الأسد وبن زايد: أين المفاجأة؟ -مقالات مختارة-
======================
الأسد وبن زايد: أين المفاجأة؟/ أرنست خوري
ليس عجيباً ولا غريباً ولا مفاجئاً اتصال محمد بن زايد ببشار الأسد. ربما يكون محمد بن زايد نفسه هو المتفاجئ الوحيد إلى درجة أنه أوحى بأنه يبحث في كورونا عن عذر لتبرير التواصل، بحسب ما جاء في تغريدة له نشرتها ببغائية وكالتي “سانا” و”وام”.
محمد بن زايد، وباقي أركان السلطة الإماراتية عموماً، لم يكونوا راغبين يوماً لا بإزاحة النظام السوري، ولا بإصلاحه، حتى منذ اندلاع الثورة. حفلات الغزل المتبادلة بين آل الأسد وآل نهيان قبل 2011، والتي تشتدّ حرارتها كلما عدنا إلى الوراء، زمن أوسمة حافظ لزايد والعكس بالعكس، تقدّم عينة عن كيف ينظر حاكم كل من البلدين إلى نظيره، ولا تغيّر الشتائم الموسمية العادية شيئاً في “العلاقات المميزة”. لا عادى حكام أبوظبي القتلة القابعين في دمشق لأسباب عقائدية ولا على خلفيات مصلحية. على كل حال، فإنّ معاداة نظام الأسد ليست قيمة في حد ذاتها تُحتسب في رصيد صاحب العداء، فما أكثر هؤلاء الذين سمّوا نفسهم “أصدقاء الشعب السوري” وهم في ميزان الحقارة والقمع والدموية والتسلط والظلامية ينافسون الأسدين الأب والابن، وإن كانت تلك المنافسة شديدة العُسر، نظراً إلى ما بلغه حكّام قصر المهاجرين.
لكن للإمارات تاريخاً خاصاً مع التقيّة التي جعلتها يوماً ما عضواً من دون ضجة في صفوف نادي “الأصدقاء” هؤلاء. عضو كان مبادراً في ممارسة كل أصناف السياسات الضارة بحق الشعب السوري خصوصاً: يهتفون باسم السوريين، ثم يحجبون تأشيرات الدخول لآلاف منهم منذ السنوات الأولى من عمر الثورة، ويعتقلون مئات منهم، ثم يأتي دور توظيف سوريين في عداوات أبو ظبي لأنقرة وللدوحة لخدمة أجندة روسيا خصوصاً (هل تذكرون أحمد العودة وتسليم المناطق لروسيا في درعا؟) ويحوّلون من تيسّر من بين السوريين أيضاً، مبكراً، إلى مرتزقة لديهم، وصولاً إلى رعاية إعادة الأسد ونظامه إلى حضن النظام الرسمي العربي في مقر جامعة الدول، فيُعاد افتتاح السفارات العربية في دمشق، وإرسال عمر البشير في زيارته الأخيرة إلى الشام قبل التوجه إلى السجن، ويا للمفارقة.
لم تنضم الإمارات إلى نادي “أصدقاء الشعب السوري” وغرفتي “الموك” و”الموم” إلا مجبرةً، عندما كان هناك قرار أميركي بإضعاف النظام السوري إلى الحد الأقصى، في انتظار ظهور بديل سوري “مقبول” من صفوف المعارضة، تصبح معه إطاحة نظام الأسد ذات معنى سياسي يضمن مصالح واشنطن وحلفائها في الإقليم. هكذا انضمت الإمارات إلى مناهضي النظام السوري، ودفعت ما عليها من أموال، وسايرت بذلك أيضاً الهوى السعودي في الانتقام من الإهانة الشخصية التي وجهها بشار الأسد لمسؤولين عرب بعد حرب تموز 2006 عندما وصفهم بـ”أنصاف الرجال”.
لكن رحلة الكذب الإماراتية في ادعاء العداء للنظام السوري كانت قصيرة جداً، حتى إنها، على قصر مدتها، طالت أكثر مما يفترضه المنطق. فالمنطق يضع كلّاً من حُكام أبوظبي ودمشق في خانة أعز الأصدقاء؛ هم واحد في نظرتهم الى الحرية كتخريب، والمواطنين كعبيد أو موتى، والديمقراطية كحكم الغوغاء و”الإسلام الجيد” ذاك الذي يحصر وظيفته بخدمة السلطان واختراع الفتاوى غب الطلب لما يناسبه، وإلا يكون إرهاباً. أما الهيمنة الإيرانية في سورية واحتمال أن تشكّل عثرة في طريق دمشق ــ أبوظبي، ففي هذا الكثير من الوهم: ألم تكن الإمارات سبّاقة في مصالحة (إن افترضنا أصلاً وجود خلاف) إيران من بوابة حرب اليمن؟ أليست الإمارات الشريك التجاري الأكبر لإيران من بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ مجدداً، ما هو المفاجئ في اتصال بن زايد بالأسد، بينما العلاقات الأمنية بين البلدين لم تنقطع يوماً؟ اسألوا علي المملوك وصِلة الوصل المصرية بين البلدين، عباس كامل. أين الغرابة في الاتصال، بينما الإمارات أعادت افتتاح سفارتها في دمشق (وجرّت معها بعض التابعين) منذ 2018؟
كان النظام السوري ولا يزال مصدر اطمئنان لبلد مثل الإمارات، وإن اضطر مرغماً أن يساير الرغبة الأميركية مؤقتاً. أما وقد اختفى الضغط الأميركي، فلم يعد يبقى إلا انتظار نهاية الموجة الحالية من كورونا، لكي يزور بشار الأسد أبوظبي، ويرد له محمد بن زايد وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة الذي سبق أن سلمه حافظ الأسد لزايد آل نهيان في دمشق ذات يوم من عام 1973.
العربي الجديد
تليفون بن زايد وبشار الأسد/ يوسف بزي
تروي موظفة مرموقة في الأمم المتحدة في العام 2015، كيف أن وكالات الغوث التي كانت تنشط في سوريا، كانت تضطر لحسبان كمية هائلة من المساعدات المخصصة للمناطق المنكوبة والمحاصرة، ستذهب بالمصادرة لصالح جيش النظام. وعلى هذا الأساس كانت تعمل كي يصل ما يتيسر إلى المدنيين المحتاجين.
وكانت المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة كما بعثتها الرسمية، قد أكدت مراراً أن النظام السوري انتهج سياسة التجويع، إضافة إلى منهجية تدمير المستشفيات والمستوصفات ومراكز الإسعاف والدفاع المدني.
نستذكر ذلك عقب الاتصال الذي أجراه ولي عهد الإمارات محمد بن زايد ببشار الأسد، تحت شعار “المساعدة الإنسانية”. فحسب قول وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، فإن هذا الاتصال يأتي بسياق الظروف الاستثنائية المرتبطة بوباء كورونا!
وقال قرقاش، عبر “تويتر”: “الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا تتطلب خطوات غير مسبوقة، وتواصل الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري هذا سياقه، البعد الإنساني له الأولوية وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات، خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة”. وكان بن زايد نفسه نشر تغريدة قال فيها: “بحثت هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
قبل الدخول في هذا المضمون، نتذكر أيضاً، محاولة دولة الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق قبل سنتين، قبل أن تُنهَر إقليمياً ودولياً على نحو لجمها عن هذه الخطوة.
وسبق ذلك، مبادرات إماراتية، لزيارات وفود إلى سوريا أو استقبال وفود سورية، هي في مجملها تتعلق بمعارض عقارية أو مشاريع اقتصادية، أو خطط تجارية تقع في خانة سعي الإمارات إلى ضمان حصة في مستقبل إعادة الإعمار والبناء. لكن أيضاً سرعان ما تم تجميد هذا النشاط “تحت ضغط دبلوماسي”، رضوخاً لسياسة عربية ودولية مقاطعة لنظام الأسد.
أبعد من ذلك، يتسق هذا التوجه الإماراتي مع وجهة سياسية تعتمدها بإصرار، قوامها التحالف مع أي شيطان لمواجهة “الإخوان المسلمين” أولاً (وهذه يافطة تضم أطيافاً لا حصر لها من التيارات الإسلامية)، ناهيك عن التيارات العلمانية أو الليبرالية أو اليسارية، ومقارعة النفوذ التركي تالياً.. والأهم، هو التخلص كلياً من موجة “الربيع العربي” ومناخاته وتداعياته، على نحو يفوق أهمية بالنسبة للإمارات أي “خصومة”.
هكذا، نعود إلى مضمون المكالمة والتغريدات “العاطفية”، كي ندرك تماماً فحواها الفعلي. فالأزمة الإنسانية الناتجة عن وباء كورونا، ذريعة لا تنقصها الوجاهة على أي حال، كي تبادر الإمارات إلى إنعاش جهودها في التواصل مع النظام، ومع الأسد شخصياً.
لكن، بتذكر أن النظام هذا متهم على نحو راسخ بارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وبعداوته العميقة والوحشية للسكان، وازدرائه المعروف بحياة مواطنيه.. وصحتهم، يدفعنا هذا إلى التشكيك بمقصد دولة الإمارات ورغبتها المعلنة بـ”مساعدة سوريا الشقيقة”. ويمكننا والحال هذه، الترحيب حقاً بمساعدة السوريين، أي المواطنين، عموم الشعب السوري.. من قبل الإمارات وغيرها، وأيضاً حسب لغة الوزير قرقاش أي “تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة”، فيكون الأولى هنا أولئك القابعون في العراء والخيم، الذين شردهم النظام أخيراً، والذي يربو عددهم في الشمال السوري وحده المليون شخص. وكان يمكن للإمارات أيضاً بلا مكالمات مع الأسد (احتراماً لمشاعر السوريين على الأقل)، أن تقدم المساعدات لهم عبر عشرات المؤسسات الدولية أو المحلية التي تُعنى بصحة الناس.
الإمارات قبل غيرها تعرف تماماً الفارق الهائل بين “التطبيع” مع النظام من جهة، و”مساعدة” الشعب السوري. فالأمر الأول هو أكبر مكافأة لقاتل، ورضوخ مشين لمحور إيراني جلب الكوارث على الإمارات وعلى العالم العربي برمته. أما الأمر الثاني فيبدو منسياً ومهملاً عمداً، لأن الشعوب الثائرة خطرة ومزعجة لأنظمة تحب “الاستقرار”، ولا بأس من البطش بها وإماتتها قصفاً أو جوعاً أو مرضاً ووباء.
قرقاش وبن زايد والعالم كله يعرف، لو أن النظام الأسدي يستطيع تصنيع كورونا بقنابل ليرميها على السوريين لما تردد. وبهذا المعنى، “مساعدة” الأسد تبدو غير إنسانية.
تلفزيون سوريا
———————————————————
لماذا اتصل بن زايد بالأسد؟/ إياد الجعفري
يحتاج الأمر إلى الكثير من السذاجة، لتقبل تلك التبريرات الرسمية الإماراتية، للمكالمة الهاتفية المفاجئة بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وبين رأس النظام في دمشق بشار الأسد. لكن فهم سرّ اختيار هذا التوقيت بالذات، لتطوير الانعطافة الإماراتية باتجاه نظام الأسد، والتي بدأت منذ نهاية العام 2018، يتطلب نقاشاً بعيداً.
هناك الكثير من التفسيرات المتداولة لقرار الإمارات الرسمي، الجلّي منذ ما يقارب السنتين، بفتح قنوات التواصل مع نظام الأسد، وإن تدريجياً. أكثر تلك التفسيرات رواجاً، إثنان، الأول متداول بكثافة بأقلام كتّاب إماراتيين محسوبين على السلطات في أبوظبي، ومفاده أن الإمارات لا تريد ترك “سوريا” لقمة سائغة لكل من إيران وتركيا. هذا التفسير يتشعب، إذ تجد من يركز على الخشية الإماراتية من الدور التركي تحديداً، فيما تجد آخرين، يركزون على رغبة الإمارات بعدم تكرار تجربة العراق، بعيد غزوه عام 2003حيث كان الدور العربي ضئيلاً، مما ترك هذا البلد لقمة سائغة للإيرانيين، حسب منظّري هذه القراءة.
أما التفسير الثاني، فيتعلق بكراهية بن زايد، على غرار كثير من حكام الخليج، للإسلاميين، وأيضاً، للثورات. وهنا، يعتقد أصحاب هذا التفسير، أن للإمارات خصوصية في ذلك، مقارنة بالسعودية، فالحساسية الإماراتية حيال “الأخوان المسلمين”، أعلى بدرجة، ما يجعل الإمارات على درجة كبيرة من التشنج حيال أي نشاط تركي في المنطقة العربية، وفق منظّري هذه القراءة أيضاً.
لكن هذين التفسيرين يغفلان عن تقديم فهم واضح لتسلسل متناقض من الأحداث. فالإمارات، الحليف المقرّب من الولايات المتحدة الأمريكية، تجاهلت خطوطها الحمراء، وفتحت القنوات تدريجياً مع نظام الأسد، منذ نهاية العام 2018، علناً. وتطورت تلك التحركات في زيارة وفد اقتصادي إماراتي رفيع المستوى، للمشاركة في معرض دمشق الدولي عام 2019، في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تحذّر رسمياً من أي انفتاح اقتصادي على النظام. سبقت ذلك، زيارة لافتة لثلّة من رجال الأعمال المقرّبين من النظام، على رأسهم محمد حمشو، إلى أبوظبي. لتأتي المكالمة بين بن زايد والأسد، تتويجاً لخطوات متتالية، تكشف علناً، ما استُتِر من استمرارية للعلاقة بين الجانبين.
أحد الآراء المثيرة للجدل، تلك التي يعتقد أصحابها أن الإمارات تراهن على بشار الأسد، كي يكون وسيطاً لتخفيف التوتر بينها وبين إيران. يلقى هذا الرأي دعماً من واقعة إصرار الطرفين الأمريكي والإماراتي على إجراء مناورة عسكرية، قبل أيام، في قاعدة الحمرا الإماراتية، شهدت محاكاة للاستيلاء على مدينة “شرق أوسطية”، وذلك رغم تعليق الأمريكيين لمعظم المناورات العسكرية في العالم، بسبب تفشي وباء “كورونا”.
طهران من جهتها، اعتبرت المناورة تستهدفها، فهي تحاكي الاستيلاء على مدينة تحمل مواصفات إحدى المدن الإيرانية، أو ربما العراقية. الأمر الذي فسّرته طهران، بأنه موقف إماراتي عدائي، في وقت تعاني فيه إيران من تبعات تفشي “كورونا”، لديها.
يمكن أن نفسر المكالمة اللافتة في توقيتها، بين بن زايد والأسد، على أنها محاولة لتخفيف التوتر مع إيران، والاشارة الى ان الامارات تعرضت لضغوط من واشنطن، كي تقبل إجراء المناورة العسكرية، في هذا التوقيت، فيما يدرس البنتاغون شن حملة عسكرية واسعة ضد الميليشيات التابعة لإيران، في العراق، والتي ما تزال تطلق القذائف على الأهداف الأمريكية هناك.
وقد نذهب في هذا التفسير إلى أبعد من ذلك، فـ ابن زايد، وبغض النظر عن محتوى ما قاله للأسد، يضع منذ سنتين، قدماً مع الأمريكيين، وأخرى يقلص بها المسافة بين الامارات وبين إيران. فالرجل الذي يدير دولة في موقع هشٍ أمنياً، بجوار قوة إقليمية كبرى بطموحات مرتفعة، يعلم جيداً بأن وضع “كل البيض” في السلّة الأمريكية، أمر في غاية الخطورة، في الوقت الذي تذوي فيه ملامح القيادة الأمريكية للعالم، بسرعة كبيرة.
المدن
———————————————————–
ابن زايد يهاتف الأسد.. حلقة جديدة في مسلسل التطبيع مع سفاح دمشق
في وقت متأخر من مساء الجمعة، تواردت الأنباء عن اتصال هاتفي بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، ورئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو ما أكدت عليه وكالة “سنا” التابعة للنظام السوري، قبل أن ينشر حساب ابن زايد على تويتر، تغريدة بين فيها تفاصيل ما جاء في الاتصال. فيما يعكس الاتصال المساعي المستمرة، من قبل الإمارة الخليجية المعادية للربيع العربي، من أجل الترويج للأسد عربيًا.
وقالت وكالة “سنا”، إنه قد جرى اتصال هاتفي بين الأسد ومحمد بن زايد “تم خلاله بحث تداعيات انتشار فيروس كورونا”. وحسب بيان الوكالة، فقد “أكد ولي عهد أبوظبي دعم الإمارات ومساعدتها للشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية، مشيرًا إلى أن سوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
في المقابل، وحسب ما نشرت وكالة الأنباء الإماراتية، فقد رحب الأسد بمبادرة ابن زايد، “مثمنًا موقف دولة الإمارات العربية المتحدة الإنساني في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من هذا التحدي المستجد، وأكد ترحيبه بهذا التعاون خلال هذا الظرف وأشاد بهذه المبادرة بكل معانيها السامية”.
من جانبه، نشر ولي عهد أبوظبي، وصاحب السلطة الفعلية في الإمارات، تغريدة عبر حسابه في تويتر، أكد فيها على تفاصيل اللقاء، التي تضمنت حسب التغريدة “تداعيات انتشار فيروس كورونا”. وأكد ابن زايد “دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق”، وأن “سوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها”.
وتأتي تعليقات محمد بن زايد، بعد عدة خطوات قامت بها أبوظبي لتطبيع العلاقات مع النظام المستبد في دمشق، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه، عطفًا على المحاولات المستمرة لإعادة فرضه على الجامعة العربية، والترويج له دوليًا. بالإضافة إلى الضغط على دول مثل البحرين لإعادة إرسال بعثاتها الدبلوماسية إلى دمشق، وسابقًا دفع الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى اللقاء بالأسد، قبل فترة قصيرة من الإطاحة به.
ويبقى مصير عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية مثار تساؤلات، خاصة مع دفع بعض الدول نحو تلك الخطوة، من بينها الإمارات نفسها والبحرين وتونس والجزائر، بالإضافة إلى الأنظمة العربية المتحالفة مع الأسد أصلًا.
وكانت الجامعة العربية قد علقت عضوية النظام في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011، مع البطش المتزايد في البلاد بالمدنيين، ما راح بسببه مئات آلاف الضحايا حتى اليوم.
لكن وفي كانون الأول/ديسمبر 2018، أعادت أبوظبي فتح سفارتها في العاصمة السورية، بعد إغلاق دام 7 سنوات، في خطوة اخترقت الإجماع العربي المفترض، وجاءت بعد تطبيع اقتصادي بوصول قافلة تجارية إماراتية إلى الأراضي السورية ومن ثم اللبنانية، دخلت من معبر نصيب – جابر الحدودي بين سوريا والأردن.
وبعد إعلان الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق بساعات، نشرت وزارة الخارجية البحرينية بيانًا رسميًا، أعلنت بموجبه عن استمرار عمل سفارتها في دمشق، إلا أن الموقف البحريني لم يكن غريبًا، بعد مقطع الفيديو الذي أظهر عناقًا بين وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم مع وزير الخارجية البحريني خالد آل خليفة على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي جرى تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
عمومًا، لم تقتصر بوادر التطبيع عربيًا خلال الفترة الماضية على بعض دول الخليج المناهضة لثورات الربيع العربي، بل امتدت لتونس التي أعربت الإدارة السابقة فيها عن “سرورها” في حال تم رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، بالإضافة إلى الجزائر، التي صرح رئيسها الحالي عبد المجيد تبون، ضرورة ممارسة الجهود لإعادة النظام السوري إلى الجامعة.
لكن من المبكر الحكم على إعادة النظام السوري للجامعة العربية، حيث لا يزال يصطدم بموقف عدد من الدولة العربية، من بينها الموقف القطري الرافض لأي بوادر تطبيع طالما أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة، وهو ما شدد عليه وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني السنة الماضية ، بقوله إنه “لا يوجد أي جديد لتغيير هذا القرار ويجب أن يوجد حل سياسي أولًا”، وأن التوصل لحل سياسي في سوريا هو الخيار الوحيد، وهو ما يتوافق مع رؤية المجتمع الدولي للأزمة السورية.
الإمارات والأسد.. تاريخ من الود
من بداية الثورة السورية، كان هناك العديد من المواقف التي أظهرت أن الإمارات تخفي تأييدًا لبشار الأسد، وهو ما شعر به الدبلوماسيون السعوديون في الإمارات وأرسلوا برقية تم تسريبها عبر ويكليكس، كانت صادرة في شباط/فبراير 2012، تحذر من انشقاق الإمارات عن الإجماع الخليجي. وورد فيها أن “السفير السوري بالإمارات لم يُبلغ بالمغادرة، على عكس الموقف الخليجي”، كما أشارت البرقية إلى رفض الإمارات فرض أية عقوبات اقتصادية على النظام السوري.
كما شنت أبوظبي سابقًا حملة اعتقالات استهدفت مواطنين بتهمة تأييد الثورة السورية، وقامت بطرد عدد آخر من السوريين، في عملية وصفها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في تشرين/أكتوبر 2017، بأنها تهجير قسري حدث لنحو 50 عائلة سورية أصول أغلبهم من محافظة درعا. ولا يُنسى في سياق العلاقات الإماراتية مع الأسد، أنها عملت على تأمين ملجأ آمن لشقيقة الأسد ولوالدته حتى وفاتها عام 2016، على الأراضي الإماراتية، بالإضافة إلى العديد من رجال الأعمال السوريين المؤيدين لبشار الأسد، ممن يعملون بكل حرية داخل الإمارات.
وتشير بعض التقارير إلى أن العلاقة مع رجال الأعمال السوريين المؤيدين للأسد، ارتبطت بعمليات غسيل أموال كبرى تجري، عبر شركات تدار لصالحهم مقرها دبي، إضافة لشركات أخرى تبيع النفط والسلع لسورية تدار من الإمارات ولبنان.
لم تتوقف رغبة الإمارات عند حد غسيل الأموال فقط ولكنها، بدت طامعة في الحصول على عقود ضمن خطة إعادة إعمار سوريا، حيث سارعت بمحاولة الحصول على عقود مالية للإعمار عبر رجل الأعمال الإماراتي عبد الجليل البلوكي، الذي قام بزيارة إلى دمشق في آب/أغسطس الماضي، للتعرف على الفرص الاستثمارية في شركة دمشق الشام القابضة التي تنفذ مشروع ماروتا سيتي، وفي اليوم التالي لعودة السفارة الإماراتية في دمشق، أعلنت الإمارات بدء أول قافلة تجارية برية بين الإمارات وسوريا عبر لبنان.
على المستوى السياسي، استفادت الإمارات بشكل كبير من علاقتها الخفية مع النظام السوري، بداية من تأمين طريق لاستمرار التواصل السري مع إيران التي تدعي مواجهتها بالرغم من استمرار العلاقات التجارية بينهما، بالإضافة إلى أن لوجود بشار الأسد والحرب التي خاضها في مواجهة المطالبات بالتغيير، دور في تعزيز السردية الأساسية، التي تسعى أبوظبي إلى ترويجها في المنطقة، أي ربط أي محاولة للتغيير بالخراب.
الترا صوت
————————-
بن زايد والأسد: سجون وبراميل «التضامن الإنساني»
كشف محمد بن زايد، ولي عهد الإمارات، في تغريدة له أنه اتصل هاتفيا مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وبحث معه «تداعيات انتشار فيروس كورونا»، مؤكدا له «دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق»، مبررا ذلك بأن «التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار»، ومؤكدا أن «سوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة».
الواقع أن السياسة الإماراتيّة منذ بدء الربيع العربيّ عام 2011 لم تزح عن ثابت واحد كبير وهو الرفض القاطع لآمال التغيير السياسي التي انطلقت لدى الشعوب العربية، ولكن المتغيّر في سياسات أبو ظبي كان الانتقال من الدفاع عن الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة إلى الانخراط العسكري والأمني والمالي والسياسي في التخطيط والتنفيذ والمشاركة في قمع الحراكات والانتفاضات وأشكال العمل الجماهيري، فساهمت عمليّا في إسقاط النتائج السياسية للتجربة الديمقراطية في مصر بعد الثورة ودعم انقلاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2014، وفي تشكيل ودعم وإسناد حركة الجنرال خليفة حفتر في ليبيا عام 2014، وانتقلت إلى العمل العسكري والأمني المباشر في اليمن تحت غطاء «التحالف العربي» منذ عام 2015.
جمع الدور الإماراتي في الساحة السورية بين الخفاء والتعقيد والتلاعب، ففي عام 2013 كشفت تقارير عن تزويد أبو ظبي النظام السوري بأسلحة صاروخية وتقنيات اتصال حديثة وتسجيلات لرموز المعارضة إضافة إلى تصنيفها 20 فصيلا سوريا ضمن قائمة الإرهاب، وانكشف لاحقا أن الإمارات زودت عناصر في الجيش السوري الحر بأجهزة اتصالات كانت قد زودت النظام بشيفرتها مما أدى إلى مقتل عدد من قيادات ومقاتلي الجيش، كما أمّنت أبو ظبي مركزا آمنا لتهريب أموال شخصيات النظام السوري، فبعد العقوبات التي فرضت على الشركات الروسية تحدثت تقارير عن تهريب قرابة 22 مليار دولار من موسكو إلى أبو ظبي للإفلات من العقوبات، وكان من بينها حسابات بمئات الملايين لرامي مخلوف، وكشفت مجلة «ديلي بيست» الأمريكية عام 2018 أن دبي أصبحت مركزا رئيسيا لإدارة وغسيل أموال عائلة الأسد المهربة للخارج.
تعتبر بعض المصادر السياسية والإعلامية اتصال بن زايد، والذي تبعته أنباء عن تقديم أبو ظبي مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار لنظام دمشق، تحت إطار «التضامن الإنساني المزعوم»، كشفا للعلاقة الوثيقة بين النظامين، وإعلانا عن فتح أبو ظبي معركة ضد تركيا، بعد أن تعرّضت الميليشيات المحسوبة على إيران للإنهاك، وكذلك بعد الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الاقتصاد الروسي ضمن تداعيات حرب الأسعار النفطية الدائرة، وكذلك الآثار الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا في العالم.
استخدام بن زايد لمقولة «التضامن الإنساني» هدفها طبعا القفز على العدد الكبير من العقوبات التي فرضتها المنظومة السياسية الدولية لمنع النظام السوري من الإفلات من العقاب عن الجرائم المهولة التي ارتكبها ضد شعبه خلال 9 سنوات، وهي مقولة هزيلة تستخدمها أبو ظبي، الخائضة في دماء شعوب اليمن وليبيا، لتقديم حبل مساعدة لنظام ساهم في قتل مئات الآلاف من المدنيين، ومسؤول عن ملايين الجرحى والمعوقين والنازحين، وبذلك يتضامن نظام السجون السرّية والتعذيب وعمليات الاغتيال في اليمن، وعراب حركة حفتر المسؤولة بدورها عن الحرب الأهلية الليبية وآلاف الجرائم، مع نظام الإبادة الجماعية بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة.
القدس العربي»
—————————————–
الإمارات ونظام الأسد.. مكافحة “كورونا” أم خفايا أخرى؟/ فراس فحام
ربما لم يكن الاتصال الذي جرى في السابع والعشرين من آذار الجاري بين ولي العهد الإماراتي ” محمد بن زايد” ورأس النظام في سوريا “بشار الأسد”، مفاجئاً للكثير من المراقبين، على اعتبار أنه جاء بعد عام على افتتاح السفارة الإماراتية مجدداً في دمشق والدعوات المتكررة من الإمارات على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” بضرورة استعادة الدور العربي في سوريا.
ويبدو أن تفشي وباء “كورونا” لم يكن سوى غطاء إنساني لإعلان الإمارات الرسمي بعودة الاتصالات على مستويات عليا مع النظام السوري، وذلك مرده إلى عدة دوافع بعضها متعلق بالرؤية الإماراتية للدور الروسي في المنطقة، والبعض الآخر متعلق بالصراع الإماراتي – التركي.
التقارب الإماراتي – الروسي
يعتقد صناع القرار في الإمارات أن الدور الروسي سيتعاظم في المنطقة على حساب النفوذ الأمريكي، وسيكون من المهم إقامة شراكات مع موسكو، والتناغم معها في ملفات مهمة مثل ليبيا وسوريا.
وشهد شهر حزيران عام 2018 توقيع شراكة إستراتيجية بين روسيا والإمارات، ليكون أول اتفاق من نوعه مع دول مجلس التعاون الخليجي، ويفتح المجال لموسكو من أجل بيع الأسلحة في الإمارات.
وتتقارب الإمارات مع روسيا في الموقف من “الإسلام السياسي”، حيث صنفت روسيا عام 2003 جماعة “الإخوان المسلمين” العدو الأول للإمارات ضمن المنظمات الإرهابية، وشاركت منظمات تتخذ من أبو ظبي مقراً لها في مؤتمر “غروزني” في آب عام 2016 تحت عنوان “الإسلام السني”، والذي اعتبر أن “الإخوان المسلمين” و “السلفية” و “الوهابية” ليست من الجماعات السنية.
وفي الخامس عشر من شهر تشرين الأول عام 2019 زار الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الإمارات، حيث أشاد خلال زيارته بتحسن العلاقات بين البلدين وخاصة في قطاع السياحة، وأشار إلى ارتفاع عدد السياح الروس في الإمارات خلال عام 2018 بنسبة 23%.
وتشابكت المصالح الروسية والإماراتية مؤخراً بشكل أكبر في المنطقة، وذلك من خلال دعمهما المشترك للعميد الليبي المتقاعد “خليفة حفتر” الذي يواجه مع قواته حكومة “الوفاق” الليبية المعترف بها دولياً، ويسعى للسيطرة على العاصمة طرابلس عسكرياً منذ شهر نيسان عام 2019.
مواجهة النفوذ التركي
تلاقت مؤخراً المصالح الإماراتية – المصرية – الروسية على مواجهة النفوذ التركي في شمال إفريقيا وسوريا.
وكثفت روسيا منذ مطلع العالم الحالي تواصلها مع مصر من أجل تشكيل موقف عربي موحد لتحجيم الدور التركي، خاصة بعد الصلابة التي أبدتها أنقرة في ملفي طرابلس الليبية وإدلب السورية.
الاتصالات الثلاثية المشتركة تجسدت على أرض الواقع من خلال زيارة “اللواء عباس كامل” رئيس المخابرات العامة المصرية إلى دمشق في الثامن من آذار الجاري، ولقائه رئيس الأمن الوطني في نظام الأسد “علي مملوك”، وكان لافتاً أن الزيارة جاءت في قمة التصعيد بين تركيا ونظام الأسد في محافظة إدلب، وتحدثت التسريبات عن مباحثات جرت بين “كامل” و “مملوك” تتعلق بتقديم الجيش المصري بعض المعدات العسكرية الخاصة بمواجهة الطائرات بدون طيار التركية.
وتأتي التحركات الروسية بعد دفع تركيا بثقل عسكري كبير إلى جبهات القتال في طرابلس الليبية، الأمر الذي منع قوات “حفتر” المدعوم من قبل روسيا ومصر والإمارات من الحسم العسكري الكامل للمعركة، بالإضافة إلى الزج بآلاف الجنود الأتراك في محافظة إدلب.
وترغب الإمارات في دخول قوات “حفتر” لطرابلس من أجل استكمال السيطرة على كامل الموانئ الليبية المهمة في الملاحة البحرية باتجاه الدول الأوروبية، وكون الموانئ الليبية تقع ضمن المشروع الصيني “الطريق والحزام”، الذي ترغب أبو ظبي بأن تكون لاعباً مؤثراً فيه.
الاتصالات الإماراتية مع نظام الأسد وزيارة رئيس المخابرات المصرية تدل بشكل واضح على أن هناك رغبة في الضغط على تركيا بملف إدلب المتعلق بأمنها القومي، كما تعطي مؤشراً على وجود تنسيق يزداد تدريجياً بين موسكو والقاهرة وأبو ظبي في الملفين الليبي والسوري.
بقي الإشارة إلى أن بشار الأسد فعل ما عليه وقدم أوراق اعتماده للمحور الإماراتي – المصري، وذلك عندما شن الهجوم في مقابلته مع قناة روسيا 24 على كل من جماعة “الإخوان المسلمين” و “أردوغان”، ليقول بذلك إنه مستعد ليلعب دور “حائط الصد” عن الإمارات والسعودية ومصر وباقي الدول العربية المناهضة للنفوذ التركي، بالتالي يحقق مكسباً سياسياً متمثلاً بتعويمه على المستوى العربي.
تلفزيون سوريا
————————————-
بن زايد هاجم الأسد بـ2012..هذه أبرز محطات علاقة الإمارات بالنظام
“كفى قتلاً وتعذيباً ومجازر وكفى علينا المشاهدة” بهذا الكلمات، وجه وزير الخارجية الإمارتي، عبد الله بن زايد(شقيق محمد)، سنة 2012، تساؤلات إلى المجتمع الدولي حول المدة التي سيستمر فيها الصمت والسكوت عن المجازر التي يرتكبها نظام الأسد بحق السوريين.
حديث بن زايد حينها، الذي أطلقه أمام العشرات من وزراء خارجية الدول، التي وصفت نفسها بأنها “صديقة الشعب السوري” في مؤتمر باريس، يوليو/تموز 2012، اعتبره كثيرون بأنه اصطفاف الإمارات إلى جانب الشعب السوري مع بقية الدول الخليجية.
وتساءل بن زايد في كلمته، التي وُصِفت حينها بأنه “مشرفة” و”قوية”، “إلى متى سنعطي النظام السوري الحجة علينا أنه يستطيع أن يضحك ويضحك ويضحك على المجتمع الدولي والشعب السوري يموت”.
واعتبر أن العقوبات الاقتصادية لن تغير سلوك نظام الأسد، قائلًا “لا أعرف كما من أعداد من أخوتنا في سورية يجب أن يموتوا قبل أن نبحث عن تغيير هذه الاستراتيجية”.
لكن بعد سنواتٍ قليلة من خطابه هذا، بدأت العلاقات بين الإمارات ونظام الأسد، بالعودة تدريجياً، وإن كان بشكلٍ غير مُعلن تماماً على المستوى السياسي.
وتحت حجة “الإنسانية” ومواجهة “كورونا”، وعلى الرغم من استمرار النظام بارتكاب نفس الجرائم التي دفعت بن زايد لمهاجمته سنة 2012، إلا أن أبو ظبي راجعت موقفها من نظام الأسد منذ سنوات، حتى ذهب محللون إلى أن العلاقات ربما لم تنقطع إلا مدة قصيرة، تحولت فيها العلاقات لحالة العداء. وكما يقال فإن السياسة قائمة على المصالح، وعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم.
ويرصد فريق “السورية. نت” أبرز المحطات التي مرت بها العلاقات بين نظام الأسد والإمارات العربية المتحدة منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم.
متابعة التطورات
عملت الإمارات خلال الأشهر الأولى لاندلاع الثورة السورية، على متابعة التطورات الميدانية والسياسية، كغيرها من الدول الخليجية، التي حاولت الضغط على النظام، من أجل عدم السماح للأوضاع بالتفاقم وإيجاد حلول للخروج من الأوضاع.
واستقبل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في 5 يونيو/حزيران 2011، وزير خارجية نظام الأسد، وليد المعلم، على الرغم من تصاعد الأحداث في المدن السورية وخاصة في درعا، ومقتل واعتقال العشرات من السوريين على يد مخابرات الأسد.
وأبلغ بن زايد حينها وليد المعلم بأن الإمارات تتابع “باهتمام بالغ” التطورات في سورية، داعياً إلى الإصلاح والحاجة إلى الاستقرار كونهما هدفان متلازمان ويمكن التوفيق بينهما.
وطلب بن زايد، المعلم، أيصال تحياته إلى رئيس النظام، بشار الأسد، معربًا عن أمينته بخروج سورية وشعبها من المِحنة.
بدء التحرك ضد النظام
ومع تصاعد العنف من قبل نظام الأسد، وضربه دعوات الدول والجامعة العربية إلى الهدوء والبدء بعملية الحوار مع المعارضة، عرض الحائط، قررت الدول الخليجية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام.
وأعلنت الدول الخليجية، في 6 مارس/آذار 2012، بما فيها الإمارات، استدعاء سفرائها من سورية، والطلب من جميع سفراء النظام مغادرة أراضيها “بشكل فوري”، لكن دولة الإمارات أبقت على بعثة دبلوماسية للنظام على أراضيها من أجل تسيير معاملات السوريين المتواجدين على أراضيها.
كما انضمت الإمارات إلى حلف أصدقاء سورية الذي يضم 100 دولة، والذي اعتبر أن الحل في سورية سياسي، وشدد على رحيل النظام ورئيسه، بشار الأسد.
كما عارضت الإمارات في 2014 إجراء الانتخابات الرئاسية للنظام على أراضيها، وحملت الفشل في الملف السوري إلى عدم حدوث توافق ميداني ودولي عليها.
علاقات اقتصادية خفية
لكن في ظل تصريحات سياسية من قبل مسؤولين إماراتيين ضد النظام، تحولت مدينة دبي إلى مكان لإقامة شخصيات من عائلة الأسد، أهمها بشرى الأسد شقيقة رئيس النظام بشار الأسد، وزوجة العماد المقتول آصف شوكت، بحسب ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في 2012.
كما كانت والدة الأسد مقيمة في دولة الإمارات، وتوفت في دبي في فبراير/شباط 2016، قبل نقل الجثمان ودفنها في اللاذقية، إلى جانب استثمارات رامي مخلوف، ابن خال الأسد، والذي يملك استثمارات متعددة وأبراج وسط مدينة دبي.
كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على شركة “بانجيتس” ومقرها الشارقة، بسبب توريدها منتجات نفطية لسورية، منها وقود طيران من عام 2012 حتى أبريل/نيسان 2014، مرجحة أن هذه المنتجات استخدمت في أغراض عسكرية.
كما لعبت الإمارات دوراً خفياً في تعاملها مع فصائل المعارضة السورية، وخاصة في الجنوب السوري، إذ حاولت تطويعهم وزرع العملاء بينهم، ما أدى إلى تفككها ودفعها إلى إجراء “تسويات”.
عودة العلاقات
وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلنت الإمارات إعادة افتتاح سفارتها في دمشق بشكل رسمي وتكليف عبد الحكيم النعيمي للقيام بالأعمال بالنيابة.
وربط وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حينها عودة العلاقات مع نظام الأسد، إلى الوقوف في وجه التدخلات الإيرانية في المنطقة.
وقال قرقاش إن “الجميع مقتنع بأنه لا بد من مسار سياسي لحل الأزمة السورية، وإن فتح الاتصال مع دمشق لن يترك الساحة مفتوحة للتدخلات الإيرانية”.
وإلى جانب ذلك بدأت زيارة الوفود الاقتصادية بين البلدين، وعودة الشركات الإماراتية للاستثمار إلى داخل سورية.
وفي ظل أنباء عن وجود علاقات بين النظام والإمارات بشكل خفي، ظهرت هذه العلاقات إلى العلن باتصال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رئيس النظام بشار الأسد، الجمعة الماضي.
وفي تغريدة على حسابه الرسمي، بموقع “تويتر”، قال بن زايد:”بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسورية العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
من جهته اعتبر قرقاش عبر حسابه في “تويتر” أن “الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا تتطلب خطوات غير مسبوقة، وتواصل الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري هذا سياقه”.
كما اعتبر أن “البعد الإنساني له الأولوية وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات، خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة”.
———————————-
عودة العرب إلى سوريا الأسد.. الخطيئة مرتين/ منير الربيع
لا يمكن الحديث عن الصراع في الشرق الأوسط، بدون الحديث عن سوريا، سواء كانت مؤثرة وصاحبة دور في هذا الصراع وتطوراته مع تقلباتها وفق ما تقتضيه مصلحة النظام فيها، أم كانت في عين الصراع بين قوى إقليمية ودولية تتجاذبها إرادات متعارضة وتتنازع عليها مشاريع مختلفة. الموقع الجيوستراتيجي، والدور التاريخي، يضعان سوريا على فالق زلزالي كثير التحرّك. وإن غاب الدور، يبقى الموقع ذا أهمية تفرض على الباحثين عن أدوار بوضع قدم لهم على أراضيها، أو الإبقاء على صلة مع أي طرف فيها.
تمثّل سوريا جملة تقاطعات في المصالح بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، الدول الأوروبية والصين، وجملة صراعات بين دول أخرى كإيران ودول الخليج مثلاً. تماس سوريا مع “إسرائيل” يفتح آفاقاً على تقاطع السياسات الدولية والموقع الإقليمي، وهي التي وقعت في كنف نظام استثمر حدّ الاستنزاف في زعمه الصراع مع إسرائيل. صراع دُفعت بموجبه كلف وحُصِّلت مكاسب.
من انقلاب البعث في الثامن من آذار 1963، كانت سوريا تدخل في حلقة جهنمية، عنوانها تحالف الأقليات. الضباط الخمسة الذين حضّروا للإنقلاب هم من الأقليات، ثلاثة علويين وإسماعيليان. لم يعملوا إلا على تكليف شخصيات سنّية ضعيفة بالرئاسة، يسهل التحكم بها، ولكن كافية لإعطاء صورة عن وجود الأكثرية في الحكم. إلى أن قرر حافظ الأسد أن يقود سوريا بنفسه، فيتبوأ الرئاسة ويعدّ الدستور الذي يمنحه صلاحيات مطلقة يجعله حاكماً بأمره. التف الأسد على صراع الأقلية والأكثرية بادعاء العلمانية، والنضال في سبيل تحرير فلسطين ومناصرة القضية، ورفض التطبيع أو التفاوض أو التوقيع. طبعاً رفض كل ذلك علناً، وأبرم الاتفاقات سرّاً، منذ العام 1973 مع هنري كيسنجر، وتسلم بموجب هذا سلطته على لبنان، وصولاً إلى المشاركة في حرب الكويت لإخراج القوات العراقية منها، فجدد وصايته على لبنان في حقبة ما بعد الحرب.
عرف الأسد الأب كيف يدوزن مواقفه، مراعاة الأميركيين، توفير أمن إسرائيل وضرب كل قوى اليسار في سوريا ولبنان، من خلال ضرب الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما حقق جملة أهداف دولية وعربية، ارتاحت الولايات المتحدة والأنظمة العربية لأداء الأسد. وبذريعة عدم التطبيع والتوقيع، أكمل مسار لعبته، بالقبض على سوريا ولبنان معاً. فكان المؤثر على ساحة الشرق الأوسط. وهو الخبير “بمسار الأقليات” كان يعرف أن علاقته الجيدة مع الدول العربية، لا بد أن يقابلها تقارب مع إيران، بما سيعود عليه وعلى نظامه بالفائدة، والذي كان يعلم حتماً، أن مرحلة ما بعد أوسلو، والضغوط القاسية على العراق، ستدفع بإيران إلى التقدم أكثر في منطقة الشرق الأوسط، لذا لا بد له من الوصل معها.
وبعد وفاته، ذهب بشار الأسد إلى إيران أكثر، ضحى بكل علاقاته العربية، كان شعار الحرب على الإرهاب يجتاح العالم، والإرهاب في حينها انحسر بالسنّة، لذا لا بد من شد أواصر تحالف الأقليات، والذي لا يصب استراتيجياً إلا في خانة توفير أمن إسرائيل ديمغرافياً، سياسياً، واستراتيجياً. اجتياح العراق، والتقدم الإيراني الذي تحقق هناك، وما تلاه من اغتيال لرفيق الحريري أدى إلى إخراج الجيش السوري من لبنان، كان عاملاً تغييرياً بشكل جذري على دور سوريا، بدأت تتحول من المؤثر على الساحة، إلى ساحة للتجاذب. دخل الإيرانيون إلى العراق ولبنان، شددوا من قبضتهم على الأسد الابن. لا يزال مسار الأقليات يسير على نفس الخطى.
ثار السوريون في العام 2011، واحتلوا صدارة تظاهرات الربيع العربي، الذي كان لا بد له أن يتحول إلى جحيم، وفق ما تقتضيه ظروف الأقليات ولعنة الجغرافيا. انهار النظام السوري، انعدم تأثيره على الأراضي السورية، بينما أصبحت سوريا مناطق نفوذ متعددة ومتضاربة، أخذت إيران تمكّن نفسها أكثر، إسرائيل ترسم حزامها الآمن بعمق 40 كيلومتر، تركيا لها منطقتها العازلة ايضاً، القوات الأميركية موجودة في الشرق، والروس على الساحل. وحدهم العرب أصبحوا خارج المعادلة، هنا بالتحديد تحكمت الأقليات بمصير الأكثرية.
وطبعاً، ليس هدف الأقلية إلغاء الأكثرية، هي حكماً غير قادرة على ذلك. غايتها إضعاف هذه الأكثرية، في دورها ومقدراتها. تماماً كما كان الحال أيام الستينيات ما بعد انقلاب البعث في أن يكون ممثل عن الأكثرية صورة ضرورية بلا أي مفاعيل أو مقدرات. كرئاسة لؤي الأتاسي وأمين الحافظ ونور الدين الأتاسي وأحمد حسن الخطيب. ما كان ينطبق على أشخاص في سوريا بعد انقلاب البعث، أصبح سارياً على دول عربية مؤثرة، لم يعد لديها أي تأثير أو فاعلية على مجريات وتطورات الأوضاع، لا في سوريا ولا في غيرها. إذ ينعدم دورها وتأثيرها في سوريا لصالح قوى دولية وإقليمية متعددة، كما انتهى دورها في لبنان لصالح إيران مقابل الولايات المتحدة الأميركية والأمر نفسه ينطبق على العراق.
بقيت إسرائيل وتوفير الحماية لها، أقدس الاهتمامات الدولية، عرف النظام كيف يستثمر بذلك، وأجادت إيران تلك اللعبة، بابتزاز المجتمع الدولي بتهديد أمن إسرائيل بحثاً عن تفاوض ومكاسب. وحدهم العرب بقوا خارج الصورة، حرصت إيران على تماس مع إسرائيل لتبرير وجودها ومشروعها في المنطقة، مدُعية مواجهتها، لكنها تخوض سياسة لا تلبي إلا المصلحة الإسرائيلية، فيما العرب الذي وجب عليهم الشروع بسياسات مناهضة لإسرائيل وإيران ومشروعيهما، لجؤوا إلى الاستنجاد بالإسرائيلي في مواجهة الإيراني. بينما المشروعان لا يصطدمان مع بعضهما البعض، والسلوك الإيراني هو الذي رمى العرب بالحضن الإسرائيلي، وأفضى إلى صفقة القرن، التي أول من سيدفع ثمنها العرب، وسيقبض أثمانها الإيراني والإسرائيلي.
هدف إيران ليس إسرائيل بل دول الخليج. خوضها للمعارك ووضعها للبيادق في سوريا والعراق ولبنان، غايته الوصول إلى الخليج، وتطويقه في تدمر خطوط دفاعه الأولى، أجهزت إيران على الدول الثلاث ووصلت إلى اليمن. مدعمة في ذلك، ببروز تيارات إسلامية إرهابية، مهدت لها الطريق للتوغل. التيارات الإسلامية تمثّل الخطر الذي لا بد من مواجهته بالنسبة إلى الدول الخليجية، التي لم تجد ملاذاً للمواجهة إلا بإعادة وصل ما انقطع مع بشار الأسد، كل بسبب فقدان أي رؤية لمشروع عربي بديل. تجد هذه الدول نفسها منعدمة التأثير في مجريات المنطقة وتحولاتها، وهذه غاية الأقليات الأساسية، لا مجال لهذه الدول إلا بالرهان على كل ما يتناقض معها ومع وجودها ومصالح شعوبها، إسرائيل والنظام السوري بما يمثله من تقاطعات مع إسرائيل وإيران وفق ما يقتضيه تحالف الأقليات.
خطأ العرب المميت، هو في عودتهم إلى الأسد، ليعودوا إلى الشرنقة ذاتها، وقد تختصر تصريحات كثيرة لمسؤولين وقادة خليجيين، المصير المحتوم ما بعد هذه العودة، وهم لطالما اتهموا الأسد بالمراوغة والكذب والغدر والإنقلاب، وكأنهم يردون على أنفسهم، بأن مسار الانفتاح عليه والثقة به ستتبدد سريعاً، حالما ينقلب عليهم، ويتثبتوا مجدداً أنه لا يمكنه الخروج من الحضن الإيراني، وكل الرهانات على جذبه إلى الحضن العربي ستفشل، إلا أنها سترسخ حقيقة واقعة، إصابتهم بالمزيد من الضعف وانعدام التأثير، مقابل الدور الأفعل لـ”الأقليات”.
تلفزيون سوريا
====================
====================