مشاهد من حيوات نساء مفقودات/ وداد نبي
شباط/فبراير 2020، تم العثور في مدينة كوباني السورية على جثة امرأة كردية (33 عاماً) مقتولة على يد زوجها مع ابنها البالغ 10 أعوام، حيث تبين أنه قتلهما رجماً بالحجارة حتى الموت، وذلك بعد وصولهما من الدانمارك بعدة أيام.
مشهد 2
كانون الثاني/يناير 2020، طفلة مصرية تبلغ من العمر 12 عاماً تموت أثناء إجراء عملية ختان لها، تحت إشراف والديها.
مشهد 3
عام 2018، رجل سوري مقيم في ألمانيا يسمي نفسه أبو مروان قتل طليقته السابقة بالسكين وصور نفسه في فيديو حاملاً السكين التي عليها دماء ضحيته، وقام ببث مباشر على الفيسبوك، مهدداً النساء “هكذا ستكون نهايتكن”!
مشهد 4
عام 2018، أقدم أب سوري مقيم مع عائلته في كردستان العراق على قتل ابنته المراهقة بعد أن عرف بعلاقتها العاطفية مع رفيقها، حيث خنقها بخيط سرواله، وسجن لمدة عام وخرج حراً طليقاً.
*****
المشاهد أعلاه ليست بالتأكيد الحالات الوحيدة للعنف ضد المرأة، بل هي نماذج تتكرر كل يوم آلاف المرات، في كل أنحاء العالم، في عصرٍ اعتقدنا لوهلة أنه عصر الحريات والمساواة والحقوق. لكن العنف ضد المرأة قديم قدم الأنظمة البطريركية، التي تحكم العالم منذ آلاف السنوات؛ منذ حرق الساحرات في أوروبا في القرون الوسطى بتهمة السحر،
ووأد البنات أحياء عند العرب في الجاهلية، إلى تعذيب البنات الصينيات من القرن العاشر الميلادي للقرن التاسع عشر بربط أقدامهن في أحذية حديدية ضيقة، للحصول على القدم الذهبية أو قدم زهرة اللوتس، حيث كان ذلك شرطاً من شروط الزواج لجذب الرجال لخطبتهن، وصولاً إلى استرقاق وبيع النساء كجواري لدى الدولة العثمانية وغيرها من الدول، مروراً بخطف داعش للنساء الإيزيديات والكرديات واغتصابهن وبيعهن في أسواق للنخاسة ما بين عامي 2014 و2016، في مشهد كان يبدو أنه قادم من عصور قديمة، أو أنه مشهد سينمائي نستطيع أن ننساه بمجرد إطفائنا الشاشات. لكن إلى اليوم لا يزال مصير المئات من النساء الإيزيديات المختطفات على يد داعش مجهولاً. لا أحد يعرف أين اختفين وتبخرن، كما تبخر صراخهن من الألم والوحشية تحت سماء الشرق الأوسط. فالنساء اللاتي عدن لعائلاتهن وقراهن تم التعامل معهن بقسوة باعتبارهن “جلبن العار والخزي للعائلة”. ولم تكن هناك مؤسسات أو منظمات كبيرة تدعمهن بعدما مررن به من تجارب وحشية، وهذا أقل وصف يمكن أن يقال عنها.
طبعاً في ظل ظروف الحرب وعدم الاستقرار بإمكاننا تقدير الأعداد المرعبة لحوادث القتل والعنف ضد المرأة في العالم العربي وأفريقيا وغيرهما من الدول، حيث يمكن القول إن غياب قوانين واضحة تجرم فعل القتل والعنف ضد المرأة وتجرمه هو أحد الأسباب لتزايد جرائم القتل، كما أن الفوضى التي تحدث بسبب الحروب تجعل من التهرب من العقاب أمراً سهلا.
أضف إلى ذلك تسمية الجرائم ضد المرأة بـ”جرائم الشرف”، التي لا تزال إلى اليوم في عدد كبير من الدول تحظى برعاية القانون! وإلا ما الذي دفع بالرجل الذي رجم زوجته بالحجارة حتى الموت للقدوم من الدانمارك إلى سورية؛ إذ لولا معرفته الجيدة أن القانون في سورية لن يجرمه، وسوف تعتبر بشاعة فعلته “جريمة شرف” لما جاء. لكن لا يمكن القول إن الموضوع متعلق فقط بالقوانين، لأننا نجد أن الختان رغم كونهِ ممنوعا ومحظورا وفق القوانين الجديدة في مصر، تعرضت الطفلة ذات الـ 12 عاماً للموت منذ شهرين، وهي ليست الوحيدة، فإلى اليوم هناك آلاف النساء يُجرى لهن هذا التشويه في الأعضاء التناسلية الأنثوية، والقانون وحده لن يستطيع حمايتهن، في ظل بيئة تشجع هذا الفعل.
العقلية الذكورية
كما أن العنف ضد المرأة يتعدى القانون إلى العقلية الذكورية التي هي إرث آلاف السنوات من الأنظمة الاقتصادية والدينية والاجتماعية. فمؤخراً نشرت في ألمانيا إحصائية كانت مثيرة للجدل، تؤكد أن كل امرأة ثالثة في ألمانيا تعرضت للعنف البدني أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتها على يد شريكها أو شريكها السابق، بالإضافة لوجود نقص كبير بعدد الملاجئ للنساء المعنفات. فإذا كان يحدث هذا في ألمانيا، البلد الذي بنتهُ النساء بعد الحرب العالمية الثانية، البلد الذي تستلمُ فيه المرأة مناصب عليا في السلطة والسياسة والعمل، فإلى ماذا يمكن أن نرجع الأسباب وراء كل هذا العنف؟
ما سبق يطرح سؤال البحث عن جذور العنف ضد النساء في مجتمعات فيها قوانين تحمي المرأة مع مجتمعاتنا الشرقية وأفريقيا والهند وغيرها من الدول التي لا تزال قوانينها تحمل فروقات كبيرة فيما يخص حقوق النساء. فما المشترك بين النساء الألمانيات المعنفات والسوريات المقيمات في ألمانيا اليوم؟ ألا يمكن القول إن جذور العنف في المجتمعات هي واحدة، الفقر والعنصرية وتمدد اليمين المتطرف وتسييد أنظمة رأسمالية متوحشة تدفع الجميع للمزيد من العنف ليبقى هذا النظام قائماً على أكتاف الرجال والنساء سوية. فمشكلة النساء، سواء في الشرق الأوسط أو أفريقيا أو أميركا الجنوبية أو أوروبا، هي تحييد مشاكلهن وربطها بالثقافة والبيئة التي ولدن فيها فقط، وهذا خاطئ للغاية، فالموضوع متعلق أيضاً بالتمييز الطبقي وعدم الحصول على فرص متساوية بالتعليم وأيضاً بالإرث الاستعماري الطويل. فما يحدث اليوم لامرأة في قرية صغيرة في أي مكان بالعالم، يؤثر بالضرورة على النساء في كل مكان.
مما يؤخذ على الحركات النسوية في العالم وتحديداً الموجة الرابعة من الحركة النسوية، تركيزها كثيراً على منصات التواصل الاجتماعي في حركتها، دون أن تبذل المزيد من الجهد بالتواصل مع النساء على أرض الواقع. فقسم كبير من النساء المعنفات، وخاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند، لا يستطعن الوصول لهذه الوسائل، نتيجة الضغوط الاجتماعية التي يعشن فيها. وفي ظل الحروب وعدم الاستقرار، فقدت الكثير من النساء هناك قدرتهن على التواصل وإيصال أصواتهن. ما تحتاجه قضية حقوق المرأة في العالم هي المزيد من الأنشطة والحركات التي تعمل على أرض الواقع لتكون على تماس مباشر مع المجتمع، فتحاول حل مشاكلهن وإحداث تغيير في الذهنية، سواء لدى النساء بمعرفة حقوقهن أو لدى بقية أفراد المجتمع. إن وجود منظمات وقائدات نسويات تدعمن النساء حين يفقدن كل شيء أمر في غاية الأهمية. فما يحدث اليوم مع النساء في سورية والعراق واليمن والعديد من الدول التي لا تزال فيها الحروب مستمرة كوارث حقيقية، ضحاياها غير قادرات على الدفاع عن أنفسهن، مع الشعور في الكثير من الأحيان بالذنب لأنهن ببساطة لا يدركن حقوقهن حتى.
لا يمكن لهاشتاغ يصبح تريند في وسائل التواصل الاجتماعي أن يحل قضية امرأة واحدة حتى، فما الذي قدمه هاشتاغ العنف ضد النساء، للنساء المخطوفات إلى اليوم من قبل داعش، أو غيره من التنظيمات الجهادية؟ كيف يمكن لهاشتاغ أن ينقذ حياة امرأة يريد زوجها أو أحد أفراد عائلتها قتلها؟
إذا أردنا حقاً إحداث تغيير على الأرض علينا جميعاً أن نجد لأنفسنا أمكنة في الشوارع من خلال المظاهرات ورفع الصوت عالياً لتغيير القوانين وتغيير الذهنيات من خلال العملية التعليمية التي تكرس الفروقات بين الجنسين في المناهج التعليمية. كما أن إعادة النظر في المنظومة الأخلاقية فكرة جيدة في ظل تنامي هذا العنف. في الحقيقة أن إحداث جمعية صغيرة في العالم العربي تهتم بالنساء المعنفات وتدعمهن بالملجأ أو المال أو الإرشاد القانوني لحقوقهن حين يتعرضن للعنف والضرب أفضل من مليون هاشتاغ تطلقه الحركات النسوية في هذا العالم الذي لن يصبح مكاناً أفضل للنساء ما لم يكن، بالتوازي، مكاناً أفضل للأطفال والفقراء والمهمشين والهاربين من الموت والعنف.
* كاتبة كردية سورية مقيمة في برلين
ضفة ثالثة