ركائز الحكم الشمولي الرجعي العربي/ حيّان جابر
تعيش المنطقة العربية منذ نهاية العام 2010 صيرورة ثورية قد تمتد إلى أعوام عديدة مقبلة، إذ لن تنتهي حتى تتمكن من طيِّ صفحة النظام الشمولي الرجعي العربي، وتأسيس دولة ونظام حكم حديثين وعصريين قادرين على تلبية حاجات المجتمع. ويعود انفجار الثورات العربية، بموجتيها الأولى والثانية، إلى جملة من الأسباب السياسية والاقتصادية، التي تتمثل في مظاهر الحكم الاستبدادي والأمني، وفي انتشار التخلف والرجعية اجتماعياً، وتردي الخدمات الأساسية، وسوء الظروف المعيشية اليومية. أي يمكن القول بتعبير آخر؛ لقد انفجرت الشعوب في وجه حكامها نتيجة الفشل الشامل والكامل للدولة ومؤسساتها على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أي هو فشل مطلق ومفضوح غير مستتر خلف أي وميض من الأمل، أو حتى الوهم بمستقبل مغاير في ظل استمرار ذات المنظومة الحاكمة، ممثلة بالأفراد والمؤسسات الحاكمة والمسيطرة. لكن وعلى الرغم من وضوح حضيض الحاضر والمستقبل الفردي والوطني تحت سدة حكم ذات العصابة الحاكمة، إلا أنه لم يحل دون أن تثير الموجات الثورية هواجس ومخاوف شرائح شعبية عريضة ذات تأثير نوعي على سير الأحداث المحلية، فانزوت على ذاتها في أحسن الأحوال، بينما تخندقت في خندق النظم في حالات أخرى، مما أعاق الحركة الثورية، وساهم في إنجاح مخططات البعض لحرفها وركوبها، وبالتالي عزز هواجس المتخوفين بصورة متكررة، وزاد من ضبابية المستقبل، وأثار القلق والذعر لدى شرائح جديدة أكبر عدداً وأكثر تأثيراً، وكأننا في خضم دائرة مغلقة سنبقى ندور فيها من دون نهاية قريبة. وعليه؛ وكي نساهم في الخروج من هذه الدائرة المغلقة؛ سنحاول تفكيك المنظومة الحاكمة الشمولية المسؤولة عن خلق وفرض هذه الدائرة بالدرجة الأولى، كي نتمكن من تجاوزها لاحقاً، واستعادة المسار الذي يحقق أحلامنا وطموحاتنا الوطنية المشروعة، بعيداً عن الاستسهال في التعاطي مع هذه المنظومة المحكمة، التي نجحت في أسر المجتمع وتكبيله، وخلق مجموعات وفئات لا يستهان بها تعتاش منها وعليها، مما يدفعها إلى الاستبسال في الدفاع عنها. وبعيداً كذلك عن خطاب المظلومية الفئوية، غير القادر على المساهمة في تأسيس خطاب ونهج وبرنامج وطني يلبي طموح وتطلعات مجمل المفقرين والمظلومين من أبناء الوطن، أو غالبيتهم حتى.
إن الواقع العربي المحلي الحالي في أي بلد من البلدان العربية ينضح بتفشي التخلف وانهيار الإنتاج الصناعي والزراعي، فضلاً عن التردي في مجمل الخدمات الرئيسية؛ الطبية منها واللوجستية؛ كشبكة الطرق والمواصلات والنقل التجاري والمدني، والبنى التحتية اللوجستية، كتمديدات الكهرباء، والاتصالات، والإنترنت، كما تنال البنية الاجتماعية العربية المحلية نصيبها من الانهيار العربي، إذ تتشظى وتتقسم وفقاً لانتماءات قبل وطنية، كالعشائرية والقبلية والطائفية والإثنية، لتشكل هذه الملامح الإطار العام للوضع العربي المحلي الذي لا يختلف حوله اثنان. وهو يقود إلى الاستغراب من نجاح العصابة المسيطرة في حماية مصالحها وضمان استمرارية سيطرتها على طوال السنوات، بل العقود الماضية، رغم جميع مظاهر الفشل الواضحة. طبعاً، لا يمكن إنكار دور منظومة الحكم الشمولي والرجعي العربي في خدمة مصالح القوى والدول الخارجية، وفي تسهيل سيطرتها على خيرات الوطن والمواطن، وهو ما انعكس من خلال نيلها شرعيتها الخارجية، التي تحولت رويداً رويداً إلى حمايتها، بل ودعمها، مهما استفحلت الأنظمة العربية في الإجرام والاستبداد، تماماً كتجاهل المجتمع الدولي لجرائم العديد من الأنظمة العربية، كالنظام المصري، سواء في عهد مبارك، أو اليوم في عهد السيسي، وكذلك تجاه إجرام النظام السوري، على الرغم من علانيته وفجاجته ووحشيته، وها نحن اليوم نشهد تجاهلاً مطلقاً لجميع الانتهاكات والجرائم التي تمارسها العصابة المسيطرة في لبنان والعراق في حق المتظاهرين السلميين من دون أي تدخل دولي يحول دون استمرارها، على الرغم من قدرة المجتمع الدولي على لجمها دون الحاجة للتدخل العسكري حتى، قياساً لتدخلاته العديدة على مدار السنوات الماضية في ملفات متعددة كانت تهدد مصالح المجتمع الدولي الآنية، أو المستقبلية، مما اقتضى ممارسة بعض الضغط الخارجي لتقويمها لا أكثر.
لن أتطرق هنا للعلاقة البنيوية الصلبة القائمة بين النظم الشمولية الرجعية العربية من جهة، والمجتمع الدولي ممثلاً بالدول المتقدمة “الولايات المتحدة الأميركية، ودول الاتحاد الأوروبي الأقوى، وتحديداً فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا” من جهة ثانية، نظراً لوضوح تلك العلاقة، إنما سأتناول بنية النظام الشمولي الرجعي وأدواته.
تدمير وتفتيت المجتمع المحلي
انطلقت الأنظمة العربية الحاكمة من توطيد ركائز هيمنتها وسيطرتها الاجتماعية والسياسية المحلية، عبر تدمير وتفتيت قوى المجتمع المحلي، سياسية كانت أو اجتماعية، عبر التصفية الجسدية المباشرة، والإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي الذي تخللته أيضاً تصفية جسدية لبعض المعتقلين، أو المختفين قسرياً، داخل السجون والزنازين الرسمية؛ مما وضع الأحزاب والقوى السياسية التي كانت قائمة في لحظة سيطرة النظام الشمولي الرجعي العربي أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التصفية الجسدية والملاحقة الأمنية لكل من رفض الانصياع لإرادة الحكام، أو الاضمحلال والذوبان والتقوقع، وحل جميع الهياكل التنظيمية والشعبية والسياسية التي كانت قائمة، كي تصبح هذه الأحزاب مجرد مجموعات فئوية صغيرة، ذات طابع عائلي، أو فئوي، أو ثقافي، محدد ومحدود العدد، يعتاش على فتات السلطة، وبإذن منها.
ثم “وربما بالتوازي” عملت الأنظمة سريعاً على ملء هذا الفراغ الاجتماعي والسياسي، عبر تعزيز نفوذ وسيطرة وهيمنة وقدرة المرجعيات دون الوطنية، جاعلة منها البديل الجاهز والوحيد لسد الفراغ الذي تسبب به غياب الحركة السياسية الحزبية شعبياً واجتماعياً وسياسياً، لينحصر التمثيل الاجتماعي داخل مؤسسات الدولة الخدمية والهامشية – مثل المؤسسات العلمية والإعلامية والإدارية والتشريعية، كمجلس النواب، وبعض النقابات والهيئات المهنية الشكلية – في أحزاب هامشية وكاريكاتورية فئوية الطابع؛ ومن خلال مرشحي المرجعيات دون الوطنية، مما كرس تقسيم المجتمع على أسس إثنية وعرقية وعشائرية وقبلية، ونحَّى الخلاف السياسي والفكري والأيديولوجي بشكل نهائي لصالح سيادة رؤية وخطاب وتوجه النظام.
وعليه، سعت الأنظمة العربية، ومنذ أيامها الأولى في الحكم، إلى تفكيك البنية الاجتماعية المحلية، عبر تكريس دور ونفوذ ممثلي الانتماءات الرجعية في مؤسسات الدولة، وبالتالي تعزيز نفوذهم اجتماعياً، من أجل توطيد ركائز حكم استبدادي رجعي، وتقليص احتمالات إسقاطه بقوة الشارع الموحد والواعي أولاً، ومن أجل المضي قدماً في نهب المال العام بغياب كامل لأي محاسبة، أو مساءلة قانونية، أو سياسية، ثانياً، فالشعب أضحى شعوباً، أو مجموعات متفرقة لكل منها مرجعية اجتماعية دينية، أو قبلية. بل عملت السلطة على خلق مرجعيات غير موجودة من قبلها، كي توغل في تقسيم المجتمع وربطه مصلحياً بممثلين فاسدين يدينون بالولاء لها وحدها، ومنحوا مزايا مالية واجتماعية تشد من عزمهم وقوتهم وقدرتهم في السيطرة على الفئات الشعبية، لتضحي هذه المرجعيات هي السبيل الأسهل والأضمن؛ وغالباً الوحيد؛ المتاح للمواطنين، حتى في ما يتعلق بنيلهم حقوقهم الطبيعية والبديهية، كحق العمل، ومتابعة الدراسة، والطبابة.
مفاعيل غياب أي مساءلة
وفي ظل غياب أي مساءلة، سياسية كانت أو قانونية، فإن هذا سهل على النظم المسيطرة تخصيص ميزانيات شحيحة ومتقشفة من أجل تسيير مهام الدولة الاجتماعية، الطبية منها والتعليمية والبنيوية، وهو ما جعل جل هذه المهام، أو الخدمات الاجتماعية، رديئة جداً، وتكاد تنعدم، خصوصاً في المدن والبلدات والمحافظات الطرفية غير الرئيسية.
“انطلقت الأنظمة العربية الحاكمة من توطيد ركائز هيمنتها وسيطرتها الاجتماعية والسياسية المحلية، عبر تدمير وتفتيت قوى المجتمع المحلي، سياسية كانت أو اجتماعية، عبر التصفية الجسدية المباشرة، والإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي”
وتحولت ميزانيات الوزارات والمحافظات والمجالس البلدية إلى مخصصات سرية، تنهبها المرجعيات دون الوطنية، والأحزاب السياسية الشكلية المنحلة فعلياً من أجل ضمان سكوتها وخنوعها للمافيا الحاكمة، لذلك نشهد تنافساً شديداً بينها على كمية ونوعية الوزارات والمحافظات والمجالس، حتى لو كانت بلدية، أو محلية، فلكل منها ميزانيتها وخصوصيتها التي قد يتوسع بها هامش النهب والفساد والسرقة، مما يسيل لعاب الفاسدين. أما العائد الأكبر والأهم من ميزانية الدولة ودخلها الوطني، أو القومي، ومن ثرواتها الطبيعية والمعدنية، فيتجه نحو جيوب المافيا الحاكمة سراً وعلناً، من خلال البنود والموازنات والعوائد السرية التي يحظر الكشف، أو الإفصاح عنها، بذريعة الحفاظ على الأمن الوطني والقومي، أو عن طريق نهب الخيرات والثروات الوطنية، وتهريبها إلى الخارج عبر مرافئ ومعابر خاصة بالمافيا الحاكمة، لا تخضع لأي تفتيش، أو متابعة ومراقبة.
بكلمات أخرى تم تأسيس النظام الشمولي الرجعي العربي على ثلاثة مرتكزات رئيسية، يتمثل الأول في القبضة الأمنية الاستبدادية القادرة على مواجهة أي متغير داخلي قد يهدد بقاءه، أو حتى يكشف اللثام عن خفايا الحكم مهما صغر، وهو ما تجلى بصورة واضحة في الإجرامية والوحشية والعنف المفرط الذي تعاملت به الأنظمة العربية المختلفة مع جميع الحركات الشعبية الاحتجاجية، مهما صغر حجمها، وانخفض سقف مطالبها وأهدافها، بل حتى عند لجوئها إلى وسائل وأساليب سلمية. كما تتجلى في عملية التصفية السرية التي تطال رجال النظام، ممن أبعدوا، أو ابتعدوا، لأي سبب كان عن واجهة الأوضاع، ممن يملكون معلومات عن كيفية إدارة الحكم من قبل هذه العصابة، لذا يتم تصفيتهم بسرعة قبل أن تتسرب منهم أي معلومة مهما صغر حجمها.
في حين يمثل المال والمصلحة المادية والتستر على نهب وسلب المال العام الركيزة الثانية التي تجمع أقطاب العصابة الحاكمة، وتربطهم في ما بينهم برابطة قوية يصعب الفكاك منها، فجميعهم متورطون في هذه القضايا، وشركاء في كل الصفقات المشبوهة، السرية منها والعلنية، لذا يصبح خروج أي كان خطراً يهدد مصير مجمل العصابة، ويصعب احتواؤه، وهو ما يفسر تماسك الأفراد واستماتتهم في الدفاع عن مجمل العصابة، لدرجة يصعب معها التضحية بأي من أقطابها دون تصفيته جسدياً، كما يستخدم المال المنهوب في تشكيل جيش كامل من المستفيدين والمعتاشين على هذا الفساد، من صغار وكبار التجار، إلى وجهاء المناطق والانتماءات قبل الوطنية، ورجال الدين والسياسة والثقافة أيضاً، فضلاً عن المفقرين والعاطلين عن العمل الذين يجبرون بحكم الظروف ودونية أخلاقهم على التورط مع هذه المنظومة الفاسدة والمفسدة. وأخيراً، يؤسس النظام الشمولي الرجعي على زيادة تخلف المجتمع، وتدمير وعيه الوطني، وتفتيته إلى مرجعيات إثنية وعرقية وعشائرية وقبلية، يسهل تسييرها والتحكم بها وزجها في أتون صراعات جانبية جوفاء في ما بينها، مما يحمي النظام ويبعد عنه شبح الثورة الشعبية الشاملة والموحدة.
مشوار استعادة الروح
على ضوء ذلك كله، انفجرت الثورات الشعبية في واقع أمني واجتماعي واقتصادي نابذ لها، على الرغم من توافر شروطها الموضوعية، أي الإفقار والتجويع، وسوء الخدمات العامة والخاصة، غير أن شروط نجاحها الذاتية مفقودة منذ اليوم الأول لتشييد الحكم الشمولي المتخلف، وهو ما يفسر كثرة وكبر حجم العثرات والمعوقات التي واجهت الحركة الثورية العربية، بموجتيها الأولى والثانية، والتي أدت إلى محدودية نتائجها حتى الآن. من ناحية أخرى، فإن تنامي وتضخم مظاهر الفساد والقتل والاقتتال والانقسام في المجتمع يعود إلى سياسات وممارسات النظام الشمولي الرجعي على مدار العقود والسنوات الماضية بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة، بينما لعبت الثورات الشعبية دور المسرع لخروجها إلى السطح السياسي والاجتماعي فقط، دون أن نغفل دور بعض القوى المحسوبة على الحركة الثورية، أو الاحتجاجية، من عملاء الخارج، أو من بعض الفئات المعارضة لنظام الحكم، فقط لعدم مشاركتها به، أي من الذين يعارضون أفراداً وأشخاصاً من المنظومة الحاكمة، بينما يؤيدون مجمل منظومة الفساد والإفساد القائمة.
لذا يصعب على أي حركة احتجاجية شعبية تحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكاملة من دون هدم أسس الحكم الشمولي والرجعي القائم اليوم، وهو أمر يتطلب كثيراً من الجهد والوقت والمثابرة، فمشوار استعادة الروح والانتماء، والشعور الوطني الجامع، وتجاوز الانتماءات العصبوية الفئوية، هو مهمة نضالية ميدانية لا يمكن إنجازها وفق أهواء وتخيلات بعض المثقفين “المتثاقفين” العرب عبر مجموعة من الكتابات والطروحات النظرية المعزولة عن الواقع، التي لا تعرف طريقها إلى الشعب، فعلى أهمية الطرح والنضال النظري، أو الثقافي، إلا أن تأثيره في ظل غياب الممارسة الثورية والوطنية العملية يقارب الصفر، في حين يكتسب زخمه وتأثيره كلما التصق بحركة الشارع، وعبر عنها، وبحث عن حلول واقعية وعملية لجميع مشاكلها، وهو ما شاهدنا بعض نماذجه أثناء الحركة الثورية السودانية والعراقية واللبنانية، وإن تفاوت حجم تأثيره ودوره في كل منها. فعبر استعادة الانتماء الوطني اجتماعياً وسياسياً يفتح الباب واسعاً أمام القوى والاتجاهات السياسية كي تعبر عن مواقفها الوطنية الجامعة، بعيداً عن الخزعبلات والترهات السياسية التي يتفوه بها بعض مدعي العمل السياسي من دمى السلطات المسيطرة ورجالاتها. أما أساس النظام الشمولي الرجعي الاقتصادي فيتطلب فضح الفاسدين والمفسدين من أعلى الهرم إلى أسفله، وبغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية والعرقية، بغرض محاكمتهم في ظل قضاء مدني نزيه ومستقل عن أي سلطة سياسية مهما كانت، وهو ما نشهد بعض فصول تجلياته النضالية، في خضم تنامي وعي الحركة الثورية اللبنانية والعراقية، التي تعمل على فضح جميع رموز الفساد من جميع الملل والمذاهب والطوائف الدينية والسياسية، الراهنين منهم والتاريخيين، ممن ابتعدوا قليلاً عن واجهة الأحداث، بما فيها فساد القضاة والمنظومة القضائية الخاضعة والحامية لهذا النظام، من أجل تحرير القضاء، وضمان نزاهته واستقلاليته، كخطوة أولى في مسار محاسبة المفسدين والفاسدين والمجرمين المسؤولين عن الأوضاع الكارثية التي يمر بها الوطن والمواطن، والمسؤولين عن مقتل وسجن وتعذيب وتهجير العديد من المواطنين أيضاً. لكنه يتطلب كذلك رؤية اقتصادية بديلة وجريئة ومناقضة للبنية القائمة، بنية تضع تطوير وتفعيل العملية الإنتاجية على رأس أولوياتها، وتطرح رؤى عملية لاستثمار الثروات الوطنية الطبيعية والبشرية وفق مخطط واضح ومعلن وشفاف، بالتوازي مع تفعيل الدور الرقابي الاجتماعي والسياسي، وإمكانية المحاسبة القضائية لجميع المسؤولين مهما علا شأنهم.
عند ذلك قد نشهد انهيار وتفكك المنظومة الأمنية نتيجة انفضاض مجمل فئات وطبقات الشعب المسحوقة من حولها، لأن توافر البديل الوطني اقتصادياً واجتماعياً سيعزز لا محالة من تطلعات العديدين نحو مستقبل مختلف يستند إلى منطق الحق والقوة القضائية، كبديل عملي لمنطق القهر والإذلال القائم اليوم، لذا وإن لم تنهر المنظومة الأمنية تلقائياً في هذه المرحلة، فإنها على الأقل ستخسر الجزء الأكبر من قوتها الميدانية، متمثلة في قدرتها على تجنيد المسحوقين والمفقرين من أبناء الوطن، وبذلك يسهل على الحركة الثورية مواجهتها والقضاء عليها، وإعادة بناء المؤسسة الأمنية على أسس حماية وصون أمن المواطن والوطن من أي خطر خارجي يهدده، بعدما كانت تجسيداً لهيمنة وسيطرة وتحكم النظام الشمولي الرجعي بجميع القضايا الداخلية والخارجية.