أزمة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أم أزمة المعارضة السورية ككل -مقالات مختارة-
“جسر” تستطلع آراء نخبة من السوريين حول “الائتلاف” واحتمال مشاركته النظام بالانتخابات
استطلعت صحيفة “جسر” آراء سياسيين وباحثين ومثقفين سوريين، حول إذا ما كان “الائتلاف الوطني السوري” في هذه المرحلة يمثل حقاً الثورة السورية، وإمكانية إصلاحه ومدى قابليته لاستجابة لطموحات السوريين.
هذا الاستطلاع أجرته “جسر” عقب قرار للائتلاف بتشكيل “هيئة عليا للانتخابات”، أثار جدلاً واسعاً في الوسط السياسي والشعبي السوري، وأعاد وضع الائتلاف ومشاكله -بصفته الجسم السياسي الوحيد الذي يمثل ثورة السوريين حالياً- على طاولات النقاش والأخذ والرد بين السوريين.
وقبل عرض مواقف الشخصيات التي استطلعت “جسر” آراءها، لا بد أن نعرّج على أهم ما ورد في ورقة قرار الائتلاف.
المادة الأولى من القرار تقول: “يتم إنشاء المفوضية العليا للانتخابات وتقوم بأعمالها بعد تأمين البيئة الآمنة والمحايدة، وتحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لمقتضيات بيان جنيف 1 والقرار الدولي رقم 2254”.
كما ورد في القرار ضمن المادة الثانية -التي شرحت مهام وأهداف وآليات عمل مفوضية الانتخابات- أن هدف المفوضية هو: “تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية -من خلال ممثلها الشرعي- من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية رئاسية وبرلمانية ومحلية”، إضافة إلى “تهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي”.
ومن بين مهام مفوضية الانتخابات كما جاء في ورقة القرار: “التعاون والتنسيق مع القوى الاجتماعية المدنية والسياسية في الداخل السوري بما فيها الموجودة في أماكن سيطرة النظام، وفي دول اللجوء والمهجر، عبر كل الطرق المتاحة، أو الوصول لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام”.
واعتبر سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي أن هذا القرار يوحي بشكل أو بآخر، بقابلية أو استعداد الائتلاف لمشاركة النظام في عملية انتخابية.
في حين اعتبر آخرون أن تسريب ورقة هذا القرار بهذا الشكل دون نشره على الموقع الرسمي أو منصات التواصل الاجتماعي، هدف الائتلاف من خلاله إلى “جس نبض” السوريين وقياس ردود أفعالهم تجاهه، كما اعتبر ناشطون في الشأن العام السوري أن هذه الورقة قد تشير إلى عملية تطبيع محتملة بين الائتلاف من جهة ونظام الأسد من جهة أُخرى.
وبعد تتالي ردود الأفعال، صرّح الائتلاف بأنه لن يعطي أي شرعية لانتخابات مقبلة في سوريا قبل توفير البيئة الآمنة والمحايدة، مضيفاً أن ذلك يستدعي بالضرورة بلوغ الانتقال السياسي من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالي وفقاً لبيان جنيف وقرارات مجلس الأمن 2118 و2254، ووفقاً لقرار الجمعية العامة 262/ 67 الذي ينص على أن هيئة الحكم الانتقالي تشمل سلطات الحكومة والرئاسة.
وقال الائتلاف على لسان عضو هيئته السياسية “ياسر الفرحان” إن إنشاء المفوضية يأتي ضمن حزمة خطوات تتخذها الرئاسة الحالية للائتلاف الوطني من أجل “التحضير للمستقبل من دون بشار الأسد”، لافتاً إلى أن هذه العملية خطوة للإشراف على انتخابات المجالس المحلية، والنقابات، والتجمعات والأحزاب، وأجسام المعارضة والائتلاف الوطني، كتمرين على الحياة السياسية، وقال “الفرحان”: “نحن بحاجة لتمرين نخوض من خلاله التجربة الديمقراطية”.
فيما يلي عرض لآراء المؤثرين السوريين الذين استطلعنا آراءهم، مرتّبة بحسب الترتيب الأبجدي للأسماء.
أبو أسامة الجولاني: الائتلاف ثلة من العاطلين.. ولا يمكن اصلاحه
القيادي السابق في الجيش الحر والعضو السابق في هيئة التفاوض “أبو أسامة الجولاني” يقول إن “الائتلاف لم يكن يوماً يمثل الثورة السورية وهو جسم تم تشكيله من قبل الدول وليس من قبل القوى الفاعلة في الثورة السورية على الأرض، وشكل منذ تأسيسه أحد أدوات كبح الفعاليات الثورية، وهو تجمع لثلة من العاطلين عن العمل أو المغمورين أو الانتهازيين الطامحين لدور ما في بنية نظام بشار الأسد، خاصة وأن أغلب الشخصيات الوطنية التي نثق بها قد غادرت الائتلاف منذ أن اكتشفت تحكم فئة صغيرة طارئة بقرار الائتلاف بالتعاون مع جهات إقليمية”، مضيفاً أن “الائتلاف وفق هذه البنية لا يمكن إصلاحه، في ظل وجود هؤلاء الأشخاص المتحكمين بقراره”.
وأضاف أن “المشاركة في انتخابات مع مجرم حرب هي مشاركة له في جرائمه، وهي جريمة بحد ذاتها، لأنها تفريط بدماء مليون شهيد سوري، ومن يوافق على مشاركة بشار بانتخابات لمنحه الشرعية يجب معاملته كأحد أزلام النظام الذين يجب محاكمتهم على جرائمهم”.
أحمد أبازيد: اختراع الوهم ثم الاقتناع به ثم ترويجه
“أحمد أبازيد” الكاتب والباحث السوري يقول: “لا أعتقد أن هناك أي كيان سياسي الآن يمثل الثورة السورية شعبياً، لا الائتلاف ولا غيره، لم تنتج الكيانات السياسية عن انتخاب شعبي، ولم تحاول بناء حامل اجتماعي أو قاعدة شعبية لمشروعها السياسي، وإنما اقتصرت تحركات المعارضة دائماً وأهدافها على أن تكون الجهة التي تخاطب الدول، أو تخاطبها الدول، وهذا يشمل الائتلاف وخصومه في المعارضة أيضاً”.
وأضاف: “وترى المعارضة أنها تستمد مشروعيتها من دعوتها إلى المؤتمرات الدولية أو لقاءات المندوبين الديبلوماسيين، وليس من خلال اختيارها من قاعدة شعبية، أو سعيها لتمثيل مصالح هذه القاعدة وحمايتها، هذا مكمن الخلل الرئيس في الائتلاف، وفي المعارضة السياسية عامة، وانتقل ذلك لكثير من الأحزاب والحركات السياسية التي نشأت خلال آخر سنتين ووضعت هدفها الوصول إلى مقعد في الائتلاف أو هيئة التفاوض أو منافستهم، لم تنشأ من خلال شرعية شعبية ولم تسع للحصول عليها، واكتفت بشرعية قائمة الأرقام لدى المسؤول الأجنبي عن الملف السوري”.
وتابع: “رغم أن الائتلاف أعلن رفضه المشاركة في انتخابات يشارك فيها رأس النظام بشار الأسد، وهو يحافظ على سقف جيد في تصريحاته بشأن النظام والانتقال السياسي بالعموم، إلا أن التجربة علمتنا إمكانية التراجع عن التصريحات، كما حصل في العلاقة مع منصة موسكو سابقاً، أو في رفض المشاركة بمؤتمر سوتشي ثم المشاركة في اللجنة الدستورية. في الحقيقة دينامية الحل السياسي تعتمد على اختراع الوهم ثم الاقتناع به وترويجه. هناك وهم اسمه ملء الفراغ، ووهم اللجنة الدستورية ووهم الصراع الروسي الإيراني، وحالياً وهم الانتخابات، وكأن النظام سيرحل بالانتخابات أو سيرشح شخصاً آخر غير بشار الأسد، أو أن المجتمع الدولي الذي لم يتدخل لوقف المذبحة سيتدخل لبناء ديمقراطية ليبرالية حديثة بينما يصطف ضباط الحرس الجمهوري وميليشيات الذبح والتعفيش ينتظرون دورهم في إصلاح المؤسسة العسكرية”.
العميد الركن أحمد رحّال: الاستمرار بهذا الوضع سيؤدي إلى كارثة
عبّر العميد المنشق “أحمد رحّال” عن شكوكه في توقيت اتخاذ الائتلاف قرار إنشاء “الهيئة العليا للانتخابات”، وقال إن “روسيا تعمل على إبقاء نظام الأسد في السلطة، وهناك عدد من السياسيين والعسكريين يعملون من تحت الطاولة على التفاوض مع نظام الأسد، للمشاركة في الحكم، وهذا يذكرنا بما حصل بين الإخوان المسلمين والنظام بوساطة تركية”، مضيفاً أن “قرار الائتلاف الأخير، يوحي بأن هذه الهيئة ستعمل في انتخابات بظل وجود نظام الأسد، وهذا يخالف أبجديات ومبادئ الثورة السورية.. الائتلاف يقلب المفاهيم وكأنه ثمة مشروع دولي ينفذ فيه الائتلاف مهمته الموكلة إليه”.
وأضاف أن “الائتلاف بأحزابه وتكتلاته يذكرنا بالجبهة الوطنية التقدمية في عهد حافظ الأسد، وكيف كانت تسيطر وتستفرد بالقرار السياسي، واليوم الائتلاف يبدو وكأنه يستفرد بالقرار السياسي للثورة، ولكن هنالك الكثير من المستقلين والأجسام والأحزاب والتكتلات السياسية الرافضة للانضمام للائتلاف، وهذا ما لا يعيه الائتلاف.. الهيئة العليا للانتخابات من المفترض أن تكون مستقلة وتقف على مسافة واحدة من الجميع، فمن أعطى الائتلاف حق إنشائها منفرداً؟”.
ولفت “رحّال” إلى أن “النظام الداخلي للائتلاف ينص على وجوب حل نفسه مع بدء المرحلة الانتقالية، ولا يحق له الترشح أو خوض الانتخابات. أرى أن ما يحصل هو التفاف على القرارات الدولية، ونوع من التمهيد لانتخابات بظل وجود نظام الأسد، وكأن هنالك مشروعاً يتم العمل عليه تحت الطاولة، والأخطر من كل ذلك، هو استمرار ذات القادة العسكريين والساسة بقيادة وتمثيل الثورة، بعد 9 سنوات من الفجيعة والانكسارات.. كنا نسيطر على 70% من الأرض واليوم نسيطر على 8%، وآن الأوان لعود الكفاءات وثوار 2011 لتمثيل الثورة، والشيء المهم الذي يجب على الائتلاف قبل غيره أن يعمل عليه، هو كيفية تغيير الأدوات السياسية والعسكرية بدم ونبض جديد، لأن الاستمرار بهذا الوضع سيؤدي إلى كارثة”.
أيمن عبد النور: تنازلات كبيرة للحصول على بعض المكاسب والمناصب والوزارات في سوريا مستقبلاً
الإعلامي والسياسي “أيمن عبد النور” يقول إن “الائتلاف منذ زمن بعيد لم يعد يمثل الثورة السورية، ولم يعد له حاضنة شعبية في داخل سوريا أو بين السوريين في دول اللجوء”، مضيفاً “الائتلاف جسم فارغ مستمر بقوة العطالة، ولا رغبة لأحد أن يغيره من الخارج، ولا إمكانية لديه لتطوير نفسه من الداخل، والدول أيضاً لا وقت ولا طاقة لديها لمحاولة تغييره”.
وأردف: “الائتلاف وبحسب قانونه الداخلي هو عبارة عن تجمع لممثلي العديد من المكونات والهيئات المشكلة له، لكن المشكلة أن جزءاً من هذه المكونات إما اختفى ولم يعد له وجود أو غير مؤثر عملياً على أرض الواقع أو أن عدد أعضائه صغير جداً”.
ويرى “عبد النور” أن “سبل إصلاح الائتلاف مستحيلة وغير موجودة، ولكن هناك تصور حالم بأن يكون هنالك شخصيات محترمة في الائتلاف، يتفقون على أنه آن الأوان لمواجهة ضميرهم وأخلاقهم وينتصرون لشعبهم ويتخذون قراراً بالاستقالة ويدفعون الجميع للإستقالة ايضاً ويتم تشكيل ائتلاف جديد وفق أليات جديدة، لكن ذلك مستحيل، لأن معظمهم يحملون الجنسية التركية ويعيشون في تركيا ويقبضون معاشات من مؤسسات تابعة بشكل او آخر للحكومة التركية، وبالتالي هم يدينون بالولاء لوطنهم الثاني، ولا يمكن إخراج سياسة الائتلاف من الحضن التركي لأن ذلك يتعارض مع ولاء أعضائه”.
كما يرى الإعلامي السوري أن “قضية الائتلاف من الصعب جداً إصلاحها، إذا لم يكن هنالك قوة خارجية تتبنى الأمر تقدم أرضاً جديدة خارج تركيا والوطن العربي بعيداً عن الاستقطابات والصراعات الإقليمية، وكذلك تمويل وطني سوري، ليكون هنالك حل وطني صحيح لقضية الائتلاف وتمثيله للشعب السوري”.
وحول احتمال دخول الائتلاف في انتخابات بالاشتراك مع نظام الأسد، يقول “عبد النور”: “موضوع مشاركة المعارضة السورية في الانتخابات يجب أن يحصل في فترة ما، وهنالك من يقول إنه يجب أن يحصل بعد انتهاء القرار الدولي بالحل السياسي وصياغة دستور جديد وهيئة حكم انتقالي والتخلص من نظام الأسد. إذا كان ذلك بتوافق دولي فهذا أمر إيجابي جداً، ولكن إذا كان هناك عطالة والمجتمع الدولي لا يرغب في التدخل وليس لديه الطاقة لذلك، وإذا ما أجرى بشار الأسد الانتخابات وفق دستور 2012 بمنافسة شكلية مع شخصيات معارضة تستقطبها روسيا من إحدى المنصات المعارضة المقربة منها أو تلك المقربة من النظام، فقد تعترف دول بشرعيته، وعندها سنكون في مشكلة حقيقية”.
وأضاف: “إذا لم يكن هناك توافق دولي أو على الأقل بين روسيا وأميركا وتركيا، فإن سوريا تسير نحو انتخابات قد تعترف بها بعض الدول، وقد لا تعترف بها بعض الدول الأُخرى. وبجميع الأحوال فإن الأمم المتحدة تعتبر سفير النظام وعلمه هو من يمثل الدولة ويعيّن السفراء، وعندها سنتجه نحو عقد زمني جديد من الخراب والهجرة التي تؤدي لنزيف العقول والمواهب والأيدي العاملة”.
ويخلص “عبد النور” إلى أنه “يجب أن نعترف أنه سواء شارك الائتلاف أم لم يشارك في الانتخابات، فهنالك مشكلة واضحة”، محذراً من “توافق محتمل كما حصل في أستانا إذ قام أشخاص بتفويض تركيا لتصبح ضامناً للمعارضة السورية ؟.. وما حصل في السابق قد يتكرر، وقد تقدم شخصيات وأحزاب معارضة تنازلات كبيرة، مقابل الحصول على بعض المكاسب والمناصب الوزارية في سوريا مستقبلاً”.
جورج صبرة: ملاقاة الخطة الروسية والتجاوب معها لإعادة تدوير النظام وبشار الأسد
السياسي السوري المعارض “جورج صبرة” يقول: “قال السوريون ويقولون كلمتهم في هذا الشأن منذ مدة طويلة، فالمظاهرات والاعتصامات ووقفات الاحتجاج على الائتلاف وسياسياته وأعضائه في الداخل السوري، قالت الكلمة الفصل بأن الائتلاف لم يعد موضع ثقة السوريين، وفقد استحقاق تمثيلهم بعد أن أنهكته المآرب الشخصية وتدخلات الدول، وعدم التمسك بالقرار الدولي المستقل، فمنذ سنوات يتعرض الائتلاف لنزيف مستمر، خسر من خلاله نخبة معتبرة من الوطنيين والثوريين الذين خاضوا غمار الثورة منذ بدايتها أو كانوا بمواجهة نظام الأسد لعقود طويلة، دون أن يتمكن من تعويض هذه الخسارة، مما جعل الخط البياني لاستحقاقه تمثيل الثورة بانحدار مستمر، ووصل الآن إلى حد ينفي عنه استحقاق التمثيل”، مضيفاً “وبناء على خسارته ثقة السوريين فقد خسر الكثير من الاهتمام الدولي أيضاً”.
وأضاف: “لا أرى أمام الائتلاف سبيلاً للإصلاح، فقد جرت محاولات عدة قبل ذلك، ولم تنطو على شيء، ووضع العديد من الذين تناوبوا على رئاسته خططاً إصلاحية، لم تخرج عن حيز الحبر والورق، فأزمة الائتلاف بنيوية زادتها أشكال العمل التسلطية والنفعية والانتهازية تهتكاً وعدمية، وحولته إلى صدى للإرادة الدولية والأطماع الشخصية، خاصة أنه تم الخروج مراراً عن الخط السياسي والتنظيمي الذي رُسم في وثيقة التأسيس للائتلاف”.
وتابع: “يبدو أن الهدف الأساس من قرار الائتلاف تشكيل مفوضية عليا للانتخابات، هو تحضير الرأي العام لقبول هذه الخطوة، أي مشاركته في الانتخابات، والتوضيحات اللاحقة لبعض قادته التي تنفي إمكانية ذلك تفتقد إلى الصدقية، فقد استدعتها ردود الفعل الشعبية الغاضبة وهي لم تستطع أن تستر العري الفاضح في أهداف هذا الإجراء، وهي ملاقاة الخطة الروسية والتجاوب معها بشأن إعادة تدوير النظام وبشار الأسد، وهذا خذلان للثورة وضرب للعملية السياسية التي وردت في القرارات الدولية من بيان جنيف 1 وحتى القرار 2254، فإذا كان المجتمع الدولي ينفي إمكانية توفر البيئة الآمنة لعودة اللاجئين في ظل النظام القائم، فكيف يمكن الحديث عن بيئة آمنة ومحايدة لإجراء الانتخابات، ونتائج مؤتمر المهزلة الذي أقامه الروس في دمشق خير دليل على ذلك”.
واستطرد: “إذا كان مجرد طرح الموضوع فتح باب جهنم على الائتلاف من مختلف الأطراف الشعبية في الداخل والخارج، بدءاً من الرفض وصولاً إلى الاتهام بالخيانة، فما الذي سيجنيه الائتلاف؟ علينا أن نتخيل ما الذي سيجنيه من المشاركة بانتخابات مع بشار الأسد”.
حازم نهار: تنازل مجاني مقابل لا شيء
الكاتب والباحث السوري “حازم النهار” يرى أن “الائتلاف الوطني لم يكن يمثل الثورة أصلاً حتى نقول إنه لا يزال يمثلها اليوم. قضية التمثيل السياسي للثورة من النقاط التي جرى التعامل معها بخفة وادعاء. أعتقد أن الائتلاف منذ تأسيسه هو تحالف بين قوى سياسية محددة، ولا يجوز له أو لقواه ادعاء تمثيل الثورة السورية”.
وقال: “باعتقادي، لا يمكن إصلاح الائتلاف، فقد امتلك منذ تأسيسه جميع جوانب الخلل التي شهدناها طوال السنوات العشر الماضية، بدءاً من طريقة تشكيله والقوى الإقليمية الدولية التي دفعت لتشكيله ورعته، مروراً بآليات العمل التي عمل وفقها، وليس انتهاءً بالبنية التنظيمية غير الديمقراطية، وطبيعة القوى والشخصيات المنضوية فيه. المسألة الوحيدة التي يمكن الاستثمار فيها هي اسم الائتلاف الوطني فحسب، كونه حظي باعتراف دولي، بجهد الثورة وليس بجهد قواه وشخصياته”، مضيفاً “في الحقيقة لا جدوى من أي مشاركة في أي انتخابات طالما لم يحدث تغيير سياسي جدي وكبير في سوريا. وفي هذا السياق، أعتقد أنه ليس من صلاحية الائتلاف تشكيل هيئة انتخابات، فهذا الأمر من اختصاص هيئة الحكم الانتقالية بعد تشكيلها، وفق بيان جنيف واحد، والقرار الأممي 2254. ومن ثم، فإن قرار الائتلاف ليس له معنى سوى المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يسعى النظام لإجرائها في العام القادم”.
ويذهب “حازم النهار” إلى أن الخطوة الحالية للائتلاف تصب في خانة شرعنة النظام، وهي خاطئة في توقيتها وسياقها، وتظهر كتنازل مجاني مقابل لا شيء، من دون أن يسبقها تغيرات سياسية، على الأقل الإفراج عن المعتقلين السياسيين”.
سمير نشّار: خلل الائتلاف بنيوي ولا يمكن إصلاحه
المعارض السوري “سمير نشّار” يرى بأن “الائتلاف لم يمثل الإرادة الشعبية منذ تأسيسه إلا بشكل محدود جداً من خلال بعض التظاهرات المحدودة بدمشق، نظراً إلى أن رئيس الائتلاف الأول كان الشيخ معاذ الخطيب المعروف في أوساط دمشقية معينة، بعكس المجلس الوطني الذي سُمي يوم الجمعة 7/10/2011 بجمعة (المجلس الوطني يمثلني) وخرجت مظاهرات في كل أنحاء المدن والبلدات السورية لدعمه وتأييده”.
وأضاف: “الرأي العام الثوري لمس أن قرار المجلس الوطني كان وطنياً ومستقلاً، أما الائتلاف فقد تأسس بإرادات إقليمية ودولية وتحديداً أمريكية، رغماً عن إرادة المجلس الوطني، بهدف مصادرة القرار الوطني السوري المستقل من أيادي السوريين ورهنه برغبات ومصالح القوى الإقليمية والدولية، والصراع لاحقاً بينهم على الائتلاف كإطار سياسي بين محورين إقليميين، محور تركي – قطري يدعم الإسلاميين بشكل رئيسي، ومحور سعودي – إماراتي يدعم كل ما هو غير إسلامي”.
وأشار “نشّار” خلال حديثه مع “جسر” إلى أن “الخلل بنيوي منذ تأسيس الائتلاف، ولا يمكن إصلاحه، خاصة بعد أن تمت مصادرته كلياً من قبل تركيا وقطر.. الخلل البنيوي لا بد من هدمه وبناء إطار سياسي جديد بقرار سوري مستقبل عن الرغبات الإقليمية والدولية”.
وعن موضوع الانتخابات يقول المعارض السوري إن “قرار تأسيس مفوضية عليا للانتخابات، يمهد للمشاركة بالانتخابات القادمة التي سيجريها نظام بشار الأسد منتصف العام القادم، وتدخل ضمن الإجراءات المطلوب تنفيذها للمشاركة بالانتخابات بعد أن تم القفز على مطلب تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة كما نص بيان جنيف 1 والقرارات الدولية 2118 و2254، الذي رسم خطوات الحل السياسي… الائتلافيون فشلوا بتسويق مخططهم بالمشاركة بانتخابات بشار الأسد، نتيجة ردود الفعل الغاضية من مختلف قطاعات مجتمع قوى الثورة والمعارضة، ما أجبر الائتلاف لإصدار توضيح، أعتقد أنه لم يقنع به الكثير من السوريين، وقرار المشاركة بالانتخابات أعتقد أنه أصبح الآن خارج النقاش بالنسبة للائتلاف”.
عالية منصور: لا سبيل لإصلاح الائتلاف طالما أن القائمين على إصلاحه هم أساس خرابه
من جانبها، تقول الإعلامية والسياسية السورية “عالية منصور” إن “الائتلاف تحول منذ سنوات إلى مجموعة ممثلين لمصالح دول وأجهزتها، ومن يتابع بياناتهم وقراراتهم يعرف أن موضوع الثورة السورية والسوريين لم يعد على جدول أعمالهم إلا ما ندر”، مضيفة “نصحهم السفير الهولندي السابق بتغير مكان إقامتهم علهم يتحررون قليلاً من التبعية، ولكنهم مصرون على التبعية لأجهزة استخبارات ودول لمصالح خاصة ضيقة جداً، وصارت مصالحهم تتعارض مع مصالح السوريين”.
وتساءلت منصور قائلة: “هل يُعقل أن من يدعي تمثيل الثورة، لم يصدر عنه أي بيان يدين العنصرية التي يتعرض لها السوريون في تركيا مثلاً، وحوادث القتل المتكررة؟ وهل يعقل أن من يدعي تمثيل ثورة كالثورة السورية التي دفع مئات آلاف السوريين أرواحهم من أجل الحرية والكرامة ألا يصدر عنهم أي محاولة لمنع ورفض إرسال السوريين كمرتزقة للقتال بحروب الآخرين في ليبيا وأذربيجان؟”.
وترى الإعلامية السورية أنه “لا سبيل لإصلاح الائتلاف طالما أن القائمين على إصلاحه هم أساس خرابه.. سيعيدون إنتاج أنفسهم كما في كل مرة، وينتهي الأمر بتبادل مواقع كما حصل في انتخاباتهم الاخيرة”.
وبشأن الانتخابات تقول “منصور” لـ”جسر”: “لم أعد أستغرب أن يقوموا بهذه الخطوة، ومهما حاولوا ترقيع قرارهم بإنشاء هيئة الانتخابات، إلا ان النص واضح ولا يحتاج لأي تفسير أو تبرير.. من قبل التخلي عن الشرط الأساسي في بيان جنيف وهرول للمشاركة بلجنة دستورية قبل التوصل إلى هيئة الحكم الانتقالي، لن استغرب أن يقولوا إن مشاركتهم بالانتخابات هي أيضاً من ضمن بنود جنيف. يظنون أن السوريين لا يقرأون وأن بإمكانهم خداعهم باللعب على القرارات الدولية كما تطلب منهم الدول الراعية لهم”.
واختتمت الإعلامية السورية حديثها: “المشكلة الحقيقة أن السوريين الذين يرفضون الائتلاف لم يستطيعوا حتى اليوم أن يجتمعوا ويطرحوا بديلاً، والمطلوب قد لا يكون جسماً يسعى لاعتراف الدول اليوم بقدر ما أن يكون هناك من يُسمع صوت السوريين ويعكس مصالح سوريا قبل مصالح أي أحد آخر، مع مراعاة هواجس الأشقاء والأصدقاء، ولكن سوريا أولاً”.
عبد الباسط سيدا: الائتلاف بات مجرد منصة من المنصات
السياسي السوري المعارض الدكتور “عبد الباسط سيدا” قال لـ”جسر” إن “الائتلاف في أساسه كيان سياسي ضغطت الدول بقوة من أجل تشكيله، وذلك لتجاوز المجلس الوطني السوري الذي كان قد تشكّل نتيجة حوارات ومباحثات القوى الوطنية السورية، وكان متمسكاً بثوابت الثورة. وكان المجلس قد حصل، كما نعلم جميعاً على دعم سوري شعبي واسع النطاق، تمثل في مظاهرات عمّت مختلف الجهات السورية الثائرة على النظام”.
وأردف: “وقد جاء تشكيل الائتلاف بعد سلسلة مباحثات طويلة، وجولات من الشدّ والجذب، وسلسلة وعود لم تنفذ، منها أنه سيكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، وأنه سيحصل على اعتراف قانوني يمكنه من خدمة السوريين في مختلف المجالات. كما أن الحكومة التي سيشكلها ستحصل على الدعم والحماية الكافيين لتقوم بأعمالها لخدمة السوريين داخل الوطن. ولكن كل هذه الوعود ذهبت في ادراج الرياح كما يقال”.
وبرأي “سيدا” فإن “الائتلاف منذ بداية تشكيله كان يعاني من أزمة بنيوية، تعمقت مع الأيام، وتراكمت نتائجها السلبية حتى غادر الائتلاف معظم المؤسسين، والقوى الثورية الحقيقية، وبات في نهاية المطاف في منظور الدول التي شكلته مجرد منصة من المنصات؛ وهذا ما تجسد في الخطوة التي أقدم عليها دي ميستورا، وبالتعاون مع بعض القيادات الحالية في الائتلاف، من الجمع بين ممثلي المنصات ليعطي انطباعاً زائفاً بأنه قد تمكن من وضع المباحثات الخاصة بإيجاد حل سياسي للوضع السوري على السكة. وذلك بعد أن كان قد تمكن من تمرير مشروع السلال الأربع، وركز بالتفاهم مع الروس على موضوع الدستور، وغيّب موضوع تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، ومع الوقت، تمكّنت مجموعة محدودة العدد، تستمد نفوذها من علاقاتها مع الدول، من التحكّم بالائتلاف، وهندسة انتخاباته، وتحديد ممثلي الائتلاف في هيئة التفاوض عبر انتخابات شكلية معروفة النتائج؛ تجلت بصورة فاضحة في الجولة الأخيرة عبر عملية تبادل المواقع الفجة، الأمر الذي أثار امتعاض ورفض السوريين بصورة عامة، وكان موضع سخط السوريين، وسخرية العديد من الفنانيين السوريين”.
وأشار إلى أن “الثورة السورية التي تعيش اليوم ظروفاً بالغة الصعوبة، هي راهناً من دون قيادة وطنية موحدة؛ قيادة ملتزمة بأولويات شعبها؛ قيادة مدركة لواقع تداخل الحسابات والمصالح الإقليمية والدولية وموقع سورية منها؛ قيادة تركز على المصلحة السورية العامة في المقام الأول، وليس المصلحة الشخصية أو الشللية أو الحزبية، ولعله من اللافت الذي يدعو إلى التمعن، هو أن معظم الذين يديرون الائتلاف حالياً هم من الذين شاركوا في اجتماعات استانا، والتزموا قرارات مؤتمر سوشتي، وأجروا الاتصالات مع ممثلي الدول وأجهزة الدول الإقليمية والدولية بعيداً عن قرارات الائتلاف نفسه، ومعرفة أعضائه”.
وحول مسألة الانتخابات يقول السياسي السوري إن “موضوع المشاركة في انتخابات يشارك فيها الأسد في الظروف الحالية التي تتمثل في تشريد وتهجير أكثر من نصف السوريين، ووجود عشرات الآلاف من السوريين في المعتقلات، وقبل الوصول إلى حل سياسي يحدد شكل الدولة ونظامها، وفي ظل غياب قيادة وطنية جامعة، تستطيع توحيد مواقف السوريين الثائرين على نظام بشار الأسد والرافضين لحكمه، فحواه اضفاء الشرعية على عملية التجديد لبشار، وهو الأمر الذي يسعى من أجله الروس بكل قواه استباقاً لما قد يحصل مستقبلاً”، مضيفاً أن “الأمر الذي يدعو إلى الاستفسار والاستغراب في هذا السياق، هو اقدام قيادة الائتلاف على خطوة إصدار قرار تشكيل مفوضية الانتخابات المزعومة في مرحلة ينتظر فيها العالم أجمع نتائج الانتخابات الأمريكية، والتوجهات المحتملة للإدارة الجديدة في منطقتنا وبالنسبة إلى الموضوع السوري تحديداً. هذا في حين أن الائتلاف قد بات في واقع الحال مجرد منصة من المنصات، سواء في منظور الدول أم في نظور السوريين”.
“ومما لا شك فيه هو أن القائمين على الائتلاف يدركون ذلك، ولكنهم يصرون على سياسة الهروب إلى الأمام، والمراهنة على حسابات الدول وتحولات مواقفها. أما على الصعيد الشعبي السوري، خاصة بين القوى الشبابية من مختلف المكونات التي كانت عماد الثورة السورية المباركة، فإن مصداقية الائتلاف محدودة إن لم نقل معدومة؛ والكل متيقّن من ذلك، ولكن بعضهم في الائتلاف لا يعترف بكل أسف، وذلك إما من باب المكابرة، أو مراعاة لمصالح شخصية، شللية، حزبية، آنية زائلة”، يختتم “سيدا” حديثه.
عبد الرحمن الحاج: الائتلاف عاجز عن التصرف باستقلالية وتمثيل مطالب السوريين
يرى الباحث الدكتور “عبد الرحمن الحاج” أن “الائتلاف فقد القدرة على تمثيل الثورة شعبيا منذ زمن طويل، وكان المطلوب منه تمثيل ما تريده والسعي إلى تحقيقه، لكن الائتلاف قدم التنازل تلو الآخر في تسلسل لا يبدو أن له نهاية، متخلياً بالتدريج عن مبادئ أساسية للحل السياسي تحت ضغط الدول”.
وأضاف: “على الرغم من أن الائتلاف لم يعد يمتلك قاعدة اجتماعية يستمد منها الشرعية من خلال تمثيل مطالبها، إلا أنه لا يزال الممثل الأساسي للسوريين بقوة الاعتراف الدولي وهو مكسب يوشك أن يتحول إلى نقمة، بسبب عجز الائتلاف عن التصرف باستقلالية وتمثيل مطالب السوريين بشكل أمين”.
وعن إمكانية إصلاح الائتلاف يقول “الحاج” لـ”جسر”: “نعم، يمكن ذلك، وهذا يتطلب مواجهة مشكلتين الأولى وهي الاستقلال، والثانية تكوين القاعدة الاجتماعية، والثالثة استراتيجية واضحة توقف مسار التنازلات، وتعطيه قدرة على المناورة ضمن رؤية واضحة”.
وحول التشارك بالانتخابات بين الائتلاف ونظام الأسد يقول: “مجرد مشاركة الائتلاف في انتخابات يشارك فيها بشار الأسد هي إضفاء الشرعية عليه، فالصفة التمثيلية الدولية التي يتمتع بها الائتلاف يمكنها أن تمنح بشار الأسد ذلك في هذه الحالة، فمجرد القبول النظري بذلك يضفي عليه الشرعية”.
وأردف: “بالأساس يجب ألا تكون مسألة الانتخابات مطروحة على أجندة الائتلاف، لأنها يجب أن تكون نهاية مسار الحل السياسي لا بدايته، لكن حتى لو قلبنا المسار فإن مشاركة بشار الأسد يمنحه فرصة لإعادة التعويم ويقوض أي فائدة محتملة”.
فارس الحلو: ائتلاف التابعين والضعفاء!
الفنان السوري “فارس الحلو” قال إنه “آن الأوان لتنظيم حملة شعبية سورية إلكترونية تدعو إلى سحب الاعتراف الدولي بهذا الجسم الغريب عن قيم السوريين (ائتلاف التابعين والضعفاء)”، مضيفاً “الحملة يجب أن تُرفق برسالة تحذيرية إلى كل وزارات الخارجية والمنظمات الأممية، بأن العالم لن يكون بخير إن بقي المجرمون طلقاء”.
فراس طلاس: خيانة واضحة لسوريا المستقبل بتعليمات مخابراتية روسية أو أسدية
رجل الأعمال والسياسي السوري “فراس طلاس”، يقول إن “الائتلاف لا يمثل السوريين، وإصلاح الخلل يكون بتمثيل شرعي للشعب السوري”.
وبشأن موضوع مشاركة الائتلاف المحتملة في الانتخابات مع النظام، يقول “طلاس” لـ”جسر”: “إن فعل ذلك، فهذه خيانة واضحة لسوريا المستقبل بتعليمات مخابراتية روسية، أو أسدية”.
محمد صبرا: صك براءة لبشار الأسد من كل جرائم الحرب التي ارتكبها بحق السوريين
المعارض السوري وكبير المفاوضين السابق في الهيئة العليا للمفاوضات “محمد صبرا”، علّق قائلاً: “للأسف الائتلاف الوطني فقد صفته التمثيلية لثورة الشعب السوري، عندما انحرف عن أهداف ومبادئ الثورة السورية وتحول لمجرد استطالة بائسة لجهاز مخابرات دولة إقليمية تديره وفق مصالحها وسياسات حماية أمنها القومي، فضلاً عن تحول الائتلاف لمجرد واجهة دعائية لتنظيم سياسي سوري طالما عانى السوريون من تفرده ومن تلون سياساته وهو تنظيم الإخوان”، مضيفاً “عملية إصلاح الائتلاف باتت شبه مستحيلة مادام مخطوفاً من قبل عصبة متحكمة به، تمرر سياسات الدول والأجهزة وتفكر بمصالحها ومواقعها الشخصية”.
وأردف: “المشاركة في انتخابات يشارك فيها المجرم بشار هي صك براءة له من كل جرائم الحرب التي ارتكبها بحق السوريين، وهي محاولة من قبل روسيا وحليفها الإيراني لإحباط الجهود الدولية الرامية لمحاصرة بشار الاسد ونظامه وجلبه للمحاكمة الدولية”.
وأكد “صبرا” خلال حديثه لـ”جسر” أن “روسيا وإيران ارتكبوا جرائم حرب كبيرة في سوريا، وإدانة بشار الأسد تعني إدانتهم أيضاً، ولذلك يعملون على محاولة خلق أوضاع تمنع من محاسبة بشار، وهذا لا يكون إلا عبر مشاركة بشار بالانتخابات بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، ويبدو أن تركيا باتت تسير ضمن هذا السياق أيضاً”.
ميشيل كيلو: النظام يتجهز للانتخابات بدعم روسي وتركيا قد يكون لديها مرشح
الكاتب والسياسي المعارض “ميشيل كيلو قال: “منذ زمن طويل الائتلاف لا يمثل الثورة السورية شعبياً، وشرعيته خارجية وليست داخلية، وشرعيته الداخلية خسرها بسبب عجزه عن بلورة شيء يقنع العالم بحقوق الشعب السوري الوطنية وثورته، وبالتالي لم يعد يملك الآن أي شرعية خارجية أو داخلية، بالعكس، فالكلام الآن هو أقرب إلى فكرة اللاشرعية المؤكدة وليس الشرعية المفقودة، ورأينا مشاهد لسوريين وهم يضربون بأحذيتهم على صور قيادات الائتلاف.. هذا الائتلاف لم يعد قابلاً للإصلاح، وهو بورطة كبيرة جداً، وأصبح هو والشعب السوري على طرفي نقيض”.
وبشأن قرار إنشاء “الهيئة العليا للانتخابات” يرى “كيلو” أن “البند الأول من القرار، يعطي انطباعاً عن وضع الائتلاف، فهو فعلياً لم يشكل هذه الهيئة، فهو رهن إنشاءها بتأمين البيئة الآمنة والمحايدة وتحت إشراف الأمم المتحدة، وهو لا يملك البيئة الآمنة ولا الإشراف الأممي، فضلاً عن ذلك، فبيان جنيف لم يتطرق أبداً لتشكيل عن مفوضية انتخابات، بل عن هيئة انتقالية حاكمة كاملة الصلاحيات التنفيذية، والهيئة الحاكمة هي المسؤولة عن الانتخابات وكل ما يتعلق بها، وقرار 2254 يتحدث عن بيئة آمنة ومحايدة ويقول إن متطلبات ذلك وجود نظام ذو مصداقية وغير طائفي”.
وأردف: “يجب علينا جميعاً أن نسأل ونقول: ما معنى تشكيل مفوضية عليا للانتخابات مرهونة ببيئة آمنة ومحايدة غير موجودة، وبإشراف أممي غير موجود، ووفق مقتضيات بيان جنيف التي لا يوافق عليها وليست جزءاً منه… يتحدث قرار الائتلاف عن المنافسة في الانتخابات، وهذا نتيجة قفزهم من فوق فكرة الهيئة الحاكمة الانتقالية، التي كانت الموضوع الأساسي والوحيد، الذي يمكنه إعطاء الشعب السوري حقوقه، لأن الحل السياسي يبدأ بتشكيلها، وإن لم تتشكل فلا يوجد حل سياسي”.
واستطرد: “الحل السياسي مرتبط بالهيئة الانتقالية الحاكمة، وكل ما يعمل عليه الائتلاف هي أشياء ثانوية وهامشية.. اللجنة الدستورية وهيئة الانتخابات، هي مجرد لعب وراء الحل، لأن الحل أصبح خلفنا إن تنازلنا عن أساسياته وعن المسار بين المنطلق والهدف.. قرار الائتلاف متخبط”.
وأضاف: “روسيا ضغطت باتجاه جسم حكم انتقالي يشكل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها بشار الأسد، فعند الروس بشار الأسد هو المرجعية وقد نرى مستقبلاً من نعتبرهم زعماء الثورة سيكونون جزءاً من هذه الحكومة التي تريدها روسيا، هذا إن لم يتم تهميشهم وإعادتهم لمرحلة كانوا فيها عملاء للمخابرات. الروس قالوا بصريح العبارة إن لم توافقوا سنبقى نقول عنكم أنكم إرهابيون وعملاء للإرهاب”.
وتابع: “أبلغنا جيمس جيفري أنا وبرهان غليون أن الروس سيستمرون عسكرياً في سوريا والبقية سينسحبون، وعندما سألناهم بأي حق سيظلون في سوريا، قالوا إننا متفقين معهم.. هذا يعني أن الحل سيكون روسياً في سوريا”، مضيفاً “تركيا التي ربما أوحت للائتلاف بقراره الأخير، لن تستطيع أن تكون دولة مقررة في الحل بسوريا، لأن الأميركان أعطوا الضوء الأخضر للروس، والأتراك معروفة حدود مصالحهم وحساباتهم في سوريا، فمن يخدع الائتلاف ورئيسه عندما يقول إنهم لن يوافقون على مشاركة المجرم بشار الأسد.. سنتان مرتا على اللجنة السورية ولم يستطيعوا إخراج جدول أعمال”.
وواختتم “كيلو” حديثه: “رأس النظام سيشارك بالانتخابات وأعد كل العدة للمشاركة وبدعم روسي حقيقي، واليوم قد يكون بين يدي الأتراك ورقة مرشح مقابل، لكي يكون لهم حصة أكبر في الحل بسوريا بالاتفاق مع الروس، وليس ليصبح قادة الائتلاف رؤساء باسم الثورة، فالثورة لم يعد لها مكان في سياستهم”.
مضر الدبس: قصورٌ وجُبنٌ سياسي وأخلاقي
الكاتب والباحث السوري “مضر الدبس” يرى أن “مسألة التمثيل في الحالة السورية تبدو مسألةً أخلاقية تحيل على الأهلية. يعني ذلك أن شرعية تمثيل الثورة السورية، من ثم تمثيل السوريين ومشروعهم التحرري، في ظل غياب الدولة، وغياب طريقة ناجعة للاقتراع، هي شرعية على مستويين اثنين: الأول هو الالتزام بالأداء الأخلاقي الذي يعبر عن الثورة السورية، ويسمو بها، ويكون على قدر دماء أبنائها. والثاني هو شرعية الإنجاز السياسي، الذي يلتقي مع طموح السوريين وآمالهم في الحرية والكرامة واستعادة الوطن وطنًا لجميع أبنائه”، مضيفاً “وبتقديرنا لم يكن الائتلاف قادراً على الالتزام بأيٍ من الشقين، الذين من دونها لا شرعية له ولا تمثيل؛ فتولدت حوله إشارات استفهامٍ كثيرةٍ، وأسئلةٍ ما زالت مفتوحة، على المستوى الأول؛ ولم يُسجل له أي إنجازٍ سياسي يُذكر على المستوى الثاني، بل أصبح عبئاً على الثورة. لهذه الأسباب بالعموم نرى أنه لا يمثل السوريين، ومن ثم للأسباب نفسها هو غير قابل للإصلاح”.
وتابع: “لا معنى لأي انتخابات أو تسويات أو اتفاقات لا ترضي السوريين، وأقل ما يريده السوريون اليوم هو سورية من دون هذه الطغمة. لذلك هذا حيث ينم عن قصورٍ وجُبن سياسي وأخلاقي”.
منهل باريش: موت الائتلاف ودفنه هو السبيل الوحيد لإصلاحه
الصحافي “منهل باريش” قال لـ”جسر”: “أعتقد أن الائتلاف شُكّل بخلاف إرادة السوريين، وتأسس كما هو معروف بضغط دولي وعربي من أجل الانقلاب على المجلي الوطني السوري”.
وأضاف: “المجلس الوطني السوري رغم كل عيوبه كان إلى حد ما مصنوعاً بأيادي السوريين، وقراره كان سورياً رغم سوء الإدارة والسياسة فيه.. كان يحاول الاقتراب من الثورة السورية”.
وذهب “باريش” إلى أن “الائتلاف منذ بداية تشكيله كان بمثابة انقلاب على الثورة السوري، وتركيبته هي تركيبة معطّلة وغير منتجة”، مضيفاً “ألّا يكون للثورة السورية عنواناً سياسياً، ثبت بالدليل القاطع أنه أفضل بكثير من وجود الائتلاف.. موت الائتلاف ودفنه هو السبيل الوحيد لإصلاحه”.
معن الطلاع: إحداث هيئة الانتخابات ناجمة عن استنتاجات متناقضة
الكاتب والباحث السوري “معن الطلاع” يقول إنه “من الإشكاليات العميقة التي يعاني منها الائتلاف تتعلق بالتمثيل، سواء كان هذا التمثيل مرتبطاً بقدرة بنى الائتلاف وأنظمته على أن يكون انعكاساً حقيقياً لقوى الثورة والمعارضة؛ أو كان هذا التمثيل متعلقاً بانسجام الوظيفي والعملياتي مع تطلعات الشعب السوري؛ وباعتقادي مرد هذا عدة عوامل منها ماهو متعلق بطريقة بناء وتكوين الائتلاف الذي عد لوظائف صالحة لفترة زمنية تجاوزتها التحولات الكبرى التي مر بها المشهد السياسي والميداني والأمني”، مضيفاً “وهناك عوامل مرتبطة بالفاعل الخارجي وما استلزمه منطق (إدارة الأزمة)، الأمر الذي ساهم بمكان ما بتحجيم الدور وإخضاع الائتلاف لتجاذبات المحاور والاستقطابات الحادة، الأمر الذي ساهم في صفرية المخرجات”.
وأردف: “العامل الأساس في هذا السياق هو عامل ذاتي لم يعمل على أخذ خطوات ومواقف مهمة في سير العملية السياسية، واكتفى بدور التماهي ناهيك عن غياب أجندة الاصلاح والتغيير. تظافر تلك العوامل مع إدراكنا لكافة أسباب العطالة يجعل عملية الإصلاح بالغة الصعوبة طالما لم تتوافر إرادة إعادة تشكيل مظلة سياسية تمثيلية وشرعية لقوى الثورة والمعارضة وإنتاج رؤى سياسية توسع هوامش الحركة الوطنية”.
ويرى الـ”طلاع” أنه “إذا ما فهمنا حركية ومواقف الائتلاف مع المحطات الرئيسية فإنها تتراوح ما بين المواقف الحازمة وتلك المرنة، إلا أنه وباعتقادي فإن الحركة المتعلقة باحداث مفوضية انتخابات شابها العديد من الاستنتاجات المتناقضة، وهذا من شأنه أن يفتح باب الاحتمالات على مصراعيه، إلا أن الغاية ليست مشاركة النظام بانتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، وإنما هي رسائل بعدة اتجاهات منها مرتبط بالمجتمع الدولي ومنها متعلق برؤى رئاسة الائتلاف لاستعادة زمام الأمور لا سيما فيما الداخل… ليست فقط بالقرارات وإنما بالآلية التي لطالما تغيب قنوات الحوار والتباحث الوطني لجل الاستحقاقات الوطنية”.
نضال معلوف: الائتلاف بمثابة وزارة تابعة للقوى الدولية لا يمتلك أي صلاحيات باتخاذ أي قرار
الاعلامي السوري “نضال معلوف” يجيب عن السؤال حول إذا ما كان الائتلاف يمثل الثورة السورية بـ: “قطعاً لا”، ويقول إن “مشكلة الائتلاف هي أنه لا يملك تفويضاً من القوى الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري، ليكون مسؤولاً عن الجزء الخارج عن سيطرة النظام من الشعب السوري، ويمكنني تشبيهه بوزارة إدارية من وزارات النظام ولكن النظام يمتلك كل القرار، في حين أن الائتلاف هو بمثابة وزارة تابعة للقوى الدولية لا يمتلك أي صلاحيات باتخاذ أي قرار”.
وأضاف “معلوف” أن “إصلاح الائتلاف يتطلب تفويضاً من القوى الفاعلة، بأن يكون الائتلاف صاحب قرار لتمثيل الشعب، لينعكس هذا الأمر على الأرض في سوريا وعلى حياة السوريين، فالناس يجتمعون حول القوي، ولخلق ندية حقيقية بمواجهة النظام الذي ما زال يجتمع حوله بعض السوريين لأنه يشعرهم بأنه يحميهم من شيء ما”.
ويرى الصحافي السوري أن “إصلاح الائتلاف لا يتعلق بأمور مثل الفساد وعدم الكفاء ولا يتعلق بأشخاص وإدارات، إنما يما تقرره القوى الدولي المتدخلة والمؤثرة في دور الائتلاف، وإن أصبح الائتلاف فاعلاً فستزداد شعبيته، لأن الناس بحاجة إلى تمثيل بمعزل عن النظام، لكن مشكلة الائتلاف أن الدول لا تأخذه على محمل الجد”.
وفيما يتعلق بالانتخابات يقول “معلوف” لـ”جسر”: “إذا حصل الائتلاف على التفويض الذي تحدثنا عنه، وشعر الناس بأنه استرجع زمام الأمور، وأصبح يمثل السوريين خارج سيطرة النظام، فمن الممكن أن يكون قادراً حتى على خوض الانتخابات بمشاركة بشار الأسد، ومن الممكن أن يسحب بعضاً أو كثيراً السلطة من النظام، وتكون خطوة لتغيير سياسي جذري في سوريا، أما إذا شارك في الانتخابات بوضعه الحالي، فأتوقع أنه المشاركة غير مجدية، وسيعطي الشرعية للنظام ليصبح بشار الأسد في السنوات المقبلة ممثلاً للسلطة والمعارضة بنفس الوقت، ولكن إذا كانت هذه الرغبة الدولية، فما باليد حيلة، فالناس تعبوا من كل هذه المعاناة في مناطق النظام والمعارضة”.
—————————
هيئة التفاوض السورية”.. ومحك الوطنية/ أسامة آغي
شكّل القرار السعودي باستبدال الأعضاء المستقلين في “هيئة التفاوض السورية” نقلة جديدة على مستوى التدخل بشأن هذه “الهيئة”، فلا بيان الرياض، الذي شُكلت بموجبه “هيئة التفاوض”، ولا النظام الداخلي لها، يقرّان الخطوة السعودية بالتدخل، وهذا إن دلّ على شيء، سيدلّ على محاولة فرض مصالح إقليمية أو دولية على بنية هذه “الهيئة” واستقلالية قرارها النسبي على الأقل.
التدخل السعودي يأتي على قاعدة صراعهم السياسي الإقليمي، وهذا أمر لا ينبغي أن تخضع له هيئة تفاوض وطنية سورية، تقول من خلال بيان تشكيلها الأول، إنها من يمثّل المعارضة السورية ومطالب الثورة ولو بحدها الأدنى، الذي يعبّر عنه القرار الدولي الشهير “2254”.
التدخل الإقليمي بتركيبة وتكوين “هيئة التفاوض السورية”، يكشف عن خلل عميق، تحاول قوى دولية، مثل روسيا أو الإمارات أو السعودية، تثبيته لمصالح أجنداتها السياسية، التي لا تتقاطع مع أجندة الثورة السورية، التي تريد نقل البلاد من نظام حكم استبدادي إلى نظام حكم تداولي مؤسساتي.
هذه التدخلات تأتي نتيجة ضعف العلاقة بين مؤسسات المعارضة الرسمية (ائتلاف وهيئة تفاوض ولجنة دستورية) وحاضنتها الشعبية، التي يمثلها جمهور ملايين السوريين المهجرين والنازحين. هذا الضعف، يجب التخلص منه عبر برنامج عمل ملموس، يغيّر في بنى مؤسسات المعارضة، كما يغيّر في أدواتها ورؤيتها ووسائلها، التي تخدم وتبرّر سبب وجودها.
التخلص من ضعف الأداء، يأتي من منع التدخلات الدولية بعمل مؤسسات المعارضة، وهذا يحتاج إلى إجراءات سياسية وتنظيمية جدية، فعلى المستوى السياسي، ليس من حق مؤسسات المعارضة (ائتلاف وهيئة تفاوض ولجنة دستورية) التخلي عن مطالب الثورة السورية الأساسية، مثل مطلب الانتقال السياسي، أو مطلب العدالة الانتقالية، وكذلك ليس من حق اللجنة الدستورية أو “هيئة التفاوض” تقديم تنازلات جوهرية في محتوى القرار الدولي “2254”.
كذلك ليس من حق مؤسسات المعارضة التفريط بحقوق الذين تمثلهم، مثل الذين تعرضوا لخسائر في الأرواح والأملاك، أو ملف المعتقلين، الذين لا يزال النظام السوري يرفض تنفيذ محتوى القرارات الدولية بشأنه، بما يخصّ الكشف عن مصير هؤلاء المعتقلين، الذين تمّ تعذيب كثير منهم حتى الموت.
ولكي تصبح مؤسسات المعارضة (الائتلاف وهيئة التفاوض) ممثلًا شرعيًا للشعب السوري الثائر على الاستبداد، تحتاج هذه المؤسسات بالضرورة إلى عمل كبير، يقطع الطريق أمام التدخلات الإقليمية والدولية بها، ولعل توسيع قاعدة التمثيل السياسي لهذه المؤسسات، وكذلك إعادة النظر ببنيتها المغلقة، من حيث منع الأعضاء شغل مواقعهم لأكثر من عامين، قد يلعب دورًا في منع التدخلات الخارجية بشأنها.
إن انتقال مؤسسات المعارضة للعمل من الداخل المحرر، سيلعب دورًا إيجابيًا وكبيرًا في التعامل معها، فانتقال اجتماعاتها، وندواتها، وتواصلها مع جمهور حاضنتها إلى المناطق المحررة، سيعزّز الثقة بها لدى حاضنتها الثورية والشعبية، وسيفرض على الدول الإقليمية إعادة حسابات تدخلها بالشأن السوري، وسيلعب هذا الانتقال دورًا مهمًا في تحصين مواقف وقرارات هذه المؤسسات.
مثل هذه الخطوات تمت بشكل خجول في الآونة الأخيرة، حيث عقدت الهيئة السياسية لـ”الائتلاف” اجتماعها الدوري في الداخل المحرر، وهذا ما ينبغي أن تفعله “هيئة التفاوض” من حين إلى آخر، وهو أمر يجعلها تستند إلى دعم حاضنتها الشعبية في الداخل المحرر.
انتقال عمل مؤسسات المعارضة انطلاقًا من الداخل، سيفتح الباب على مصراعيه لإعادة إنتاج علاقة مؤسسات الثورة العسكرية والأمنية والخدمية بالسكان، فلا تبقى المناطق المحررة تخضع لسلطات متعددة، وتحديدًا في الشقين العسكري والأمني، بل يجب أن يخضع الجميع لمؤسسات الثورة السياسية، لحكومة مؤقتة فاعلة، ويمكن الوصول إلى هذه العتبة من خلال طريقين، الأول هو مساعدة من أصدقاء الثورة السورية الدوليين، والثاني يتطلب أن تحوز قيادات مؤسسات المعارضة على ثقة حاصنتها التي تمثلها، وأن تقوم هي بالتعاون مع كل القوى السياسية والتيارات ومنظمات المجتمع المدني بإعادة إنتاج نفسها باستمرار، ومن خلال توفير مرجعية وطنية مؤقتة (برلمان مؤقت) يحاسب الجميع.
إن “هيئة التفاوض السورية” بحاجة إلى التفاف شعبي حقيقي حولها، هذا الالتفاف يجب أن تسبقه ممارسة سياسية حقيقية لـ”الهيئة”، وهذا يتمّ من خلال تعديلات عميقة في بنيتها، بحيث يضعف النفوذ الإقليمي في تكوينها، الذي تسببه منصات سياسية تعبّر أصلًا عن أجندات أقل وطنية وأكثر إقليمية، هذه المنصات ترتبط بأجندات بعيدة عن جوهر مطلب الانتقال السياسي، وليس لديها مانع من تعويم النظام بتغييرات طفيفة في شكله ومحتواه.
الالتفاف الشعبي لا يأتي بوصفة سحرية، وهذا يجب أن تدركه “هيئة التفاوض السورية” وتعمل عليه، وهو أمر يحتاج إلى مراكمة عمل حقيقي، وليس إلى مراكمة تصريحات، وقد تكون “الهيئة” بصيغتها الحالية في العتبة الأولى المُفضية إلى هذا التغيير.
الالتفاف الشعبي حول “هيئة التفاوض” ومنحها قوة وشرعية شعبية، يحتاج إلى برنامج عمل من شقين، الأول حيوية بنيتها، وجعل هذه الحيوية مستمدة من علاقتها بحاضنتها الثورية والشعبية، أما الشق الثاني فيتعلق ببرنامج عمل إعلامي تنفيذي واسع، يساعد “الهيئة” في الانتقال من موقعها الحالي إلى موقع مدعوم بإرادة السوريين، هذا البرنامج يتمّ تنفيذه عبر وسائل إعلامية مختلفة.
فهل تمتلك “هيئة التفاوض” هذه الاستعدادات؟ وهل لديها برنامج عمل متكامل يحقق تضافر محاور نشاطها؟
الإجابة وردت بصورة حية من خلال نشاط “الهيئة” ورئيسها الجديد، أنس العبدة، حيث التقت “الهيئة” منذ أيام بفعاليات سياسية ومدنية وشخصيات مستقلة، وكي تصبح لهذه الفعاليات قيمة مادية، وليس مجرد قيمة استئناسية، ينبغي أن تكون لدى “الهيئة” رؤية شاملة لتطوير أدائها وبنيتها ودورها المنوط بها كهيئة وظيفية تمثّل مصالح قوى الثورة والمعارضة.
الرؤية الشاملة هي رؤية ذات شقين أساسيين زمنيًا، الأول هو مرحلي، وهذا يتطلب برنامجًا مرحليًا لنشاطها في كل المجالات التي تخدم عملها ووظيفتها، أما الشق الثاني فيتعلق باستراتيجية تكوينها ووظيفتها، وهذا يتطلب برنامجًا واسعًا تعمل وفقه.
البرنامجان المرحلي والاستراتيجي يحتاجان إلى ذراع إعلامية غير دعوية، ذراع إعلامية لديها رؤية متكاملة حول نوعية خطابها الإعلامي، والجمهور المستهدف، والأهداف التي تريد الوصول إليها.
فهل تذهب مؤسسات معارضتنا إلى هذا التلاحم مع الحاضنة الثورية والشعبية للثورة السورية؟ أم أنها ستبقى أسيرة نمط شغلها الذي لم ينجز للسوريين الثائرين بعض ما يتوقون لتحقيقه بعد تضحيات جسام قدموها من أجل الحرية والكرامة الوطنيتين؟ السوريون ينتظرون التغيير فالاستحقاق قريب.
عنب بلدي
—————————
إنشاء هيئة الانتخابات يثير مخاوف المعارضة السورية..وأسئلتها/ عقيل حسين
لم ينجز الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أي عملية ديمقراطية أو انتخابات حقيقية. منذ تشكيله ضعفت القوى الثورية والعسكرية والحكومة المؤقتة، ومُنع التوحد وجرت محاربة الشباب بغية استمرار تربعه على عرش “التمثيل المزيف”. وها هو الآن يعلن عن إنشاء “المفوضية العليا للانتخابات” بهدف “تمكين القوى الثورية”.
بهذه الكلمات وصف مصطفى سيجري القيادي في “لواء المعتصم” التابع للجيش الوطني، وهو من الشخصيات المقربة من قادة الائتلاف، قرار الأخير تشكيل “المفوضية العليا للانتخابات”، والذي أثار ردود فعل غاضبة على نطاق واسع في أوساط المعارضة، خاصة مع مضمونه الذي يوحي بشكل كبير بالتحضير للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وفور الإعلان عنه، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام المعارضة بردود الفعل الغاضبة على هذا القرار، الذي رأت فيها الغالبية إعلاناً غير مباشر، وجريئاً في الوقت نفسه، عن استعداد الائتلاف للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي من المقرر أن يجريها النظام في تموز/يوليو 2021.
وأمام الهجوم العنيف الذي تعرض له الإئتلاف، سارعت دائرة الاعلام التابعة له إلى إصدار توضيح أكدت فيه “أنه لا يمكن القبول أو المشاركة بأي انتخابات بوجود هذا النظام المجرم، وأنه التزاماً من الائتلاف بتنفيذ مسؤولياته تجاه قرار مجلس الأمن الدولي 2245 وبيان جنيف لعام 2012، ولكي تكون كوادر الثورة السورية وقواها مستعدة لكامل الاستحقاقات المتعلقة بتنفيذ الحل السياسي وتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات دون الأسد، وفقاً لخطة السلال الأربع، قرر الائتلاف إنشاء مفوضية وطنية للانتخابات استعداداً للمرحلة الانتقالية وما بعدها..شرط توفر مقومات إجراء انتخابات نزيهة لا مكان فيها لرأس النظام وكبار رموزه”.
لكن رغم هذا التوضيح، ورغم مسارعة رئيس الائتلاف نصر الحريري وعدد من المسؤولين فيه إلى التأكيد على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي عدم القبول بالانخراط في أي انتخابات يشارك فيها بشار الأسد، إلا أن الانتقادات تواصلت بحدة أكبر لتشمل القرار وتوضيحاته، من حيث الشكل والمضمون والتوقيت، حيث اعتبره الكثيرون، وإلى جانب الشكوك التي يثيرها، قراراً غير شرعي وليس من صلاحيات الائتلاف إصداره.
المعارِضة السورية وعضو الائتلاف سابقاً سهير الأتاسي قالت ل”المدن”، إن الخطوة مثيرة للشكوك، خاصة من ناحية التوقيت، كما أنها تخالف النظام الداخلي للائتلاف وتتعارض مع صلاحيته. وأضافت “في قراءة سريعة للقرار أرى أنه بمثابة بالون اختبار للشارع الثوري من أجل جس نبضه، ناهيك عن أن نصه مليء بالتناقضات”.
واستغربت الأتاسي صدور هذا االقرار عن الائتلاف الذي “يُفترض أنه يمثل قوى الثورة ومع ذلك لا يجرؤ على تعريف البيئة الآمنة لإجراء الانتخابات التي يقول إنه سيشارك بها متى توفرت، ولا تحديد شروط هذه البيئة، وبدلاً من ذلك اعتمد مصطلحات فضفاضة على مبدأ الغموض البناء، لكن في الواقع غموض النص هنا كان هداماً”.
وتابعت أن هذا القرار يقوض اثنين من الأساسيات التي قام عليها الائتلاف، وهما أن “جميع أعضائه لا يحق لهم الترشح في المرحلة الانتقالية”. والثاني أن “وثيقة تأسيس الائتلاف تقول بأن المؤسسة تعتبر منحلة متى تم البدء بالعملية الانتقالية، فكيف ستعمل هيئة الانتخابات هذه المنبثقة عنه في تلك المرحلة المنتظرة؟”.
وأضافت أنها “لن تكون شرعية قانونياً وقتها!، وبالتالي فالقرار مليء بالتناقضات وأنا لا استطيع أن أقرأه بشكل بريء، وأكرر أنني أنظر إليه كبالون اختبار، خاصة وأن هناك دولاً بدأت تدفع باتجاه سلة الانتخابات بذريعة أن سلة الدستور تشهد استعصاء، ناهيك عن عامل التوقيت، فمن الغريب جداً أن يتزامن صدور القرار مع تحضير النظام للانتخابات الرئاسية في صيف العام المقبل”.
لكن قتيبة إدلبي ممثل الائتلاف في واشنطن يؤكد في رده على الاتهامات والاستفسارات أن “الهدف من إنشاء الهيئة هو تهيئة الأجواء وتمرين السوريين على موضوع الانتخابات والمشاركة السياسية في استحقاقات المرحلة الانتقالية، إن كان من غير المستغرب التشكيك بهذه الهيئة وتوقيتها في غياب أي أجواء للثقة ما بين السوريين بشكل عام وما بينهم وبين الائتلاف بشكل خاص”.
وأضاف ل”المدن”، “رغم ذلك، لا أرى أي مانع في البدء بتأسيس بنية للتفاعل السياسي بيننا، إذ لسنوات طويلة وإلى اليوم نلوم المعارضة بأنها تعمل دون استراتيجية ودون خطة عمل، وهذه الهيئة، إن قامت بما يجب عليها القيام به، هي خطوة جيدة للعمل بشكل استراتيجي للتحضير لاستحقاقات القرار 2254”.
أما بالنسبة للتوقيت يشرح إدلبي أنه “جزء من استراتيجية الائتلاف لتعزيز تواصله مع السوريين، بدءاً من نقل ما يمكن من مؤسسات الائتلاف إلى الداخل، وعقد أول اجتماع للهيئة العامة في ريف حلب، وتشكيل المفوضية هو جزء من هذا التوجه وهذه الخطوات، فمن من جهة نحضر لمرحلة قادمة 2254 عاجلاً أم آجلاً، ومن جهة أخرى نتيح المجال أمام السوريين لاختيار ممثليهم في مؤسسة الائتلاف”.
ورغم أنه رأى أن صياغة القرار لم تكن موفقة، لفت إلى أنه قانونياً “يحل الائتلاف نفسه فور البدء بالمرحلة الانتقالية وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي من صلاحياتها الاشراف على كل جوانب المرحلة الانتقالية، والائتلاف يدرك ذلك وعليه أصدر البيان التوضيحي بهذا الشأن”.
لم يكن الإدلبي هو الوحيد بين مسؤولي وأعضاء الإئتلاف الذين سارعوا إلى توضيح القرار، لكن مع ذلك تواصل الهجوم عليه، وأكد المنتقدون أن المطلوب ليس توضيح القرار أو تفسيره بل إلغاؤه بشكل عاجل ورسمي خشية أي تبعات مستقبلية قد تترتب عليه، في وقت لا تبدو واضحة للكثيرين، بمن فيهم أعضاء في الائتلاف تواصلت معهم “المدن” الدوافع الحقيقية لاتخاذ هذه الخطوة بهذا الشكل المفاجئ.
القرار ترك الباب مفتوحاً على كم كبير من التكهنات والتفسيرات، بعضها يتعلق بالدول المؤثرة على المعارضة وتوافقات ربما تمت بينها، وبعضها يتعلق برئيس الائتلاف وطموحاته الشخصية، بينما يتعلق بعضها الآخر بالصراع أو التنافس بين قادة المعارضة أنفسهم.
المدن
—————————
عن العملية السياسية السورية/ ميشيل كيلو
تربط فكرة سائدة عن الصراع الدائر في سورية ربطا عضويا لا فكاك منه بين “العملية السياسية” و”الحل السياسي”. يعتقد أصحابها أن العملية السياسية هي بوابة الحل السياسي التي ستفضي حتما إليه، وأن فشلها يعد نجاحا للنظام الأسدي وداعميه. لذلك، على المعارضة التمسّك بها، والحؤول دون وقفها، بما أن استمرارها هو البديل الدولي للحل العسكري الأسدي، ولهزيمة الشعب الذي يصر عليها منذ بدأت الانتفاضة الشعبية قبل نيف وتسعة أعوام.
عندما قرّر ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية ربط العملية السياسية بحلٍّ سياسي، كان قبول هذا الخيار مرتبطا ببلوغ حلٍّ سياسيٍّ وفق بيان جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و2254. وكان من الواضح أن الأسد وافق على عملية سياسية أخرى، مفصولة عن هذين القرارين ولا تطبقهما، وأنه يريد، من عمليته السياسية، إضاعة الوقت والالتفاف عليها، والإمعان في تعطيل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي لم يلتزم بتطبيق قراراته، ولم يحدّد وظيفة العملية السياسية في ضوئها، ولم يدخل في حوارات مع طرفي التفاوض، تلزمها وتلزمهما بتطبيق قراراتها، وترفض الدور التيسيري، والبارد الذي خصّها به بشار الجعفري، ورفضه ممثل الأمين العام في مفاوضات جنيف، الأخضر الإبراهيمي، احتراما لمسؤوليات المنظمة الدولية عن إنفاذ إرادتها، كما عبرت عن نفسها في قراراتها، وصيانةً لدورها في حماية الشعوب من سفاحيها، وكي لا تتحول، بوصفها منظمة دولية، إلى شريك للأسد في إفشال دورها، وتعطيل صلاحياتها المفتوحة على بعد تنفيذي رادع، يعاقب من يخرج على القانون الدولي، ويرفض الانصياع لقراراتها.
الغريب أن يستمر تعطيل العملية السياسية منذ سبعة أعوام، بسبب رفض الأسد التفاوض حول حل سياسي أقرّه مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه منتصف عام 2012، ورفض تطبيق أي فقرة من فقراته، مدعوما بتجاهل واشنطن له، وبنجاح روسيا في الالتفاف على العملية السياسية وفصلها عن الحل السياسي الذي ترفضه، وتشجع الأسد على التمسّك بحله العسكري، فضلا عن نجاح الممثل السابق لأمين المنظمة الدولية، دي ميستورا، في تحويل المفاوضات إلى محادثاتٍ سرعان ما تحوّلت إلى مناكفاتٍ وخلافاتٍ على الكلمات، وتصرّفاتٍ حفلت بازدراء الشرعية الدولية وممثل أمينها العام الجديد، بيدرسون، الذي غدا مجرّد ميسر لعملية تعذيب يمارسها وفد المخابرات الأسدية على وفد “الائتلاف”، أو الوفد التركي كما يسميه، بينما يقف المجتمع الدولي متفرّجا على ما لم يعد يستحق صفة عملية سياسية بأي لغة من اللغات!
ماذا يعني تمسّك “الائتلاف” بعملية سياسية هذه مواصفاتها ونتائجها، ولن تحقق أيا من مطالب الشعب السوري؟ وماذا يعني قبوله فصلها عن القرارات الدولية مرجعية الحل السياسي، بقدر ما تحققه ويستجيب الأسد لها، ويتخلص بعض أعضاء الهيئة العليا للتفاوض من عقدة الدونية التي توهمهم أنهم صاروا حقا ممثلين للثورة، وزعماء للسوريين الذين يعالجون صورهم بأحذيتهم ويتهمونهم بالعمالة!
هناك عملية سياسية واحدة يجب التفاعل معها بأقصى قدر من الإيجابية والتفاني، هي تلك التي تنصبّ على تطبيق القرارات الدولية، وإلزام الأسدية بحل تفاوضي يخلو من ألاعيبها، و”تيسير” الأمم المتحدة. أما التسلية في جنيف، وتمسكن وفد المعارضة وصمته عن سفالات وفود الأسد، وإشادته بإيجابية المباحثات كلما ابتسم مخبر أسدي في وجه أحد من أعضائه، متجاهلا عجز النظام الدولي عن إقناع المخبرين بوضع جدول أعمالٍ للمحادثات التي كان يجب أن تبدأ مطلع عام 2016، وتنتهي بحل سياسي نهائي منتصف عام 2017، تطبيقا للقرار 2254 الذي تدور المباحثات العبثية حوله من دون تحقيق أي فقرة منه، فهذا ليس عمليةً سياسيةً، وليس تفاوضا أو محادثات.
لا قيمة لأي عملية سياسية من دون تطبيق القرارات الدولية. كل ما عدا ذلك باطل وقبض ريح، وهزيمة.
العربي الجديد
—————————-
الائتلاف يستعد للقيام بِـ«لا شيء»/ صادق عبد الرحمن
قبل أيام قليلة، أعلنَ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا عن تشكيل مفوضية وطنية للانتخابات، وذلك «استعداداً للمرحلة الانتقالية وما بعدها». وقد أثار هذا الإعلان موجة من الغضب في أوساط السوريين المنحازين لثورة 2011، إذ تم اعتباره استعداداً من قبل الائتلاف للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي سيجريها الأسديون العام المقبل، وذهبت بعض التكهنات والتحليلات شوطاً بعيداً جداً، إلى حد القول إن رئيس الائتلاف نصر الحريري يستعد كي يرشح نفسه مقابل بشار الأسد. يقول الغاضبون إن هذا سيكون مساهمة في تعويم نظام الأسد، واستكمالاً لمسار الحل الروسي الذي يهدف إلى الالتفاف على ضرورة إقامة هيئة حكم انتقالي كشرط للحل السياسي وفق القرار الأممي 2254.
الواقع أن هذه التحليلات مفرطة في تفاؤلها، ولو أن بشار الأسد وقادة أجهزته الأمنية يقبلون اليوم بشيء كهذا فعلاً، لكان الأمر مدعاة للاحتفال لا للغضب؛ هل يمكن أن نتصور قبول الأسديين بأي معارضين كطرفٍ في عملية انتخابية من أي نوع؟ لو كان تَصَوُّرُ شيء كهذا ممكناً لكُنّا في مكان غير هذا الذي نحن فيه الآن، لكنَّ الأسديين يحتفلون اليوم بافتتاح متحف لتخليد ذكرى شخص لا تُعرَفُ مأثرةٌ له سوى أنه كان يجيد ركوب الخيل، وأنه كان الابن الأكبر لكابوس سوري طويل اسمه حافظ الأسد.
ولكن هل يمكن أن يكون الأسديون قد قبلوا بهذا تحت ضغط روسي، وأن تكون خطوة الائتلاف هذه استعداداً لهذا المسار؟ ليس لدينا معلومات موثوقة، لكن لا شيء يوحي بحدوث أمر كهذا حتى الآن. وإذا كان هناك موافقة أسدية لفظية على هذا المسار، فالأرجح أن النظام سيتنصّل منها لاحقاً بطريقة أو بأخرى، ذلك أن قبول التنافس مع معارض، حتى لو كان من عيار نصر الحريري، سيعني قبولاً بمبدأ أن معارضين للأسدية يحق لهم أن يتواجدوا في مؤسسات الدولة والنظام، ويحق لهم أن يعبروا علناً عن معارضتهم تلك، خاصة أن المعارضة ستحصل في مقابل هذا على مقاعد وزارية وفق التحليلات والتسريبات الشائعة. قبول الأسديين بشيء كهذا يساوي تَجَرُّع السم بالنسبة لهم، وهم كانوا قد ارتكبوا «خطأً» مماثلاً في درعا نتيجة الضغط الروسي، أفضى إلى مشهد مهيب يهتف فيه عناصر منضوون رسمياً في الجيش السوري ضد الأسد، وهو «الخطأ» الذي تحاول أجهزة النظام الأمنية «إصلاحه» بشتى الوسائل الآن.
ثمة سيناريو آخر ممكن نظرياً فقط، وهو أن يكون الأسديون موافقين على سيناريو المشاركة في الانتخابات في مقابل أن يصير نصر الحريري ورفاقه الائتلافيون أسديين قولاً وفعلاً، بحيث لا يعني اشتراكهم في الانتخابات المقبلة خرقاً للهيمنة الأسدية الرمزية. لكن هذا يتطلّب أن يتنصّلَ الائتلافيون من تاريخهم القريب، ويتراجعوا عن بياناتهم ومواقفهم، بما في ذلك بيان تأسيس المفوضية الوطنية للانتخابات نفسه، الذي وردت فيه عبارة «النظام المجرم»، والذي تَضمّنَ كلاماً عن «انتخابات نزيهة لا مكان فيها لرأس النظام». وربما يكون ائتلافيون كثيرون مستعدين للخوض في أمر كهذا، لكن هذا سيُفقدهم أهميتهم، لأن المطلوب هو اشتراكُ معارضين مع الأسديين في حكم سوريا، وفي اللحظة التي يكفّون فيها عن كونهم معارضين، تنتفي الحاجة لهم تماماً. تلك هي معضلة أي معارضين راغبين أو مستعدين اليوم للعودة إلى حضن الأسدية، وتلك هي معضلة النظام نفسه أيضاً، إذ كيف يمكن أن يشترك معارضون معه في الحكم دون أن يكونوا معارضين أصلاً؟ تشتغل مخابر الأسدية بشكل حثيث على إيجاد حلّ لهذه المعادلة المستحيلة.
وبينما كان سوريون كثيرون غاضبين من خطوة الائتلاف تلك، وفي يوم الإعلان عن تأسيس المفوضية نفسه، نشرَ الموقع الرسمي للائتلاف خبراً مرفقاً بصورة، يظهر فيها نصر الحريري وهو يزور مشروعاً لإسكان مهجري الغوطة الشرقية قرب مدينة الباب بريف حلب، ويظهر معه عصام بويضاني زعيم التشكيل الإجرامي السلفي الذي اسمه جيش الإسلام، الذي ارتكب جرائم لا تحصى، من اختطاف وتعذيب وقتل في شبكة سجون رهيبة في دوما، إلى ملاحقة ناشطين والتضييق عليهم، إلى عرض أسرى مدنيين في أقفاص في الشوارع، إلى قتل على أساس طائفي في عدرا العمالية، إلى اختطاف وتغييب أربعة من أنبل المناضلين ضد الأسدية، ورفض الإدلاء بأي معلومة حول مصيرهم خلال نحو سبع سنوات منذ ارتكاب الجريمة.
لا تحمل هذه الصورة جديداً، لكن الحديث عنها ضروري طالما أننا نتحدث عن تعويم الأسد، ذلك أن الائتلاف بتركيبته وسلوكه وأدائه السياسي يقوم من حيث لا يدري بأقصى ما يمكن القيام به لتعويم الأسد؛ التبعية لأجندات وسياسات الدولة التركية، وتغطية جرائم ومجرمين من قبيل جيش الإسلام وغيره، والمراوغات اللفظية الفارغة، واحتقار العدالة والديمقراطية، والاستمرار في موقعه بالاستناد إلى معادلات دولية وليس إلى إرادة أو تفويض جزء من السوريين. أما عن خطوة تأسيس مفوضية الانتخابات، فالأرجح أنها لا تعني شيئاً، وأنها استئنافٌ لمسار من تلبية الشروط والطلبات التركيّة، التي يحتاج المسؤولون الأتراك إلى أن يتحدثوا عن تلبية المعارضة لها في جلساتهم ومفاوضاتهم مع المسؤولين الروس.
لن يشارك الائتلاف في انتخابات العام 2021 التي ستجريها الأسدية، وإذا خابت تحليلاتي وشاركَ فعلاً، فستكون هذه خطوة إضافية على طريق انهيار الأسدية الطويل الدامي الذي ما نزال في بدايته، وكم هو محزنٌ أن يكون ائتلافٌ كهذا شريكاً في خطوة كهذه.
موقع الجمهورية
—————————
اللعب الروسي… حشَفًا وسوء كِيْلَةٍ!
غيّرت روسيا لعبة النظام، من الرفض المطلق لأيّ تعاون مع المجتمعَين العربي والدولي لوضع حدّ للكارثة السورية، إلى الموافقة الشكلية والتعطيل العملي؛ حيث رأينا مسار الحل السياسي يهبط من جنيف، إلى أستانا ثم سوتشي والمصالحات مع التهجير والقصف والموت، وأخيرًا إلى تعطيل تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، واللعب بتفسيره بغية إفراغه من محتواه، وتجاهل كل ما ورد فيه، واختزاله بمجرد لجنة دستورية بتركيبة تجعلها عاجزةً عن الوصول إلى أي نتيجة، وحتى إن وصلت، فثمة مجاهيل كثيرة هي بمنزلة “فِخاخ روسية” للعملية السياسية. ومع كل ذلك، هناك مَن يُعوّل على هذا المسار المجتزأ، ويرى أنه المسار الوحيد المتاح للوصول إلى حلّ سياسي للكارثة السورية.
فدعونا نسلّط الضوء على هذا المسار، وعلى ما يمكن أن ينتج عنه.
اشتمل نص القرار 2254 على 16 فقرة و1500 كلمة، وكان جزءٌ من إحدى الفقرات ينصّ على صياغة دستور جديد وانتخابات حرة ونزيهة. ولكنّ ما يجري هو تجاهلٌ لكلّ ما ورد في القرار، ما عدا تلك الجمل القليلة.
لنذكّر بما جاء في القرار، حيث ينصّ على تأييد بيان جنيف الصادر في 30 حزيران/ يونيو 2012، ويقرّ بدور الفريق الدولي، باعتباره المنبر الرئيس لتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سورية، كما ينصّ على كفالة الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة، على أساس مجمل ما جاء في بيان جنيف، والالتزام بوحدة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي. وطلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة أن يدعو ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول، على وجه السرعة، في مفاوضات رسمية، بشأن عملية انتقال سياسي، عملًا ببيان جنيف، وتماشيًا مع بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة؛ تقيم حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وينصّ على وقف فوري للهجمات الموجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية، وعلى اتخاذ جميع الأطراف الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، وإتاحة إمكانية وصول الوكالات الإنسانية السريع والمأمون وغير المعرقل، إلى جميع أنحاء سورية، عبر أقصر الطرق، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا، إلى مناطقهم الأصلية، وتأهيل المناطق المتضررة.
فأين مسار اللجنة الدستورية من كلّ هذا؟ وهل يجوز اختزال كلّ ما ينصّ عليه القرار 2254، واختزال العملية السياسية التي تتصدّى لكارثة مستمرة منذ عشر سنوات، بمجرد “لجنة دستورية” تضع نصّ دستور، وتوفر انتخابات معروفة النتائج، إذا ما أدارتها وزارة داخلية النظام؟!
يبدو أن الجميع يتجاهل كلّ ما تضمنّه القرار، عدا الدستور والانتخابات. حتى فقرة الدستور والانتخابات هذه يُترك للروس والنظام أن يتحكّما فيها، ويُعرقلا أيّ تقدّم بشأنها. وهذا ما يذكرني بالمثل العربي القديم: “أَحَشَفًا وسوء كِيْلَةٍ”!
ولمزيدٍ من التحديد والتبيين، سنطرحُ الأسئلة التي ستواجه مسار اللجنة الدستورية، والتي يتجنب أصحاب الشأن طرحها.
بداية، لا يُعدّ النظام أو وفده المشارك في اللجنة الدستورية ممثلًا له، بل مدعومًا منه وحسب، وهذا تمهيد لرفض أيّ نتيجة لا توافق هواه، إن استطاع. وفي حال اضطرار النظام إلى تسهيل عمل اللجنة الدستورية، فهو يدفع باتجاه تعديلات على دستور 2012، ليمنح دستوره هذا شرعية، وهو دستور غير شرعي، بكل المقاييس، والغاية من هذا الدفع أن يكون من حقّ مجلس الشعب السوري الحالي مناقشة التعديلات والتصويت عليها، قبل دفعها إلى الاستفتاء العام، أي إنه يريد خلق عراقيل إضافية. وحتى في حال إرغام الروس للنظام وإنتاج دستور جديد، فلا نعلم شيئًا عن محتواه الآن.
ما المقصود بعبارة “انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة” التي وردَت في القرار 2254؟ هل هي رقابة صوريّة لا تصمد أمام إرادة تزوير الانتخابات؟ أم إدارة مباشرة تتحكم في كلّ شاردة وواردة في العملية الانتخابية؟ فثمة فروقات بين الإشراف والرقابة والإدارة، وهي تؤدي إلى نتائج متناقضة: بين إعادة تأهيل النظام وشرعنته دوليًا، لأنها جرت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبين أن تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي، إلى نظام ديمقراطي تعددي يقوم على حقوق الإنسان وحريته واحترام كرامته.
هل ستشكل الأمم المتحدة هيئةً تشرف على الانتخابات السورية وتديرها؟ أم ستترك لأجهزة الدولة السورية الحالية إدارتها، مع رقابة أممية لن تغيّر في واقع الأمر شيئًا، ولنا في مهزلة انتخابات بشار الأسد سنة 2014 مثال ظاهر، عندما قام المرشح الصوري المنافس ذاته “حسان النوري” بالتصويت لبشار الأسد، وقد تفاخر بذلك.
هل يجوز أن يُوضع دستور، والأراضي السورية مقسّمة بين النظام وPYD، والنصرة، ومناطق السيطرة التركية؟ وهل يمكن أن تُجرى انتخابات في مثل هذه الظروف؟! أم يجب توحيد البلاد تحت سلطة واحدة محايدة تجاه العملية الانتخابية أولًا، وإعادة الاستقرار ثانيًا، وهذا الأمر يحتاج إلى مرحلة انتقالية لا تقلّ مدتها عن سنتين حتى ثلاث سنوات عبر قرار أممي؟
نصَّ القرار على أن “تشمل الانتخابات جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، حتى أولئك الذين يعيشون في المهجر”، فهل يمكن أن تُجرى انتخابات ديمقراطية، قبل إعادة 6 ملايين لاجئ من خارج سورية، أو إعادة من يرغب منهم في العودة الطوعية، من بعد تهيئة ظروف مناسبة لعودتهم، وأيضًا عودة 6 ملايين مهجّر داخلي، إلى منازلهم؟
نصّ القرار 2254 على أن تكون “الانتخابات حرّة ونزيهة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة ولأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة”، ومن المعروف أن الانتخابات الديمقراطية والشفافة والحرة والنزيهة تشترط حيادية السلطة السياسية وحيادية أجهزة الدولة كافة، تجاه العملية الانتخابية وتجاه المرشحين، والسؤال هنا: كيف تكون الانتخابات حرة ونزيهة، في حال كون السلطة الحاكمة ليست حيادية! فمن المعروف أن نتائج الانتخابات -إذا جرت في الظروف القائمة الآن- ستكون في مناطق النظام إلى جانب الأسد، وفي مناطق سيطرة النصرة وحلفائها، ستكون إلى جانب مرشح النصرة، هذا إذا قررت المشاركة، وأما مناطق شرق سورية فسيتحكم PYD في نتائجها، وستكون لمصلحة الأسد، إذا قبضوا ثمنها سياسيًا من الأسد. وببساطة: إن شرط انتخابات حرة ونزيهة هو حيادية السلطة القائمة تجاه الانتخابات، وهذا -كما يبدو- بعيدٌ من التحقق الآن.
من سيُعِدّ قوائم الناخبين؟ هل ستعدّها وزارة الداخلية بطاقمها الحالي؟ وجميعنا يعلم ما يعنيه هذا! وماذا عن المعتقلين وعن المختفين وعن الأموات وعمّن بلغ السنّ القانونية للانتخاب في السنوات العشر المنصرمة، ولا يملك وثيقة تثبت شخصيته، ويبلغ تعداد هؤلاء الملايين، وهم موجودون غالبًا في بلدان اللجوء، وفي المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام؟ وكيف ستعالج هذه القوائم؟ ومن سيعالجها، ونحن نعلم أن نتائج المعالجة ستتوقف على من سيعالجها ويتحكم في قرارها!
من هي الجهة التي ستدعو للانتخابات، أهي هيئة مشكَّلة من الأمم المتحدة؟ أم رئيس مجلس الشعب السوري الحالي، أم وزير داخلية النظام؟ وإلى مَن ستُقدّم طلبات المرشحين، سواء كان النظام برلمانيًا أم رئاسيًا أم مختلطًا وفق الدستور الجديد، ونعلم بالطبع أن الأسد سيسعى للحفاظ عليه نظامًا رئاسيًا مستبدًا كما كان؟ وهل ستتولى المحكمة الدستورية الحالية قبول طلبات الترشيح وإجازتها؟ وهل على المرشح للرئاسة أن ينال تأييدًا خطيًا لترشيحه، من خمسة وثلاثين عضوًا (على الأقل) من أعضاء مجلس الشعب الحالي، كما في دستور 2012؟ ومن سيضمن عدم تهديد الناخبين، ونحن نرى أجهزة الأمن مستمرّة في الاعتقال التعسفي والإخفاء والتصفية؟
هل ستتوفر شروط تأمين حرية الدعاية والإعلان والاجتماع للمرشحين، في حال كانت السلطات المسيطرة على المكان غير محايدة تجاه العملية الانتخابية؟
من سيقرر عددَ صناديق الاقتراع ويحدد أماكنها؟ ومن يقرر من سيقف عليها؟ ومن سيتولى حراستها؟ هل هو وزارة الداخلية الحالية؟
أين ستكون مراكز الاقتراع في دول اللجوء الكثيرة؟ هل ستكون في السفارات والقنصليات السورية الحالية، كما يصرّح الروس في لقاءاتهم؟ وكيف يمكن إحضار مليوني ناخب في تركيا إلى صندوقين في أنقرة وإسطنبول؟ وأكثر من نصف مليون ناخب في لبنان إلى صندوق واحد في بيروت؛ ونصف مليون ناخب في الأردن إلى صندوق واحد في عمان؛ ونحو ربع مليون ناخب في ألمانيا إلى صندوق واحد في برلين؟! ألن يؤدي مثل هذا الترتيب إلى حرمان اللاجئين السوريين من حقهم في التصويت، لأن معظمهم معادون للنظام ومعارضون لإعادة انتخاب الأسد؟
من سيتولى عدّ أصوات الناخبين وإحصاءها في الصناديق وتثبيت نتائجها؟ وكيف نضمن نزاهة العدّ وتثبيت النتائج الصحيحة؟ ومن سيصدّق على النتائج ويعتمدها؟ ومن سيعلنها؟ ومن سينظر في طعون التزوير؟ أهم أولئك الموظفون الذين تولوا هذه الأعمال في انتخابات زوّرت إرادة السوريين على مدى ستة عقود؟!
الروس والنظام يقولون: وزارة الداخلية السورية ستنظم الانتخابات تحت رقابة الأمم المتحدة، رقابة وليس إدارة، والتصويت خارج سورية سيكون في السفارات والقنصليات السورية، ولن تفتح مراكز اقتراع في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، إلا إذا عادَت إلى سيطرتها. وهنا لسنا بحاجة إلى القول إن النتائج في هذه الحالة مضمونة سلفًا، وسيحدد بشار الأسد نسبة الفوز التي يراها مناسبة، كما فعل ثلاث مرات من قبل، وكما فعل أبوه طوال ثلاثة عقود. وإذا جرت هذه المهزلة تحت إشراف الأمم المتحدة، فإنها ستُعدّ “انتخابات شرعية”، وستقول روسيا للعالم: ها قد فاز الأسد بانتخابات شرعية تحت إشراف الأمم المتحدة، فتفضّلوا أعيدوا شرعنة النظام وافتحوا سفاراتكم وارفعوا الحصار، وساهموا في دعم السلطة الشرعية الجديدة وفي إعادة الإعمار.
على الرغم من كل هذه المحاذير والفِخاخ، ثمة أوساط معارضة عديدة تروّج -تحت قناع الواقعية- أن المجتمع الدولي لا يتحدث بغير “اللجنة الدستورية والدستور والانتخابات”، وأن ما هو أكثر من ذلك غيرُ متاح. وردًّا على هذه الواقعية المخجلة؛ نقول: إن القرار 2254 أوسعُ من هذا الفخ الروسي بكثير، وهذه حقيقة لا يجوز التخلي عنها، ويجب التمسك بمجمل ما جاء في القرار، لا بجملة تنصّ على دستور وانتخابات. فأبسط المبادئ هي ان القرارات تؤخذ بكليتها، لا بأخذ جزء وترك أجزاء بحسب مصالح أحد الأطراف، والقرار 2254 بكليته يعني ان تتولى الأمم المتحدة، كسلطة محايدة، إدارة عملية الانتقال السياسي في سورية، وعبارة “بأيدي سورية” لا تعني النظام (وهذا هو التفسير الروسي، بل تعني ان تشكل فرقًا من الكفاءات السورية التي تمثل مختلف أطباف/مكونات المجتمع السوري ومناطق سورية الموحدة، تحت سلطة الأمم المتحدة لتنفيذ كل ما جاء في القرار 2254.
إن القرار 2254 يتضمّن فقرات عديدة، أكثر أهمية من مجرد دستور وانتخابات يسعى الروس لجعلها فخًا. وبناء على ذلك؛ يجب أن تتولى الأمم المتحدة إدارة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، كسلطة محايدة، عبر فرق من الكادرات السورية، ومستعينة بعاملين من مؤسسات الدولة ممن يتصفون بالحياد والموضوعية، تدعمهم خبرات دولية، بدءًا من إعداد قانون انتخابات جديد، وأن تشكّل هيئة لإدارة الانتخابات، تتولى إعداد قوائم الناخبين على نحو سليم مستعينة بوزارة الداخلية السورية، وتزويد جميع السوريين بوثائق صحيحة ببطاقات هوية وجوازات سفر لست سنوات من دون تمييز وبرسم بسيط، وأن تتولى إجازة المرشحين، وإدارة صناديق الاقتراع وضبطها وتوفيرها بأعداد كافية، في كل الأماكن داخل سورية، وكذلك في بلدان اللجوء، مع توزيع يتيح للجميع المشاركة السهلة، وأن يتولى مندوبوها الوقوف على الصناديق، وعدّ الأصوات، وتثبيت النتائج، وأن تتولى هي إعلانها، وتأمين كل متطلبات البيئة الآمنة للترشح والدعاية والانتخابات، وتؤمن إطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وإلغاء محكمة الإرهاب، وإلغاء جميع الأحكام الصادرة عنها، وإبطال جميع مفاعيلها وكأنها لم تكن، وتأمين حياد الجيش والأمن والشرطة تجاه العملية الانتخابية، وعدم تدخّلها إلا لحماية مراكز الاقتراع وحفظ أمن المرشحين والناخبين، وتهيئة كل الترتيبات الضرورية لضمان انتخابات نزيهة تعبّر عن إرادة السوريين الحرة غير الموجهة بفوهات البنادق، وأن توضع بمختلف مؤسسات الدولة تحت تصرف هيئة الانتخابات، للقيام بواجباتها تجاه العملية الانتخابية، كما توضع تحت تصرفها الإمكانات المادية والبشرية الكافية، وأن تمنح السلطات اللازمة للقيام بعملها على خير وجه، ومن الواضح أن هذا يحتاج إلى قرار تنفيذي للقرار 2254، يصدر عن مجلس الأمن.
استراتيجية الثلاثي، الروس والنظام وإيران، رغم خلافاتهم وصراعاتهم البينية، هي إضاعة الوقت للوصول الى الصيف القادم واستحقاق الانتخابات الرئاسية وفق دستور 2012، وإجراء تلك الانتخابات مسبقة الصنع، وإعادة فرض النظام وبشار الأسد ونظامه على المجتمع الدولي كخيار وحيد.
فإذا ما أُغلقت الأبواب، وتفوقت الإرادة الروسية على إرادات الجميع وفرضت مسارها؛ فالأفضل أن يخسر الشعب السوري معركته في مواجهة النظام وداعميه، يخسرها بشرف وكرامة، وأن يرفض المشاركة في إعادة انتخاب الأسد وإعادة شرعنة النظام، كي لا يتحوّل إلى شاهد زور على انتصار الثلاثي الظالم “النظام وإيران وروسيا” بحجة “الواقعية”، فيمنحهم “شرعية الفوز” في لعبة مزورة، يحتاجون إليها كشرط لإعادة شرعنة النظام دوليًا. وأن يبقى يتطلع نحو المستقبل مصممًا على الكفاح من أجل تغيير سياسي قادم.
لذلك على النّخب السورية في كل مكان، أن لا تقبل بالمصير المذل الذي يرسمونه لسورية وشعبها، وأن تنهض لتُسمع صوتها للعالم، وأن تتحرك اليوم على نحو منظم، وتقيم شبكة ضغط على الحكومات الفاعلة في الملف السوري: (واشنطن، باريس، لندن، برلين، أنقرة، الدوحة، الرياض، عمان، بيروت وفي الداخل السوري) مستهدفة بالدرجة الأولى الإدارة الأميركية القادمة،
وأن تسعى شبكة الضغط لتعديل مقاربات هذه الحكومات، ونظرتها للملفّ السوري، وخاصة الإدارة الأميركية الجديدة، كونها الطرف القادر على التأثير وإحداث الفرق، وأن تقدم تصورًا واقعيًا لانتقال سياسي مصاغ ضمن حل متكامل مبني على تفسيرٍ عادلٍ لقرار مجلس الأمن 2254 والقرار 2118 وبيان جنيف، يأخذ مصالح سوريا وشعبها أولًا بعين الاعتبار ولا يستبعد مصالح روسيا، التي يمكن أن تقبل تحت الضغط بانتقال سياسي حقيقي يراعي مصالحها.
هذه فرصة يجب ألا تضيع. وهي طموح، تحقيقه ممكن، وسورية تستحقّ منا ذلك، وتنتظره.
مركز حرمون
———————————-
الجماعة..التوتر بين الدعوة والسياسة/ حازم نهار
يُذكر أن أوّلَ تمويلٍ وصل إلى “جماعة الإخوان المسلمين”، كان من الشركة العالمية لقناة السويس، شركة فرنسية بريطانية؛ فقد تلقى مؤسِّس الجماعة حسن البنا مبلغ 500 جنيه في عام 1930، عن طريق البارون دي بنوا، مدير الشركة، في وقتٍ كان البنا قد بدأ فيه بإنشاء مسجد في مدينة الإسماعيلية يعلوه مقر للجماعة. وعندما اعترض أعضاء مكتب الإرشاد ضده، برّر البنا بغرابة تلقيه الأموال قائلًا: “القناة قناتنا، والأرض أرضنا، والمال مال الله”، وهو تبرير غريب جدًا بشأن موافقة الجماعة على تلقي الدعم من الأجنبي المحتل آنذاك.
هذا التوتر بين مقتضيات العقيدة أو الأيديولوجية من جهة والسياسة من جهة أخرى، يكاد يكون ملازمًا دائمًا لجماعة الإخوان في المحطات جميعها، وفي البلدان كلها التي تنشط أو لها وجود فيها. للسياسة قوانينها ومقتضياتها التي لا تتوافق في محطات عديدة مع الدعوة أو الأخلاق أو الأيديولوجية، ومن ثم لا يحقّ لجماعة الإخوان، ولا لغيرها من القوى السياسية، الادعاء أن ممارساتها السياسية هي ابنة العقيدة أو الأيديولوجية أو الأخلاق، فحاجات الواقع ومقتضياته أقوى من الادعاءات الذاتية.
معنى ذلك هو أنه طالما أرادت “جماعة الإخوان المسلمين” الدخول إلى معترك العمل السياسي، فإنه ينبغي لها الخضوع إلى قوانينه وأحكامه وآلياته، ومن ثم لا يجوز لها، أو لغيرها، إسباغ صفة القدسية على أدائها أو تبرير سلوكها السياسي بآيات قرآنية أو أحاديث نبوية؛ هذا التنازع أو الخلط الذي تمارسه الجماعة بين الإفتاء والسياسة مصدر أساسي لتوترها وتوتيرها للآخرين. أذكر أن أحد البرلمانيين المصريين في برلمان ما بعد الثورة أراد رفع الأذان في مجلس الأمة. هذا يصلح في اجتماعات الجماعة أو في الجامع، لا في مجلس نواب الأمة.
حدَّد البنا رؤيته إلى الإسلام وأهداف جماعته يوم التأسيس في 22 آذار/ مارس 1928 بقوله: “إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية ومصحف وسيف”، وعرّف جماعته في مواضع أخرى بقوله “إن الإخوان دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة عملية، جمعية ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية”. وعلى الرغم من عمر الجماعة الطويل نسبيًا، وعلى الرغم أيضًا من وجود محطات عديدة، في بلدان مختلفة، حاولت فيها الجماعة تقديم نفسها بصورة مغايرة، إلا أن هذه الصيغة الشمولية ما زالت في صلب روح الجماعة عمومًا، ما يزيد من مأزقها السياسي، ومن مأزقنا ومأزق المجتمع والدولة؛ في المادة الثالثة من نظام الجماعة في سورية، تعريف شامل لها ولأهدافها: “غاية الجماعة: عبادة الله تعالى، وابتغاء رضوانه، وهدفها: استئناف الحياة الإسلامية، ببناء الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والدولة المسلمة، بالدعوة والتنظيم، معتمدة جميع الوسائل المشروعة”. تحتاج الجماعة إلى الخروج على تعريفها الأصلي إن أرادت فعلًا التوافق مع مقتضيات العمل السياسي الديمقراطي.
في فيلم “طيور الظلام” لوحيد حامد وعادل إمام، وردت عبارة ذات معنى، إذ يقول فتحي، ابن السلطة، لصديقه علي، ابن الجماعة: “أنتم جماعة لا تعرف كيف تصبح حزبًا، ونحن حزب لا يعرف كيف يصبح جماعة”. فالجماعات الإسلامية ما زالت تغريها حالة الجماعة الواسعة التي تستولي دعوتها على قلوب وعقول “الأمة” كلها، لكنها في الوقت نفسه تعجز عن بناء مشروع أو حزب سياسي قادر على تقديم برنامج عمل واقعي مقنع. وهذا يخفي رفضًا خفيًا للحزبية والتعدّدية، وحتى عندما أرادت الجماعة الانخراط في السياسة، واضطُرت إلى التعامل بغير قناعاتها، أسَّست حزبًا وأبقت على نفسها؛ فهي تستخدم الحزب واجهةً سياسية، لكنها تبقيه مربوطًا بالجماعة مرجعيةً وتوجيهًا.
تفتقد الجماعة في ممارستها السياسية القدرة على كسب ثقة القوى السياسية الأخرى، بحكم عدم وضوح الجماعة من حيث أهدافها النهائية، أو في الأحرى بحكم شمولية دعوتها واتساع النطاق الجغرافي لأهدافها بما يتجاوز الحدود الوطنية، إضافة إلى قدرتها على ممارسة براغماتية فاقعة؛ سياسات متناقضة ومتبدِّلة تجري تغطيتها بالدين، مثل انتقال الجماعة في سورية من الحوار مع النظام قبل الثورة السورية بأشهر قليلة إلى التعامل الحذر مع الثورة في بدايتها، ومن ثم إلى التطرف في شعار إسقاط النظام بعد الثورة بشهرين، ما يُعطي شعورًا يكاد يكون ثابتًا إزاءها، مفاده هو أن هناك دائمًا ما يُطبخ تحت طاولتها. من العناصر المقلقة أيضًا مساحتها الأيديولوجية الممتدة التي تستوعب تنظيميًا المسلمين العاديين والتنويريين والمجدِّدين والإصلاحيين والوسطيين والصوفيين والسلفيين والمتطرفين وغيرهم، ومن ثمّ لم يكن غريبًا أن قادة الجماعات الإسلامية المتطرفة في معظمهم قد انطلقوا من رحم الإخوان المسلمين.
من عناصر القلق وعدم الاطمئنان الأخرى تجاه الجماعة وجود التنظيم العالمي الفاعل، والقادر على التأثير فعليًا في سياسات الجماعات الإسلامية في الإطار الوطني، فهو لا يشبه القيادات القومية للأحزاب القومية (البعث) التي كانت دائمًا ديكورًا غير مؤثر في سياسات هذه الأحزاب في بلدان مختلفة، مثل سورية والعراق، ما يعني أن للجماعة ارتباطات فوق وطنية دائمًا، يمكنها أن تمنع حدوث توافق وطني مع القوى الأخرى.
تستثمر الجماعة في الشعبوية، معتمدة على ثقل الإسلام في الوعي العام، وتعتمد عليه في إبراز عضلاتها واتساعها، على حساب الدقة في الأداء والعقلانية السياسية والجهد الذاتي؛ جماعة عمرها يقترب من مئة عام، وإلى هذه اللحظة لا تتقن الحسابات السياسية الاستراتيجية، ومستعدة دائمًا لتكرار أخطائها التي لا تقع نتائجها عليها، بل على الجميع. في حين تسعى في علاقتها بالقوى الأخرى لاستخدام مفاهيم ولغة فضفاضة تسمح لها بالتعاطي مع معضلات الواقع بطريقة تؤجل الخلافات، ولا تحلّها. مفهوم المدنية الذي تطرحه، وطرحته قوى أخرى عديدة، لا يعيِّن ولا يحدِّد شيئًا. المفاهيم العامة من دون تحديد دلالاتها تسمح لها بإعادة التفسير دائمًا، والتملّص من أي التزامات، فضلًا عن الشكوك في إخلاصها للعملية الديمقراطية، والتخوف المهيمن من سعيها لأسلمة الدولة والمجتمع في حال وصولها إلى الحكم.
يتحمّل الإخوان المسلمون في سورية بعض المسؤولية عن فشل المعارضة على المستوى السياسي والتمثيلي، فقد تصدّروا المشهد في بداية الثورة، وكان يفترض بهم أن يكونوا في الصفوف الأخيرة انطلاقًا من اعتبارات وطنية أولًا، ومن حسابات سياسية عقلانية ثانيًا، لكنهم تعاملوا مع الثورة بوصفها فرصة للنزاع على السلطة، ما غيَّب بعدها الوطني؛ وضع الإخوان ثقلهم، منذ الأشهر الأولى، وساعدوا النظام السوري، موضوعيًا، في إضفاء صبغة إسلامية على الثورة بدلًا من سمتها الوطنية، وتجلى هذا في أسماء الجمع التي فرضوها، وساعدتهم قنوات إعلامية في هذا المسعى، مثل قناة الجزيرة، كما هيمنوا على التشكيلات السياسية، المجلس والائتلاف، بفضل تعدّد الهيئات التي بنوها في المنافي، ودخلوا في لعبة التسويات والمساومات داخل الائتلاف وخارجه، ما أدى إلى كوارث حقيقية.
مع اعترافنا بأن جذر التطرف والعنف هو “النظام السوري”، لكن كان يمكن لجماعة الإخوان في سورية أن تعمل على قطع الطريق على التطرف الأصولي، على اعتبار أنها تقدِّم نفسها إسلامًا وسطيًا، وانطلاقًا من مراجعتها الخاصة لتجربة الثمانينيات المأساوية، عندما أصدرت في أيار/ مايو 2001 في لندن “ميثاق شرف وطني للعمل السياسي في سورية”، وأعلنت عن نفسها بوصفها حركة تنبذ العنف وتؤمن بالتعدّدية وتحتكم إلى الديموقراطية، ولقي هذا ترحيبًا في أوساط المعارضة السورية آنذاك. لكنها، بعد الثورة، لم تفعل، بل سارت في الاتجاه نفسه تقريبًا، عندما عملت هي الأخرى على تشكيل جماعات إسلامية مسلحة، على الرغم من بيانها المتقدِّم أيضًا الذي أصدرته في 25 آذار/ مارس 2012.
لم تُظهر جماعة الإخوان في سورية موقفًا حاسمًا تجاه التنظيمات المتطرفة، وسعت أحيانًا للاستثمار فيها أو التشارك معها في محطات معينة أو مغازلتها أو نقدها بصورة “العتب”؛ في محطة من المحطات، قال مراقبها العام في سورية “ستعطي جبهة النصرة مؤشرًا إيجابيًا إذا قامت بإجراء مراجعات فكرية وفكّت ارتباطها بالقاعدة”، وفقًا لما قاله في حوار منشور في موقع الجماعة. وفي محطة أخرى، رحبت الجماعة بقرار “جبهة النصرة” فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”، وكأن المشكلة قد حُلَّت بهذا التغيير! وبعد خراب البيدر، جاء بيانها الأخير في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، بعنوان (براءة)، “نحبّ أن نؤكد في (جماعة الإخوان المسلمين) في سورية.. براءتنا من فكر الغلو والتكفير بمدارسه وتنظيماته ومنظماته على امتداد الجغرافيا الإسلامية والعالمية، نبرأ من هذا الفكر ومن كل ما يصدر عن حامليه من تكفير وتقتيل وتفجير..”.
كانت تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا مختلفة عن تجارب جماعات “الإخوان المسلمين” في البلدان العربية؛ فعلى الرغم من اختلافنا بهذا القدر أو ذاك مع السياسة التركية في تعاطيها مع الحدث السوري والمعارضات والفصائل السورية، إلا أن تجربة العدالة والتنمية تركيًا تنتمي في الحصيلة إلى الديمقراطية والحداثة عمومًا، على الرغم من أنها باتت، في السنوات الأخيرة، تنحو باتجاه الهيمنة. ربما كان الحاسم في تجربة العدالة والتنمية هو تقدّم الدولة التركية في مقابل تأخر وضمور الدولة في البلدان العربية. مع ذلك لم تشكل هذه التجربة المغايرة، للأسف، إلهامًا فعليًا للجماعات الإسلامية في بلداننا، على الرغم من افتتانها الظاهري بها.
لا تختلف القوى الأخرى كثيرًا في أدائها السياسي عن “جماعة الإخوان المسلمين”، لكن ما يجعل الأخيرة أكثر إشكالًا هو مرجعيتها الدينية، مع ما يحمله هذا الأمر من مخاطر الانزلاق إلى التطرف والعنف والطائفية والهيمنة والشعبوية. تحتاج الجماعة إلى ثورة حقيقية وصادقة على نفسها، تشمل المنطلقات والأسس النظرية والأهداف والتنظيم والتزام مبادئ العمل السياسي الديمقراطي في داخلها، وفي علاقتها بالآخر، ثورة تبدأ من تغيير اسمها أولًا.
نقد الجماعة لنفسها، ونقدنا لها، ضرورة وطنية، بعيدًا عن شيطنتها التي تهدف إلى تبرئة الذوات الأخرى، وتحميل الجماعة المسؤولية كلها عن فشلنا أو تهدف لمغازلة حكوماتٍ بعينها لم تكن في أي لحظة في الطريق القويم، ولا مع ثورات الشعوب. أخطأت القوى السياسية المصرية في انقلابها على المسار الديمقراطي، وفي سيرها في ذيل الانقلاب العسكري؛ نظرها القصير لم يجعلها تتعلم من حكمة ابن المقفع “أُكلت يوم أكل الثور الأبيض”، وها هي قد تحولت إلى جثث لا تتقن شيئًا سوى انتظار الفرج من رب الفرج.
نعم للنقد، ولا للشيطنة.
المدن
———————————-
نعوة المعلم وأوهام المعارضة الطائفية/ رستم محمود
ورقة النعوة التي نشرتها عائلة وزير الخارجية السوري المتوفى وليد المُعلم كانت مطابقة بالضبط لأوراق النعوة التقليدية التي تنشرها العائلات الدمشقية/الشامية في مثل هذه المناسبة. كانت تفيض بذكر أسماء أقارب المتوفى وعائلاتهم وأدوارهم ومواقعهم، لإبراز المكانة الطبقية والوظيفة الاجتماعية للمتوفى وعائلته، مع كشف تام للروابط العائلية والرمزية والمناطقية والطبقية للمتوفى وعائلته مع باقي العائلات المركزية البارزة في المدينة، بالذات من خلال التركيز على الهوية الدينية المحافظة للشخص المتوفى “الحاج أبو طارق”، كفاعل ملتزم بالهوية التقليدية لمجتمع المدنية التاريخية، وبدرجة أخرى الأدوار التجارية والمالية والاقتصادية لحلقته الاجتماعية الأضيق.
ورقة النعوة تلك، كانت لشخص بقي لأكثر من أربعة عقود كاملة عضواً حيوياً وملتزماً بالنظام السوري، خصوصاً خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث كان المعلم أحد مُبلوري ومنتجي خطاب ودعاية النظام الأسدي حول الحرب السياسية/الأهلية في البلاد. نظام الأسد المُتهم من مروحة واسعة من معارضيه على اعتباره نظاماً طائفياً، يتمركز حول الطائفة العلوية السورية، ويهمش وينبذ أبناء الطائفة السُنية السورية، الذين يُشكلون أغلبية سُكان البلاد.
مكانة المعلم الثنائية تلك، التي ظهرت بوضوح من خلال ورقة النعوة، كعضو رئيسي في النظام السوري والطبقة العُليا من أبناء الطائفة السُنية، بالذات من أبناء مدينة دمشق، كشفت سذاجة وسطحية منطق الفصل الشاقولي ذاك، بين نظام الأسد وأبناء الطائفة السُنية السورية. ذلك الفصم الذي تتبناه وتركن إليه قطاعات واسعة من قوى وشخصيات المعارضة السورية. فالمعلم، ومثله شخصيات أخرى لا تُحصى، هُم من أعضاء فاعلون وبارزون في عالم طائفتهم، وفي الوقت نفسه مندمجون وفاعلون ومؤمنون بنظام الأسد ومؤسساته وشرعيته وأفعاله.
أغلب الظن ثمة سمات طائفية واضحة للنظام الأسدي، منذ قرابة نصف والقرن وحتى الآن، من حيث الاعتماد على أبناء طائفة بعينها في بنيان أجهزته العسكرية والأمنية، المواقع الحساسة من تلك الأجهزة بالذات، أو عبر استخدامه الدائم للحساسيات والتوازنات الطائفية، من حيث تسعير التناقضات بين القوى الأهلية.
لكن ذلك ليس الهوية التامة للنظام الأسدي، فإلى جانب كل ذلك، ثمة كم هائل للاعتبارات والديناميكيات والهويات التي شيدتها وقامت عليها الأسدية منذ تأسيسها. لأجل ذلك، فأن أي ركون إلى اعتبار الأسدية مجرد كتلة من الأدوات والهويات الطائفية، هو مجرد قصور واضح في وعي مناهضي الأسد، وتالياً فقرُ واضحٌ في إمكانية إنتاج أدوات وديناميكيات الأسدية، التي هي نظام سياسي مبني على تعقيد من الحساسيات والمصالح والحسابات والتوافقات، الداخلية والإقليمية، وحتى الدولية.
فإلى جانب طائفيته مثلاً، وفر النظام الأسدي شروط أمان مناسبة لأبناء بعض البيئات المحلية السورية، بالذات للطبقات العليا من أبناء المدن الكبرى. حافظت الأسدية على مكانة تلك الطبقات ومصالحها وأدوارها في الحياة العامة السورية، بالذات من حيث مركزية فعلها في المتن العام. هذا الشرط الذي خلق روابط متينة بين أبناء تلك الطبقات المدينية العليا، الباحثة عن الأمان في دولة شديدة الريفية، وبين النظام الأسدي.
هذه الفاعلية التي لم يعترف مناهضو الأسد بها، لأنها ببساطة يتعارض مع سذاجة الوعي الطائفي الذي يركن إليه أغلبية واسعة منهم. الوعي الطائفي الذي يرى المجتمع السوري مجرد “علويين/سُنة”، اجتماعياً وسياسياً وثقافياً. والإيمان المسطح بأن ذلك التقسيم الشاقولي الساذج قادر على فهم وتفسير بلد شديد التعقيد والتركيب مثل سوريا، مجتمعاً وسياسة.
المستوى الآخر لذلك الرابط الداخلي بين الطبقات المتمكنة من المجتمعات المدنية السورية والنظام الأسدي يتعلق بالهيكل الصلب للدولة، الذي يُعتبر حاجة دائمة ومطلقة لتلك المجتمعات، كجهات متوجسة على الدوام من أشكال الفوضى والتفسخ الذي قد تصيب المجال العام.
طوال خمسين عاماً كاملة، أثبتت الأسدية قدرتها على توفير ذلك لتلك الطبقات، وتالياً نيل الاعتراف والشرعية من تلك الطبقات، لقدرة النظام على تلبية ذلك الشرط.
مقابل ذلك، فإن كل تفصيل في سلوكيات مناهضي الأسد، من عفرين إلى إدلب، مروراً برأس العين إلى تشكيلة مؤسسات المعارضة، بالذات من خلال ما تغض النظر عنه من سلوكيات التنظيمات المتطرفة، أنما تتثبت عجزها التام على توفير الحد الأدنى من شروط ومناخات وقيم وأدوات هيكلية الدولة تلك، شروطها شديدة الصعوبة وكثيرة التعقيد. بهذا المعنى، ليس واضحاً لمناهضي الأسد بأن هذه الطبقات المتمكنة من أبناء المدن السورية إنما تفضل أي فضاء ذو خصائص دولتية، وإن كان ممزوجاً بالكثير من الطائفية والشمولية السياسية، على كتلة السلوكيات العصاباتية، وإن كانت متأتية من أبناء طائفتها الدينية هي.
على أن أكثر ما هو واضح في سذاجة ذلك الوعي لمناهضي الأسد، أنما يكمن في تفسيرهم للحل الذي يمكن يُفكك تلك العُقدة.
ففي أعماق ذواتهم، يعتقد مناهضو الأسد، أو جزء واسع منهم على الأقل، بأن المشكلة هي في قلة الوعي الطائفي لأبناء هذه الطبقات، وأن المعارضة يجب أن تُسعر وتُنمي تلك المشاعر. أي بالضبط تلك الأدوات التي تزيد التصاق تلك الطبقات بالأسدية. فسلوكيات مناهضي الأسد تثبت أنها قادرة على فعل كل شيء، خلا تقديم أشياء شبيهة بما تقدمه الأسدية من ضمانات لأبناء الطبقات المدينية المتمكنة، وغالباً لن تستطيع أن تقديم أي شيء لأية طبقة سورية أخرى، لغير المصدقين أن يسألوا أبناء عفرين وإدلب عن ذلك.
قناة الحرة
——————————–
هل يستنجد السوريون بالأسد من المعارضة؟/ سميرة المسالمة
ازدحمت وسائل التواصل الاجتماعي بمظاهر رفض ممارسات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وأعلن السوريون، من خلالها، موقفهم الداعي إلى نزع الصفة التمثيلية للائتلاف عن الثورة السورية أو “المعارضة”، واعتباره طرفا ينضم بأفعاله إلى النظام السوري، كأحد أطراف النزاع معه على حريتهم وآليات انتخاب ممثليهم، بعد أن مارس رئيسُه، في وقت سابق، أكبر عملية استخفاف بالسوريين، عندما قرّر الاستفراد بقيادة الائتلاف بعملية مقايضة مع منصبه في هيئة التفاوض، متنازلاً عنه لخليفته أنس العبدة الرئيس السابق للائتلاف، ليحل مكانه في عمليةٍ استفزّت مشاعر جمهور الثورة الذي يفترض أنه مرجعيتهم الشعبية في مواجهة جمهور الموالين لنظام بشار الأسد.
ويأتي قرار إنشاء مفوضية للانتخابات، الموقع من نصر الحريري (رئيس الائتلاف بالمقايضة)، بعد أشهر قليلة على موجة الغضب الشعبي ضد الائتلاف، لتكون الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وتحسم الجدل بين كثيرين من موالي الائتلاف الذين راهنوا، في فترات سابقة، على إصلاحه، وكنت منهم، سواء في أثناء عضويتي في الائتلاف، أو تسلمي مهمة نائب الرئيس فيه، أو بعد استقالتي منه، والقطيعة التي كانت احتجاجا على ارتكاباتٍ تراكمت، من منع بياني المطالب بإجراء تحقيق في عمليات قتلٍ للسوريين على الحدود السورية التركية، إلى المطالبة بإحالتي إلى التحقيق بسبب مقالاتي في “العربي الجديد”، ومنها “اعتراف واعتذار إلى الشعب السوري” (16/9/2016) لمنعي من نقد “الائتلاف” والمصارحة بما يحدث داخله مع عموم السوريين الذين يمثلهم. ومع ذلك كله، بقي التعويل على الأمل بأن يتخذ بعض أعضاء “الائتلاف” المبادرة في إصلاح مسيرته، إلى أن هتكت “المقايضة في انتخاباته الحريري مقابل العبدة” كل احتمالٍ لإصلاح.
لم يكن ما حدث في انتخابات مجلس شعب النظام السوري، في يوليو/ تموز الماضي، أكثر استفزازا للسوريين مما حدث في مؤسسةٍ يفترض أنها تمثل مشروعية حلمهم في إقامة الدولة الديمقراطية، وإنهاء استبداد الأجهزة القمعية داخلها، ليستبينوا بأنهم وقعوا تحت ظل “مؤسسة” تمارس عليهم وفق إمكاناتها (ما هي؟) أكثر عمقا، من مجاراة النظام في إطلاق صفات المندسين والمتآمرين على معارضيه في إدلب الصامدة بوجه عدوان النظام من جهة، وعدوان جبهة النصرة وأمثالها على أهلها من جهة ثانية، وسط إمعان المعارضة الممثلة بالائتلاف بتمثيل الثورة وجمهورها رغما عنهم، ومن دون أن ييسروا لهم أي أملٍ بسبل الخلاص منهم، ليكونوا أول معارضةٍ، ربما في التاريخ، تمثل شعبا لم يشارك في اختيار أعضائها، أو لا يتشارك معها في أهدافها، أو لا يستطيع أن يحاسبها على اقترافاتها.
كسب “الائتلاف” بإنشاء مفوضية الانتخابات، وفق القرار الصادر عنه تحت الرقم 24 في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، ما راهن عليه مسبقا، وهو تمثيل الإرادة الكاملة للدولة التي تستفيد من وجوده، رغما عن إرادة السوريين جميعهم، وما يعني ذلك له من أن يكون المقابل مجزياً لأشخاصه ومصالح الدولة التي دفعته إلى تمرير هذا القرار لمشاركة النظام في السلطة، وبما يعادل كل هذا الغضب الشعبي تجاه قراراتهم، في الوقت الذي يضمن فيه ممثلو المعارضة أن هذا الاستنكار من عموم السوريين الواقفين، حسب تصنيف النظام، على ضفة الثورة، لا يحمل أي قوةٍ قانونيةٍ أو تنفيذيةٍ لاستبعادهم أو استبدالهم بهيئاتٍ ينتخبها الشعب لتمثيل إرادته، تماما كما هو واقع هيئات المعارضة، مع فارق مرحلي أنها اليوم تستمد قوتها من الدول التي ترعاها إلى حين تحصيل هذه الدول مصالحها، في حرب تصفيات النفوذ الدائرة حالياً من كل الجهات الدولية المتصارعة والمتحالفة في آن معاً في سورية.
قد يفيد التنبيه إلى أننا نكتب عن جهاتٍ معنيةٍ بإرادة السوريين، إلى المخالفات الجسيمة التي ارتكبها “الائتلاف” بقراره إنشاء مفوضية الانتخابات، سواء لجهة نظامه الداخلي الذي يوضح أنه لن يكون له وجود عندما يكون هناك ما يبرّر انتخاباتٍ تشارك فيها المعارضة، أو لجهة تضليله جمهور الثورة بأن القرار تنفيذ لبيان جنيف الذي لم يأت على ذكر مثل هذه المفوضية، لأن الهيئة الحاكمة التي عوّل عليها البيان هي المعنية بمثل هذه القرارات، ووجود الهيئة الحاكمة الانتقالية تنهي أساساً وجود “الائتلاف”، وحتى مع التحايل الدولي على بيان جنيف، ونسفه مصلحة السلال الأربع التي أقرّها المبعوث الأممي السابق، ستيفان دي ميستورا، فإننا أمام خديعةٍ مبنيةٍ على مجموعة أكاذيب بتوقيع من رئيسٍ جاء باتفاقية مقايضةٍ ليحكم سلطة وهميةً مصغرةً ومشوهةً لمحاكاة سلطة الأسد التي يمتلك فيها الأسد أدواتٍ جغرافية وواقعية وجمهور موالين لا يمكن إنكار وجوده، في وقتٍ يتحدّث فيه “الائتلاف” باسم جمهورٍ يرفضه ولا يريده، ويرفع في وجهه شعار “الائتلاف لا يمثلني”.
لم يبق لجمهور الثورة إلا الاستنجاد بروسيا، ومن خلفها حليفها النظام السوري، لمنع تمثيل “الائتلاف” ثورتهم، في مفارقة غريبة وفريدة، بأن يحمي رئيس النظام بشار الأسد جمهور المعارضة الذي ثار ضد حكمه، من طموحات وأطماع قياديي مؤسسات المعارضة في اغتصاب حقهم في اختيار ممثليهم، وذلك برفض التنسيق معهم في انتخاباته القادمة، وإبقاء حالة العداء بين جمهور المعارضة ونظامه على حالتها الأولى قبل أن تولد هذه المؤسسات التي اغتصبت تمثيلهم، كما فعلت مؤسسات النظام بل وبصورة أكثر جرأة وبعيدة عن أي اعتبار لكرامتهم.
لم يعد حلفاء النظام وحدهم المتهمين، من كثيرين من جمهور الثورة، بإعداد مؤامرة تنهي ثورتهم، وحلمهم الذي دفعوا أثمانا باهظة لتحقيقه، وبفضل صمودهم أمام وحشية النظام وحلفائه، وأجبروا العالم على استصدار بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254، ونحو عشرين قرارا أممياً لمساندة حقهم في إقامة نظام ديمقراطي، لا طائفي، ينهي عهد الاستبداد والقمع، ويتيح لكل السوريين حياة كريمة في بيئة آمنة تحفظ كرامتهم وحياتهم. لم يعد أولئك وحدهم المتهمين، فشعار “الائتلاف لا يمثلني” الذي يجتاح منصات التواصل الاجتماعي اليوم يوضح تصنيف السوريين “الائتلاف”، ويعتبر أن قرار هذا التشكيل، إنشاء مفوضية الانتخابات، أنهى أواصر علاقته مع جمهور الثورة، العلاقة التي لم تكن موجودة أصلاً، وكان يعوّل على حكماء من “الائتلاف” في بنائها، بدل هدمها وتدميرها.
العربي الجديد
————————–
الائتلاف والثورة المغدورة/ غسان المفلح
قام الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة بتأسيس ما أسماه المفوضيّة العامة للانتخابات، مما أثار حفيظة شريحة واسعة من السوريين، حيث إنّهم اعتبروها شرعنة لنظام الأسد عبر التمهيد لمشاركة الائتلاف في الانتخابات المقبلة، رغم نفي الائتلاف مشاركته في أيّة انتخابات يكون فيها الأسد ونظامه موجوداً. هذا النفي الذي كان من المفترض أن يكون مقدّمة لتأسيس الهيئة، إن كانت الامور كذلك، وليس ردّاً على رفضها من قبل شرائح كثيرة من شعبنا. الائتلاف
لا يمكننا فهم ما يجري دون النظر إلى سورية المدولنة.. في هذه المناسبة يجب علينا قراءة تصريحات باراك أوباما بعد صدور كتابه “أرض الميعاد”، وتأكيده أنّه فشل في سورية، وأنّ سورية تؤلمه، الائتلاف تشكَّل بناء على رؤية أوباما وتم فرضه فرضاً على المعارضة السورية وبقية الدول ممن كانت تسمى أصدقاء الشعب السوري، حتى سفير اليابان المعني بالملف السوري شارك بالمشاورات التي سبقت الإعلان عنه.
الائتلاف هو نتاج دولنة الثورة السورية، كما هي سورية مدولنة منذ استقلالها عن فرنسا، أيّة قضية مدولنة في هذا العالم، خاصة بعد انهيار السوفييت، لأمريكا تقريباً حصة الأسد في التحكّم بمسار هذه الدولنة، تتقاسم فيها حصصاّ مع دول أخرى، في الوضع السوري، تقاسم أوباما مع روسيا وإيران وتركيا بشكل أساسي. بناء عليه يمكننا معرفة الأسباب في تشكيل الائتلاف، فلم يعد سرّاً القول إنّ الأمور وصلت لدرجة أنّ كل دولة من هذه الدول تطرح أسماء بعينها، ليس أدلّ على ذلك أيضاً أن يأتي الشيخ معاذ الخطيب كأول رئيس لهذا الائتلاف.
كما أنّه ليس سرّاً أنّ هذا الائتلاف حتى اللحظة ما زال مشرعناً أمريكياً، بغضّ النظر عن درجة الحضور التركي فيه، هذا الحضور الذي لجمته أمريكا أوباما بأن يهتم فقط بما تسمح به أمريكا، ومن ثم أمريكا ترامب.. أليست أمريكا ترامب هي من سلّمت الغوطة وغيرها من المناطق ثم درعا للنظام والروس؟
ما الذي فعله الائتلاف منذ تأسيسه غير تكريس هذه الدولنة، حتى تم هزيمة الثورة، وحصرها بمداولات هذه الدولنة التي جرت بقيادة أوباما.
أندرو إكسوم، نائب المساعد الأسبق في وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط خلال رئاسة باراك أوباما الثانية، أمام لجنة فرعية في الكونغرس تبحث السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تناولت مفاوضات أوباما مع بوتين حول طرائق إنقاذ نظام بشار الأسد من سقوط وشيك، صيف 2015. وإذْ يوضّح إكسوم أنّه كان طرفاً في سلسلة مباحثات مستفيضة مع ضباط جيش واستخبارات روس، بدأت في صيف 2015، واستغرقت العام 2016، حول مصير الأسد، يستخلص أنّ إنقاذ نظام الأخير، وشخصه استطراداً، كان هاجساً مشتركاً لدى واشنطن وموسكو وطهران، بالتكافل والتضامن. الائتلاف
هذا التصريح أثار جدلاً في لحظة صدوره، وكنت ممن نشره على صفحتي على الفيسبوك، ويعيد الصديق صبحي حديدي تذكرينا به في مقالته المهمة عن كتاب أوباما وتصريحاته حول سورية، المنشورة في القدس العربي. على هذه الأرضية، كانت تسويفات أستانة وسوتشي وغيرها من المؤتمرات التي شارك فيها الائتلاف.
لهذا إنّ تأسيس هيئة انتخابات، بغض النظر عن نوايا أصحابها، هي الإعلان النهائي عن الغاية من تأسيس هذا الائتلاف، الانتهاء من دولنة الثورة السورية.
الموقف التركي منذ أن رسم أوباما حدود حضوره في الملف السوري، بات يتصرّف بناء على هذا المعطى، وتصرّفه مع الائتلاف ليس خارج هذا المنظور، ويتعامل مع المناطق السورية، وخاصة الكردية، التي يسيطر عليها حزب العمال بوصفها مناطق تركية، أقلّه بالمعنى الأمني، هذه الهيئة الانتخابية إشارة أمريكية روسية تركية.
من جهة أخرى، النقطة الأهم في سياسة أوباما تجاه سورية ليس أنّه شرذم المعارضة فقط، بل أسس لحالة من التشرذم لدرجة أنّ من هم خارج الائتلاف لا يستطيعون الحصول على دعم أية دولة في حالة قرروا القيام بتأسيس حالة ما خارج هذا الائتلاف، حالة أسميها اللائتلاف، هي عاجزة وحدود دورها شتم الائتلاف وشتم بعضها للأسف. الائتلاف
لنلقي نظرة بسيطة مثلاً، نجد أنّه بشكل عام هيمنت الدول نسبياً على المشهد، ليس السياسي فقط، بل حتى الثقافي والإعلامي السوري المعارض، وضع اللائتلاف هو المؤشر الأكثر سطوعاً عما فعله أوباما في سورية، عدا عن مشاركته في دعم المذبحة والإبادة الأسدية.
في النهاية، كما قلت الائتلاف هو جزء من الدولنة المستمرة، ليس للثورة المهزومة فقط.. بل لكل سورية. الائتلاف
ليفانت
——————————
الثورة السورية بلا مضمون تحرري/ إيلي عبدو
استعادة البعد التحرري للثورة بما يخص حرية الجماعات يستلزم البحث في طبيعة النظام المستقبلي للبلاد، بعيداً من أي شروط مسبقة.
مع انطلاق الاحتجاجات ضد النظام السوري، برزت الحرية بوصفها قيمة تعرّف بالسلب من السلطة الحاكمة، وليس بالإيجاب من المجتمع المنتفض، بمعنى أنها انحسرت إلى هدف إسقاط النظام واستبداله بآخر، وتأجل التفكير بكيفية ترجمة الحرية في السياسة وانعكاس ذلك في نظام حكم يرضى عنه المجتمع بمختلف تراكيبه. توازى ذلك، مع التمسك بما هو ثقافي لا سيما العنصر الديني، لدى جمهور الثورة، فكانت حرية الأفراد ضحية بعدما سبقتها حرية الجماعات.
والحال أن تكلس قيمة الحرية وحصرها بالضدية تجاه النظام، مرده النظر إلى المجتمع السوري باعتباره كتلة واحدة متجانسة ومتآلفة، ومع أن النظام حاول خطف طائفة من هنا وكسب طائفة من هناك، لكن بمجرد سقوطه، ستحل المشكلة. أي أن إغفال تعقيدات المجتمع وانقساماته، ارتبط باستسهال التفكير بالحرية واعتبار الأخيرة معطى يتحقق بمجرد تغيير الحكم، وليس سيرورة تستدعي البحث في طبيعة نظام الحكم المقبل، وقدرته على تمثيل الجماعات، ومنحها حقوقها. هكذا، تم فصل الحرية عن الناس، وتصويرها كقيمة منزهة، تسبغ عليها أبلغ الأوصاف كمطلب المنتفضين وهدفهم، لكن في الوقت نفسه، هي خالية من أي معنى يتمثل بتدبير أحوال هؤلاء المنتفضين وملاحظة اختلافاتهم وترجمتها في السياسة.
وكأن توسط الحرية بوصفها قيمة عليا جوهرانية، شعار البعث الشهير، “وحدة حرية اشتراكية”، انتقل إلى المعارضة التي احتفظت بتجريد المفهوم، وأضافت عليه بعداً تعبوياً، يتمثل بقتال النظام وإسقاطه. بعثنة المفهوم بمعنى تنزيهه عن الناس وربطه بعمومية تحيل إلى تحرير الوطن من الاستعمار وهيمنته بمعزل عن الديموقراطية وممارستها، أعادت المعارضة إنتاجها، مع فارق أن الاستعمار استبدل بالنظام.
وعليه، لم يتم إنزال قيمة الحرية إلى السياسة في سوريا، عقب الثورة، بمعنى ترجمة المفهوم بتقديم مقترح نظام ديموقراطي يسعى إلى تمثيل الجماعات ومراعاة هواجسها، وحقها في تقرير مصيرها، تم التمسك بوحدة البلاد، وعزل الانقسامات خصوصاً الطائفية منها، عن أي بحث حول نظام الحكم الجديد.
وإذا كانت المعارضة بهذا السلوك تسببت بالتضحية بحرية الجماعات، عبر ما ورثته من البعث من تفكير إيديولوجي صلب، فإن مجتمع الثورة ضحى بحرية الأفراد، عبر حصر الحرية بمعاداة النظام، وعدم إسقاطها على الثقافي والاجتماعي والديني. جمهور واسع من مؤيدي الثورة أيدوا الحرية لأجل إسقاط النظام فقط، مع رفض قاطع لأي حق للأفراد، لاختيار هوياتهم الجنسية والدينية وسواها. تم التمسك بالثقافي، بوصفه معطى ثابتاً وقيماً صائبة لا تحتاج إلى تطوير، بمعنى أن الحرية تقف عند تغيير النظام فقط، وليس القيم التي بطبيعة الحال ساهمت بتكريس هذا النظام واستمراره.
والحال فإن تنزيه الحرية عن الثقافي، استكمل تنزيهها عن السياسي، مرة عبر البعث وإرثه الإيديولوجي الممتد في ذهنية المعارضة، ومرة عبر التمسك بالثقافي الذي تصلب أكثر وبات يتمظهر بالعنصر الديني، ويتحكم في تفكير جمهور واسع مؤيد للثورة.
استعادة البعد التحرري للثورة بما يخص حرية الجماعات يستلزم البحث في طبيعة النظام المستقبلي للبلاد، بعيداً من أي شروط مسبقة. والاقتناع بأن الحرية مرتبطة بتغيير الخرائط أيضاً وليس التظاهر والهتافات ضد المستبد وحسب. أما حرية الأفراد فتحتاج إلى أمرين، الأول: نقل الثقافي بمكونه الديني، من مجال المعطى الطبيعي إلى مجال التفاوض مع القيم الحديثة، والثاني: ضمان حقوق النساء والأقليات الجنسية في القوانين، بحيث يصبح الثقافي ورشة إصلاح لتفريغه من القيم السلبية، من دون أن يؤثر ذلك، في ممارسة البشر حرية خياراتهم.
درج
——————————–
لا وقت نضيعه بعد الآن/ ميشيل كيلو
إذا كنا على مشارف الحل السياسي في سورية، كما يتخيل مشاركون في اللقاءات التفاوضية الدائرة من حين إلى آخر، فهذا يعني أننا بحاجة إلى استثمار كل دقيقة من وقتنا في إعداد وضعنا الذاتي لملاقاة معركةٍ لا يجوز أن نخسرها، لأن خسارتها تعني خسارتنا الحرب التي خاضتها الأسدية ضد ثورة الحرية.
أما إذا كان المنخرطون في الصراع على بلادنا قد حصلوا مسبقاً على الحصص التي كانوا سينالونها بعد الحل، فهذا يُلزمنا، بالأحرى، ببذل جهدٍ مكثفٍ جداً من أجل أن تكون لنا حصة من وطننا، على عكس ما تقوله لنا اليوم نظرةٌ نلقيها على خريطته، فنجد أنفسنا إما ملحقين بأحد المتصارعين من الأجانب أو خارج القسمة الحاصلة. ويكون علينا، في الحالتين، الإفادة من الفسحة الزمنية غير القصيرة التي تتيحها حالنا الراهنة، لترتيب أوضاعنا، بحيث يحسب المتحاصصون حسابنا في بلادنا، فلا نخرج من ثورتنا على الاستبداد صفر اليدين، على الرغم مما قدّمه شعبنا من تضحيات يريد، ونريد، أن يكون عائدها مجزياً.
يضغط الوقت علينا بطرقٍ من غير المجدي أن تكون متقطعة وجزئية، شأن الخطوات التي تم القيام بها طوال حقبة ما بعد الثورة. ومن الضروري أن تعبر عن خطة سياسية متكاملة لا بد من بلورتها، ليكون حاملها الوطني أداة شعبنا السوري لبلوغ حقوقه، كما تعترف بها القرارات الدولية، بدءاً ببيان جنيف لعام 2012 إلى قرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013 والقرار 2254 الذي صدر أواخر عام 2015. ولا بد أن يستند الحل النهائي عليها، وكذلك أي مسعى إصلاحي يطاول مؤسسات المعارضة المنظمة، ويمكن أن يترتب على جهود توحيد إجرائي للعمل العام والسياسي بين الأطراف الوطنية السورية التي عليها في الزمن المتبقي أن توحّد، قدر الإمكان، النخب السياسية والثقافية على أسس جامعة تحدّ من خلافاتها وتباين مواقفها وتخرجها من تبعثرها، وأن تعزّز تنظيمات المجتمع المدني المنتشرة داخل الأراضي غير الخاضعة للأسدية وخارجها، على أن تتعاون معها باعتبارها الحلقة الوسيطة التي تستطيع ربطها بالقطاعات المجتمعية والشعبية الواسعة التي حملت الثورة، وبقيت موالية لها، ولا مفرّ من إعادة تنظيمها وإطلاق حراكها السلمي والمدني/ الثوري، بحيث تنشز ساحة سياسية تتكامل تراتباتها، وتعمل لهدف موحد، وتكون، لأول مرة بعد عام 2011، جسداً سياسياً فاعلاً وضارباً، لا يمكن للعالم تجاهله في أي حل سياسي، لأنه سيكون الطرف الثاني الذي تتحدّث القرارات الدولية عنه، بصفته جهةٍ لا يمكن بلوغ الحل من دون إسهامها، وقبولها. بما أن هذه الجهة مغيبة اليوم، فإن إعادتها إلى الحقل السياسي المقترح كقوة مجتمعية مدنية ديمقراطية الخيار سيحرّرها مما تبدو عليه اليوم كتلاً بشرية خاماً، لا تمثيل لها، يتحكم بها تنظيم جبهة النصرة بمختلف تفرعاته. لذلك، تعتبر استعادتها إلى الشأن الوطني السبيل الوحيد لاعتراف العالم بأن لها حقوقاً يجب أن تنالها، وأن نيلها مصلحة له أيضاً.
ستكون هذه الأرضية الحامل المناسب لإصلاح مؤسسات المعارضة، والذي لطالما دارت محاولاته في حلقاتٍ مفرغة، استنزفتها، بدل أن تشحنها بروح جديدة، وتزوّدها بما كانت تحتاج إليه دوماً من خطط وبرامج، تنهض بها طاقات مجتمعية يصير حضورها في الشأن الوطني العام تحدياً يصعب تجاوزه بالنسبة لأي طرفٍ معادٍ لثورة الحرية، بينما سيجد العالم نفسه أمام واقع كان يجب أن تؤسسه الثورة بعد انطلاقتها بقليل، لولا الافتقار العام إلى إدراك أبعادها الداخلية والإقليمية والدولية، وخصائص الحقبة الدولية التي واكبتها، وما كان لبيئتها الداخلية والخارجية من أثر سلبي عليها.
لا بد من المبادرة إلى تحقيق انطلاقتنا الجديدة بجميع ما لدينا من قدرات، فإلى متى، وماذا، ننتظر؟
العربي الجديد
———————————–
سورية .. حوار المعارضات ضرورة وطنية/ علي العبدالله
جاء رد فعل قادة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على دعوة الرئيسة المشتركة لمجلس سورية الديمقراطية (مسد)، إلهام أحمد، سلبيا، ما أثار أسئلة حول صوابية الموقف وجدواه السياسية في ضوء تطورات المشهد السياسي السوري، وتوازنات القوى، والدفع الأميركي باتجاه الحوار والوحدة في مواجهة النظام؛ والوعد بإشراك “الائتلاف” في إدارة منطقة شرق الفرات، وحول مدى قدرة قيادة “الائتلاف” على التقاط المتغيرات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، والتعاطي معها بمهنية وجدّية، وتوظيفها لخدمة خيارات وطنية منشودة؟
شكلت الدعوة إلى الحوار فرصة سياسية، خصوصا وأنها جاءت في سياق تحرّك أميركي لإعادة صياغة منطقة شرق الفرات، عبر إقامة توازن بين المكونات والأدوار والدفع نحو تعديل بنية الإدارة الذاتية، بحيث تعبر عن التركيبة السكانية، وتلبي تطلعات المجتمعات المحلية بتحقيق العدالة والمساواة بينها، عبر إقامة شراكة حقيقية وتوزيع عادل للسلطة والثروة. وقد عكست مجريات الحوار الكردي هذا التوجه بصراحة ووضوح. وهذا، بالإضافة إلى ما تضمنته الدعوة من وعدٍ بإشراك “الائتلاف” في إدارة المنطقة المذكورة؛ جعلها خيارا يستحق المجازفة، لما تنطوي عليه من احتمالات، وما تفتحه من آفاق مستقبلية.
أول ما يمكن ملاحظته على موقف “الائتلاف” من الدعوة هو عدم الاهتمام بها، حيث لم تتم الدعوة إلى اجتماع على مستوى القيادة، لدراستها وتقدير إيجابياتها وسلبياتها، واتخاذ موقف رسمي، وإصداره في بيان يوضح فيه موقفه منها، والأسباب خلف قراره، بل صدرت تعليقات من قادة فيه عبّروا فيها عن موقفهم الشخصي، وفق خلفياتهم وارتباطاتهم التنظيمية والسياسية، من دون اعتبار للمؤسسة والعمل الجماعي المنظم، والانطباع السلبي الذي سيتركه التصرّف الفردي على “الائتلاف”. ومن دون تقدير لأهمية الدعوة ومترتباتها الآنية والمستقبلية. وهذا كشف عن عمق التباينات داخل “الائتلاف”، وبين رموزه القيادية بشكل خاص، حيث تباينت مواقفهم بين الرفض بذريعة انعدام الثقة بمجلس سورية الديمقراطية (مسد) وقبول مشروط، كما كشف ابتعاده (الائتلاف) عن قواعد العمل السياسي المؤسسي المنظم الذي يستدعي دراسة الدعوة داخل الأطر واتخاذ القرار المناسب، ما رسّخ الصورة الذهنية السائدة عنه باعتباره “ائتلافا غير مؤتلف”، ويعاني من ضياع البوصلة. أما مبرّرات الرفض والذرائع النمطية التي رفعت في وجه الدعوة، فتفتقر لعاملي الإدارة السياسية الناجحة: العقلانية والعملانية، فالعقلانية تستدعي دراسةً معمّقة للعرض، وتحديد إيجابياته وسلبياته، والموازنة بين الفرص والمخاطر فيه، واتخاذ قرار عقلاني يمكن تفسيره وتبريره، والعملانية تستدعي تقدير نتائج الانخراط في عمليةٍ سياسيةٍ على المصالح الوطنية، والفرص التي تتيحها لتعديل توازن القوى، وتحصيل مكاسب وتسجيل نقاط لصالح الأهداف السياسية المعلنة، فالسياسة ليست “فن تحقيق الممكن” فقط، بل و”فن تغيير ميزان القوى” كذلك، ووضع تصوّر مفيد وممكن التحقيق. وهذا يستدعي قراءة المشهد السياسي والميداني في منطقة شرق الفرات، في ضوء التطورات السياسية والميدانية الماثلة، وتقويم الفرص التي يتيحها الحوار والنتائج المحتملة وتحديد الخيار المنطقي والعملي، المتسق مع عملية التغيير السياسي المنشود، وتحقيق تطلعات الشعب السوري للحرية والكرامة.
وتجربة الإدارة الذاتية يمكن قراءتها على مستويين، أول تجربة حزبية تنفذ رؤية سياسية خاصة منطلقها إدارة المجتمعات، بدءا من الأحياء وصولا إلى الدولة عبر لجان محلية/ كومونات، كنوع من إدارة شعبية مباشرة، هي امتداد لأفكار يسارية نشأت وتلاشت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، فيها من كومونة باريس ومجالسية الماركسي الإيطالي انطونيو غرامشي والماركسي العراقي عزيز السيد جاسم ولجان معمر القذافي الشعبية. فكرة ليست لها سوابق تاريخية مرشدة. كومونة باريس لم تعمّر طويلا كي تكون دليلا على صحة الفكرة. وأفكار غرامشي وتفرعاتها لم تحظ بتطبيق يثبت صلاحيتها، خصوصا في إدارة مجتمعات غير مصنعة، وتجربة القذافي كانت كارثية. وهذا جعلها غريبة ومستهجنة ولم تنل رضى الأكثرية فغدت بلا شرعية مجتمعية.
المستوى الثاني أنها تجربة ناشئة ارتبط تنفيذها بالفرض والقسر، من دون عقد اجتماعي طوعي بينها وبين المجتمعات التي تحكمها، فنشأت فجوة واسعة بينها وبين هذه المجتمعات؛ ما وضعها في عداد التجارب السلطوية الفاشلة؛ دفع الولايات المتحدة إلى العمل على إخراجها من جلدها، عبر دفعها إلى تشكيل مجلس سورية الديمقراطية (مسد) وجناحها العسكري، قوات سورية الديمقراطية (قسد)، لكن المحاولة لم تعط النتائج المرجوّة، فقد نجح “الحزب”، بتوجيهٍ من قيادة حزب العمال الكردستاني، وبدفع من كوادره على الأرض السورية، احتواء المحاولة وتجويفها والاحتفاظ بالسيطرة على المنطقة، والهيمنة على الشركاء العرب والسريان، ما دفع الولايات المتحدة إلى الانخراط في محاولة بصيغة جديدة، علّها تكون أنجح وأقدر على إيجاد توازن سياسي واجتماعي قابل للحياة، عبر الدفع نحو عقد اجتماعي طوعي، مدخله حوار كردي يتلوه حوار مع المكونات غير الكردية، وصولا إلى حوار مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. وهذا يجعل تذرّع قادة في “الائتلاف” بانعدام الثقة بقيادة “مسد” ليس سببا كافيا لرفض الدعوة.
صحيح أن “مسد” وجناحها العسكري “قسد” قد تنمّرا على محيطهما القريب، كرد الجزيرة وعربها وسريانها، وارتكبت “قسد” تجاوزاتٍ على الحقوق والممتلكات؛ وانتهاكات عنيفة، قتل وتدمير وتهجير، ضد عرب وتركمان في مدن شمال سورية وبلداته، في إطار سعيها إلى فرض أمر واقع سياسي وعسكري وسكاني، شجعها الدعم العسكري الأميركي الذي ولّد لدى قيادتها سوء تقدير لطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة ودول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث اعتبرته تحالفا يلزم طرفيه بدعم وتأييد الحليف لتحقيق أهدافه العامة والخاصة، في حين كان الطرف الآخر، الولايات المتحدة، يعتبر العلاقة تقاطعا عابرا لا يشمل كل القضايا والملفات، وأن هدفه محدّد بهزيمة “داعش”، أضيف إليه لاحقا الضغط على النظام السوري، لتغيير سلوكه والانخراط في العملية السياسية، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع في سورية، والتقاطع، كما اتفق خبراء الاستراتيجية، ما يعطي الأولوية لأهداف الطرف الأقوى ويصب في مصلحته، وقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، كما يقال، وعادا، “مسد” و”قسد”، إلى وعيهما، عندما لمسا جدّية الموقف الأميركي في الدفع نحو إجراء تعديلاتٍ على الإدارة الذاتية، بحيث تصبح عقدا اجتماعيا طوعيا، يلبي تطلعات كل مكونات شرق الفرات في العدالة والمساواة، فرضخا للدعوة إلى الحوار مع المجلس الوطني الكردي، وقد اتفقا على عدة نقاط وبقيت أخرى، واستجابا للضغط من أجل تفعيل دور المجالس المحلية في عموم المنطقة، خصوصا في محافظتي الرقة ودير الزور، لاحتواء التوتر والاحتقان الناجم عن التمييز والتهميش ضد أبنائهما (كان تقرير وزارة الدفاع الأميركية، في 31/3/2020، قد أفاد بحصول إقصاء للمكوّن العربي عن مفاصل اتخاذ القرارات داخل المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لـ “الإدارة الذاتية”، وأن “وحدات حماية الشعب” تستأثر بمراكز السلطة واتخاذ القرارات حتى داخل الإدارات المدنية)، والعمل على تحسين البنية التحتية والخدمية في المحافظتين. وها هما يتلقيان دعوة أخرى من ممثل الولايات المتحدة في قيادة التحالف الدولي ضد “داعش”، وليام روباك، للحوار مع “الائتلاف” من أجل توحيد المعارضة في وجه النظام. ووجهت دعوة مماثلة إلى “الائتلاف”، من ممثلة الخارجية الأميركية في شمال شرق سورية، زهرة بيل، وليس أمامهما إلا القبول، لأن الظرف السياسي لا يسمح بغير ذلك، فالخصم التركي يلوّح بتوسيع حدود سيطرته شرق الفرات، والروسي يهدّد بالانسحاب من المنطقة، ما يعني فتح الطريق للخصم التركي بتنفيذ تهديده، والأميركي لن يدافع خارج نطاق سيطرته الحالية، والتي تبعد عن الحدود السورية التركية عدة كيلومترات، ناهيك عن أنه ليس ثابتا على مواقفه، واحتمال انسحابه من المنطقة من دون سابق إنذار احتمال قائم باستمرار. ما يعني أن الفرصة مواتية، ويجب التقاطها، لدفع الإدارة إلى إعادة نظر في مشروعها، ووضعه تحت نظر الشعب السوري وتصرفه، يقبله أو يرفضه أو يعدله. والقبول المشروط، هو الآخر، ليس عمليا. لسببين، أن المطالب المعلنة، إخراج عناصر وقادة حزب العمال الكردستاني من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، والكشف عن مصير المفقودين ووقف التجنيد الإجباري وإلغاء سياسات تكريد مناهج التعليم وأسماء المناطق والمدن، قيد البحث بين “الإدارة” و”المجلس”، ما يجعل طلبها نافلا. والثاني، إعطاء “مسد” ذريعة للتخلص من الضغط الأميركي تحت شعار “ليس هناك شريك للحوار”، فتضيع فرصة الحوار والانخراط في قضايا تهم المواطنين، علما أن طرح مطالبهم على طاولة الحوار فرصة تعيد “الائتلاف” إلى المشهد السياسي، وتحسّن موقفه وموقعه لدى حاضنة الثورة.
تشكل الدعوة إلى حوار سياسي بين “مسد” و”الائتلاف” حبل نجاةٍ لكلا الطرفين، تخرج به “مسد” من عنق الزجاجة الذي حشرها فيه الاجتياح التركي لشرق الفرات، وتخرج “الائتلاف” من حالة انعدام الوزن وفقدان البوصلة، وتمنحه ورقة قوة بوضعه في قلب الحدث السياسي والاجتماعي، واتفاقهما على مخرج مرضٍ يحل عقدا كثيرة: طمأنة الأتراك على أمنهم الوطني في ضوء اشتراك “الائتلاف” في إدارة المنطقة، وإزالة قلق الكرد من هجوم تركي جديد، وهواجس العرب ومخاوفهم من انفصال الكرد، ما سيجعله حبل نجاةٍ لسورية، دولة وشعبا.
—————————
دعوة إلى العمل/ ميشيل كيلو
واهم من يعتقد أن الديمقراطيين يستطيعون، بمفردهم، إسقاط النظام الأسدي السوري، والنظم الأسدية الأخرى في وطن العرب الفسيح. وأشد وهما من يخال إن الإسلاميين يستطيعون، من دون عونٍ من أي طرف آخر، إطاحة الأسدية السورية وشبيهاتها العربيات، أو أن العالم سيسمح لهم بالاستيلاء على سورية وإقامة نظام إسلامي، سيكون بالضرورة نظاما تعبويا/ تحشيديا، سيمثل، كالنظام الديمقراطي، خطرا على إسرائيل ونظم الخليج.
إذا كان هناك ما نتعلمه من تجربتنا السورية، فهو حتمية التخلي عن هذين الوهمين، وضرورة العمل لبناء ميزان قوى داخلي، يقنع العالم بخيار التغيير المطلوب لسورية، مع العلم أننا لن نمتلكه، إن اقتصر على الديمقراطيين من جهة والإسلاميين من جهةٍ أخرى، ولم يضمّهما توافق تاريخي يفتتح السوريون بواسطته مرحلة ميثاقية من وجود دولتهم ومجتمعهم، ويطووا صفحة التناحر الديمقراطي الإسلامي، الذي ألحق ضررا فادحا بشعبهم قبل ثورته وبعدها، وهي التي تلاشت أو كادت، بسبب ما ترتب من تباين وخلافاتٍ مضمرةٍ وصريحةٍ على رهاناتهما المتعارضة، فإنْ لم يسارعا إلى معالجتها بصراحة ومسؤولية، ويصلا إلى توافقاتٍ حقيقيةٍ وملزمةٍ تتكفل بإزالتها، ظلت الأسدية قادرةً على كسر شوكتهما في ظل استمرار الفرقة بينهما، التي تحبط سعي أيٍّ منهما لإسقاط الأسدية، وإزاحة غريمه من الساحة في آن معا، وهذا استحالة يصاب من يعمل لتخطيها بالفشل والخسران، ولنا في فشل بعض الرهانات المتأسلمة عليه ما يكفي من عِبر!
السؤال الآن: لماذا لا تسارع نخبنا الديمقراطية والإسلامية إلى الخروج من شرانقها الخانقة، فتضع خلافاتها جانبا، وتتوافق على رؤيةٍ مشتركةٍ تستهدف إخراجها من نومها السياسي الشتوى، وإمدادها بما تحتاج إليه من وعي تشاركي، وردود فاعلة وواقعية على استبداد قاتل، يتلاعب بما تُنتجه انقساماتها بينها، لطالما مكّنته من شطرها إلى فئاتٍ متناحرة، حالت دون خروجها من عجزها الذي ساهم بدوره في الحؤول دون بلورة خطط وبرامج تنهض، بواسطتها، قيادة ثورية مشتركة، يجمعها هدف التخلص من الأسدية خيارا استراتيجيا يؤجل ما بينها من تبايناتٍ حول نمط حكم سورية القادمة، ويكبح ما بدا من ميلٍ إلى تباين دربيهما، واتساع الهوة بينهما، التي تناقضت نتائجها أشد التناقض مع تضحيات الشعب والمستوى الثوري الفريد الذي أبداه خلال حرب النظام ضده من جهة، وافتقاره إلى قيادة موحدة من جهة أخرى، خدم غيابها العدو الأسدي، وأدّى إلى نقيض ما راهنت الثورة عليه، وانخراط نخبها في صراعاتٍ حلت تدريجيا محل تناقضها العدائي مع الأسدية، وساهمت من جانبها بتشتيت صفوفها وقدراتها، وتبديد فرص بلوغ الحرية هدفا جامعا للسوريين.
من دون توافق تاريخي بين التيارين الديمقراطي والإسلامي، سنستمر في خوض معاركنا بأفكارٍ وممارساتٍ أدى فشلها بالأمس غير البعيد إلى سقوط العرب تحت الاستعمار، وقاد تجدّدها، بعد انهيار الرهان القومي الوحدوي، إلى إقصاء البديل الديمقراطي، على الرغم من إعلان قطاعات واسعة من التيار الإسلامي أنه خيارها، لكنها تقفز عن استحالة إسقاط الأسدية بجهودها المنفردة، مثلما تقفز قطاعاتٌ من التيار الديمقراطي، بدورها، عن استحالة إسقاط الاستبداد بقواها الذاتية وحدها. ومع ذلك، يتجاهل الطرفان هذه الحقيقية التي تفقأ العين، ويغلّبان خلافاتهما على أولوية هدفٍ يزعمان أنه هدفهما، فلا عجب إن بدّد موقفهما المشترك، أحدهما من الآخر، قواهما، وأصابهما باليأس، وأسلمهما للتخبط والارتجال، ولعب دوره في تهاوي تمرّد ثوري كان قابلا للترقية إلى ثورة، بعملهما المشترك، وما يستند إليه من توافق تاريخي، ووحدة شعبية، وقيادة ثورية.
يقول الحكيم الصيني صن تسو: إذا لم تكن قادرا على هزيمة عدوك، يكون عليك منعه من هزيمتك. إلى متى نتخلّى عن تغليب ما يوحّدنا على ما يفرّقنا، وما من شأنه إنزال الهزيمة بعدونا، بدل مساعدته على إنزال الهزيمة بنا؟!
العربي الجديد
————————-
عقدة المنشار السورية/ عبد الباسط عبد اللطيف
مرة أخرى تصل الأوضاع في سوريا إلى انسداد سياسي كامل، بعد أن باتت أعمال اللجنة الدستورية شبه متوقفة دون أن يُعلن ذلك ودون أن يُعلن أيضاً عن موعد جديد لدورة جديدة من مسلسل مماطلة نظام الأسد.
ومرة أخرى يكون السبب هو محاولة النظام التحايل والالتفاف على كل استحقاق أو مسار للحل وتفريغه من مضمونه.
وهذا ما حصل مع مهام المبعوثين الدوليين الواحد تلو الآخر، ثم ما حدث في مسار جنيف وجولاته المتعاقبة، وأخير اً في مسار اللجنة الدستورية.
وقد سبق وقلنا إن هدف النظام الواضح من هذا التعطيل المتعمد هو إلى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية في العام 2021، وفرض أمر واقع على الجميع مرة أخرى، وهو الهدف الذي يعمل عليه بينما يشتت جهود الآخرين في أماكن أخرى، وهذه الرغبة تلتقي مع ما يحرص عليه المجتمع الدولي من الظهور بمظهر الاهتمام بما يجري في سوريا وعدم التخلي عن الشعب السوري والسعي للحل وتقديم المبادرات حتى مع اليقين أنها مع هكذا نظام مضيعة للوقت والجهد، والسوريون وحدهم من يشعرون كيف يمر هذا الوقت.
وبمجرد بلوغ النظام هدف إجراء الانتخابات في العام القادم وإعلان بشار الأسد رئيساً لفترة رئاسية رابعة، نعود إلى نقطة الصفر من جديد ويصبح أي كلام عن الدستور وما يترتب عليه من استحقاقات من الماضي.
ومع هذا الانسداد السياسي بدأ النظام بالتصعيد باتجاه إدلب ذات الثلاث ملايين مهجَّر، والتي وإن كان لم يوقف اعتداءاته عليها يوماً، لكنه يصعد الآن بشكل واضح، ويأتي القصف على مدينة أريحا مقدمة كما يبدو لهذا التصعيد.
وهو بهذا إنما يهدف إلى لفت الانتباه عن المسار السياسي والتركيز على تطورات الميدان، ولعبة التناوب هذه بين الاعتداءات على المدنيين وابتزاز العالم بالعواقب الإنسانية، وبين المماطلة والتعطيل في الحل السياسي، هي إستراتيجيته الأساسية في البقاء لأطول فترة ممكنة.
وقد دفعت سوريا ولا زالت تدفع ثمناً غالياً من أرواح ودماء أبنائها وعذابات شعبها المشرد والمحاصر، وكل يوم يُمد فيه من عمر هذا النظام يعني المزيد من الضحايا والآلام، وبالطبع ما كان لهذه السياسة التي يمارسها النظام أن تستمر لولا غياب الرادع الحقيقي واكتفاء الدول بالتصريحات والمواقف الباهتة وانكفاء الولايات المتحدة وراء شعارات محاربة الإرهاب وتطبيق قانون قيصر.
كل ذلك إنما حمل في طياته ومنذ الأعوام 2014 و2015 الضوء الأخضر لحلفاء النظام الروس والإيرانيين للتدخل في الميدان العسكري لمنع سقوطه، وفي الميدان الاقتصادي لابتزازه ومنع انهياره وصولاً إلى محاولات إعادة تأهيله سياسياً التي يدفعون بها اليوم.
ومع أن المهمة شبه مستحيلة على حلفائه وغير ممكنة بالنسبة للآخرين لأسباب عديدة خاصة الذين يدركون أن هذا النظام قد اهترأ إلى درجة يصعب معها إعادة تدويره.
وحقيقة المشكلة أن الذين لديهم الرغبة أو المصلحة في إخراج سوريا الدولة من محنتها هم قلة، بينما المستفيدون من استمرار مأساتها كثر، هذا فقط سبب إطالة عمر النظام حتى اليوم، فاستمرار هذا النظام ولو على أجهزة الإنعاش الروسية الإيرانية يعني للمستفيدين استمرار وضمان لضعف سوريا الدولة، وغيابها عن مسرح الأحداث والتأثير في المنطقة التي يجري العمل على تمرير الأجندات فيها وفي مقدمة المشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتعويم “إسرائيل”.
وها هو المشهد يُرتب بحيث يظهر للعلن التخادم السياسي الإيراني الإسرائيلي من بوابة ترسيم الحدود الإسرائيلية اللبنانية تارة ومن دفع العراق لركوب قافلة التطبيع تارة أخرى.
وهنا تبقى للنظام مهمة أخيرة هي أن يبيع شعارات المقاومة والممانعة علناً هذه المرة بعد أن باع واشترى في الأرض والمواقف على مدى العقود السابقة.
عملية البيع وركوب قافلة التطبيع هذه أو بالأحرى الجري للحاق بها لن يكفي بالطبع لإعادة تدويره لكنه كفيل بمنحه ومنح المستفيدين من استمراره المزيد من الوقت.
عقدة المنشار السورية هي تأمين مصالح رعاة النظام والمستفيدين من بقائه قبل اتخاذ قرار رفع أجهزة الإنعاش عنه وإعلان موته المؤجل، فهؤلاء يدركون جيداً أن هذه المصالح تتنافى، بل وتتناقض، مع تطلعات السوريين وثورتهم وحلمهم بسوريا حرة ديمقراطية مستقلة، تقف في مكانها الطبيعي إلى جانب الحق الفلسطيني لا تبيع ولا تشتري فيه ولا تتخلى عنه.
تلفزيون سوريا
—————————–
حسابات النصر والهزيمة/ ميشيل كيلو
طُرحت أسئلة حول النصر والهزيمة مرارًا وتكرارًا، في السنوات الماضية، وكنتُ قد كتبت أوائل عام 2014 مقالة جعلت عنوانها: “ماذا لو هُزمت الثورة؟!” لفتُّ فيها الأنظار إلى أن هزيمتها واحدة من ممكنات واقعنا، وأنها ستكون حتمية، إذا لم يكن هناك إصلاح عميق للعمل الوطني، ولم يتم بناء وضع ذاتي حصين وفاعل في بعدَيه السياسي والعسكري؟
سأميّز، قبل الإجابة على المسألة المطروحة، بين مستويات ثلاثة تنسب نفسها إلى الثورة، هي:
– مستوى فصائلي، يضمّ من ينسبون أنفسهم دون دليل مقنع غالبًا إلى الجيش الحر، وفصائل إسلامية، وتنظيمات إرهابية.
– مستوى سياسي تمثيلي، يتكون من الائتلاف، والحكومة المؤقتة، وهيئتي تفاوض، إحداهما دولية المرجعية مكانها جنيف، والأخرى روسية-تركية-إيرانية، تحمل اسم مدينتي أستانا وسوتشي، فضلًا عن لجنة دستورية تصارع طواحين هواء.
– مستوى شعبي، يحتضن رهانات الثورة الأولى التي لا يجدها لدى المستويين الأول والثاني، بعد أن فشل ما قاما ويقومان به من أنشطة باسمها، في تحقيق أهدافها، أو في وضعها على طريق تحقيقها، بالرغم من توفر حاضنة شعبية واسعة لما تعلن تبنيه من أهداف ومطالب.
لو كانت الثورة ستقاس بـ “إنجازات” المستويين الأول والثاني؛ لكان علينا التسليم بأنه لن يكون بوسعهما تحقيق أي مطلب من مطالب الشعب، إذا بقيا على ما هما عليه من بنية وواقع وأداء، وأنهما ستخرجان خاليتي الوفاض من أي حل، لأسبابٍ عدة منها أن حصص وأنصبة المشاركين في الصراع على سورية وفيها قد وُزّعت قبل الوصول إليها، ويلاحظ ذلك كل من يلقي نظرة على أوضاع القوى المنخرطة في الشأن السوري، حيث استأثرت كل واحدة منها بمنطقة أو مناطق بعينها، يعطل استيلاؤها عليها الحلّ، أو ربما كان هو الحل إلى اشعار آخر. في هذا الواقع، من حق السوريين القول: إن فشل المستويين الفصائلي والتمثيلي يعادل فشل الثورة. إلا أن هناك ما يوحي بأن إخفاق النمط الفصائلي، والمعارضة التمثيلية، لن يعيد الشعب بالضرورة إلى ما كان فيه من إجرام أسدي.
وكان تقويض الرهان على بناء جيش سوري حر قد بدأ بتسليم المقدّم حسين الهرموش إلى مخابرات الأسد، أولًا لأنه رفض تسليح المدنيين، وأصرّ على بناء جيش وطني من العسكريين المنشقين عن الجيش الأسدي، والذين سينتسبون إليه تطويعًا أو تجنيدًا؛ وثانيًا لأنه رفض الفصائلية كنمط تنظيم للمقاومة المسلحة، وما شرع يترتب عليها من تفتيت طاقات الشعب، ومذهبة ثورته، وتنكر لمؤسسات تمثيله السياسية، ولأن أرباب الفصائلية كانوا قد أخذوا يعلنون تمسكهم بحل وحيد هو الحل العسكري، الذي يُسقط دور السياسة ومرجعيتها في الصراع، بالرغم مما نشب بين الفصائل من صراعات كثيرًا ما تحولت إلى اقتتال، والهزائم المتعاقبة التي نزلت بها ، وظهور عجزها عن مواجهة التدخلين الإيراني والروسي، والصمود أمام جيشيهما في ظل بنيتها وعلاقاتها البينية ونمط قياداتها، وافتقارها الدائم إلى خطط توحدها، وما غرقت فيه من مذهبية وأدلجة أمعنت في تمزيق الساحتين العسكرية والسياسية. وبما أن الفصائل ابتلعت الجيش الحر، أقرب تنظيمات المقاومة إلى أهداف ثورة الحرية، بينما اغتالت (داعش) و(النصرة) أو اعتقلت وحيّدت كوادره وضباطه؛ فإن التوازن العسكري مع جيشي روسيا وإيران، وميليشيا الأسد المعاد تنظيمها وتدريبها وتسليحها تحت إشراف الطرفين، ومع تنظيمات الإرهاب متعدد الجنسيات التي تدفقت على سورية بعشرات آلاف المرتزقة، غدا ضربًا من الاستحالة، خاصة بعد أن أخمد سلاحها الحراك الشعبي والمجتمعي، وفتته واحتجز طاقاته، وأخرجه من رهانات المقاومة، وقسم سورية إلى أشبار أخضعها لمجالس محلية خاضعة لسطوته، بأساليب استمدها غالبًا من ممارسات سفاح دمشق ودولته العميقة.
أسهمت الفصائلية، أيضًا، في محدودية وتهافت دور الائتلاف التمثيلي، وفي التلاشي المتزايد لقدرته على الحركة والتأثير، وعززت ميله المتعاظم إلى رؤية المسألة السورية بأعين الآخرين، وفشله حتى في التفكير بممارسة دوره، كقيادة ثورية ترى نفسها بدلالة الشعب ورهانات ثورة الحرية، فلا عجب أن أدت بنيته غير الوطنية، المخترقة والمتدنية السوية، إلى تماهي أدائه السياسي مع أداء الفصائل العسكري.
لو كان ما سيناله السوريون مرتبطًا بالفصائل والائتلاف، لخرجوا صفر اليدين من الحلّ، ولهُزمت ثورتهم. لكن نجاحهم في صنع معجزة الثورة، وتقديم الغالي والنفيس على دربها، وصمودهم البطولي ضد ما واجهوه من إرهاب لا حدود له، وتحمّلهم بكبرياء إنساني مهيب تبعات الكارثة التي أنزلتها الأسدية وروسيا وإيران بهم، أفشل جهود أعدائهم المكرّسة لتقويض ثورة الحرية وإخراجها من سياقها السياسي العميق: الوطني والإنساني، وأدى إلى تحطيم الأسدية، وجعل استمرارها أمرًا يتخطى قدراتها. هذا الانتصار، الذي أحرزه الشعب الثائر، كان سيحقق جميع أهدافه، لو لم تُبتلَ ثورته بفصائلية عسكرية وسياسية رفضتها كفعل حرية يقف اليوم في مواجهة روسيا وطهران.
لم يستسلم شعب الحرية. ويؤهله صموده الأسطوري لمواصلة نضاله، في حال بقاء السفاح في السلطة، أو إذا حاولت روسيا وإيران إعادة السوريين إلى نظام عبودية من نمط أسدي، خاصة أن فرص تحقيق أهدافه ستتعاظم خلال فترة تعطيل الحل الراهنة، بقدر ما يتم بناء جيش وطني حقيقي، يقوده حقًا ضباط وطنيون ممن التحقوا بالثورة ولم ينخرطوا في ألاعيب الفصائل، ويعمل على إنجاز إصلاح جدي مجرد عن الأهواء والبهلوانيات الشخصية التافهة، ويكون هدفه تحويل الائتلاف إلى مؤسسة عمل وطني يتفق في منطقاته ومساراته وأهدافه مع ما ثار الشعب من أجله!
مركز حرمون
——————————————–
“الائتلاف” المعارض يعلن تشكيل “مفوضية عليا للانتخابات”… والحريري: لا حلّ بوجود النظام المجرم/ هبة محمد
دمشق – «القدس العربي»: أصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، قراراً بإنشاء جسم تقني سياسي جديد بمسمى «المفوضية العليا للانتخابات» كخطوة تحضيرية للانتخابات الرئاسية السورية المقبلة، على أن تكلف المفوضية بتأمين البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء العملية تحت إشراف الأمم المتحدة ووفقاً لمقتضيات بيان جنيف رقم 1 والقرار الدولي رقم 2254.
ووفقاً للبيان الرسمي الصادر عن الائتلاف والذي تسلمت «القدس العربي» نسخة منه، فإن المفوضية الوطنية للانتخابات هي جسم فني مكلف المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها، معلناً في بيانه «أنه لا بديل عن هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، وأنه لا يمكن القبول أو المشاركة بأي انتخابات بوجود هذا النظام المجرم».
اللجنة تقنية وموجودة سابقاً
وستعمل المفوضية وفقاً للبيان في جميع المناطق التي يمكن الوصول إليها داخل سوريا من خلال آليات تشمل إنشاء كوادر وتدريب فرق متخصصة للعمل على كل القضايا المتصلة بالعملية الانتخابية، كما ستقوم المفوضية بتنظيم محاضرات وندوات توضح تفاصيل ومختلف جوانب الاستحقاق الانتخابي بين شرائح الشعب السوري، شرط توفر مقومات إجراء انتخابات نزيهة لا مكان فيها لرأس النظام وكبار رموزه.
كما أنها ستعمل على «التشبيك مع الكيانات السورية الثورية والمعارضة في جميع أنحاء العالم بما يساهم في تبادل الدعم وصولاً إلى ضمان انتخاب الممثلين الحقيقيين للشعب السوري، كما ستعمل على تعزيز مبدأ المشاركة والتعاون مع القوى الاجتماعية والمدنية والسياسية داخل البلاد وخارجها.
واعتبر الائتلاف الخطوة مهمة على طريق الحل السياسي «إلا أنها لن تكون كافية ما لم يتم اتخاذ موقف دولي جاد لإنهاء المشروع الإجرامي المستمر في سوريا والبدء بتحرك يستند إلى قرارات مجلس الأمن ويضمن تحقيق انتقال سياسي إلى نظام حكم رشيد يضمن حرية وكرامة المواطنين ويعمل على محاسبة المجرمين من جهة وعلى رعاية وتضميد جراح المتضررين والضحايا من جهة أخرى».
الخطوة التي اصطدمت بثورة غاضبة – في أوساط المعارضة – ضدها، وصفها مصدر واسع الاطلاع والمسؤولية بأنها «قديمة وغير مفاجئة، فهي لجنة تقنية موجودة ضمن هيئة التفاوض، أسوة بلجنة المعتقلين واللجنة القانونية واللجنة الإعلامية وأيضاً توجد اللجنة الانتخابية التي يترأسها عبد الأحد اسطيفو وهو حالياً عضو الهيئة السياسية للائتلاف ورئيس دائرته للعلاقات الخارجية، كما أنه منسق لجنة الانتخابات في هيئة التفاوض السورية، وعضو اللجنة الدستورية للأمم المتحدة».
اللجنة وفقاً للمصدر الخاص الذي تحدث لـ «القدس العربي» لديها ملفات ودراسات معمقة ولكنها لا تتخذ قرارها بشكل ذاتي، لكنها تهيئ تقنياً، بحكم أن القضية السورية قضية مدولة، في حال حدثت اتفاقيات معينة، وأحد أهم شروطها أنه لا يمكن لمرتكبي الجرائم ضد السوريين الترشح للانتخابات.
المسألة الانتخابية، وفقاً لتوضيح المصدر القائم على العملية السياسية، «لا يمكن أن تجري إلا ضمن بيئة آمنة ومحايدة لهذه الانتخابات، ولا يمكن أن تقام إلا بتطبيق القرارات الدولية كوننا ملتزمين بها، وأي انتخابات تجري دون إشراف الأمم المتحدة هي انتخابات لاغية وغير شرعية وهذا الأمر يعرفه الائتلاف والجميع وهي نقطة موضحة وغير خلافية، كما أنها جاءت في سياق مؤتمر روسيا لعودة اللاجئين والانتخابات وهناك استحقاقات قادمة في سوريا، أما من يريد الاصطياد فهذه مادة دسمة جاهزة لأن يساء فهمها» على حد قول المصدر الخاص.
الحريري: لا حل بوجود المجرم
ويضم قرار مجلس الأمن الدولي 2245 وبيان جنيف لعام 2012 في أحد بنوده المشاركة في الانتخابات لجميع السوريين بمن فيهم النازحون واللاجئون وجميع أبناء سوريا في الشتات، تحت إشراف الأمم المتحدة في بيئة آمنة ومحايدة على النحو المبين في قرار مجلس الأمن الدولي، وكذلك كل الاستحقاقات المتعلقة بتنفيذ الحل السياسي وتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات دون بشار الأسد، وفقاً لخطة السلال الأربع، وهو ما دفع الائتلاف لإنشاء مفوضية عليا للانتخابات استعداداً للمرحلة الانتقالية وما بعدها.
رئيس الائتلاف الوطني نصر الحريري أوضح على في تغريدة على موقع «تويتر» أنه «لا يمكن أن يكون هناك حل في سوريا بوجود المجرم بشار الأسد وأعوانه ولا يمكن للائتلاف ولا للشعب السوري في أغلبه المشاركة أو الاعتراف بانتخابات يشارك فيها هذا القاتل وتشكيل مفوضية الانتخابات يأتي ضمن جهود الاستعداد لتطبيق كل بنود بيان جنيف والقرار 2254 في مرحلة سوريا ما بعد الأسد».
كما أجاب رئيس اللجنة الدستورية هادي البحرة حول قبول الائتلاف والمعارضة المشاركة في انتخابات يشارك فيها بشار الأسد أو أحد أذرع النظام – في غرفة عبر تطبيق الواتس آب تجمع الصحافيين السوريين – بالقول إنه لا يمكن لدستور سوريا الجديد أن يسمح لمرتكبي جرائم الحرب، ان يكونوا من المؤهلين للترشح لأي منصب عام. دستور سوريا الجديد سيضمن تحقيق العدالة، و يستفيد من التجارب الدستورية السابقة منذ العام 1920 وضامناً لعدم تكرار المأساة السورية، مع أنظمة الحكم الاستبدادية واللاديمقراطية».
ردود مشككة
وأضاف «أن عمل وتفويض اللجنة الدستورية واضح وهو صياغة عملية الإصلاح الدستوري كاملة بما فيها دستور جديد يحقق تطلعات الشعب السوري التي ضحى من أجلها بهدف الانتقال إلى دولة المواطنة المتساوية دولة القانون التي تلتزم بالدستور، الذي يحقق الفصل المتوازن بين السلطات، ويمكن آليات الرقابة على تنفيذ الدستور والالتزام به، كما يكفل حقوق المواطنين ويصون كرامتهم، وضمن هذه الحقوق، حق المواطن بالترشح والانتخاب».
وأثار القرار زوبعة من الردود الرافضة له، حيث طالب نشطاء من الحراك الشعبي السوري وحقوقيون من محامين وقضاة الائتلاف بالعدول عن القرار، معتبرين أنه خدمة لانتخابات النظام، حيث أعلنت «هيئة القانونيين السوريين» في بيان الجمعة، رفضها قرار الائتلاف الوطني لقوى الثورة، القاضي بتشكيل «مفوضية عليا للانتخابات» معتبرة أنه خرق لبيان جنيف1 وتراتبية الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254.
محمد ابراهيم الحسن عقب على تغريدة الحريري بالقول «تحدث للشعب عن موضوع تشكيل مفوضية الانتخابات وهل تعني ترشح بشار الأسد وهل هناك ضمانات مكتوبة لعدم ترشحه أم هي خطوة لشرعنة انتخاباته لأنه سيفوز حينها وبإشراف دولي وإذا كان الأمر كذلك لماذا لا تصارحون الشعب بالإملاءات والضغوط الممارسة عليكم وممن؟ من الدول والجهات».
كما كتب قتيبة الشقران «أنت تستغبي السوريين أم ماذا؟ ما دام لا يمكن لأغلب الشعب المشاركة والاعتراف بانتخابات يشارك فيها بشار الأسد ما الداعي لتشكيل مفوضية لتمثيلكم؟ المشكلة في نظام الأسد لا في شخصه فقط ومشاركتكم تعطي الشرعية لبقاء النظام بغطاء الانتخابات المسرحية التي تمثلون فيها دوراً مستعاراً».
الناشط السياسي والحقوقي محمد سليمان دحلا اعتبر أن «مفوضية انتخابات بهذا الحجم إذا كانت في سياق 2254 فسيتم تشكيلها برعاية الأمم المتحدة وليس فقط بتيسير منها وهي بالضرورة ستتشكل من الطرفين، وأي حديث عن حل سياسي دون تشكيل هيئة حكم انتقالي أو أية صيغة تنقل لها السلطة لتقوم بتلك الإجراءات الدستورية والانتخابية هي قفز في الهواء إن لم نقل تفريط».
كما كتب المعارض باسل حفار أن قرار الائتلاف الوطني بتشكيل المفوضية العليا للانتخابات، في التوقيت الذي تبدأ فيه استعدادات الأسد للانتخابات الرئاسية التي يزعم عقدها في 2021 يمكن أن يُفهم على أنه «نوع من المجاراة أو الاعتراف المبكر بالانتخابات غير الشرعية لنظام الأسد واستجابة للضغوط والمسارات التي تحيد القرارات الدولية وتلتف عليها عبر المضي في عمليات انتخاب (سلة الانتخابات) والقفز على الخطوات الأساسية التي من المفترض القيام بها قبل الانتقال للانتخابات وفي مقدمتها تشكيل هيئة حكم انتقالي وتشكيل البيئة الآمنة التي تسمح بعودة السوريين ومشاركتهم في المشهد السياسي وفق أسس متفق عليه». وأضاف «من الضروري أن يتم توضيح السياق والهدف من تشكيل هذه الهيئة وفي هذا التوقيت، إلى جانب التأكيد على موقف الائتلاف من النظام ورئيس النظام والعملية الانتخابية التي ينوي النظام إجراءها».
خليفة: صراع على السلطة؟
المعارض السياسي درويش خليفة سمى الخطوة بالصراع على السلطة، وعقب يقول «لكل ثورة أهداف، أهمها يتلخص في أن تجد حلولاً لكل المشاكل السياسية والمعضلات الاجتماعية، وبهذا تستطيع إزالة آثار نظام الحكم السابق، وأن تكون قادرة على تطوير نظام دستوري يحافظ على مكتسباتها ومنجزاتها. وليس المشاركة مع النظام في دستورٍ وانتخابات مشتركة، وإلا علينا أن نسميها صراعاً على السلطة».
وأضاف «ما جاء في قرار الائتلاف السوري المعارض يتنافى مع ما خرجت من أجله ثورة الشعب السوري من حيث المطالبة بإسقاط النظام، بعد أن كانت الشعارات الأولى تنادي بوحدة سوريا وحرية شعبها وإصلاح مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد ولكن استخدام النظام للآلة العسكرية في قمع مطالب الشعب السوري الحقة أدى إلى التصعيد والمطالبة بالتدخل الدولي أسوة في الجماهيرية الليبية وإسقاط النظام بكافة أركانه وبالذات الركن الأمني الذي كان سبباً في بقاء النظام على رأس السلطة طيلة خمسين عاما في عهد «الأسدين».. ثم هناك ملاحظة أراها سبباً في استياء الشارع الثوري المعارض من القرار وما جاء فيها، ألا وهي «أهداف المفوضية» حيث تنص على: «تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية – من خلال ممثلها الشرعي – من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية رئاسية وبرلمانية ومحلية، وتهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي، وكأن المطلوب من مجتمع الثورة السورية ومناهضي النظام، تمكين ودعم فريق (ممثلها الشرعي) في المنافسة في الانتخابات المقبلة وفي تسلسل مراحلها».
القدس العربي»
————————–
الائتلاف ينشئ مفوضية للانتخابات..للمشاركة في انتخابات النظام؟
أعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إنشاء المفوضية العليا للانتخابات. واشترط أن تقوم بأعمالها بعد تأمين البيئة الآمنة والمحايدة، وفقاً لمقتضيات بيان جنيف-1 والقرار الدولي رقم 2254.
وحدّد الائتلاف في بيان، أهداف المفوضية الوطنية للانتخابات بتمكين قوى الثورة والمعارضة السورية -من خلال ممثلها الشرعي- من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية رئاسية وبرلمانية ومحلية، وتهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي.
وأضاف أن مهام المفوضية تتمثل ب”وضع الخطط والاستراتيجيات وتنفيذها، والتحضير للمشاركة في الاستحقاقات السياسية المقبلة، بما في ذلك الاستفتاء على مشروع الدستور. ونشر الوعي بأهمية المشاركة الفاعلة في الاستحقاقات الوطنية. وتعزيز مبدأ المشاركة الفاعلة من خلال الترشح والانتخاب”.
ومن مهام المفوضية أيضاً “تعزيز شرعية قوى الثورة والمعارضة السورية. وإيجاد الآليات الكفيلة بتحقيق أوسع مشاركة للسوريين في الداخل والخارج. والتعاون والتنسيق مع القوى الاجتماعية المدنية والسياسية في الداخل السوري بما فيها الموجودة في أماكن سيطرة النظام، وفي دول اللجوء والمهجر، عبر كل الطرق المتاحة، أو الوصول لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام”.
وستعمل المفوضية من خلال آليات عديدة على “تدريب كادر فني متفرغ، وفرق عمل في كافة محافظات الداخل السوري الممكن الوصول إليها، وفي دول اللجوء الأساسية التي يقيم فيها العدد الأكبر من السوريين، مثل تركيا والأردن ولبنان وألمانيا وفرنسا”.
كما ستعمل على “إجراء المحاضرات والندوات واللقاءات مع السوريين في أماكن وجودهم، أو
عبر وسائل التواصل. وتصميم الدعايات والإعالنات والتسجيلات المرئية والمسموعة والمقروءة ونشرها بين فئات الشعب السوري كافة. والتشبيك مع ودعم الكيانات التي تضّم الثائرين والمعارضين في دول الاغتراب واللجوء، بحيث تتمكن هذه الكيانات من دعم عمل الائتلاف في ملف الانتخابات وتمكنه من تمثيل الشعب السوري بشكل حقيقي”.
كما ستعمل على التواصل والتعاون مع الكيانات السياسية والمدنية الوطنية السورية في دول الاغتراب واللجوء للوصول إلى أكبر تمثيل ومشاركة للسوريين في العملية الانتخابية بكامل مفاصلها، بحسب البيان.
المدن
————————–
الائتلاف السوري يوقف عمل مفوضية الانتخابات بعد أيام من تشكيلها
عبد الرحمن خضر
أعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، اليوم الاثنين، إيقاف العمل بقرار إحداث مفوضية الانتخابات، وذلك بعد رفض واسع من الشارع المعارض للخطوة التي اعتبرها بمثابة إعطاء شرعية لبشار الأسد ونظامه في الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان القادم.
وقال رئيس الائتلاف نصر الحريري، في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”، إن “هذه الخطوة تأتي استجابةً لمطالبات عدد من القوى الثورية والشعبية، وحرصاً على وحدة الصف واحترام وجهات نظر السوريين”.
وأوضح أن الائتلاف سيجري المزيد من المشاورات مع القوى الثورية والسياسية للوصول إلى صيغة مناسبة، وأشار إلى أن “مهمة الائتلاف كانت وستبقى تمثيل السوريين والتعبير عن إرادتهم”.
استجابةً لمطالبات عدد من القوى الثورية والشعبية وحرصاً على وحدة الصف وعلى احترام وجهات نظر السوريين، فقد أوقفنا العمل بقرار إحداث مفوضية انتخابات، وسنجري المزيد من المشاورات مع القوى الثورية والسياسية للوصول إلى صيغة مناسبة.. كانت مهمتنا وستبقى تمثيل السوريين والتعبير عن إرادتهم.
— د.نصر الحريري (@Nasr_Hariri) November 23, 2020
ويوم الخميس الفائت، أعلن الائتلاف تشكيل مفوضية للانتخابات، وأشار بعد ذلك إلى أن إنشاءها “يأتي انسجاماً مع قرار مجلس الأمن الدولي 2245 وبيان جنيف لعام 2012، ولكي تكون كوادر الثورة السورية وقواها مستعدة لكامل الاستحقاقات المتعلقة بتنفيذ الحلّ السياسي وتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من دون الأسد”.
وأضاف في بيان أنه “لا بديل من هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، وأنه لا يمكن القبول أو المشاركة في أي انتخابات بوجود نظام بشار الأسد المجرم”.
وأكّد عضو الهيئة السياسية للائتلاف ياسر الفرحان، رفض الائتلاف لأي عملية انتخابية يشارك فيها الأسد، أو أي أحد من الضالعين بجرائم ضد الإنسانية من أركان حكمه.
وأشار في تصريحات نقلها موقع الائتلاف أن الائتلاف الوطني لن يعطي أي شرعية لانتخابات مقبلة في سورية قبل توفير البيئة الآمنة والمحايدة.
العربي الجديد
————————
مفوضية الانتخابات..الائتلاف يتراجع تحت الضغط
أعلن الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية إثر اجتماع الاثنين، إيقاف العمل بالقرار المتعلق بإنشاء المفوضية العليا للانتخابات، والذي أثار ضجة وانتقادات كثيرة.
وأضاف الائتلاف في بيان، أنه جرى تعليق القرار “إلى حين إجراء المزيد من المفاوضات مع القوى الثورية والسياسية بهدف الوصول إلى صيغة مناسبة”. وأكد التزامه بمواقفه الرافضة للمشاركة بأي انتخابات يشارك فيها بشار الأسد أو أي من المتورطين بجرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وشدد على أن أي عملية انتخابية في سوريا يجب أن تتم حسب محددات الانتقال السياسي المستند إلى بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن 2118 و2254 ووفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي تشمل سلطات الحكومة والرئاسة.
وكان مصدر من المعارضة السورية أبلغ “المدن” قبل الاجتماع، أن الائتلاف يتجه لإلغاء قرار إنشاء “المفوضية العليا للانتخابات”، وذلك تحت الضغط الشعبي الكبير، والانتقادات الكبيرة التي أثارها تشكيل المفوضية.
وأوضح المصدر أن “الهيئة السياسية” في الائتلاف، تعقد اجتماعاً، وغالباً سيتم التراجع عن القرار، وتشكيل لجنة لكتابة قرار جديد من دون لُبس. وأضوف أن الجدل الذي أثاره تشكيل المفوضية مردّه إلى الصياغة السيئة للقرار، حيث فُهم منه أن الائتلاف يتحضر للمشاركة في الانتخابات، بوجود رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وقال: “كان الهدف من المفوضية زيادة نشاط الائتلاف في الداخل السوري”، مشيراً إلى مساهمة التجاذبات داخل مكونات الائتلاف، في تأجيج موجة الغضب التي سادت أوساط المعارضة، فور الكشف عن تشكيل مفوضية الانتخابات.
وترددت أنباء غير مؤكدة، عن استياء أميركي من قرار الائتلاف، لكن المصدر نفى ذلك، مؤكداً أن الإدارة الأميركية راضية تماماً عن خطوة الائتلاف.
وكان الائتلاف قد أصدر قراراً بتشكيل “المفوضية العليا للانتخابات”، مؤكداً أنها ستقوم بأعمالها بعد تأمين البيئة الآمنة والمحايدة تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقا لمقتضيات بيان جنيف-1 والقرار الدولي رقم 2254.
المدن
———————–
======================
تحديث 24 تشرين الثاني 2020
———————————
هنيئاً للنظام السوري بائتلافه المعارض/ عمار ديوب
أصدر ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية قراراً، يوافق فيه على أيّة انتخابات “رئاسية أو برلمانية أو محلية” ستجري في سورية، أي على أيِّ انتخاباتٍ يجريها النظام الحالي، وأرفق قراره الثوري بأن المقصد منه “نشر الوعي” بأهمية الانتخابات، ولتمكين “الائتلاف” من أيّة منافسةٍ مستقبلية. وكي لا يبدو الأمر شرعنة لانتخابات النظام الرئاسية في العام 2021، أشار القرار إياه بأنه سيشترك بانتخاباتٍ، تتوفر فيها “بيئة آمنة، وتحت إشراف الأمم المتحدة ووفق بيان جنيف 1 والقرار 2254”. وبذلك يتوهم قادة الائتلاف “الفطاحل” استغباء الناس، وتبرئة ذمتهم، وأنهم ما زالوا على العهد معارضين للنظام وممثلين للثورة!
أولاً، كان القصد من تشكيل الائتلاف توسيع مشاركة القوى السياسية المعارضة، وبديلا عن المجلس الوطني السوري “المتطرف”، ولكنه، وبمضي الوقت، فقد كل أهميته، ولم يعد له دور ثوري، وأصبح قراره كاملاً بيد الأتراك، ويهيمن عليه الإخوان المسلمون بصفة خاصة، وهؤلاء كعادتهم، يدفعون شخصياتٍ سياسية لتتبوأ المناصب الأساسية. ومع الرئيس السابق للائتلاف، أنس العبدة، كان الأمر أكثر وضوحاً، فالرجل ليس إخوانياً حالياً، ولكنه ليس بعيداً عنهم. وهناك شائعة تؤكد أن “الإخوان” عادة ما يشكلون تنظيماتٍ رديفةً لهم، كي يصلوا إلى المؤسسات الحكومية أو المعارضة بأوسع تمثيلٍ، وهي قضيةٌ ليست مقتصرة عليهم، وهناك قوى سياسية كثيرة تفعل الشيء ذاته في العالم؛ لا يختلف الأمر مع رئيس الائتلاف الحالي، نصر الحريري، والقرار المتضمن تشكيل “المفوضية العليا للانتخابات”.
ثانياً، لم يلتفت قادة “الائتلاف” إلى الانتقادات التي وجهت لممارساتهم من قبل. وبسبب قلة الالتفات هذه، غادرته معظم القوى والشخصيات السياسية، ليصبح، كما سبقت الإشارة، إخوانياً، وهذا مثال سيئ للإخوان المسلمين في التعامل مع أطراف المعارضة الأخرى، ويمثل استبداداً، ليس بعيداً عن عقلية السلطة الحاكمة، وربما يعتقد الإخوان أنهم التنظيم الوحيد المعارض للنظام، والقادر على الشراكة معه كذلك، وهذا مضمون التسريبات أخيرا عن اجتماعاتٍ بين روسيا وتركيا، ويؤكد أن طبخة سياسية يعدُّ لها، بين الدولتين، مفادها تشكيل حكومة جديدة، من المعارضة والنظام، وبقيادة الرئيس بشار الأسد، وتتضمن السماح له بالترشّح مرة واحدة من جديد، ربما الأدق القول لحكم سورية سنوات جديدة. ويُنسب التسريب لفراس طلاس، وهو ينسجم مع كلام للرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خالد مشعل، ويوضح فيه أن الإخوان كانوا مستعدّين للشراكة مع النظام، لو قَبِلَ بهم في العام 2011، ولكنه رفض المقترح، وطرد “حماس” لاحقاً من سورية!
ثالثاً، يأتي قرار “الائتلاف” استجابة للتنسيق التركي الروسي، الهادف إلى إغلاق الطريق على سياسة أميركية جديدة، تهدف إلى إنهاء أي وجود لحزب العمال الكردستاني في شمال سورية، والتقريب بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحزب الديمقراطي (بي يي دي)، وبما يشكل معارضة جديدة، كردية وعربية، من “قسد” و”الائتلاف”، وتكون مرجعيتها القرارات الدولية، وتحديداً 2254، وحشر روسيا في زاويةٍ ضيقة. ربما ليس الأمر كذلك بالضبط، ولكن قرار “الائتلاف” يمثل موقفاً تركياً ولصالح التنسيق بين تركيا وروسيا، سيما أن الدولتين تسارعان الزمن قبل مجيء الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، والذي سياسته مختلفة عن سياسة سابقه ترامب، فيما يخص التشدّد إزاء كل من تركيا وروسيا، وبالتالي سيدعم “قسد”، وسيضغط على المعارضة لإقرار سياسة جديدة، تبتعد عن تركيا.
رابعاً، سيكون النظام الذي طالما رفض المعارضة المتشدّدة سعيداً بقرار “الائتلاف”، وسيفهمه كما هو بالضبط، وبعيداً عن تفسيرات بعض قادة “الائتلاف” القرار، وذلك بسبب الرفض القوي من المعارضة للقرار، أي استعداد “الائتلاف” للمشاركة في الانتخابات المقبلة، وبالتالي سيكون خطاب النظام أن المعارضة لم تعد تعترف بالثورة ضده، والأخيرة إرهاب فقط!، وأن المعارضة راغبة فقط في المشاركة السياسية، وهذا يتطلب عملية سياسية، تنظم العلاقة بين النظام و”الائتلاف”. والحقيقة هذا جوهر النقاشات المستمرة، وبدءاً من أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية. وأخيرا، مسألة الانتخابات كذلك، وبالتالي تهميش كل ما يخص المعارضة والثورة. و”الائتلاف” بذلك يتخلى عن أية اشتراطاتٍ كانت المعارضة تؤكدها، أي الإفراج عن المعتقلين مثلاً، أو عودة المهجرين، وسواهما.
وخامساً، سيكون مصير الانتخابات مثل نتائج مسار أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية، أي شطب “الائتلاف”، والإخوان المسلمين أيضا، ولكن مشكلة النظام أنه صار أداة بيد الروس، وهؤلاء لا يمكنهم السيطرة على سورية من دون تركيا، حيث تواجه روسيا أميركا وإيران وإسرائيل. ومن هنا حاولتُ تحليل مبرّرات إصدار ذلك القرار، وفيه تحفيز لروسيا بالضغط على النظام لقبوله، والسير في حلٍّ سياسي، يوضع على طاولة التفاوض، وتُجبَر أميركا عليه، أي تشكل حكومة مشتركة من “الائتلاف” والنظام، وبالتالي شطب “قسد”، وانسحاب الأميركان، والإيرانيين والأتراك كذلك.
سادساً، مسار روسيا الجديد هذا ليس مستساغاً من الأميركان. وتعمل المؤشرات الأميركية على تعزيز نفوذها في شمال سورية، وعدم تهميش الأكراد، بل وضم العرب إلى “قسد” بشكلٍ جاد. وهناك القواعد العسكرية الأميركية، والتي تأخذ صفة الديمومة أكثر فأكثر. مصلحة “الائتلاف” في العودة إلى استقلاليته، وبعيداً عن الضغوط التركية، والتي ترسم سياساتها وفقاً للتنسيق مع الروس. وبالتالي، يعمل “الائتلاف” مع النظام، عبر ذلك التنسيق. استقلاليته مرتبطة بخروج جسده الأساسي من تركيا، وهو ما أشير إليه بالذهاب إلى أوروبا من قبل. في سياق التنسيق التركي الروسي، ليس لـ “الائتلاف” أي وجود، وعكسه النظام، وإن كأداةٍ سياسية، حيث هو من شرعن وجود الروس، وهو من يضمن تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت معه. ولهذا الاعتبار بالذات، لن يتخلى عنه الروس أبداً، وبالتالي إجراء انتخابات 2021، وشرعنة الاتفاقيات، ستكون مسألة غير قابلة للتراجع عنها في المستقبل. ودور الائتلاف بالمشاركة في الانتخابات يكمن هنا، أي شرعنة الوجود الروسي.
سابعاً، تؤكد السياسة الأميركية، وقد وصلت سورية إلى رسم شبه نهائي للنفوذ، ضرورة العودة إلى القرارات الدولية، واعتبار “قسد” شريكة في أي مفاوضات مستقبلية، وهي تمثل مصالحها. وبالتالي، هناك ضرورة لتنسيق الجهود الدولية بين أميركا وتركيا وروسيا، فهل تتسع الرؤية الروسية الضيقة، وتبتعد عن أوهامها أن الأميركان سيغادرون سورية، وأن “قسد” سيتم شطبها!
هنيئاً للنظام بمعارضاتٍ كهذه؛ فكما هو قراره ليس بيده كذلك هي. أما أفق تسوية الوضع السوري، وبغياب السوريين، نظاماً ومعارضاتٍ، فمتعلق بالتوافقات بين تركيا وروسيا وأميركا أولاً، ثم إيران وإسرائيل، فهل اقتربت الطبخة السورية من الاستواء؟ مع الرئيس الأميركي المرتقب، جو بايدن، ربما ستكون هناك توافقات كبرى هنا وهناك. وقبل وصوله إلى الحكم، ربما تتحرّك روسيا، وتفرض حلاً سياسياً، تستقبله به حينما ينتقل إلى البيت الأبيض!
الاحتمالات بأكملها قابلة للتحقق، بما فيها احتمال غياب أي تغيير في السياسات الدولية إزاء الوضع السوري، وترسيخ مناطق النفوذ أكثر فأكثر، والخطورة أن يصل ذلك إلى مرحلةٍ يقارب فيها التقسيم، ولن يناله، ولكن ربما التفتيت، وهنا الطامة الكبرى.
العربي الجديد
————————–
الائتلاف معلِّماً الديموقراطية/ عمر قدور
كان يمكن لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” البقاء بلا قرار أو بيان، بلا نأمة على الإطلاق. هذه وصفة ليكون منسياً تماماً، فلا يُذكر على سبيل التندر في ألطف الصياغات، أو يُشتم بجدية من قبل البعض، بينما البعض الآخر يكاد يعتذر عن إنفاقه الشتيمة حيث لا طائل منها. أبى الائتلاف إلا أن يحرك المستنقع الراكد، فقرر إنشاء ما يُسمى “المفوضية العليا للانتخابات”، ليُتّهم “في غضون الشتائم” بأنه يمهد لمشاركة الأسد في الانتخابات المقبلة.
سارع الائتلاف إلى إصدار توضيح ينص على أن إنشاء مفوضية الانتخابات العتيدة استعدادٌ للمرحلة الانتقالية وما بعدها، وفشل التوضيح في إبعاده عن الشبهات، لا على صعيد الأفراد فحسب وإنما أيضاً على صعيد تنظيمات معارضة. إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، على سبيل المثال، أصدر بعد يومين من التوضيح بياناً يتهم الائتلاف بإنشاء المفوضية تلبية لإملاءات دول راعية، وضمن تفاهمات أستانة وسوتشي لا في سياق قرارات الأمم المتحدة، مع التنويه بأن ذلك كله ينزع عنه صفته التمثيلية لقوى الثورة والمعارضة. وأهمية البيان الأخير هي في وجود “إعلان دمشق” ضمن دهاليز المعارضة وسراديبها، وخبرته بألعابها منذ تشكيل المجلس الوطني، مما لا يبرئه من مسار المعارضة ككل.
هدف تشكيل مفوضية الانتخابات، بحسب قرار تشكيلها، هو تمكين قوى الثورة والمعارضة من المنافسة في أية انتخابات مستقبلية سورية، من خلال ممثلها الشرعي “أي الائتلاف”. الهدف الآخر تهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي، والمهمة الثانية والأخيرة من مهام المفوضية نشر الوعي بأهمية المشاركة الفاعلة في الاستحقاقات الوطنية.
إذاً، غاية الائتلاف من إنشاء المفوضية تثقيف الشارع السوري بمسائل الديموقراطية وما يتصل بها من تفرعات انتخابية، وأيضاً توعية الشارع بأهمية المشاركة الفاعلة، فلا يبقى مستنكفاً ولامبالياً. ننحي جانباً الهدف الأول وهو تمكين الائتلاف من المنافسة في الانتخابات المأمولة، لأنه شأن داخلي لا ادّعاء فيه حول تثقيف الشارع السوري، لنتوقف عند “تهيئة الشارع” و”نشر الوعي” بما لهذين الزعمين من صلة وثيقة بمسيرة الائتلاف نفسه!
منذ تشكيل الائتلاف، نُظر إليه كهيئة موجودة بقرار دولي لوراثة المجلس الوطني الذي هيمن عليه الإسلاميون، وكانت ظروف تأسيسه توحي باعتماده لسحب شرعية الأسد أو جزء منها. كتلة واسعة من السوريين الذين أيدوا الائتلاف، أو لم يكن لهم موقف سلبي منه، هذه الكتلة لم ترَ فيه تمثيلاً للسوريين بقدر ما هو تمثيل لقوى خارجية، لكن لا بأس بما أن القوى التي سعت لتأسيسه معوَّلٌ عليها لدعم القضية السورية. هذا المدخل ينقض تمثيل الائتلاف بالمعنى الديموقراطي، فهو لم يأتِ انتخاباً من قاعدة واسعة وإنما تلبية لرغبات خارجية. ومنذ المؤتمرات الانتخابية الأولى كان أثر الخارج طاغياً، فالتوازنات الخارجية أو غيابها هما الناخب الحقيقي، وهناك حوادث معروفة جداً استحال فيها اتفاق أعضاء المؤتمر ليتدخل مندوبو الدول الراعية بإيجاد الحلول أو فرضها، قبل انفراد أنقرة بالهيمنة على الائتلاف ومؤسساته.
مصيبة الائتلاف ليست في الارتهان لدول أو دولة ترعاه، هي في غياب الديموقراطية التي وحدها تمنحه صفة تمثيلية، وتجعل من علاقته بقوى الخارج سياسةً لا تبعية. أي أنه منذ تأسيسه لم يقدّم مثلاً ديموقراطياً واحداً يسند تشكيله مفوضية للانتخابات، مع الزعم بأنها ستعلّم وتشجع الشارع السوري على ممارستها. المثل الأخير الطازج كان في “الانتخابات” الأخيرة، عندما تبادل رئيس الائتلاف ورئيس الهيئة العليا للتفاوض مركزيهما بسلاسة قلّ نظيرها.
هناك حكومة مؤقتة تابعة للائتلاف، وهي تنشط باسمه في العديد من “المناطق المحررة”، حيث يُفترض أن يكون للائتلاف دور ما، لا على صعيد بعض الخدمات وإنما على صعيد إدارة المناطق. لكن، كما هو معلوم، لم يكن للائتلاف ذلك الدور في معظم تلك المناطق، والأسوأ أن العديد منها شهد انتهاكات من قبل القوى العسكرية المسيطرة مع صمت الائتلاف المطبق. لو قدّم الائتلاف نموذجاً عن الديموقراطية في أيّ من تلك المناطق لحَقَّ له زعم حيازته بعض الخبرة، وإذا كان عاجزاً عن التأثير على قادة تلك الفصائل فالعجز لا يعفيه من مسؤولية المطالبة بإدارة ديموقراطية، إذ ربما أحرج قليلاً أولئك العسكر أو داعميهم.
انتقاد إنشاء مفوضية الانتخابات على خلفية الشك في أنه تمهيد لمشاركة الأسد في انتخابات مقبلة هو أكثر الانتقادات تهافتاً حالياً، إذ من المعلوم أن الائتلاف سيمضي في المساومات وصولاً إلى التسوية التي يقررها الخارج، والتوقيت الحالي مع الانشغالات الأخرى للقوى الكبرى بعيد جداً عن التسوية والإعداد لها. التركيز على هذا الجانب يحابي الائتلاف بصرف الانتباه عن كون العلّة فيه ككل، ومن جهة أخرى ربما يظلم الائتلاف بتحميل قرار إنشاء المفوضية ما لا يحتمل بالضرورة، إذ ربما لم تكن هناك دوافع سياسية على الإطلاق وراء القرار، ربما كان الأمر إدارياً بحتاً، وربما كانت هناك حاجة لاستحداث هيئة ومنصب لإرضاء شخص ما أو عدة أشخاص، وهذا لا ضرر فيه ولا فائدة كما هو حال العديد من هيئات المعارضة.
الحملة على الائتلاف، وهي ليست الأولى، وعدم أخذ توضيحه على محمل الجد. كل ذلك قد يدفع إلى التساؤل عمّا يجب على الائتلاف فعله لتفادي ذلك السخط العام؟ الإجابة على هذا السؤال عويصة جداً، فالائتلاف مثقل بتاريخ شائن يجعله تلقائياً في موقع الاتهام، وتاريخ الأخطاء ذاك ليس تأريخاً، هو سياق انتهى إلى ما انتهى إليه الائتلاف بسياساته وأشخاصه، هو تاريخ حي متوالد لا يخلو من الاصطفاء بالمعنى السلبي للكلمة. هذا ليس رأياً شخصياً، نحن نقرأه بصياغة أو أخرى لدى كثر من مؤيدي الثورة أو المعارضة خارج سيطرة الأسد، وأيضاً لدى سوريين كثر تحت سيطرة الأسد يتمنون لو قدّمت المعارضة نموذجاً مغايراً يمنحهم قليلاً من الأمل. هؤلاء، في الداخل والخارج، هم نسبة معبّرة ومعتبرة من الشارع السوري الذي يريد الائتلاف تهيئته وتوعيته، ولسان حالهم لا يطالب الائتلاف بأكثر من البقاء بعيداً عنهم.
في أثناء كتابة هذه السطور ورد خبر، غير مؤكد بعد، عن نية الائتلاف التراجع عن إنشاء مفوضية الانتخابات جراء الاستياء العام. كأن الائتلاف يريد أن يسجّل بالتراجع فضيلة له، بينما لا يُستبعد أن يكون التراجع مناسبة أخرى للسخرية والنيل منه. كأن لسان الحال يقول: أما من ناصح يقنع هؤلاء بأن أفضل ما يفعلونه هو الصمت والتواري؟
المدن
———————
====================
تحديث 25 تشرين الثاني 2020
————————-
المعارضات السورية بين القول والفعل/ علي العبدالله
في فضاء المعارضات السورية دعوة هائمة إلى توحيد سياسي مدخلا إلى حجز موقع راسخ ووازن في معادلة الصراع، وعلى طاولة التفاوض بشأن مستقبل سورية، لضمان تحقيق مطالب ثورة الحرية والكرامة. وهذا يفتح على ضرورة التأسيس المنهجي والعقلاني للعملية، ويكشف، في الوقت نفسه، عن تواضع فرص النجاح في ضوء الشروط الذاتية التي تعكسها هذه المعارضات، في بنيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية وممارستها العملية.
تنطوي الدعوة العتيدة على وجاهة وحيوية لما يمكن أن تتيحه عملية التوحيد السياسي من فرص، للخروج من المستنقع الراهن ومآلاته السوداء؛ لكن موانع وعقبات كبيرة تحول دون تحقيقها. أولها، وأكثرها مأساوية، الداعون إليها أنفسهم، حيث الفجوة واسعة بين الدعوة النظرية والممارسة العملية التي تقود إلى تحويل الفكرة دعوة زائفة وخادعة، حتى لا نقول لعبة سياسية، هدفها تبرئة الذات وإلقاء اللوم والمسؤولية عن الحالة البائسة التي بلغتها المعارضات على الآخرين، فما يفعله معظم الدعاة لا يتعارض مع هذا الهدف النبيل: التوحيد السياسي فقط؛ بل ومع جملة الأهداف الوطنية التي قامت الثورة لتحقيقها، ويدّعي معظمهم الانتماء إليها والسعي إلى بلوغها، وأولها إقامة نظام ديمقراطي، قاعدته المواطنة، وهدفه الحرية والكرامة التي تترتب على تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، من دون تمييز أو تهميش أو إقصاء.
تتجسّد إشكالية الدعوة في التعارض الحاد بين مستدعيات التوحيد السياسي، نظريا وعمليا، وما يفعله معظم الدعاة بدءا من تشكيلهم كياناتٍ سياسية على أسس قومية ومحلية ودينية ومذهبية: التحالف العربي الديمقراطي في الجزيرة والفرات، أعلن عنه العرب السوريون، كما وصفوا أنفسهم، في الجزيرة والفرات، يوم 23/6/2020. حركة استقلال الجزيرة وحوض الفرات، أعلن عنها يوم 2/7/2020. جبهة السلام والحرية، أعلن عنها يوم 29/7/2020، المجلس السوري للتغيير في حوران، أعلن عنه يوم 1/11/2020.
اللجنة الوطنية المشتركة في الجنوب، تحت التأسيس. وتشكيلات تأسست على أسس قومية أو محلية ظهرت أخيرا كان سبقها قيام تشكيلات عديدة على أسس مماثلة، قومية ومحلية ودينية ومذهبية، بعد عقد مؤتمراتٍ سياسيةٍ وتجمعات هادرة، مثل: المجلس الوطني الكردي، أعلن عنه في 26/10/2011 في إربيل في العراق. الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، أعلن عن تشكيلها عام 2012، تحوّلت إلى نوع من حكم ذاتي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. منظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام، أعلن عنها عام 2013. مؤتمر كلنا سوريون للطائفة العلوية، عقد في القاهرة يوم 23/3/2013. تجمع ثوار المنطقة الشرقية، تشكل عام 2013 في دير الزور. رابطة سوريون مسيحيون ديمقراطيون، أعلن عنها عام 2014 في إسطنبول. الرقة تذبح بصمت، تأسست في إبريل/ نيسان 2014، حركة رجال الكرامة، أعلن عنها عام 2014 في السويداء. المجلس العربي في الجزيرة والفرات، تجمع سياسي اجتماعي لأبناء المنطقة الشرقية، أعلن عنه في القاهرة يوم 20/9/2017. الحركة الوطنية الديمقراطية السورية في الشمال، أعلن عنها عام 2018. وعشرات، إن لم يكن مئات، المواقع الإلكترونية التي تنشر نشاطات تشكيلات محلية وتروج لرؤاها السياسية.
وهذا، بالإضافة إلى المستوى الفردي من سلوك الدعاة، حيث يسود بين المعارضين، خصوصا بين متصدّري الصفوف الأولى، سلوك نافر من الفردية العالية وحب الذات والظهور والبحث عن النجومية، والدمج، بشكل مثير، بين شخصياتهم وآرائهم؛ ما يجعل نقد الرأي، بالنسبة لهم، بمثابة إهانة شخصية، وتقديس البيئة الخاصة، السياسية والاجتماعية. يلفت النظر، في هذا المجال، ما يكتبه معارضون عريقون عن أشخاص توفوا من جماعتهم السياسية أو تيارهم الفكري من مديح وثناء وتضخيم للمزايا الفردية والنضالية التي استغرقت عمر المتوفى كاملا، والتضحيات التي بذلها على طريق تحقيق الأهداف السياسية والحزبية، تُضخّم سلبيّتُها إطلاقيةً في الأحكام والفجور عند الاختلاف، حيث يتم القفز من الخلاف على رأي أو موقف إلى حكم قاطع باتر على شخص المخالف ومجموعته السياسية، والدخول في تحليل نياتٍ أكثر منه تحليل وقائع ومعطيات، خطوة يعتبرها علماء السياسة من المحرّمات والكبائر، والتحوّل من الخلاف حول رأي أو موقف إلى الإدانة الشاملة، فالخطأ في الرأي والموقف يتحوّل خيانة ومؤامرة. كلهم علماء في السياسة ومخطّطون استراتيجيون؛ ما قالوه هو الصواب بعينه، لم يرتكبوا أخطاء، سبقوا في كشف نقاط الضعف والخلل في مؤسسات المعارضة، ونبهوا منها، لكن كلامهم لم يُسمع، ما يعني أن صفحتهم بيضاء، والحق على الطليان، كما يقول المثل الشعبي. علما أن قسما كبيرا منهم لا يملك مؤهلات علمية أو سياسية، وأنهم حصلوا على مواقعهم في مؤسسات المعارضة بموجب حسابات وتوازنات إقليمية أو دولية، ولاعتبارات تخص الدول الداعمة. ما حوّل ساحات النضال ومؤسسات المعارضة إلى ساحةٍ لصراع ديكة أكثر منها فضاءات للعمل المشترك، المنظم والمخطط، والتعاون المثمر في جوٍّ من الود والأريحية، والتفهم للظروف والالتباسات التي قد تدفع فردا أو مجموعةً إلى سوء التقدير والخطأ؛ ما يفرض المرونة والتريّث في إطلاق الأحكام بين رفاق الدرب، وحصر الملاحظات في حدود موضوع الخلاف؛ وعدم توسيع دائرة النقد نحو التحطيم والتخوين.
للفيلسوف الهنغاري، جورج لوكاش، حكم معبّر حول الخلاف في الرأي أو الموقف داخل تيار ثوري، قال: “عندما يتحاور طرفان في تيار واحد حول نقطة خلافية، فالذي يسقط هو سوء الفهم، لا أي من المتحاورين”، فالنظرة الذاتية والمبيّتة والكيدية وصفة للتحطيم والدمار والفشل. وهذا من دون أن ننسى سعي كثيرين من هؤلاء الدعاة النهم إلى تحقيق منافع شخصية، عبر الارتباط بقوى إقليمية ودولية فاعلة في الملف السوري، وما رتبه هذا الارتباط على مؤسسات المعارضة من سلبياتٍ بتحويلها إلى ساحة صراع وتنافس بين خطط وبرامج قوى إقليمية ودولية، على حساب مصالح الشعب السوري وثورته المجيدة، وما نجم عنه من انعدام ثقةٍ عميق؛ وتنافس غير بريء؛ وحرب الجميع على الجميع؛ ومن حصاد سياسي مرّ وتبعاتٍ مدمّرة على الثورة وحاضنتها الشعبية. كيانات، ببنيتها السياسية والاجتماعية، وممارسات، بطبيعتها الذاتية الفجّة، تتناقض جوهريا مع الشعار “الأثير” إلى قلوب أصحاب الدعوة: المواطنة، تفتح على سياق مختلف، يقود، بالضرورة، إلى أحد حلين: المحاصصة السياسية، كان أعضاء في المجلس الوطني السوري من محافظة درعا طالبوا بمقاعد أكثر للمحافظة، بذريعة أنها مهد الثورة، أو الترهل والتشتت والتلاشي.
لقد باتت المعارضات السورية في حالةٍ من التعارض والتناقض الحادّين؛ حيث كل شخصٍ أو مجموعةٍ منها يسير في اتجاه، يعتبره الاتجاه الصحيح، ويسعى إلى جذب الآخرين للسير فيه، ما زجّها في مشهدٍ عبثيٍّ من التفاضل القاتل، تحسم إمكاناتها وقدراتها وجهودها ونجاحاتها من بعضها بعضا، بدلا من أن تتكامل وتتعاضد مع بعضها، فتزداد قوة على قوة. وأمام حالة الضياع والفوضى، لا بد من فترة هدوء ومراجعة ودراسة للواقع والاحتمالات والمخارج، وإعادة نظر في المنطلقات والخطط والممارسات، عملا بالحكمة البدوية “عندما تضيع في الصحراء اجلس في مكانك”.
العربي الجديد
———————–
هيئة انتخابات الائتلاف: المعارضة تنتصر على المعارضة/ عقيل حسين
لا أدري إن كان الدكتور نصر الحريري رئيس الائتلاف الوطني قد حضّر بشكل مسبق وتشاور مع زملائه قبل أن يعلن ظهر الثلاثاء، إلغاء قانون هيئة الانتخابات التي قرر الائتلاف تشكيلها يوم الخميس الماضي وأثارت جدلاً واسعاً.
ربما نعم، لكن بتقديري فإن هذا الإعلان عن إلغاء القانون كان انفعالياً، وما دفع الحريري للتصريح به في المؤتمر الصحفي الذي عقده عبر الإنترنت للحديث حول هذا الموضوع أن معظم الزملاء طرحوا ملاحظات وإشارات تعجب واستفهام لم تفد كل تفسيرات رئيس الائتلاف في الإجابات عنها.
خلال المؤتمر كان الحريري مقتنعاً تماماً بتشكيل هيئة الانتخابات وقدم دفاعاً قوياً عنها يوضح أهمية الخطوة وضرورتها بالنسبة للثورة والمعارضة، وأنها لا تتعلق فقط بتهيئة الكوادر والبنية التحتية لخوض انتخابات على المستوى الوطني بعد الوصول لحل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن وبيان جنيف، بل وأيضاً لتنظيم انتخابات في المناطق الخاضعة لإدارة الحكومة المؤقتة تشمل المجالس المحلية والائتلاف ذاته.
وفق هذه القناعة التي بدا عليها رئيس الائتلاف، وبناء على مبررات اتخاذ القرار، وبعد توضيحات المسؤولين فيه وتفسيراتهم له، والاعتذار عن سوء صياغة القانون والتراجع عن البنود الملتسبة به، فإن إعلان إلغاء قانون تشكيل هيئة الانتخابات بالشكل الذي تم عليه، في مؤتمر صحفي ودون الرجوع للمؤسسة قد لا يحل المشكلة وقد يحلها، لكن على حساب الحاجة والضرورة.
مبدئياً فإن على الائتلاف أن يدفع ثمن هذا التخبط والارتباك الذي رافق عملية إعداد وإقرار قانون تشكيل هيئة الانتخابات، لكن أن يتخلى الائتلاف عن واجب يرى هو ذاته أنه ضرورة وحاجة لا يمكن للمعارضة ألا أن تقوم بهما فهو خطأ جديد وتهرب من تحمل مسؤولية الخطأ الأول.
فمن وجهة نظري يعتبر تشكيل مؤسسة معنية بالتحضير للانتخابات وما يتطلبه ذلك من جهود كبيرة على صعيد الإحصاء السكاني والسجل المدني وتجهيز الكوادر وتدريبها أمر ضروري بالفعل، سواء تعلق ذلك بأي انتخابات على الصعيد الوطني يتم إقرارها وفق محددات العملية السياسية المبنية على القرارات الدولية، أو بتنظيم انتخابات داخلية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بل ولا أشك بما قاله الحريري نفسه عن أن معظم من نوقش بهذه الخطوة من المعارضين والثوار لم يتردد بالتأكيد على أهميتها، لكن المشكلة كانت، كما اتفق الجميع، في الصياغة التي تم عليها القانون والتي أوحت بأنه اتخذ استعداداً للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي ينوي النظام إقامتها منتصف العام المقبل.
لكن لماذا لم يقتنع كثيرون ممن هاجموا القرار وشنوا حملة قوية ضد الائتلاف بعد الإعلان عنه بوجهة نظر الائتلاف رغم كل التوضيحات التي صدرت والتفسيرات التي قدمت؟!
سؤال ررده نصر الحريري مرات أمام الصحفيين الذين حضروا المؤتمر الصحفي المخصص لمناقشة هذا الملف، وكان واضحاً أن الإجابة الوحيدة التي لديه هي الخصومة السياسية والحزبية وربما الشخصية، بينما الواقع يقول إنه رغم وجود هذا الدافع بالفعل عند البعض، لكنه ليس دافع كل المنتقدين والمهاجمين، فكثيرون لا تربطهم بأي من أعضاء الائتلاف علاقة شخصية أو حتى معرفة مسبقة، كما أنهم ليسوا جزءا من أي تشكيل حزبي أو جماعة سياسية، لكنهم وجدوا أنفسهم معنيين في إسقاط هذا القانون خشية أن يكون مقدمة للمشاركة في انتخابات النظام القادمة، والقول إنه كيف أمكن التفكير بأن الائتلاف يمكن أن يقوم بهذه الخطوة (أي المشاركة في انتخابات بشار الأسد جزء منها) ليس له صبغة قانونية وليس من العمل المؤسساتي بشيء، فالقانون هو ما يبنى عليه لا النوايا، وتجارب السوريين مع التنازلات التي قدمتها المعارضة، سواء منها الضرورية أو المجانية جعلت من الانتفاضة ضد هذه الخطوة الملتبسة فرض عين عند الغالبية.
إن ما حصل خلال خمسة أيام بين اتخاذ القرار وإلغائه كاد أن يأتي على ثمار ثلاثة أشهر من الجهود والخطوات الإيجابية التي بذلها الائتلاف من أجل إصلاح المؤسسة وتطوير عملها، هذه الجهود التي توجت بافتتاح مقر رئيسي له في الداخل وعقد اجتماعات الهيئة العامة الأخيرة شمال حلب، لكن مما يحسب لنصر الحريري وفريقه أنهم تفاعلوا مع الغضب الشعبي والسياسي بشكل إيجابي ولم يتجاهلوا ردود الفعل في اللحظة الأخيرة، رغم تمسكهم بالقرار حتى آخر نفس.
ما سبق يؤكد على أن الانتصار الحقيقي لقوى المعارضة وقادتها وأحزابها ليس في ما يحققه كل منها من نقاط على حساب الآخر، ولا في إسقاط المنافس أو الخصم، وليس في التمسك بوجهة النظر أو التعنت بالرأي، بل في الانتصار لإرادة الجماهير والخضوع لها دون التفريط بالواجب أو التهرب من المسؤوليات، وأن الإنجاز الحقيقي لا يكون بالتمسك بالائتلاف أو تقويضه، ولا بالإصرار على قانون يصدر أو بإلغائه، بل في العمل على تلبية إرادة الشعب واحترامها.
تلفزيون سوريا
————————
الائتلاف السوري.. موت الشرعية/ بهاء العوام
إعلان الائتلاف السوري نيّته تأسيس هيئة عليا للانتخابات كان بمثابة استطلاع للرأي حول أدائه كممثل للمعارضة منذ سنوات. والنتيجة كانت أن هذه “المؤسسة” لم تعد تمثل إلا ذلك التيار الذي انقلب على النظام طمعا في السلطة وليس أي شيء آخر. هؤلاء الذين لا يختلفون عن “أسود” دمشق إلا بأنهم يرون أنفسهم أحق بالحكم لأسباب مختلفة، ولكن لا توجد بينها مبررات وطنية أو سورية إن جاز التعبير.
ولم تنقذ الهيئة تلك المسوغات التي ساقتها في الاستعداد لمرحلة تحتاج البلاد فيها إلى هيئة تقود الاستحقاقات الانتخابية بعد تطبيق القرارات الدولية في التغيير السياسي المنشود، وذلك لأن المعارضة والمعارضين يعرفون أن التغيير لن يحدث في سوريا إلا بعد رحيل بشار الأسد عن السلطة، وأن المشكلة لا تكمن في الجسد الذي يشرف على عمليات الاقتراع، وإنما في مناخ الحرية الذي تحتاجه هذه العمليات.
فقط من يريد مشاركة الأسد في السلطة هو من يستعجل تشكيل هيئة الانتخابات. من يبحث عن إرضاء حكومات تنفق عليه وأنظمة تدعمه لمصالحها السياسية، هو من لم يعد يرى حلاً للأزمة إلا بتقاسم الحكم مع “الأسود”. من أدرك أن معارضته فقدت رصيدها الشعبي، وبات تمثيله مزيّفاً لمن قرروا القطيعة مع البلاد حتى يسقط النظام، هو فقط من يبحث عن مخارج لمأزق فشله في تحريك الأزمة قيد أنملة.
صحيح أن كثيرين جداً فقدوا الأمل بأن يوماً قريباً ما سيقتنع العالم فيه أن بقاء الأسد هو أس الفوضى والقلق في سوريا والمنطقة ككل. وصحيح أيضاً أن كل الدول التي ادعت صداقة الشعب السوري، إما انقلبت عليه أو أهملت أزمته لنحو عشر سنوات مضت حتى الآن. ولكن ذلك لا يعني بأي حال، أن النهاية سيكتبها حلفاء دمشق وكأن شيئا لم يكن، وأن سلالة الأسد ستواصل توارث السلطة في البلاد إلى الأبد.
نعم، يجب أن تمارس مؤسسات المعارضة الواقعية السياسية في التعاطي مع الأزمة، ولكن ذلك يكون بتدوير الزوايا وتقديم ملفات على أخرى، وليس بالتنازل عن الجوهري والبديهي في الأزمة، وهو بالحد الأدنى أن الجمهورية السورية الجديدة لن تقبل ببقاء عائلة الأسد على رأس السلطة مهما كانت الكلفة وطال الانتظار.
هو ليس أمراً يستحيل قبوله من قبل الدول المعنية بالأزمة السورية، بمن فيها حلفاء الأسد. ولئن كانت الطروحات البديلة من قبيل تحويل الدولة إلى إمارة إسلامية، أو تقسيمها إلى كيانات كردية وسنية ومسيحية.. إلخ، أو تعميم حالة انتقامية مستمرة من طائفة أو فئة قد تغرق البلاد في دموية لا تنتهي، فإن النتيجة ستكون تمسك الجميع بنظام دمشق بوصفه حاميا للأقليات وحريصا على “علمانية” الدولة ووحدة أراضيها.
ولا نذيع سراً بالقول إن الائتلاف السوري غرق في تنفيذ الأجندة التركية في أزمة بلاده. وسواء كان ذلك تأمراً من بعض أصحاب النفوذ فيه، أو رغما عن المستضعفين في هذا الكيان المشوه، فإن الائتلاف لم يعد ممثلا للمعارضة بصيغتها الصرفة التي ولدت مع الثورة الشعبية عام 2011. وهي الصيغة التي كان ولا يزال يراهن عليها السوريون لإحداث التغيير في البلاد، وليس لاستبدال الأسد بنصر الحريري.
قد يقول قائل إن الأسماء في هذه المرحلة لا تهمّ والتغيير فقط هو المطلوب. ولكن هذا التفاف على الهدف المتمثل في الوصول إلى دولة يمكن أن يختار فيها السوريون رئيسهم وحكومتهم وبرلمانهم استنادا على معايير ديمقراطية وبرامج انتخابية، ومن يأخذ على عاتقه أن يوصل البلاد إلى هذه المرحلة، يجب ألا يترشح لأي منصب حكومي إلا بعد حين، وضمن شروط تضمن تكافؤ الفرص وعدالتها بينه وبين غيره.
ثمة تقارير صحافية وتسريبات فيسبوكية تتحدث عن محاولة رئيس الائتلاف نصر الحريري، الاتفاق مع الروس على ترشحه مقابل بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية القادمة. لا يبدو الأمر مستحيلا في سياق حالة العجز التي يعيشها هذا الجسد “المعارض” الهزيل، وكل هذه الإعلانات المتدفقة لأنشطة الحريري في مناطق سيطرة جبهة النصرة وأخواتها في محافظة إدلب وغيرها من مناطق شمال غرب سوريا.
لقد فشل الحريري في إحداث أي تقدم في مسار حلحلة الأزمة تحت مظلة الأمم المتحدة. كما أخفق، هو وجماعته، في خلق صيغة بديلة للعيش في مناطق سيطرة “المعارضة” تقنع الغرب والشرق بإمكانية الرهان على الائتلاف كممثل حقيقي للشعب السوري. نصف الفشل يتحمّله الظرف الدولي المرافق للأزمة منذ سنوات، والآخر يتحمله الحريري وصقور الائتلاف الذين همّشوا أصوات وطنية حقيقية في المعارضة.
اليوم بدل أن يخرج الحريري إلى السوريين معلنا استقالته بسبب عجزه عن إتمام المهمة التي أوكلت إليه، ويكشف تلك الأسرار التركية والغربية والعربية التي تقف وراء استعصاء الأزمة على الحل حتى الآن، يمضي باتجاه إحداث هيئة للانتخابات استعدادا لمرحلة مقبلة لن يراها السوريون طالما بقي هو وأمثاله، يعتقدون أن التغيير المنشود لا يحتاج إلا إلى إرفاق عبارة “الأسد المجرم” مع كل بيان صحافي للائتلاف.
على مدار عقد من الزمن، مر على الائتلاف السوري العديد من السياسيين الذين تنحوا عندما اكتشفوا صعوبة تغيير المواقف الغربية والعربية من الأزمة في مرحلة من المراحل، وأدركوا أن صقور جماعة الإخوان وشبيهاتها، هم من يديرون الدفة فعليا في ذلك التكتل الذي تتحكم فيه تركيا، تماما كما تتحكم روسيا وإيران في نظام دمشق. مع فارق أن حلفاء الأسد أكثر وفاء من أنقرة التي حوّلت المعارضين إلى مرتزقة.
صحيح أن المنسحبين من الائتلاف خلال السنوات الماضية، عجزوا عن تغييره وتغيير دفة التعامل الدولي مع الأزمة السورية، لذلك آثروا التخلي عن التمثيل الرسمي للمعارضة. ولكن ذلك لا يدينهم بقدر ما يدين هؤلاء الذين أرادوا أن تبقى معارضتهم في حدود الإقامة في الفنادق الفاخرة والظهور على شاشات الإعلام، حتى تحين ساعة التسويات والمصالحات مع النظام، فيقطفوا من خلالها وزارة هنا أو منصباً هناك.
لقد حان وقت تجاوز السوريين للائتلاف ممثلا لمعارضتهم وثورتهم، تماماً كما تجاوزوا النظام ممثلا لهم ولدولتهم. لن يفيد تراجع الحريري وزمرته عن خططهم الفجة والفاشلة في تقاسم السلطة مع “الأسود”. ما يجهله هؤلاء أن السوريين ملوا من التسويف الدولي لأزمتهم، وضاقوا ذرعا بكل هذا التهميش لقضيتهم من الغرب والعرب، ولكنهم لم ولن يقبلوا بحلول ممسوخة تلغي حقهم في تغيير النظام. لا يعاني السوريون نقصاً في العقول القادرة على مواصلة الطريق نحو هدفهم في استرداد دولتهم من الطغاة، والسنون زادتهم إصرارا، كما زادتهم واقعية وقبولاً لتدوير الزوايا من أجل تحقيق ذلك. هم لا يرفضون تقديم التنازلات ولكن جميع الطرق يجب أن تؤدي إلى انتهاء حقبة “الأسود”.
صحافي سوري
العرب
————————–
متى يعيد الائتلاف الوطني السوري تعريف نفسه؟/ عبد الوهاب عاصي
منذ وصول نصر الحريري إلى رئاسة الائتلاف الوطني السوري، بموجب انتخابات الهيئة العامة بدورتها الـ 51، بدأ بجملة من الإجراءات تهدف إلى إنهاء حالة الجمود أو العطالة السياسية التي تمر بها هذه المؤسسة على مستوى التمثيل والرؤية وآليات العمل والتعاون والاستقلاليّة والاستحقاق الانتخابي والحوكمة.
وخلال فترة تزيد بقليل عن 4 أشهر قام نصر الحريري بتشكيل اللجنة السورية – التركية في 24 تموز/ يوليو، وإنشاء لجنة الحوار الوطني، وإقرار وثيقة الخطاب الوطني في 17 أيلول/ سبتمبر، والاستعداد لنقل ممثلية الائتلاف الوطني من تركيا إلى سوريا بعقد الدورة 53 للهيئة العامة في اعزاز لأول مرة، وتشكيل مفوضية وطنية للانتخابات في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر.
لكن هناك ما يدعو للتشكيك بوجود نوايا جادة لدى رئاسة الائتلاف الوطني والهيئة السياسية للدخول في مسار يقضي بتفعيل خطة للإصلاح، وأنّ تلك الإجراءات المتخذة تهدف بالدرجة الأولى لاحتواء نشاط القوى السياسية والمدنية التي قد تشكّل مصدر تهديد مستقبلاً لدوره ومكانته في الوقت الذي يسعى فيه لإعادة إنتاج نفسه كممثل لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وعليه، يأمل الائتلاف الوطني بأن تساهم اللقاءات التشاورية مع الكيانات السياسية والفعاليات المدنية بالتسويق لوجود رغبة في الإصلاح، عبر فتح مسارات للحوار تساهم في تحديد وتأطير العلاقة معه، لكن دون وجود رؤية واضحة تتعلّق بعملية التوسعة والتمثيل وبتجاوز أيّ نقاش يتطرّق إلى إعادة صياغة النظام الداخلي كشرط مسبق.
افتقرت الإجراءات التي اتخذها الائتلاف الوطني إلى الشفافية، فلا يُمكن الاكتفاء بتقديم الوعود حول الرؤية وخطة العمل المستقبلية، أو تقديم استعراض إخباري لوثيقة الخطاب الوطني دون عرضها كاملة. هذا عدا عن غياب المصداقية، إذ لا يُمكن الدعوة إلى تشكيل مفوضية للانتخابات تقوم، في أحد مهامها، على تنظيم محاضرات وندوات توعية عن الاستحقاق الانتخابي، في الوقت الذي تعتمد به انتخابات الهيئة العامة لديه على مبدأ المحاصصة.
لقد تحوّل الائتلاف الوطني السوري خلال السنوات السابقة إلى نموذج حزبي مغلق من حيث التمثيل والأداء وحتى الخطاب، ولا بدّ أنّ لديه مخاوف من أن تتسبب أيّة توسعة شاملة في صفوفه بتقليص الامتيازات التي يحظى بها أعضاؤه، والقائمة على المكانة بالدرجة الأولى، لكنّه أيضاً قد يفقدها في حال استمرّ تواصل الكيانات السياسية والفعاليات المدنية فيما بينها على نحو وثيق، بما قد يؤسس للدعوة إلى إعادة النظر في الصفة والدور اللذين يشغلهما الائتلاف.
خصوصاً وأنّ الدافع الذي تم تأسيس الائتلاف الوطني السوري بموجبه في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، لم يعد موجوداً، فلا هو التزم بتطبيق البنود الاثني عشر التي تم الاتفاق عليها، ولا هو قادر على الاحتفاظ باحتكار صفة الممثل الوحيد للقوى الوطنية والمعارضة، فهيئة التفاوض السورية منذ تأسيسها عام 2017، لم تلتزم بالوظيفة الأساسية التي تشكّلت على أساسها، وهي تمثيل المعارضة في مباحثات العمليّة السياسيّة، بل عملت على مزاحمة الائتلاف في مهام التمثيل الخارجي وتصدير المواقف السياسيّة وغيرها.
نظريّاً، تبدو خيارات الائتلاف الوطني السوري واسعة؛ لكنّها مرتبطة بمدى قدرته على الاستجابة لمطالب الإصلاح ومستوى الجرأة في اتخاذ القرار، وإلّا فإنّ مساعي إعادة إنتاج نفسه كممثل لقوى الثورة والمعارضة السورية قد تواجه انسداداً في ظل غياب الجدية والمصداقية والشفافية.
يستطيع الائتلاف الوطني الاستمرار في كسب الوقت وتقديم الوعود للكيانات السياسية والفعاليات المدنية، لكنّه لا يضمن أن تحافظ هذه السياسة على قدرته في التأثير على اتجاهات وأنشطة تلك القوى، في ظل التآكل المستمر للثقة المتبادلة، والدعوة بين الفترة والأخرى لتشكيل بديل عبر مؤتمر وطني عام.
وإذا كان الائتلاف الوطني جاداً في الإصلاح، ومتخوفاً بنفس الوقت من نتائجه، فلا يُمكن الاعتماد على مجرد إجراءات تهدف بالدرجة الأولى لاحتواء القوى السياسية والمدنية والرأي العام، ولا بدّ له أن يقود بنفسه الدعوة إلى مؤتمر عام يشمل إعلان نظام داخلي جديد بما يعيد تعريف دور وصفة وطبيعة هذه المؤسسة، سواءً كممثلية سياسية أو برلمان تمثيلي.
أمّا حفاظ الائتلاف على واقعه دون تغييرات جذرية، سيقود تباعاً إلى قبوله بوقائع جديدة تفرضها الظروف الداخلية والخارجية، مثلما حصل حين اضطر للقبول بالتنازل عن ملف مباحثات العملية السياسية لصالح هيئة المفاوضات السورية، بحيث يصبح إحدى منصات المعارضة السورية التي تمتلك حق التمثيل والمشاركة، على غرار منصات أخرى كالقاهرة وموسكو، أو يصبح حزباً سياسياً كبقية أحزاب المعارضة السورية.
عموماً، إنّ استمرار التعاطي دون مسؤولية من قبل الائتلاف الوطني مع جملة التحديات التي تواجهه، لن يؤدي إلى اقتصار النتائج والتأثير فقط هذه المؤسسة؛ من ناحية خسارة السقف الذي يأمل بتحقيقه أو الحفاظ عليه، بل قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في العملية السياسية، مما قد يدعو للتساؤل دائماً بإلحاح متى يعيد الائتلاف الوطني السوري تعريف نفسه؟
تلفزيون سوريا
——————–
نصر الحريري:أي انتخابات قبل الحل السياسي غير شرعية
قال رئيس الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري الثلاثاء، إن الانتخابات الوحيدة التي يمكن أن يشارك بها الائتلاف هي التي ستأتي بعد تطبيق الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، مشدداً على أنه “لا يمكن المشاركة في أي انتخابات أخرى يجريها النظام السوري”.
وطالب الحريري في مؤتمر صحافي، المجتمع الدولي بالعمل على منع النظام من إجراء انتخابات وعدم الاكتفاء بنقدها فقط. وأشار إلى أن القرار الأممي “2254 فيه أربعة عناصر أساسية لا يمكن التخلي عنها وقوى الثورة والمعارضة تقوم بالتحضير لكل هذه الملفات. وعلى رأسها ملفات المعتقلين وهيئة الحكم الانتقالي والحكم غير الطائفي والدستور”.
وأكد أن “الانتخابات ذات المصداقية هي الانتخابات التي تأتي في سياق ما بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وصياغة دستور جديد للبلاد برعاية الأمم المتحدة، وأي انتخابات عكس ذلك سواء التي جرت سابقاً أو التي ستجري فهي غير شرعية لا تهم السوريين ولا يمكن لأحد أن يشارك بها أو يعترف بنتائجها”.
وتابع الحريري: “إذا ذهب النظام في انتخابات مقبلة فعلينا المضي مع المجتمع الدولي من أجل رفع الشرعية عنه وعدم السماح له بالحديث بلسان السوريين في المحافل الدولية”.
من جهة ثانية، قال إن على المعارضة العمل في “شمال وشمال غرب سوريا من أجل إيجاد حكومة مركزية في هذه المنطقة”. كما أكد ضرورة العمل من أجل “السكان في هذه المنطقة وعددهم يقارب 5 ملايين” فضلاً عن “ملايين السوريين في بلدان اللجوء”.
وشدد على أنه يجب “استجماع كل عوامل القوة والضغط مع المجتمع الدولي من أجل محاسبة النظام ومرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعلى رأسها قانون قيصر”.
وكان الائتلاف السوري المعارض قد أعلن، أمس، قراره بإيقاف العمل على تشكيل مفوضية الانتخابات وذلك استجابة للمطالبات من قوى ثورية وشعبية وحرصاً على وحدة الصف وعلى احترام وجهات نظر السوريين”.
وحول ذلك قال الحريري إن “النص لم يكن متيناً ولم يكن يعني أبداً أن الائتلاف سيُجري انتخابات مع النظام المجرم أو أنه سيعطي النظام غطاءً شرعياً للتغطية على جرائمه”. تابع: “لقد استقبلنا الكثير من الملاحظات حول القرار وبعد دراستها قررنا توقيف القرار وفتح باب النقاش مع كافة الأطراف الوطنية من أجل الاستعداد للاستحقاقات القادمة إن تمت”.
المدن
———————-
سقطات الائتلاف الست/ فايز سارة
عندما أُسس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» في سوريا أواخر عام 2012؛ أي قبل 8 سنوات، كان حلم السوريين وأصدقائهم توليد جسم سياسي، يتجاوز مشكلات وعثرات جسم المعارضة والثورة القائم «المجلس الوطني السوري»، التي تفاقمت مرات عدة في العام الأول من عمره، وفتحت محاولات علاجها الأبواب على مشكلات صارت عصية على الحل، فلم يعد هناك بد من حله، والذهاب إلى تجربة جديدة، خمن كثير من السوريين وأصدقائهم، أن «الائتلاف» سيكون تعبيرها المطلوب، وهو أمر جعل الفعاليات الرئيسية في تجربة «المجلس الوطني»، حتى وإن مانع بعضهم لبعض الوقت، قبلت الانتقال إلى التجربة الجديدة.
وما حدث عملياً أن تلك الفعاليات وبعضاً من الوافدين الجدد، ووسط البيئة المشتركة لتشكيل كل من «المجلس الوطني» و«الائتلاف»، نقلت أمراضها ومشكلاتها معها وصراعاتها من التجربة الأولى إلى الثانية، ثم أضافت إليها مشكلات جديدة، نجمت عن التطورات التنظيمية والسياسية، التي أحاطت بـ«الائتلاف» من جهة؛ والقضية السورية من الجهة الأخرى، مما جعل «الائتلاف» يتحول إلى صورة باهتة، وهيكل عاجز عن القيام بدوره في خدمة القضية السورية، قبل أن يتحول إلى موضوع للنقد السوري الجارح، ليس من النظام وخصوم الثورة والمعارضة؛ بل من عموم السوريين، وهي حالة آخذة في الاتساع، خصوصاً بعد ما جرى القيام به من تبادل مواقع المسؤولية بين رئيس «الائتلاف» أنس العبدة، ورئيس «الهيئة العليا للمفاوضات» نصر الحريري، ليحل كل منهما مكان الآخر، وكأن جسدي المعارضة عاجزان عن انتخاب رئيس لكل منهما.
ولا يشكل خطأ هذه المناقلة سوى تعبير عن عجائب سياسية وتنظيمية، كرّسها «الائتلاف» في واقعه وسياساته، وصارت البيئة الحاكمة في كل ما يصدر عنه من قرارات، وما يقوم به من خطوات وإجراءات، حتى لو كان لبعضها طابع إصلاحي أو مجدد، فإنها تفرَّغ من هذا الطابع، إضافة إلى أن السوريين لم يعودوا يتوقعون إلا السوء والرداءة في مواقف وسياسات «الائتلاف» وشخصياته الرئيسية استناداً إلى سقطات ست، ربما كانت هي الأهم، وقد تكرست في واقع «الائتلاف»…
أولى سقطات الائتلاف؛ أن غالبية المشاركين فيه من جماعات وأحزاب وشخصيات، يرونه وسيلة لتحسين مكانتهم والحصول على مكاسب؛ سواء لجماعاتهم وأحزابهم، ولأنفسهم، بدل أن ينظروا إليه بوصفه قوة جامعة، تنظم وتقود السوريين، وتجعل المشاركين فيه أداة طليعية للنضال من أجل تحقيق أهداف السوريين في السلام وإقامة نظام بديل لنظام الأسد، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، ويعالج ما خلفته الحرب من كوارث عليهم، ويعيد بناء بلدهم ومستقبلهم.
وثاني سقطات «الائتلاف» مخالفة أكثر مكوناته من التنظيمات والشخصيات قيم ومبادئ الثورة، التي أطلقها السوريون، وضحى ملايين من أجلها، وكان من أهمها سلمية الثورة وعموميتها، ورفضها التشدد والتطرف، وتأكيد وحدة الشعب السوري، وكلها قيم ومبادئ جرى تجاوزها بصورة عملية، وجرى إحلال نقائضها بدلاً منها، كما في عسكرة الثورة وأسلمتها وتطييفها، وتقسيم السوريين إلى مكونات «ما قبل الجماعة الوطنية»، والتعامل معهم على هذا الأساس، وتبني شعارات وسياسات تأييد معلن لإخوة المنهج؛ شاملة «جبهة النصرة» بأسمائها اللاحقة، وإبراز تعاطف ضمني مع «داعش»، مقروناً بسعي بعض «الائتلافيين» للظهور بمظهر «الدواعش» في القول والشكل.
وثالث السقطات، موقف «الائتلاف» من النساء؛ خصوصاً في خفض مستوى مشاركتهن في عضويته ورسم سياساته وتنفيذها، رغم كل المساعي والمحاولات التي بُذلت طوال سنوات لتعزيز حضور النساء ودورهن في «الائتلاف». وبخلاف أن السوريات حملن عبئاً أساسياً في الثورة، وفي مواجهة ما ترتب عليها من نتائج، جعلت كثيرات يتحملن مسؤوليات اجتماعية وأسرية؛ بينها إعالة عائلات، خصوصاً من فقدت عائلها، وتولين تربية الأبناء وتعليمهم، فإن تمثيل النساء في «الائتلاف» يقل عن 9 في المائة، حيث يبلغ عدد أعضاء الائتلاف من النساء 8 من إجمالي عدد الأعضاء البالغ 92 عضواً.
سقطة «الائتلاف» الرابعة، كانت في فشل مؤسساته وفسادها، وهي ظاهرة بدأت مع تأسيس «الائتلاف» عام 2012، امتداداً لما كانت عليه حال «المجلس الوطني»، وتصاعدت تالياً كما في النماذج الأولى من المؤسسات الملحقة؛ ومنها «وحدة تنسيق الدعم»، و«لجنة الحج العليا»، ثم «الحكومة السورية المؤقتة»، وتكررت النتائج في الهياكل التابعة مباشرة لـ«الائتلاف»؛ ومنها «المكتب الإعلامي» و«الدائرة القانونية»، وسفارات «الائتلاف» ومكاتبه في بلدان الشتات، وكل واحدة من تلك المؤسسات لها سيرة طويلة من الفشل ورداءة الأداء، ومستوى من الفساد الإداري والمالي، يحتاج إلى وقفة طويلة.
والسقطة الخامسة، تكمن في تسلط مجموعة من تنظيمات وشخصيات، يغلب عليها لون آيديولوجي وسياسي، يدور في فلك الإسلام السياسي والجهادي، أكدت تجربة المعارضة في السنوات العشر الماضية فشله، بل ومسؤوليته الأساسية عن فشل «المجلس الوطني» أولاً ثم «الائتلاف» وعموم جماعات المعارضة، بحكم الدور الذي مارسه «الائتلاف» في حروبه السرية والعلنية ضد قوى المعارضة الأخرى في وقت كان يفترض فيه أن يسعى من أجل وحدة المعارضة أو الوصول إلى توافقات بين أطرافها، تصب في مصلحة السوريين الذين يصر «الائتلاف» على أنه ممثلهم؛ إن لم يقل إنه «الممثل الوحيد».
وللحق؛ فإن مجموعة المتسلطين من جماعات وشخصيات، شكلت عصبة، استقرت على تفاهمات وشراكات، وإدارة عمليات تبادل المواقع والمنافع والامتيازات – رغم محدوديتها – وهي تسعى نحو تمددها ما أمكن، وبناء علاقات مصلحية مع أطراف وجهات، تتبادل وإياها المصالح.
والسقطة السادسة للائتلاف، تتمثل في فلتان سياسي وتنظيمي عند غالبية أعضائه، رغم وجود نصوص وقرارات تمنع تلك الحالات؛ بل وتحدد سبل محاسبة القائمين بها، لكن ذلك لا يمنع من استمرار الفلتان، لأن هناك من يحمي القائمين به، ويتجاوز عن سقطاتهم، أو يمنع محاسبتهم لسبب أو لآخر. وعلى سبيل المثال، فإن أي عضو في «الائتلاف» يمكن أن يدلي بتصريحات سياسية، ويعلن مواقف تتصادم مع سياسات ومواقف «الائتلاف»، ويمكن أن تسبب له أذيات سياسية وتنظيمية، كما يمكن لأي من أعضاء «الائتلاف» التغيب عن اجتماعات «الائتلاف»، على قلتها، لأشهر، وبالتأكيد؛ فإنه لا شيء يلزم عضو «الائتلاف» المشاركة في فعالياته ونشاطاته، وأكاد أجزم بأن بعض أعضاء «الائتلاف» لا تتعدى مشاركتهم فيه حضور بعض اجتماعاته.
سقطات الائتلاف السابقة، التي تبدو عجائب، جعلته خارج السياق المطلوب في التعبير عن السوريين وفي قيادة نضالهم ضد نظام الأسد ومن أجل تحقيق أهداف ثورتهم، وهذه بين أسباب جعلت أطرافاً دولية وإقليمية كثيرة تخفض مستوى اهتمامها؛ ليس فقط بـ«الائتلاف»، بل بالقضية السورية، وجعلت غالبية السوريين؛ بمن فيهم قوى وشخصيات كانت في «الائتلاف» أو قريبة منه، تبدل موقفها من سياساته وممارساته، التي باتت بحاجة لتطبيق المثل العربي المعروف: «آخر الطب الكَيّ»!
الشرق الأوسط
الائتلاف السوري فاته القطار/ بشير البكر
بات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على مشرحة النقد منذ أيام، ولأول مرة يرتفع ضده هذا العدد من الأصوات، وتصدر هذه الكمية من ردود الفعل، والتي وصل بعضها إلى حد الدعوة إلى حل هذه المؤسسة، وتشكيل جسمٍ سياسي جديد يكون قادراً على تمثيل الثورة والمعارضة السورية في استحقاقات الحلّ السياسي، “بعيداً عن التبعية والرضوخ لإرادات الدول الفاعلة في القرار السوري”. وجاءت الحملة بعد أن أعلن “الائتلاف” عن تشكيل ما تسمى “مفوضية وطنية للانتخابات”، والتي اعتبرها قطاعٌ واسع من السوريين خطوةً لمنح الشرعية لبشار الأسد ونظامه في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في إبريل/ نيسان المقبل. ورأت بعض ردود الفعل أن القرار يأتي مقدمةً لـ”تطبيع مرفوض” مع النظام، وخطوةً باتجاه الدخول مع هذا النظام في انتخاباتٍ رئاسية، استجابة لضغوط دولية وإقليمية تدفع في هذا الاتجاه.
عشر سنوات من عمر ثورة الشعب السوري ضد حكم آل الأسد كانت كافيةً لحصول تغيرات جذرية في المشهد السوري، إلا هذه المؤسسة المعروفة باسم الائتلاف، والتي حافظت على ثباتها، واحتفظ القائمون عليها بكراسيهم وطقوسهم، وتحوّلت، مع الوقت، إلى ما يشبه محفلا خاصا يتداول على إدارته مجموعة من الأشخاص الذين باتوا بعيدين عن هموم السوريين ومشكلاتهم، ومنقطعين عن الواقع السوري، بكل ما يحمله من انهياراتٍ وتداعياتٍ سلبية. ومع ذلك، تتصرّف قيادات الائتلاف وكأنها مفوّضة من السوريين لتقرير مصيرهم، وتعلن، بكل ثقة، أنها تمثل الشعب السوري، في حين أنها غير منتخبة شعبيا، ولم يفوّضها أحد بشيء. وسبق للائتلاف أن ارتكب بعض الأخطاء، وقام بممارسات بعيدة عن روح ثورة السوريين، ولكن الشارع المعارض لم يكترث بها، وجديدها تبادل المناصب بين نصر الحريري وأنس العبدة. وهناك محطات مشهودة لم يكن فيها الائتلاف على الموعد، خصوصا ما شهدته القضية السورية من تصفياتٍ متلاحقةٍ منذ معركة حلب نهاية العام 2016، وما تلاها من عمليات تهجير قسري للسوريين من حلب وحمص وريف دمشق ودرعا. وفي هذا الوقت لم يكن شاغل الائتلاف غير اللعبة السياسية.
وفي ما يخص المشاركة في انتخابات الأسد، ما يزال التيار العام من السوريين عند الأهداف التي رفعتها الحناجر في البدايات. هناك تصميمٌ على الخلاص من حكم المافيات الأسدية، وما جرّته معها من احتلالاتٍ روسية وإيرانية، وما هو ملحقٌ بها من مليشيات أفغانية وباكستانية وعراقية ولبنانية. صحيحٌ أن الشعب دفع الثمن من الأرواح البشرية والممتلكات والمادّيات، إلا أنه لم ييأس من الوصول إلى الهدف النهائي. وهناك قناعة عامة أن هناك حلا للمسألة السورية، على الرغم من ممانعة الروس والإيرانيين، وأن بشار الأسد لن يكون جزءا من هذا الحل، بوصفه المسؤول المباشر عن النكبة السورية، بغض النظر إن كان سيتم تقديمه إلى المحاكم الدولية، أم أن روسيا وايران ستوفران له ولفريقه حماية خارج سورية. وبالتالي، ليس من صلاحية أي جهةٍ أن تفتح بابا باتجاه الأسد تحت شعار الانتخابات الرئاسية.
وما يتمسّك به القطاع العريض من السوريين ليس حلما رومانسيا، بل هو حقٌّ مشروع يتمثل في عودة المهجّرين قسرا إلى ديارهم وأراضيهم، وتعويضهم عن الخسائر في الأرواح والماديات، وإطلاق عمليةٍ سياسيةٍ تحت إشراف الأمم المتحدة على أساس “جنيف 2”. وهذا الحق غير قابل للتصرّف، ولا يسقط تحت أي ظرف، ومهما مر عليه الزمن. وهو مكفولٌ في كل المواثيق والقوانين الدولية، ولا يستطيع أحد القفز عليه، لا روسيا ولا إيران ولا الأسد، وسيتم إحقاقه في أول تسويةٍ تحصل، بل سيكون الشرط الأساسي لجدّية أي حل للمسألة السورية ونجاحه وديمومته. ومن نافلة القول إن هذا الحق غير قابل للتفاوض، بل هذ بديهي، ولن يحصل بوجود الأسد.
العربي الجديد
هيئة الانتخابات: هل تُسقط الائتلاف؟/ عقيل حسين
لا يبدو أن الاجراءات التي اتخذها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في ما يتعلق بقانون إنشاء الهيئة العليا للانتخابات قد أقنعت الشارع الثوري الذي انتفض على هذا القرار، وتجاوز ردود الفعل التصريحات والبيانات إلى البدء بخطوات عملية تهدف إلى تغيير الائتلاف.
فقد أعلن عدد من الكيانات والشخصيات المعارضة البدء بالتحضير لمؤتمر وطني عام، لكن وسط تباين بالأهداف بين من يدعو لاسقاط الائتلاف بشكل كامل وإنتاج جسم بديل، وبين من يطالب بالحفاظ على المؤسسة واختيار ممثلين جدد عن الثورة فيها.
والواقع أن هذا الانقسام في الموقف تجاه الائتلاف ليس جديداً بين المعارضين، وهو الأمر الذي بدا مريحاً للقائمين على المؤسسة طيلة السنوات الماضية، لكن صدور قرار تشكيل هيئة انتخابات فاقم من أزمة الائتلاف بشكل غير مسبوق.
الاعتراضات على القرار
تتمثل أبرز الاعتراضات على قرار الائتلاف الأخير تشكيل هيئة انتخابات بالخشية من أن يكون القرار تمهيداً لمشاركة الائتلاف بالانتخابات الرئاسية القادمة منتصف العام 2021، خاصة في ظل مخاوف من وجود تفاهم تركي-روسي جديد بهذا الشأن، مع وصول رئيس جديد للولايات المتحدة من المرجح أن تكون سياساته في سوريا متعارضة تماماً مع سياسات الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان.
حتى وإن لم يكن هناك مثل هذا التوجه، فإن إقدام الائتلاف على تأسيس هيئة انتخابات تكون مهمتها تنظيم انتخابات محلية في مناطق سيطرة المعارضة، تعتبر من وجهة نظر المعارضين له خطوة تهدف إلى الالتفاف على مطالب اختيار ممثلين جدد في الائتلاف أو المجالس المحلية، من خلال انتخابات لن تكون محايدة أو نزيهة، بل سيتمكن الائتلاف من توجيهها وربما التحكم بنتائجها من خلال هيئة الانتخابات التابعة له.
لكن حتى وإن أوكلت مهام هذه المؤسسة الوليدة إلى شخصيات من خارج الائتلاف، فإن هناك رأياً سائداً وسط المعارضة أنها ستكون تابعة بشكل غير مباشر لقادة الائتلاف الحاليين، حيث يتهم الكثيرون رئيسه نصر الحريري بالتخطيط لتسليم الهيئة إلى أشخاص مقربين منه، خاصة مع التوجس الكبير من إنشاء “تيار التغيير الوطني” الذي أعلن عنه مؤخراً في منطقة حوران التي ينحدر منها الحريري، الأمر الذي يُنظر إليه على أنه سعي من الأخير لتشكيل كتلة تابعة له سيعمل على ضمّها للائتلاف لاحقاً بهدف زيادة نفوذه فيه.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن العديد من المآخذ القانونية يطرحها المعارضون لقرار إنشاء هيئة انتخابات خاصة بالائتلاف، أهمها أن هذا القرار ليس من صلاحيات الائتلاف بل من مهام هيئة الحكم الانتقالي التي سيكون الائتلاف منحلاً بشكل أتوماتيكي فور إنشائها، وبالتالي فإن الكثيرين يعتقدون أن هذا القرار ربما يعني التنازل عن هذا البند الأساسي من قرارات مجلس الأمن الدولي وبيانات جنيف المتعلقة بالحل السياسي للصراع في سوريا.
دفاعات الائتلاف
من جانبه عمل الائتلاف على مدى الاسبوع الماضي من أجل توضيح قراره والأسباب التي دفعت لاتخاذه، حيث أكد العديد من قادته على استحالة المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة التي سيجريها النظام أو في أي انتخابات يشارك فيها بشار الأسد أو رموز نظامه، مؤكدين أن الالتباس تسببت به صياغة نص القرار، ما استدعى إصدار توضيح رسمي له يؤكد على هذه النقطة.
والثلاثاء عقد رئيس الائتلاف نصر الحريري مؤتمراً صحافياً أكد فيه أن القرار سبقه تشاور مع الكثيرين من المعارضين للنظام الذين أكدوا على ضرورة إطلاق مثل هذه المؤسسة لاعتبارات عديدة أهمها ضرورة استعداد المعارضة لأي انتخابات قادمة ستجري خلال المرحلة الانتقالية التي ربما تسفر عنها العملية السياسية بالفعل.
وأشار الحريري إلى أنه حتى في حال لم تسفر العملية السياسية عن شيء، فإنه من الضروري أن تفكر المعارضة بتنظيم انتخابات في مناطق سيطرتها شمال غرب سوريا لاختيار ممثلين عن المقيمين في هذه المناطق في المجالس المحلية ومؤسسات الحكم التي يجب تطويرها، وهو ما يطالب به الجميع.
ورداً على سؤال ل”المدن” حول مخاوف خصوم الائتلاف من هيمنة الأخير على هيئة الانتخابات، أكد الحريري أنها ستكون مستقلة تماماً، كما نفى وجود نية لتسليمها إلى شخصيات تابعة له أو لقادة الائتلاف، مشدداً على أن هيئة الانتخابات سيتم توكيلها لشخصيات تكنوقراط ومتخصصين من المعارضين المتفق عليهم.
لكن هذا الدفاع الذي قدمه الحريري لم يحظَ بقبول حتى من جانب كثيرين من الحاضرين الذين كرروا انتقاداتهم للقرار، وتفنيدهم للتوضيحات الأمر الذي دفع رئيس الائتلاف في نهاية المؤتمر إلى إعلان إلغاء القرار. هذا التصريح لم يكن كافياً بالنسبة للمعارضين الذين اعتبروا أن إلغاء القرار لا يتم بتصريح صحافي، بل يتطلب قراراً رسمياً يضمن انتهاء مفعول القرار الأول بما يضع حداً للمحاذير والتبعات المترتبة عليه.
ويرى المحامي والناشط السياسي المعارض محمد سليمان دحلا أن الحل الذي يجب أن تعمل المعارضة عليه هو استقالة أعضاء الائتلاف الحاليين والدعوة الى مؤتمر عام لاختيار ممثلين جدد عن قوى الثورة والمعارضة فيه، بما يضمن أن يدفع الأعضاء الحاليون ثمن أخطائهم وفي الوقت نفسه الحفاظ على مؤسسة الائتلاف.
ويضف في حديث ل”المدن”، أن “القرار رقم 24 للائتلاف بخصوص مفوضية الانتخابات ليس وحده من أثار حفيظة مجتمع الثورة والمعارضة، ولكنه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بعد تراكمات ما بعد سوتشي وأستانة واللجنة الدستورية ومسلسل التفريط بمكتسبات الحل السياسي، من بيان جنيف والقرار 2118 وتراتبية الحل”.
وتابع أن “مواقف معظم من تفاءلوا خيراً بنوايا وخطوات الإصلاح المتكررة مع كل قيادة جديدة للائتلاف، انقلبت وفقدت الغالبية أي أمل بمصداقية إصلاح الائتلاف، لكن من الصعوبة بمكان لأسباب ذاتية وموضوعية إنشاء جسم سياسي بديل ينازع الائتلاف بشكل يجعل الجميع خاسراً، فالائتلاف ليس ملكاً لأعضائه السابقين ولا الحاليين ولا القادمين، وإنما يمثل الشعب الثائر كما هو مفترض”.
ويطالب دحلا أعضاء الائتلاف باستقالة معللة ليضعوا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، على أن يستمر الائتلاف بتسيير الأعمال لمدة محددة ويشكل لجنة تحضيرية متوافق عليها بقرار منه يرد في قرار الاستقالة بالذات، ومن الممكن أن تكون مهمة هذه اللجنة عقد مؤتمر وطني عام يعيد النظر باللائحة الداخلية للائتلاف وينتخب أعضاءه الجدد.
يتهم الائتلاف خصومه باستغلال قرار تشكيل هيئة انتخابات كان الهدف منها صالح المعارضة، لكن صياغته لم تكن موفقة، لتصفية حسابات شخصية وسياسية مع أعضائه وقادته، بينما يرى المعارضون أن تمسك الائتلاف بالقرار وعدم إلغائه رسمياً يزيد من المخاوف التي تفجرت مع صدور القرار، ما يستوجب تحركاً واسعاُ لتصحيح واقع المؤسسة التي لم يعد مقبولاً استمرارها على النحو الحالي.
المدن
========================
تحديث 29 تشرين الثاني 2020
—————————–
ما العمل؟ عن السؤال الصعب الذي يؤرّق السوريين/ برهان غليون
أولا، القضية السورية في الطريق المسدود:
بعد ما يقرب من عشر سنوات من الصراعات الدموية داخل سورية وعليها، وما رافقها من حرب الإبادة والتغيير الديمغرافي، وما نجم عنها من انهيارات في الدولة والمجتمع والثقافة والخدمات الاجتماعية، ومن دمار العمران وتهجير ملايين البشر وإلحاقهم بمخيمات النزوح واللجوء، وأكثر من عقد للخروج بتسويةٍ، ولو على حساب تنازلات شعبية كبيرة، لا تزال القضية السورية في طريق مسدود، ولم ننجح في التقدّم خطوة واحدة على طريق حلها، بل إنها تزداد تعقيدا، مثلما يزداد الوضع تعفنا على جميع المستويات. والسبب هو، ببساطة، أننا خسرنا الحرب، لكن النظام لم يربح شيئا، ولكنه غرق في الدماء التي سفكها، وسوف يزداد غرقا كلما تقدّم الزمن، ولا يملك أي مخرج بديل للمخرج الذي يسعى، هو وجميع حلفائه، لتجنبه، أي السقوط الحر في هاوية الفوضى والخراب والعذاب التي لا قعر لها.
والقضية التي نتحدث عنها ليست معجزة. إنها، ببساطة، التغيير السياسي، والانتقال من حكم الأسرة والعشيرة والمافيا، الذي فقد مرتكزاته الداخلية تماما بعد ثورة السوريين، إلى حكمٍ يخضع لإرادة الشعب، بالمعنى المتعارف عليه، والمعبّر عنه بصندوق الاقتراع، كما أصبح عليه معيار الحكم الصالح في هذا العصر في كل بقاع العالم. وهي القضية التي لا تزال معلقةً وممنوعة من الصرف، والتي من المستحيل، في الوقت نفسه، تجاوزها أو المرور من فوقها، ليس لأن ثمنها دفع مسبقا من دماء ملايين الناس وذلهم وقهرهم وتهجيرهم وتعذيبهم، ولكن أكثر من ذلك، لأنها أصبحت طافيةً على سطح الأحداث والأفكار والحياة السورية بأكملها، وصارت مصدر خرابٍ تشكل الدولة ذاتها أكبر ضحاياه. ولم يعد بالإمكان إيجاد أي حلٍّ لأي مشكلة، صغيرة أو كبيرة، اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو تربوية أو صحية، من دون إصلاحها. وكلما تأخرت المواجهة والحل زاد التعفّن والخراب، وتفاقمت مشكلات السوريين جميعا، من القاعدة إلى القمة.
هناك بالتأكيد أنظمة استبدادية أو ديكتاتورية دموية ربحت الحرب ضد ثورات شعبية، واستطاعت أن تستعيد توازنها، وتعيد ترميم بعض الشرعية، لأنه كان لديها مشروع سياسي للمجتمع والدولة، ولو عملت عليه بوسائل قمعية. وهذا كان مصير نظم شيوعية قديمة عديدة. أما الأسد فلا يحمل في جعبته ومعسكره أي مشروع سياسي يعني المجتمع بأكمله، ولا حتى طبقة منه، وإنما الإصرار على إعادة تثبيت السلطة العائلية المافيوية، وهذا ما يتطلب بعد ثورة عارمة تجديد وزيادة الاستثمار في إعادة بناء آله القهر والقمع والتلاحم أكثر مع قوى الاحتلال الأجنبية التي أصبحت صاحبة الكلمة الطولى في كل القرارات السياسية، المصيرية وغير المصيرية، واستكمال حرب الإبادة الجماعية والتفرقة الطائفية، تنويع سبل البلطجة والسلب والنهب لموارد البلاد والسكان، لتعويض ما حرمته منه الحرب من عوائد وكلّفته من نفقات. ما يعني أيضا تعزيز سياسة التغيير الديمغرافي، وتجزئة البلاد وتفكيكها، وتحييد كل منطقة بالمنطقة المجاورة، وتسعير الخلافات والنزاعات الطائفية والمذهبية والأقوامية. هذا هو المشروع الوحيد الذي يحمله تجديد حكم الأسرة، أي وضع الدولة، كما لم تكن في أي وقت سابق، في خدمة النشاطات المافيوية، وتعميم طرق عملها ووسائلها في القتل والعنف والاحتيال، وتحويل الشعب إلى أدوات وخدم يتسولون لقمة عيشهم على أبواب مليشياته، وفي حاويات فضلات جيوش احتلاله، ولا خيار لهم سوى الركوع أمامه والتضرّع له. وهذا لا يعني في الواقع سوى شيء واحد، هو استمرار الحرب لكن بوسائل أخرى، فلن تستطيع المافيا التوقف عن العنف، ولن يتوقف الشعب عن المقاومة، مهما كلفته من خسائر وتضحيات.
في المقابل، لا يبدو أن هناك عند أحد مما يسمى المجتمع الدولي، أو ينتمي إليه، أي اعتبار لمصير الملايين من الناس المشرّدين والأطفال المحرومين من التعليم، بل من الكساء والدواء والطعام. وحتى شهرزاد الدول التي سمّت نفسها “تجمع أصدقاء الشعب السوري” سكتت عن الكلام المباح. لا يوجد، منذ عشر سنوات، إلا الألاعيب السياسية الصغيرة والغش والاحتيال الدبلوماسي واللفظي والاستهزاء بعقول الناس ومشاعرهم، وتركهم لمصيرهم. يتهرّب الجميع من مسؤولياته، ويخفي هربه وراء دعم بعض المنظمات الإنسانية، في انتظار معجزةٍ لم تأت ولن تأتي.
ولا يختلف عن ذلك موقف مؤسسات المعارضة التي تحاول التغطية على عجزها ومراوحتها في المكان ببعض الاستعراضات المضحكة. بالمقابل، لا تكفّ معنويات الناس عن التدهور والانهيار بوتيرة تدهور شروط حياتهم اللاإنسانية وانهيارها، حتى بلغ اليأس مداه، بينما لا تزال مافيا النظام وحماتها من الروس والإيرانيين يراهنون على خداع المجتمع الدولي، ويسعون إلى كسب الوقت لإعادة تأهيل النظام.
ثانيا، وهم الرهانات الخارجية
ما الذي أودى بنا إلى هذه الهاوية، وأفقدنا أي مقدرة على التأثير على مصيرنا، وحرمنا من أي اختيار؟ لا يوجد عامل واحد وراء الأحداث الكبيرة، وإنما تضافر عوامل متعدّدة. وفي حالتنا المأساوية، لا يمكن الشك في أن الصراعات الإقليمية والدولية المستمرة، والموقع الجيوسياسي والاستراتيجي الذي تمثله سورية، كانا حاسميْن في تحويل الصراع من صراع سياسي داخلي إلى صراع إقليمي ودولي، لم يعد للسوريين مكان مؤثر فيه. لكن افتقارنا، في الثورة والمعارضة، إلى استراتيجية واقعية وناجعة، للرد على هذا العداون المتعدّد الأطراف، الداخلي والخارجي، لعب دورا لا يمكن إنكاره في ما وصلنا إليه. وأعتقد أن ما حدّ من قدرتنا على بلورة مثل هذه الاستراتيجية الناجعة تعلقنا بأوهام ثلاث، لا نزال لم نتحرّر منها.
الوهم الأول وجود التضامن الدولي مبدأ فاعلا في السياسة. اعتقدنا، مثل شعوب ضعيفة كثيرة في حالتنا، أن العلاقات الدولية مبنية على مواثيق وقوانين وأعراف دولية، لا يستطيع أي طاغية أن يتجاوزها، أو أن لا يحسب حسابها، أو على الأقل أن يمرّ بمشروع حربه الإبادية من دون أن يستثير رد فعل من الموقعين على تلك المواثيق والقوانين، وأن يدفع ثمن خرقها. لكن أثبتت الوقائع، للأسف، أنه لا يزال من المبكر رهان الشعوب الضعيفة على مثل هذا المبدأ الأخلاقي في الحياة الدولية، فقد مرّ الأسد بمشروعه، واستمر في حربه الإبادية من دون أن يستفز أحدا أو ينال عقابا من أحد.
الوهم الثاني انحياز الغرب الديمقراطي، بل دعمه الحتمي أي مشروع ثورة أو تغيير ديمقراطيين في العالم. وهو الوهم الناجم عن الاعتقاد بوجود تناقض استراتيجي وحتمي بين معسكري الديمقراطية والديكتاتورية، وأن الغرب الديمقراطي لا يمكن، من منطلق حماية مصالحه ذاتها، أن يتخلى عن دعم حركاتٍ ديمقراطيةٍ تقرّب منه بلدانا وشعوبا ترزح تحت سلطة الاستبداد. وقد شهدنا في سورية تعاونا استثنائيا بين الدول الديمقراطية الغربية والنظم شبه الشمولية في موسكو وطهران، لم نعهده أو لم ندرك إمكانية تحققه من قبل. وكم كان صعبا إقناع النشطاء في السنة الأولى للثورة بأن الغرب الديمقراطي لم يكن جاهزا لنجدة الثوار السوريين، حتى لو طالبوا بذلك، وأعلنوا يوما للتظاهر باسم “جمعة التدخل الدولي”.
لكننا ندرك اليوم أن دمقرطة العالم ليست على أجندة أيٍّ من الدول الديمقراطية، وأن ما يهم هذه الدول، وما يهيمن على جدول أعمالها، بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة، هو “الأمن” والأمن وحده، قبل أي مبدأ أو غاية أخرى. وهي تعتقد، لسوء حظها وحظنا، أن أمنها الذي يتخذ طابعا هوسيا اليوم يتحقق بشكل أفضل أو أوثق من خلال دعم النظم الديكتاتورية، خصوصا في تلك البلدان التي تعرف مسبقا أن أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة عميقة ومعقدة، لا يستقيم حلها من دون تعديلاتٍ في السياسات العالمية، وتقديم تنازلاتٍ مكلفة من الدول المتقدّمة للدول النامية والفقيرة في المسائل الاقتصادية والاستراتيجية. الوهم أن الدول التي تبني قوتها على استغلال البلدان الفقيرة واستخدامها لتحقيق مآربها الاستراتيجية يمكن أن تكون عونا في دعم التحولات الديمقراطية خارج نطاق ناديها هو من مخلفات أوهام الحرب الباردة.
والوهم الثالث حتمية انتصار الحق، والاعتقاد بأن الحق سلطان، وأن عدالة ثورتنا السلمية لا يمكن أن تخفى على أحد، وأن الظلم الفادح الذي يتعرّض له شعبنا، الواضح كوضوح الشمس، لا يمكن ألا يستفز ضمير العالم ويحثّه على الانتصار لقضيتنا والتفاعل معنا. وقد تبيّن لنا أن الحق لا ينفصل في السياسة والعلاقات الدولية عن المصلحة، وأنه من الممكن لتوافق مصالح أخرى أن يغيبه تماما، أو حتى يحول دون الاعتراف به وإنكاره إذا اقتضى الأمر، حتى من دون أن تكون هذه المصالح المتوافقة شرّيرة بالضرورة أو قائمة على نية الشر. وهذا يعني أن الحق في عالمٍ قائمٍ على التنازع والصراع لا يضمن بالوراثة، ولا يثبت بالقانون وحده، وإنما ينتزع ويفرض بالقوة. وأن القانون من دون قوة تطبيقه لا قيمة له ولا أثر. وفي حالتنا السورية، لم نكن ضحية تحالف مصالح مناقضة لتثبيت حقنا في التغيير والسيادة والتنمية والحرية فحسب، وإنما أكثر من ذلك ضحية تقاطع مصالح دولية يصعب التوفيق بينها. فكما أن لدى دول كثيرة، إقليمية وغير إقليمية، مصالح مشتركة في أن تبقى سورية مسرح حرب تخوض عليه معاركها وتحل عقدها، ليس لديها أي مصلحة مشتركة في أن تعود سورية مستقلةً وحرّة وموحدة.
ليس من مصلحة طهران وقف النزيف السوري، وإنما بالعكس، الدفع نحو مزيد من التفكّك والتمزّق والتعفّن، لتحقيق حلمها في تغيير مذهبي وديمغرافي واستراتيجي إقليمي، تعتقد أنه من مصالحها الاستراتيجية وحقها، وقد تقدّمت خطوات واسعة على طريق إنجازه. وفي المقابل، من مصلحة روسيا تأهيل النظام، وعدم المغامرة بما حققته من مكتسبات استراتيجية كبرى في ظله ومعه، وأي حل للقضية السورية يهدّد هذه المكتسبات أو يعيد النقاش فيها. ولا يمكن لإسرائيل أن تحلم بوضع أفضل على حدودها الشمالية من الوضع الذي أخرج سورية من أي حساباتٍ استراتيجية عقودا طويلة مقبلة، وربما أدى إلى زوالها كدولة موحّدة. ومن الأفضل لأنقرة، بل لا خيار لها، خوض الحرب الكردية التركية المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود على الأرض السورية من خوضها على الأراضي التركية. أما دول الخليج، فيشكل الانهيار السوري فرصة لا تفوّت للتحلل من التزاماتها العربية القومية السابقة، وتجاوز حاجز القضية الفلسطينية للتفاهم مع إسرائيل، والتعويض عن انسحاب الإدارة الأميركية الاستراتيجي من المنطقة، بتحالف استراتيجي إقليمي قوي ليس في مواجهة طهران فحسب، ولكن في مواجهة ثورات الشعوب الجديدة القادمة. أما أميركا فقد وجدت في الجزيرة السورية أرضا داشرة، تبني عليها قواعد عسكرية ومشاريع خاصة، من دون أي التزامات قانونية تجاه أي دولةٍ أو سلطة سيادية. ولا يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة ستغير موقفها جذريا، وتحمل على عاتقها عبء العمل على إزالة الانتداب/الاحتلال المتعدّد الأطراف على سورية.
ثالثا، في سبيل وقف التفكّك والانهيار
كنت دائما أعتقد، ولا أزال، أن القضية السورية لا حل لها إلا بأحد أمرين: تفاهم دولي أو تفاهم وطني داخلي. التفاهم الدولي، كما شهدنا، كان أحد رهاناتنا الوهمية الخادعة، وهو غير متوفر وغير محتمل حتى الآن. ولو استسلمنا له سوف ننتظر على الأغلب طويلا. وحتى لو تبدّلت الأوضاع وصدف وحصل التفاهم بين بعض الدول المعنية، فلن تكون التسوية فيما بينها إلا على ما يوافق مصالحها، ولن يهتمّ أحدٌ منها بتلبية مطالب الشعب، ولن يكون من مصلحة أحد مساعدتنا على استرجاع سيادتنا ورد حقوقنا المسلوبة. أما القرارات الدولية فبإمكانها الانتظار سنوات طويلة، كما حصل لأشقائنا الفلسطينيين من قبل.
أما العودة إلى الحرب والحلول العسكرية، فقد استنفدت أغراضها وتجاوزها الزمن. ولم يبق لنا من وسائل التغيير، اليوم، سوى العمل السياسي والاستثمار في إعادة بناء الوطنية، ولا أعني بها هنا إلهاب الحماس العاطفي أو التعصب القومي، إنما السياسة التي تهدف إلى إعادة توحيد الشعب الذي قسّمته الحرب وحكم العصابة المافيوية والاحتلالان، الداخلي والخارجي. وهذا لا يأتي من تلقاء نفسه مهما أطلنا الانتظار، ولا يمكن المراهنة في تحقيقه على المبادرات الخارجية، حتى الإيجابية منها. إنه يحتاج إلى عمل بطيء ومثابر وطويل وشاقّ لرأب الصدع. ويستدعي الابتكار في كسر جدران الكراهية والحقد والانتقام التي ولدتها الحرب، كما يتطلب الإبداع في فتح النوافذ والمعابر الصغيرة لإعادة التواصل واستعادة روح الحوار والاهتمام والاحترام المتبادل المفقود.
لا ينفي هذا المسار ولا يستدعي التخلي عن القرارات الدولية التي أقرت للسوريين الحق في الانتقال السياسي الديمقراطي، ولكنه يردّ على فشل المجتمع الدولي في تطبيقها، بعد ما يقارب السنوات العشر من إقرارها. وهو ينطلق من اعتبار ما أظهره النظام من فشل في تحمّل أي ذرةٍ من المسؤولية تجاه محنة الشعب التي تسبب فيها، واستمرائه في معاقبته وتعظيم معاناته وعذاباته، ومن التطلع إلى توحيد إرادة السوريين في التحرّر من براثن حكمه المافيوي، ومن الأمل في عودة الوعي إلى عديدٍ من فئات الشعب التي خدعها الأسد، بعد انكشاف ما آلت إليه حياة جميع السوريين، بسبب سياساته اللاوطنية، بل الانتحارية. هذا هو الطريق لتجاوز العطالة والعجز والدوران في الحلقة المفرغة المستمر منذ سنوات. ولا ينبغي، وليس من مصلحة السوريين الاستسلام لأمل تفاهم دولي سريع محتمل لتحقيق مصالحةٍ لا يمكن لأحد إنجازها غير السوريين، ولا يمكن إنجازها إلا بإنصاف الضحايا وإنزال العقاب العادل بمرتكبي جرائم الحرب من كل المناطق والانتماءات.
لا أظن أن أحدا يملك رؤية واضحة للطريقة التي يمكن أن نتغلب فيها على حاجز الشك والخوف والكراهية، ونتجاوز خنادق العداء وانعدام الثقة، والتجرّؤ على المكاشفة ومصارحة الذات. ولا توجد أي إجابة جاهزة أو سهلة على مثل هذه الأسئلة الصعبة. ولكن بسبب ذلك أيضا أردت أن يكون هذا المقال مبادرة لدفعنا جميعا، على مختلف مشاربنا وطوائفنا واتجاهاتنا السياسية والفكرية، إلى التفكير والتأمل في مصيرنا الجماعي والوطني، والبحث معا عن خياراتٍ أخرى غير خيار التوكل والانتظار.
هل نستطيع، والمقصود هنا السوريون، أن نخرج من خندقي المعارضة والموالاة، ونفكّر معا كشعب في شروط الخروج من الحرب وإقامة السلام، ووضع أسس نظامٍ جديدٍ لا يقوم على الخوف والترويع المتبادل، ولا يستند إلى قوة القهر والإقصاء والعنف، ولكنه يراهن على تنمية روح المواطنة الحرّة والمسؤولية الجماعية والقيم الإنسانية، ويحل مشاعر الألفة والأخوة والعدالة محل مشاعر التعصب والعصبية القبلية، والألفة والثقة الوطنية محل الانحيازات الطائفية والانقسامات القومية؟
هذا هو التحدّي الكبير الذي نواجهه اليوم كسوريين، وليس كمعارضة فحسب. ولا يوجد تحد آخر سابق عليه. والتوافق على هذا المبدأ ــ الحوار هو خطوة أولى لإطلاق التفكير بأي حل. فكي نعيد بناء سورية دولة واحدة، ينبغي أن يكون هناك شعب واحد، وأن تكون لدينا القدرة والاستعداد معا للعمل من أجل تحقيق هذه الغاية الضرورية والنبيلة معا. ولا أشك في أن سورية تمتلك ما يكفي من العقول الحكيمة والنيرة وأصحاب الإرادة الطيبة الذين يدركون أن السير في هذا الطريق، الذي يعني للكثيرين منا تجرّع السم، ليس خيارا، ولكنه الشرط الأول لتقصير زمن المحنة والمعاناة عن أبنائنا، وتقريب زمن التعافي وتجنيب سورية، بلدا وشعبا، مخاطر التفكّك والانحلال. وأنا على ثقةٍ من أن لدى الروح التي تسكن هذه البقاع، العريقة في حضارتها وإبداعها، القدرة الدائمة على أن تولد من رمادها، كطائر الفينيق الذي نسجته من خيالها منذ آلاف السنين، والذي يبقى الأعمق والأجمل بين رموز خرافاتها الغنية والملهمة.
العربي الجديد
—————
أين نحن اليوم؟/ ميشيل كيلو
أصبح هذا السؤال قضية وطنية طرحها السوريون، البارحة (الأربعاء 25/11/2020) على نطاق غير مسبوق، وفي اتجاه يتجاوز تلك الإشارات التي بعث الغضب الشعبي بها مرّات عديدة حيال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي ادّعى، كل مرة، أنها لا تعبر عن موقف السوريين. وها هو قراره الغامض الدوافع والمرامي حول مفوضية الانتخابات يدفع جميع قطاعاتهم إلى إطلاق صرخة رفضٍ لا مثيل لها منذ عام 2012، عبّرت عن الرغبة في سحب ما كان يدّعيه من تمثيل للشعب السوري، كثيرا ما نبّهه الحريصون على العمل الوطني إلى تلاشيه في الداخل، بينما بدّدت سياساته ومواقفه الاعتراف الدولي به، نتيجة عجزه عن تمثيل الثورة دوليا، من جهة، وعجزه عن إنتاج عمل ثوري وطنيا، وتوجيه اهتمامه نحو منع تخلق تمثيل بديل له، بذريعة تقول إن الاعتراف الدولي به هو اعتراف بحق السوريين في إسقاط الأسدية ونظامها.
بتضييع تمثيله الداخلي ووزنه الخارجي، انتقلت رئاسته إلى السلبية، قبل أن تشرع في ممارسة بهلوانياتٍ سياسيةٍ أملاها عقل أسدي يحتقر الشعب، ويتجاهل أن إصراره على التخلص من أسد دمشق لا يعني قبوله بـ”واهم زعامي”، يتوهم أنه لن يتمكّن من نزع أنيابه، مهما غرسها في لحمه. بافتقاره إلى طابع تمثيلي ودور ثوري، عزل “الائتلاف” نفسه عن شعب سورية، وتجاهل أهمية استعادة ثقته به، لاعتقاده أن تدميره أسديا وإرهابيا أفقده القدرة على الحراك والفعل، وأن غيابه عقبة تجعل بناء بديل له أمرا يعزّز استحالته العدد الكبير من تنظيماتٍ نخبويةٍ خلبية، تتناحر بخناجر كلامية تتطابق مفرداتها ومراميها المعلنة، وتُغري بعض أتفه المنتمين إليها أن السياسة تنبع من أشداقهم، مع أن دورهم يقتصر على الإسهام في إجهاضها. بدورها، تغرق تنظيمات المجتمع المدني في احتجازاتٍ مهنيةٍ لا تحاول تخطّيها، مع أن دورها إيجابي شعبيا ويلزمها بتجاوزها، تعزيزا لتواصلها المباشر كجهة موحّدة، مدنية وسياسية في آن، مع مختلف قطاعاته، ولتفاعلها البيني، وصولا إلى توحيد تنظيماتها المختلفة، وما تلعبه من دور وازن في صمود سوريي مناطقها.
هل تعني تظاهرة الأربعاء الماضي التي جمعت قطاعاتٍ واسعةٍ من نخب متنوعة الخيارات، يغلب المطلب الديمقراطي على خطابها، أن هذه قرّرت الانتقال إلى عالم الفعل، بإقدامها على خطوةٍ تبدو وكأنها تؤكد نهوضها من تحت ركام كلامها، وقبولها التخلي عن تنظيماتها، المزعومة، والعمل لبناء جهة تمثيلية واحدة، تكون لديها، أخيرا، خطط وبرامج يساندها مواطنو سورية، لأنهم يرون فيها قيادتهم ومرجعيتهم، وقائدة مقاومتهم التي تنظّم قدراتهم وتحوّلهم من “مواطنين خام” إلى ذواتٍ فاعلةٍ يتيح لهم دورهم تخطّي حقبة الخمود والانكفاء على الذات، ومواجهة العنف الأسدي الذي نجح في إطفاء تمرّد عام 2011، بتضافر جرائم جيشه مع جرائم ملحقاتها الإرهابية في “داعش” وجبهة النصرة وزرازيبهما.
هل تقدم “النخب” على خطوةٍ لا رجعة عنها، تُلزمها برؤية تنظيماتها بدلالة وطنها وحريته، فتقيم تنظيما وقيادة موحديْن، بدل رؤيةٍ سوريةٍ بدلالة تشكيلاتها الخلّبية والعاجزة عن إحداث أي تبدّلٍ في موازين القوى لصالح الثورة، التي ستنهض من جديد، في حال توفرت لها الوحدة السياسية والقدرة على المقاومة، وتجدّد دور حاملها الشعبي المعاد إحياؤه بجهود نخبٍ تجد نفسها اليوم أمام أحد خيارين: عمل عقلاني وصبور لبناء قيادة/ مرجعية، تعيد الشعب إلى الصراع بصفته قوة حسمٍ لا بديل لها، أو التمسّك بتبعثرها وما يمليه عليها من صراعات ديكةٍ مقصوصة المناقير، ومن تناحر، لتنقذ، عندئذ، بعجزها وتفاهتها، ما تدّعي أنها قرّرت إقامة بديل له: عنيت “الائتلاف”، الذي سيُقدم، في حال فشلها، على خطواتٍ أشدّ خطورة بكثير من خطوة المفوضية، بينما ستتلاشى نخب الحكي كما تتبدّد فقاعة من كلام!
العربي الجديد
—————————
مفوضيّة الانتخابات ومعارضة التغيير السوري/ حسان الأسود
ثارت ضجّة كبيرة بوجه رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، نصر الحريري، إثر إنشائه المفوضية الوطنية للانتخابات، بقرار أصدره في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وعلى الرغم من وقف العمل بالقرار المذكور، إلا أنّ الحملة ضدّ الائتلاف ورئيسه مستمرة، أقله حتى ساعة كتابة هذه الكلمات.
بعد مضيّ عدّة أيام على بدء حملة التشهير والتخوين تلك، بدأت تتبيّن خيوطٌ أولية تشيرُ إلى أنّ الحرب بدأت من داخل أروقة “الائتلاف” ذاته، عبر تسريب نصّ القرار الداخلي القاضي بإنشاء المفوضية، والذي لا تُنشر أمثاله من القرارات عادة. بدت تلك الحرب ممنهجةً ومبرمجةً لتشمل أكبر وأوسع طيف ممكن من السوريين، وكان لا بدّ من التجييش والتحشيد، عبر افتراض قضايا غير منطقية، وغير قابلة للحصول، حتى ولو أراد أصحابها ذلك، مثل القول برغبة “الائتلاف” بتبييض صفحة نظام الأسد وغسل يديه من دماء السوريين، بمشاركة بشار الأسد في انتخابات 2021، وكأنّ القيام بهذا الأمر يحتاج لإنشاء مفوضية خاصة بالانتخابات!
شارك في الحملة عشراتُ بل مئاتُ الأفراد والكيانات، ولا يمكن اعتبارهم جميعاً متآمرين على “الائتلاف” ورئيسه بكل تأكيد، فمنهم أشخاصٌ مشهود لهم بالنزاهة والثورية، ومن الكيانات ما هو واضح المبادئ والقيم والأهداف. دخل على خط المواجهة أصحاب الأجندات القذرة، مثل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، والجيش السوري الإلكتروني، عبر نشر تسجيلاتٍ صوتيةٍ وإشاعات دنيئة، باتت معروفة للقاصي والداني من السوريين. وكانت الحصيلة النهائية تحريك المياه الآسنة، وإخراج رواسب قديمة من قاع تاريخ الثورة ومسيرتها عبر سنوات عشر بين الانتصارات والهزائم، فكانت تلك الحملة بمثابة دعاية مجّانية لـ”الائتلاف”، والخط الجديد الذي يحاول رئيسه انتهاجه منذ تسنّمه مهام منصبه قبل أربعة أشهر تقريباً.
اللافت للنظر أنّ خطوة “الائتلاف”، نقل مقرّه إلى مدينة اعزاز في ريف حلب، قد قوبلت بترحيب وتأييد كثيريْن من قوى مدنية وعسكرية وثورية عديدة في الداخل، لكنها لقيت عدم تجاوبٍ وصل أحياناً إلى التعطيل والصدام من الحكومة السورية المؤقتة التي يُفترض أنّ رئيسها ووزراءها يعيّنهم “الائتلاف” ذاته. كذلك لقيت هذه الخطوة خوفاً وتوجسّاً كبيرين من عدد لا بأس به من أعضاء الهيئة العامة في “الائتلاف”، ومن بعض أعضاء الهيئة السياسية فيه أيضاً.
يمكن تفهّم هذه الصدامات وهذه المخاوف طبعاً، فالحكومة المؤقتة تتحصّل على أموال موازنتها من إيرادات المعابر بين سورية وتركيا، وكذلك قوات الجيش الوطني والمجالس المحلية، وهذا ما سيضعها تحت رقابةٍ مباشرةٍ من “الائتلاف” حال استقراره في الداخل، وقد يؤثر، مع الوقت، على امتيازات المتنفذين فيها. كذلك يمكن تفهّم خوف أعضاء كثيرين في “الائتلاف” من خطوة الانتقال إلى المناطق الداخلية الخارجة عن سيطرة النظام، والخاضعة لحماية تركية مباشرة، فهؤلاء يرغبون بالنضال عن بعد، فهو أسلم وأريح لهم.
الانسياق وراء حملات التخوين والتشهير وافتتاح حفلات الشتائم والسباب ليس أمراً غريباً علينا، نحن السوريين، ففي مقال سابق قارنت بين شعب الجبارين وشعب الشتّامين، وأوضحت أنّ بعضهم يحاول إثبات ذاته من خلال نفي الآخر. وقد عقدت مؤتمراتٌ لإسقاط “الائتلاف”، والحقيقة أنّ بعض المؤتمرين إمّا أنهم كانوا أعضاء فيه أو حاولوا الانتساب إليه أو سيقبلون الدخول فيه إن عُرض عليهم ذلك. وهناك من لا يعترف به، وعندما تسأله كيف تُسقط شرعية من لا تعترف به أصلاً، لا يحيرُ جواباً أو يبدأ حفل الشتائم.
جهاتٌ أخرى لا يجب أن تغيب مشاركاتها في الحرب الدائرة عن البال، فالمنصّات المعارضة التي لا وجود لها في الشارع بطبيعة الحال، وهي تأخذ في هيئة التفاوض مقاعد تزيد بمئات بل بآلاف المرّات عن حجمها الطبيعي، لن يعجبها أن يتميّز “الائتلاف” عنها بالدخول إلى المناطق التي يعيش فيها السوريون الثائرون والمعارضون، لأنّ هذا ببساطةٍ سينقله إلى مرتبة أخرى مرتفعة عنها، وسيجعله أقرب إلى الواقع ونبض الشارع منها. منصّة القاهرة، التي لا يزيد عدد أعضائها عن أصابع اليد، منصّة موسكو التي فرضتها روسيا بحدّ السيف، منصّة الرياض التي لا تزال قيد التشكيل تحت مسمّى “هيئة المستقلين”، وتصارع من أجل الدخول إلى هيئة التفاوض لاحتلال مقاعدها هناك، هيئة التنسيق التي لها بعض الحضور في الواقع، حتى في مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وأخيراً بعض القوى الكردية التي تحاول وضع أقدامها في كل الأماكن، علّها تفوز بنصيبٍ من الكعكة، حتى ولو كانت محروقة. هؤلاء جميعاً يخوضون صراع الإخوة الأعداء، تاركين أعداءهم الحقيقيّين المتمثّلين بالنظام وحلفائه من جهة، وبتنظيم القاعدة وأميرها أبو محمد الجولاني من جهة ثانية، وبحزب العمال الكردستاني وحكومة الأمر الواقع التي يفرضها شمال شرق سورية بالقوة أيضاً من جهة ثالثة.
ليس هذا المقال للدفاع عن “الائتلاف”، بل لتوصيف الواقع المرّ الذي تعيشه سورية وأهلها، فـ”الائتلاف” الذي يفترض فيه أن يترجم نضالات السوريات والسوريين الكبيرة، وتضحياتهم الهائلة، ليس بأفضل حالٍ ممن هاجموه. يفتقر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لبنية مؤسسية حقيقية، فهو مُصمّمٌ أساساً ليبقى رهينةً بيد مكوّناته التي يتألف منها، فلا يستطيع الفكاك منها، ولا يستطيع بناء مؤسسة وطنية حقيقية. مبدأ المحاصصة الذي أقيمت عليه أساسات هذا الكيان، وآليات التصويت لإنشاء نظامه الأساسي وتعديله، والتحالفات المتغيّرة بين الجماعات التي تتنازعه، وعقلية التكسّب الشخصية، والأنانية المفرطة للكثرة الكاثرة من أعضائه، تجعل إصلاحه مسألةً عسيرةً بكل معنى الكلمة. كذلك يفتقد “الائتلاف” الثقافة المؤسسية التي تحكم أو يجب أن تحكم أي مؤسسةٍ، صغرت أو كبرت، فلا ولاء ولا انضباط ولا رقابة أو محاسبة بالمعنى الحقيقي والمُجدي للمصطلحات.
علينا أن ننتظر معجزة ربّانية، لتنقذنا من هذا الحال المأساوي الذي نعيشه، ومعجزةً أخرى لتمنع عنّا المستقبل القاتم الذي بأيدينا نرسمه، والوقت الآن ليس وقت المعجزات ولا الخرافات. فإن لم ننهض من سباتنا لنصنع التغيير بأيدينا، سنبقى ثورةً بلا أفق، ومعارضةً من ورق، تناطح طواحين الهواء، مثل فرسان دون كيشوت.
العربي الجديد
—————————
العميد الركن أحمد رحال يرد على مقالة الاستاذ حسان الأسود
.الكاتب حسان الأسود كتب مقالاً بعنوان: مفوضية الانتخابات ومعارضة التغيير السوري, يدافع فيه عن قرار الإئتلاف بتشكيل الهيئة العليا للإنتخابات.
بداية دفاع الكاتب حسان الأسود ارتقى إلى نظرية المؤامرة (وهو ما اعتاد عليه نظام الأسد قبل وبعد الثورة) من خلال تخوين الجميع وإشراكهم بالتآمر (على بعض) أعضاء الإئتلاف.
هو اتهم بداية جزء كبير من أعضاء الائتلاف الذين (حسب زعمه) سربوا نص القرار والذي كان يٌفترض أن يبقى سرياً عن الحاضنة الشعبية كما يقول (لا أعلم سبب بقاء هكذا قرار سرياً), ثم اتهم الحكومة المؤقتة والتي هي من صلب الإئتلاف بأنها شاركت بالـ (مؤامرة) لأنها ممتعضة من دخول الإئتلاف للداخل ومشاركتها بالموارد المالية للحكومة, تلك الموارد القادمة عبر إيرادات المعابر والجيش الوطني (وهنا أسأل من أين تكون هناك موارد للجيش الوطني إلا إذا كان يٌقر بتشبيح الحواجز وسرقاتها للحاضنة الشعبية وبيع الآثار والفديات التي يتقاضونها واعتبار ذلك مورداً شرعياً).
الكاتب الأسود يهاجم أيضاً كل المنصات ويبتكر لنا منصة جديدة اسمها منصة الرياض (سيد حسان المستقلون ليسوا منصة بل هم تكتل رئيسي من مكونات الرياض 2 الذي شارك به الائتلاف ويقوده وحيثيات إنشاء تكتل المستقلين وتشكيله وعثراته يعرفها د.نصر الحريري جيداً ولا داعي لفتح جراح تعود عليك وعليهم بالفجيعة), ومن ثم يتجه (الأسود) نحو هيئة التنسيق ليكيل لها تهمة الاشتراك بالمؤامرة أيضاً, ثم ينعطف على بعض الأكراد ليلحقهم بقاطرة التآمر, ومن ثم يسدد أقوى سهامه نحو الأشخاص الذين تسارعو لإعلان رفض قرار الائتلاف من شخصيات وطنية ولا ينس المستقيلين والمنسحبين من الإئتلاف من زجهم بمعمعة (المؤامرة) فيبطش بهم, ثم يطلق ما تبقى بجعبته من سهام (المؤامرة) التي يتحدث عنها نحو الحراك المدني والتنظيمات السياسية بالداخل والخارج (ممن اقصاهم الائتلاف) والشخصيات الفاعلة الذين عقدوا مؤتمر القوى الوطنية الرافض لقرار وتسلط وديكتاتورية الائتلاف وانحرافه عن نهج الثورة.
ويختم (الأسود) بإطلاق سهمه الأخير (وقد يكون له احتياطاً من السهام سيتناول به لاحقاً من ينتقد مقاله) نحو الجيش الألكتروني (الذي يفترضه موجوداً) ويعتبره ساهم بالتآمر على الائتلاف.
من بقي سيد حسان لم توجه له تهمة التآمر وتطلق سهامك عليه؟؟؟
وبفرض أن كل هؤلاء تآمروا معاً وهم السواد الأعظم من حاضنة الثورة فهل الفرع يكون المصيب والسواد الأعظم بما يشكل يكون هو الخاطىْ؟؟
سيد حسان مقالك تعتبره دفاعاً عن قرار اتخذه الإئتلاف (رغم انك حاولت أن تنفي الخبر بمضمون المقال لكن هذا النفي غير مجدي) لكن وبصدق أهمس لك لأقول: أنت قدمت لرافضي نهج الائتلاف وثيقة ممتازة, وشهادة حية, لأنك أدنت الائتلاف وشوهته أكثر عندما أبرزته منفرداً ضعيفاً معزولاً لا سند له ولا داعم لقراره وأن الجميع ضده وبالتالي أنت تساهم بعزلته وتؤكدها.
سيد حسان معلوماتنا من داخل الائتلاف أكدت ان قرار الائتلاف بتشكيل هيئة التفاوض العليا كان من صياغتك بعد وصول إيحاء خارجي بضرورة تشكيل هيئة الانتخابات, وبالتالي أنت جزء من القرار وجزء من السقوط الذي تشاركت به مع بعض الأعضاء للانحدار بالائتلاف نحو الهاوية.
سيد حسان أنت تفترض (المؤامرة) والتنسيق بين كل هؤلاء, وأن هذا التنسيق تم خلال بضعة أيام من صدور القرار المشؤوم (بينما عجزت دول كثيرة منذ تسع سنوات عن جمع السوريين على قرار واحد).
سيد حسان ليت كلامك يكون صحيحاً ونستطيع توحيد صفوف السوريين, ويا مرحباً بالمؤامرة إن كانت قادرة على جمع السوريين على قلب واحد.
————————-
المعارضة السورية.. سياسات مبنية على رمال متحركة/ أسامة آغي
يبدو القرار رقم “24” بتاريخ 19 من تشرين الثاني الحالي، الذي انفرد رئيس “ائتلاف قوى الثورة” بإصداره دون موافقة من الهيئة السياسية، والخاص بتشكيل “مفوضية عليا للانتخابات”، أنه قفزة في المجهول، فدوافع إصداره لهذا القرار تبدو ذات طبيعة ذاتية وأخرى موضوعية.
القرار المذكور كشف بصورة نهائية عن قدرة هذه المؤسسة (الائتلاف) على قراءة تطورات الملف السوري منذ تشكيلها عام 2012، وبيّن بصورة عميقة، ضعف الترابط بين قوى المعارضة في سوريا، وهو أمر أنتج منصات عديدة، هي بالأساس منصات ضعيفة على المستوى الشعبي.
كما أن ضعف بنى المعارضة سياسيًا وتنظيميًا، وقيام الدول المتدخلة في ملف الثورة بإضعاف دور تنسيقيات الثورة، واحتواء بعض منها، أدّى بصورة ما إلى ضمور دور هذه التنسيقيات، وتبعية كثير من قوى المعارضة لأجندات إقليمية ودولية مختلفة، وهذا الأمر انسحب على التشكيلات العسكرية (فصائل الثورة)، كما انسحب على بنية مؤسسة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”.
إن بيان “جنيف 1” عام 2012، والقرار “2118” عام 2013، هما من أسسا لصورة الحل السياسي للصراع بين النظام السوري والثورة السورية، وكان هذان القراران يعكسان ميزان قوى قائمًا على الأرض لمصلحة الثورة السورية، بينما أتى التدخل العسكري الروسي لمنع إسقاط النظام في الربع الأخير من عام 2015، ليغيّر في ميزان القوى لمصلحة النظام السوري، وهو أمر ارتبط بقرار دولي جديد غامض ومشوش هو القرار “2254” عام 2015، ويختلف عن سابقيه (بيان جنيف1 والقرار 2118) بتجاهله لتراتبية ثلاثية الحل، هذه التراتبية هي الحوكمة (هيئة حكم انتقالية تنتقل إليها صلاحيات منصب رئاسة الجمهورية وكذلك صلاحيات الحكومة)، والدستور، والانتخابات برعاية دولية كاملة.
إن المعارضة السورية التي اضطرت للقبول بالقرار “2254”، هي من بدأ سلسلة الانحدار حيال مطالب الثورة، وحيال تنفيذ القرارين السابقين، وهي فعلت ذلك لأنها بالأساس لم تمتلك القدرة على ضمّ الملفين العسكري والسياسي الثوري تحت جناحيها، وهو أمر سمح للقوى الخارجية بفرض مؤتمر “الرياض 1” ثم “الرياض 2″، ولم تحتمِ بحاضنتها الشعبية.
تشكّل “الهيئة العليا للمفاوضات” جاء عمليًا بقرار من أطراف دولية، كان لها مصلحة بإيجاد إطار سياسي، يشكّل “الائتلاف” جزءًا منه، إذ حاز “الائتلاف” في هذه البنية الجديدة، التي انفردت فعليًا بمسألة التفاوض، على نسبة 66% من عدد أعضاء هذه الهيئة، ثم بعد سنتين تقريبًا، أرادت المجموعة الدولية المتدخلة بالصراع السوري إضعاف “الرياض 1″ بحجة تشدده، فأتت بـ”الرياض 2″ الذي صار لـ”الائتلاف” فيه نسبة أعضاء 40%، ثم قامت المجموعة الدولية بابتكار ما سمي باللجنة الدستورية، وهي لجنة ينبغي أن تتشكّل وتقوم بعملها وفق القرار الدولي “2118” بعد تشكيل هيئة حكم انتقالية.
إن هذا الانحدار السياسي في قدرة المعارضة السورية على الإمساك بملف الصراع، كشف أيضًا عن أن المعارضة السورية المرتبطة بجذر الثورة (تغيير نظام الحكم الاستبدادي وبناء نظام حكم ديمقراطي) هي قوى خارج أطر هذه المعارضة بصورة عامة، وهي تفتقد إلى التنظيم والتأطير والبرنامج، لذلك بقيت محصورة في إطار الاحتجاج الصغير، (اعتصام، تظاهرات صغيرة، نشاط على السوشال ميديا).
إن المعارضة وقوى الثورة العسكرية كانتا مطالبتين منذ بدء التدخل العسكري الروسي، وغياب الدعم الحقيقي من “مجموعة أصدقاء سوريا”، بمراجعة استراتيجية عملها، فشروط الصراع وظروفه تغيرت، بينما هذه المعارضة لم تحاول تغيير استراتيجيتها، وهذا ما جعلها تخسر شيئًا فشيئًا على صعيد ميزان القوى، الذي رجح لمصلحة النظام وحلفه الروسي- الإيراني.
إن القرار “24” الذي أصدره رئيس “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة”، الدكتور نصر الحريري، هو قرار أتى نتيجة موضوعية للسياق الذي مرّت به قوى الثورة منذ التدخل الروسي، أي سياق القبول بتقديم التنازلات.
هذا القرار، ينبغي ليس مجرد رفضه وطيّه، بل يتطلب القيام بمراجعة ثورية حقيقية، تقوم بها قوى الثورة والمعارضة، التي لم تنخرط بقبول سياسة فرض الأمر الواقع، التي تحاول قوى دولية تمريرها على السوريين.
المراجعة المطلوبة تتمثل بعمل، وليس بمجرد هجمات كلامية، وهذا العمل يتلخص بمراجعة جديدة للسياسات التي تنتهجها المعارضة وقوى الثورة، ووضع إطار تنظيمي لتوحيد الجهود، التي تمنع مزيدًا من الانحدار والتفريط بمطالب السوريين الخاصة بالانتقال السياسي الحقيقي، من دولة استبدادية إلى دولة مؤسسات ديمقراطية، وهذا أمر يحتاج إلى الالتفاف حول “هيئة التفاوض السورية”، لدعم إصرارها على تزامن السلال الأربع، ومنع النظام من اللعب بالوقت، عبر جدولة المفاوضات. وبإمكان “هيئة التفاوض” اللجوء إلى الحاضنة، التي بدأت فعالياتها تولد من جديد، كي تقوّي موقفها التفاوضي.
إن الدعوة إلى عقد مؤتمر للقوى الشعبية الثورية والوطنية كانت خطوة صحيحة، ولكنها خطوة ناقصة، بسبب عدم دعوة جميع قوى المعارضة إلى التباحث حول المؤتمر، وأهدافه، ومخرجاته، على قاعدة رفض تقديم التنازلات السياسية، التي تسمح باستمرار النظام بصورة جديدة.
انعقاد المؤتمر بصورة سريعة، ينبغي أن يتبعه تشكيل إطار عمل واحد، بأهداف محددة، مرحلية، أو استراتيجية، أي ببرنامج عمل ممكن وملموس، يمنع تقديم تنازلات، وهذا يأتي من خلال تحويل المؤتمر الشامل إلى مرجعية عمل وطني أساسية، هذه المرجعية يمكنها أن تلعب دور برلمان مؤقت، ريثما يتمّ تفعيل تنفيذ القرارات الدولية (بيان جنيف 1، والقرار 2118، والقرار 2254) كسلة واحدة متكاملة، تفضي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي تتلوه انتخابات بعد صياغة دستور للبلاد.
مؤتمر القوى الوطنية، كي ينجح بمنع التنازلات السياسية، يحتاج إلى مرونة عالية، بكيفية إدارة ملف الصراع مع النظام أمام المجتمع الدولي، وهذا يعني أن أي عمل سياسي لن ينجح من دون أن تحمله قوى الشعب السوري، أي بمعنى آخر، عدم تقديم تنازلات بخصوص بيان “جنيف 1” والقرار “2118”، والضغط لاستصدار قرار دولي يُجبر النظام على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالصراع السوري.
إن وجود مرجعية لاتخاذ قرارات وطنية حاسمة “برلمان مؤقت”، ستمنع مؤسسات المعارضة من القفز فوق إرادة هذه المرجعية، كما ستجبر القوى الدولية المنخرطة بالصراع في سوريا على مراجعة استراتيجياتها السابقة، والكفّ عن تبديد مطالب التغيير السياسي التي يريدها السوريون، وهذا يجعل السلطة الحقيقية لإدارة الصراع مع النظام وأمام المجتمع الدولي بيد قوى الثورة من خلال هذا “البرلمان” الشامل لكل السوريين.
إذًا، العملية متكاملة، تتمثل بضرورة وجود مرجعية وطنية “برلمان مؤقت”، هي من يشرف على عمل المؤسسات التنفيذية (ائتلاف وهيئة تفاوض وحكومة مؤقتة)، وكذلك ضرورة التخلص نهائيًا من الفصائلية، والعمل على وحدة قوى الثورة العسكرية بجيش حديث مهني، لا يتدخل بشؤون الناس في مناطقه، وضرورة توسيع الحياة المدنية وتفعيل منظمات المجتمع المدني وقوى الرقابة بشتى مسمياتها.
هذا يتطلب تغيير بنية “الائتلاف”، وتغيير آليات عمله، ما يساعد على تجدده، ومنع استخدامه كأداة بيد قوى دولية لها أجندات خاصة بها في الصراع السوري، لا مصلحة للسوريين فيها.
فهل يستطيع مؤتمر القوى الوطنية السورية تجاوز عثرات المعارضة، أم أن الوقت لم يحن للتغيير الجدي للأمور، وأن ما يحدث ليس أكثر من رد فعل ينتهي بعد وقت قصير.
عنب بلدي
————————–
معضلة الثورة المضادة ورباعي الائتلاف في سوريا/ منذر اسبر
نظرة في ما يتم طرحه في هذه الفترة من حلول مؤقتة لا تهدف في الحقيقة إلا لإجراء عمليات ترميمية في هياكل الائتلاف السوري المعارض من خلال التركيز على نقطتين :
الأولى -توسيع هيئة الائتلاف بالانفصال عن قيادته والالتزام بثوابت الثورة والقرار التفاوضي .
الثانية – تشكيل هيئة وطنية مؤقته تدعو إلى مؤتمر تمثيلي لقوى الثورة والمعارضة والى الحل التفاوضي .
أرى بهذا ان الموضوع كله لا يخرج عن الإشكالية التي يعيشها الائتلاف والتي كنت قد عرضتها في مقال سابق بعنوان ” مؤتمر لسحب الشرعية من الائتلاف “بناء على ما جاء في بيان الأمانة العامة لإعلان دمشق .
المقصود في كل من الحلين هو معرفة او تهيئة رأي عام بين المثقفين والسياسيين للخروج من الوضعية الحالية. ولكن المشكلة لا تحل حسب الاختيار بين الحل الأول والثاني لماذا ؟ لأن كلاهما أحلاهما مر :
1-لأن توسيع هيئة الائتلاف من قبل الائتلافيين او المنشقين منه ليس سوى محاولة لترميم البيت على قواعد مغلوطة أساسا لأن الائتلاف قام على أرضية الثورة المضادة وليست الثورة وبالأحرى الانتفاضة الشعبية الوطنية التي أرادت :
– واحد واحد الشعب السوري واحد .
-سلمية سلمية.
-كرامة وحرية .
-مواطنة وديمقراطية .
بينما الثورة المضادة عملت مثل النظام على تطييف الشعب وحمل السلاح ودفعت باتجاه التدويل والتدخلات الأجنبية بحيث أن المجلس الوطني الذي تبعه الائتلاف هو تجسيد لهذه الثورة المضادة .
واذا اخذنا دروس التاريخ فمن البدهي القول أن ثورة مضادة لايمكنها أن تتحول الى ثورة الشعب او انتفاضته الشعبية الثورية كما أشرنا إلا بالتخلص كليا من القوى الانقلابية على هذه الانتفاضة .
2-اما الحل الثاني الذي يطرح تشكيل هيئة وطنية مؤقتة مفوضة تدعو إلى مؤتمر فإنه استبدال لوجوه الائتلاف المسيطرة وعلى رأسها الرباعي ( الحريري والعبدة والبحرة والعريضي ) وذلك بوجوه أخرى طالما أن الثوابت واحدة أي ثوابت الثورة المضادة والتي جاءت ضد الثوابت الأخرى المطروحة قبل قيام المجلس الوطني الائتلاف أقصد :لا للعنف لا للطائفية لا التدخلات الأجنبية .
إن المسالة في الحالة الثانية هي عمل نخبوي لسياسيين او مثقفين سياسيين يريدون الحصول على دور لهم ولا يمثلون إلا أنفسهم وبالتالي سيكون من نتيجة مؤتمرهم الاستمرار في صراع النخب في ظل أزمة عضوية طالما ان القوى الشعبية بعيدة عنهم ولن يكون هناك من برلمان سوى مجموعات متوافقة بينها مرحليا ضد غيرها من النخب ولن تستطيع ممارسة الديمقراطية بينها ولن تتمكن ايضا من ممارسة استقلال قرارها عن الدول الخارجية.
أليس هناك من حل أخر؟ نعم هناك حل أخر ولكنه يخرج من جرعة الحلول المسكنة التي يتم وصفها ضمن السياقات الترميمية .
فالقوى الشعبية بعيدة عنهم ولن يكون هناك من برلمان سوى مجموعات متوافقة بينها مرحليا ضد غيرها من النخب ولن تستطيع ممارسة الديمقراطية بينها ولن تتمكن ايضا من ممارسة استقلال قرارها عن الدول الخارجية .
اذا أردنا أن نلخص هذه الأزمة فانها تتجسد في الأزمة العضوية والديمقراطية وفقدان استقلالية القرار ملتقية بذلك وبمفارقة مع النظام نفسه اي في كبد الأزمة نفسها والتي اصبحت ازمة بلاد كلها.
لقد قامت عدة مؤتمرات في الخارج باسم الشعب وتمثيليتها للشعب وفشلت وهذا كله في وقت نعرف فيه ان ثورة مضادة لليبرالية العولمية تقوم على انتهاك حقوق الأوطان والشعوب وسيادات الدول.
————————-
=======================
تحديث 30 تشرين الثاني 2020
——————————–
الداء داخل الائتلاف وخارجه/ حازم نهار
لعل أكثر ما كان غائبًا عن سورية، طوال العقد الفائت، هو السياسة، على الرغم من تشكّل العديد من القوى، ومن كثرة الضجيج والصخب اللذين كانا يصدران عنها باستمرار. وكان العامل الحاسم في غياب السياسة هو “النظام السوري” الذي اشتغل، منذ البدايات، وفق معادلة “إما قاتل أو مقتول”، طاردًا أي احتمال لوجود حلول سياسية أو تسووية، ما جرّ القوى والشخصيات “المعارضة” و”الثورية” معظمها إلى انتحال الخطاب ذاته، من دون التفكير بخطورته على المجتمع، وعلى علاقة القوى المختلفة ببعضها بعضًا.
عبّرت مقولة “الانحياز للثورة السورية” عن نفسها بطريقة الإزاحة، أي تبجيل الثورة وطرد السياسة، وسيطرت رؤية ضمنية على المزاج العام تتكثف باحتقار السياسة، ومن خلفها الفكر، لمصلحة الإعلاء من شأن الثورة، في تنكرٍ غريبٍ لعلاقة الثورة بالسياسة، أو للفائدة التي يمكن أن تقدِّمها السياسة للثورة أو لحاجة الثورة إلى السياسة أو التنكر لحقيقة عدم قدرة أي ثورة على تحقيق أهدافها من دون أن تلازمها سياسة عقلانية. لا تعني ممارسة السياسة تقديم التنازلات المجانية، بل تعني قراءة الواقع وتغيراته، واستكشاف المسارات الأفضل لتحقيق الأهداف بأقل التكاليف، أو تعني، على أقل تقدير، معرفة التوقيت الملائم لتقديم التنازلات الاضطرارية، شريطة ألّا تكون بلا ثمن. للأسف، عندما فكر الائتلاف الوطني في أن يمارس السياسة، مؤخرًا، اختار اللحظة غير الملائمة، وتناول الموضوع غير الملائم، أي “الانتخابات”.
ضمرت السياسة إذًا في ظل سيطرة خطاب يُسمِّي نفسه ثوريًا، وأصبح خطاب القسم الأكبر من “المعارضة” انعكاسًا مباشرًا لهذا الخطاب “الثوري”، وكانت العدّة السياسية المستخدمة للتعبير عنه هزيلة، لدى معظم الذين بنوا علاقات إقليمية ودولية أو الذين ظهروا في الإعلام، وتكاد تقتصر على بضع جمل؛ شتم النظام السوري وتوصيفه بالمجرم، محاولة استنهاض همم الدول لدعم الثورة بالمال والسلاح والمواقف السياسية، وأخيرًا الترحّم على الشهداء والدعاء للجرحى بالشفاء، مع ما يتخلل ذلك كله من صراخ وعويل وندب. في الحقيقة، لا يريد المريض المتألِّم من طبيبه أن يجلس إلى جانبه ويندب، بل يريد منه أن يعالجه ويختار له الدواء الملائم حتى لو تسبب بألمه.
أصبحت الشعبوية سائدة ومسيطرة في الفضاء السوري العام، وتجلت باعتماد خطابٍ يمكن له أن ينال الإعجاب أو التصفيق الشعبي، إما بحكم نية قصدية مسبقة أو ربما لأن كثيرًا من “ممثلي” الشعب السوري لا يمتلكون زوادة فكرية سياسية تزيد على ما هو سائد في الوعي العام. مع الشعبوية، لا مكان للتحليل السياسي، ولا لقراءة الواقع، ولا لاستكشاف مسار الثورة، ولا لبناء علاقات إقليمية دولية عقلانية استنادًا إلى المصلحة الوطنية السورية، ما جعل الباب مفتوحًا، على الدوام، لسائر أشكال المزاودات، وللتنافس الفردي على بناء علاقات إقليمية ودولية خاصة أو على الظهور الإعلامي أو فتح الخطوط الخاصة بعيدًا عن المؤسسات “التمثيلية”.
مارس بعض الذين اندرجوا في مؤسسات المعارضة، بخاصة “الائتلاف الوطني”، السياسةَ بوصفها “فن الكولسة” وحياكة المؤامرات ضد منافسيهم، أو بوصفها طريقة عملٍ أقرب إلى رمي النرد، وأحيانًا بوصفها فن الانضواء المطواع تحت جناحي راعٍ إقليمي أو دولي، وأحيانًا بوصفها تعادل الاستغراق في التكتيكات، تلك التي لا تقدِّم ولا تؤخر، خصوصًا عندما تغيب الرؤية الاستراتيجية العامة. لم يقدِّم الائتلاف، طوال ولايته، أي قراءة سياسية للواقع ومساراته، ولا صارح السوريين في أي محطة بسياسات الدول التي خالطها، ولا قدَّم لهم كشفًا سياسيًا بكواليس السياسات الإقليمية والدولية التي دخل فيها، ولم يقدِّم أي مراجعة نقدية رسمية لتجربته، وصرف وقته كله في الكواليس وتوزيع المواقع والمناصب، وفي انتخابات طفولية لا معنى لها، وفي لملمة نفسه في كل مرة يخرج فيها أعضاء منه أو يدخل إليه أعضاء جدد استنادًا إلى معايير فارغة أحيانًا، ومدمِّرة أحيانًا أخرى.
في المستوى السياسي، سار “الائتلاف الوطني” وفق إيقاعات الدول، متخليًا عن مهمته في بناء علاقات إيجابية بالسوريين أولًا. قبل الائتلاف، وضع “المجلس الوطني” نصب عينيه القيام بمهمة وحيدة أعلنها لنفسه؛ جلب التدخل العسكري، ولم يضع أي مهمات أخرى. وكذلك كان “الائتلاف الوطني”؛ ائتلاف المهمة الواحدة: الحصول على السلاح النوعي. تشكيلان سياسيان كبيران وضعا مهمتين مستحيلتين على جدول أعمالهما، فيما لم يبذلا أي جهدٍ جادٍّ على صعيد المهمات أو الخطط الأخرى. هناك حكمة قديمة تقول: لا تضع البيض كلَّه في سلة واحدة!
ومنذ سنوات، ارتضى “الائتلاف الوطني” لنفسه السير وفق الإيقاع التركي الذي كان مرغمًا هو الآخر على التناغم مع الإيقاعين الروسي والإيراني. كذلك، لم يمانع الائتلاف أن يتصرف بعض أعضائه بصورة فردية على المستوى السياسي؛ بعضهم شكَّل منصاتٍ سياسية تجاوبًا مع مصالح إقليمية ودولية، وبعضهم سار في ركب جولات الأستانا وسوتشي، معتقدًا أنه يمارس سياسة ذكية، فيما هي سياسة هزيلة وتافهة لا تدرك الاستراتيجيات من جهة، وتفتقر للحد الأدنى من الكرامة من جهة ثانية. لكن أسوأ ما حصل للائتلاف الوطني اصطباغه بنكهة غير سورية، غير وطنية؛ لتصبح له نمطية غير جاذبة للسوريين، كونها لا تتمحور حول الوطنية السورية، فعلاقته بالسوريين الكرد مثلًا أصبحت محكومة، على طول الخط، بالسياسة التركية ومصالحها.
غالبًا ما يجري تناول مشكلة “الائتلاف الوطني” عبر تناول شخصياته التي توصف بأشنع الأوصاف عادة، لكن في اعتقادي هي أبسط مشكلاته؛ فقد امتلك الائتلاف، منذ تأسيسه، كثيرًا من العلل، بدءًا من طريقة تشكيله الاعتباطية، ودور القوى الإقليمية والدولية في تشكيله ورعايته، مرورًا بآليات العمل التي اعتمدها، والمهمات التي وضعها لنفسه، والخطاب السياسي الذي تبناه، وليس انتهاءً بالبنية التنظيمية غير الديمقراطية، وطبيعة القوى والشخصيات المنضوية فيه. المسألة الوحيدة التي يمكن الاستثمار فيها هي اسم “الائتلاف الوطني”، كونه حظي باعتراف جزئي، بجهد الثورة لا بجهد قواه وشخصياته.
يقينًا، إن أغلبية من هم خارج الائتلاف ليسوا أحسن حالًا؛ فمعظم الذين ينتقدونه لا يختلفون عنه خطابًا وأداء؛ نلاحظ مثلًا أن العناصر الأساسية في خطاب وأداء الائتلاف هي ذاتها عناصر خطاب وأداء أكثرية من هم خارجه: الندب والنواح، شعار المناطق المحررة، تبجيل العمل العسكري، مجاملة الفصائل الإسلامية، الاندراج في سياسات الدول، الفوضى التنظيمية، حضور الشعارات وغياب السياسة والاستراتيجيات، التنافس السلبي، التقاسم الإثني والطائفي… إلخ. لذلك، لن تجدي نفعًا محاولة تبرئة الذات، ولا محاولات بناء تشكيل جديد على أنقاض الائتلاف إن لم تتجاوز بيئة وثقافة وممارسة الائتلاف، وفي الحد الأدنى يُفترض الانتباه إلى أن وجود هذا العدد الكبير من “القوى” و”التشكيلات” هو دليل أزمة أكثر مما هو دليل صحة وفاعلية.
في الحقيقة، مرة أخرى، سندفع ثمن أي استسهال أو استعجال في بناء تشكيلات جديدة من دون تفكير وتخطيط؛ لأن عقد أي لقاء سياسي، تحت أي مسمى، لا يشبه الدعوة إلى مهرجان أو حفل. نحتاج إلى المراجعة والتفكير قبل كل شيء؛ فعملية بناء التشكيل الجديد ليست عملية تنظيمية بحت، بل عملية سياسية أساسًا، وقبل أي شيء آخر، وينبغي لها أن تمر عبر بناء رؤى وتوافقات سياسية أولًا، ووضع مسارات واقعية وممكنة للعمل في ضوء قراءتنا للاستراتيجيات المتحكِّمة بالوضع السوري ثانيًا، وإبداع أنماط تنظيمية مغايرة، تتحلى بالمسؤولية وأقرب إلى التواضع، بعيدًا عن أوهام تمثيل الشعب السوري في اللحظة هذه ثالثًا، واختيار الشخصيات والقوى استنادًا إلى معايير عقلانية وواقعية رابعًا، كي لا يكون التشكيل الجديد مجرد “لمة” أو “خلطة” جديدة، لكن من طينة الطراز القديم نفسها، أو مجرد فقاعة نفرح بها بعض الوقت، ثم نلعنها ونتبرأ منها.
المدن
—————————
روسيا والنظام.. تركيا والائتلاف ولعبة التسوية
لكي نجد تفسيراً مقنعاً- لقرار الائتلاف الأخير حول إنشاء هيئة عليا للانتخابات- وبدون أن نقبل بالتعاطي بأي شكل من الأشكال مع الموضوع بطريقة الانتقام أو الضغينة أو سوء الظن فإننا سنبحث عن القاسم المشترك الذي يجمع تلك الأطراف المذكورة؛ تركيا والائتلاف من جهة، وروسيا وإيران والنظام من جهة ثانية. وبعد البحث عن تفسير لذلك التوافق لم نجد سوى “الوجود العسكري الأمريكي” في الجزيرة السورية الذي يضغط على تلك الأطراف إلى درجة إصابتها بالشلل، وعدم القدرة على الفعل أو إيجاد المنافذ خارج هذا المأزق؛ ولنتابع:
فالأتراك يرون أن الأمريكيين يشلون قدرتهم على إنهاء الملف الكردي في سوريا كما يرغبون، ويدفعون مقابل ذلك الفصائل الإسلامية لمواجهة مع قسد في كل مناطق الاحتكاك من جهة أولى. ثم يسعون من خلال ورقة الفصائل والائتلاف ضمان وجود تركيا في سوريا المستقبل من جهة ثانية. ويفهم الأتراك جيداً أن هذا الحل الذي يضمن دوراً مركزياً للإسلام السياسي في سوريا المستقبل من وجهة نظر تركيا الأردوغانية من المستحيلات بوجود أمريكا في سوريا.
أما الائتلاف- كممثل لهذه الفصائل ولتيار الإسلام السياسي- فيجد نفسه مغلول اليدين من جهة النفوذ السياسي في مستقبل سوريا كما أنه عاجز عن التوسع على حساب الكرد في الجزيرة السورية بسبب الوجود الأمريكي.
على المقلب الآخر، يحاول الروس جاهدين تعويم النظام عبر حلول من خارج جنيف، ولا يخفون رغبتهم في المباشرة بإعادة الإعمار كحل لمشكلة النظام الاقتصادية ثم يجدون أمامهم الرفض الأمريكي على طول الخط لأي مسار خارج جنيف.
أما الإيرانيون فيواجهون يومياً خطر تصفية وجودهم في سوريا والعراق ولبنان من خلال السياسات الصارمة والواضحة المعادية جبهياً للوجود والتوسع الإيرانيين في المنطقة بالإضافة إلى برنامجهم النووي.
وتظل معاناة النظام الحادة من الوجود الأمريكي، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وبالمحصلة التهديد الحقيقي لاستمراه، هي المعاناة الأشد من بين الأطراف السابقة، ويبدو ألا سبيل أمامه إلا بمواجهته والاستعانة بأي طرف للصمود في وجه هذا الدور الأمريكي، شريطة ألا يقوده إلى جنيف.
هل تعني تلك المقدمة أن الائتلاف- على الأقل في جزئه الإسلامي المهيمن داخل الائتلاف والذي يمكن اعتبار قيادته في الرئاسة وأمانة السر الممثلَين الأبرز لهذا التيار- عبر وكيله التركي قد وصل إلى أي تسوية مع النظام عبر وكيله الروسي؟
لا يمكن الجزم بذلك، كما لا يمكن الجزم بعكسه، والأرجح أن النظام والائتلاف يتقاسمان كما أسلفنا العداء للوجود الأمريكي والمخاوف نفسها من الدور الكردي في سوريا المستقبل والحالية، لذلك قد يكون من حسن الظن إبراز هاتين النقطتين المشتركتين بين النظام وعدوه المفترض والحقيقي-حتى الآن- الائتلاف، وخاصة أن وكيلي الطرفين- روسيا وتركيا- يتشاركان أيضاً نفس العداوات والمخاوف إلى حدّ ما.
قد يشكل التغير الأخير في الإدارة الأمريكية نقطة أمل لجميع هؤلاء في تغير هذا الوجود- الدور في سوريا وجوارها، وبالتالي يصبح من حسن الظن أيضاً القول أن تركيا بتوافق مع روسيا قد طلبتا من الائتلاف والنظام التفكير جدياً بمصالحة أو بتسوية تحفظ دوراً سياسياً مركزياً حاسماً للطرفين- قد تكون على طريقة مناطق النفوذ- في مستقبل سوريا، بينما نرجح أن يكون من سابع المستحيلات الحصول على هذا الدور في ظل سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على هذا الحل- التسوية وطريقة تعاطيها مع جميع الملفات في سوريا وإيران والعراق ولبنان. ويبقى أن نشير إلى نقطتين لا يمكن إغفالهما في موضوع إنشاء هيئة عليا للانتخابات على الطريقة الائتلافية؛ الأولى آلية اتخاذ القرار من قبل قيادة الائتلاف وعدم عرضه على الهيئة السياسية ناهيك على الهيئة العامة، وبالتالي هل كان المطلوب تمرير هذا القرار بدون العودة إلى القوى والشخصيات التي لا تعتبر موثوقة من قبل الجانب التركي وأنها يمكن أن تشكل معارضة لهذا القرار وما قالته بعض شخصيات الائتلاف عن القرار وإدانتهم لآلية اتخاذه يدلل على ذلك. والثانية هي ردّات الفعل العنيفة على قرار الائتلاف بطريقة التخوين والعنف اللفظي وكأن هؤلاء المهاجمين، ومعظمهم ينتمي إلى منظمات شكلية وشخصيات من محبي ركوب أمواج الشعبوية، قد تفاجؤوا بآليات عمل الائتلاف وبتبعية قرار قيادته لتركيا وقطر.. الخ فهل أصبح العمل على البدائل الوطنية مقتصراً على شاشات التواصل الاجتماعي وبطريقة الشتم والتخوين أم أن العمل الجاد يجب أن ينطلق من الوقائع القائمة والسعي لعزل قرار الائتلاف عن القرار التركي، والضغط على المجتمع الدولي عبر جبهة وطنية عريضة لتنفيذ القرار 2254 ومتعلقاته؟!
إننا في تيار مواطنة نظن أن هذا القرار لم يكن أكثر من محاولة بائسة من قبل الأتراك والروس لتحريك ملف التفاوض تحت الطاولة لطالما كان طريق جنيف سيؤدي إلى تغيير النظام في مآله الأخير وإلى دستور مغاير لما ترجوه تركيا وإلى خسارة حلفاء النظام والائتلاف لامتيازاتهم في سوريا وسقوط مشاريعهم الإمبراطورية.
ويمكننا أن نضيف بضع كلمات حول آليات عمل الائتلاف واتخاذ القرار، فقد ثبت حتى الآن أن جميع هذه القرارات تتخذها قيادته منفردة، ومعظمها يكون بطلب تركيا أو بموافقتها على الأقل، وبالتالي فقد صار بمقدورنا القول: ما لم يقطع الائتلاف هذه العلاقة أو أن يحد من تدخل الأتراك فإن مشروعيته ستنحصر في تمثيله للإسلام السياسي المتحالف سياسياً وعقيدياً مع تركيا وأنه لا مكان أو دور للقوى الديمقراطية السورية في هذه التركيبة سوى لعب دور المتفرج السلبي.
تيار مواطنة
المكتب الإعلامي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020
———————–
معارضون سوريون: روسيا تحاول إقناع الائتلاف بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية في سوريا
نورث برس
قال معارضون سوريون، الاثنين، إن روسيا تحاول إقناع الائتلاف السوري المعارض بأن فرصهم قوية في منافسة الرئيس السوري بشار الأسد على الحكم.
وتبدأ اليوم أعمال الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في مدينة جنيف السويسرية، التي ستستمر حتى الرابع من كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وقالت مصادر في المعارضة السورية، إن الائتلاف السوري ربما يلجأ إلى تمرير قرار تشكيل “المفوضية الوطنية للانتخابات”، والذي أثار جدلاً واسعاً وردود فعل غاضبة بين أوساط المعارضة.
وأعلن الائتلاف السوري، في الـ21 من هذا الشهر، تشكيل “المفوضية العليا للانتخابات”، بهدف تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من خلال ممثلها الشرعي من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية.
وحذرت المصادر من أي مساعٍ يرمي إليها الائتلاف، خاصة بعد تعليق قرار تشكيل “المفوضية الوطنية للانتخابات”، وليس إلغاؤه، وأن الائتلاف يحاول تمرير الوقت لتعطيل عمل “اللجنة الدستورية”.
وقال مصدر من المعارضة العسكرية والسياسية، لنورث برس، فضل عدم الكشف عن اسمه نظراً للظروف الحالية، إنه “لا جديد بالنسبة لموضوع الائتلاف وقرار تشكيل مفوضية وطنية للانتخابات.”
ويرى المصدر أن الائتلاف “سيحرك المجالس المحلية، والجيش الوطني لمناصرته بمواجهة الحكومة المؤقتة، التي تحاول إبعاد الائتلاف عن المناطق المحررة، ولكنهم لن يفلحوا في مساعيهم”.
وأضاف المصدر أنه “بالنهاية 40 ألف مقاتل، ومثلهم ألف مرة ﻻ يضمنون فوز الائتلاف بالانتخابات، ومن يعول على الجيش الوطني والمجالس المحلية واهم”.
ولم يتم حتى الآن، بحسب المصدر، رصد أي محاولة من الائتلاف “لكسب ود الجيش الوطني والمجالس المحلية لصالحه، لكن المدافعين عن الائتلاف يُروّجون لهذا الأمر”.
ويرى المصدر أن “اجتماعات اللجنة الدستورية هي جزء من الخطة، وبما أن الهدف تمرير الوقت يمكن خلق ألف مشكلة.”
وقال المصدر: إنه “ربما يدخل قرار المفوضية في جدول أعمال اللجنة، ويتم دخول الانتخابات تحت غطاء الدستور وقانون انتخاب النظام، ولكن في حال تم أي شيء خلف الكواليس، فإنهم سيعاملون معاملة الخونة”.
وكان معارضون سوريون طالبوا رئيس الائتلاف نصر الحريري بالتراجع “فوراً” عن القرار، معتبرين أن هذا القرار هو اعتراف رسمي بشرعية “النظام السوري.”
وقال معارض سياسي سوري، فضل عدم الكشف عن اسمه، لنورث برس، إن “تشكيل مفوضية الانتخابات، هي مبادرة أو خديعة روسية للمعارضة، لاستدراجها للدخول في لعبة الانتخابات مع الأسد.”
وأضاف: “الروس أقنعوا الائتلاف أن فرصة الأسد في الفوز قليلة، وفرصة مرشح المعارضة قوية إذا تم دعمه من قبل الروس والأتراك”.
وأشار المعارض السياسي إلى أن نصر الحريري “لم يتوقع ردود فعل قوية ورافضة لمبادرته، وكان يظن أنه سيطرحها كإحدى المؤسسات التي يقترحها في مسيرة إصلاح الائتلاف.”
ولن يقبل أحد “بالانتخابات إلا بعد مرحلة الحكم الانتقالي، وأن لا يكون بشار الأسد جزء منها”، بحسب المصدر.
وتتزامن تحركات الائتلاف وقراراته المثيرة للجدل، مع التصريحات التركية الأخيرة والتي ألمحت فيها لروسيا عن رغبتها في أن تبدأ “مسيرة سلام” في سوريا على غرار ما حدث في قره باغ.
وأعرب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، خلال مؤتمر صحفي عقده، أمس الأحد، عن أمله في أن تكون هذه الجولة “شاملة ومفيدة”، وقال “نريد أن نشهد تقدماً.”
وأشار إلى أنه أجرى عدداً من الزيارات الدبلوماسية في المنطقة خلال الأسابيع الماضية، شملت كلًا من روسيا وإيران ومصر والأردن، بهدف إحراز تقدم في عمل اللجنة.
وستتطرق الجولة الحالية من اللجنة الدستورية إلى قضايا أخرى غير المبادئ الدستورية، منها قضية المعتقلين والمفقودين، بحسب بيدرسن.
واعتبر أن نجاح المفاوضات يتوقف على السوريين والأسرة الدولية.
وقال بيدرسن: إنه لا يوجد جدول زمني واضح لمحادثات اللجنة الدستورية، إلا أنه من المقرر عقد الجولة الخامسة خلال كانون الثاني/ يناير المقبل، وأن ذلك الموعد يتوقف على إجراءات احتواء كورونا.
إعداد: سردار حديد – تحرير: محمد القاضي
————————
“الإخوان المسلمون” تحدد شرط استمرارها في “الائتلاف”: هناك محاولات لتغييره
أصدرت جماعة “الإخوان المسلمون” بياناً علّقت بموجبه على القرار الأخير الذي أصدره “الائتلاف الوطني السوري”، بإنشاء “المفوضية العليا للانتخابات”، والذي تم تعليقه بعد يومين تحت ضغط شعبي ومن جانب سياسين معارضين.
وأعلنت الجماعة في بيانها الذي نشرته، اليوم الاثنين، أنّ استمرار مشاركتها في “الائتلاف الوطني السوري” مقترنة بالتزام الأخير بأهداف الثورة السورية، وما نصت عليه القرارات الدولية.
وقالت في البيان: “نحن نعلم أن هناك قوى متربصة، تحاول الكيد للائتلاف وتغييره، وهذا ليس من توجهنا، ولكننا نعلن اليوم بوضوح، أن مشاركتنا في هذه الأجسام التي ما زلنا نريدها وطنية، متوقفة على التزامها بأهداف الثورة الأساسية”.
وأضاف البيان: “جماعتنا بتاريخها الوطني، وثقلها الإنساني والشعبي، لن تكون جزءاً من أي مشروع يسترسل في طريق التفريط والتضييع”.
وكان “الائتلاف الوطني” قد أصدر قراراً، منذ أسبوع، قضى بتشكيل “المفوضية العليا للانتخابات”، في خطوة استباقية للانتخابات الرئاسية في سورية، في نيسان 2021.
لكن قرار “المفوضية” لم يدم سوى يومين، ليتم إيقافه من جانب “الائتلاف”، على خلفية ضغوطات شعبية ومن قبل معارضين، على اعتبار أن هذه الخطوة تصب في “شرعنة النظام السوري”.
وفي وقت سابق من العام الماضي كانت جماعة “الإخوان المسلمون” قد رفضت تشكيل اللجنة الدستورية، التي أعلنت عنها الأمم المتحدة لوضع دستور جديد لسورية.
واعتبرت الجماعة في بيان صدر عنها، في أيلول 2019، أن تشكيل اللجنة لم يقم على أسس سياسية سليمة، وهي وليدة انحراف سياسي في القرارات الأممية.
وتعرّف جماعة “الإخوان المسلمون” في سورية نفسها بأنها جزء من جماعة “الإخوان المسلمون” في العالم التي أسسها حسن البنا في مصر عام 1928.
وتعرضت في ثمانينيات القرن الماضي لحملات قمع كبيرة من قبل الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد.
“المجلس الإسلامي” سابقاً
ويأتي موقف “الإخوان المسلمون” من تشكيل “المفوضية” بعد أيام من بيان أصدره “المجلس الإسلامي السوري” حدد موقفه أيضاً من قرار “الائتلاف الوطني”.
واعتبر “المجلس الإسلامي” أن إنشاء الائتلاف الوطني “المفوضية العليا للانتخابات” ومن قبلها تشكيل اللجنة الدستورية سيؤديان إلى شرعنة نظام الأسد وإعادة تعويمه.
وأكد المجلس في بيانه على أن “المساهمة في أي انتخابات على أي مستوى تحت مظلة وجود النظام يعد إجهاضاً لمطالب الثورة الكبرى، التي قامت لأجل تحقيقها، وعلى رأسها إسقاط النظام ومعاقبة أجهزته القمعية ومسؤوليها”.
ويعتبر إنشاء “المفوضية العليا للانتخابات” خطوة هي الأولى من نوعها من جانب المعارضة السورية، حول أي استحقاق انتخابي مستقبلي، وتأتي بالتزامن مع سريان مسار اللجنة الدستورية السورية، والتي من المفترض أن تضع دستوراً جديداً لسورية، أو تجري تعديلات على الدستور الحالي.
وفي الأيام الماضية فتح تشكيل المفوضية باب جدل وهجوم واسع ضد “الائتلاف” من قبل معارضين سوريين، من منطلق أن هذه الخطوة تساعد في “تعويم النظام ورأسه بشار الأسد، وتحول الثورة السورية إلى مفهوم صراع على السلطة”.
———————–
بيان الإخوان المسلمون في سورية
بسم الله الرحمن الرحيم
بلاغ: ملتزمون مع كافة الأجسام والهيئات والشخصيات الوطنية.. لتحقيق أهداف الثورة والالتزام بثوابت شهدائها
أيها الإخوة السوريون الثوار والأحرار..
لم يطل الأمد علينا، وما تزال دماء شهداء شعبنا الأبرار حاضرة ندية، تذكر جميع الذين يحاولون أن يزيغوا عن أهداف الثورة الأساسية، أن سورية لن تكون إلا حرة، لا سلطان فيها لمستبد ولا فاسد..
ولقد كانت مشاركتنا في جميع الأجسام الوطنية، من المجلس الوطني إلى الائتلاف الوطني إلى هيئة التفاوض العليا، محاولة صادقة وجادة منا لتدعيم وجود هذه الأجسام والتعاون معها على تحقيق أهداف الثورة الأساسية، كما التعاون على ضبط البوصلة وتسديد المسار، لم يستخفنا ادعاء، ولم يستفزنا اتهام، بل بقينا جزءاً من الجسم الوطني العام، حرصاً عليه وليس طمعاً في مكسب منه..
ولقد رأينا منذ تأسست اللجنة الدستورية، أن تأسيس هذه اللجنة كان خطوة خارج السياق الوطني والقانوني الذي قام الائتلاف على أساسهما، فاعتذرنا عن المشاركة فيها، وأملنا أن يكون هذا الاعتذار تنبيهاً كافياً للتوقف عن الاسترسال بعيداً عن أهداف الثورة الحقيقية..
ثم فوجئنا – كما فوجئ كل السوريين الأحرار – بقرار الائتلاف تشكيل مفوضية الانتخابات….!!
انتخابات تُطرح في فراغ وتدور في فراغ وتراهن على مجهول.. وكانت خطوة أخرى تقع خارج نطاق السياق الوطني المتلخص في تشكيل هيئة حكم انتقالي، لا سلطات، لا شراكة لمستبد ظالم عليها ولا فيها، يكون من واجبها التوافق على دستور، وتهيئة سورية لعملية انتخابية بكل تفصيلاتها ومتطلباتها.. انتخابات حقيقية على كل الأرض السورية، يشارك فيها كل السوريين غير المجرمين الذين تلوثت أيديهم بحرمات الشعب السوري..
ولقد علمنا من بعد، أن قانون تشكيل مفوضية الانتخابات موضع الإشكال صدر من غير تشاور ولا رضى بين مكونات الائتلاف الذي ما زلنا نأمل أن يكون أعضاؤه بعضهم لبعض ظهيراً في تصليب الموقف الوطني وفي تسديده والرقابة عليه..
ثم صدرت التوضيحات والتعليقات، فزادت المشهد ضبابية حول دور كل من مؤسسات المعارضة في تحمل المسؤولية عن الموقف الوطني وتقويمه..
أيها الأحرار السوريون..
نحن نعلم أن هناك قوى متربصة، تحاول الكيد للائتلاف وتغييره، وهذا ليس من توجهنا، ولكننا نعلن اليوم بوضوح، أن مشاركتنا في هذه الأجسام التي ما زلنا نريدها وطنية، متوقفة على التزامها بأهداف الثورة الأساسية، حسب ما عبرت عنه حناجر الثوار أولاً، وما نصت عليه قرارات المرجعية الدولية..
وإن جماعتنا بتاريخها الوطني، وثقلها الإنساني والشعبي، لن تكون جزءاً من أي مشروع يسترسل في طريق التفريط والتضييع..
ونؤكد لأطراف الشراكة الوطنية الحقيقية كلها، أن المشروع الوطني المستقبلي الذي نؤمن به، هو مشروع حرية وكرامة وعدل ومساواة لكل الأراضي السورية ولكل من يعيش عليها، وأن القضاء العادل النزيه هو بوابة العدالة الانتقالية لكل السوريين..
نرفض كل ما يحاول أن يلصقه البعض بثورتنا من اتهامات ظالمة.. فلم تكن ثورة شعبنا يوماً ثورة طائفية، ولم تكن ثورة عنيفة، وإن اضطر الأحرار إلى حمل السلاح دفاعاً عن النفس والعرض، حين وقف كل العالم على مدى عام يتفرج على دماء الأطفال تراق، وأعراض النساء تنتهك..
لم تكن ولن تكون ثورتنا أبدأ حرباً أهلية.. لن تكون حرباً على الهوية ضد أي مكون من مكونات مجتمعنا المعمر في تاريخ وجوده الأحدث ألفاً وخمسمائة عام، وإن خاضها أعداؤنا من روس وإيرانيين وأسديين على هذا الأساس..
وتحت لواء الصبر والمصابرة نلتقي مع كل الأحرار والمخلصين من أبناء شعبنا..
بلاغ.. “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب”..
جماعة الإخوان المسلمين في سورية
٢٩ تشرين الثاني ٢٠٢٠ م
١٤ ربيع الآخر ١٤٤٢ هـ
————————-
بيان حول الانتخابات السورية
منذ اللحظة الأولى لحواراتها مع قوى المعارضة السورية، وقبل دخولها العسكري المباشر من خلال تفاهماتها مع الولايات المتحدة، سعت القيادة الروسية إلى الترويج لمصالحة مع النظام والتفاوض مع ممثليه ضمن حدود “الواقعية” السياسية التي تقوم على القبول بالأمر الواقع، وتدخلت بعنف إلى جانبه عندما بدأت موازين القوى تميل بوضوح نحو قوى الثورة والمعارضة. وسعت كذلك إلى تحويل المفاوضات حول هيئة الحكم الانتقالي والانتقال السياسي نحو حكم ديمقراطي، التي بدأت في جنيف في 2014، إلى مفاوضات حول تعديلات دستورية وشراكة سياسية من خلال محور سوتشي الذي استدرجت قوى الثورة والمعارضة إليه في مطلع عام2018، سعياً لإبعاد الحراك السياسي عن الخطوات السياسية الانتقالية. وتحولت العملية التفاوضية خلال سنوات قليلة من عملية تجري بين طرفين واضحين، يتكون الأول من ممثلي قوى الثورة والمعارضة حاملين طموحات الشعب السوري والثاني من ممثلي نظام الأسد، إلى عملية متداخلة مركبة تديرها لجنة موسعة تشمل شخصيات متعددة الانتماءات والمواقف.
إن تحويل العملية التفاوضية من مطالب في التغيير السياسي، وإعادة تركيب البنية السياسية للدولة، إلى مسار ينحصر بلجنة دستورية، كانت الفخ الذي سعت القيادة الروسية إلى جر المعارضة إليه، ويبدو أنها قد نجحت مع بعض قوى المعارضة التي وضعت كامل ثقتها بالقوى الدولية والإقليمية، مفضلة السير مع توجيهات دبلوماسية بدلا من العمل على توليد موقف وطني موحد يحترم قناعات ومطالب جماهير الشعب السوري الحر الذي وقف لسنوات في وجه تعنت النظام وعدوانه الوحشي على أبناء الوطن، وآثر التضحية بكل شيء من أجل سورية حرة كريمة. مع الأسف هذا ما يفعله بعض من يتحرك باسم الثورة من داخل الائتلاف واللجنة الدستورية دون اكتراث بقناعات السوريين الأحرار وقيم الثورة، ليحول قضية الثورة الداعية إلى الحرية وإلى تفكيك دولة الاستبداد كمقدمة لتحقيق الديمقراطية، إلى قضية تعديلات دستورية وانتخابات شكلية.
إننا ندرك أن الانتخابات الرئاسية والنيابية أساس الحياة الديمقراطية التي نصبو اليها في سورية، لكن لكي تكون الانتخابات ديمقراطية وحقيقية فإنها تتطلب تحقيق عنصري النزاهة والحرية؛ فلا معنى للانتخابات إذا لم تكن انتخابات حرة ونزيهة، ولا معنى ولا شرعية للرئيس إذا وصل إلى السلطة من خلال القمع والتزوير، ولا معنى ولا قيمة للبرلمان مهما كانت تسميته إذا وصل إليه كل مصفق يسعى إلى تحقيق مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة.
تحتاج الانتخابات الحرة النزيهة إلى بيئة سياسية وحرية في التعبير والتنافس والحوار وهي غير موجودة حاليا في سورية. كما تحتاج إلى تأمين لصناديق الانتخابات بعيدا عن تدخل الأجهزة الأمنية، وهذا لن يتحقق إلا من خلال عملية انتقالية تقودها هيئة انتقالية تمثل قيادات وطنية شعبية تعكس التنوع السياسي السوري وتحل عند اطلاقها الأجسام السياسية الموجودة حالياً والتي لا تملك التفويض بالاستمرار في العمل بعد بداية المرحلة الانتقالية.
ثار الشعب السوري في وجه نظام الأسد الذي حافظ على الشكليات الانتخابية منذ عقود بعد تجريدها من معانيها وغاياتها. ولا يمكن تقزيم القضية السورية إلى مسألة عدم وجود عملية انتخابية، بل في تحكم مجموعة سياسية متسلطة بالفضاء العام والعمل السياسي والعملية الانتخابية ذاتها بحيث تنتج دائما نفس رموز الفساد والاستبداد التي حكم المجتمع السوري زورا باسم الديمقراطية والانتخابات الرئاسية والنيابية، في حين تتحرك الأجهزة الأمنية لاعتقال القيادات الوطنية المعارضة تعسفياً سعياً لمنع أي حراك سياسي يسمح بقيام عملية ديمقراطية تعكس خيارات الشعب السوري.
إننا ندعو قوى الثورة والمعارضة، وكل سوري حر وشريف، إلى رفض مهزلة الانتخابات السورية، سواء دعا إليها النظام أم أي جسد سياسي يتحدث باسم المعارضة، والإصرار على العملية الانتقالية، وشروط بيان جنيف الذي وافقت عليه المعارضة بأغلبيتها لأنه يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي تقود العملية السياسية مع التأكيد أن الجمعية التأسيسية المنتخبة هي وحدها من يملك الحق في تعديل الدستور أو وضع دستور جديد للبلاد.
إننا نؤمن بأن سورية تحتاج إلى تغيير جذري لا شكلي عبر هيئة انتقالية تمثل الشعب السوري، وتعمل على توفير المناخ السياسي الحر والبيئة الحيادية الآمنة لمنع التلاعب بالعملية الانتخابية التي كرست الاستبداد والفساد في سورية منذ أن هيمنت الطغمة الحاكمة على مؤسسات الدولة السورية والمجتمع المدني السوري، وقادت البلاد إلى الواقع المرير الذي يعشيه الشعب السوري المعطاء بكل أطيافه وقواه السياسية.
الموقعون :
جورج صبرا
حسام الحافظ
عبد الكريم بكار
سهير الأتاسي
لؤي صافي
ميشيل كيلو
عبد الباسط سيدا
فداء حوراني
حازم نهار
ياسر العيتي
درويش خليفة
محمد الحاج بكري
فاخر عِوَض
صعب الحريري
حسان الصفدي
وليد تامر
عبد الباري عثمان
عدنان عبد الرزاق
نوار عطفة
أحمد رحال
أحمد الرمح
حسن عبيد
نادر الجبلي
محمد صبرا
ماجد كيالي
———————
تغيير الائتلاف أم تغيير معادلة الأضلاع الشمولية/ د. سميرة مبيض
لم يكن من الممكن أن تنتصر الثورة السورية على واحد من التيارات الشمولية بدفع من تيارات شمولية أُخرى وهي المُشكلّة لبقية أضلاع مثلث التأطير التي سيطرت بمجملها على سوريا طيلة النصف قرن الفائت، فلا تنقلب الاضلاع على نفسها الا وقد تفكك كيانها كلياً.
هذا المثلث الذي تشكل أضلاعه كلاً من أحزاب البعث والجبهة القومية من جهة، تيارات الإسلام السياسي من جهة ثانية الجبهة اليسارية التقليدية وعلى رأسها الحزب الشيوعي من جهة ثالثة. يفسر هذا التأطير ذاته بناء أطر المعارضة المًشكلة دولياً على خطى ما كان سائداً في سوريا ويفسر أيضاً دوام حال الائتلاف طيلة العقد الماضي من زمن الثورة رغم الانحدار الكارثي الذي ساق إليه الحراك السوري والذي بقي، لغاية اليوم على الأقل دون ردود أفعال تذكر، رغم ان العشر سنوات الماضية والتي أسفرت عن مقتل مليون انسان سوري وهجرة الملايين وعن تدهور حال سوريا الى ما دون القاع وعلى كافة الصعد كانت كفيلة بإنهاء الائتلاف بشكل بديهي.
لا بد أن ما يوائم هذه الأطراف الثلاثة هو أن تنحو التسوية السياسة نحو تقاسم السلطة فيما بينها لتعيد تصدير المنظومة الايديولوجية ذاتها للمستقبل وفق توزع جغرافي وتقاسم مناطق هيمنة ونفوذ، فنرى توجهاً رئيسياً للحزب الشيوعي والأحزاب اليسارية نحو شمال شرق سوريا، وتوجهاً لتيارات الإسلام السياسي نحو شمال غرب سوريا في حين تتمترس الأحزاب القومية ومنها حزب البعث في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
والمجموع يعمل على إعادة الهيمنة على سوريا بتقاسم جغرافي هذه المرة يزيد من تشنج كلاً من هذه الأقطاب التي تتلاقى، على اختلافها، بعدة نقاط، منها الشمولية الفكرية، الترحيب بالتواجد الإيراني، ومناهضة وجود فاعل للمرأة والجيل الشاب في مستقبل سوريا.
لا يخرج قرار الائتلاف الأخير بالتحضّر للانتخابات القادمة عن مسار تقاسم السلطة الذي تسعى الأطراف الثلاث لتحقيقه بتواطؤ معلن لم يعد خافياً على أحد، وما المناوشات بينهم من حين لآخر الا لمزيد من التمدد والتقلص كلّ على حساب بقية الأطراف. ولعل أكبر مثال على هذه المقايضات هي محاولات تجيير الأصوات السورية الرافضة لقرار الائتلاف لتصب في مصلحة نظام الأسد، فلا زال البعض يعتقد واهماً أننا اذ نحارب أحد هذه التيارات فلا حل لنا إلا بالخضوع للثاني أو الثالث. إذ يتصرفون بعقلية الماضي حين كانت جرائد البعث والثورة وتشرين والقناة الأولى والثانية تضبط فكر الشارع السوري على وقع أضلاع المثلث، واهمين وكأن الحاضر والمستقبل لا يطرق أبوابهم الفكرية.
فهذه الأقطاب الأيديولوجية التي تستغل حراك الشارع لتعيد الهيمنة على السلطة بشعارات فارغة لم يعد لها الا أثر نابذ وزمن الثورات أثبت أنه لا عودة ممكنة للوراء فالديناميكية اذ انطلقت فلها موجبات وأسباب ولن تستقر الا على وضع جديد يحقق شروط الاستقرار، بناء هذه الشروط هو مهمة الحراك السوري الحامل لمطالب التغيير ولمصالح السوريين، لتكون هي المحرك الأساسي للتسوية السياسية وليس تقاسم سلطة باستبدال مواقع الكراسي الشمولية من جديد.
كيف نغير معادلة التسوية السياسية اذاً، كيف نخرج من مثلث التأطير الى فضاء مساحة تتيح وجوداً وتأثيراً فاعل لتيارات ما بعد الثورات، تيارات نشأت من حاجة المجتمع للتنظيم الذاتي السياسي والمدني والاجتماعي، تيارات حاملة لفكر التغيير بإخلاص لمستقبل البلاد وليس تغيير ناجم عن انقطاع وجداني ومعنوي وفيزيائي عن أهلها، كيف نتيح المساحة في التسوية السياسية للشباب والسيدات والتكنوقراط ولكل من هو قادر على مواجهة انغلاق الأدلجة بانفتاح الفكر الحر ومنهم المنشقين عن هذه الايديولوجيات ذاتها بعد ان كشفوا التلاعب السياسي والكذب والادعاءات.
فتغيير هذه المعادلة ليس رفاهية أو سياسة أو مناكفات أو ترف فكري أو تنظيري وليست مطلباً دولياً أو إقليمي، بل هي ضرورة حيوية لنجاة سوريا، هي مطلب سوري محلي لأسباب موضوعية واقعية لمسها كل سوري وسورية، فما الذي استطاعت هذه التيارات تقديمه للسوريين الا صعود رموزها على أكتاف التابعين، ما الذي قدمه السلاح والشعارات في زمن الجائحة الوبائية لمريض يعاني دون يد تمتد لتساعده، ما الذي قدمته بوجه الغلاء ونقص الخبز والوقود للتدفئة، أو حتى بمواجهة الصواريخ والقنابل، ما الذي قدمته لأطفال مصيرهم الضياع بدون تعليم، لمهجري المخيمات، للمغتصبات والمعتقلات، ما الذي قدمته لكل أم فقدت شاباً أو شابة من عائلتها، ما الذي قدمته لمن فقد يداه أو قدمه أو عينيه في الحرب. القائمة تطول جداً وتجعل من تغيير المعادلة هدف الثورة الحقيقي، فليس انهاء الائتلاف ذي معنى ما لم يعني انهاء الأسد وتفكيك المنظومة القديمة كاملة والبناء على قواعد سليمة. ليس ذو معنى ايضاً ان كان سيستبدل بالمغردين بالوطنية في حين أن ممارساتهم تفيض بالطائفية والإقصاء والتغول، فسواءٌ على السوري ان حكمه أولئك أم هؤلاء، أشكال القمع والابادة هي فقط من ستختلف.
التغيير ليس ذو معنى أيضاً ما لم ينهي التغلغل الإيراني المدمر لسوريا وهيمنة القوى الخارجية على مواردها واراضيها وما لم يسمح باستعادة السيادة بكونها العقد الاجتماعي الذي يجمع المواطنين في هذه الأرض وليس بكونها شعار يصدح به.
فرغم التشرذم الهائل الذي أصاب المجتمع السوري، والذي يضيّق المساحة التي سيتاح العمل الفعلي ضمنها لكن الانطلاق من النطاق المحلي ممكن دوماً فهذه التيارات الناشئة تنبع من احتياجات مجتمعاتها المحلية بالدرجة الأولى، من مطالب التمثيل الفعلي لكافة فئات المجتمع وتحقيق الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي والتعليمي. خطوات جزئية قادرة على تحقيق الاستقرار وحالة التناغم المجتمعي على مستويات جغرافية متعددة وصولاً للاستقرار على مستوى سوريا ولننبذ الساعين بنا لتحرير الكواكب والمجرات في حين هم يعجزون عن تأمين رغيف خبز أو حذاء لطفل في خيمة لاجىء.
المصدر: موقع وضوح
—————————-
=========================
تحديث 02 تشرين الثاني 2020
——————————–
مفوضية الائتلاف السوري للانتخابات وغياب المشروع/ مالك ونوس
على عكس ما هو محدَّدٌ في قرارات الأمم المتحدة عن الانتقال السياسي في سورية، ومراحل تنفيذ هذا الانتقال، المُقرَّرة والواضحة في بيان جنيف رقم 1 وقرار مجلس الأمن رقم 2254، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة القاضي بتشكيل “هيئة حكم انتقالي”، من ضمن مهامها إجراء انتخابات رئاسية تحت إشراف الأمم المتحدة، على عكس ذلك، قرّر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي حدّدها النظام السوري، في إبريل/ نيسان المقبل. وإذ يشير هذا الأمر إلى جهلٍ بتلك القرارات، فإنه يشير أيضا إلى وجود اللامعقولية في عمل “الائتلاف”، وإلى تخبطٍ وتسرُّعٍ في اتخاذ القرارات. وفي النهاية يدل على غياب المشروع المستقبلي لدى هذا “الائتلاف” الذي لم يستطع، خلال سني عمله السياسي المعارض، صياغة مشروع وطني جامع، يربط الوطني بالتحرّري، وينشر ثقافة المعارضة الحقة بين جمهوره، على الأقل، قبل أن يصبح جاذباً لجمهورٍ آخر، أتى على الإشارة إليه في البيان الذي أعلن فيه قرار خوض الانتخابات.
لم يَحتَج الائتلاف السوري المعارض إلى قرارٍ مثل الذي أصدره أخيراً للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، ليؤكد غربته عن جمهوره وشذوذ قراراته، فهو لطالما كان غريباً عن الجمهور الذي يدَّعي تمثيله، حتى أنك إذا سألتَ لاجئاً في مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، أو مخيماتهم في تركيا وتجمُّعاتهم في لبنان، عن هذا الائتلاف، فإنه سينفي علمه بوجوده. ولا يلام هؤلاء؛ إذ أبقى هذا المكون المعارض نشاطه داخل المكاتب في الدول التي يتوزّع أعضاؤه عليها، وخصوصاً تركيا، على الرغم من أنه أكبر مكونات المعارضة السورية. كما لم يرسل مندوبيه إلى هؤلاء اللاجئين للاطلاع على مشكلاتهم، من أجل محاولة تخفيفها، ولن نقول حلها.
جديد هفوات هذا “الائتلاف” إصداره قراراً، في 19 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، يعلن فيه إنشاء “المفوضية العليا للانتخابات” لتقديم شخصيةٍ معارضةٍ منافسة، تخوض السباق الانتخابي في مقابل الرئيس السوري، بشار الأسد، في الانتخابات الرئاسية سنة 2021. وإذ لا يمكن، بكل بساطة، القول إن السبب وراء قراره هذا جهله بالقرارات الخاصة بالحل السلمي في سورية، برَّر قراره بحجة “تهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي”، و”نشر الوعي بأهمية المشاركة الفاعلة في الاستحقاقات الوطنية”. وكان هذا الائتلاف شديد التفاؤل، حين تحدّث أن الانتخابات ستجلب له أصواتاً حتى من المناطق الموالية للنظام في دمشق والساحل وغيرها. وهنالك حيرة في توصيف الدافع إلى حديثه عن أصواتٍ سينالها في مناطق سيطرة النظام، عبر “التعاون والتنسيق مع القوى الاجتماعية والمدنية” الموجودة فيها، هل هو التفاؤل أم الجهل أم الانفصال عن الواقع؟
ومع أن هنالك من الدول من يعترف به ممثلاً وحيداً للشعب السوري، وعلى الرغم من الإمكانات المادية واللوجستية التي توفَّرت له، والسخاء الإعلامي الذي لم يتوفَّر لمعارضةٍ سبقته، لم يتطوَّر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوري ليصبح إطاراً جامعاً للمعارضين السوريين، على هيئة كيانٍ حزبيٍّ، ليستحق هذا الموقع الذي كُرِّس فيه، فلم يستطع أن يُكوِّن حزباً معارضاً، ولا أن يكون إطاراً جامعاً لعشرات الكيانات والشخصيات المعارضة والأفراد الذين يتوزّعون على أرض الوطن، أو في الخارج في المنافي، فوجود مئات الآلاف منهم في أوروبا وحصولهم على صفة اللجوء، أعطاهم القدرة والوقت الكافي لممارسة السياسة في السياق المعارض بحريةٍ، وكان فرصةً لتشكيل حزبٍ من هذا القبيل، وجمعياتٍ تنبثق عنه، فتعنى بهموم اللاجئين وتتابع أمورهم، كما تجهِّزهم لتتخذهم لوبيات ضغطٍ على الحكومات الغربية لحثّها على الضغط، هي الأخرى، باتجاه تحقيق الحل السياسي في سورية. وكانت هذه الخطوة، لو تمّت، كفيلةً بتحشيد تلك القوى والشخصيات والأفراد لخدمة أجندات هذا الائتلاف، لكن عدم اهتمامه بشيءٍ من هذا القبيل يدلُّ على مدى غياب الدراية بأهمية توسيع العمل، وتحشيد الإمكانات من أجل تنفيذ المهام التي تأسس من أجل تحقيقها. على العكس من ذلك، أدّى تكراره الدائم احتكاره صفة الممثل الشرعي لـ “قوى الثورة والمعارضة السورية”، إلى جعل بقية القوى تنزوي وتخور قواها إفساحاً في المجال لهذا “الائتلاف”، حتى يقوم بوظيفته، لكنه لم يفعل.
الآن ومع قرار “الائتلاف” الذي يجافي الصحة، ويبرزه بعيداً عن المسؤولية في اتخاذ خطواته، لم يعد الأمر يسمح بمزيدٍ من تبرئته، على فشله في تحقيق أي مستندٍ يستند إليه الشعب السوري، إذا أراد مقارعة النظام عبر جسم وازنٍ يكون ندّاً لجسم النظام. كما لم يؤسس، هو والمعارضة، لثقافةٍ معارضةٍ لدى جمهور المعارضين، تكون ديمقراطيةً، فتعي ذاتها وتحترم الآخر، وتبتعد عن مجرّد توجيه اللعنات والشتائم للنظام، إلى تشريح المسببات التي دفعتها إلى الثورة عليه، ووضع تصوّرٍ لسورية الغد التي يأمل من خرج ضد النظام العيشَ فيها.
يمكن القول إنه تبيّن أن “الائتلاف” لا يتخذ مواقفه ويصدر قراراته وفق منهجيةٍ معتمدةٍ ومتوافقٍ عليها بين أطراف قياداته التي يجب أن تتخذ مواقف وقرارات كهذه اعتماداً على سياساتٍ وبرامج عمل مستقبلية، بل يبدو أن صبيانيةً تحكُم اتخاذ هذه القرارات، وربما مصالح فردية تدفع نحوها. وتبين ذلك حين تراجع سريعاً عن قرار المشاركة في الانتخابات، بعدما تلقى ما تلقاه من انتقاداتٍ ومطالبةٍ في التراجع، إلا أن تراجعه افتقر إلى صيغة الاعتذار، مع العلم أنه كان من المفترض أن يعقبه استقالة قيادته، وهو ما يؤكّد استمرار التعالي على جمهوره، إن لم نقل عدم احترامه له. أما تأكيده، في بيان القرار، أن “الائتلاف” هو الممثل الشرعي لقوى الثورة والمعارضة السورية، فليس سوى لتأكيد أحقيته دون سواه من قوى الثورة والمعارضة على تمثيل هذه المعارضة في أي انتخابات، ما يعدُّ مصادرة لحقِّ أي معارضٍ، على الأقل، في الترشّح لخوض الانتخابات، ما يدلُّ على استبدال مهمته جامعاً للسوريين إلى نابذٍ رموزهم.
العربي الجديد
———————————
الصمت التركي يربك المعارضة والنظام/ عقيل حسين
يبدو الصمت التركي مربكاً للكثير من السوريين مؤخراً، خاصة أنه يتعلق بقضايا على غاية من الأهمية بالنسبة لمستقبل القضية السورية بشكل عام والمعارضة بشكل خاص.
من خلال اطلاعنا على تفاعلات أوساط المعارضة والثورة، فيمكننا التأكيد بسهولة على وجود هذا الإرباك بالفعل، ومن خلال متابعتنا لتعاطي إعلام النظام والمقربين منه مع هذا الموقف التركي (الصامت) يمكننا استخلاص أن هناك ارباكاً لدى النظام أيضاً، الأمر الذي يفتح باب التكهنات واسعاً حول ما تفكر به تركيا حالياً وماذا تريد.
فيما يتعلق بالمعارضة، فإن القضية الأكثر إثارة للجدل منذ أسبوعين على الأقل هي قرار الائتلاف الوطني تشكيل هيئة الانتخابات، وما أحدثه ذلك من ضجة كبيرة وردود فعل واسعة، ورغم عدم التصريح بأي موقف، إلا أن الجميع كان وما يزال ينتظر ما تقوله تركيا بهذا الخصوص.
على الإعلام لم تبد أنقرة أي تعليق على خطوة الائتلاف الأخيرة، وبالتالي لم يتمكن الجمهور من فهم توجهات الحكومة التركية حولها، وفي الأروقة الخاصة لم نحصل على أي معلومات تفيد بأن تركيا أبلغت أياً من تيارات أو شخصيات المعارضة بموقف واضح من تشكيل هيئة الانتخابات، وأكثر ما أمكن الحصول عليه بهذا الصدد هو تقديرات شخصية، بعضها يقول بأن أنقرة ضد هذا القرار وغاضبة جداً بسببه، وبعضها يرى أن خطوة الائتلاف لم تكن لتتم لولا رضا الأتراك، أما رسمياً فلا شيء مؤكد حتى الآن.
هذا الغموض في الموقف التركي تسبب بتردد بعض قوى المعارضة بالتعبير عن موقفها من القرار، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو جماعة الإخوان المسلمين التي تأخر صدور موقف واضح منها تجاهه أكثر من عشرة أيام، حيث أصدرت الجماعة بياناً مساء الأحد الماضي عبرت فيه عن رفض خطوة الائتلاف تشكيل هيئة التفاوض، الأمر الذي اعتبره الكثيرون مؤشراً على عدم موافقة تركيا عليها.
والواقع أنه لا يمكننا التقليل من أهمية التناغم في الموقف بين الجانب التركي والإخوان في سوريا، لكن هذا لا يعني الجزم بأن تركيا لم تكن على دراية مسبقة بقرار تشكيل هيئة الانتخابات، بل ما يبدو أقرب للمنطق هو عدم معارضة أنقرة للقرار بداية، لكن أمام الرفض الشعبي والسياسي العام له جعلها – ربما – توعز للمقربين من حلفائها في المعارضة السورية بتسجيل موقف معارض له، بدليل تأخر الإخوان عشرة أيام قبل الإعلان عن موقفهم.
أيضاً يمكن القول إن صمت تركيا المطبق حيال استئناف أعمال اللجنة الدستورية يوم الأحد الماضي، بعد أن كانت من أكثر المشجعين على هذا المسار، قد أربك المعارضة والنظام بشكل عام، ومن خلال مناقشة عدد من أعضاء وفد المعارضة الذاهبين إلى جنيف، ظهر واضحاً عدم وجود تنسيق مع الجانب التركي حول هذا الملف مؤخراً، الأمر الذي لا بد أن النظام وروسيا يعلمان به ويشكل لهما إرباكاً من نوع ما.
فدمشق وموسكو تدركان جيداً أن المعارضة وحليفتها تركيا على وعي كامل بهدف النظام من المشاركة في مسار اللجنة الدستورية، وهو كسب الوقت والمماطلة من أجل خلق أو تحقق ظروف ووقائع جديدة تسمح بالإجهاز على قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقضية السورية، والتي تنص على مرحلة انتقالية وهيئة حكم مشتركية تحققان التغيير السياسي المنشود في البلاد، وروسيا استفادت جيداً من ضغط تركيا على المعارضة للقبول بدخول هذا المسار بسبب تشابك ملفات أخرى بينها وبين أنقرة، لكنها تدرك أيضاً، أي روسيا، أن توقف الأتراك عن تشجيع المعارضة بالاستمرار في هذه المسرحية، التي لن تؤدي إلى شيء، يمثل خطراً كبيراً على المشروع الروسي للحل في سوريا.
لكن ما هو سبب هذا الصمت التركي الآن ؟
لا يوجد سوى تفسير واحد يبدو مطروحاً لمقاربة الموقف التركي الغامض تجاه الملف السوري مؤخراً، وهو انتظار تسلم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مهامه، وقبل ذلك الانشغال بالمتابعة الحثيثة لأسماء فريق إدارته الذين يجري اختيارهم الآن، حيث تبني الكثير من الدول مواقفها وتضع تصوراتها بناء على استشراف سياسة الإدارات الأميركية، بدليل الانفراجة الأخيرة في العلاقات بين أنقرة والرياض، وإعلان السعودية استعدادها للحوار مع قطر، وهي متغيرات لم تكن لتتحقق لولا تغير سكان البيت الأبيض بالتأكيد.
تلفزيون سوريا
———————-
أزمة الائتلاف بين قاعدته الشعبية والوصاية التركية
تشهد الساحة السورية ثورة سياسية جديدة منذ العشرين من نوفمبر، عنوانها البارز رفض (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) واتجاهاته السياسية الأخيرة.
بدأت الثورة كرد فعل على قرار أصدره الائتلاف يحمل الرقم 24 يعلن تشكيل ( مفوضية عليا للانتخابات) رأت فيه قوى الثورة والمعارضة خطوة باتجاه المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي سيجريها رئيس النظام بشار الأسد ، للتجديد لنفسه ولاية جديدة، بدعم قوي من حليفتيه ايران وروسيا .
كان اصدار القرار (24) بمثابة كبسة زر على صاعق تفجير الساحة الوطنية ، واعلان انتفاضة عارمة ضد الائتلاف وقيادته الحالية ممثلة بالسيد نصر الحريري . أكثر من سبعين جماعة من الفصائل والجماعات العسكرية والسياسية والمدنية والشخصيات البارزة تداعت بمبادرة من ( اتحاد تنسيقيات الثورة في العالم ) للعمل معا على إسقاط شرعية الائتلاف، كممثل للثورة والمعارضة الوطنية ، وبدأت فورا ورشة عمل ضخمة، لا تهدأ، تمتد من المناطق المحررة في الداخل السوري ، الى كل المواقع التي يتواجد فيها سوريون مهجرون ومغتربون، من تركيا الى الولايات المتحدة ، مرورا بأوروبا والدول العربية.
في الرابع والعشرين من الشهر الجاري أصدرت مكونات هذا الحراك الجديد بيانا ، حدد موقفها السياسي من سياسة الائتلاف، جاء فيه: [ لعل قرار الإئتلاف بالمشاركة في تمرير تأهيل الأسد ونظامه عبر مسرحية الإنتخابات كان الصفعة الوحيدة ذات المنعكس الإيجابي، حيث تلقاها شعبنا بما يقتضيه الرد بكسر اليد التي وجهتها له]
أضاف البيان [بناءً عليه ، فإننا في الإجتماع الأول لقطاع واسع من القوى الثورية والثوار المستقلين نؤكد على:
أولا: نعلن بوضوح أن الائتلاف بجميع تفرعاته والمؤسسات المنبثقة عنه، لا يمثل السوريين، وغير مخول بالتحدث والتفاوض عنهم ، أمام أية جهة دولية، أو رسمية، وهو فاقد للشرعية والمشروعية معاً].
وبناء على هذا البيان اتسع نطاق الحراك كما ونوعا ومستوى ، إذ انضمت وما زالت تنضم كل يوم قوى جديدة وشخصيات اضافية ، بحيث لم يجتمع مثلها منذ يونيو عام 2012 عندما انعقد ( المؤتمر السوري العام ) في كنف جامعة الدول العربية في القاهرة. يتقدمهم: ميشيل كيلو وهيثم المالح ومحمد صبرا وحازم نهار واحمد رحال واسعد الزعبي، وسهير الأتاسي، وجورج صبرة وفداء حوراني واحمد خطاب وخالد شهاب الدين .. إلخ . ومن المتوقع أن ينعقد مؤتمر وطني ثوري جديد ، يمثل اجماعا نادرا على رفض المؤسسات التي ظهرت في بداية الثورة بتدخل أجنبي، دولي واقليمي ، بحجة دعم الثورة ، ودعم الشعب السوري من مجموعة دول أطلقت على نفسها (أصدقاء الشعب السوري) ، ولكنها لم تقدم دعما فعالا ، عسكريا أو سياسيا ، ثم ما لبثت أن تراجعت ، ونفضت أيديها من الأزمة ، لأسباب كثيرة ، بعضها موضوعي ، وبعضها غير موضوعي . أهمها على الاطلاق هو التدخل الروسي العسكري الذي سحق بآلته الجبارة قوى الثورة وحاضنتها الاجتماعية، وتمكن من استعادة العديد من المحافظات والمدن المحررة التي خرجت عن قبضة النظام في الأعوام الأولى .
لم تكتف روسيا بالمسار العسكري لمعالجة الأزمة بالقوة والبطش ، بل إنها أسست بموازاته مسارين تفاوضيين في آستانا وسوتشي ، بديلا عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة ، لتطبيق أجندتها ، وهي أجندة لصالح الأسد وايران وصالح مصالحها هي أولا .
وللأسف فإن السياسة التركية تجاه القضية السورية شهدت انقلابا ونكوصا حادا بعد قمة بوتين – اردوغان في العاشر من اغسطس 2016 ، إذ أصبح اردوغان حليفا وثيقا لبوتين وروحاني على المسارين المذكورين ، وتنكر لتعهداته السابقة للشعب السوري وقواه الثورية ، وأصبح يستغل نفوذ بلاده على قوى المعارضة والفصائل السورية ، بحكم حاجتها الماسة للأرض التركية كقاعدة ارتكازية وخلفية لنشاطها ، ولحمايتها ، ليكرهها على تغيير اتجاهاتها ، ويجبرها على قبول ما كانت ترفضه بشكل مبدئي ثابت .
بسبب ذلك شاركت الفصائل العسكرية في مؤتمرات آستانا، وشاركت الفصائل السياسية في مؤتمر سوتشي ، وأخذت هذه وتلك تتنازل وتتراجع تحت الضغط المزدوج الروسي والتركي ، فدخلت في متاهات وسيناريوهات تفاوضية ، بلا جدول عمل ولا آجال زمنية ، ولا ضمانات . وتعتبر مباحثات اللجنة الدستورية مثالا لهذه المباحثات أو المفاوضات العقيمة التي لا يمكن أن تفضي الى أي نهاية مرضية ، ولا يمكن أن تنتهي جلساتها وجولاتها الموسمية قبل عشرات السنين على الأقل !
ولكي يكتمل النقل بالزعرور كما يقول المثل السوري ، قطعت الدول الثلاث أيدي وأصابع كل الدول الأخرى التي لا تقبل بالسيناريو الروسي – التركي – الايراني، عربية وأوروبية ، وأصبحت سورية بأرضها واهلها وليمة محتكرة وخاصة للذئاب المذكورة، التي يسميها برهان غليون دول الانتداب الثلاثي ، لا تسمح لأي طرف آخر بالتدخل، باستثناء الولايات المتحدة التي فرضت وجودها في الشمال والشرق السوريين ، لتضمن حضورها في التسوية النهائية ، وهي على الرغم من ذلك جاملت روسيا في جنوب سورية وباركت سيطرتها على حوران ودرعا منذ 2017 بسبب قربها من اسرائيل والاردن. وجاملت مرة أخرى تركيا سامحة لها إقامة المنطقة الآمنة ، كما جاملت القوى الكردية في الشمال، ومنحتها مناطق محمية بقواتها . وسبق أن جاملت ايران في عهد اوباما مقابل مشاركتها في الاتفاق النووي عام 2015 . ولا شيء يضمن أن لا تعود الادارة الاميركية القادمة لهذا السلوك المتقلب والمتلون والانتهازي !
بهذه الأساليب والألاعيب ضاعت تضحيات الشعب السوري الغالية ، وضاعت حقوقه ، وأصبحت سورية كدولة وبلد ووطن مقسمة تقسيما واقعيا وفعليا بين العديد من الدول ، ولم يعد لفصائل الثورة والمعارضة دور أو حضور ، بعد أن خسرت المناطق المحررة ، وحوصرت وحرمت من السلاح والدعم ، وجرت تصفية ( الجيش الحر ) بخطة مبرمجة ، وحلت محله فصائل ذات اتجاهات اسلاموية – تركمانية ، أنشأتها تركيا وسلحتها ، واستعملتها للقتال في مغامراتها الخارجية ، من ليبيا الى القوقاز خدمة لاستراتيجياتها التوسعية ، حيث لا ناقة للسوريين ولا جمل ، ولا مصلحة سوى سوء العاقبة والشرشحة على المستوى العالمي ، حيث أصبح المقاتلون السوريون يعرفون باسم المرتزقة ، بعد أن كانو ثوارا ينشدون الحرية والكرامة !
وتشير القرائن المتوفرة كما تدل التطورات والوقائع التي مر بها الائتلاف في العامين الفائتين الى أن قيادة الائتلاف التي تتلقى اوامرها من السلطات التركية أصبحت أداة طيعة في يدها ، ولم تعد تقوى على الرفض والاعتراض على أي أمر تتلقاه منها ، لا سيما أن تركيا هي التي تمول الائتلاف وتدفع له شهريا 350 الف يورو لتغطية نفقاتها ومرتبات هيئتها السياسية والعاملين فيها .
مصادر مطلعة وعليمة داخل الائتلاف أكدت أنه ماض في خطة روسية – تركية للمشاركة في انتخابات الرئاسة السورية المقرر أن تجري بعد شهور قليلة لإعادة التجديد للأسد ، وفرض مسلسل التنازلات حسب الأجندة الروسية للحل السياسي بعيدا عن بيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 لعام 2015 اللذين رسما خطة حل مختلفة جذريا ، تضمن اخراج الأسد من السلطة ، ونقل صلاحياته لهيئة حكم انتقالية ، ووضع دستور جديد يتبنى التعددية ، وتنتهي – المرحلة الانتقالية – بانتخابات عامة حرة ، تحت اشراف الأمم المتحدة ، تنقل سورية الى نظام ديمقراطي جديد ، وحل أجهزة الاستخبارات ، وخروج القوات الاجنبية .
الخطة الروسية تصر على تطبيق السيناريو الذي يضمن بقاء الاسد وبقاء قواتها وبقاء القوات الايرانية على الأرض الى أجل غير مسمى . ولتحقيق هذه الاهداف تحتاج دول الانتداب الثلاثي للمعارضة السورية المعترف بها ممثلة بالائتلاف ، لتشارك في مسرحية الانتخابات الرئاسية بأي صورة من الصور لإيهام العالم أنها انتخابات جادة وتحظى بمباركة ومشاركة المعارضة الرسمية .
وحسب الدكتور غليون رئيس المجلس الوطني ، أول مؤسسة للمعارضة ، فإن القرار الذي أصدره الائتلاف الاسبوع الماضي بإنشاء مفوضية الانتخابات هو حلقة في السيناريو الروسي ، وأن السلطة التركية مررته الى رئاسة الائتلاف ، وهو ما يعكس حالة السقوط وفقدان الاستقلالية والارادة التي بلغها الائتلاف ، وأنه يمهد للانخراط في مسيرة التطبيع مع نظام الأسد مقابل فتات من المكاسب يعود ريعها لجيوب بعض المتكسبين المحسوبين على المعارضة ، وعلى رأسهم نصر الحريري وزميله رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة ، وبعض قادة جماعة الاخوان المسلمين الحليف الرئيسي لتركيا .
لم يكن قادة الائتلاف ، ولا قادة تركيا وروسيا يتوقعون أن يجد القرار ثورة عارمة وقوية وواسعة وسريعة كالتي حدثت ولم يستعدوا لها مسبقا ، ولذلك فقد أربكتهم وأصابتهم بالذعر . إذا اضطر الائتلاف لالغاء قراره بسرعة ، بعد أن اهتزت شرعيته ، وأصبح في قفص اتهام جماعي ، وبات قادته ينافسون بشار الاسد في اجتذاب كراهية الشعب السوري .
الانتفاضة مستمرة ، ومئات الشخصيات ، والفصائل السياسية والمقاتلة ، تتجه لعقد مؤتمر وطني وثوري عام ، يسحب بساط الشرعية من تحت اقدام الائتلاف وهيئة التفاوض والحكومة المؤقتة واللجنة الدستورية التي تفاوض الاسد بشروطه وشروط بوتين ، لا بشروطها ، ولا بشروط الأمم المتحدة . ومن المتوقع أن يسفر المؤتمر عن تكوين منظمة بديلة للائتلاف ، تخاطب العالم باسم الثورة السورية ، وتعلن رفضها للحلول التي ينتجها الانتداب الثلاثي ، وتتمسك بالحل الذي صاغته الارادة الدولية عبر مفاوضات جادة ، ومتوازنة ، وحقيقية ، تلبي مطالب شعبها وتحترم ارادته .
والأهم مما سبق هو أن الانتفاضة جددت وأكدت حيوية الشعب السوري وحركيته وقدرته على الرفض والمقاومة ، حتى الآن ، برغم كل الظروف المأسوية التي يعيشها، وأظهرت قدرته على اثبات وتثبيت حضوره في المعادلة السياسية بطرق وأساليب سلمية وسياسية ومدنية متحضرة ، توصل صوته الى العالم كله، وقادرة على افشال مخططات دول الانتداب ومؤامراتها العلنية والسرية .
ولا شك أن الوصاية التركية تلقت ضربة قاصمة ، هزت هيبتها وصدقيتها ، لأن الائتلاف أضحى في الواقع منذ ثلاث سنوات على الأقل تحت هيمنتها المطلقة . وكل ثورة عليه هي تمرد على الهيمنة التركية ، ولذلك ظهرت ردود افعال تركية خافتة وخجولة ، وحاولت السلطات التواري ولاذت بصمت مطبق مكتفية بتحريك الموالين لها للمشاركة في المؤتمر الحراك بهدف تخريبه وتفخيخه ، وكذلك فعل الائتلافيون الذين جندوا اعوانهم للانخراط في الحراك للتاثير عليه من الداخل ، ومحاولة تخفيف آثار الهزيمة ، بالتضحية ببعض الرؤوس الكبيرة ، والدعوة للحفاظ على المؤسسة ، وهو ما ترفضه الغالبية الساحقة ، لعلمها يقينا أن زمرة الائتلاف كلها اصبحت رزمة واحدة متراصة وتقتسم المغانم والمكاسب ، وفشلت كافة محاولات اصلاحه من داخله ، وآخرها محاولة رياض سيف قبل عامين . وهناك قناعة راسخة عند جميع الناشطين السوريين أن العلاج الوحيد لسرطان الفساد والتبعية التي استشرت في مفاصل وهياكل الائتلاف هو التخلص منه بحله وايجاد بديل عنه خارج قبضة تركيا وروسيا.
المدارنت
—————————–
هل كان ينوي الائتلاف المشاركة في انتخابات الأسد؟/ عبد الرحمن الحاج
اعتقد كثيرون أن الغموض حول خلفية القرار المفاجئ للائتلاف في إنشاء مفوضية عامة للانتخابات في سوريا بتاريخ 20/11/2020، له معنى واحدا هو النية المبيتة للمشاركة في انتخابات الأسد الرئاسية المقبلة، ويجد هذا المنظور تأييداً في سلوك رئيس الائتلاف الذي يبدو كما لو أنه يروج لنفسه رئيساً مقبلاً لسوريا، بدءاً من تقليد لبعض الرؤساء، وصولاً إلى السلوك الاجتماعي الجديد والمفاجئ للتعامل مع الناس والوجود المحدود (مع كثافة مرافقة في نشر الصور ذات الطابع الدعائي) كلها تساعد على إثارة الشكوك، حيث لا شيء يستدعي التحضير لانتخابات، إذ لا استحقاقات انتخابية في المدى المنظور، إلا إذا اعتبرنا انتخابات الأسد هي المقصودة.
في الواقع يذهب هذا الاعتقاد بعيداً، فصدور قرار إنشاء مفوضية عامة للانتخابات تتداخل فيه مجموعة من الاستحقاقات التي يواجهها الائتلاف، فمن جهة على الائتلاف كمؤسسة سياسية عامة متصدرة لمشهد المعارضة أمام المجتمع الدولي أن تستعد لأسوأ الاحتمالات، وأحد هذه الاحتمالات الأسوأ هو احتمال الذهاب إلى انتخابات مباشرة من دون انتظار أي نتائج للجنة الدستورية، والواقع أن هذا طرح روسي قديم، ذكر على هامش جنيف2، ثم في اجتماعات لاحقة، وأيضاً كان هو الطرح الرئيس للروس في المفاوضات المؤسسة لمسار أستانا مع القوى العسكرية الثورية في أنقرة نهاية عام 2016، على مشارف سقوط مدينة حلب.
ولسوء الحظ فإن الأميركيين في السنة الأخيرة من عهد ترامب أخبروا عدداً من شخصيات المعارضة الأكثر شعبية لمواجهة الأسد في انتخابات محتملة بالاستعداد لهذا الخيار بإشراف وإدارة الأمم المتحدة في حين يبقى موضوع توفير البيئة الآمنة والمحايدة بشكل ملائم محل دراسة، والغرض حسب الأميركيين هو “إطلاق التغيير” والخروج من المسار المتعثر للحل السياسي في جنيف.
لقد كان على الائتلاف واجب الاستعداد لمواجهة مثل الاحتمال في حال فرض هذا الحل بين القوى الكبرى وعجزت المعارضة السورية عن إحداث تغيير فيه، وهو ما يتوقع من الائتلاف أن يفعله.
ومن جهة ثانية طرح بعض قيادات الائتلاف على دولة صديقة فكرة انتخابات محلية في مناطق “سيطرة المعارضة” في الشمال السوري، فهنالك أكثر من 6 ملايين سوري وهؤلاء يمثلون ربع السكان، وهنالك نحو هذا العدد وأكثر في دول اللجوء حول العالم، وبالتالي بالإمكان تأسيس سلطة شرعية في مواجهة النظام وكذلك في مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD الذي يجري انتخاباته للإدارة الذاتية، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض؛ والسبب واضح فمثل هذه الانتخابات ستعطي الشرعية لأي انتخابات تجري شرق الفرات وتعزز من وضع سلطة PYD الكردي، وبالتالي تثبيت وضع خاص أو إنشاء كيان مستقل محتمل.
ومن جهة ثالثة يعاني الائتلاف من شبه انعدام للقاعدة الشعبية، ثمة أسباب كثيرة ووجيهة لذلك، فقد أصبح ناد خاص ومغلق، وليس له أي تأثير على الأرض، لهذا السبب فكر بعض أعضاء الائتلاف في توسعة الائتلاف عبر انتخابات محلية، مع الحفاظ على عصب الائتلاف من خلال الحفاظ على عضوية أعضائه الذين يمثلون كتلاً سياسية (انقرضت في معظمها) أو يمثلون أنفسهم فقط، لكن المشكلة التي أرقت قيادة الائتلاف من هذه الفكرة هي قوة الشرعية التي قد يتمتع القادمون بهذه الانتخابات مقابل “عضوية الأمر الواقع” لمعظم أعضاء الائتلاف، وهو ما قد يهدد قدرتهم على التأثير في قرارات الائتلاف ويفقدهم السيطرة على مساره العام.
في 14/07/2020 كان نظام الأسد يحضر لانتخابات برلمانية في 19 من الشهر نفسه، وحيث إن الائتلاف يعاني من مشكلة الشرعية ولمزيد من انخراط القوى المدنية السورية والتأثير في قرار الائتلاف من جهة، وتكوين جذور اجتماعية وسياسية وطنية، اقترحتُ على قيادات الائتلاف بحضور رئيس اللجنة الدستورية هادي البحرة المبادرة بإجراء انتخابات برلمانية موازية لانتخابات نظام الأسد وإجرائها في عموم سوريا بما في ذلك مناطق قسد بهدف تعزيز نزع الشرعية عن الانتخابات، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف المشار إليها قبل قليل.
ومع العلم مسبقا أن إمكانية إجراء انتخابات في مناطق النظام وقسد أمر صعب، إلا أنه ممكن لو استعملنا التقنية الإلكترونية (مقابل الانتخابات بالبريد في بعض الدول) اعتمادا على الرقم الوطني، صحيح أنه سيكون هنالك مشكلة في موضوع القوائم الانتخابية ولكن أيضا يمكن إيجاد حلول لها، ومع المعرفة المسبقة أن انتخابات برلمانية مثل هذه ستكون مليئة بالثغرات إلا أنها على كل حال ستكون أفضل من انتخابات الأسد.
سألني البعض ماذا نفعل بالبرلمان المنتخب؟ قلت إنه سيكون وقتها مرجعية الائتلاف! هكذا يمد جذوراً اجتماعية وفي الوقت نفسه يتحرك بإيقاع مضبوط ببرلمان شبه حقيقي! ومن الممكن أن يتم انتخاب مجلس شيوخ من البرلمان ليكونوا أعضاء منتخبين في الائتلاف، يتم استبدالهم في كل دروة برلمانية.
لم يستحسن قياديو الائتلاف هذه الفكرة، وجادولوا بأن أطرافاً دولية عديدة وإقليمية ستقف ضدها كما وقف ضد فكرة الانتخابات في المناطق التي تحت سيطرة المعارضة، سينظر لها على أنها عمل مستفز يعرقل الحل السياسي، ولا يريد الائتلاف وضع أي عقبة في ظل سياسته في “إحراج النظام”!. والآن وعلى وقع ردود الفعل على قرار تشكيل المفوضية يمكنني أن أتوقع بوضوح ماذا كان يمكن أن تكون ردة فعل الشارع السوري وتخميناته لو قرر الائتلاف المضي خلف المقترح.
كان نصر الحريري قد انتخب للتو، وبدأ يقود تغييرات لمد جسور مع المجتمع السوري، ويبدو أن فكرة توسعة الائتلاف عبر انتخابات مباشرة التي طرح مشروعها أحد قادة الائتلاف حظيت باهتمام متزايد في توسعة غريبة قام بها الائتلاف عززت انفصاله عن السوريين وضم إليه شخصيات مثيرة للجدل وبعضها مبغوض على نطاق واسع من السوريين، وتطور النقاش إلى كيفية إجراء هذه الانتخابات.
شكل رئيس الائتلاف نصر الحريري غرفة تواصل استشارية من محامين سوريين يستعين بهم رئيس الائتلاف في عمله، واقترح أحد أعضائها الطموحين فكرة مفوضية عامة للانتخابات، وذلك بالرغم من أن إنشاء مفوضية عامة للانتخابات لا يمكن للائتلاف ولا لنظام الأسد أن ينشئها في ظل استمرار الصراع ووجود قرارات دولية، فالجهة الوحيدة القادرة على ذلك هي هيئة الحكم الانتقالي. أوكلت مهمة صياغة قرار المفوضية إلى هذا العضو، وما من شك أن أعضاء الائتلاف جميعهم كانوا على علم بذلك، وبالأخص المؤثرين الرئيسيين فيهم في قيادة الائتلاف.
لا يبدو واضحاً ما إذا كان قادة الائتلاف قد حددوا من يمكن أن يكون رئيساً لمثل هذه المفوضية، لكن المحامي حسان الأسود صرح في مقابلة
صحيفة جسر المحلية بتاريخ 23/11/2020، أنه مرشح لهذه لشغل هذا المنصب، والطريف أنه بدأ في مقابلته واثقاً لدرجة أنه اشترط لقبول هذا المنصب أن يتمتع بصلاحيات واسعة هي في الواقع صلاحيات رئيس هيئة الحكم الانتقالي تماما!!
حظي قرار تشكيل المفوضية بشبه إجماع في رفضه خصوصاً مع الملابسات التي حفته، والمشار إليها في مقدمة المقال، فقرر الائتلاف سحبه في 23/11/2020، ومن الواضح أن سياق تشكيل المفوضية منفصل انفصالاً تاماً عن الواقع من قبل جميع الأطراف التي ساهمت فيه، ويعكس أزمة الائتلاف أكثر مما يعكس رغبته في التأثير في المجتمع السوري والاقتراب منه، لكن وعلى الرغم من أن الائتلاف لم يفكر بالتأكيد ولم يكن ينوي المشاركة في أي من انتخابات النظام؛ إلا أن جذور فكرة الانتخابات والمسار السياسي ومعضلة شرعية الائتلاف كانت هي المحفز الرئيس والتي لا يبدو أنها ستجد حلاً في المدى المنظور.
تلفزيون سوريا
=====================
تحديث 14 كانون الأول 2020
—————————–
مطرودون من جحيم النظام وجنة المعارضة/ علي سفر
أطرف ما يمكن العثور عليه في تصريحات من أرسلهم نظام الأسد للاجتماع مع هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، في سياق جلسات اللجنة الدستورية الأخيرة، أن بعض هؤلاء خلال نقاش مسألة عودة اللاجئين، وحيال تساؤل وفد المعارضة وبعض أعضاء وفد المجتمع المدني عن الضمانات اللازمة لعودة المطلوبين للفروع الأمنية وللمحاكم، ردوا بالقول: “أنه يمكن للاجئين السياسيين أن يبقوا خارج البلاد وأن يعود الأشخاص غير المطلوبين”!
الطرافة هنا لا تعني أننا سنذهب فوراً إلى الابتسامة أو الضحك أو القهقهة، بل تعني وفي سياق قراءة الخطاب الأسدي ذي الديمومة القهرية، أن ثمة حيثيات كثيرة ما برحت تحضر في نقاش الأسديين مع “أعداء الوطن”! وهم عموم الشعب السوري وليس المعارضين السياسيين فقط، فتستدعي ممن يتابعون تكتيكات النظام وطرق التفافه على القضايا الرئيسية، التوقف عند جوهر الرؤية التي ينطلق منها، ليذهب إلى نقاش تفاصيل قضايا فرعية مُختلقة مثل قصة “الثوابت الوطنية”، وغيرها!
هنا يمكن تذكر أن بشار الأسد ذاته، منذ خطابه الشهير في مجلة الشعب، بُعيد انطلاق المظاهرات في درعا، وحتى خطابه الأخير أمام رجال الدين في دمشق، مروراً بعشرات اللقاءات الصحفية، لم يكن يرى أن الحدث الذي يجري في الشوارع السورية يستحق التعاطي معه بجدية، بل كان مجرد مؤامرة ستفشل! فيعبر عن ثقته بنظامه ونجاحه في مواجهتها بالضحك مرة، وبالدعوة للصمود مرة، وبالتفلسف جيئة وذهاباً، بطائل وبلا طائل، مرات ومرات!
بثينة شعبان التي كانت قد سبقت رأس النظام بالظهور على الشاشات لتتحدث عن الأمر، ووعدت السوريين بالأعطيات، وأشارت إلى أن ثمة مؤامرة طائفية تحركها أياد خارجية، لم تتوقف عن فعل الأشياء ذاتها، دون إحساس بأن الهبل الذي تمارسه (وبحسب توصيف المؤيدين لا المعارضين) يستحق المراجعة، طالما أنه يؤدي الغرض منه؛ فالقصة لا تستحق، طالما أن مصالحها بين مكتبها وبيتها تجري كما هو معتاد!
وبدوره لم يقصر وليد المعلم في أداء دوره، فقد وعد بإغراق الخصوم بالتفاصيل، فظل يهذي بها، ويُضحك الحضور في مؤتمراته الصحفية، حتى مماته قبل أيام!
لقد توحدت أحاديث هؤلاء ومن معهم جميعاً، فظلت مساراتها طيلة الأعوام الماضية، وحتى يومنا هذا، تُسهب بالتفاصيل وتفاصيلها!
وفي السياق، يتحول جميع عناصر المشهد السوري إلى تفصيل هنا وتفصيل هناك، وصولاً إلى اعتبار المعارضين السياسيين أيضاً مجرد تفاصيل يمكن تجاوزها، مقابل أن يكسب الأسد اللعبة كلها، فيعود من يعود إلى حضن الوطن المفصل على قياس حكمه، ليعيشوا مثلما كانوا قبل الثورة، وعليهم لكي يجري ذلك بالسلاسة المطلوبة، وبالضرورة، أن ينسوا مذابحه، والمآسي التي خلفها قمعه الدموي للثائرين!
الجوهر الذي ينطلق منه النظام بكل أركانه في كل ما يتم النقاش حوله وفيه، يتلخص بعبارة واحدة هي “بقاء الأسد”!
وبالنظر إلى صقل دول حليفة كروسيا وإيران رؤاها التفاوضية على رفض تغيير النظام بالقوة، ورؤاها العسكرية عبر الاستماتة بالدفاع عنه، حتى لو أدى ذلك إلى القيام بالإبادات والتهجير، فإن “المعارضات” السورية ذاتها سيتم فرزها وفق معايير هذا الجوهر ذاته، وبدلاً من أن يتم العمل على توحيدها، فإن كلا الحليفين لا يمانعان أن يتم تقسيم المقسم، وأن تجري عمليات “مبازرة” طويلة الأمد، يمكن خلالها تليين الرؤوس الصلبة، وتنخيل البقية.
حيث لن يبقى في النهاية في المواجهة سوى قلة من السوريين يرفضون العودة، لأنهم يمتلكون أجندات خارجية وتسيطر عليهم مخابرات الدول الراعية لهم (بحسب أجندة الإعلام الأسدي وبعض المعارضة للأسف) بينما سيكون الباب مفتوحاً أمام كل من يقبل ببقاء الحال كما هو، حتى وإن كان الثمن تأثيم الشهداء، ونسيان الضحايا، وعدم المطالبة بالحقوق، وشطب رد المظالم من ميكانزمات التفكير!
مشكلة المعارضات السورية، لم تكن يوماً ما في تفرقها وعدم توحدها، فالشعب يريد إسقاط النظام، وهي تتبعه منذ تاريخ إعلانه في شوارع المدن السورية، وهي تستطيع أن تبقى متفرقة سياسياً، لكنها موحدة على الشعار الأساسي، غير أنها وبموجب قوى الضغط الإقليمية والدولية التي تولت دعمها واستخدامها في آن معاً، ترهلت وأمست ملحقة بمشاريع الحل، بعد أن تبدى حضورها على الأرض فارغاً وهزيلاً، بعد سلسلة طويلة من الانتكاسات الميدانية والسياسية، أمام الفصائل المتطرفة والمتحاربة، وأمام جيل كامل من الشباب الثائر الذي تشكل وعيه على ضرورة تدمير جوهر الأسدية ذاته.
ورغم أنه بات مبعثراً بين الداخل والخارج، وبين فشل المشاريع السياسية وكذلك المدنية على الأرض، إلا أنه بات موحداً أكثر من أي وقت مضى على فكرة تقول بضرورة تنحية المعارضة الحالية ولاسيما منها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بعد أن أثبت هذا الأخير ليس فقط عجزه البنيوي عن مواجهة النظام وحلفائه سياسياً، بل عدم قدرته على التجدد، وأيضاً عدم احتضانه للشباب الثائر في مؤسساته التي يستعمر مواقعها القيادية جيل من الشيوخ، لا يقبلون أن يزاحمهم عليها أحد!
مصيبة هذه المعارضات أنها وفي سياق كامل من ممارساتها تحاكي العقلية الأسدية ذاتها، فهي (وعلى سبيل المثال لا الحصر) تتعاطى بخفة مع مطالب كل الفئات الشعبية التي تندد بتصرفاتها، فكل ما يحدث ويجري هو تفاصيل غير ذات أهمية، يمكن لأصحابها الانتظار حتى يتمكن القادة من كسب معاركهم، الصغيرة منها قبل الكبيرة!
تلفزيون سوريا
——————————–
عن الواقعية السياسية وابتذالها/ بسام يوسف
أوصلنا ممثلي المعارضة الذين يتبعون مصالح القوى الإقليمية والدولية، إلى إزاحة جوهر القضية السورية جانباً، وغرقوا وأغرقونا في هوامشها، وكأنَّ حقوقنا نحن السوريين ليست مهمة إلى حد اعتبارها لب المشكلة وجوهرها، أو كأنَّ مصيرنا ومصير وطننا هو تفصيل، ليس أكثر أهمية من المصالح الدولية أو نظام الأسد.
أصبحت معاركنا الكبرى هي منصات الوهم المتعددة، أو هي نقاش دستور، يُمكن لبشار الأسد أن يقذف به إلى المزبلة، أو هي لقاء معارض لمسؤول في هذه الدولة أو تلك، ولم تعد ثورة شعب، وحقوقه، ومصيره ومصير أجياله.
منذ أن أدار أول جندي سوري وجهه باتجاه الداخل السوري، وغادر ثكنته متوجهاً لمواجهة الشعب السوري، الذي ثار ضد النظام، فقد بشار الأسد كل شرعيته، ورغم أنها شرعية ضحلة أساساً، ولا يُمكن لأحد أن يعتدَّ بها، إلا أنها كانت رغم تفاهتها تستر فضيحته.
عندما اختار بشار الأسد التمسك بالسلطة، مهما يكن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري، مقابل ذلك التمسك، فإنّه اختار بوضوح شديد أن يكون عدواً للشعب السوري، وبالتالي فإن الأسس التي يقوم عليها وجوده في موقع رئاسة الجمهورية أصبحت لاغية، والمعادلة التي تنظم علاقة الدولة والحكومة والشعب، بموجب الدستور، أصبحت بالضرورة بحاجة إلى استعادة شرطها الحقيقي، وهو أن يكون موقع الرئاسة لخدمة وحماية الدولة والمجتمع.
إن ما يجري الآن من تجاهل لهذا الأمر، ومحاولة تعويم بشار الأسد، هو انتهاك وقح لحق السوريين، ولروح دستورهم، ونسف كامل لمعنى الديموقراطية، ولمعنى الدولة، إذ يكفي أن يُطلق جندي سوري طلقة واحدة بأمر من بشار الأسد على مواطن سوري متظاهر، ليفقد بشار شرعيته كلّها، فكيف تتجرؤون إذاً بعد عشر سنوات من الجرائم، والإبادة والتهجير والنهب، التي ارتكبها بحق الشعب السوري، على أن تتفاوضوا على وجوده في موقع الرئاسة؟
لم يكتفِ بشار الأسد بوضع الجيش السوري في مواجهة الشعب السوري، وهذه لوحدها خيانة عظمى بالمعنى الوطني، بل استقدم جيوشاً وميليشيات واستقوى بها على الشعب، ثم راح يهدر إمكانات وثروات سوريا، ويرهنها للمحتلين، وغطى الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها هذه الاحتلالات والميليشيات.
اليوم وباسم الواقعية السياسية، يتم تجاهل الحقائق الأهم في الحدث السوري، ويتم وأد جوهر الثورة السورية، ووأد حقوق السوريين.
إنّ أقصى ما يمكن للواقعية السياسية أن تنحطَّ إليه، هو الموافقة على عدم محاكمة بشار الأسد بتهمة الخيانة العظمى، وبتهمة جرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة، وغيرها من الجرائم، والسماح له ولعصابته بالإفلات من العقاب، وهذه الموافقة بحد ذاتها هي عار، ليس على من يوافق من السوريين عليها فقط، بل هي عار على البشرية، وقيمها، وامتهان وقح للحقوق الأساسية التي أقرتها القوانين الدولية.
إنّ رفض السوريين لتعويم بشار الأسد، لا يستند فقط على ما ارتكبه من جرائم بحقهم وبحق وطنهم، بل لأن ما سوف يترتب على بقائه هو كارثة وطنية، ستقود سوريا إلى تداعيات خطيرة، قد تصل حد انتهاء سوريا كدولة.
ماذا سيحصل لو بقي بشار الأسد في موقع الرئاسة؟
أولاً – ترسخ الاحتلالات لوجودها في سوريا، وبالتالي فإن سوريا ستدخل في نفق مناطق نفوذ متعددة، سيفضي إلى تقسيم سوريا لاحقاً، أو إلى قيام كيان هش غير منسجم، وقابل للانفجار والانهيار في أي لحظة.
ثانياً – توقف مشاريع إعادة بناء سوريا، وإبقاء الحصار عليها، وخوض تجربة تشبه إلى حد كبير تجربة العراق مع الحصار، والتي استمرت أكثر من عشر سنوات، ذاق الشعب العراقي خلالها الويلات، ودفع ثمنها باهظاً جداً.
ثالثاً – تحطم القليل المتبقي من إمكانات سوريا، واستنزاف كل إمكاناتها، وارتهانها لسنين طويلة قادمة، لدول واتفاقات، وعقود لمصلحة أطراف خارجية.
رابعاً – تحوّل الدولة السورية بكاملها إلى دولة مارقة، دولة تديرها مافيات، ويمكننا تلمس التوجه الجديد لهذه المافيات، من حوادث تهريب المخدرات التي أصبحت فضيحة، والتي وضعت المرافئ السورية موضع الشبهات في كل مرافئ العالم.
خامساً – انهيار المجتمع السوري، وانهيار علاقاته، وما تبقَى من مؤسساته الصحية، والتعليمية، والقضائية.
سادساً – إفلات كل المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بحق السوريين من المحاسبة، وإهدار حقوق الملايين من السوريين، ونهب أملاكهم.
إذا استثنينا عائلة الأسد وزمرة اللصوص المحيطة بها، فليس هناك مصلحة لسوري واحد في بقاء بشار الأسد، مهما تكن طائفة هذا السوري، أو دينه، أو رأيه السياسي…الخ.
إذا كانت مصالح الأطراف الخارجية الطامعة بسوريا، تتطلب الإبقاء على بشار الأسد من أجل حماية مصالحها، فليس هناك أية مصلحة للسوريين في ذلك، ولا يمكن لأي انتخابات يُطرح فيها اسم بشار الأسد، ومهما تكن نسبة المشاركة فيها، أو مهما تكن نتائجها، أن تكون شرعية.
في المادة 84 من الدستور السوري، الذي وضعه بشار الأسد وصاغه على هواه وكما يشتهي، وفي البند الثالث منها: “يشترط في المرشح إلى منصب رئيس الجمهورية أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره”، هل هناك جريمة أو فعل شائن لم يرتكبه بشار الأسد بحق السوريين؟
أي مستقبل لسوريا وللسوريين أن يكون رئيسهم مجرما، ومطلوبا لمحاكم دولية، وضعيفا ومرتهنا لأطراف خارجية تتحكم به وبقراراته، ويعمل كواجهة لها ولمصلحتها فقط، خصوصاً في الوضع الراهن الذي تعيشه سوريا والسوريين، حيث نصف الشعب السوري نازح أو لاجئ، وحيث الانهيار التام في البنية التحتية، وفي الاقتصاد، ومؤسسات الجيش، والتعليم، والصحة والقضاء؟
لا معنى هنا لهذا التشاطر السياسي المفضوح، ولا لألاعيب المصالح، ولا لمفاهيم الواقعية السياسية المبتذلة، وموازين القوى، ففي هذه الحالة ثمة حقيقة واحدة يمكن اعتبارها، وهي أنه من يريد لسوريا أن تخرج من كارثتها، وأن توضع على سكة التعافي التي قد تطول لأجيال، ومن يريد أن تنتهي مأساة السوريين كلّهم، وبغض النظر عن أي تصنيف لهم، هو أن يطالب بمحاكمة بشار الأسد وعصابته، وإن لم يكن هذا ممكناً، فليس أقل من اقتلاعهم من سوريا.
ما تقوم به روسيا وإيران اليوم، وعبر أدوات سورية من نقاش حول دستور، وحول ترتيب جديد لسوريا، يسمح بالإبقاء على بشار الأسد بهذه الصيغة أو تلك، هو إجهاض كامل لحق السوريين في تقرير مصير وطنهم، وتسفيه لحلمهم، وإنكار وقح لدماء أبنائهم، وهو فضيحة لهذه الدول، وخيانة يرتكبها السوريون المشاركون بهذه المهزلة، بحق وطنهم وشعبهم.
عن أي هيئة عليا للانتخابات يتحدث أولئك؟ وعن أي دستور؟ إنها الفضيحة…فضيحة عارية وصفيقة.
تلفزيون سوريا
—————————–
سورية .. من الائتلاف إلى مؤتمر القوى الوطنية/ عمار ديوب
وصل جبل الجليد إلى لحظة انهياره، مع “المفوضية العليا للانتخابات”؛ حيث أعلنت قوىً عديدة وشخصيات وفاعليات سورية معارضة كثيرة رفضاً قاطعاً لقرار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية هذا. وتشكل الورقة الأخيرة المُقدمة من وفد هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية إلى اللجنة الدستورية تخلّيا آخر عن القرارات الدولية، وانطواءً في حيثيات وفد النظام، أي الاحتكام إلى صندوق الاقتراع! مشكلة هذه القوى والفاعليات ليس في نقدها ورفضها ذلك القرار و”الائتلاف” نفسه، والمطالبة بحلّه، واعتباره لاغياً، ولا يمثل السوريين في أيِّ ميدانٍ أو قضية أو تمثيلٍ دولي. مشكلتها في صمتها الطويل عن أيّ خطوة عملية من قبل، وربما عدم إلمامها بما عليه حال “الائتلاف” ووظيفته في خدمة التنسيق التركي الروسي، لإنهاء الثورة، بل ولإنهاء المعارضة ذاتها، وإعادة إنتاج النظام، وعدا ذلك ربما كانت تنتظر دورها لتكون في قيادته!
سقط “الائتلاف” عملياً، منذ قَبِلَ بتشكيل هيئة مفاوضات جديدة، فيها منصتا موسكو والقاهرة، والتنازل عن شروطٍ واجبة للبدء بأيّة مفاوضات مع النظام، فدخل لعبة الدول المتدخلة، أي صار أداة بيدها، وشكّل حكومة مؤقتة تابعة للأتراك، وصمت عن التنسيق إياه، وهذا أدّى إلى تراجع كبير في موقع الثورة والمعارضة عالمياً، وتقدّمت المشاريع الجهادية من ناحية، وبديلا عنه، ومن ناحية أخرى، مشاريع روسيا: أستانة، سوتشي، واللجنة الدستورية، وأخيرا مؤتمر اللاجئين في دمشق. رفض أميركا وأوروبا هو ما أفشل كل مشاريع روسيا وليس “الائتلاف” الّذي دلّت مسيرته، وقراره الجديد، على أنّه أضاع بوصلة القضية السورية بالكامل، وصارت وظيفته المساهمة في إعادة إنتاج النظام عبر الانتخابات المقبلة، والاشتراك فيها.
هذه أحوال ائتلاف “النظام”، ولكن ما هي أحوال بقية المعارضات؟ لماذا لم تتجمع وتتشارك في معارضةٍ جديدة؟ ألم تشترك فيه شخصياتٌ كثيرة، تنتقده اليوم! لنقل إنهم اكتشفوا ممارساته الرديئة لاحقاً، والسؤال: ماذا فعلتم أنتم؟ لا شيء، بكل بساطة.
سمحت خطيئة “الائتلاف” غير المسبوقة بحركةٍ نشطةٍ وفاعلة، هي ردّة فعلٍ، واستثمار في الخطيئة! وهذا ليس سيئا في حدِّ ذاته. أما السيئ، فإن هذه الحركة لا تتجاوز التشهير بـ”الائتلاف” والدعوة إلى معارضة جديدة، ووفق مبادئ الثورة ذاتها لعام 2011. ولكن السؤال: ألم تكن تلك المبادئ موجودة، وتمّ الابتعاد عنها، واحتُكِرَ العمل المعارض لصالح قوىً محدّدة بعينها. وبعد ذلك، تمّ إشراك قوىً وشخصياتٍ لا علاقة لها بالثورة أو المعارضة، وهي ممثلة لدولٍ خارجية فقط “لنتأمل شخصية خالد الخوجة وأحمد الجربا أو أنس العبدة أو نصر الحريري”!
أن تفشل المعارضة المكرّسة يعني أن عليها أن تجلس في بيوتها، وأن تستقيل شخصياتها الأساسية من العمل السياسي. في إطار البيانات التي دعت إلى شطب “الائتلاف”، نجد شخصيات كانت موجودة في قيادة المجلس الوطني السوري، وفي “الائتلاف” وسواه. والسؤال البسيط: أليس من حق الثورة والمعارضة والسوريين، القول: بأيٍّ عيّنٍ تنتقدون وأنتم من فَشِلَ في المعارضات التي تشكّلت في 2011، وفُتحت لكم حينها كل أبواب العالم!؟ الأهم أنهم لم يتقدّموا بأيّة انتقادات لأسباب فشلهم، وربما لا يعلمون أنهم فشلوا؛ فالعالم تآمر عليهم، ولهذا فشلوا فشلاً ذريعاً.. أليست هذه رواية قادة النظام كذلك؛ أيُّ إنكارٍ تعيشه المعارضة والنظام أيضاً.
ما حدث من تطورات في الوضع السوري، ومنذ العام 2011، هو ما يستدعي معارضةً جديدة، حيث لم يكن الفشل من نصيب “الائتلاف”، بل ومعه كل القوى المعارضة للنظام. هذا يعني أن ذلك الفشل، وارتهان النظام لإيران وروسيا قابله ارتهان المعارضة لدول الخليج ولتركيا ولسواها. وبالتالي، لم تعد القضية سوريّةً، وأصبحت إقليمية وعالمية فحسب. مبرّرات وجود معارضة جديدة تكمن في كيفية استعادة المسألة السورية، وليس فقط المعارضة أو الثورة أو النظام حتى. هذا يعني أن أي معارضةٍ جديدةٍ يجب أن تمثل الغالبية العظمى من السوريين، والتي أصبحت مهجرة أو مفقرة، وتعدّت نسبتها 85%. وعدا ذلك، لم يعد السوريون يعرفون هوية موحدة، أو أرضاً ينطلقون منها للنضال الوطني، وصارت كتل منهم تفضّل تركيا أو إيران أو روسيا أو أميركا أو.. أو.. هذه مأساة لثورةٍ شعبية، حدثت من أجل الانتقال الديمقراطي، والعدالة الاجتماعية وتعزيز الروح الوطنية، وإذا بها تصبح ألعوبة بيد الخارج، وأدوات اللعب هي النظام والمعارضة المكرّسة.
مبرّرات مؤتمر جديد للقوى السورية المعارضة كثيرة، والأساس الصلب فيها هو الإعلان عن مشروعٍ وطنيٍّ يتجاوز كل أشكال الانقسام السوريّة، وشطب المؤسسات المكرّسة حالياً، وهذا ينطلق أولاً من رؤية مصالح الأكثرية المهمّشة في نظام ديمقراطي، وعدالة اجتماعية وتحرّر وطني من كل احتلال أصبح في سورية. وثانياً، إيجاد حل عادل للقضايا القومية. وثالثاً، الإعلان عن نظام سياسي يستند إلى المواطنة والدولة الحديثة، والفصل الدقيق بين الأديان والسياسة، ورفض مبدأ الأحزاب الدينية، وإنما تتشكّل الأحزاب وفقاً لبرامجٍ سياسية عابرة للطوائف والمحليّات والمدن، وسوى ذلك سيعني تعزيزاً للهويات ما قبل الوطنية.
أصبحت الانقسامات السوريّة كارثية، وهي حقيقيّة، وبغض النظر عن مقدار الأوهام فيها أو الحقائق. نقطة الانطلاق في طيٍّ ذلك هي الاعتراف بالمسؤولية عن تلك الانقسامات، وإجراء محاكماتٍ عادلةٍ لمن ارتكبوا جرائم بحق السوريين، كائنين من كانوا. والحركة النشطة للمعارضة بعد نومة أهل الكهف لا يجوز استغلالها من أجل تشكيل جسم معارض بشعاراتٍ رنّانة وحمقاء، أو الاكتفاء بأهداف الثورة في العام 2011 وتكرارها. العودة إلى القرارات الدولية، وبدءاً ببيان جنيف 1 وقراري مجلس الأمن 2118 و2254 وسواها، والانطلاق من هيئة حكم مستقلة الصلاحيات أمر صحيح، ولكن ذلك تقادم وتراكم عليه الكثير. المدخل نحو إعادة المسألة السورية إلى السوريين تستدعي العودة، وعدا عن القرارات الدولية، إلى السوريين أنفسهم أولاً. ما يبعث الاطمئنان ويعيد الناس إلى السياسة، هو إبعاد الشخصيات الأساسية في المجلس الوطني وفي الائتلاف وفي هيئة التنسيق. وبالطبع رفض كل الهيئات المتعلقة بالأسلمة والجهادية، والتخلص من التكتكة الفاشلة باحتضان كل قوّةٍ تعلن عن نفسها أنّها ضد النظام، وكذلك رفض كل مال أو علاقة مع دولةٍ، تنطلق من شروط التبعية؛ أصل الكثير من الفشل لدى المعارضة هنا. وبالتالي، القوى الجديدة مطالبة بمشروعٍ وطني، وبقيادة وطنية ومستقلة، وبتمثيل أغلبية السوريين، ويستثنى القتلة وتجار الحروب، فلهؤلاء المحاكم. المشروع ذاك يجب أن يعكس مصالح أكثرية السوريين، ويخفّف من قلقهم بما يخص الانقسامات، وبالتأكيد عليه رفض كل أشكال الاحتلال.
أغلبية شخصيات المعارضة الرافضة للائتلاف الوطني ليست مؤهلة للعبِ دورٍ ثوري؟ مشكلتنا، نحن السوريين، الآن تكمن في: إعادة تكريس معارضةٍ ميتة، أو استمرار “الائتلاف”، ووظيفته إعادة إنتاج النظام، فهل من قوّة ثالثة مستقلة؟… القدرة على طي صفحة “الائتلاف” الميّت، تفترض ما ذكر أعلاه، وسواه بالتأكيد.
العربي الجديد
——————————–
هيئات المعارضة السورية وفشل التمثيل/ محمد برو
بالرغم من انكساراتنا المستمرة كسوريين، إلا أننا لا نمل ولا نيئس، وفي كل فصلٍ تقريباً تطل علينا مبادرةٌ جديدةٌ، أو دعوة لإعادة هيكلة أو تشكيل الأجسام التمثيلية للمعارضة، أو إسقاط الهياكل الشكلية للأجسام التمثيلية القديمة، التي لم تعد تعني شيئاً واستبدالها بجسمٍ جديد.
من نتائج هذه السنوات المريرة التي عصفت بحياة السوريين، أنها أسست لدى الكثيرين منهم نظرةً نقديةً، ومحاكمةً عالية التشكك تجاه أي طرح جديد، ربما يكون محض تكرارٍ بطيء لما فعلته الهيئات الثورية والممثلون لها وما أكثرهم، لا سيما أن الهيئات السابقة قامت في بدايات الثورة السورية، الأمر الذي أتاح لها زخماً كافياً من الحماسة والتضحية والتفاعل الدولي والإعلامي، الذي بات مفقوداً اليوم، ومن شبه المحال عودته ثانيةً، بعد كل هذا الفشل المريع والخيبات المتكررة.
كما أن الكثير من الفصائل المسلحة والتي كانت تمثل الشكل المباشر والحاد للمواجهة مع قوات النظام والميليشيات الداعمة له، قد انحرف عن مشروعها التأسيسي، وأصبحت تمارس دورها وسلطتها المسلحة في دائرة نفوذها، تماماً كما كانت تفعل قوات النظام، وتحولت إلى مافيا مصالح ومكاسب وحسب، ولم يعد التنسيق اللازم بينها وبين التشكيلات السياسية ممكناً.
لقد بات العالم اليوم منشغلاً بوقائع أكثر جدةً وأهميةً بالنسبة له، خاصةً في زمن الكورونا، الذي غير سلم الأولويات العالمية والمحلية بشكلٍ حاسم، ولم يعد معنياً بتوق السوريين للحرية، ومقدار ما قدموه من تضحيات على مذبحها.
معظم الأسماء التي ظهرت في الصف الأول من المعارضين، الذين تسلموا مواقع قيادية، كان الشطر الأكبر من نشاطهم وإلى اليوم، منصباً على الحفاظ على هذا الموقع، وفور فوز أحدهم بكرسي رئاسة ما أو أمانة العامة، أو هيئة سياسية، يبدأ سعيه الحثيث في التحشيد للانتخابات القادمة، التي ستكون بعد ستة أشهر أو سنة.
اللجنة الدستورية أو هيئة التفاوض على سبيل المثال، يستطيع فتىً لم يبلغ الحلم بعد أن يكتشف من اللحظة الأولى لإطلاق تلك اللجان، أنها ستدور في مكانها الذي تم رسمه لها، كما يدور الثور في رحاه، لا تملك أدنى قدرة على الانزياح يميناً أو يساراً، كما أن تحقيق أي تقدم على هذا المسار مرهونٌ برغبة الدول المتحكمة بالملف السوري، وهذه الرغبة غير متوفرة بدلالة الوقائع المتكررة.
تتسم هذه الهيئات بالافتقار للمتخصصين في إدارة تلك الملفات الشائكة، التي يبرع النظام وأزلامه في إدارتها، واللعب بحبالها، فمعظم المشاركين في اللجنة الدستورية، لا يفقهون في القضايا الدستورية أكثر مما يفقه بائع حليب في قضايا مسرح الكابوكي الياباني، وليس هذا لافتقار الكوادر السورية المعارضة لهذه الخبرات، بل لأن العملة الرديئة تطرد العملة الصحيحة، وتحرص على تغييبها.
في منتصف عام 2012 سألت أحد أهم وجوه المعارضة يومها وأنشطهم فاعلية، “برأيك لو أسندنا وزارة الكهرباء اليوم لأهم وأوسع فريق في المعارضة السورية ماذا ستكون النتيجة؟ فأجابني بدون تريث وبثقةٍ تامة، ستنقطع الكهرباء سبعة أيامٍ في الأسبوع” وهو حسب رأيي غير مبالغ أبداً، لكن من السخرية المرة أننا اليوم وبعد تسع سنوات، لم تتمكن المؤسسات التمثيلية للمعارضة من بناء فريقٍ من المختصين، أو للاستعانة بمن هو متوفرٌ أصلاً، لإدارة تلك الملفات التي تخاض الحرب عبرها.
في كلِّ مرة تطلب منظمةٌ أو مؤسسةٌ ما موظفا جديداً للعمل في قطاعها المحدود، نجد دفتر شروطٍ متين مصاغ وفق المعايير العالمية، كيما يكون الفائز بتلك الوظيفة مؤهلاً بالفعل للقيام بمتطلباتها، وهذا يحمد لهم، لكن الغريب أننا في المؤسسات التمثيلية للثورة نجد الشطر الأكبر ممن يتبادلون الكراسي بينهم وبشكل منتظم، لا يمتلكون أدنى درجات التأهيل لهذه المواقع، باستثناء التثقيل الثوري، الذي يرتكز أساساً على جملة مزاعم يصعب التحقق منها أصلاً.
هذا لا يعني أن نقطع سلفا مع اللجان أو الهيئات التي تبادر لإملاء الفراغ المرعب، لكن التقدم للتداخل في المسألة السورية الآن أخطر من إمساك الجمر والمناخ هو الأسوأ على الإطلاق، والأمل بالجدوى ينحدر إلى ما هو تحت الصفر، مع الافتقار التام للحماسة التي تدفع السائرين في الدروب الصعبة لتحمل العناء.
هل سنشهد في مقبل الأيام ولادة هيئاتٍ أو تشكيلات معارضة، تستوفي الحد الأدنى من شروط التمثيل، وتمتلك ما يلزم من التفويض عن شعب له تسع سنوات يعاني القتل والتدمير والحصار، ولن يقبل من جديد بممثلين جدد، يهبطون عليه من السماء؟
وهل ستمتلك هذه الهيئات الجديدة بوصلة محددة الأهداف، بدقة وفق رؤيا موضوعية بعيدة عن اللافتات الشعرية، التي لم تعد تسكر أحداً؟
وهل ستمتلك آلية من الممارسة الرقابية التي تدقق وبشكلٍ دوريٍّ ورتيب، بمدى تطابق حركة هذه الهيئة مع الأهداف والمبادئ التي منها انطلقت؟
إن تكرار تجربة الائتلاف الفاشلة والمليئة بالفساد، يقطع الطريق على ولادة أجسام سليمة، تفرزها حالة التأزم الشعبي، التي من طبيعتها أن تفرز ممثليها وتكوّن الإطار المناسب لاستمرار ثورتها.
تلفزيون سوريا
—————————–
بين الرياض1 والرياض2 هوّة من يردمها؟.. الانتقال السياسي أولاً/ أسامة آغي
من لا يملك قوةً يضعها على الطاولة في مفاوضات مع أعدائه، فلماذا يذهب إلى التفاوض وعلى ماذا يتفاوض؟. هذه حقيقة من حقائق السياسة بشتى وسائلها وأدواتها، فالحرب هي سياسة بطريقة القوة.
هذه المعادلة بين القوة والتفاوض، يجب أن يأخذ بها وفد هيئة التفاوض السورية ووفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، وبدون الأخذ بهذه المعادلة يمكن القول إن ما يجري مجرد عبث سياسي، يمارسه هواة لا خبرة سياسية لديهم ولا ميزان قوى.
لقد أخذت الهيئة العليا للمفاوضات، التي قادها الدكتور رياض حجاب، خلال عمرها البالغ سبع جلسات، استمرت لقرابة عامين، قراراً واضحاً، هو أن تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، (2254 و2118 وبيان جنيف1) هو الحدّ الأدنى المقبول لدى الشعب السوري، ولا يجوز التفريط أو الالتفاف على جوهر هذه القرارات، ولهذا، فميزان القوى في هذه الحالة، هو ميزان غير مباشر، يعتمد على صلابة المفاوض عن الثورة والمعارضة، وبالتالي يعتمد على قوة حق التغيير المنشود من وراء التفاوض (الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي)، ويستند إلى حاضنته الشعبية.
الروس الذين لم يعجبهم صلابة موقف رياض حجاب وفريقه التفاوضي، ضغطوا لتغيير الوفد وهيئة التفاوض، وأتوا بفريق وافق منذ الجلسة الثامنة (الأولى لفريق الرياض2) على ورقة ديمستورا التي رفضها رياض حجاب وفريقه، والمسماة (ورقة المبادئ الـ 12 الحية).
هذه الورقة ببساطة لا تشكّل قاعدة للتفاوض، لأنها تخرق القرارين 2118 و2254 وبيان جنيف1، والخرق هنا هو عدم ذكرها لمرحلة الانتقال السياسي وإشراف الأمم المتحدة التام على الانتخابات بعد انقضاء مرحلة الانتقال السياسي، كذلك لذهابها إلى انتخابات تبدو وكأنها تجري تحت رقابة النظام الاستبدادي، الذي ثار السوريون من أجل الخلاص منه.
إن تصلّب وثبات هيئة التفاوض، التي كان يقودها رياض حجاب وإصرارها على تنفيذ القرارات الدولية وفق تسلسلها (هيئة حاكمة انتقالية محددة المدة، صياغة دستور يتم الاستفتاء عليه وطنياً ثم تأمين بيئة آمنة حقيقية وإشراف تام من الأمم المتحدة على إجراء الانتخابات العامة في البلاد) إنما هو إصرار من أجل الانتقال السياسي ومحاسبة كل منتهكي حقوق الإنسان ومجرمي الحرب من كل الأطراف في سوريا.
وهذا ما يجب أن تتبعه هيئة تفاوض تعتبر نفسها فريق تفاوض عن الثورة السورية والشعب المهجّر والنازح تحت الخيام.
أما القبول بورقة اللاورقة التي طرحها ديمستورا ورفضها فريق التفاوض بقيادة رياض حجاب، فهو تنازل صريح عن حق لا يمتلكه هذا الفريق المفاوض، والذي لا يعني الاعتراف من بعض القوى الدولية به، بأنه ممثل شرعي للشعب السوري.
الشرعية يجب أن يكون لها إطار وطني يصنعه السوريون بأنفسهم دون تدخلات أجنبية، أما الأطر المعنية التي تدعي تمثيل السوريين فهي حصيلة ناتجة عن توافقات دولية لا علاقة للسوريين بها.
لهذا ولكي تكسب هيئة التفاوض السورية الحالية ووفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية مشروعية عملها وتمثيلها لقوى الثورة والمعارضة والحاضنة الشعبية، عليها أن تعلن ثوابت التفاوض، على قاعدة تنفيذ حقيقي لكل ما جاء في محتوى القرارات الدولية المذكورة.
الثوابت تعني ببساطة، أولاً تسلسل تنفيذ القرارات الدولية وفق ورودها، (حوكمة، دستور، انتخابات). أما صياغة نصوص تسقط منها هذه التراتبية فيعني نية مبطنة للتخلي عن جوهر القرارات الدولية.
هيئة التفاوض ومن قبلها ائتلاف قوى الثورة والمعارضة لا يمكنهما التصرف بما يريانه بشأن هذه الحقوق، فهما ليسا مرجعية لها، بل الشعب السوري، بأطره السياسية، والشعبية، ومنظمات مجتمعه المدني، وشخصياته المستقلة، وجماهيره، هي المرجعية.
لذلك فالسوريون ينتظرون من هيئة التفاوض، برئاسة السيد أنس العبدة، الإعلان عن ثبات قاعدة تفاوضهم أمام حاضنته الشعبية، وأن يشكلوا أطراً مساعدة ذات بعد سياسي وإعلامي وفكري واجتماعي شعبي.. تكون حصناً لهم، وكي لا يتم الاستفراد بهم كفريق مفاوض يعتقد الروس والنظام أنه فريق لا قاعدة شعبية له.
إن الادعاء بالتذاكي السياسي عند محاولة التفريط بالحقوق المشروعة للشعب السوري وثورته سيسقط، فرائحة الدم الذي أريق على تراب الوطن وفي معتقلاته لا يستطيع أحد تجاوزه، لأنه تجاوز للحق. فمن نسي هذه الحالة عليه الانسحاب بهدوء من لعبة التنازلات وإلا فالشعب السوري يمتلك خياراته المختلفة للدفاع عن حقه في دولة مدنية ديمقراطية لا مكان فيها للأسد وطغمته رغم أنف الروس المحتلين.
ننتظر من هيئة التفاوض الإعلان الصريح عبر وسائل الإعلام عن تمسكها المطلق بقاعدة تفاوض تقوم على تنفيذ محتوى القرارات الدولية بيان جنيف1، والقرار 2118، والقرار 2254. دون ذلك فالثقة التي تطلبها هذه الهيئة أو ذلك الائتلاف لا نعتقد بقدرتهما على الحصول عليها من الشعب السوري الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجل حريته وكرامته.
فهل تقوم هيئة التفاوض بانفتاح جدي على حاضنتها الثورية والشعبية، أم تفعل كما فعل الائتلاف حين التقى بفعاليات سورية سياسية واجتماعية ثم قفز بقراره رقم 24 إلى خارج مربع حق السوريين وفق قرارات الأمم المتحدة.
الأمر ليس مجرد ثرثرة كلامية، إنه تعبير عن حقوق مدفوعة الثمن مقدماً لمن نسي أو يتناسى ذلك.
———————————
ائتلاف هيئة التنازلات الدستورية المؤقتة/ أحمد طلب الناصر
خلال حلقة من برنامج “الصالون السياسي” على قناة “تلفزيون سوريا”، بُثت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، طرح مقدّم البرنامج على ضيفه “نصر الحريري” الذي كان رئيساً لهيئة التفاوض وقتذاك، تساؤلاً يلامس هاجس السوريين الأكبر والأعقد في سعيهم نحو الخلاص، ونقصد بند “الحكم الانتقالي” الذي نص عليه القرار 2254 والأسباب التي جعلت “سلّة” الدستور تحلّ محله ومحلّ غيره من البنود.
وبعكس ما كان متوقعاً، لم يأتِ ردّ الحريري مدافعاً عن محورية وأولوية هذا البند، بل جاء ردّه ليعلّل أسبقية سلّة الدستور ولزوم إنجازها كشرط “حتمي” لإتمام باقي الخطوات وأولها الحكم الانتقالي.
المعضلة ليست في هذه الجزئية، بل في المضمون الذي اعتمده الحريري في سياق تعليله حول أهمية السلة الدستورية ولزوم إنجازها؛ إذ قال من جملة ما أورده: “من شروط وجود هيئة الحكم الانتقالي أن يكون ثمة دستور تتشكّل على أساسه هذه الهيئة وتعمل وفق مضامينه، وبالتالي لا يمكن أن تقوم هيئة انتقالية في ظل فراغ دستوري أو بالاعتماد على الدستور الحالي الذي فصّله النظام في 2012، فالهيئة الانتقالية إذن محال أن تقوم بدون دستور”.
وعبثاً حاول مقدّم البرنامج، الإعلامي عمر الشيخ إبراهيم، أن يقنع الحريري بأن هيئة الحكم الانتقالي بإمكانها الإشراف على صياغة دستور للبلاد ثم تعرضه على الشعب السوري للاستفتاء.
وعلى ما يبدو فإن رئيس هيئة التفاوض (سابقاً) والائتلاف حالياً، لم يتسع له الوقت الكافي للاطلاع ولو قليلاً على أمثلة معروفة، وبدهية، من تجارب التاريخ المعاصر تفيد أن البلاد ذات الحكومات الوليدة، أو المستقلة حديثاً، أو تلك التي تفرزها الثورات، غالباً ما يتم صوغ دساتيرها عبر هيئات انتقالية أو مجالس تأسيسية أو خبراء يتم تكليفهم حتى لو كانوا من خارج البلاد، كما حصل على سبيل المثال في دولة الكويت التي شارك في صياغة دستورها خبراء من مصر.
دعونا من الكويت وتجارب الأمم ولنتحدث عن أنفسنا نحن. فمن الواضح أن السيد الحريري نسي كيف تمت صياغة الدستور السوري الأول عام 1920 على يد حكومة فيصل، فلربما تم الاعتماد على دستور سابق، لا نعلمه، نُصّب فيصل على أساسه ملكاً وشكّل الحكومة السورية، ومن ثمّ راحوا يكتبون دستور 1920 في أوقات الفراغ.
ويبدو أيضاً أنه نسي كيف تمت صياغة دستور 1928 عبر (مجلس تأسيسي) سوري وتحت ظل الاستعمار الفرنسي. فلعل تشكيل (المجلس التأسيسي) قد تمّ على أساس دستور فيصل السابق أو على دستور فرنسا!
وعلى سيرة فرنسا؛ فلربما قام “المؤتمر الوطني الفرنسي” بعد الثورة الفرنسية بتشكيل (الجمعية الدستورية والتشريعية) الفرنسية عام 1792 بالاعتماد على دستور الملك لويس السادس عشر مثلاً، أو تمت صياغة دستور للفرنسيين في “جنيف” أيضاً كونها جارة لفرنسا، وبعدها تم تشكيل (الجمعية الدستورية والتشريعية) لتضع الدستور الفرنسي. من يدري!؟
يبدو أن ثورة السوريين تمرّ بمأزق حقيقي سبّبته مكونات “المعارضة” التفاوضية والسياسية، على الأقل منذ التغيير الذي طرأ على هيئة التفاوض الأولى عقب استقالة رئيسها وبعض أعضائها في 2017، والتي نعترف بأننا كنا جزءاً ساذجاً ممّن اتهمها بـ “التخشّب” و”التشدّد”، فقط لأنها لم تقبل بالتخلي عن كلمة أو حرف واحد تضمنته القرارات الدولية المتمثلة بـ 2254 لعام 2015، والقرار 2118 لعام 2013، وبيان جنيف1 لعام 2012.
وللإنصاف، لا يتحمّل الحريري مسؤولية تجاوز بند “هيئة الحكم الانتقالي”، فقد سبقه أحد أركان “المعارضة” البارزين حين صرّح بمنتهى الشفافية بأن على السوريين “نسيان بند هيئة الحكم الانتقالي والقول بأن هذا المطلب قد أصبح من الماضي”.
ونحن هنا لا نشك بـ “واقعية” هذا الطرح، رغم تعارضه السياسي مع ثورة ومصالح الشعب السوري في الخلاص من الاستبداد والدكتاتورية، كما وأن هذه الواقعية تتفق مع ما يحاك داخل كواليس المجتمع الدولي.
وفي حال أن البديل سيكون عبر السلة الدستورية، فأي سلّة هذه التي ستجمع طرفي نقيض يكون الطرف المسيطر فيها هو الأسد ونظامه كما هو واضح كعين الشمس من خلال التوقيع على وثيقة (مبادئ)، ليست خالية من الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي فحسب بل خالية من أبسط مطالب السوريين، المتمثلة بالانتخابات تحت إشراف أممي.
إن فكرة تشكيل “مفوضية الانتخابات” بصياغتها الأولية التي طُرحت مؤخراً، كانت دليلاً واضحاً على أن مخاوف السوريين لم تكن عبثية بالمطلق، وهي مؤشّر مخيف على حجم التنازلات التي بلغتها مؤسسات “المعارضة” بعد أن كشفت عن قبولها بتعديلات دستورية وما يترتب عليها لاحقاً من انتخابات دون إشراف تام من الأمم المتحدة، وبمشاركة الأسد وأركان نظامه.
السوريون اليوم بأمسّ الحاجة إلى مرجعية وطنية تنال ثقتهم. مرجعية أعلى من ائتلاف ومن حكومة مؤقتة ومن هيئة تفاوض، ومن كل المؤسسات التي نخرتها التنازلات و”تبويس الشوارب” وتدوير المناصب وتبادل الكراسي؛ مرجعية وطنية لكل السوريين، يختارها سوريون بكل مكوناتهم، بمن فيهم الوطنيون المعادون للاستبداد من داخل مناطق سيطرة النظام، ومن الشرق السوري، الجزيرة والفرات. وآن أوان من هدر حقوق السوريين كي ينصرف.
————————————-
نظرة على واقعنا/ ميشيل كيلو
صار معظمنا يخشى إلقاء نظرة مدققة على واقعنا، لأنه صار واقعا مخيفا يفضل كثيرون الركون إلى أنه من الصعب أن يكون واقعنا النهائي، بارتداداته بالغة السلبية علينا.
وأعتقد أن هناك إحساسا عاما بعدم الاطمئنان إلى ما ينتظرنا، نحن السوريين، في مقبلات الأيام، كمجتمع تعرّض لتدمير استهدفه خلال الحرب التي شنتها الأسدية عليه، في سياقٍ دوليٍّ مغايرٍ لأي سياقٍ آخر عشناه، على الرغم مما عشنا من كوارث في العقود القليلة الماضية، كان أخطرها الكارثة الأسدية التي دمرت دولتنا ومجتمعنا منذ عام 1970.
أتحدّث عن سياق مغاير، تكرّس خلال السنوات العشر الماضية، من خلال الحرب الأسدية على مجتمعنا ودولتنا التي تنضوي في إطار دولي تخلق واعتمد بعد الغزو الأميركي للعراق، وقبله الثورة الإسلامية في إيران، وما أسهمت الأسدية فيه من سيطرة إسرائيلية على المجال الاستراتيجي المحيط بها عربيا، إلى جانب انهيار مشروع النهوض العربي بسبب هزيمة حزيران، والدور المركزي الذي لعبه عسكر “البعث” السوري فيها، وانتهى بالقضاء على مركزها المصري، وبروز مركز أسدي بديل، تبنّى كلاميا مقولاتٍ بدا وكأنها تصف الجهد النهضوي الذي عرفه الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية، لكن هدف المركز البديل لم يكن بناء نهضةٍ ما، بل اجتثاث قوى استنهاض العرب عامة، وسورية خصوصا، من جذورها، واستبدالها بكيان ما قبل دولوي، ما دون مجتمعي، يكبح دورة السياسة كفاعلية مجتمعية وعامة، لتعارُضها مع وجوده وتناقض حواملها مع بنيته وممارساته، لكونها تتخطّاه وتتنافى معه، بينما لعبت أجهزته المنظمة دورا جديرا بغزاةٍ يحتلون مجتمعا معاديا، فلا عجب أن أدّت ممارساته إلى القضاء الجسدي على المجتمع السوري، بعد القضاء على دولته، وإخضاعها لسلطته منذ عام 1970.
يغلط كثيرا من يرى الحدث السوري بغير منظار التنافي بين الأسدية ومجتمعنا، ويغلط أكثر من يضعه خارج هذا الإطار، لأنه إن فعل ذلك فقد القدرة على فهم ما وقع، وعلى بلورة بدائل للواقع الذي ترتّب عليه، ولم تعد تنفع معه وفيه الحلول الجزئية والترقيعية التي يقوم بها هذا الطرف أو ذاك، لكونها تفشل في مواجهة ما هو مطلوبٌ لوقف تدميرنا أولا، ثم للرد عليه بأكثر الطرق فاعلية، وبجهود أوسع قطاعات شعبنا، المستهدف الحقيقي من كل ما جرى بيد إيران والروس والأسدية وحزب الله، بعد ثورتنا.
هذا الواقع التدميري تحرسه اليوم دولٌ كبرى وإقليمية وزعت وطننا إلى حصصٍ كانت تريد الحصول عليها بعد الحل السياسي، لكنها حصلت عليها قبله، فلم يعد مسألة ملحّة أو مستعجلة، خصوصا بعد أن رسمت كل واحدةٍ منها خطوطا حمراء للآخرين ، تمنعهم من تخطّيها، وانضوت المعضلة السورية، وهي صراع بين شعب يطلب الحرية وسلطة ترفضها، في إطار إقليمي انتقل الصراع معه إلى شرق المتوسط وليبيا وأذربيجان العراق واليونان والاتحاد الأوروبي … إلخ، وصار من الطبيعي أن يتوقف حله على الطريقة التي ستسوّى من خلالها مشكلات هذا الانتقال، العويصة والعسيرة جدا على الحل، وتضمر مخاطر الانزلاق إلى العنف بين دولٍ مسلّحة حتى الأنياب ومفترسة، نشرت قواتها في مسرح الصراع الجديد، وتنتظر جميعها انصياع الآخرين لمطالبها، في وضعٍ متأزّم وانفجاري، يجعل التفرّغ للحل السوري ضربا من المزاح، وما يدور من اجتماعاتٍ دستورية وغير دستوريةٍ نوعا من الضحك على ذقون من يستمرئون الضحك على لحاهم، بل ويرون فيه إنجازا يفخرون به، بينما تتمسّك كل من إيران وروسيا بحصتها وبالخطوط الحمراء التي وضعتها لحمايتها من الآخرين، ويطمئن تابعهما الدمشقي لتنافسهما عليه، ولبؤس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وهو يتخبّط في غيبوبته، وعجزه عن الانتقال، أخيرا، إلى وضعٍ يصير فيه من حصّة السوريين، ويضع حدّا لارتهانه لغيرهم، والذي يهدد حقوقهم، ويكتم أنفاسه.
العربي الجديد
—————————————-
سوريا: سردية الثورة الصلبة وخطيئة نبذ الموالين/ إيلي عبدو
التركيز على معاداة النظام، أكثر من جذب المجتمع، جذّر من هذه السردية، وبدل أن تكون الثورة مقترحاً لحل الانقسامات القديمة وتخفيفها، صارت مسرحاً لها.
أغلقت سردية نخب في المعارضة السورية الصلبة، حول ما حصل في 15 آذار/ مارس 2011، وما تلا ذلك من أحداث، أي فرصة لفتح هذا التاريخ على إشكاليات تتعلق بنظرة الجماعات والفاعلين الاجتماعيين في سوريا، على اختلاف اتجاهاتهم، إلى طبيعة الحدث المتمثل ببداية التظاهر ضد السلطة. إذ تم تأسيس سردية تحيل المجتمع ككل إلى كتلة واحدة تواجه نظاماً قاسياً، وتسعى إلى تغييره، في افتراض مسبق بوجود وعي سوري واحد، لا يتأثر بانعدام الوطنية.
والسردية المعارضة، طردت، كل من لا يوافق عليها، فظهرت تصنيفات الموالين والرماديين والانفصاليين. وتطورت الاستقطابات لتفرز مؤيدين للعسكرة ومعارضين لها، يطالبون المدن بالتحرك، مقابل رافضين للخطوة خشية الدمار. كل حدث، كان يولّد فرزاً جديداً، ويبعد شرائح جديدة من الثورة، التي بات تأييدها مشروطاً بمواقف قليلة ومطلقة لا تقبل النسبية. والحال فإن، التركيز على معاداة النظام، أكثر من جذب المجتمع، جذّر من هذه السردية، وبدل أن تكون الثورة مقترحاً لحل الانقسامات القديمة وتخفيفها، صارت مسرحاً لها. بمعنى أنه لم يتم تطوير فهم ديناميكي واستيعابي، للحظة 15 آذار وما تبعها من تحولات، على العكس، تم تأبيد اللحظة، وتديينها، بحيث بات توسيعها لتشمل قناعات أقل راديكالية ثورية، تتعلق بجماعات تتفاوت في نظرتها للنظام، أمراً شديد الصعوبة. أن تؤيد “الثورة”، يعني أن تنحاز إلى العسكرة والأسلمة وتمتلك حساسية سلبية تجاه الأقليات، ولا تهتم بقضايا المرأة، وترفض التفاوض، وتخون المدن الكبيرة.
هكذا تم اختراع معارض أبدي، يقوم على سردية مغلقة، خطابها المعلن تأسيس سوريا الديموقراطية الخالية من الاستبداد، لكنه يستبطن عدد من المواقف المتشددة تجاه أطياف وشرائح من السوريين. لم تتنبه نخب المعارضة لغياب الحد الأدنى من التوافقات الوطنية، ورفعت التناقضات الطبيعية في المجتمع السوري، إلى سوية المتنافيات، بسبب سرديتها المتصلبة وانغلاقها على أي تفاهم مع الخائفين من التغيير، وإحالتهم إلى “خونة” و”مؤيدين” و”رماديين”، وغيره. فبدل طرح أفكار لاجتذاب المدن بمراكزها الحيوية، تم لومها، وتحويلها إلى عدو، وبدل استقطاب الأقليات عبر ضمانات، تصاعد خطاب الكراهية ضدها. أي فاعل اجتماعي، غير مقتنع بـ15 آذار، أو لديه هواجس حيالها، استبعد من سردية الأخيرة، بدل فتح التفاوض معه.
إقرأوا أيضاً:
صحيح أن الأطراف التي وجب على المعارضة الانفتاح عليها ومحاولة استقطابها من موالين و”رماديين” وأقليات، كانت لها سرديات مضادة، لكن هذه السرديات تفاوتت في جذريتها، من الخوف على الوجود لدى بعض الطوائف انطلاقاً من مظلوميات تاريخية، وصولاً إلى التمسك بالاستقرار عند شرائح مدينية. وهذا، بطبيعة الحال يرتب، علاقة متفاوتة لهؤلاء مع النظام، تتدرج من القتال دفاعاً عنه وتنخفض إلى تأييده بالموقف وأحياناً بالصمت. التمير هنا كان ضرورياً لفهم السرديات رافضة الثورة، والتعامل معها، انطلاقاً من عناصر تشكيلها والفرز بين الحقيقي الذي يستوجب تقديم طروحات ضامنة، وبين المختلق الذي وجب دحضه بالأدلة والبراهين.
والحال، فإن تصلب سردية المعارضة، وطردها كل مخالف، قابله تصلب في سرديات الفئات غير المتحمسة للتغيير، لا بل إن فئات انخرطت في الحراك عادت وانفكت عنه بفعل تطورات منفرة بالنسبة إليها مثل العسكرة وتصاعد خطاب الكراهية الطائفي. وإن صح أن تطورات كثيرة كان يصعب التحكم بها مثل استخدام السلاح لمواجهة العنف، وانفلات لغة التكاره بين الجماعات، يصح أيضاً أن كل تطور كان يمكن ضبطه سياسياً من قبل نخب المعارضة، بما لا يستفز شرائح المتوجسين، وتأطيره في هدف محدد غير قابل للفوضى. على العكس، التطورات كانت تحصل، من عسكرة وطائفية وتخوين وفرز، من دون أي تدخل معارض لضبطها بلغة عقلانية، ما وسّع من شرائح داعمي النظام أو غير المعارضين له.
الأرجح، أن كسل المعارضة في فتح سرديتها على الموالين وسواهم، متصل بفهمها لسوريا بوصفها بلداً تام الوطنية، مشكلته في نظامه فقط، وليس في تعقيدات مجتمعه أيضاً، ومتصل كذلك، باعتقادها أن الحراك الشعبي، حركة تستدعي ما بعدها من تغيير، فيما هو صيرورة تستلزم الانفتاح على الخائفين، وتبديد هواجسهم.
درج
——————————–
كان ثمن عدم انتصار الثورة باهظاً/ ستيفن هايدمان
ترجمة: زين الحمصي
يستعرض ستيفن هايدمان الخبير المختص في الشرق الأوسط في مقالة نشرها “المجلس الأطلسي” وترجمتها ووضعت عناوينها أورينت نت، نصف قرن من حكم آل الأسد لسوريا منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة مروراً بتسليم السلطة لابنه بشار الذي تابع سياسة أبيه في قيادة البلاد إلى الهاوية.
قبل خمسين عاماً في 16 نوفمبر 1970، استولى حافظ الأسد على السلطة من الفصائل المنافسة في حزب البعث الحاكم،. يمثل انقلاب الأسد الذي أطلق على نظامه الجديد اسم “الحركة التصحيحية” هزيمة الفصيل اليساري وصعود معتدلي الحزب. ومع ذلك فإن قلة قد تخيلتْ في ذلك الوقت أن الاستيلاء على السلطة من قبل ضابط ساخط – عبر انقلاب ضمن سلسلة طويلة من الانقلابات المماثلة في بلد غير مستقر – سيكون بمثابة بداية لأطول فترة حكم عائلي مستمر في تاريخ سوريا الحديث.
عندما خلف بشار الأسد والده حافظ في حزيران 2000، دخلت سوريا ناديا خاصا. إذ إنه تم تسليم الرئاسة مباشرة من الأب إلى الابن في أقل من ست جمهوريات. لا يوجد سوى ثلاث دول في العالم تولى فيها الأب والابن الرئاسة دون انقطاع لمدة نصف قرن أو أكثر: توغو والجابون وسوريا. في جميع الحالات الثلاث، تسيّد الأبناء الذين ورثوا رئاساتهم في انتخابات مشبوهة للغاية، وحتى كتابة هذه السطور، ظلوا في السلطة.
خطأ مقولة كيسنجر
إن الاستمرارية الاستثنائية لنظام الأسد جديرة بالملاحظة. كما أنها تثير سؤالا أصبح أكثر أهمية بسبب اضطرابات العقد الماضي: ما الذي حققته خمسون عاماً من الحكم الأسدي بالتحديد؟
عندما وصل بشار الأسد إلى السلطة في سن الرابعة والثلاثين – حيث مهد له الطريق من برلمان مطيع عدّل الدستور على عجل لخفض الحد الأدنى لسن الرئاسة – ورث بلداً راكداً. بعد وفاة حافظ الأسد في يونيو 2000، حيث أشرف على انجراف بلاده إلى الهاوية.
فشل حافظ الأسد في تحقيق طموحه مدى الحياة بتأكيد مركزية سوريا في الشؤون الإقليمية. ثبت خطأ القول المأثور لهنري كيسنجر “لا يمكنك شن حرب في الشرق الأوسط بدون مصر ولا يمكنك صنع السلام بدون سوريا”، مع التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1979. في نفس العام، أضيفت سوريا إلى القائمة الأمريكية التي تم إنشاؤها حديثاً للدول الراعية للإرهاب (وهي الوحيدة التي بقيت على القائمة حتى يومنا هذا). لم يعد قادراً على لعب دور حاسم كمفسد، ومع تضاؤل القضية الفلسطينية، لم تحقق غزوات حافظ الأسد الدورية في الدبلوماسية العربية الإسرائيلية أي تقدم ملحوظ.
إرث أكثر هشاشة
بعد عقد من الضياع، انهار الاتحاد السوفييتي وبدأ تحول مركز الثقل الدبلوماسي في المنطقة شرقاً إلى الخليج العربي، مما أدى بسوريا إلى مزيد من التهميش سياسياً وإقليمياً. في نهاية ولايته الثانية وقبل أشهر فقط من وفاة حافظ، كان بيل كلينتون آخر رئيس أمريكي يستثمر رأس المال الدبلوماسي في محاولة لم تنجح للتوسط في سلام سوري – إسرائيلي.
استنفد حافظ الأسد “الصبر الاستراتيجي” الذي يتبجح به أمام خصومه، لكنه لم يفعل شيئاً لدفع مصالح سوريا أو تأمين عودة مرتفعات الجولان. ومنذ ذلك الحين، بات هذا الطموح الوطني بعيد المنال.
كان إرث بشار المحلي على أرضية أكثر هشاشة. بينما نجت البلاد من أزمة اقتصادية خانقة في منتصف الثمانينيات، دخلت القرن الحادي والعشرين باقتصاد محتضر، وبيروقراطية غير فعالة، وقطاع عام ضعيف ومكتظ بالموظفين بشكل كبير، وقطاعات تعليمية ورعاية صحية متدهورة، ومن بين أعلى مستويات معدلات البطالة في العالم. ومع ذلك، فقد ازدادت سطوة أجهزة الأمن في ظل حكم حافظ، وخصوصاً بعد الاحتلال السوري للبنان مع ضمان بقاء النظام من خلال قمعه الوحشي لتمرد جماعة الإخوان المسلمين 1979-1982، وبلغ ذروته في مذبحة حماة المشينة في شباط/ فبراير 1982.
“الاقتصاد موضوع للحمير!”
بكل المقاييس، كان حافظ الأسد غير مكترث إلى حد كبير بالمسائل الاقتصادية، وزُعم أنه وصف الاقتصاد ذات مرة بأنه موضوع للحمير. لم يكن بشار قادراً على محاكاة عدم اهتمام أبيه. مثل العديد من الديكتاتوريين، اعتبر حافظ الميزانية العامة السورية أداة لبقاء النظام. خصص الموارد والفرص – بما في ذلك الفرصة للاستفادة من الفساد المستشري – لتنمية شبكات الموالين التي فضلت المطيعين للنظام، لكنها امتدت فيما بعد إلى ما هو أبعد من ذلك، لتشمل قطاعات مهمة من نخبة رجال الأعمال السنية الدمشقيين.
كانت “الحركة التصحيحية” التي أطلقها حافظ قائمة على التفكيك الجزئي للسياسات الاقتصادية الراديكالية التي فضلها سلفه صلاح جديد. ومع ذلك، حافظَ الأسد الأب إلى حد كبير على “الصفقة الاستبدادية” في سوريا، حيث قدم للسوريين أمناً اقتصادياً هشاً مقابل الهدوء السياسي – وهو شكل من أشكال التبعية القسرية التي حافظت على سلام اجتماعي هش.
أثبتت الإصلاحات الاقتصادية المتواضعة التي بدأت خلال العقد الأخير من حكمه أنها غير كافية لإخراج سوريا من سباتها الاقتصادي. وبدلاً من ذلك، فتحت الإصلاحات المزعومة فقط آفاقاً جديدة للإثراء الفاسد من داخل النظام ورجال الأعمال المرتبطين به.
باب الجهاديين المفتوح
عندما تولى بشار الرئاسة في تموز/ يوليو عام 2000 انتقلت البلاد إلى ما وصفه المسؤولون بأنه “اقتصاد السوق الاجتماعي”. ومع ذلك، كان النظام يقود سوريا نحو نقطة الانهيار. مع بدء “ربيع دمشق” بدأ بشار سياسة القضاء على خصومه الداخليين، وانتهج سياسة الباب المفتوح للجهاديين الذين ينتقلون إلى العراق، وكان له دور في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي تلاه إخلاء سوريا المهين من لبنان.
خلال العقد الأول من حكم بشار الأسد، تعمق الفقر وازدادت البطالة، خاصة بين الشباب. في عام 2006، اجتاح الجفاف الشديد المناطق الزراعية في سوريا، وتضخمت آثاره بسبب سوء الإدارة والفساد. على مدى السنوات القليلة التالية، أجبر مئات الآلاف من صغار المزارعين على ترك أراضيهم وأصبحوا لاجئين بيئيين استقروا في ضواحي دمشق وعواصم المحافظات، مثل درعا في جنوب سوريا. أصبح المقربون من النظام، بقيادة أفراد عائلة الأسد، مثل رامي مخلوف أكثر جشعا فاستغلوا وعزلوا مجتمع الأعمال الذي سبق أن قدم دعمه للنظام. وبحسب ما ورد انتهى الأمر بمخلوف إلى السيطرة على حوالي 65 بالمئة من الاقتصاد السوري.
من جانبه، كان بشار يعتقد أن ولاءه لمؤيدي العروبة و “المقاومة”، رغم كونه خطابياً أكثر من كونه حقيقياً، كان كافياً لعزل نظامه عن موجة الاحتجاجات التي اجتاحت المنطقة في أواخر عام 2010. كان خطأ. بحلول آذار/ مارس 2011، مع تأجيج الاحتجاجات في مصر وتونس وليبيا، تغلب السوريون أيضاً على “جدار الخوف”، ووجدوا صوتهم الجماعي، وانضموا إلى الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية وإنهاء نظام الأسد. في مواجهة تحد غير مسبوق سحب ملايين السوريين العاديين الشرعية عن النظام الذي رد بالقمع، ووضع البلاد في أتون الحرب.
تم إنقاذه ولكن لم يتم تأمينه
اليوم، بعد عقد من الصراع، يجلس بشار على حطام بلد، وقد تم إنقاذه ولكن لم يتم تأمينه بالكامل بعد، من خلال تدخل روسيا وإيران. لقد تركت مقتضيات بقاء آل الأسد أثرها الكئيب على البلد: اقتصاد محطم، ومجتمع ممزق، وتنشئة اجتماعية جماعية إلى قواعد عنف، وتعصب طائفي، وتطرف. أطلقت الحرب العنان لأكثر شهوات النظام شراسة، مما زاد من ترسيخ وحشيته وفساده. يؤكد المستفيدون من زمن الحرب وأمراء الحرب الآن بجرأة امتيازاتهم بصفتهم النخبة السياسية الجديدة في سوريا، ويحصدون ثمار دعمهم لآل الأسد على مدى العقد الماضي.
ثمن عدم انتصار الثورة
بينما يفكر السوريون في انتقال محفوف بالمخاطر إلى مرحلة ما بعد الصراع والفرض المحتمل لسلام استبدادي، فإن أفضل تعبير عن الإرث الدائم للحكم الأسدي هو ما أصبح واقعاً مزدوجاً ومنفصلاً تماماً. تظهر صور بشار وأبناء مخلوف بسياراتهم الفاخرة وطائراتهم الخاصة، وأسماء الأسد وهي تزور الأرامل مرتدية بنطال الجينز، إلى جانب صور مختلفة تماماً لصفوف طويلة ومتوازية من الأكفان البيضاء وطوابير الخبز وأطفال ينقبون في مقالب القمامة والقوارب المكتظة التي تنقل السوريين إلى مستقبل غامض كلاجئين.
أما الثورة السورية فهي تمثل استفتاءً يدين إرث عائلة الأسد أكثر من أي حكم قد يصدر عن الغرباء. كان ثمن عدم انتصار الثورة باهظاً. لا يبدو النظام متهيئاً لمواجهة التحديات التي قد تهز قبضته على السلطة. ومع ذلك، فإن عائلة الأسد وأنصارهم لا يعترفون بمثل هذه الاحتمالات. في عام 2028، سيصطدم بشار، إذا كان لا يزال في السلطة، بحدود فترة الرئاسة التي تم تحديدها في عام 2012. وربما، تحسباً لتلك اللحظة، تقوم الأسرة بتهيئة ابنه الأكبر حافظ بشار الأسد، لتولي منصب الرئاسة ضمن سلالة عائلة الأسد إن لم ينتهوا من سوريا بعد. إنها بحق ويلات أمة.
أورينت
———————————-
=========================