إدلب..نُذُر حرب أم تفاهمات غير معلنة -مقالات مختارة-
إدلب..نُذُر حرب أم تفاهمات غير معلنة/ العقيد عبد الجبار العكيدي
حملت الأيام الأخيرة الماضية معطيات عدة تتعلق بمستقبل الأوضاع في منطقة إدلب، لعل أخطرها القصف الروسي الذي استهدف مركزاً عسكرياً تابعاً ل”فيلق الشام” الاثنين وأودى بعشرات من مقاتلي الفصيل التابع للجبهة الوطنية، ما شكل خرقاً غير مسبوق لاتفاق الهدنة الموقع بين تركيا وروسيا.
هذا القصف يأتي بعد البدء بتفكيك نقطة المراقبة التركية التاسعة في مدينة مورك والتي تعتبر أكبر النقاط الموجودة في المناطق التي سيطر عليها النظام في حملته الأخيرة نهاية العام الماضي. ورغم أنه لم يصدر أي تصريح رسمي تركي بشأنها إلا أن هذه الخطوة تعني نهاية آمال النازحين بالعودة الى مناطقهم وقراهم التي كان وجود هذه النقاط مؤشراً على احتمالية هذه العودة والخلاص من جحيم الإقامة في المخيمات مع قدوم فصل الشتاء.
لم يكن مفاجئاً للمتتبعين لواقع الاحداث الميدانية وتشابك الملفات السياسية وما يجري في شرقي المتوسط وليبيا وناغورني قره باغ والمصالح والتوازنات الدولية الدقيقة بين الفاعلين الإقليميين والدوليين على الساحة السورية الانسحاب من هذه النقاط الذي من المتوقع أن تتبعه انسحابات أخرى لبقية النقاط ال12 المحاصرة رغم تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عن أن انسحاب القوات التركية من نقاط المراقبة الموجودة بمناطق خفض التصعيد في محافظة إدلب غير وارد وغير قابل للمساومة.
والمتابع لتطور الأحداث منذ بدء مسار أستانة في مطلع العام 2017 وسقوط المناطق المحررة بشكل متتابع مع كل إعلان عن جولة محادثات في هذا المسار يدرك تغير المواقف حسب أولويات المصالح وتوازنات القوى على الأرض وطبيعة العلاقة بين روسيا وتركيا المحكومة بقواعد الجوار وموازين القوى العسكرية والمصالح الاقتصادية الكبيرة وحرص الطرفين على تجنب أي صدام أو اشتباك مباشر بينهما في سوريا.
ففي القمة الثنائية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في 5 أذار/مارس، سكت الاتفاق عن مصير نقاط المراقبة التركية التي تحاصرها قوات النظام وما إن كانت ستبقى مكانها أو ستنسحب، وكانت مخرجات القمة عبارة عن محاولة روسية-تركية لإنقاذ التفاهمات التي توصل إليها الطرفان حول سوريا منذ انطلاق مسار أستانة، من خلال التركيز على ثلاث نقاط رئيسية هي وقف إطلاق النار، وإنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي الرابط بين حلب واللاذقية (إم-4) بعمق 6 كم شمال الطريق ومثلها جنوبه، وبدء تسيير دوريات مشتركة روسية-تركية على هذه الطريق بدءاً من بلدة الترنبة غرب سراقب وصولاً إلى بلدة عين حور الواقعة في ريف اللاذقية.
لكن اليوم ووسط هذا التكتم التركي الرسمي حول انسحاب النقاط المحاصرة من قبل النظام وهل هي خطة تكتيكية لإعادة تموضع وانتشار للجنود الاتراك، وهل هذا التموضع يواكب تفاهمات سياسية جديدة تتعلق بتنفيذ اتفاقيات أستانة وسوتشي وملفات متنازع عليها في مناطق أخرى أم هناك أسباب أخرى أجبرت أنقرة على هذا الاجراء، ومع غياب إجابات واضحة تبرز عدة فرضيات يثيرها المشهد السياسي والميداني:
الأولى، أن سحب النقاط التركية المحاصرة والتي تم انشاؤها بناءً على تفاهمات سوتشي 2018 لمراقبة وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة بعد سيطرة النظام على مناطق خفض التصعيد في درعا وريف دمشق وحمص، جاء بعد أن أصبحت ضمن مناطق سيطرته اليوم، وبالتالي لم يعد لها قيمة، بل وتشكل نقطة ضعف وضغط وعبء مادي ولوجستي على الجانب التركي الذي بدأ يضغط عليه النظام من خلال التحرش بالنقاط والمظاهرات المسيسة أمامها مطالبةً بانسحابها.
الثانية، أن يكون هذا الإنسحاب استجابة للطلب الروسي المتكرر بسحب هذه النقاط وتخفيض أعداد العسكريين الأتراك في منطقة إدلب وسحب السلاح الثقيل، مقابل إقناع النظام بعدم القيام بأي عمل عسكري يستهدف اجتياح جبل الزاوية وسهل الغاب، وهو الطلب الذي كانت قد رفضته تركيا من قبل رسمياً.
الفرضية الثالثة، أن تكون تركيا قد قبلت بعرض الروس سحب النقاط والسلاح الثقيل مقابل إخراج قوات سوريا الديمقراطية من مدينتي منبج وتل رفعت في ريف حلب، والسماح لها باستكمال عملية نبع السلام ضد حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني.
أيضاً لا يمكننا الفصل بين التطورات المتلاحقة في ليبيا وأذربيجان وشرق المتوسط وما يجري على الأرض في إدلب، إذ طالما حاول الروس ربط الملف السوري بالملفين الليبي والآذري واجراء بعض المقايضات، الأمر الذي جعل الكثيرين يعتقدون أن تركيا حصلت على بعض المكاسب في هذين الملفين لقاء هذا الانسحاب الذي لا يحقق أي فائدة للنظام من وجهة نظر عسكرية، ويحرّر الجنود الاتراك من أن يكونوا رهائن في مناطق سيطرته.
لكن الفرضية التي لا يجب إغفالها هي عدم وجود أي من الفرضيات السابقة، وبالتالي لا بد من الأخذ بالاعتبار عدم اتفاق الجانبين الروسي والتركي على أي من المقترحات، ما دفع موسكو إلى إبلاغ الأتراك بأنهم غير قادرين على حماية وتأمين خطوط الامداد لنقاط المراقبة فكان لا بدّ من سحبها.
في ضوء التصعيد العسكري من قبل الروس والنظام، وانتهاك وقف اطلاق النار بشكل مستمر، فإن ذهاب الوضع الميداني إلى المزيد من التصعيد يبدو مرجحاً، طالما أنه لا توجد هناك أي تفاهمات أو تسويات جديدة حول منطقة خفض التصعيد الرابعة، ومن الواضح أن هذا التصعيد هو رسائل بالنار للطرف التركي والجيش الوطني المتحالف معه تنذر بتحولات جديدة ستتجاوز كل الاتفاقيات والتفاهمات السابقة.
لعل استهداف الطيران الروسي لمعسكر تدريب فيلق الشام الفصيل الأكثر قرباً من تركيا وعلى حدودها، وأيضاً القصف الروسي قبل أيام على مدينة جرابلس الحدودية والواقعة في منطقة عمليات درع الفرات التابعة للنفوذ التركي، يدل على أن الطرف الروسي من خلال سياسته المتوحشة يسعى لتثبيت وقائع على الأرض بإملاءات القوة العسكرية، وهي فرضية تعبر عن حالة استعصاء حقيقية بين الضامنين والفشل في تجاوز العقبات والخلافات الموجودة التي تراكمت الى حد التأزم والاختناق.
وإذا كان هذا التأزم والاختناق لا يعني احتمال وقوع صدام عسكري مباشر بين الروس والاتراك، فإن سحب النقاط التركية من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يطرح سؤالاً مقلقاً للسورين عن ما بعد هذا الانسحاب، وماذا لو تغيرت الظروف السياسية والعسكرية أكثر فهل ستشمل الانسحابات التركية وقتها النقاط المتمركزة في جبل الزاوية وغيره من المناطق؟
———————————
هل تكون إدلب قطاع غزة الثاني!
ترجمة أحمد عيشة
قالت هدى حسين (25 عامًا) وهي معلّمة تعيش في محافظة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سورية: “كثير من أقاربي كانوا يعيشون في مخيمات بالقرب من الحدود مع تركيا، لكنهم عادوا الشهر الماضي إلى ديارهم [إلى مدنهم وقراهم] لأنهم يفضّلون الموت تحت وقع الضربات الجوية، على الموت في المخيمات”. وقال أحد أقاربها يخبرها: “نحن نهرب من خطرٍ إلى خطر”، موضحًا أن بؤس محاولة البقاء على قيد الحياة في الخيام المكتظة أسوأُ من قصف روسيا وقوات الحكومة السورية.
هذا الصيف كان نقطة التحول، بالنسبة إلى 2,6 مليون سوري معارضين لبشار الأسد، ممن لجؤوا إلى إدلب؛ إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية مدمّرة على سورية، ترافقت مع ظهور وباء فيروس كورونا، فتحولت الأزمة إلى كارثة. حيث أثرت العقوبات والمرض معًا على السكان الذين يعانون بالفعل حالة نقص في الغذاء والمأوى والرعاية الطبية. سورية كلها تعاني بشدة، لكن هدى تقول: إن “إدلب هي أكثر مناطق البلد بؤسًا”، وأنها تعاني الحالة الأسوأ.
وصف فابريس بالانش (الخبير في شؤون شمال سورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) جيب المعارضة في إدلب بأنه “قطاع غزة الثاني”. وهو منطقة دمّرها القصف ونيران المدفعية، ولم يعد الجيب سوى ثلث حجمه السابق، قبل ثلاث أعوام، في أعقاب سلسلة من عمليات تقدم الحكومة السورية.
معظم سكان إدلب هم من الذين قد فروا إلى منطقة صغيرة جدًا على طول الحدود التركية، هربًا من القنابل والقذائف، وبقصد الاقتراب من نقاط توزيع المساعدات الأجنبية. البعض، مثل هدى حسين (اسم مستعار)، بقوا إلى الجنوب أكثر حول مدينة إدلب، حيث ظروف المعيشة أفضل، لكن خطر الحرب أكبر.
في مقابلة مع صحيفة الإندبندنت البريطانية، ترسم هدى صورة معبرة عن مزاج اليأس الذي يجتاح آخر معاقل المعارضة، باستثناء المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سورية. وتصف كيف فرّت خالتها من مدينة إدلب، قبل عام ونصف، لتعيش في مخيم للنازحين بعد تدمير منزل جارتها جزئيًا في غارة جوية. عادت الخالة الآن قائلة: إن “الموت في غضون دقيقة في غارة جوية روسية أفضلُ بكثير من الموت بسبب فيروس كورونا، مثل الكلب”.
عملت هدى في التعليم عامين، في مخيمات مختلفة، وتعتقد أن عددها حوالي 1200 مخيم، حيث يوجد القليل من الرعاية الصحية، ولا مجال للتباعد الاجتماعي، وتقول: “لقد رأيت خيامًا ينام فيها خمسة عشر شخصًا وجهًا لوجه، مثل السجناء في تدمر [سجن حكومي سيئ السمعة]”. وكان الأمر الصادم أكثر بالنسبة إليها هو عدد العائلات التي ليس لديها حتى خيمة لتنام فيها. وتقول: “إنهم يستخدمون السجاد والحصير فقط لبناء مأوى هش”.
صار الحرمان في إدلب أقسى وأسوأ بالفعل، بعد تسعة أعوام من الحرب الأهلية، حيث لجأ إليها حوالي 1,3 مليون سوري، إضافة إلى السكان الحاليين، في منطقة تتقلص باستمرار. كان من الصعب رؤية كيف يمكن أن تزداد الحياة سوءًا، لكن حدثين هذا الصيف أكدا أن الأمور تسوء تمامًا: الأول كان العقوبات الأميركية الجديدة (قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية) التي وقّعها الرئيس دونالد ترامب العام الماضي، ونفذت في 17 حزيران/ يونيو من هذا العام. يُفترض أنه كان يهدف إلى ردع الأسد عن قمع السوريين العاديين، لكنه استهدف بعقوبات شديدة أي فرد أجنبي أو شركة تتعامل مع سورية.
وقد حولت هذه الإجراءات جميع السوريين، المؤيدين والمعارضين للأسد، إلى منبوذين اقتصاديًا، يخضعون لحصار اقتصادي خانق. أدى الحصار إلى انهيار العملة السورية، وإلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية، حيث تضاعف سعر القمح والأرز والبرغل ثلاث مرات. حدث هذا في بلد قال عنه برنامج الأغذية العالمي في حزيران/ يونيو: إن “المجاعة يمكن أن تطرق الأبواب بقوة”.
أُعطي القانون الجديد غطاءً إنسانيًا، من خلال تسميته باسم مستعار لمصوّر كان يعمل لدى الحكومة السورية، والتقط صورًا لجثث عشرات الآلاف من السوريين الذين قتلهم النظام (ينفي المسؤولون السوريون هذا الاتهام). الدافع الأكثر ترجيحًا والأقل إيثارًا هو أن واشنطن تريد حرمان روسيا وإيران والأسد من تحقيق نصر مباشر في الصراع السوري، من خلال ضمان ألا تشهد البلاد تعافيًا من مستوى الدمار الحالي، حتى لو ظل الأسد في السلطة.
كما هو الحال مع عقوبات الأمم المتحدة ضد صدام حسين، قبل ثلاثين عامًا، من غير المحتمل أن تتضرر القيادة السورية كثيرًا من جراء العقوبات المشددة؛ لأن العبء سيقع على عاتق الفقراء والضعفاء. تقول مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل: “عادة ما تكون النخب السياسية في وضع جيد، حيث تتجنب تأثير العقوبات أو تستفيد من الندرة التي تسبّبها، في حين أن الضرر الحقيقي يصيب الغالبية العظمى من السكان”.
هذا بالتأكيد ما يحدث في سورية، حيث كانت إدلب التي مزقتها الحرب هي الأكثر تضررًا. مع انهيار الليرة السورية، تحولت حكومة الإنقاذ المحلية (التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام الجهادية) إلى استخدام الليرة التركية، لكن مستوى المعيشة غير اللائق بالفعل لا يزال ينهار. تقول هدى: “انخفض راتبي الشخصي من ما يعادل 160 دولارًا، إلى 100 دولار شهريًا، بينما شهد أخي، وهو عامل بناء، انخفاضًا في راتبه من 6 دولارات إلى 3 دولارات في اليوم”. وفي الوقت نفسه، ارتفعت الأسعار كثيرًا، حتى إن ملء خزان المياه في المنزل بمياه الشرب صار يكلف الكثير. تؤكد روايتها استنتاج مجموعة الأزمات الدولية بأن العقوبات التي تهدف إلى حماية المدنيين السوريين من النظام “قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بهم بدلًا من مساعدتهم”.
في غضون أسابيع قليلة من صدور قانون قيصر، ضربت كارثة ثانية الناس في إدلب. وصل وباء فيروس (كورونا) إلى هناك في وقت متأخر بسبب عزلة المنطقة، ويعتقد السكان المحليون أن الأطباء والممرضات الذين يعيشون في تركيا هم من جلبوه (هذا غير مرجح لأنه كان ينتشر في بقية سورية في هذا الوقت). قبل شهر، أُصيب شقيق هدى بالفيروس وبقي في المنزل ثلاثة أيام. تقول: “لم يكن لديه دواء، سوى بعض حبوب (باراسيتامول) لتخفيف الألم، تساعده للنوم”. أخبره طبيب تم الاتصال به عبر الهاتف بأن عليه أن يلتزم بالحجر الصحي لمدة أربعة عشر يومًا، لكنه قرر العودة إلى العمل، وأخبر أسرته أن “الحرب يخوضها البشر، ولكن فيروس كورونا جاء من الله، ولا يمكن لأحد أن يوقفه”. تأمل هدى أن ينجو أخوها، لكونه عامل بناء ويتمتع بالقوة البدنية الكافية للصمود.
حتى لو سعى من أجل مزيد من المساعدة الطبية، فلن يكون هناك كثير لتقديمه. صديق يعمل في هيئة الصحة في إدلب، قال لهدى إنه لا يوجد في المنطقة بأكملها سوى حوالي 3000 سرير في المشافي، لحوالي ثلاثة ملايين شخص. لقد دمر القصف المدفعي والقصف المدفعي من قبل القوات الحكومية السورية والروسية كثيرًا من المشافي، أو تضررت بسبب ذلك القصف. في البداية، حاول الناس عزل أنفسهم، لكن الازدحام الشديد جعل هذا الأمر مستحيلًا حتى بعد أن يعرف الناس أنهم مصابون.
في معظم أنحاء سورية، انتهت حرب إطلاق النار مع استعادة قوات الأسد السيطرة على مراكز المعارضة، لكن القتال مستمر في إدلب، وكذلك في شمال محافظة حلب التي دخلتها القوات التركية. تريد الحكومة السورية مواصلة القصف للتأكد من أن تبقى مدن وبلدات إدلب غير مأهولة إلى حد كبير، وألا تصبح مركزًا للمعارضة. لقد أدت هجمات النظام السوري منذ عام 2017 إلى تقليص حجم المنطقة إلى ثلث حجمها الأصلي، بمساحة حوالي (3000) كيلومتر مربع.
ومع ذلك، هذه المنطقة الصغيرة غيرُ مأهولة بالسكان بشكل متساو، حيث يبلغ عدد سكان المخيمات، الموجودة على طول الجانب السوري من الحدود التركية التي تقع خارج نطاق المدفعية وتُقصف قليلًا، مليوني نسمة.
ربما عاد بعض أقارب هدى إلى منازلهم في الجنوب، لكن معظم الناس لا يثقون في وقف إطلاق النار المتفق عليه بين روسيا وتركيا في 5 آذار/ مارس؛ حيث إن استئناف هجوم الحكومة السورية يتوقف على القرارات التي تتوصل إليها كل من موسكو وأنقرة.
اسم المقال الأصلي Is Syria’s Idlib the Next Gaza Strip?
الكاتب باتريك كوكبيرن، PATRICK COCKBURN
مكان النشر وتاريخه COUNTERPUNCH، 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2020
رابط المقال https://bit.ly/3mbGb7B
مركز حرمون
——————————–
مناوشات تركية-روسية بإدلب..انهيار اتفاق موسكو أم بوادر تفاهم جديد؟
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق في إدلب بين اللاعبين الرئيسيين في شمال غرب سورية، تركيا وروسيا، راهن كثيرون على مدى الالتزام بتطبيق الاتفاق بصيغته الكاملة، واستمراره بالوتيرة ذاتها لحين التوصل لحل سياسي مأمول، للملف السوري، أو على الأقل لحين إيجاد صيغة اتفاق آخر تفرضها الظروف والمتغيرات على الساحة.
إلا أن الحديث عن ذلك الرهان عاد مجدداً جرّاء تغييرات طرأت مؤخراً على المشهد، الذي زادت من ضبابيته، وتحديداً في مناطق شمال غربي سورية، حيث بدت حالة عدم التفاهم بين الروس والأتراك جليّة نسبياً، وسط مخاوف من عملية عسكرية محتملة يحضّر لها نظام الأسد بدعم روسي، وتستعد لها الفصائل السورية بدعم تركي.
فاليوم، الروس غائبون عن الدوريات العسكرية المشتركة، خلافاً لأبرز بنود اتفاق موسكو، حيث تسير الدوريات التركية منفردة منذ قرابة الشهرين، على الطريق الدولي حلب- اللاذقية “M4″، في حين زاد التصعيد العسكري الروسي على منطقة جبل الزاوية “الاستراتيجية”،خلال اليومين الماضيين، في خرق واضح لأهم بنود الاتفاق، وهو وقف إطلاق النار.
و زاد من ضبابية المشهد، مؤخراً، إخلاء القوات التركية لنقاط مراقبة تُحيط بها مناطق سيطرة قوات النظام في ريفي حماة وإدلب، وأبرزها نقطة مراقبة “مورك”، حيث جاء الإخلاء بالرغم من الإصرار التركي السابق على انسحاب قوات النظام إلى خلف حدود نفاهم “سوتشي”.
انسحاب الأتراك.. “تجنباً للابتزاز”
يرى الإعلامي المختص بالشأن الروسي، نصر اليوسف، أن انسحاب قوات الأسد إلى حدود سوتشي لم يكن مطروحاً بالنسبة للروس منذ انتهاء العملية العسكرية الأخيرة على إدلب، والتي سيطرت خلالها قوات الأسد على مساحات “استراتيجية” في المحافظة، بما فيها مناطق تتمركز فيها القوات التركية.
وأضاف اليوسف في حديث لموقع “السورية نت”، أن مسألة تراجع النظام عن تلك المناطق مغلقة تماماً بالنسبة للروس، على اعتبار أن وجهة النظر الروسية تقول إن: “تحرير هذه الأراضي كلّف دماء كثيرة، وبالتالي من غير المنطقي ومن غير الأخلاقي أن يُرغم المقاتلون على الانسحاب، حيث سيُعتبر ذلك خيانة لدماء رفاقهم”.
وبالتالي، من غير المنطقي بحسب اليوسف أن تُبقي تركيا نقاط المراقبة التابعة لها هدفاً بسيطاً يمكن ابتزازها به بأي وقت، معتبراً أنه في حال كان هناك أي مخطط لتسخين الأوضاع من جانب الأتراك أو الروس، فإن نقاط المراقبة ستكون “نقطة ضعف” بالنسبة لتركيا.
وجهة نظر اليوسف تتفق مع رأي الخبير العسكري في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية” نوار شعبان، الذي اعتبر في حديث لـ “السورية نت”، أن وجود نقاط تركية محاصرة في ظل “هشاشة” اتفاق وقف إطلاق النار، واحتمالية حدوث عمل عسكري بري “يجعل ظهر تركيا مكسوراً” على حد تعبيره، موضحاً أنه في حال دخول الروس والأتراك بمحادثات أو اتفاقات جديدة حول إدلب، فإن تركيا سوف تشارك بورقة ناقصة لصالح الروس.
واستبعد شعبان أن تكون دوافع الانسحاب التركي هو عدم وصول اللوجستيات إلى نقاط المراقبة المحاصرة، حسبما تداول محللون، أو لوجود مقايضة بين الروس والأتراك على أمر ما، معتبراً أنها مجرد خطوة استباقية من تركيا كي لا تقع بالابتزاز.
يُشار إلى أن عدد النقاط التركية المحاصرة يصل إلى 8 نقاط، وكانت قوات الأسد قد حاصرتها بشكل كامل، في أثناء تقدمها العسكري الأخير، على حساب فصائل المعارضة في إدلب وريف حماة، وأهمها: نقطة الصرمان، مورك، معرحطاط، تل الطوقان، العيس، الراشدين.
إحجامٌ روسي عن الدوريات.. إلى متى يستمر؟
رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، منذ توقيع الرئيسين التركي والروسي عليه في 5 مارس/ آذار الماضي، في موسكو، لم يسر وفق ما هو مرسوم له بشكل مثالي، إلا أن الأشهر التي تلت الإعلان عنه شهدت هدوءاً نسبياً للقصف والعمليات العسكرية، وعودة قلة من الأهالي إلى مناطقهم التي نزحوا عنها، فضلاً عن نجاح روسيا وتركيا بتسيير ما يزيد عن 20 دورية مشتركة، قطعت بعضها المسافة المتفق عليها من شمالي M4 إلى جنوبه، رغم المآخذ الروسي على الجانب التركي
فمنذ أكثر من شهرين امتنعت روسيا عن المشاركة إلى جانب الأتراك في الدوريات العسكرية بإدلب، بعد تعرضها لهجمات عدة.
ويرى نوار شعبان من “مركز عمران”، أن الاتفاق بين الروس والأتراك حول إدلب، أصبح معقداً ومتشابكاً، بدءاً من إحجام روسيا عن المشاركة في الدوريات المشتركة على “M4″، ووصولاً إلى خروقات وقف إطلاق النار المتكررة على المنطقة.
وفسّر شعبان لموقع “السورية نت”، امتناع الروس عن المشاركة في الدوريات العسكرية، بأن موسكو لا تزال متخوفة من عدم قدرة أنقرة على ضبط المنطقة في إدلب، متذرعة بوجود تنظيمات “إرهابية” تستهدف الدوريات الروسية على وجه التحديد.
إذ تعرضت الدوريات الروسية على الطريق الدولي لهجمات متكررة من قبل من تسميهم موسكو “إرهابيين”، كان آخرها تفجير استهدف عربات روسية- تركية منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي، قرب مدينة أريحا، ما أدى إلى إصابة 3 جنود روس، وتضرر ناقلة جنود روسية ومدرعة تركية.
ووجهت روسيا انتقادات عدة لتركيا، معلنة صراحةً عدم رضاها عن الوضع الراهن، فيما تتهم الأخيرة جماعات مسلحة غير مرتبطة بها بالمسؤولية عن استهداف الدوريات المشتركة، بهدف “زعزعة الاستقرار وجهود السلام” في المنطقة.
وبحسب نوار شعبان، فإن المخاوف الروسية تبعها محاولات لإقناع تركيا بسحب معداتها الثقيلة من جنوبي “M4” وإخلاء بعض نقاط المراقبة هناك، متحدثاً عن رغبة روسيا بضبط المنطقة ووضع يدها عليها، على اعتبار أن تركيا عجزت عن ذلك، من وجهة نظر الروس.
جبهةٌ تريدها روسيا”هشّة” وتتمسك بها تركيا
خلافاً لأبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار، صعّد الطيران الحربي الروسي خلال الأيام القليلة الماضية، من قصفه لقرى وبلدات جبل الزاوية “الاستراتيجية” جنوبي إدلب، بالصواريخ الفراغية، مستهدفاً مواقع مدنية وأراضٍ زراعية بشكل عشوائي، تزامناً مع تعزيزات تركية للمنطقة.
حيث تركزت الغارات بشكل محدد على قرية الرامي وأطراف قريتي فركيا والمغارة، ما أدى إلى وقوع إصابات بين المدنيين، حسبما وثقت فرق “الدفاع المدني السوري”.
ويقول نوار شعبان، إن منطقة جبل الزاوية هي منطقة حيوية واستراتيجية بالنسبة للنظام وروسيا، باعتبارها مدخل لأي عمل عسكري متوقع.
وأضاف “من مصلحة النظام وروسيا أن تكون منطقة جبل الزاوية هشّة من الناحية الدفاعية، وذلك عن طريق استهدافها بشكل دوري وعشوائي”، مشيراً إلى أن التصعيد الحالي يخدم هدفاً “استراتيجياً” عبر جعل المنطقة ضعيفة وإجبار الخطوط الدفاعية الأولى على الانسحاب للخلف، مما يُسهّل أي تقدم عسكري محتمل للنظام والروس.
ومع ذلك، يرى الإعلامي المقيم في روسيا، نصر اليوسف، أن القصف الروسي على جبل الزاوية لا يمكن ترجمته بأنه تمهيد لعملية عسكرية كبيرة على المنطقة، معتبراً أنها مجرد “مناوشات” و”فركة أذن” قد تستمر مطولاً.
وأضاف اليوسف أن الخلاف بوجهات النظر بين روسيا وتركيا في القضايا الإقليمية، وعلى رأسها أزمة قره باخ وليبيا وشرق المتوسط وغيرها، يدفع الروس إلى الانتقام من الأتراك عبر استهداف حلفاء تركيا في سورية.
وتابع “روسيا تترجم غضبها من تركيا في سورية. ومع ذلك أستبعد اندلاع حرب بين الجانبين أو حدوث هجوم عسكري كالذي انتهى في 5 مارس/ آذار الماضي”.
هل تشهد المنطقة اتفاقاً جديداً؟
التطورات السابقة مجتمعة طرحت تساؤلات حول مدى صمود اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، أمام تضارب الرؤى الروسية- التركية على الساحة السورية، باعتبار أن إدلب كانت ولا تزال نقطة عالقة في أي محادثات تدور بين الجانبين حول سورية.
وبهذا الصدد، يرى الإعلامي المختص بالشأن الروسي، نصر اليوسف، أن اتفاق موسكو لن ينهار بصيغته الحالية، ليس لأنه محصن قانونياً وموثق لدى الأمم المتحدة، حسب تعبيره، بل لأن العلاقات التركية- الروسية تشعبت مؤخراً ودخلت مرحلة “متقدمة” في تاريخها، مضيفاً أن “كل طرف أصبح بحاجة للطرف الآخر”.
وحول حدوث اتفاق جديد بين الجانبين، استبعد اليوسف ذلك، بقوله إنه لا حاجة للتوصل لاتفاق جديد بين الروس والأتراك حول إدلب، لكن في ظل المتغيرات والتطورات الراهنة قد يحصل تطوير لاتفاق موسكو، أو إضافة ملحقات جديدة بالاتفاقيات السابقة بين روسيا وتركيا، حسب قوله.
واختتم حديثه: “بتقديري سيبقى الوضع في إدلب على ما هو عليه، لحين انتهاء العملية السياسية السورية، وإغلاق الملف السوري”.
أما نوار شعبان من “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، فقد اعتبر أن إدلب قد تشهد اتفاقاً جديداً “لكن الحدود مرسومة وستظل كما هي”، وفق قوله، مشيراً إلى أن إخلاء تركيا لنقاط المراقبة التابعة لها في ريفي حماة وإدلب لم ولن تؤثر على اتفاق موسكو، على اعتبار أن معظم تلك النقاط تموضعت في جبل الزاوية.
واختتم بقوله “المعضلة الأساسية هي منطقة جبل الزاوية، جنوبي M4، والتي ترفض تركيا التخلي عنها، وتصر روسيا على وضع يدها عليها. إذ لا توجد حتى اليوم صيغة واضحة لتفاهم بين الجانبين حول تلك المنطقة”.
———————————
اتفاق وقف النار في إدلب..بخطر
أعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري الثلاثاء، عن قلقه من التصعيد الذي تقوم به قوات النظام السوري في إدلب، وذلك بعد مقتل وجرح قرابة مائة عنصر من فصيل معارض بغارة روسية الاثنين.
وقال جيفري في بيان نشره حساب السفارة الأميركية في دمشق: “نحن قلقون للغاية إزاء التصعيد الخطير من قبل القوات الموالية للنظام، والانتهاك الواضح لاتفاق وقف إطلاق النار في إدلب”.
وأضاف أن “نظام الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين يهددون استقرار المنطقة”. وقال البيان: “تصرفات نظام الأسد تطيل أمد الصراع وتعمق معاناة الشعب السوري. نكرر دعمنا لدعوات الأمين العام من أجل وقف فوري لإطلاق النار”.
وتابع: “لقد حان الوقت لنظام الأسد وحلفائه لإنهاء حربهم الوحشية التي لا مبرر لها ضد الشعب السوري”، مشدداً على أن الحل لتحقيق السلام يكون “وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
وكان الطيران الحربي الروسي قصف الاثنين، معسكرا لفصيل “فيلق الشام” المدعوم من تركيا في ريف إدلب الغربي. وأدى القصف إلى مقتل وإصابة مائة عنصر على الأقل من الفصيل المنضوي في صفوف “الجبهة الوطنية للتحرير”.
وتواصل قوات النظام السوري وحليفتها روسيا خرق وقف إطلاق النار في المنطقة بشكل شبه يومي. والثلاثاء، نفذت قوات النظام قصفاً صاروخياً على مناطق في الفريكة بريف إدلب الغربي، والبارة ومناطق أخرى ضمن جبل الزاوية جنوبي إدلب، بالإضافة إلى قسطون والزيارة بسهل الغاب شمال غربي حماة.
يأتي ذلك في ظل القصف المتواصل من قبل الفصائل على مواقع النظام السوري رداً على مجزرة الدويلة. وقصفت الفصائل بشكل مكثف وعنيف مناطق سيطرة قوات النظام في منطقة خفض التصعيد، حيث استهدفت بمئات القذائف الصاروخية والمدفعية بلدات وقرى في جنوبي إدلب وشرقها، بالإضافة إلى مواقع في ريف حماة الغربي، ومناطق أخرى في جبال اللاذقية وريف حلب الغربي. وهذا القصف مستمر منذ ليل الاثنين.
——————————
فصائل مقاتلة تقصف مواقع النظام في إدلب غداة التصعيد الروسي
واشنطن قلقة من انتهاكات دمشق وحلفائها
أفاد الناطق الرسمي للجبهة الوطنية للتحرير التابعة للمعارضة السورية، النقيب ناجي مصطفى، أمس (الثلاثاء)، بمقتل 10 ضباط يتبعون القوات الحكومية، وإصابة عشرات وتدمير مقر قيادة عمليات تابع لروسيا في معصران جنوبي إدلب، حيث استهدفت الفصائل المقاتلة بمئات القذائف مواقع قوات النظام في محافظة إدلب ومحيطها في شمال غربي سوريا غداة مقتل نحو 80 عنصراً من مقاتليها في غارات روسية، وفق ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ومتحدث باسمها. وقال مصطفى لوكالة الأنباء الألمانية، إن فصائل المعارضة أعلنت انتهاء العمل بجميع الاتفاقات بين تركيا وروسيا، مشيراً إلى قصف أكثر من 35 موقعاً عسكرياً للقوات الروسية والسورية منذ فجر أمس في مناطق حلب وإدلب وحماة واللاذقية.
وشنت طائرات روسية أول من أمس (الاثنين)، غارات على مقر لفصيل «فيلق الشام» المقرّب من تركيا في شمال غربي إدلب، ما أسفر عن مقتل 78 عنصراً وإصابة أكثر من تسعين آخرين بجروح.
وتعهدت الجبهة الوطنية للتحرير، وهي تجمُّع للفصائل المعارضة والمقاتلة في إدلب وبينها «فيلق الشام»، الاثنين، بالرد.
وأفاد «المرصد السوري»، أمس: «استهدفت فصائل الجبهة الوطنية للتحرير منذ مساء الاثنين بمئات القذائف الصاروخية والمدفعية مناطق عدة تسيطر عليها قوات النظام في جنوب وشرق إدلب»، كما في محافظات حماة وحلب واللاذقية المحاذية.
وقال المتحدث باسم الجبهة ناجي مصطفى، إن «الجبهة الوطنية قامت بالرد الفوري والمباشر على الجريمة» عبر استهداف مواقع لقوات النظام خصوصاً في جنوب إدلب وشمال حماة.
وأضاف: «الرد مستمر وسيكون قاسياً وقوياً»، متهماً روسيا بمحاولة «تخريب» الهدنة السارية في إدلب منذ أشهر.
من جهتها، قصفت قوات النظام بالقذائف الصاروخية أيضاً مناطق توجد فيها الفصائل في إدلب وشمال حماة، وفق المرصد.
ولم يتبين ما إذا كان القصف المتبادل أسفر عن وقوع قتلى.
وتعدّ منطقة إدلب من أبرز المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، التي لطالما كررت رغبتها في استعادتها عن طريق المعارك أو التسوية. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) حالياً على نحو نصف مساحة إدلب ومناطق محدودة محاذية من محافظات حماة وحلب واللاذقية. وتنشط في المنطقة، التي تؤوي ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين، أيضاً فصائل مقاتلة أقل نفوذاً بينها فصائل الجبهة الوطنية للتحرير. وتسري في إدلب ومحيطها منذ السادس من مارس (آذار) هدنة أعلنتها موسكو، حليفة دمشق، وتركيا الداعمة للفصائل المقاتلة بعد هجوم واسع لقوات النظام استمر ثلاثة أشهر، تسبب بنزوح نحو مليون شخص، عاد منهم نحو 235 ألفاً إلى مناطقهم.
ورغم خروقات متكررة من غارات جوية شنتها روسيا وقوات النظام أو قصف متبادل، بقيت الهدنة صامدة. وأبرمت موسكو وأنقرة اتفاقات تهدئة عدة في إدلب، أعقبت سيطرة الفصائل المقاتلة عليها منذ عام 2015، أبرزها اتفاق سوتشي الموقَّع في سبتمبر (أيلول) 2018، والذي نشرت تركيا بموجبه نقاط مراقبة في المنطقة.
وبينما يتفق البلدان على التهدئة في إدلب، يخوضان منافسة شرسة في ليبيا وناغورني قره باغ، حيث يدعمان أطرافاً متخاصمة.
ويُعد «فيلق الشام» الفصيل السوري الأقرب إلى تركيا، وقد قاتل إلى جانبها على جبهات عدة داخل سوريا كما ذهب عناصر في صفوفه إلى ليبيا وناغورني قره باغ، للقتال إلى جانب حلفائها.
من جهته، أعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، عن قلق بلاده من خرق النظام اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب. وقال جيفري، في بيان عبر صفحة السفارة الأميركية بدمشق: «نحن قلقون للغاية من هذا التصعيد الخطير من القوات الموالية للنظام والانتهاك الواضح لاتفاق 5 مارس لوقف إطلاق النار في إدلب»، مؤكداً دعمه لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وتابع جيفري: «لقد حان الوقت لنظام الأسد وحلفائه لإنهاء حربهم الوحشية التي لا داعي لها ضد الشعب السوري»، داعياً إلى ضرورة التمسك بالحل السياسي والمتمثل بقرار مجلس الأمن الدولي 2254.
وقال «المرصد» لاحقاً إنه «وثّق مقتل ما لا يقل عن 12 عنصراً في قوات النظام والمسلحين الموالين. وتوزع القتلى على النحو التالي: 3 في سراقب شرقي إدلب، و4 في محاور جبال اللاذقية، و3 في ريف حماة، واثنان في حلب».
ورُصد قصف مكثف وعنيف تنفّذه فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» ومن ضمنها «فيلق الشام»، منذ مساء أمس حتى اللحظة، مستهدفة مناطق سيطرة قوات النظام، حيث استهدفت بمئات القذائف الصاروخية والمدفعية كلاً من حزارين والملاجة وترملا والدار الكبيرة وكفرنبل وحنتوتين ومعصران جنوبي إدلب، وسراقب وخان السبل وداديخ وجوباس وكفربطيخ شرقي إدلب، بالإضافة للحاكورة وطنجرة وجورين بريف حماة الغربي، ومناطق أخرى في جبال اللاذقية وريف حلب الغربي، وسط معلومات مؤكدة عن خسائر بشرية.
وقال «المرصد»: «يأتي ذلك رداً من الفصائل على المجزرة التي ارتكبتها طائرات حربية روسية باستهدافها معسكراً لفيلق الشام شمال غربي إدلب، حيث رُصد ارتفاع حصيلة الخسائر البشرية إلى 78 على الأقل». وقال: «عدد الذين قُتلوا مرشح للارتفاع، لوجود أكثر من 90 جريحاً بعضهم في حالات خطرة بالإضافة لوجود مفقودين وعالقين، وسط معلومات عن قتلى آخرين».
—————————-
الثأر لفيلق الشام..بنك أهداف المعارضة لم ينتهِ بعد
توعدت المعارضة السورية بمواصلة قصفها لمواقع قوات النظام والمليشيات الموالية لها رداً على المجزرة التي أوقعها قصف الطائرات الروسية في معسكر لفصيل “فيلق الشام” أكبر فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” في منطقة جبل الدويلة غربي إدلب.
وقال الناطق الرسمي باسم “الجبهة الوطنية” النقيب ناجي مصطفى: “نعد عدونا بالمزيد ثأراً لدماء شهدائنا الأبرار”. وأضاف أن “حملة القصف التي بدأت بعد وقوع مجزرة الدويلة مباشرة ركزت على استهداف مواقع قوات النظام والمليشيات الإيرانية والروسية المهمة والتي يتركز فيها القسم الأكبر من أعداد والعتاد الحربي لقوات العدو، وفي مختلف الجبهات والمواقع الخلفية، واستخدم في حملة القصف مختلف صنوف الأسلحة الثقيلة”.
وأشار مصطفى في حديث ل”المدن”، إلى أن “الحملة حققت نتائج مهمة من ناحية الخسائر في صفوف العدو، وأدت إلى مقتل وإصابة عدد من الضباط الروس في محور كفرنبل جنوبي إدلب، وقتل 10 ضباط آخرين من قوات النظام من مختلف الرتب في القصف الذي استهدف مواقعهم المتقدمة في جبهات جنوب وشرقي إدلب، بالإضافة الى مقتل 50 عنصراً من قوات النظام والمليشيات بعد أن استهدفت مرابض مدفعيتهم الثقيلة وثكناتهم العسكرية”.
وتوزع قصف الفصائل المعارضة على أربعة جبهات، وشهدت جبهات إدلب الجنوبية والشرقية القصف الأعنف حيث استُهدف 35 موقعاً تتمركز فيه مجموعات من “الفرقة 25 مهام خاصة” و”الفيلق الخامس” و”حزب الله” والمليشيات الإيرانية. ومن بين المواقع المستهدفة غرف عمليات متقدمة وتجمعات للسلاح الثقيل، الصاروخي والمدفعي.
وفي مناطق حلب استهدف قصف المعارضة مواقع حساسة لقوات النظام في الأكاديمية العسكرية والفوج 46 و10 مواقع أخرى غرب وجنوبي حلب، ووصلت نيران المعارضة الصاروخية إلى مواقع قوات النظام والمليشيات الإيرانية في محيط مطار حلب الدولي وأطراف المدينة الصناعية شمال وشرقي المدينة حلب، واتهم “فيلق المدافعين عن حلب” النقاط العسكرية التركية المتمركزة في ريف حلب بالمشاركة بحملة القصف.
أما في سهل الغاب شمال غربي حماة فقد استهدف قصف المعارضة الكتيبة الروسية في جورين والمعسكرات التابعة للمليشيات في محيطها، وعدداً من القرى الواقعة على خط التماس مع المعارضة، وتنتشر فيها مجموعات من “الفرقة 11” والفرقتين التاسعة والسابعة، وامتد القصف نحو جبال الساحل في ريف اللاذقية الشمالي في كبانة وتلة أبو أسعد وسلمى.
وقال الناشط الإعلامي محمد رشيد ل”المدن”، إن “لدى فصائل المعارضة بنك أهداف غني بالمواقع العسكرية لقوات العدو، وهو حصيلة فترة طويلة من عمليات الرصد والاستطلاع”. ومن المفترض أن يمكّن بنك المعلومات، الفصائل من استمرار حملتها لفترة أطول، والثأر لمقاتليها من خلال توجيه ضربات موجعة ومركزة.
وشاركت “هيئة تحرير الشام” في حملة الثأر لقتلى “فيلق الشام”، وتحدث الجناح العسكري عن عمليات قصف مكثفة طالت مواقع قوات النظام في محيط إدلب. وأطلقت الجبهة اسم “الثأر موعدنا” على عملياتها.
رد قوات النظام والمليشيات الموالية لها على قصف المعارضة بدأ يتصاعد بشكل تدريجي خلال الساعات القليلة الماضية، واستهدفت مدفعية النظام بلدات مدنية في ريف حلب الغربي قُتل فيها شخصين، وطاول القصف أيضاَ مناطق جبل الزاوية وأريحا وريف جسر الشغور والمرتفعات الجبلية في ريف الساحل.
وأبلغ الناشط الإعلامي عبد الفتاح الحسين ل”المدن”، أن “أحد أهداف القصف الروسي لمعسكر فيلق الشام هو جرّ المعارضة للتصعيد وفتح معركة وبالتالي إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار من جانبها”.
وأضاف أن “احتمال نجاح المسعى الروسي المفترض وعودة المعارك بسبب حادثة الدويلة لن يتحقق لأن رد المعارضة كان محدوداً على القصف، أي الرد بالمثل، وهو توجه تدعمه تركيا، ولم نرى أي تحركات برية أو اشغال فعلي للمحاور من قبل الفصائل مؤخراً”.
يبدو أن المعارضة ستحاول الاستفادة من تقنيات الاستطلاع خلال الفترة القادمة لاستنزاف قوات النظام والمليشيات، والتوجه المفترض للفصائل قد تدعمه تركيا من خلال توفير كميات أكبر من العتاد والذخائر الحربية الثقيلة. السيناريو المفترض مكلف لكنه يطمئن الأوساط المدنية المعارضة التي بدت غاضبة من التطورات العسكرية في محيط إدلب، كانسحاب النقاط التركية وخسارة المهجرين لآمال العودة إلى منازلهم في المناطق التي سيطر عليها النظام.
المدن
—————————
روسيا هاجمت فيلق الشام انتقاماً لأرمينيا..مقدمة لحرب شاملة؟
توقع محللون سوريون أن تكون الضربة الجوية الروسية التي استهدفت معسكراً تابعاً لفيلق الشام الاثنين، رداً على تقدم أذربيجان المدعومة من تركيا في حربها ضد أرمينيا في إقليم ناغورني قره باغ.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء، إن القوات المسلحة التركية قد تنفذ عملية جديدة في سوريا إذا لم يبتعد “الإرهابيون” عن الحدود التركية. وأضاف أن “التهديدات من سوريا ضد بلدنا مستمرة، ومؤخراً تم تحييد الإرهابيين الذين كانوا يخططون لشن هجمات إرهابية على أراضينا. ومن الواضح أن الولايات المتحدة تحاول إنشاء منطقة حرب جديدة على طول الحدود السورية العراقية، وهي نذير لمآسي جديدة”.
وتابع الرئيس التركي أن “القوات المسلحة التركية قادرة على تطهير سوريا من كل التنظيمات الإرهابية”.
من جهته، ناشد المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن الدول المتدخلة في الصراع السوري العمل على تثبيت التهدئة، في وقت أجرى فيه الرئيس التركي اتصالات مع نظيريه الروسي والايراني جرى خلالهما التباحث حول الشأن السوري بالإضافة إلى تطورات الأوضاع في أذربيجان وليبيا.
بيدرسن وفي إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، تحدث عن “تطورات إيجابية يمكن أن أن تُبنى عليها عملية أوسع”، منوهاً بتصريحات سابقة لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قال فيها إن “المرحلة العسكرية من الصراع في سوريا انتهت”.
واعتبر المبعوث الدولي أن ثبات خطوط التماس بين قوات النظام والمعارضة خلال الأشهر ال8 الماضية يعتبر مؤشراً إيجابياً، بالإضافة إلى أن “عدد القتلى المدنيين في الأشهر الأخيرة وصل إلى أدنى مستوياته منذ بدء الحرب عام 2011”.
لكن بيدرسن نبّه إلى أن “ذلك لا يعني زوال الأخطار”، وأشار إلى الغارة الجوية التي استهدفت يوم الاثنين معسكر “فيلق الشام” على الحدود التركية في ريف إدلب ورد فصائل المعارضة، مناشداً كلاً من روسيا وتركيا العمل من أجل احتواء الموقف.
ومن المؤكد أن العمل من أجل احتواء الموقف في سوريا كان هدف الاتصالات التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اليومين الماضيين مع نظيريه الروسي والإيراني، بالإضافة إلى التطورات على الساحة الآذرية التي تعتبر ملفاً شديد الأهمية بالنسبة للدول الثلاث، ويربط الكثيرون بين التطورات هناك وفي ليبيا أيضاً وبين تطورات الشأن السوري.
وبينما لم يصدر أي تعليق من أنقرة حول الضربة التي أودت بأكثر من مئة مقاتل من الفيلق المقرب منها، قال بيان صادر عن الكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث هاتفياً مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان سبل تسوية الأزمة الليبية وتطورات النزاع في إقليم قره باغ.
وأضاف أن الجانب الروسي عبّر عن قلقه البالغ إزاء “استمرار القتال والانخراط المتزايد للإرهابيين من الشرق الأوسط في النزاع” في إشارة واضحة إلى الاتهامات الموجهة لأنقرة بإرسال مقاتلين سوريين للقتال إلى جانب الجيش الآذري ضد أرمينيا.
وهو ما يتفق والتحليلات التي تحدثت عن أن الهدف من الغارة الجوية التي نفذتها روسيا دون أن تعترف بها على معسكر “فيلق الشام” هو الانتقام من هذا الفصيل المسؤول، حسب روسيا، عن تجنيد العدد الأكبر من السوريين الذين يتم إرسالهم إلى أذربيجان.
ويبدو أن الجانبين الروسي والتركي تمكنا مرة أخرى من إحتواء الأمور وإن كان مؤقتاً، حيث كشف بيان الكرملين عن أن الرئيسين بوتين وأردوغان بحثا “التعاون بين روسيا وتركيا في سوريا، مع الإشارة إلى أهمية الجهود المشتركة من أجل تنفيذ التفاهمات بشأن إحلال الاستقرار في إدلب وشرقي الفرات”.
كما بحث أردوغان القضيتين الآذرية والسورية مع نظيره الإيراني حسن روحاني، وقال بيان مقتضب صادر عن الرئاسة التركية إن “أردوغان أكد على ضرورة انصاف أذربيجان من الطرف الذي يحتل أراضيها”. وحول سوريا اكتفى البيان بالإشارة إلى تعاون الجانبين في “مكافحة الإرهاب المتمثل بحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الذين يهددان وحدة سوريا”.
ويرى المعارض السوري سمير نشار أن “دول محور أستانة بدأت تظهر بوضوح مصالحها المختلفة في كل من سوريا وأذربيجان”. وأضاف في تصريح ل”المدن”، أنه “في سورياً ورغم مرور ما يقارب ثلاث سنوات على توقيع تفاهمات سوتشي، إلا أن الروس يأخذون على تركيا عدم الإيفاء بالتزاماتها حول أمرين جوهريين هما: فتح الطرق الدولية بين حلب-دمشق وحلب-اللاذقية، والقضاء على المنظمات المصنفة إرهابية في مناطق سيطرة المعارضة”.
ويتفق نشار مع الكثيرين في أن تفجر الأوضاع بين أذربيجان وأرمينيا زاد من تعقيد الأمور في سوريا بين الدول المؤثرة، ما جعل من دمشق ساحة معارك وتصفية حسابات وممارسة ضغوط. وقال: “إذا حققت أذربيجان انتصاراً وسيطرت على الإقليم وانتزعته من أرمينيا حليفة روسيا، فإن الأخيرة ستقوم بهجوم في إدلب بذريعة عدم تنفيذ التزامات سوتشي، لكن بهدف السيطرة على الطريق الدولي حلب-اللاذقية، وللضغط على تركيا رداً على تقدمها في ملف أذربيجان”.
وتابع: “تحسباً لذلك قامت تركيا بسحب نقاطها التي تقع ضمن مناطق سيطرة النظام خشية استهدافها واعادة انتشارها في مناطق جبل الزاوية لتحسين مواقعها في حال توسعت المعارك كما هو متوقع، وأعتقد أن الرسالة الروسية القاسية بقصف معسكر فيلق الشام، الفصيل الأساسي المحسوب على تركيا، هي مقدمة لعمل عسكري سيأتي لاحقاً، خاصة اذا سقط اقليم ناغورنو قرباخ في أيدي أذربيجان”.
المدن
————————————–
أردوغان عن مجزرة الدويلة:روسيا لا تريد الاستقرار في سوريا
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء، إن هناك مؤشرات تظهر عدم دعم روسيا للاستقرار والسلام في سوريا.
واعتبر خلال اجتماع الكتلة النيابية لحزب “العدالة والتنمية”، أن “استهداف روسيا مركزاً لتأهيل الجيش الوطني السوري في إدلب، مؤشر على عدم دعمها للسلام الدائم والاستقرار بالمنطقة”، في إشارة إلى قصف الطيران التركي معسكراً ل”فيلق الشام” في منطقة الدويلة جنوب إدلب.
وأضاف أنه في حال لم يتم الوفاء بوعود إخراج الإرهابيين من الخطوط التي تم تحديدها في سوريا، فإن لتركيا الحق في إخراجهم متى أرادت. وأكد أن “تركيا قادرة على تطهير كامل سوريا من التنظيمات الإرهابية إن لزم الأمر”. واعتبر أنه “ينبغي للذين يلتفون للسيطرة على أراضي سوريا، والذين يتخلفون عن مكافحة داعش مثلنا، أن يتخلوا عن هذه المسرحية”.
وأضاف الرئيس التركي أن الذين ينسبون تواجدهم في سوريا إلى محاربة “داعش”، هم في الواقع يستخدمون “ذريعة فارغة”، معتبراً أن تركيا هي البلد الوحيد الذي يخوض كفاحاً بالمعنى الحقيقي ضد التنظيم الإرهابي.
ولفت أردوغان إلى وجود “تنظيم إرهابي” على حدود بلاده مع سوريا، في مناطق خارج السيطرة التركية، رغم الوعود التي قطعت لأنقرة. وذكر أن الكيان الذي تحاول الولايات المتحدة ترسيخه على طول الحدود العراقية السورية، “هو نذير للصراعات والآلام والمآسي الجديدة”.
وفي سياق آخر، قال أردوغان إنه اتفق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على العمل سوياً من أجل إيجاد حل للصراع في منطقة القوقاز، بين أذربيجان وأرمينيا. وأضاف “أجريت مباحثات مع بوتين واتفقنا على أن نعمل على إيجاد حل سلمي لما يحدث في القوقاز”.
وقال إنه اتفق مع بوتين “على أن يقوم بمباحثاته مع (رئيس الوزراء الأرميني) نيكول باشينيان، وأنا مع شقيقي (الرئيس الأذربيجاني إلهام) علييف، لنتخذ خطوة صادقة في هذا الصراع”. وأردف: “اقترحت على بوتين تشكيل وفود، واجتماع وزيري خارجية البلدين، لكن قبل كل شيء الاتفاق على امتلاك الرغبة الحقيقية لحل النزاع”.
وزاد: “كما دعوت بوتين لاتخاذ خطوات صادقة، في سبيل حل النزاع، وأبلغته بأنني صادق، ولا شك لدي بأنك صادق أيضا، لذلك دعنا نتخذ هذه الخطوة”.
وتطرق أردوغان إلى الخلاف الحاد مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون قائلاً إن “العالم يمر بمرحلة انتشر فيها العداء للإسلام والمسلمين والإساءة للرسول كالسرطان الخبيث وخاصة بين السياسيين الأوروبيين”. وأضاف “لا يمكن أن يكون المسلم إرهابياً ولا الإرهابي مسلماً”.
وقال تعليقاً على تصريحات ماكرون ضد الإسلام: “لا تستحق فرنسا وأوروبا بشكل عام السياسات الشريرة والاستفزازية والقبيحة التي ينتهجها ماكرون ومن ينتمون لنفس عقليته”. واعتبر أن من “يناصبون العداء” للإسلام وتركيا “سيغرقون في مستنقع الحقد والكراهية الذي دخلوه باسم الحرية”، مضيفاً أن هذه إشارات عودة أوروبا إلى “العصر الهمجي”.
وطالب من يسعون للتغطية على فشلهم في سياساتهم الداخلية عبر استغلال العداوة للمسلمين والأتراك إلى سحب أيديهم القذرة من القيم المقدسة للمسلمين. وخاطب الغرب قائلاً: “ألستم من قتل مئات الآلاف في رواندا؟ ألستم من قتل الملايين في الجزائر؟ ألستم من دخل إلى كل بلد أفريقي بذريعة وجود ألماس وفوسفات وذهب وقتلتموهم؟ أنتم قتلة”.
وقال أردوغان مخاطباً ماكرون: “بعد زيارتك إلى لبنان عقب حادثة تفجير المرفأ، لم تجد ضالتك هناك وتم طردك، وسيتم طردك كلما تم التعرف على نواياك الحقيقية”.
وقال الرئيس التركي إنه إذا اتخذت فرنسا قراراً بحظر السفر إلى تركيا، فإن أنقرة ستدرس سبل الرد وتتخذ الإجراءات المناسبة. وأضاف أن “تركيا ليست دولة قبلية، وليست بالدولة التي ينظر إليها ويعلمها ماكرون وأمثاله”.
المدن
——————————
تصعيد يهدد هدنة إدلب غداة القصف الروسي
قصفت فصائل سورية مقاتلة مواقع النظام السوري في إدلب غداة التصعيد الروسي الذي أدى إلى مقتل عشرات المقاتلين من فصيل موالٍ لتركيا، ما هدد بانتهاء الهدنة الموقعة بين موسكو وأنقرة إزاء شمال غربي سوريا.
وأفاد الناطق باسم {الجبهة الوطنية للتحرير} التابعة للمعارضة السورية، النقيب ناجي مصطفى، أمس، بمقتل 10 ضباط يتبعون القوات الحكومية، وإصابة عشرات وتدمير مقر قيادة عمليات تابع لروسيا في معصران، جنوب إدلب؛ حيث استهدفت الفصائل المقاتلة بمئات القذائف مواقع قوات النظام في محافظة إدلب ومحيطها في شمال غربي سوريا غداة مقتل نحو 80 عنصراً من مقاتلي المعارضة في غارات روسية.
وقال مصطفى إن فصائل المعارضة أعلنت انتهاء العمل بجميع الاتفاقات بين تركيا وروسيا، مشيراً إلى قصف أكثر من 35 موقعاً عسكرياً للقوات الروسية والسورية في حلب وإدلب وحماة واللاذقية. وقصفت قوات النظام بدورها مناطق سيطرة الفصائل.
وأعرب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، عن قلق بلاده من خرق النظام اتفاق وقف النار في إدلب.
كما أعلن أمس عن اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والتركي مولود جاويش أوغلو، بحثا خلاله الوضع في إدلب وليبيا وناغورني قره باغ.
على صعيد آخر، قُتل 30 عنصراً من النظام و«داعش» في اشتباكات، تخللتها غارات روسية على البادية في وسط سوريا، حسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
————————–
التراجع التركي في إدلب/ عبسي سميسم
لا يزال الوضع الميداني في شمال غرب سورية ينذر بتجدد معارك تقود فيها روسيا قوات النظام لتحقيق مزيد من التقدم في محافظة إدلب، والسيطرة على ما تبقى من مناطق جنوب الطريق الدولي “أم 4” الذي يربط الساحل السوري بحلب. أمّا فصائل المعارضة الموجودة في إدلب، والقوات التركية التي يفوق تعدادها هناك تعداد قوات النظام، فلم تبد أي ردة فعل جدية تجاه الاستفزازات التي تقوم بها كل من طائرات روسيا والنظام في عمق المحافظة، متجاوزةً اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته أنقرة وموسكو في مارس/آذار الماضي. ولعل أحدث الجرائم كانت باستهداف طائرات النظام المدنيين في مدينة أريحا جنوب إدلب يوم الخميس الماضي، وسبقها استهداف الطائرات الروسية معسكر تدريب للفصيل الأقرب لتركيا “فيلق الشام”، وارتكاب مجزرة بحق عناصره بالقرب من الحدود التركية، الأمر الذي فسره المراقبون على أنه الرسالة الأقوى على الإطلاق من قبل روسيا لتركيا، منذ بداية اتفاق وقف إطلاق النار.
وجاء ردّ فصائل المعارضة على هذا الاستهداف دون مستوى الضربة التي تلقتها، فيما لم يقم الجانب التركي بأي ردة فعل تتناسب مع هذا الاستفزاز، وإنما قامت القوات التركية بسحب نقاط المراقبة التي كانت أنشأتها في عمق محافظة إدلب، وحوصرت من قبل قوات النظام.
ولكن على الرغم من كل التحليلات التي تقول إنّ سحب نقاط المراقبة التركية المحاصرة هو جزء من استعدادات أنقرة للرد بشكل حاسم على أي محاولة تقدم جدية للنظام بشكل مريح، من دون الوقوع تحت عبء نقاط محاصرة يمكن استهدافها بسهولة، إلا أنّ توقيت سحب تلك النقاط، التي أصرت تركيا على إبقائها طوال الفترة السابقة، كونها ترسم خط الاشتباك الذي تطالب قوات النظام بالتراجع إليه، والقيام بسحب تلك النقاط عقب تلقّي أهم الفصائل التي تدعمها ضربة موجعة، يمكن قراءته على أنه تراجع من قبل تركيا. كما أنه استجابة للرسالة التي وجهتها لها موسكو، خصوصاً أنّ روسية كانت طالبت تركيا بتقليص نقاطها العسكرية في إدلب، ولا سيما تلك التي تقع جنوب طريق “أم 4”.
ويبقى تراجع تركيا في محافظة إدلب، على الرغم من كل التعزيزات التي أرسلتها إلى المنطقة، وعلى الرغم من امتلاكها حاضنا شعبيا يدعمها وموقعا جغرافيا يساعدها، غير مبرر ما لم تكن هناك توافقات مع الدول الفاعلة بالشأن السوري، لها أفضلية ضمن حسابات تركيا لأمنها القومي.
العربي الجديد
————————–
إدلب:النظام يقصف كأن المعركة بدأت
تحتدم المواجهات في ريف إدلب الجنوبي حيث جددت قوات النظام السوري قصفها المدفعي صباح السبت، على المنطقة، فيما قُتل وأُصيب عدد من قوات النظام جراء استهداف فصائل المعارضة بقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ تجمعاتهم.
وقالت مصادر محلية إن قصف قوات النظام استهدف قرى وبلدات الفطيرة وكنصفرة وأطراف البارة وسفوهن ضمن جبل الزاوية، من دون معلومات عن خسائر بشرية. فيما قصفت فصائل المعارضة مواقع لقوات النظام على محاور التماس جنوبي إدلب، بينما تواصل طائرات الاستطلاع الروسية تحليقها في أجواء محافظة إدلب.
ويأتي ذلك بعد ساعات من تكثيف قوات النظام قصفها بالأسلحة الثقيلة على الأحياء السكنية في مدينة أريحا وقرية نحليا ومعربليت بريف إدلب، وقريتي تقاد وكفرعمة بريف حلب الغربي، ما أدى إلى سقوط جرحى مدنيين في مدينة أريحا.
من جهتها، استهدفت الفصائل بقذائف المدفعية الثقيلة وصواريخ محلية الصنع فجر السبت، مواقع وتجمعات قوات النظام في قريتي الملاجة وحزارين بريف إدلب الجنوبي، وسط أنباء عن سقوط قتلى وجرحى من قوات النظام والمليشيات المساندة لها، إضافة الى وقوع أضرار مادية كبيرة في العتاد، جراء تحقيق إصابات مباشرة لمعسكراتهم وثكناتهم العسكرية.
وكانت مدينة أريحا وبلدات وقرى ريفي إدلب الجنوبي والشمالي قد تعرضت ليل الجمعة، لقصف مكثف من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة له، ما أدى إلى دمار واسع في ممتلكات المدنيين، ونزوح عشرات العوائل إلى المناطق الحدودية مع تركيا.
مستقبل وقف إطلاق النار في إدلب تحت الخطر!
ترجمة علي كمخ
– ماذا جرى في إدلب من أحداث منذ إعلان وقف إطلاق النار حتى الآن؟
– ما الهدف الاستراتيجي لروسيا في سياق إدلب؟
– كيف يمكن جعل وقف إطلاق النار في إدلب عملية دائمة؟
في 5 آذار/ مارس 2020، أُبرم اتفاق بين تركيا وروسيا في موسكو، وأعلن بموجبه وقف لإطلاق النار في منطقة إدلب السورية، إذ قرر الطرفان إنشاء ممرات أمنية وتسيير دوريات مشتركة في المنطقة ([1]). وبالرغم من مضي ستة أشهر على الاتفاق، فإن وقف إطلاق النار ما زال ضعيفًا في إدلب. ففي الوقت الذي يتعرض فيه تنفيذ الاتفاق لاستفزازات الجماعات المتطرفة في إدلب، تتواصل من جهة أخرى حملات زيادة التوتر ومضايقات نظام الأسد المدعوم من روسيا. وبين الإفساد والتخريب الذي يمارسه الطرفان، تواصل كل من تركيا والمعارضة السورية جهودهما من أجل ضمان وقف إطلاق النار في إدلب، وحماية المنطقة، والمحافظة على سلامة حياة ما يقرب من ثلاثة ملايين مدني يعيشون فيها. وعلى الرغم من أن هذه العملية تتم بتنسيق وثيق مع الإدارة في موسكو، فإن تقييم روسيا المؤقت للوضع الراهن في إدلب ([2])، واعتمادها الحل العسكري كهدف استراتيجي رئيسي، هو أحد أكبر العقبات أمام استمرارية وقف إطلاق النار واستدامته.
آخر الأوضاع في إدلب
تم في إطار الاتفاقية الموقعة بين روسيا وتركيا، تنفيذ ([3]) الدورية المشتركة رقم 26 على طريق M4 الدولي في 25 آب/ أغسطس 2020. وفي 22 تموز/ يوليو 2020، تم تسيير أولى الدوريات على كامل المسار المحدد ([4]). لكن الدوريات المذكورة تعرضت في 14 ([5])و17 ([6]) تموز/ يوليو، وفي 25 آب/ أغسطس ([7]) 2020، لثلاث هجمات في ثلاث نقاط مختلفة. وأعلن تنظيم يُدعى بـ “كتيبة خطاب الشيشاني” مسؤوليته عن هذه الهجمات ([8]). ولا تُعرف هوية هذا التنظيم تمامًا، إلا أن التوقعات تشير إلى أن التنظيم ربما يكون تجمعًا من بقايا خلايا (داعش) أو من بقايا جماعة “جند الأقصى” السابقة، أو هو التشكيل الأمامي لجماعة “حراس الدين” المحسوبة على القاعدة. وبسبب الهجمات التي استهدفت الدوريات المشتركة، فقد غابت روسيا عن المشاركة في هذه الدوريات من حين لآخر، حتى إنها أعلنت ([9]) في 13 آب/ أغسطس 2020، تعليق الدوريات المشتركة مؤقتًا، بسبب المشكلات الأمنية، لكن الجنود الروس انضموا إليها بشكل منتظم بعد هذا البيان.
أما القضية الأخرى، فهي مسألة قصف القوات الجوية الروسية مدينة إدلب. إذ شنت روسيا في 8 حزيران/ يونيو ([10])، وفي 4 ([11])و18 ([12]) آب/ أغسطس 2020 غارات جوية عدة على إدلب. وإضافة إلى الضربات الجوية الروسية، مارست قوات النظام على الدوام مضايقات على خطوط الجبهة، عبر وحدات سلاح المدفعية.
ومن التطورات الأخرى التي حدثت في إدلب، مسألة التوازنات الداخلية؛ إذ أقدم تنظيم “هيئة تحرير الشام” على اعتقال بعض قاداته الذين انشقوا عن بنيته وانخرطوا في صفوف جماعة “حراس الدين”، ثم أعلن التنظيم لاحقًا منع الانسحاب من التنظيم والانضمام إلى تنظيمات أخرى. ومقابل ذلك، أنشأت جماعة “حراس الدين” نقاط تفتيش خاصة بها في ريف إدلب الغربي، في تحدٍ لسيطرة هيئة تحرير الشام، وأدى ذلك إلى وقوع اشتباكات بين الجانبين، استولى بنتيجتها تنظيم هيئة تحرير الشام على مقار تنظيم حراس الدين، وصادر مستودعات سلاحه، وأعلن أنه لن يسمح بوجود أي تشكيل عسكري آخر سواه ([13])، باستثناء قوات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا، إذ بينما يتردد تنظيم هيئة تحرير الشام باتخاذ جبهة معادية للمعارضة السورية المدعومة من تركيا، فهو يسعى في الوقت ذاته إلى منع صعود كيانات راديكالية بديلة عنه إلى الواجهة.
بعد هذه الخطوات التي اتخذتها هيئة تحرير الشام، اضطرت العديد من الجماعات المتطرفة في منطقة إدلب إلى النزول تحت الأرض، وتحولها إلى بنى وتشكيلات خلوية. فانبثقت هياكل وكيانات مختلفة من ضمن الطيف الراديكالي المتغير في إدلب. لكن لا يُعرف هل هذه الكيانات مستقلة حقيقًا، أم أنها حصون تخفي وراءها قوى أخرى. غير أن أكثر هذه الجماعات شهرة، “لواء أنصار أبو بكر الصديق”، الذي نفذ في 28 آب/ أغسطس 2020، هجومًا انتحاريًا على قاعدة تابعة للقوات المسلحة التركية، في قرية سلة الزهور بالقرب مدينة جسر الشغور ([14]). غير أن الهجوم باء بالفشل.
في ضوء كل هذه التطورات، يبدو أن أهم الأمارات لعملية عسكرية محتملة في إدلب هي التعزيزات العسكرية التي قام بها نظام الأسد إلى المنطقة ([15]). فالوحدات التي أرسلها النظام إلى خط الجبهة في إدلب هي وحدات هجومية، وقد أدت هذه التعزيزات، وإفصاح روسيا عن عدم ارتياحها لما يحدث في إدلب من تطورات، إلى زيادة المخاوف من انهيار وقف إطلاق النار في إدلب.
استراتيجية روسيا: التمهيد للحل العسكري عبر إدلب
تعاني مساعي الحل السياسي التي أعقبت عملية أستانا التي انطلقت في كانون الأول/ ديسمبر 2016، بمشاركة كل من روسيا وتركيا وإيران، جمودًا جديًا، بعد أن شهدت تباطؤًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. وخلافًا للتوقعات، فإن مساعي ومبادرات الحل السياسي في سورية لم تتسارع تزامنًا مع انخفاض التوتر في الميدان. إذ يمكن جمع الأسباب الرئيسية التي تقف وراء ذلك تحت عنوانين: الأول الحرب التي لا نهاية لها والوضع المسدود؛ والثاني نظام الأسد الذي لا يرغب في تقديم تنازلات.
وعلى الرغم من أن مجرد وجود اللجنة الدستورية ([16]) التي تم تشكيلها في سياق عملية أستانا، يُعدّ نجاحًا كبيرًا بحد ذاته، فإن أمام اللجنة مشكلات ومعضلات لمّا تجد لها حلًا بعدُ. ويأتي على رأس هذه المشكلات؛ مسألة الهيكل الإداري لسورية، ودور المعارضة السورية في مستقبل سورية، وهيكلة الجيش السوري النظامي، وتحديد كيفية تقاسم السلطة. وباختصار: إن إيجاد حل لهذه القضايا وما شابهها سلميًا، عن طريق التفاوض، لا يبدو ممكنًا من ناحية الجهات الفاعلة في سورية، في الوقت الراهن. وعلى الرغم من أن الحرب قد تركت تسعًا من السنين وراءها، فإن معظم اللاعبين لا يزالون يرجحون الحرب على السلام؛ إذ يؤمن الأطراف بأن توسيع المناطق التي يسيطرون عليها، أو أن الحفاظ على مناطق سيطرتها، هو أفضل من الحل السياسي. أما المشكلة الرئيسية الثانية فهي تتمثل في المواقف والمطالب المبالغة والمفرطة لنظام الأسد في العملية السياسية؛ فلا الحرب ولا العقوبات الاقتصادية، ولا حتى مواجهة سورية لخطر الانقسام، لا تفوق في نظر الأسد مسألة أمنه وبقائه على رأس السلطة. وبسبب هذا الموقف، لا يبدو أن ثمة سبيلًا لتسكين الأطراف، والدفع بعجلة الحل السياسي في سورية.
ففي حين كان بإمكان إدارة موسكو ممارسة الضغط على نظام الأسد، لفتح الطريق أمام الحل السياسي دعمًا لعملية السلام، فإن تقييم روسيا للعملية السياسية، على أنها إكساب نظام الأسد الشرعية أكثر من عملية التغيير، قد حال دون تحقيق ذلك. فالجانب الروسي لا نية لديه في البحث عن حل سياسي حقيقي، فهو يعتقد أن بإمكانه الحفاظ على بقاء حكم النظام في سورية، عسكريًا. إذ حاولت روسيا في هذا السياق، استبعاد تركيا وإخراجها من سورية أولًا، ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية عبر التحالف مع وحدات حماية الشعب الكردي (YPG). ثم إن روسيا التي أدركت أن انسحاب الولايات المتحدة من سورية ما هو إلا قرار سياسي، تحاول إقناع (YPG) وإبقائها قريبة منها. وقامت حكومة موسكو في هذا الصدد بدور الوساطة بين حزب إرادة الشعب السوري المقرّب من نظام الأسد و”مجلس سوريا الديمقراطية”، المظلة السياسية لوحدات حماية الشعب (YPG). إذ تم خلال الاجتماع الذي جمع الطرفين التوقيع على بيان ([17]) مشترك، يعترف بما يسمى بالإدارة الذاتية لـ (YPG). في واقع الأمر، يبدو أن تدخل (YPG) لمصلحة النظام وجيشه، من خلال الحفاظ على استقلاله الداخلي إلى حد ما، يعد أمرًا مقبولًا بالنسبة إلى روسيا.
من جانب آخر، هناك مواقف مختلفة تجاه تركيا؛ فما دام حلفاء تركيا المحليون والجيش الوطني السوري يشكلون تهديدًا مباشرًا لنظام الأسد، وما دامت المعارضة السورية المدعومة من قبل تركيا ليست كيانًا مستقلًا بل هيكلية تطالب بتغيير يشمل سورية كلها؛ فإن مسألة استخدام وسائل ممارسة الضغط كافة (حتى العسكرية) في سبيل استبعاد تركيا وإخراجها من سورية، تصدرت الواجهة من ناحية روسيا. مع العلم أنها تعي تمامًا أن الوجود التركي في سورية، على العكس من الوجود الأميركي، ليس سياسيًا، بل يتعلق مباشرة بمصالحها الوطنية وأمنها القومي. لذلك، فقد تحوّلت إدلب إلى منطقة حرجة جدًا، في هذه المرحلة. فغاية روسيا هي إخراج تركيا من سورية، وفرض الحل العسكري [ولفلفة الموضوع] لخلق أمر واقع في إدلب.
في الواقع، يشكل تنظيم هيئة تحرير الشام، وغيره من التنظيمات الأصولية الموجودة في منطقة إدلب، أداةً للمشروعية الروسية. فعلى الرغم من أن وجود هذه التنظيمات لم يكن السبب الرئيس، بالنسبة إلى الإدارة في موسكو، وعلى الرغم من معرفة موسكو باتباع تركيا استراتيجية الخطوة بخطوة ضد الجماعات المتطرفة، من أجل حماية مدنيي المنطقة، فقد حاولت موسكو استثمار هذه الذرائع والأعذار. فتنظيم هيئة تحرير الشام الذي تُعدّ محاربته كتنظيم إرهابي أمرًا مشروعًا على مستوى الأمم المتحدة ([18])، والمصنف ككيان إرهابي من قبل أنقرة ([19])، علاوة على أن التشديد على محاربته، في الاتفاقيات الموقعة بين روسيا وتركيا في سياق إدلب، قد قوى بدرجة كبيرة يد روسيا ضد تركيا، بالمعنى الدبلوماسي.
هدفت عملية إدلب المتواصلة منذ أوائل عام 2020، في سبيل فرض حل عسكري في سورية، إلى السيطرة والاستيلاء على منطقة إدلب بأكملها. إلا أن تكثيف تركيا لوجود العسكري وإطلاقها لعملية درع الربيع في إدلب، ساهم في إيقاف تقدم نظام الأسد، وأجبر روسيا على القبول بوقف إطلاق النار.
أداة تركيا القوية: الردع العسكري
على الرغم من عدم تلقي تركيا لاستجابة حقيقية ودعم جادٍ من دول الغرب، لإنهاء المأساة الإنسانية، والحيلولة دون فرض الحل العسكري في سورية، فإنها نجحت في منع محاولات فرض وضع الأمر الواقع في إدلب. وقد حققت ذلك بالرغم من وجود تنظيم هيئة تحرير الشام والجماعات المتطرفة الأخرى في المنطقة. وعلى الرغم من امتلاك روسيا ورقة رابحة في مباحثات موسكو، انطلاقًا من وجود الجماعات الراديكالية في المنطقة، فإن تركيا تمكنت من فرض وقف إطلاق النار على روسيا على طاولة المفاوضات. ذلك بأن روسيا خشيت من أن يتسبب استمرار عملية درع الربيع في تكبد قوات النظام الذي تسانده خسائر كبيرة، وسيكون من المستحيل على نظام الأسد مواصلة العملية العسكرية، على الرغم من كل الدعم الذي تقدمه له الميليشيات الشيعية، على الأرض.
ولأن روسيا تدرك قوة الردع التركية، فقد اتخذت في أواخر عام 2019، قُبيل بدء عملية إدلب، خطوات من شأنها إضعاف هذا الردع. ففي البداية، قام نظام الأسد بقصف نقاط المراقبة البعيدة، ثم أتبعه بقصف النقاط القريبة، وقصف في آخر المطاف أعماق القواعد التركية التي أنشأتها تركيا في إدلب في سياق عملية أستانا. وتم في وقت لاحق تطويق نقاط المراقبة، من أجل إفساح المجال للتشكيك في وظيفتها الفعلية ([20]). فقد عبرت قوات النظام وتجاوزت نقاط المراقبة وتقدّمت حتى أعماق إدلب، ثم استولت على مدينة سراقب الاستراتيجية، بالرغم من نشر تركيا قواتها في مداخل المدينة، لكن هذه القوات لم تستطع الصمود في وجه الهجمات التي نفذتها قوات المعارضة السورية، فخسرت المدينة، غير أنها استعادتها مجددًا ونجحت في السيطرة عليها، بعد المساندة الجوية الروسية والدعم البري من قبل الميليشيات الشيعية التابعة لإيران. وبينما كانت روسيا تتحدى قوة الردع التركية عبر إدلب، فقد أكدت عملية درع الربيع التي أطلقتها تركيا في إدلب (على إثر استشهاد 34 جنديًا من قواتها نتيجة ضربة جوية نفذها نظام الأسد) ([21])، دوام قوة الردع التركية واستمرارها مرة أخرى. إذ تم في العملية تدمير 3 طائرات حربية، و3 طائرات بلا طيار، و8 طائرات مروحية، و8 منظومة جوية، و99 قطعة مدفعية (هاوتزر) وراجمة صواريخ متعددة السبطانات، و151 دبابة، و16 مضاد للدروع، و80 مدرعة، و10 مستودعات للذخيرة، ومنشأة لإنتاج السلاح الكيمياوي.. وتحييد ما لا يقل عن 3 آلاف و138 عنصرًا من عناصر النظام ([22]).
روسيا تسعى في الوقت الحالي إلى إضعاف قوة الردع التركي مرة أخرى، لكن محاولاتها هذه، على عكس التجارب السابقة، لم يكتب لها النجاح، بفضل الاستجابة السريعة لتركيا. وقد شكل تعرض الجنود الروس للقصف عبر طائرة انتحارية بدون طيار مجهولة الهوية، في أعقاب غارة جوية نفذتها طائرات مجهولة على مدينة الباب ([23])، في أثناء لقائهم بوحدات حماية الشعب في الدرباسية ([24]) مثالًا حيًا على ذلك. علاوة على الأمثلة المتعلقة بإسقاط الطائرات بدون طيار والطائرات المسيرة الروسية الصنع، في سماء إدلب ([25])، ورد سلاح المدفعية التركي عبر وحدات الدعم الناري، من حين لآخر، على مضايقات النظام في محيط إدلب.
العمل على استمرار وقف إطلاق النار في إدلب
على الرغم من سعي روسيا إلى فرض الحل العسكري، وإلى إخراج تركيا من سورية عبر إدلب في مرحلة لاحقة، فإن الردع العسكري التركي قد حال دون تحقق ذلك. ومع هذا، ستعمل روسيا على الضغط على تركيا واختبارها، وستسير بوقف إطلاق النار بشكله الهش في إدلب. وما لم تؤمن روسيا بعدم جدوى الحل العسكري في سورية، فإن الحل السياسي لن يتسارع، ولن يتحقق.
إن وقف إطلاق النار الدائم في إدلب يصبّ في مصلحة تركيا بالدرجة الأولى. ذلك بأن تعزيز وقف إطلاق النار في إدلب وتمتينه، سيكون مكتسبًا وإنجازًا مهمًا لها، وخاصة مع استمرار التوتر في ميادين كشرق البحر المتوسط وليبيا، ومسألة مكافحة الإرهاب.
يحمل الوجود العسكري التركي عبء وقف إطلاق النار في الوقت الراهن على كاهله، لكن يجب تخفيف هذا العبء. وفي هذا الإطار، وقد فصّلت ذلك في تحليل لي بعنوان: “خارطة الطريق في إدلب ما بعد وقف إطلاق النار” ([26])، يجب على تركيا تحويل إدلب إلى منطقة آمنة فعليًا، إذ يجب اتخاذ الخطوات التالية:
– يجب تكثيف وجود الجيش التركي على الأرض، من هيمنة النقطة المركزة إلى السيطرة الميدانية. بحيث تصبح منطقة إدلب منطقة آمنة بحكم الأمر الواقع، مثلها مثل مناطق عملية درع الفرات وغصن الزيتون ومناطق عملية نبع السلام.
– يجب التخطيط لقواعد اشتباك الجيش التركي ليستهدف حماية المدنيين في إدلب مباشرة. والرد بالمثل على كل خرق لوقف إطلاق النار صادر عن نظام الأسد، دون ترك ذلك لقوات المعارضة السورية.
– يجب أن يحلّ تنظيم هيئة تحرير الشام في منطقة إدلب نفسه، ويجب القضاء على الجماعات المتطرفة الأخرى وتصفيتهم في المنطقة، بواسطة المعارضين السوريين.
– يجب على تركيا أن تعمل، عبر مفاوضاتها مع روسيا والخطوات التي تتخذها على الأرض، على تحديد وجود (YPG) ليس فقط في إدلب كنقطة محورية، بل في تل رفعت ومنبج وفي شرق الفرات أيضًا. إذ كان يتعين إخراج (YPG) من هذه المناطق، وفق الاتفاقات المبرمة من قبل روسيا.
ففي الوقت الذي يمكن أن يتحول فيه وقف إطلاق النار الضعيف والهزيل في منطقة إدلب إلى صراع ساخن، فإن من الممكن تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، من خلال اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة. إضافة إلى أن إيجاد حل فعلي لمسألة إدلب سيسمح بتعزيز موقف تركيا، ويقوي يدها تجاه روسيا على الصعيد الميداني وعلى طاولة المفاوضات أيضًا.
وفي نطاق معادلةٍ تنتهي فيها سيطرة (داعش) على الأرض، ويُقضى على الجماعات الراديكالية في إدلب، ويُلجم نظام الأسد وتُحبط محاولاته في البحث عن حلول عسكرية؛ سيكون الحديث عن مستقبل سورية أوسع وأكثف، وسيزداد حضوره على جدول الأعمال. ويمكن لتركيا، في خضم هذه الأحداث، وهي الضامنة للمعارضة السورية، والدولة الجارة لسورية، والمستضيفة لـ 3.6 مليون لاجئ ([27])، وتحمي ما يقارب الـ 5.4 مليون سوري داخل الأراضي السورية ([28])، أن تغدو أكثر اللاعبين نفوذًا، من حيث تحديد مستقبل سورية، إضافة إلى أن كبح روسيا وتعطيل محاولاتها في إدلب سيجعل مسألة وجود (YPG) في سورية أكثر بروزًا إلى الواجهة. وقد تضطر كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية، نتيجة الضغوطات التركية، إلى إعادة النظر في سياساتهما المتعلقة بحماية “وحدات حماية الشعب”، في هذه المعادلة الجديدة، مجددًا.
اسم المادة الأصلي İDLİB’DEKİ ATEŞKESİN GELECEĞİ RİSK ALTINDA
الكاتب ÖMER ÖZKİZLİCİK – عمر أوزكيزليجيك
المصدر وتاريخ النشر مؤسسة (SETA) سيتا للدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية – 03.09.2020
رابط المادة https://bit.ly/3mlkYsC
المترجم قسم الترجمة- علي كمخ
عدد الكلمات 2547- 3059
[1] خبر عاجل: التوصل إلى اتفاق في موسكو! إليكم بنود هدنة إدلب ونصها الكامل!”، صحيفة صباح، 5 آذار/ مارس 2020.
[2] Laura Pitel, Henry Foy ve Chloe Cornish,، “سكان إدلب يضعون القليل من الثقة في اتفاق السلام الروسي- التركي”، الفايننشال تايمز، 8 آذار/ مارس 2020
[3] “وقوع انفجار أثناء مرور الدورية البرية التركية الروسية المشتركة السادسة والعشرين في إدلب”، وكالة الأناضول، 25 آب/ أغسطس 2020.
[4] “وصول الدورية التركية- الروسية المشتركة الثانية والعشرين على طريق M4، إلى قرية عين الحور، بعد أن أتمت المسير على طول المحور البالغ 73 كيلومترًا”. الأجندة السورية، 22 تموز/ يوليو 2020.
https://www.suriye gundemi. com/ tuerkiye-ile-rusya-nin-m4-uezerinde-gerceklestirdigi-22-ortak-devri-ye-73-km-lik-guezergahin-tamaminda-gerceklestirilerek-ayn-el-havr-koe-yuene-ulasti, (تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[5] “استهداف عدد من النقاط في إدلب من قبل القوات الروسية وقوات النظام في أعقاب الهجوم الذي تعرضت له الدورية التركية- الروسية على الطريق السريع M4”. الأجندة السورية 14 تموز/ يوليو 2020.
https://www. suriyegundemi.com/m4-otoyolu-uezerinde-gerceklestirilen-tuerkiye-rusya-or-tak-devriyesine-yoenelik-saldirinin-ardindan-idlib-de-cesitli-noktalar-rus-ya-ve-rejim-gueclerince-hedef-alindi (تاريخ الوصول: 2 أيول/ سبتمبر 2020).
[6] “الدورية التركية الروسية المشتركة على الطريق السريع M4 تعرضت للهجوم بالقرب من منطقة أريحا”، الأجندة السورية، 17 آب/ أغسطس 2020.
(تاريخ الوصول: 2 أيول/ سبتمبر 2020).
[7] “هجوم على الدورية التركية- الروسية المشتركة على طريق M4 السريع”.
[8] هجوم على الدورية التركية الروسية! تنظيم غير معروف يعلن مسؤوليته عن الهجوم”، أخبار 7، 16 تموز/ يوليو 2020.
[9] “روسيا تعلن عن تعليق مؤقت للدوريات المشتركة مع تركيا على طريق M4 في إدلب”، نداء سورية، 13 آب/ اغسطس 2020.
https://neda-a-sy.com/en/news/21783 (تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[10] “بعد هجوم جماعة حراس الدين على قرية طنجرة، قصف عنيف للطائرات الروسية وطائرات النظام على بلدات حلوبة وكفر عويد وقلادين وزقوم والعنقاوي في جنوب إدلب وريف حماة”، الأجندة السورية، 8 حزيران/ يونيو 2020.
(وصول: 2 أيلول 2020).
[11] “النقاط التي استهدفها سلاح الجو الروسي ومدفعية النظام في إدلب”، الأجندة السورية، 4 آب/ أغسطس 2020.
(الوصول: 2 أيلول/ 2020).
[12] “النقاط التي استهدفتها القوات الجوية الروسية ومدفعية النظام في إدلب ومجالات تحليق الطيران الروسي”.
[13] “خلفية التوتر بين هيئة تحرير الشام وحراس الدين في إدلب” ، الأجندة السورية، 30 حزيران/ يونيو 2020.
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[14] “لواء أنصار أبو بكر الصديق؟”، أيمن جواد التميمي، 31 آب/ أغسطس 2020.
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[15] “معركة إدلب تقترب مع اتخاذ الأطراف مواقعهم”، المونيتور، 28 آب / أغسطس 2020.
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ 2020).
[16] مبعوث الأمم المتحدة يرحب بـ “القواسم المشتركة” التي يتقاسمها السوريون في محادثات جنيف “، أخبار الأمم المتحدة، 19 آب/ أغسطس 2020،
https://news.un.org/en/ story/2020/08/1071342 (تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[17] ضيوف روسيا من “YPG / PKK ومن يسمون بالمعارضين يتفقون على تشكيل اتحاد’”، وكالة الأناضول ، 31 آب/ أغسطس 2020.
[18] “لجنة العقوبات في مجلس الأمن تدخل تعديلًا على قائمة العقوبات المفروضة على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم القاعدة”، الأمم المتحدة، 5 حزيران/ يونيو 2018. https://www.un.org/press/en/2018/sc13365.doc.htm (تاريخ الوصول: 11 آذار/ مارس 2020).
[19] “تركيا تصنف تنظيم هيئة تحرير الشام السورية كجماعة إرهابية”، رويترز، 31 آب/ أغسطس 2018.
[20] Ömer Özkizlicik ، “بعد الهجمات ضد القوات التركية، هناك حاجة إلى نهج جديد في إدلب”، السياسة اليوم، 20 آب/ أغسطس 2019،
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[21] استشهاد 34 جنديًا في إدلب وإصابة كل عناصر النظام عبر قصف مركز”، TRT نيوز، 28 شباط/ فبراير 2020،
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[22] عملية درع الربيع آخر الأوضاع 5 آذار/ مارس “تحييد عدد من عناصر النظام”، أخبار 7، 5 آذار/ مارس 2020.
[23] إعلان ميزانية الهجوم الجوي على مدينة الباب: 1 قتيل، 11 جريحًا، طائرات بدون طيار، 15 تموز/ يوليو 2020.
[24] “إصابة القوات الروسية في هجوم بطائرة مسيرة في الدرباسية- روج آفا: آسا يش”، روداوو، 16 تموز/ يوليو 2020.
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[25] “المعارضة تسقط طائرتين روسيتين بدون طيار في شمال سورية” ، Midd-le East Monitor ، 17 أغسطس/ آب 2020
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[26] Ömer Özkizlicik ، “خارطة الطريق ما بعد وقف إطلاق النار في إدلب”، تحليل SETA، رقم: 314، (آذار/ مارس 2020).
[27] وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 14 آب/ أغسطس
(تاريخ الوصول: 2 أيلول/ سبتمبر 2020).
[28] “التركيبة الديموغرافية المتغيرة في سورية”، الأجندة السورية، 19 حزيران/ يونيو 2020.
——————————-
الهجمات الروسية في منطقة التفاهمات/ فايز سارة
تؤيد مجريات الأسبوعين الأخيرين من العمليات العسكرية الروسية في شمال غربي سوريا، ما ذهب إليه تقرير أصدرته الأمم المتحدة الشهر الماضي للدلالة على خطورة ما يجري هناك من اتهام روسيا بارتكاب جرائم عبر تنفيذ غارات جوية، استهدفت سوريين، في إشارة إلى ما قامت القوات الروسية بين يوليو (تموز) 2019 وبداية يناير (كانون الثاني) 2020 في منطقة إدلب ومحيطها، التي كانت مسرحاً لعملياتها الأخيرة أيضاً.
ويتوافق محتوى العمليات الأخيرة من حيث إيقاع مئات الضحايا بين قتيل وجريح مع محتوى العمليات السابقة. بل إنه متوافق مع محتوى العمليات التي قامت بها القوات الروسية وحدها أو بالتشارك مع حلفاء آخرين في سوريا منذ تدخلها العسكري الواسع قبل خمس سنوات، حيث جعلت من العمليات العسكرية أداتها الرئيسية، ثم الوحيدة لتحقيق هدفها الأول بمنع سقوط نظام، قبل أن تتطور أهدافها وتوسعها لاحقاً، فتجعلها في ثلاثة أهداف أشمل: أولها تمكين الوجود الروسي من السيطرة العسكرية والأمنية، وتصعيداً إلى فرض هيمنتها السياسية الاقتصادية، مما يجعل روسيا الفاعل الرئيس في سوريا، وصاحبة القول الفصل في مختلف شؤون البلاد ومستقبلها. ويتمثل الهدف الثاني في إضعاف -وصولاً إلى تدمير- معارضة نظام الأسد سواء المعارضة المسلحة أو المعارضة السياسية، أياً كانت توجهاتها أو علاقاتها، لأنها جميعاً موصوفة عند الروس بـ«الإرهاب» و«التطرف». والهدف الثالث، أخذ سوريا إلى حل يضمن بقاء النظام، بل ويمكن أن يتضمن أيضاً استمرار بشار الأسد على رأس السلطة، ما دام ذلك ممكناً.
وكما يبدو من الأهداف، فإنها تجعل انحياز روسيا كاملاً إلى جانب النظام ورئيسه، بعد أن منح الروس كل ما يمكن من فرص وامتيازات واتفاقات، صاروا بالاستناد إليها أصحاب القرار والسلطة من دون منازع، مما جعلهم غير راغبين ولا قادرين على تسويق مواقفهم لأي طرف من المعارضة السورية، وكانت تركيا لعبت دوراً هائلاً في إجبار تلك الجماعات على الاقتراب من روسيا والذهاب إلى «آستانة» وإلى «سوتشي» والمشاركة فيهما على أمل تحسين علاقات تركيا وروسيا وتدوير الزوايا في مواقفهما في القضية السورية من جهة، وإحداث خرق في الموقف الروسي المتشدد إلى جانب نظام الأسد ثانياً، وكان الإنجاز الوحيد الذي تم تحقيقه هو إقرار هدنة إدلب وجوارها في مارس (آذار) 2020، والتي تعرضت لانتهاك فاضح في الأسبوعين الأخيرين، حيث قتل وجرح الطيران الروسي في هجماته مئات السوريين، استناداً إلى الحجة المكررة، وهي مكافحة الجماعات الإرهابية.
وإذا كانت العمليات الروسية الأخيرة، استمراراً لنهج ثابت وأساسي وأداة تكاد تكون وحيدة في سياسة موسكو السورية لتحقيق أهدافها، خصوصاً في منطقة الشمال الغربي، التي تشكل حيزاً أخيراً لمعارضي نظام الأسد، فإنها حملت في جانب آخر مهمة ثانية بفعل تزامنها مع الانتخابات الأميركية، والتي استأثرت بكل اهتمام الإدارة، مما سمح لموسكو بالقيام بعمليات يمكن أن تخلق وقائع جديدة في الصراع السوري خارج المتابعة الأميركية المباشرة من جهة، وأن تكون أداة لموسكو في تمرير رسائل إلى الرئيس القادم إلى البيت الأبيض سواء تجديداً في حالة دونالد ترمب الذي خسر الانتخابات، أو للمرشح الذي فاز بالوصول إلى البيت الأبيض جو بايدن، وخلاصة الرسالة أن موسكو حاضرة في سوريا، وهي مستمرة في سياساتها، وتنتظر من واشنطن ملاقاتها في الطريق عندما ترغب في بحث الموضوع السوري والوصول إلى حل يكون متوافقاً مع الرؤية الروسية أو قريباً منها.
غير أن رسائل الهجمات الروسية الأخيرة لم تقتصر على التوجه نحو الولايات المتحدة، بل توجهت أيضاً إلى شريك موسكو التركي وإلى حلفائه من الجماعات السورية المسلحة في إدلب ومحيطها. فكان من مهمة الهجمات إفهام الأتراك بصورة واضحة أن التوافق بينهما في سوريا والهدنة القائمة في إدلب ومحيطها هما جزء من تقارب روسي – تركي، ينبغي أن يتكرس، ويظهر واضحاً في أماكن أخرى، ولا سيما القريبة، ومنها منطقة الصراع الأرميني – الآذري الذي لم يفرق الموقف منه بين الروس والأتراك فقط، بل شجّع الأتراك على دفع مسلحين من حلفائهم في الجماعات السورية المسلحة إلى إرسال عناصرهم للقتال مع الآذريين ضد القوات الأرمينية، ومن هنا يمكن فهم أن هجمات الطائرات الروسية شملت قصف معسكر لـ«فيلق الشام» وثيق الصلة بالأتراك والأقرب إليهم، من دون أن توجه قذيفة واحدة إلى قوات تتبع هيئة تحرير الشام المحسوبة على «القاعدة»، أو جماعات مثل «حراس الدين» المحسوبة على «داعش» أو المقربة منه على الأقل.
خلاصة الأمر، أن موسكو تسعى إلى رؤية تطورات إيجابية في القضية السورية، تخفف من أعبائها، وتفتح الأبواب على واقع جديد، مما يستدعي تحريك الوضع في إدلب ومحيطها من جهة عبر استعمال الهجمات الجوية، ودفع النظام وحلفائه الإيرانيين إلى بعض التحركات الموازية، كأن الحرب في منطقة التفاهمات يمكن أن تقع وتتطور، إضافة إلى مساعي موسكو في تحريض واشنطن، وهي على أعتاب مرحلة جديدة مع رئيس جديد، لتلعب دوراً فعالاً ونشطاً في سوريا، وقد أضافت إلى ما سبق تنبيهات لحليفها التركي لتذكّره بحدود التفاهمات التركية – الروسية، ليس في سوريا فقط، وإنما في الدوائر الأخرى، التي تجمع الطرفين وحلفاءهما.
لقد أكدت موسكو هجماتها العنيفة بوصفها أداتها لتحقيق أهدافها في سوريا وفي شمالها الغربي، وأرسلت رسائلها إلى الأطراف المعنية كلها، أما تفاعلات الآخرين، والرد على الخطوات الروسية، فإنه يحتاج إلى بعض الوقت وكثير من الحسابات، قبل أن يقرر كل طرف ما يمكن القيام به، والأمر في هذا سيشمل الروس أيضاً!
الشرق الأوسط
———————————
====================