق النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي، حيث تم السماح لهم بالدخول فقط دون تقديم استجابة من أي نوع، وهم يقيمون الآن عند أقربائهم أو يقومون باستئجار المنازل، فيما الشبّان النازحون في سيطرة مناطق الإدارة الذاتية خوفاً من الاعتقال على يد قوات النظام. وقد شهدت مدينة الحسكة ارتفاعاً كبيراً في إيجارات المنازل، إذ تجاوز إيجار المنزل 50 ألف ليرة (سابقاً لم يكن يتجاوز 20 ألف ليرة)، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية ومياه الشرب إلى الضعف.
كذلك توجَّهَ قسم قليل من العائلات النازحة نحو مدينة الرقة، ويقول من تواصلنا معهم إن المدينة لا تزال تفتقر إلى الخدمات الأساسية منذ طرد داعش معها، وتغيب فيها فرص العمل، كما أن الدمار كبيرٌ فيها، وهو العوامل التي أدت إلى قلّة أعداد من توجهوا إليها.
بالإضافة إلى ذلك، يخشى كثيرٌ من النازحين الذين تواصلنا معهم من نشاط خلايا داعش النائمة، وهو ما دفع كثيرين إلى عدم التوجه إلى مناطق يُحتمل أنَّ فيها نشاطاً لعناصر التنظيم، وأيضاً، تحدّثَ كثيرون منهم عن خشيتهم من أعمال انتقام أو انتهاكات متبادلة جراء التوتر بين المكونين العربي والكردي، وهو ما دفع معظم النازحين الأكراد إلى التوجه نحو مناطق كردية ومعظم النازحين العرب إلى التوجّه نحو مناطق عربية، كما تشير التقديرات التي لا يمكن التأكد منها إحصائياً إلى أن نسبة النزوح بين أبناء المكون الكردي أعلى من نسبة النزوح بين أبناء المكون العربي.
يشكو النازحون من ضعف استجابة مؤسسات الإدارة الذاتية والمنظمات المحلية والدولية لظروفهم، إذ لم يتم تجهيز أي مخيمات أو خطط استجابة لمساعدة السكان الفارين من القصف، علماً أن الحديث عن الحملة العسكرية بدأ منذ نحو شهر على أقل تقدير. ويواجه هؤلاء النازحون اليوم مصيراً مجهولاً نتيجة عدم وضوح الرؤية بخصوص مسار المعارك ومدى استمرارها ونتائجها، ونتيجة قدوم فصل الشتاء الذي سيزيد من معاناة مئات آلاف النازحين الجدد مع اتساع رقعة المعارك، التي تُضاف إلى مآسي النازحين السوريين جرّاء المعارك في سائر أنحاء البلاد.
موقع الجمهورية
مقالات
رئيسان مأزومان ينتجان حرباً/ بكر صدقي
ثمة فائدة، لفهم ما يجري اليوم في شمال شرق سوريا، من العودة إلى الوراء قليلاً. أنتجت المباحثات التركية – الأميركية، في شهر آب الماضي، اتفاقاً على إنشاء “منطقة آمنة” من ثلاثة نطاقات يتراوح عمقها بين 5 – 14 كم. وهو ما فرضه الشريك الأقوى في تلك المباحثات، أي الولايات المتحدة التي عملت على مبدأ “لا يجوع الذئب ولا يفنى الغنم”، أي تلبية الهواجس الأمنية التركية الشهيرة من غير التضحية بالحليف الكردي. لكن هذه الصيغة لم ترق لمطامع أردوغان الذي كان بصدد إيجاد موطن لملايين اللاجئين السوريين الذين اعتبروا، بسبب الحساسية الاجتماعية المتصاعدة ضدهم، أحد أسباب خسارة مرشحي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية.
والسبب الآخر لتلك الخسارة الملوعة كان دعم حزب الشعوب الديموقراطي (الكردي) لمرشحي المعارضة في المدن الكبرى، وبخاصة جوهرة التاج إسطنبول. لم تنفع استعانة الحكم بعبد الله أوجالان وأخيه عثمان، “الإرهابيين” في عرف الحكم، في ثني ناخبي الحزب الكردي من التصويت لمرشحي المعارضة، فتعززت فكرة مشروع إسكان اللاجئين في المنطقة الحدودية كعازل ديموغرافي بين كرد تركيا وكرد سوريا، الأمر الذي منح المشروع صبغة “المصلحة القومية العليا للدولة” على مثال التغييرات الديموغرافية الكبرى في التاريخ القريب، من تهجير الأرمن واليونانيين والسريان والتضييق على اليهود وقمع التمردات الكردية المتتالية التي أدت إلى موجات تهجير كبيرة، على مدى القرن الماضي، واستجلاب عناصر اثنية أخرى، من بلاد القفقاس والبلقان واليونان، لتحل محل المهجرين.
الواقع أن مشروع “الفيلات من طابقين وحاكورة” لم يظهر بعد الانتخابات البلدية، بل تحدث عنه أردوغان للمرة الأولى في بداية العام الجاري، بعيد إعلان ترمب عن قراره بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا، في كانون الأول 2018. وقتها كان المأمول تركياً هو إيجاد توافقات دولية بشأن المشروع متعدد الفوائد، يشمل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. وإذ أدت مقاومة وزارة الدفاع الأميركية
لقرار ترمب بصدد الانسحاب من سوريا إلى بقاء قوة رمزية كافية لتشكيل مظلة حماية لقوات سوريا الديموقراطية، سحب المشروع من التداول، ولم يعد إليه إلا بعد فترة قصيرة من الاتفاق الأميركي – التركي بشأن المنطقة الآمنة، حين بدأت تركيا تتذمر من “مماطلة” الأميركيين على غرار ما حدث سابقاً بشأن وضع منبج.
هل حقاً ماطل الأميركيون في التنفيذ، أم أن هناك ما شجع أردوغان على المطالبة بالمزيد؟
ما نعرفه هو أن مركز عمليات مشترك لإدارة الوضع في “المنطقة الآمنة” تم تأسيسه في مدينة أورفا، وبدأ تسيير دوريات مشتركة أميركية – تركية، برية وجوية، في المناطق المتفق عليها. أكثر من ذلك: قامت “قسد” بإزالة السواتر والتحصينات العسكرية من النطاق (آ) ذي العمق 5 كلم كما نص الاتفاق. كذلك تم سحب السلاح الثقيل والمتوسط من تلك المنطقة.
ثمة شيء غامض في العلاقة الخاصة بين أردوغان وترمب، وهي العلاقة التي حمت تركيا، إلى الآن، من صقور الإدارة والكونغرس. فقرار سحب القوات الأميركية، في كانون الأول 2018، أعلنه ترمب بعد مكالمة هاتفية مع أردوغان، تماماً كقراره الجديد الذي أعطى الضوء الأخضر لتركيا لاجتياح المنطقة المستهدفة الذي أعلن عنه أيضاً بعد مكالمة هاتفية مماثلة. وقبلها كان ثمة مكالمة أخرى بين الرئيسين، حين كان أردوغان في نيويورك، وفشل في تأمين موعد للقاء ترمب، فاكتفى باتصال هاتفي لا نعرف ما دار فيه. حتى في تهديده الجديد بـ “تدمير الاقتصاد التركي” إذا خرج أردوغان عن الحدود المرسومة له، أحال ترمب إلى سابقة العام الماضي فقال: “كما فعلت سابقاً” وهو ما يعني محدودية الأثر المتوقع من التهديد الجديد. فقد تمكنت الليرة التركية من التعافي، بعد أسابيع قليلة من تدهور قيمتها بسبب “غضب ترمب” وحافظت على استقرار نسبي. صحيح أن ترمب قد وقع سلفاً على مشروع قانون عقوبات مطروح الآن على الكونغرس، ويتوقع مروره بغالبية مريحة، لكنه “علّق” التنفيذ.
ترمب المعرّض لإجراءات عزل جارية حالياً بمبادرة من الحزب الديموقراطي في الكونغرس، ربما وجد في الاجتياح التركي للأراضي السورية مخرجاً لأزمته، من خلال حرف أنظار الرأي العام عن مشروع العزل وإشغاله بموضوع خلافي جديد. وكان ترمب يأمل، في الأصل، أن يسحب ما تبقى من القوات الأميركية من سوريا، مع رمي مسؤولية معتقلي داعش وعائلاتهم على تركيا، فيتقدم إلى الانتخابات الرئاسية مع إنجاز كان وعد به في حملته الانتخابية الأولى. لكن مقاومة المؤسسة لقراره أدت إلى خفض طموحه حالياً على أمل أن تؤدي العملية التركية إلى وضع جديد يتيح له تنفيذ قرار الانسحاب النهائي. من المحتمل أن دعوة ترمب أردوغان لزيارة واشنطن في الثالث عشر من الشهر القادم، تهدف إلى تحقيق الإنجاز المذكور، بافتراض أن العملية العسكرية التركية حققت أهدافها إلى ذلك الوقت.
الرئيس التركي أيضاً يمر بأزمة هي الأصعب منذ استلامه السلطة في العام 2002. فإضافة إلى تراجع معدل التصويت لحزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة، بدأت تظهر انشقاقات داخل الحزب تعبر عن حالة من عدم الرضى عن سير الأمور، أبرزها انشقاقا داوود أوغلو وباباجان الماضيان في مشروعيهما لإنشاء حزبين جديدين. أضف إلى ذلك المناخ التوافقي بين أحزاب المعارضة الذي شكل نذير شؤم بالنسبة لمستقبل بقاء السلطة في يد أردوغان.
حقق قرار الاجتياح “الإجماع الوطني” المطلوب من غير أن يبذل أردوغان أي جهد خاص لأجل ذلك. فقد تبرع كل من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، إضافة إلى حزب السعادة الإسلامي بتأييد العملية العسكرية بلا أي شروط. فأردوغان يعرف، من السوابق، أن هذه الأحزاب ستعود إلى بيت الطاعة حين يتعلق الأمر بقضايا تمس “الأمن القومي”. هذا ما حصل بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016، حين تم استبعاد
حزب الشعوب الديموقراطي من روح “الإجماع الوطني”، وكذا في الاحتفال بذكرى “عيد النصر” في شهر آب الماضي حين اجتمع كل قادة الأحزاب، باستثناء الحزب الكردي الذي يقبع رئيسه السابق صلاح الدين دمرتاش في السجن منذ 3 سنوات.
لكن تغير الجو السياسي في غضون أشهر قليلة! انتقلت تركيا من آمال التغيير التي بلغت ذروتها في شهر حزيران، إلى الإجماع الوطني مطروحاً منه كرد البلاد بقيادة الرئيس أردوغان!
واقع الحال أن نجاح المشروع التركي أو فشله ما زال مشروطاً بعوامل خارجية تماماً: استمرار الموافقة الأميركية مع عدم فرض عقوبات، واستمرار غض النظر الروسي المشروط بمطالبة بوتين بحوار مباشر بين أنقرة وكيماوي دمشق. وعلى فرض نجاح العملية العسكرية، يبقى أن تحقيق مشروع إسكان اللاجئين السوريين مشروط بتمويل أوروبي – خليجي غير مضمون.
تلفزيون سوريا
الجزيرة السورية في مهبّ المصالح الإقليمية والدولية/ منير شحود
وأخيرًا، بدأ الاجتياح التركي لشمال شرق الفرات، والذي لا يختلف عن سابقيه في إعزاز وعفرين إلاّ بدرجة الإدانة والاستنكار، بخاصة من دول الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية، لكن ليس بذات الدرجة من الدول الثلاث الأخرى ذات النفوذ الواسع في سورية، الولايات المتحدة وروسيا وإيران، ولم يُعرف بالضبط مدى التفاهم، ولا ماهية نقاط الاختلاف، بين الولايات المتحدة وتركيا، وقد زاد التناقض في تصريحات الرئيس الأميركي ترامب، كما بين هذه التصريحات ومواقف باقي مؤسسات صناعة القرار الأميركية، من التباس الأمر.
ولم يكن الرفض الإيراني للهجوم حاسمًا، وبدا أن الروس لم يفاجَؤوا بالهجوم، فقد سارعوا إلى استغلاله من أجل طرح فكرة التفاوض من جديد بين النظام وقوات (قسد). وأمام رفض نائب وزير خارجية النظام المفاجئ للتفاوض، يبدو أن التفاوض الذي يريده النظام هو مع تركيا، برعاية روسية، وربما للوصول إلى صيغة معدّلة لاتفاقية أضنة عام 1998. في كل الأحوال، يبدو أن الهجوم التركي هو انتصار جديد لتحالف أستانة، وبخاصة للعلاقة التركية – الروسية المهيمنة فيه، وفي حال لم تحصل ضغوط أميركية جدية للحدّ من الجموح التركي، فإن النتائج ستعزز المسار السياسي الذي تعتمده روسيا وطليعته اللجنة الدستورية. ومن نتائجه أنه قد يتقرر مصير “قوات سوريا الديمقراطية”، واحتمال أن يستعيد تنظيم داعش أنشطته الإرهابية، كما عبّر الرئيس الروسي بوتين في أحد تصريحاته، يوم الجمعة الماضي، ربما لأنه عاد واستشعر أن الأمور قد تذهب بعيدًا وفي غير اتجاه.
في ما يتعلق بمواقف السوريين، وعلى الرغم من بروز بعض الأصوات العقلانية التي لا تربط التدخل التركي بتجاوزات قوى الأمر الواقع شرق الفرات، إنما كمصلحة تركية أبعد من ذلك، فإن معظم النخب السورية ما زالت تعتمد مواقف شبه غرائزية من قبيل: “ليس حبًا في علي بل نكايةً في معاوية”، وذلك في التعامل مع الأطراف والدول المنخرطة في الصراع في وعلى سورية، وعلى خلفية انتماءات ما قبل وطنية وقومية، للأسف، كاستمرار للضلال والضياع السوريين على كافة المستويات، بسبب غياب المشروع الوطني الجامع الذي يحدد ما هو الأفضل لمستقبل السوريين.
وينطلق السوري العادي في هذه الحرب المعقدة والمتحولة فصولًا من البحث عن “الأمان الغرائزي”، واللجوء إلى كنف الجهة التي تؤمن له هذه “النعمة”، أو التي يعتقد أنها ربما ستفعل ذلك، وهي الجهة الأقرب إليه ثقافةً في الأغلب، مستندًا إلى مخزونٍ من الذكريات التاريخية الحقيقية والملتبسة، هذا إن لم يكن قد لجأ، مختارًا أو مكرهًا، إلى طريق الشتات المفضي إلى ما تيسّر من أمانٍ في أماكن وبلدان مختلفة.
يأتي الاجتياح التركي الجديد لشمال سورية في مرحلةٍ حرجة من تفارق وتضارب المصالح الدولية والنزاعات المرتبطة، وما يتركه من شللٍ شبه تام في عمل مؤسسة الأمم المتحدة، وما يفضي إليه من صعوبة الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق الدولي الضروري لحلّ النزاعات المسلحة التي أعقبت تفجّر الثورات في منطقتنا.
ترافقت هذه التطورات مع بروز الأردوغانية في تركيا، كمنعطف سياسي مهم في تاريخ تركيا العلمانية الأتاتوركية، معززةً بصلاحيات رئاسية أوسع، مكنت الرئيس أردوغان من تحقيق بعض أهدافه، ومن خلال سياسته جمع التوجه الجديد بين دعامتي العثمانية المحدّثة والإسلاموية، وهما سياستان عابرتان للحدود، وتطمحان إلى محاولة استعادة الإرث العثماني محمولًا على موجة الإسلام السياسي، ممثلًا بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين على وجه الخصوص.
من أجل تحقيق هذا الهدف، وتحت يافطة حماية الأمن القومي التركي المبالغ فيه كثيرًا، استغلت تركيا الفوضى السائدة في المنطقة، ومنها سورية، وثغرات الخلاف الروسي – الأميركي، من أجل السيطرة على مناطق واسعة من الشمال السوري. لكنّ ذلك لم يوقف الشهية التركية، بل زادها وعززها، فكان الهجوم الأخير على شمال شرق سورية، بحجة إقامة منطقة آمنة لم تُعرف حدودها وطبيعة التوافقات التي تحددها بعدُ، مع العلم أنّ تركيا لم تتعرض لهجمات ذات معنى من الأراضي السورية، وبقيت علاقتها ملتبسة مع تنظيم (داعش)، ولو أنها عانت، مثل الكثير من الدول، من هجمات هذا التنظيم الإرهابي.
على العموم، تدخل تركيا الآن مرحلة زلقة في محاولاتها للتمدد الخارجي، وبما يتجاوز بكثير دورها الوظيفي المقبول عالميًا، بخاصة من قبل دول الاتحاد الأوروبي، التي سئمت من محاولات استغلال موضوع اللاجئين السوريين والابتزاز ذي الصلة، فضلًا عن موضوعات الخلاف الأخرى، ومنها معارضة الاتحاد لقيام تركيا بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية القبرصية، باعتبار أن الاجتياح التركي لشمال قبرص (1974) غير معترف به من قبل جميع دول العالم تقريبًا.
مع ذلك، التوافق الروسي – الأميركي، حول حلّ سياسي سوري هو ما قد يعيد تركيا إلى الحدود الدولية ويحدّ من الطموح التركي المبالغ فيه، والذي ينجم، جزئيًا، عن تراجع الدعم الداخلي لسياسات أردوغان، حتى داخل حزب العدالة والتنمية ذاته. وحتى يحصل ذلك، إن حصل، ستستمر الدولتان الإقليميتان الأكثر نفوذًا، تركيا وإيران، في العبث في الملف السوري.
من جهة ثانية، وفي خلفية الأحداث التي أعقبت ثورات الربيع العربي، ومنها سورية، مرت على الولايات المتحدة رئاستان لم تختلفا جوهريًا بصدد التوجهات الخارجية للسياسات الأميركية في هذه المرحلة، فقد اكتفت أميركا بإدارة الصراعات عن بعد وبالوكالة، انطلاقًا من عدم الرغبة في التدخل المباشر، وذلك بعد تجربتين غير مشجعتين في العراق وأفغانستان مطلع الألفية الثالثة هذه.
لكن الولايات المتحدة لم يكن في وسعها الوقوف مكتوفة الأيدي أمام تزايد الإرهاب الداعشي العابر للحدود، فشكلت التحالف الدولي ضد (داعش) بقيادتها، وبالاعتماد على القوة الكردية المنظمة لحزب الاتحاد الديمقراطي، والتي طورتها لاحقًا إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كبنية أكثر اتساعًا لتضم باقي المكونات في الجزيرة، وذلك بعد فشلها في استخدام قوات معارضة سورية لقتال داعش، وكان لتركيا، على الأغلب، دور مهم في هذا الفشل.
ويبدو أن الشعب الأميركي كان قد اختار الرئيس أوباما، كـ “مثقف مسالم”، لإبعاد أميركا عن النزاعات الدولية، بينما اختار الرئيس ترامب، كـ “جابي ضرائب مسالم”، ليعوض أميركا عن خسائرها الجسيمة في الحرب على الإرهاب، والتي لم تحقق النتائج المرجوّة منها. وفي كلتا الرئاستين، تظهر البراغماتية/ النفعية بأوضح تجلياتها، ويتراجع دور القوة العظمى الأميركية ومسؤوليتها الأخلاقية على مستوى العالم إلى درجةٍ متدنية للغاية، وهذا ما أبرز وضخّم من أدوار القوى الدولية والإقليمية الأقل شأنًا، من أجل ملء الفراغ الناجم عن التردّد الأميركي.
وبالنسبة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فإن وجودها كان قد ارتبط، إلى حدّ كبير، بالصراع مع (داعش)، وإن لم تنجح في التجذّر أكثر في المنطقة التي تسيطر عليها، وتنال الكثير من التقبُّل الشعبي، من خلال الحدّ من نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي، وقطع صلاته العقائدية مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، فإن مستقبلها كحالة سياسية وعسكرية على المحكّ في ضوء المصلحة الأميركية المتبدلة، سواء استمر الهجوم التركي أو توقف.
جيرون
التدخل التركي في سوريا وخرافات الرد العربي/ إحسان الفقيه
من الأمثال القديمة الشائعة بين العرب، قولهم «أَمْحَلُ مِنْ حَدِيثِ خُرَافَةَ»، قال النيسابوري في مجمع الأمثال: «هو رجل من العرب زعم أنه كان من عُذْرَةَ فاستهوته الجن، فلبث فيهم زمانا ثم رجع إلى قومه، وأخذ يحدثهم بالأعاجيب، فضرب به المثل».
فصار يطلق على كل حديث لا واقع له ولا حقيقة، أنه خرافات. الخرافات، هي أقرب وصف لموقف الحكومات العربية من التدخل العسكري التركي، على حدود سوريا في عملية «نبع السلام» لإجلاء أذرع منظمة «بي كا كا» الإرهابية على الحدود السورية، وإنشاء منطقة آمنة لإعادة توطين السوريين المهجرين فيها، فتصريحاتها وبياناتها عن الحدث، تجافي الواقع تماما، وليس لها أي مرتكزات موضوعية حقيقية تنطلق منها في تقييم الحالة.
الحكومات العربية التي علا غطيطها طيلة الأزمة السورية استفاقت الآن فقط على وقع العمليات العسكرية التركية على الأراضي السورية، صمتت دهرًا ونطقت كيدًا ومكرًا، فالقاهرة على غير العادة دعت إلى مؤتمر عاجل في جامعة الدول العربية، لبحث ما سمته العدوان التركي السافر على الأراضي السورية، فأسرع النيام إلى الشجب والاستنكار، وتأليب المجتمع الدولي على تركيا، التي يمثل تدخلها العسكري في سوريا خطرًا جسيما على الأمن القومي العربي والسلم الدولي، على حد قولهم.
فجأة غلفت الرحمة والشفقة قلوبهم على المدنيين والعزل الأبرياء، الذين من المحتمل تعرضهم للقصف التركي، مع أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية ومعها الإمارات يقوم بعملياته العسكرية في اليمن التي تخلف القتلى، ثم نسمع عبارة (عن طريق الخطأ) فيرضى بها الجميع بدون صراخ وعويل، ولم نجد العرب يتهافتون لعقد مؤتمر عاجل للمذابح التي وقعت على أرض سوريا، جراء القصف الروسي أو المذابح التي ترتكبها الميلشيات التابعة لإيران بحق السوريين. ولم نجد كثيرا منهم يطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على الأسد في مجازر الكيماوي التي شنها على السوريين المدنيين.
مما يثير الضحك حد البكاء، أن الذي يتحدثون عن الحقوق والدماء هم أكثر الأنظمة التي تهدرها، فكيف يتحدث عن الدماء من أقام المجازر للمدنيين من شعبه، لأنهم رافضون لحكمه الذي جاء إليه عبر الدبابات داهسًا على خياراتهم وأصواتهم التي أودعوها الصناديق؟ وكيف يتحدث عن الدماء من يخمد أصوات معارضيه بتقطيع أجسادهم إلى أشلاء ثم حرقها في الأفران، ويعتبر كل من يقف على الحياد خائنا، ويزج بالمصلحين والدعاة في السجون؟ ومع ذلك فالقوات التركية أثبتت خلال عملياتها السابقة في سوريا أنها تعمل بشكل نظيف، وصورة إنسانية راقية تجاه المدنيين في تفادي ضرب تجمعات المدنيين، ابتداءً، ثم الإصلاحات والإجراءات الخدمية التي تجريها في الأماكن التي تدخلها لتخفف من معاناة أهلنا السوريين.
حكومات السعودية والإمارات ومصر خاصة، تروج أن التدخل العسكري التركي يهدد وحدة الأراضي السورية، مع أن هذه العمليات بالأصل قامت بها أنقرة لمنع قيام دولة كردية في الشمال السوري تهدد أمن تركيا، وهذا ما ينسجم مع الرغبة العربية (المزعومة) في الحفاظ على سوريا موحدة.
وإنك لتجد تناقضا ظاهرًا في الموقف السعودي تجاه العمليات التركية في سوريا، فالرياض كان وزير خارجيتها يصرح عام 2016 بدعم بلاده للعمليات التركية في سوريا، لكنها اليوم تندد بالعمليات التي تقوم بها تركيا بالشراكة مع فصائل من المعارضة السورية.
أين كانت الحكومات العربية من المذابح التي قام بها الطيران الروسي على المدنيين في سوريا؟ لماذا لم تجتمع وتدين وتشجب العدوان الروسي وتطالب مجلس الأمن بفرض عقوبات على الروس؟ لماذا لم تدع إلى النظر في اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وسياحية تتعلق بالتعاون مع روسيا وتخفض العلاقات الدبلوماسية معها أسوة بتركيا؟ ولماذا لم تجتمع الدول العربية بمثل هذا الحماس للتنديد بالتدخل الإيراني السافر في سوريا عن طريق قوات الحرس الثوري الإيراني، والميلشيات الشيعية الموالية لإيران التي أتت من كل حدب وصوب لدعم نظام بشار؟ لماذا لم تعتبر وجود القوات الأمريكية والروسية والإيرانية احتلالًا، كما فعلت مع التدخل التركي؟
ومن أبرز تلك الخرافات التي ظهرت في الموقف العربي، الطنطنة حول تهديد العمليات التركية للأمن القومي العربي، ولم نسمع النبرة نفسها تجاه عربدة إيران في المنطقة، وحصارها للخليج عبر أذرعها المسلحة، ولم تتحدث عن التهديد الصهيوني الذي يحيق بصميم الأمن القومي العربي.
الرئيس الانقلابي عبد الفتاح السيسي، الذي تترنم حكومته اليوم بحماية الأمن القومي العربي من الخطر التركي، ماذا فعل لحلفائه السعوديين أمام تهديدات الحوثي المستمرة للحدود السعودية بأسلحة إيرانية؟ ألم يكن قد صرح من قبل بأن أمن الخليج خط أحمر؟ وأن أي تهديد لمصالحها ستكون فقط (مسافة السكة)؟ وأين هؤلاء جميعًا من ابتلاع إيران للعراق، ألا يشكل ذلك تهديدًا لأمن الخليج خاصة؟
ليست هذه السطور لإبداء الرأي في العمليات العسكرية التركية، التي يحق لكل واحد أن يكون له رأيه الخاص تجاهها، بل ينصرف الهم لتقييم موقف الحكومات العربية الذي لا ينبني على أي أساس صحيح، لذا يمكن القول بأن هذا الموقف كان وليد أمرين:
*الأول: هو الخصومة مع الحكومة التركية، فنظام السيسي له ثأر مع أردوغان منذ انقلاب 3 يوليو، الذي لا يزال الزعيم التركي حتى اليوم مناهضا ومنددا بالسلطة الانقلابية، ويرفض التلاقي معها والاعتراف بها، إضافة لإيوائه كثيرا من المعارضين المصريين. أما نظام بن سلمان، فقد دخل في خصومة منذ إمساكه زمام الأمور مع الأتراك، خاصة بعد مساندة تركيا لقطر ضد الحصار العربي، وإحباطها مخططًا للتدخل العسكري على الأراضي القطرية، إضافة إلى الجهود التركية الكبيرة في فضح تورط ابن سلمان ونظامه في قتل الصحافي جمال خاشقجي بسفارة السعودية على الأراضي التركية. كذلك نظام ابن زايد الإماراتي الذي يعتبر الإسلام السياسي والحكومات الديمقراطية هي ألد أعدائه في المنطقة، يناصب الحكومة التركية العداء على أساس اتهامها للأتراك بدعم الإسلاميين، ما يشكل خطرًا يمكن أن يمتد للإمارات ويهدد نظامها القبلي.
*الأمر الثاني الذي ينبني عليه الموقف العربي خاصة مصر والسعودية والإمارات، هو التماهي المعتاد مع التوجهات الغربية الأمريكية الصهيونية الرامية إلى محاصرة تركيا وتضييق الخناق عليها، ولا يخفى أن الوحدات التي تقاتلها تركيا على الحدود، تحظى بدعم أمريكي وإسرائيلي كبيرين، لذا نجد هذا الاصطفاف الأمريكي الصهيوني السعودي الإماراتي المصري ضد التدخل العسكري التركي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
جثث السوريين ترسم نفوذ الدول
لم يسبق أن مرّت الثورة السورية، من خلال أحداثها، بمفصل أو تحوّل أو حدث مهم إلا انقسم السوريون حوله، عموديًا وأفقيًا وفي كل اتجاه، حيث نشاهد هذه الانقسامات بجلاء ووضوح تامّين على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى شاشات التلفزة، ونسمعه من خلال بعض المداخلات على القنوات الإذاعية عبر الأثير.
في كثير من الأحيان، تكون وجهة نظر المواطن السوري رهينة بموقف البلد الذي يقيم فيه، إن كان مقيمًا في بلد عربي أو في الإقليم، وربما يكون موقف هذا المواطن يُعبّر عن حقيقة رأيه وموقفه، وربما كان اتساقًا مع موقف الدولة التي يقطن فيها، ولا يمكن الحكم على حقيقة هذه المواقف، بأي شكل.
أما السوريون المقيمون في بلاد أوروبا والأميركيتين، حيث يكون فضاء الحرية أكثر رحابةً، فتستطيع سماع آراء أكثر جرأةً ووضوحًا، ويمكن الاعتبار أن هذه الآراء تمثل حقًا وجهة نظر أصحابها، على اختلافها وتنوعها، وفي كلتا الحالتين، سواء كان السوري مقيمًا في الإقليم أم خارجه، نرى أن هذه الانقسامات تبدأ من السوري الذي لا يعرف القراءة والكتابة، وتنتهي عند أشخاص حاصلين على أعلى مستويات العلم والثقافة.
انقسم السوريون أخيرًا، حول التدخل العسكري التركي في الشمال السوري، وامتد هذا الانقسام إلى مواقف الدول العربية وغير العربية، فمن أيّد التدخل دافع عن الدول التي تتخذ هذا الموقف، وهاجم الدول المعارضة للتدخل واصفًا إياها بأبشع الصفات، والعكس صحيح في الطرف المقابل.
يصيح معارض للتدخل بأن هذا التدخل يمسّ بالسيادة الوطنية ووحدة أرض وتراب سورية، وأن ضحاياه مواطنون سوريون سواء كانوا أكرادًا أم عربًا، ولا شك في أن هذا الكلام صحيح من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فإن تركيا تُبرر تدخلها باتفاق أضنة، الذي ما زال ساري المفعول من طرف الدولتين السورية والتركية، وهذا ما أعلنته الحكومة التركية في رسالتها إلى مجلس الأمن، وهنا وضعت تركيا مجلس الأمن والمجتمع الدولي في موقف حرج، بل في زاوية قاتلة، حيث لا يستطيع مجلس الأمن ولا المجتمع الدولي أن يُنكر شرعية النظام في هذه الاتفاقية، وأن يقرّ بها في حالة التدخلين الروسي والإيراني، فإما إنكار شرعية النظام في الحالتين، وإما الاعتراف بها في كلتا الحالتين، ولا سيما أن النظام السوري ما زال متمسكًا بالاتفاق التركي – السوري، ولَم يُعلن انسحابه منه حتى اللحظة.
هذا تمامًا ما يتكئ عليه مؤيدو التدخل التركي، ففي كثير من الحالات تأتي هذه المواقف ليس حبًا في تركيا، وليس كرهًا بالإخوة الأكراد ولا حتى بـ (قسد)، وإنما كنوع من الاحتجاج على الرافضين التدخل ولسان حالهم يسأل: أين كُنتُم حين احتلت روسيا وإيران الأرض السورية وشردتنا؟!
من جانب آخر، كان الجميع يسمع ويراقب التحضيرات التركية على مدار أشهر، من دون تحرك يذكر من أجل سحب فتيل المعركة، عدا مبادرة روسية يتيمة فحواها أن تعود (قسد) إلى حضن النظام، أي العودة إلى ما قبل عام 2011، بينما الأميركي الذي كان يدير دفة الصراع هناك، بدأ الآن يتحدث عن إمكانية لعب دور الوسيط بين الطرف التركي وتنظيم (قسد)، ولا يكاد العرض الأميركي يختلف عن العرض الروسي، وفي كليهما أنّ على (قسد) أن تتخلى عن السلاح.
إنها أشد حالات السوريين عجزًا، حيث نجد مؤيدين للتدخل التركي في صفوف المؤيدين والمعارضين للنظام، فجماعة النظام يريدون معاقبة (قسد) لأنها خرجت عن بيت الطاعة الأسدي، وجماعة المعارضة يريدون معاقبتها أيضًا، لأنها لم تدخل الثورة بل كانت ضدها في كثير من الحالات والمناطق، حيث كان لـ (قسد) على الدوام مشروعها الخاص المرفوض من طرفي النظام والمعارضة، وما يزيد حالة العجز هو افتقار السوريين إلى أي مبادرة حل، والجميع يقول: “لنشوف شو بصير”.
لا شك في أن التدخل التركي خلط الأوراق مجددًا، حيث إن الدول المعارضة للتدخل لم تعارضه محبةً بالسوريين كردًا وعربًا، وإنما كرهًا بتركيا، وكذلك الطرف المؤيد للتدخل لم يكن تأييدهم حبًا لا بتركيا ولا بالسوريين، وإنما لمناكفة الدول المعارضة للتدخل، فمعارضو التدخل ومؤيدوه لا ينظرون إلى المواطن السوري بالمقدار الذي ينظرون فيه إلى مصالحهم وطموحهم، وهكذا تبقى جثث السوريين ترسم حدود نفوذ كل هذه الدول.
العدوان التركي ونهاية العقد الإلزامي السوري/ حسام الحسون
قبل مئة عام تقريباً، اجتمع الحلفاء في سان ريمو الإيطالية، فقرروا مصير الولايات العثمانية العربية بدون أخذ رأي سكانها، لا عرباً ولا أكراداً ولا هم يحزنون. تبادلوا خرائط التقسيمات الجديدة. وقعّوا عليها. شربوا نخب الصفقة، ثم عاد كل منهم إلى بلده منتشياً، مبشراً حكومته بالحصول على التفاهمات اللازمة لبدء الغزو. يستشهد يوسف العظمة ورفاقه في ميسلون، وتعود زوجته التركية إلى إسطنبول مصطحبةً ابنتهما ليلى. في دمشق تخرج كوكبة من المتملقين للترحيب بالغازي الجديد، الذي “أصبح عمي بعد أن تزوج/ اغتصبها أمي”!، ليعرضوا خدماتهم عليه، وليستوضحوا آفاق البزنس معه.
يقرر الفرنسيون تفتيت حصتهم: هذه دولة للمسيحيين، وتلك للعلويين، وثالثة للدروز، ورابعة وخامسة في كل من حلب ودمشق للمحمديين. يتغير شكل هذه الدويلات مراراً، فتنمو دويلة المسيحيين وتصبح دولة لبنان، في حين تتحد دويلتي المحمديين، وتنضم إليهما دويلة الدروز، ثم دويلة العلويين. يكمل الأتراك في عام 1939 قضم لواء اسكندرون.
وفي عام 1946 يُعلن جلاء الفرنسي، فتولد سوريا الحالية. يحتفل معظم السوريين غير راضين عن الشكل السياسي لدولتهم؛ ويولد العقد الإلزامي السوري: هذا ما بقي، هذا قدرنا، علينا العيش فيه شركاء. ومع تسليم الجولان 1967، يزداد تشوه ما بقي، وتحريف هذا العقد، فنحن الآن عرب، في جمهورية عربية سورية، قيادتنا تتولى “محاربة الإمبريالية والصهيونية والرجعية وأدواتهم”، ما يعطي أولوية لتسخير مقدرات البلد للمؤسسات العسكرية والأمنية، وللفساد.
واليوم، وبعد مرور ما يقارب المئة عام على مؤتمر سان ريمو، ننظر إلى سوريا، فنرى طائرات إسرائيلية تسرح وتمرح، وقوات أجنبية تصول وتجول، تتحالف وتتعادى، تركية وروسية وإيرانية وأمريكية ومليشيات عراقية ولبنانية وتنظيم القاعدة وإسلامويون وسواهم من القوى الظلامية.
(أي صيغة مستقبلية تجمع بين السوريين مرة أخرى لن تكون إلا بالقوة العسكرية حكماً، وباتفاق دولي، كما كان عليه الحال لحظة رسم حدود هذه الدولة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى./ كاريكاتير منشور في صحيفة العربي الجديد وهو ينشر بموجب الاستخدام العادل والحقوق محفوظة للعربي الجديد)
اجتماعات إقليمية ودولية تحدد مستقبل سوريا، لا مقعد للسوريين فيها، لا نظام ولا معارضة ولا رماديون. الطامة الكبرى إعلان بالنصر في دمشق، وأوامر بإظهار الفرح، تقابلها أوامر بإظهار الفرح أو الشماتة حين يأتي محتل جديد.
سوريا التي عرفناها تتصدع، ومن يقول عكس ذلك فهو على الأغلب ينتمي لجمهور يزداد حجماً، جله من المثقفين و/أو المتعلمين المنفيين البعيدين عن الأرض وعن واقع ما يحدث عليها، المتخاصمين في منصات التواصل الاجتماعي. وإن حاول أحدنا أن يصغي، فيسمع صوت الشروخ العميقة التي تتوسع بين مكونات المجتمع السوري، شبيهة بأصوات تصدع سطح بحيرة متجمدة أوائل الربيع.
فالتدخل السلبي لدول الخليج في دعم الإسلاميين في المعارضة السورية وقدوم المحتل الإيراني وميليشياته كان يعني تحويل الثورة السورية من مواجهة بين شعب ونظام إلى صدع عملاق بين السنة والعلويين، وقدوم المحتل الروسي، أضاف صدع بين السنة والعلويين والشيعة، والأمريكي بين العرب والسريان والأكراد، والتركي بين الأكراد والسريان والتركمان والعرب. في حين يكمل العدوان الإسرائيلي رسم ما ينقص من مشهد يصعب تصوره، فكيف تصديقه؟ مشهد يصبح فيه من المتعذر على أي فريق سوري أن يخرج ببيان يؤيده ربع الجمهور الذي يحسب نفسه عليه.
تأييد العدوان التركي خفيةً أو علناً، أم إدانته وتجريمه؛ وعبثية نقاشات سؤال من هي الأكثرية في الجزيرة السورية، الأكراد أو العرب أم غيرهم؛ والأحقاد الكامنة التي تتفجر مع كل تدنيس جديد لجنود دولة غريبة الأرض السورية، دلائل إضافية وقوية على انفراط العقد الإلزامي السوري الذي فرض من الخارج على سكان هذه المنطقة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
الثقة العمياء لدى جمهور عريض من السوريين بالجيش التركي أو الروسي أو الإيراني أو الأمريكي، والترحيب بالغزو الأجنبي، وانعدام هذه الثقة مع الآخر السوري، علوي أو سني أو شيعي أو كردي، دلائل أخرى على انفراط العقد الإلزامي السوري بلا عودة. ألا يشبه هؤلاء، أولئك من استقبل الغزاة الفرنسيين على أبواب دمشق في العام 1920؟
هل يشكل التقسيم حلاً في سوريا؟
14 كانون الأول 2014
ضمن هذا المشهد يصبح سيناريو التقسيم على النمط اليوغسلافي ضرباً من الرفاهية أيضاً، إذ يتولى كل قسم من الدول الجديدة هناك حكم نفسه، بدون أن يكون محتلاً من قبل دولة أجنبية. وأي صيغة مستقبلية تجمع بين السوريين مرة أخرى لن تكون إلا بالقوة العسكرية حكماً، وباتفاق دولي، كما كان عليه الحال لحظة رسم حدود هذه الدولة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
وضمن هذا المشهد العبثي يلجأ بعضهم إلى استحضار سلبي للتاريخ، فيجهد نفسه لانتقاء حوادث أو خرائط لدعم حجج إقصائية بهدف إثبات ملكية مكون ثقافي سوري لأرض سوريا برمتها، كلها دفعة واحدة، ومع جوارها أحياناً. هذا الانتقاء الإقصائي ليس إلا عبث حين لا يمتلك من يؤمن به قوة فرضه على الآخر؛ وهو إجرام حين يمتلك هذه القوة. ومن التاريخ نستحضر، عن حالة العبث، كمثال، الحالمين باستعادة الأندلس أو القسطنطينية، وعن الإجرام، ما حققته الصهيونية العالمية في فلسطين.
ما يبدأ في الجزيرة السورية لصالح أردوغان سينتهي في إدلب لصالح بوتين/الأسد. هذا درس التاريخ الذي نتعامى عنه، حتى ولو كان قريبا، وقريبا جداً. فقد تمت التضحية بحلب الشرقية مقابل شمال حلب، والغوطة مقابل عفرين.
وبالعودة إلى التاريخ (رغم مرارة حقيقة انتفاء نية الانتفاع منه)، وقبل ما يقارب المئة عام، كتب توماس إدوارد لورنس، الجاسوس البريطاني الشهير بلورنس العرب، في كتابه “أعمدة الحكمة السبعة” (المقطع 59) يصف السوريين، فيقول: “والسكان، حتى أفضل المتعلمين منهم، أظهروا تعامياً غريباً لافتاً للنظر بعدم أهمية بلدهم، وبسوء فهم أنانية القوى العظمى التي كان نهجها الطبيعي نابع من اعتبار مصالحها قبل مصالح تلك الأجناس المجردة من السلاح. فبعض السوريون دعوا لإنشاء مملكة عربية، وهؤلاء في غالبيتهم من المسلمين، أما المسيحيون الكاثوليك فقد واجهوهم بالمطالبة بالحماية الأوروبية؛ وكلا الاقتراحان بعيدان عن قلوب الجمعيات الوطنية، التي دعت للحكم الذاتي لسوريا وتنادي به؛ تلك الجمعيات تعرف معنى الحكم الذاتي إلا أنها لا تفهم ما تعنيه كلمة سوريا، إذ أنه في القاموس العربي لا يوجد مثل هذا التعبير. والتفسخ السياسي حاصل بين مدينة وأخرى، وقرية وأخرى، وعائلة وأخرى، ومبدأ وآخر، مع وجود عنصر الغيرة والتنافر المشجع والمدعوم من قبل الاتراك”.
(حسام الحسون: باحث في التاريخ الحديث والمعاصر. طالب دكتوراه في دارسات العالم الاسلامي في جامعة الرور في بوخوم-ألمانيا. له كتاب بعنوان الوحدة السورية-المصرية وأسباب الانفصال 1958-1961: قراءة جديدة على ضوء الوثائق الحديثة، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2011)
حكاية ما انحكت
لا لانفصام الرؤية/ يحيى العريضي
تَحَكَّمَ الاستبداد بحياة السوري لعقود؛ أفقره أو قتله أو اعتقله أو شرّده؛ ثم استعان عليه بالاحتلال، عندما خرج طالباً جرعة حرية. وزاد إمعاناً في سحقه وتدمير بلده باستجلابه ميليشيات إيران واحتلال الروس لبلده. كل ذلك كان مدعاة لاستباحة بلد توعّد الاستبداد أن يدمره، إن لم يحكمه.
عرف نظام الاستبداد منذ البداية أنه يحتاج إلى ذريعة قوية كي يبطش بمن يعارضه، فوجد أن البضاعة الرائجة والحجة القاطعة هي /الاٍرهاب/؛ فالعالم يعطيك كل التبريرات بمقاومته. استخدم النظام في قمع شعبه كل صنوف القتل، بما فيه السلاح الكيماوي، تحت هذه الذريعة.
كانت استباحة نظام الاستبداد لكرامة وحياة الإنسان السوري وأرضه مدعاة ودعوة لقوى إقليمية وعالمية كي تفعل الشيء ذاته:
– قتل النظام الإنسان السوري؛ فاستهانت تلك الميليشيات وقوى الاحتلال بحياة السوري، فقتلته.
– اعتقل النظام آلاف السوريين، ففتحت الميليشيات الإرهابية وقوى الاحتلال معتقلات خاصة بها للسوريين.
– دمر بيوتهم وأسواقهم ومستشفياتهم ومدارسهم، ففعلت الميليشيات والاحتلال الشيء ذاته.
– شرّد النظام السوريين وحول الملايين منهم إلى نازحين ولاجئين، ففعلت تلك القوى الغاشمة الخارجية المتدخلة بسوريا الشيء ذاته.
– سعى النظام إلى تغيير ديمغرافي، وتحدث عن “مجتمع متجانس” و “سوريا المفيدة”؛ فلم يجد هؤلاء المتدخلون بسوريا غضاضة بفعل ذلك.
– اعتبر نفسه محررا لبعض المناطق السورية عندما كان يقتلع السوريين منها، تجرأت قوى التدخل على الفعل ذاته مبررة أفعالها بالطريقة ذاتها.
تحويل سوريا إلى أرض مستباحة؛ شجع إسرائيل على ضم الجولان السوري رسمياً، كما جعل روسيا تضع يدها على موانئ سوريا وتحدد إيقاع النفس السوري؛ وجعل إيران تتغول بنسيج الحياة السورية وتمزقه. سوريا المستباحة
أتاحت لإرهاب “داعش” و “بي كي كي” أن يستشري محولاً الشمال الشرقي السوري إلى كيان انفصالي مستغلاً الوضع المستباح وتقاسم القوى للكعكة السورية؛ ومنها انطلق إلى تهديد عدوته التاريخية تركيا.
في هذا السياق يمكن فهم معنى الدخول التركي أرض سوريا. فبإمكان تركيا أن تقول إنها تستهدف من يهدد أمنها القومي، وذاك الذي يهدد ويرحّل سكان المنطقة، ويغيّر ديموغرافيتها؛ وإنها تريد خلق منطقة آمنة تعيد إليها جزءاً من السوريين اللاجئين فيها إلى بلدهم.
لا تفيد السوري العواطف والاندفاعات. ولا التهويش يُخرِج احتلالاً؛ ولا يجعلك وطنياً إن أدنت؛ ويجعل غيرك غير وطني إن لم يدن.
هناك وجوب للنظر في المسالة بكليتها وإلى جذرها، وليس إلى تداعيات خارج سياقها الفعلي.
أصيب السوري بداء اختلاط الصورة؛ لم يعد يميز العدو من الصديق صاحب المصلحة، من المحتل. فاته أن هناك خنجراً جديداً في الشمال الشرقي السوري تدافع عنه إسرائيل لأنه سيتطوّر إلى كيان يشبهها؛ وهناك مَن يهدد هذا الخنجر الجديد أمنه القومي، فانبرى لإخراجه؛ وهذا سيكون في صالح السوريين في النهاية.
وحتى لا يكون هناك انفصام في الرؤية، لا بد من القول بأنه طالما تسببت منظومة الاستبداد بوجود كل تلك الضباع على الجسد السوري، فما معنى استنكار الانتهاك للأرض السورية؟! وهل ينطبق الأمر ذاته على أولئك الذين استنفروا تجاه فعلة تركيا؛ وهل أتى هؤلاء لنجدة السوري ودعمه الفعلي للخلاص من الوباء؟! ليت هؤلاء يستنفروا لمقاومة إسرائيل، وتخليص الجولان من أنيابها، ليتهم يتكاتفون ويأتون لنجدة السوري وتخليصه من الاحتلال الإيراني الروسي؛ والأهم لتخليصه وتخليص سوريا من منظومة الاستبداد التي تسببت بكل هذا البلاء لسوريا وأهلها.
يكفي أن نتذكر أن “بي كي كي” وتفرعاته، التي حاولت جاهدةً التنسيق مع نظام الاستبداد وإيران وإسرائيل، لم تكن إلا جسداً غريباً مؤذياً للقضية السورية، وخاصة الكرد السوريين.
أخيراً، لا يريد السوري يداً أو قدماً غريبة على أرض سوريا، تماماً كما لا يريد إرهاباً يستغله نظام الاستبداد أو غيره حجة لتحقيق مصالح او مآرب. يريد السوري إبطال السبب والخلاص من المسبب الأساس بالبلاء الذي حدث ويحدث. ولا بد من إزاحة كل ما ومن يساهم باستمرار المأساة، عبر خلق الحجج والذرائع.
تلفزيون سوريا
مع الغزو التركي لسوريا هل تستعيض أمريكا بـِ«داعش» عن أكرادها المخذولين؟/ عصام نعمان
أخيراً فعلها رجب طيب أردوغان. غزا سوريا في شمالها الشرقي (رأس العين) بعدما غزاها، السنة الماضية، في شمالها الغربي (عفرين). خطته المعلنة (المنطقة الأمنية) ترمي إلى السيطرة في مرحلتها الأولى، على ما لا يقلّ عن 450 كيلومترا مربعا من أراضي سوريا على طول حدودها مع تركيا، أغراضه المضمرة ثلاثة:
( أ ) تدمير قدرات مجموعة من الأكراد السوريين المتحالفين مع أمريكا، لإقامة كيان منفصل عن الحكومة المركزية في دمشق، وقطع تعاونهم مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المصنّف إرهابياً لدى دول حلف شمال الأطلسي «الناتو».
(ب) استخدام «المنطقة الآمنة» العازلة في شمال شرق سوريا، ورقة لتأمين مشاركة وافرة لتركيا في استثمار النفط السوري الغزير في باطنها.
(جـ) نقل نحو مليوني مهاجر سوري مقيمين حالياً في تركيا إلى المدن والبلدات والقرى الواقعة ضمن «المنطقة الآمنة» وفي محيطها.
باستثناء أطراف محور المقاومة الذين سارعوا إلى التنديد بالعدوان التركي على سوريا، اكتفى معظم دول الاقليم والاتحاد الاوروبي وأمريكا بالاعتراض على ما فعلته تركيا وليس معارضتها، وبالحؤول تالياً دون صدور قرار في مجلس الأمن الدولي يندّد بفعلتها، لذلك كله دلالات لافتة:
*أولاها، أن تركيا ما كانت لتقدم على غزوتها السورية لولا ضوء أخضر من أمريكا تجلّى بسحب قواتها من الشمال السوري.
*ثانيتها، أن قادة منظومة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية تمسكوا بموقف الحوار مع أمريكا، رغم انها خذلتهم، ما يوحي بأن إدارة ترامب «طمأنتهم» بأنها ستكون وسيطاً بينهم وبين تركيا، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.
*ثالثتها، أن روسيا دعت وتدعو إلى مفاوضات عاجلة بين تركيا وسوريا لتدارك التداعيات السلبية للغزوة التركية من جهة، ولإنقاذ ما كان جرى التفاهم عليه في مؤتمري أستانة وسوتشي بين روسيا وإيران وتركيا، من جهة أخرى.
*رابعتها، أن دول الإتحاد الأوروبي اعترضت على الغزوة التركية ولم تعارضها، مخافةَ أن ينفذ أردوغان تهديده بفتح الأبواب أمام المهاجرين السوريين للهجرة اليها، وأنها تأمل تالياً بتسريع إجراء مفاوضات بين الدول ذات الصلة، بغية التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.
*خامستها، أن اشتباكات ميدانية وتجاذبات سياسية متطاولة ستأخذ مداها، قبل أن تتوصل الأطراف المعنية، الإقليمية والدولية، إلى تسوية مقبولة للنزاع، ذلك لأن سوريا لن ترضى بأقل من استعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، ولأن أمريكا و»إسرائيل» ستكونان جادتين في محاولات تطويل أمد الحرب بغية استكمال عملية تفكيك سوريا وتقسيمها.
في سياق مساعي أمريكا، ومن ورائها «إسرائيل»، لتفكيك سوريا واستنزاف إيران وسائر أطراف محور المقاومة على أراضيها، يجري التحضير مجدداً لتفعيل دورٍ لـِ»داعش» تستعيض به أمريكا عن حلفائها الأكراد المخذولين، لأن لـِ»داعش» وجوداً فاعلاً في الأطراف الشمالية الشرقية لمحافظة دير الزور السورية، كما له «وجود بشري» لافت في مخيمات أقامتها القوات الأمريكية في محافظتي الحسكة والرقة لاحتجاز أسرى «داعش» وعوائلهم، وأسندت حراستها إلى حلفائها من الاكراد السوريين. فقد صرح مسؤول العلاقات الخارجية في «الإدارة الذاتية» الكردية عبد الكريم عمر أن «قسد» تعتقل 12 ألف رجل من «داعش»، وأن بين هؤلاء 2500 إلى ثلاثة آلاف أجنبي من 54 دولة، ناهيك من عوائل أسرى «داعش» في معتقل الهول وغيره من المعتقلات، التي لا يقلّ عدد معتقليها عن عشرين ألفاً.
الى ذلك، تسعى إدارة ترامب، نتيجةَ ضغوط قوية من مجلسيّ الكونغرس، الشيوخ والنواب، إلى التوصل لتسوية مع السلطات التركية، تبقى بموجبها المسؤولية عن ادارة مخيمات معتقلي «داعش» وعوائلهم في محافظة الحسكة، في عهدة العناصر الكردية والسورية المتعاملة مع الأمريكيين. كما تسعى إدارة ترامب إلى الحدّ من اندفاع القوات التركية إلى عمق محافظتي الرقة والحسكة، بغية عدم سحق «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المتعاونة معها، ولإدامة قوات مناوئة للحكومة السورية ومتحالفة مع أمريكا في مناطق شرق الفرات حيث مكامن النفط والغاز.
هذه الترتيبات العسكرية الميدانية التي تسعى ادارة ترامب إلى تثبيتها تلقى، بطبيعة الحال، ترحيباً من «إسرائيل» التي ساءها كثيراً تخلي واشنطن عن حلفائها الأكراد، وتخوّفت تالياً من انسحاب هذه السياسة التراجعية على سائر حلفاء أمريكا في المنطقة. وإزاء الضغوط المتزايدة في الكونغرس على ادارة ترامب لتقليص عملية سحب قواتها من سوريا، وربما لاحقاً من العراق، قامت وزارة الدفاع (البنتاغون) بانتهاز حادثة الهجمة الصاروخية على ناقلة النفط الإيرانية قبالة ساحل مدينة جدّة على البحر الاحمر، لنشر ثلاثة الآف جندي امريكي اضافي في السعودية، على أن تتحمل الرياض النفقات المترتبة على ذلك!
«إسرائيل» المتحسّبة لتنامي قوة ايران العسكرية، ونفوذها السياسي في غرب آسيا، لن تكفيها التدابير والترتيبات الأمريكية سالفة الذكر. وسائل الإعلام الإسرائيلية تضجّ بنقد لاذع لخطة نتنياهو في مواجهة إيران، وقوى المقاومة العربية وتؤكد فشلها. نتنياهو، المنشغل بتدبّر مصيره السياسي بعد إخفاق تحالف أحزاب اليمين في الإنتخابات الاخيرة، لإبقائه في السلطة، وإنقاذه تالياً من حكم قضائي بالسجن، لم يتأخر في إدراك تداعيات تقلّبات ترامب الشخصية والسياسية، على أمن «اسرائيل» ووجوب استدراك المزيد من المخاطر الامنية، فباشر على عجل مقاربةً مغايرة لمواجهة إيران قوامها مضاعفة التوظيف في صناعة الصواريخ البالستية الدقيقة، الدفاعية والهجومية، لتفادي الاعتماد على دعمٍ عسكري أمريكي في المنطقة آخذ بالانكفاء.
غير أن كل هذه التدابير والترتيبات والتحوّطات المستجدة لا تغني أمريكا و»اسرائيل» عن متابعة التوظيف في «الحرب الناعمة» بما هي عقوبات اقتصادية وفتن طائفية وحروب أهلية، ودعم لتنظيمات إرهابية، مهمتها نسف الاستقرار بتدويم الاضطرابات الأمنية. وعليه، فإن خيار العودة إلى توظيف «داعش» وامثاله من تنظيمات الإرهاب المسلّح، سيكون عنوان الهجوم الصهيوامريكي المتجدد في الصراعات التي ما زالت تعصف بسوريا والعراق ولبنان وفلسطين المحتلة واليمن.
وفي مقابل خيار «داعش» وامثاله، تبقى المقاومة هي الخيار والنهج الأكثر فعالية في مواجهة اعداء الأمة.
كاتب لبناني
القدس العربي
التدخل التركي في سوريا وخرافات الرد العربي/ إحسان الفقيه
من الأمثال القديمة الشائعة بين العرب، قولهم «أَمْحَلُ مِنْ حَدِيثِ خُرَافَةَ»، قال النيسابوري في مجمع الأمثال: «هو رجل من العرب زعم أنه كان من عُذْرَةَ فاستهوته الجن، فلبث فيهم زمانا ثم رجع إلى قومه، وأخذ يحدثهم بالأعاجيب، فضرب به المثل».
فصار يطلق على كل حديث لا واقع له ولا حقيقة، أنه خرافات. الخرافات، هي أقرب وصف لموقف الحكومات العربية من التدخل العسكري التركي، على حدود سوريا في عملية «نبع السلام» لإجلاء أذرع منظمة «بي كا كا» الإرهابية على الحدود السورية، وإنشاء منطقة آمنة لإعادة توطين السوريين المهجرين فيها، فتصريحاتها وبياناتها عن الحدث، تجافي الواقع تماما، وليس لها أي مرتكزات موضوعية حقيقية تنطلق منها في تقييم الحالة.
الحكومات العربية التي علا غطيطها طيلة الأزمة السورية استفاقت الآن فقط على وقع العمليات العسكرية التركية على الأراضي السورية، صمتت دهرًا ونطقت كيدًا ومكرًا، فالقاهرة على غير العادة دعت إلى مؤتمر عاجل في جامعة الدول العربية، لبحث ما سمته العدوان التركي السافر على الأراضي السورية، فأسرع النيام إلى الشجب والاستنكار، وتأليب المجتمع الدولي على تركيا، التي يمثل تدخلها العسكري في سوريا خطرًا جسيما على الأمن القومي العربي والسلم الدولي، على حد قولهم.
فجأة غلفت الرحمة والشفقة قلوبهم على المدنيين والعزل الأبرياء، الذين من المحتمل تعرضهم للقصف التركي، مع أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية ومعها الإمارات يقوم بعملياته العسكرية في اليمن التي تخلف القتلى، ثم نسمع عبارة (عن طريق الخطأ) فيرضى بها الجميع بدون صراخ وعويل، ولم نجد العرب يتهافتون لعقد مؤتمر عاجل للمذابح التي وقعت على أرض سوريا، جراء القصف الروسي أو المذابح التي ترتكبها الميلشيات التابعة لإيران بحق السوريين. ولم نجد كثيرا منهم يطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على الأسد في مجازر الكيماوي التي شنها على السوريين المدنيين.
مما يثير الضحك حد البكاء، أن الذي يتحدثون عن الحقوق والدماء هم أكثر الأنظمة التي تهدرها، فكيف يتحدث عن الدماء من أقام المجازر للمدنيين من شعبه، لأنهم رافضون لحكمه الذي جاء إليه عبر الدبابات داهسًا على خياراتهم وأصواتهم التي أودعوها الصناديق؟ وكيف يتحدث عن الدماء من يخمد أصوات معارضيه بتقطيع أجسادهم إلى أشلاء ثم حرقها في الأفران، ويعتبر كل من يقف على الحياد خائنا، ويزج بالمصلحين والدعاة في السجون؟ ومع ذلك فالقوات التركية أثبتت خلال عملياتها السابقة في سوريا أنها تعمل بشكل نظيف، وصورة إنسانية راقية تجاه المدنيين في تفادي ضرب تجمعات المدنيين، ابتداءً، ثم الإصلاحات والإجراءات الخدمية التي تجريها في الأماكن التي تدخلها لتخفف من معاناة أهلنا السوريين.
حكومات السعودية والإمارات ومصر خاصة، تروج أن التدخل العسكري التركي يهدد وحدة الأراضي السورية، مع أن هذه العمليات بالأصل قامت بها أنقرة لمنع قيام دولة كردية في الشمال السوري تهدد أمن تركيا، وهذا ما ينسجم مع الرغبة العربية (المزعومة) في الحفاظ على سوريا موحدة.
وإنك لتجد تناقضا ظاهرًا في الموقف السعودي تجاه العمليات التركية في سوريا، فالرياض كان وزير خارجيتها يصرح عام 2016 بدعم بلاده للعمليات التركية في سوريا، لكنها اليوم تندد بالعمليات التي تقوم بها تركيا بالشراكة مع فصائل من المعارضة السورية.
أين كانت الحكومات العربية من المذابح التي قام بها الطيران الروسي على المدنيين في سوريا؟ لماذا لم تجتمع وتدين وتشجب العدوان الروسي وتطالب مجلس الأمن بفرض عقوبات على الروس؟ لماذا لم تدع إلى النظر في اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية وسياحية تتعلق بالتعاون مع روسيا وتخفض العلاقات الدبلوماسية معها أسوة بتركيا؟ ولماذا لم تجتمع الدول العربية بمثل هذا الحماس للتنديد بالتدخل الإيراني السافر في سوريا عن طريق قوات الحرس الثوري الإيراني، والميلشيات الشيعية الموالية لإيران التي أتت من كل حدب وصوب لدعم نظام بشار؟ لماذا لم تعتبر وجود القوات الأمريكية والروسية والإيرانية احتلالًا، كما فعلت مع التدخل التركي؟
ومن أبرز تلك الخرافات التي ظهرت في الموقف العربي، الطنطنة حول تهديد العمليات التركية للأمن القومي العربي، ولم نسمع النبرة نفسها تجاه عربدة إيران في المنطقة، وحصارها للخليج عبر أذرعها المسلحة، ولم تتحدث عن التهديد الصهيوني الذي يحيق بصميم الأمن القومي العربي.
الرئيس الانقلابي عبد الفتاح السيسي، الذي تترنم حكومته اليوم بحماية الأمن القومي العربي من الخطر التركي، ماذا فعل لحلفائه السعوديين أمام تهديدات الحوثي المستمرة للحدود السعودية بأسلحة إيرانية؟ ألم يكن قد صرح من قبل بأن أمن الخليج خط أحمر؟ وأن أي تهديد لمصالحها ستكون فقط (مسافة السكة)؟ وأين هؤلاء جميعًا من ابتلاع إيران للعراق، ألا يشكل ذلك تهديدًا لأمن الخليج خاصة؟
ليست هذه السطور لإبداء الرأي في العمليات العسكرية التركية، التي يحق لكل واحد أن يكون له رأيه الخاص تجاهها، بل ينصرف الهم لتقييم موقف الحكومات العربية الذي لا ينبني على أي أساس صحيح، لذا يمكن القول بأن هذا الموقف كان وليد أمرين:
*الأول: هو الخصومة مع الحكومة التركية، فنظام السيسي له ثأر مع أردوغان منذ انقلاب 3 يوليو، الذي لا يزال الزعيم التركي حتى اليوم مناهضا ومنددا بالسلطة الانقلابية، ويرفض التلاقي معها والاعتراف بها، إضافة لإيوائه كثيرا من المعارضين المصريين. أما نظام بن سلمان، فقد دخل في خصومة منذ إمساكه زمام الأمور مع الأتراك، خاصة بعد مساندة تركيا لقطر ضد الحصار العربي، وإحباطها مخططًا للتدخل العسكري على الأراضي القطرية، إضافة إلى الجهود التركية الكبيرة في فضح تورط ابن سلمان ونظامه في قتل الصحافي جمال خاشقجي بسفارة السعودية على الأراضي التركية. كذلك نظام ابن زايد الإماراتي الذي يعتبر الإسلام السياسي والحكومات الديمقراطية هي ألد أعدائه في المنطقة، يناصب الحكومة التركية العداء على أساس اتهامها للأتراك بدعم الإسلاميين، ما يشكل خطرًا يمكن أن يمتد للإمارات ويهدد نظامها القبلي.
*الأمر الثاني الذي ينبني عليه الموقف العربي خاصة مصر والسعودية والإمارات، هو التماهي المعتاد مع التوجهات الغربية الأمريكية الصهيونية الرامية إلى محاصرة تركيا وتضييق الخناق عليها، ولا يخفى أن الوحدات التي تقاتلها تركيا على الحدود، تحظى بدعم أمريكي وإسرائيلي كبيرين، لذا نجد هذا الاصطفاف الأمريكي الصهيوني السعودي الإماراتي المصري ضد التدخل العسكري التركي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
بدخول تركيا إلى سوريا… تهيئ الولايات المتحدة أرضا خصبة جديدة لازدهار داعش/ باتريك كوبيرن
يقول المثل الرائج في الشرق الأوسط حالياً “لا تنزل البئر بحبل أميركي أبداً”، فيما تتخلّى الولايات المتحدة عن حلفائها الأكراد، ليواجهوا وحدهم قوات الاجتياح التركية. يشكّك أبناء المنطقة تاريخياً في ولاء القوى العظمى لأصدقائها المحليين ولكن حتى أهل المنطقة يشعرون بالصدمة جرّاء السرعة وانعدام الرحمة اللتين تميزان موافقة دونالد ترمب على السماح للأتراك بشن هجومهم.
وحسبما أفادت لأمم المتحدة ومجموعات حقوق الإنسان، فإن عشرات الآلاف من اللاجئين الأكراد يفرون من مدنهم الحدودية تحت قذائف الطيران ونيران المدفعية التركيين التي تستهدفهم. وفي حين يتكتم معظم الزعماء الذين يفكرون بإطلاق حملة تطهير عرقي على خططهم، يجاهر الرئيس التركي أردوغان بنيّته نقل مليوني لاجئ عربي سوري من مناطق سورية أخرى إلى الأراضي الكردية وتوطينهم فيها (ويقول إنه اكتشف أنّ الأرض ليست كردية حقاً).
تبدو كل الأخبار الواردة من ميدان الحرب الجديد مليئة بالمفارقات المضحكة. فترمب يقول إن تركيا ستتحمل مسؤولية تأمين الآلاف من عناصر داعش الذين تحتجزهم وحدات حماية الشعب الكردية. لكن يشير بريت ماكغورك بصفته المستشار السياسي السابق للتحالف الدولي ضدّ داعش، والمصدر الذي نقل مقولة عدم الوثوق بالحبل الأميركي، إلى أن تركيا هي من رفض في السابق “المشاركة في أي تعاون جدّي في مسألة داعش فيما عبر 40 ألف مقاتل أجنبي من أراضيها باتجاه سوريا”.
والأحداث التي تبعث على السخرية لم تنتهِ بعد. ففي اللحظة نفسها التي عبر فيها الجيش التركي الحدود السورية من أجل قتال وحدات حماية الشعب يوم الأربعاء الماضي، كانت هذه الوحدات التركية تتعرض لهجوم من عدو مختلف: ففي الرقة، عاصمة الأمر الواقع السابقة لداعش، فتح مقاتلان من داعش مسلّحان بالبنادق الأوتوماتيكية والقنابل والأحزمة الناسفة النار على وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على المدينة منذ أن انتزعتها من داعش في العام 2017 في نصر عسكري كلفّها 11 ألف إنسان.
طوقت هذه المرة، وحدات حماية الشعب عنصرَي داعش وتغلبت عليهما في النهاية. لكن في المستقبل سيواجه جنودها، لأنه من السخف تسميتهم برجال الميليشيات بما أنهم من أكثر الجنود المخضرمين في الشرق الأوسط، مهمة أصعب. فبالإضافة إلى قتال داعش في الميدان، سيضطرون إلى رصد السماء فوقهم للاحتماء من الطيران التركي المعادي الذي بدأ بالفعل باستهداف مواقع وحدات حماية الشعب شمال الرقة. وسيكون من الحتمي أن تبسط داعش قريباً سيطرتها من جديد على أجزاء من دولة الخلافة القديمة.
تدور الكثير من التكهنات الأنانية في الولايات المتحدة وأوروبا حول بروز داعش من جديد ومصير الآلاف من سجناء التنظيم الذين تحتجزهم وحدات حماية الشعب. لكن هذه ليست سوى اثنتين فقط من النتائج الناجمة عن الفوضى التي يخلّفها الاجتياح التركي، كما أن الأتراك لن يسيطروا على المنطقة بطريقة تُشبه سيطرة الأكراد والأميركيين الذين يحلون محلهم.
ستتحول تركيا في هذه الرقعة الواسعة من الأرض، أي الـ 25% من سوريا الواقع شرق الفرات، إلى لاعب كبير لكنها لن تصبح صاحبة نفوذ مطلق. ربما تحاول أن تشقّ طريقاً لها عبر شمال شرق سوريا فتتقدم بشكل تدريجي لتحتل شريحة واحدة من الأرض إثر أخرى. وسيكون لذلك أثره العظيم على الأكراد بكل الأحوال ولاسيما أنّ 500 ألفاً منهم يقطنون على مقربة من الحدود. وفعلياً، سينقل الحدود بين الأتراك والأكراد إلى نقطة أبعد جنوباً ستصبح عرضة لمزيد من المشاكل أكثر مما كانت عليه سابقاً.
بعبارات أخرى، فالنتيجة الحتمية لإعطاء الرئيس ترمب الضوء الأخضر للعمل العسكري التركي، وفي هذه الحالة، لعب غياب الضوء الأحمر دور الضوء الأخضر، هي تشرذم السلطة والقوة. وسيتيح هذا التشرذم فرصة مثالية لداعش كي ترصّ صفوفها مرة أخرى وتجدد نشاطها، وما هجوم مدينة الرّقة الذي ذكرته سابقاً سوى دليل على بدء عملية إحياء التنظيم.
ومن مظاهر الأزمة الحالية أيضاً زيادة حظوظ الميليشيات على طراز داعش والقاعدة التي تتصرف وكأنها ممثلة للاتراك. فالخرائط التي تشير إلى وقوع منطقة الشمال الشرقي السوري “تحت السيطرة الكردية” تخفي واقعاً على الأرض هو التعداد السكاني شبه المتساوي بين الأكراد والعرب. وتتغذى السياسة المحلية على المنافسات الإثنية والأحقاد، التي ستصبح سامّة وحاسمة أكثر فيما يجد السكان أنفسهم أمام خيارين: إما الأتراك أو الأكراد. ويشكّل هذا النوع من الميادين السياسية المنقسمة عادة موقعاً خصباً لازدهار داعش والقاعدة.
تغيّرت موازين القوى في سوريا بسبب الاجتياح التركي وعدم الرغبة أو عدم القدرة الأميركية على إيقافه. وأوضح ترمب تماماً رغبته بالخروج من الحرب السورية. وغرّد هذا الأسبوع قائلاً “كان على الولايات المتحدة الأميركية ألّا تدخل الشرق الأوسط أبداً. وبالنسبة لنا، هنا تنتهي هذه الحروب الغبية التي لا تنتهي”. لكن على الرغم من ذلك، استغرق العالم وقتاً طويلاً قبل أن يأخذ انعزاليته وكراهيته للعمل العسكري على محمل الجد.
وفيما يتعلق بسوريا، فإن سياسة ترمب المفكّكة إلى حدٍ يجعلها أقرب إلى سلسلة من المواقف، تُعدّ خيانة للأكراد لكنها تتسم ببعض الواقعية القاسية. فالموقع الأميركي في سوريا ضعيف وليس مستداماً على المدى البعيد. ولا تقدر قوات واشنطن بأعدادها الهزيلة أن تدعم إلى الأبد دويلة الأمر الواقع التركية المحصورة بين تركيا المعادية لها شمالاً والحكومة السورية التي تكنّ لها العداء نفسه تقريباً جنوباً وغرباً.
ربّما هال دوائر السياسة الخارجية الأميركية تخلّي ترمب عن الأكراد فيما كانت تفضّل أن يواجه روسيا والرئيس السوري بشار الأسد. ولكن هذه المواجهة تستدعي وجود قوة عسكرية أميركية أعظم بكثير والتزاماً سياسياً أضخم بكثير، وهذان أمران لا يريدهما الكونغرس ولا الشعب الأميركي.
على الأرجح أنّ ماكغورك محقٌّ في اعتقاده أن قيمة الحبال الأميركية باعتبارها وسيلة للهروب من الآبار العميقة ستتراجع كثيراً بعد اليوم في الشرق الأوسط. فالعالم برمّته يعتقد أنّ الولايات المتحدة تكبّدت هزيمة كبيرة في سوريا. ويعيد مشهد قافلات الأكراد الفارّين والمرعوبين إلى الأذهان صور الفيتناميين اليائسين الذين عملوا بشكل وثيق جداً مع الأميركيين، وهم يحاولون الهروب من سايغون في العام 1975.
لطالما عبّر الأكراد في مجالسهم الخاصة عن سخريتهم من التحالف مع الولايات المتحدة لكنهم لم يروا أي خيار آخر أمامهم. ومع ذلك، لم يتوقعوا أن تتخلى عنهم بهذا الشكل الكامل والمباغت.
لكن ربّما يستفيد السوريون الأكراد بعض الشيء من فجاجة التصرّف الأميركي وظلمه، ومن السخط الذي سببه داخلياً ودولياً. فالغضب الذي يعبّر الجميع عنه اليوم يناقض قطعاً اللامبالاة الدولية حين استولت تركيا على مدينة عفرين الكردية الصغيرة في شمال غرب سوريا العام الماضي ونفّذت فيها تطهيراً عرقياً.
لكن المرحلة الأخيرة في الأزمة السورية تحمل في طياتها درساً أكبر. لفترة من الزمن، بدا أنّ العنف ينحسر مع بروز خاسرين وفائزين ولكن ها نحن على أعتاب دورة جديدة من العنف بين الأتراك والأكراد. لن تتوقف سوريا عن توليد المزيد من الأزمات إلا بعد إنهاء النزاعات المتعددة في البلد في الوقت نفسه.
© The Independent
صراع القوميات في الشرق الأوسط/ مصطفى الفقي
أثار الاجتياح التركي في الأراضي السوريَّة مؤخراً مشاعر وأفكاراً تستحق التأمل، فالمشرق العربي يتشكل من قوميات في مقدمتها العرب والأكراد، ويستأثر إقليم الشام الكبير والعراق بالحجم الأكبر من أكراد المنطقة، والقوميَّة الكرديَّة قوميَّة مظلومة عبر التاريخ فرغم أنها قدَّمت نماذج باهرة في التاريخ العربي بدءاً من صلاح الدين محرر القدس في المرة الأولى وصولاً إلى أحمد شوقي أمير الشعراء وما قبلهما وما بعدهما من رموز أثرت في مسار الحياة في المنطقة فإن هذه القوميَّة تعاني تاريخياً من ضغوط إيرانيَّة وعراقيَّة، تركيَّة وسوريَّة، فضلاً عن الدور الروسي فيها، ولذلك فهي قوميَّة محاصرة تعرَّضت تاريخياً إلى ضغوط كثيرة.
ولا شكّ أن ما يحاوله أردوغان -رئيس تركيا الحالي- من خنق هذه القوميَّة على الأراضي السوريَّة إنما يصل إلى تداعيات أكثر خطورة تبدأ من موقف عربي تجاه الغزو التركي ولا تنتهي بحرب الإبادة التي يمارسها الأتراك والتي تعودوها مع الأرمن عام 1915، ومع العرب بعد ذلك في مناسبات كثيرة حتى سقوط الدولة العثمانيَّة، لكن المتأمل صراع القوميات في الشرق الأوسط سوف يكتشف أن إيران وتركيا ومعهما إسرائيل هي القوى الثلاث غير العربيَّة التي تحاول تفتيت المنطقة وتقسيم عناصرها في العقود الأخيرة، ونحن نعرف ماذا جرى للعراق وماذا جرى لسوريا وما سوف تفعله تركيا حالياً من محاولة تمزيق الدولة السوريَّة والعبث بوحدتها الإقليميَّة تحت شعار مطاردة الأكراد.
والقوميَّة الكرديَّة هي قوميَّة ذات بأس شديد، وليست شيئاً مهملاً أو منكوراً عبر التاريخ، فهم أصحاب قوات “الباشمرجة” في العراق الذين يقفون بالمرصاد للتمدد التركي الذي يرى أن مدناً مثل “كركوك” بل و”الموصل” هي تاريخياً مدن تركيَّة، وما أسهل تزييف التاريخ! وها هو أردوغان -السلطان العثماني الجديد- يزحف بقواته ويضرب بطيرانه القرى العزلاء في سوريا.
إننا أمام مشهد دموي يستدعي الماضي المقيت للسيطرة التركيَّة على المنطقة، ويقدم نموذجاً من العدوان السافر على أراض عربيَّة، ورغم استخفاف أردوغان بالموقف العربي عموماً وبالمصري خصوصاً فإنه يدرك أن ما يفعله هو مغامرة قد تقترب كثيراً من مغامرة صدام حسين في الكويت مع الفارق بين الحالتين، لكن مفهوم الاجتياح هو قاسم مشترك بينهما، والآن دعني أبسّط الأمر في عددٍ من المحاور:
أولاً: إن ما نعرفه من تاريخ ممتد عدة قرون للاستعمار التركي يتفق تماماً مع ما فعله أردوغان، فهو تاريخٌ حافلٌ بالعدوان والظلم والقهر لم تبرأ منه دولة عربيَّة أو في منطقة البلقان أو في أواسط آسيا وشرق أوروبا، فالعنف التركي ظاهرة تاريخيَّة معروفة، لكن الممارسات الممتدة التي وصلت إلى القرن الحادي والعشرين هي محل تساؤل، فكيف يمكن أن نتحمّل حالياً تبعات مثل هذه التصرفات التي تخرج على حدود الشرعيَّة الدوليَّة، وتعود بنا إلى شريعة الغاب؟!
ثانياً: إن القوميَّة الكرديَّة قوميَّة مجاورة تعايشت مع العرب عبر القرون، واندمجت معهم تحت مظلة الإسلام، لذلك فإن حرب الإبادة عليها تذكّرنا بحرب إبادة مثيلة، مارسها الأتراك ضد الأرمن، ونحن العرب نرفض التقسيم العرقي في المنطقة أو التعامل وفقاً له، وكما استقبلنا الأرمن وسمحنا باندماجهم في المجتمعات العربيَّة فإننا نرفض في الوقت ذاته الممارسات التركيَّة التي تجري ضد الأكراد في سوريا أو في تركيا، ففي الحالتين هي نزعة عرقيَّة تعبر عن التعصب القومي، ولا تعطي إشارة إيجابيَّة للاستقرار والأمن في المنطقة، كذلك فإن الوضع في سوريا المهددة بالجماعات الإرهابيَّة -وفي مقدمتها بقايا داعش- لا تتحمل في هذه الظروف مثل هذا الاجتياح التركي، كما أن تلك الدولة العربيَّة الكبيرة التي تعاني الظروف الصعبة التي تمر بها، وتتطلع نحو استقرار محتمل لا يجب أن تعود إلى الوراء بعمل عسكري تركي أخرق يؤدي إلى مزيدٍ من التوتر، ويؤجل الحل السلمي الذي كادت تتوافق عليه القوى السوريَّة تحت مسمى قرار مجلس الأمن 2254، ويجب أن يدرك الأتراك أن تنظيم داعش الذي ساعده أردوغان في مرحلة معينة ما زالت بقاياه قائمة، وتنتظر العودة إلى ساحة العمل من خلال الصراعات المتضاربة والحروب الشاملة.
ثالثاً: إن سوريا التي كانت عشيَّة أحداث الربيع العربي دولة مستقرة سياسياً واقتصادياً هي اليوم كيانٌ ممزقٌ، بل ويسعى جيرانها وفي مقدمتهم الأتراك إلى مزيد من التمزيق، وهم لا يدركون مخاطر ما يفعلونه، كما أنني أرى فيما فعله الأتراك داخل الأراضي السوريَّة نوعاً من الاستهانة بمبادئ الشرعيَّة وضرورة احترام الجوار القومي، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخليَّة، فضلاً عن أنها لحظة مناسبة لاستنزاف داعش وملحقاته في إطار الصراع العربي مع إيران تارة، ومع إسرائيل تارة أخرى، وطوبى لمن يدفع أكثر.
رابعاً: عندما وقعت الواقعة واقتحمت جيوش أردوغان حدود سوريا فإننا وجدنا أنفسنا أمام مبرر عربي قوي لدحض هذه السياسات العدوانيَّة ورفضها، خصوصاً أن حجم العداء الذي يحيط بمصر يتأكد يوماً بعد يوم من خلال الممارسات التركيَّة وبعض القوى الخليجيَّة على نحو يؤدي إلى شيوع الفوضى، ولقد انتصر العرب لأشقائهم في مصر كما فعل المصريون معهم من قبل ذلك أننا نشعر أن وقوع الظلم على فرد أو قوميَّة هو أمر ينذر بعناصر الانفجار ولا يفيد بالضرورة بل ويفتح المجال لتدخلات أجنبيَّة تحمل رياحاً فاسدة.
خامساً: إن الإدانة الأوروبيَّة -والموقف المحايد أميركياً- تشير في مجملها إلى أن أردوغان فقد مصداقيته تماماً، وأصبح على الطريق نحو السقوط، فهو يتحرّك الآن في اتجاهات متضاربة، كما أنه بارعٌ في اكتساب الأعداء وفقدان الأصدقاء وتغييرهم يوماً بعد يوم، ونحن لا ننسى الوجود المؤثر في تلك المواجهة الداميَّة، التي تبدو للوهلة الأولى مجرد نظرة عدوانيَّة، والواقع أن الأمر أعمق من ذلك، وأبعد كما أن تداعياته لن تتوقف، فضلاً عن الآثار الكارثيَّة لمحاولة انتهاك سيادة دولة لها أهميتها في الشرق الأوسط، ولا شك أن إسرائيل تقبل بهذا الذي حدث وتفرك يديها في سعادة قائلة إن العرب والمسلمين يحققون لها كل يوم -بسياساتهم وتصرفاتهم- ما هو مقبول لها، ومطلوب منها، كما أن إسرائيل تستثمر كل حدث في المنطقة لخدمة أهدافها وتحقيق أغراضها، وهي التي غرست روح العنصريَّة في المنطقة، وزرعت أسباب العنف ودوافع التعصب وثقافة الكراهيَّة.
دخول أردوغان سوريا… عودة لـ”داعش” أم تطهير عرقي؟
في اليوم الخامس لاجتياح الجيش التركي المنطقة الكردية في شمال شرق سوريا، يتعقد جبين كل المشاركين قلقاً، بعضهم بالموافقة الصامتة، وبعضهم بعدم الاكتراث تجاه الخطوة العسكرية: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الجامعة العربية، سوريا، إيران والعراق. وحتى بوتين.
ليس لهذا القلق صلة أو علاقة بالمأساة الإنسانية التي بدأت تقع من جديد في هذه المنطقة. لا رأفة على مئات آلاف المواطنين، من أكراد وغيرهم، نساء وأطفال، ممن ينزحون ويفرون بفزع من القرى المجاورة للحدود. ولا أسف أيضاً على أكثر من 500 قتيل وجريح، أحصوا بعد خمسة أيام من القصف التركي.
إن التخوف الأساس لدى كل أولئك الذين لم يجتهدوا لمنع اردوغان هو ظل داعش المستيقظ، فنحو 10 آلاف من نشطائه المحتجزين الآن في سجون الأكراد وبضع عشرات آلاف آخرين من أبناء عائلاتهم في معسكرات اعتقال كردية. في جهد أخير لإحباط الهجوم العسكري التركي أشار الأكراد إلى أن هناك خطراً من هروب أولئك النشطاء، فيعودوا إلى بلدانهم الأصلية ليستأنفوا حرب الجهاد ضد الكفار. ولو كان بعض المبالغة في هذا التهديد الكردي لكن فيه شيئاً من المنطق. فالأكراد منشغلون الآن في الدفاع عن أنفسهم ومنشغلون أقل في حراسة معتقلي داعش. كما أن الأمريكيين الذين ساعدوا الأكراد في حراسة المعتقلات، منشغلون أكثر في حراسة حياة قواتهم في سوريا، ولا سيما بعد أن كاد بعضهم يصاب بنار مدفعية غير مقصودة من الأكراد.
إن القتال ضد داعش توقف في أعقاب حملة أردوغان “نبع السلام”. وقد أتاح الأمر لنشطاء التنظيم تفجير السيارات المفخخة في القامشلي، المركز اللوجستي الهام للأكراد، في الوقت الذي يقصف فيها الأكراد المنطقة من الجو.
إن التخوف من انبعاث داعش كنتيجة لهجوم اردوغان حرك الأوروبيين للسير على الخط مع واشنطن والتهديد بفرض عقوبات على تركيا إذا لم تتوقف. وأعرب الرئيس بوتين عن قلقه من عودة داعش إلى المناطق التي تحت السيطرة الروسية. وأجرت الجامعة العربية أمس اجتماعاً طارئاً في القاهرة لوزراء الخارجية، منددين بالغزو التركي.
ويحتمل أن لدى ترامب علامات ندم، فالتخوف من انبعاث داعش إلى الحياة والنقد الحاد في الحزبين في الولايات المتحدة على هجر الأكراد، أدى بالرئيس الأمريكي إلى تهديد أردوغان “شل الاقتصاد التركي”، وإصداره الأمر لوزير خزينته، ستيف منوحن، للاستعداد للمس بالممتلكات التركية في الولايات المتحدة، إذا ما استمرت الحملة العسكرية التركية.
أردوغان لن يفزع من العقوبات
انطلاقاً من الرغبة في منع مزيد من المس بصورة الولايات المتحدة كمن تدير الظهر لحلفائها، سارع ترامب للإعلان عن إرسال قوات أخرى ووسائل دفاع جوي إلى السعودية للدفاع عنها في وجه إيران. غير أن السعوديين لم يعودوا يعتمدون على واشنطن، وطلبوا من باكستان المساعدة في تسوية النزاع مع طهران بوسائل دبلوماسية.
ثمة احتمال طفيف أن يفزع اردوغان من تهديدات العقوبات ويوقف الحملة العسكرية ضد الأكراد، لقد هدد الأوروبيين بإغراقهم بملايين اللاجئين المتواجدين في تركيا. واتفاق إبقاء اللاجئين في تركيا مقابل مساعدة تركيا يوشك على الانتهاء.
الهدف: إحباط الحكم الذاتي الكردي
من خلف الغزو التركي إلى شمالي سوريا تقف خطة من مرحلتين لإحباط قيام حكم ذاتي كردي مستقل: في المرحلة الأولى، تهريب السكان الأكراد وميليشياتهم العسكرية عن المدن والقرى في قاطع من مئات الكيلومترات على طول الحدود السورية–التركية وإلى عمق 32 كيلومتراً داخل الأراضي السورية وإقامة منطقة فاصلة هناك. في المرحلة الثانية، توطين أكثر من مليوني لاجئ سوري في هذا القاطع ممن هم على الأراضي التركية.
للأتراك، الذين يحوزون الجيش الثاني في الناتو من حيث الحجم، ولشركائهم السوريين المؤيدين لاردوغان، تفوق عسكري واضح على القوات الكردية. واحتلال قاطع أمني كهذا وانسحاب الأكراد من هناك هما خطوة ممكنة، ولكن الاحتفاظ بهذا القاطع على مدى الزمن له خسائر فادحة. فللأكراد تجربة كبيرة في حرب العصابات، ويجدر باردوغان أن يتعلم من تجربة إسرائيل الصادمة من السيطرة في القاطع الأمني في جنوب لبنان حتى العام 2000.
تتابع إسرائيل عن كثب تطورات الشمال السوري ورد فعل القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. فحلف القدس وواشنطن قوي ولا يشبه التزام واشنطن تجاه باقي شركائها الإقليميين. ومع ذلك ثمة ما يقلق بأن الأكراد يشعرون بتخلي القوة العظمى الأقوى في العالم، وبات السعوديون مقتنعين بأنهم وحدهم أمام تهديد طهران.
بقلم: عوديد غرانوت
إسرائيل اليوم
أنظر تغطيتنا للحدث
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 4–
الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 5