مضادّات الاكتئاب… نعمة أم نقمة؟/ باسكال صوما
لا شكّ في أنك فكّرت أكثر من مرّة في اللجوء إلى الأدوية المضادة للاكتئاب، لكنك تردّدت بعد حين، سائلاً إن كانت هذه الأدوية مفيدة حقاً، وإن كان ما تسمعه عن آثارها الجانبية صحيحاً، وإن كان ما تمرّ به اكتئاباً أو مجرّد شعور عابر بالتعب أو الأرق.
في هذا الإطار، ذكرت بعض التقارير الطبية الحديثة أن عدد متعاطي الأدوية والعقاقير المضادّة للاكتئاب ازداد ثلاث مرّات عمّا كان عليه قبل عقد من الزمن. وفي قراءة له، يشيد الباحث المختص في الأمراض العقلية واضطراب المزاج، وايني درافيتس، “ببعض التقدّم في مجال توجّه مرضى الاكتئاب إلى مختصّين، لا سيما في السنوات الـ25 الأخيرة، خصوصاً أن الاكتئاب من أخطر الاضطرابات التي قد يتعرّض لها الإنسان، ولا يجوز التساهل معه”.
لا بدّ أنك سمعت أيضاً عن العلاجات التي يمكن اعتبارها “بديلة”، كالقراءة أو الاستماع إلى الموسيقى أو ممارسة الرياضة، أو حتى الخروج مع الأصدقاء، في محاولة لمحاربة الاكتئاب أو مؤشّراته أو ربّما بداياته. وقد أظهرت دراسة إيرلنديّة أنّ العلاج بالموسيقى يخفّف من الاكتئاب عند الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، وتعزّز ثقتهم بنفسهم.
في المقابل، كيف يمكن التساهل مع حالات الاكتئاب والاكتفاء بتلك العلاجات البديلة، علماً أن الأبحاث تحذّر من أن 90 في المئة من ضحايا الانتحار يعانون في الواقع من خلل نفسي، يكون غالباً اكتئاباً، يزيد حالة اليأس والقلق، ما يجرّ المرضى إلى إنهاء حياتهم، لعلّهم يرتاحون من الألم ويومياته؟
حُسم الجدال في دراسة حديثة نشرتها دورية “لانسيت”. قال علماء إنهم استطاعوا حسم إحدى أكثر القضايا الطبية إثارة للجدل، وذلك بعدما خلصوا إلى أن مضادات الاكتئاب فعّالة في علاج المرضى. وتوصّلت الدراسة، بناء على تحليل بيانات 522 تجربة شملت 116477 شخصاً، إلى أن 21 نوعاً من مضادّات الاكتئاب الشائعة فعّالة في خفض أعراض الاكتئاب الحاد. وسُجِّل نحو 64.7 مليون وصفة طبية لأدوية اكتئاب في بريطانيا وحدها خلال 2016، وهو أكثر من ضعف الرقم المسجل عام 2006، وهو 31 مليون وصفة.
وقال جون إيوانيديس من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الذي عمل مع فريق الباحثين بقيادة أندريا سيبرياني من جامعة أكسفورد البريطانية: “تستخدم مضادّات الاكتئاب بشكل دوري على مستوى العالم لكن ما زال هناك جدال واسع بشأن فاعليتها ومدى تحمّل المرضى (آثارها الجانبية)”.
هل تسبّب الإدمان؟
يوضح الدكتور ميشال نوفل، أخصائي صحّة نفسيّة ومعالج نفسي وطبيب، لـ”درج” أن “هناك أدوية متنوّعة توصف لحالات الاكتئاب، منها مضادّات الاكتئاب التي لا تؤدّي إجمالاً إلى الإدمان، وهناك أدوية توصف لحالات الاكتئاب المترافقة مع قلق وتوتّر، هي المهدّئات التي من الممكن أن تسبّب نوعاً من العادة أو الإدمان، لا سيما إذا تم استخدامها لفترة طويلة”. ويشدّد على “ضرورة الانتباه إلى إرشادات الطبيب لناحية أخذ مضاد الاكتئاب يومياً وعدم توقيفه عشوائياً. أما المهدّئات فيفترض أن تؤخذ لفترة قصيرة أو عند الحاجة”.
أما بخصوص العوارض الجانبية بالنسبة إلى مضادّات الكآبة، فيشير إلى أن “هناك عوارض تظهر مرحلياً في أول أسبوعين من العلاج، وتكون عابرة، إنما مزعجة بعض الشيء، وهناك عوارض أخرى على المدى البعيد كزيادة الوزن وتراجع الرغبة والقدرة الجنسية والإفراط في النوم، وفي حالات نادرة يمكن أن تكون هذه العوارض أكثر خطورة. ونرى أحياناً أشخاصاً يتأثرون بدواء معين، لا يناسب أجسامهم مثلاً أو يسبّب لهم حساسية ما. وربما هذه الأخبار تؤثر في الآخرين، ويتم تعميم الحالة، لكنها في الواقع تكون خاصة واستثنائية”.
ثلاث أرضيات
يضيف نوفل: “الكآبة العيادية هي اضطراب نفسي له ثلاث أرضيات. الأرضية الأولى نفسية أي طريقة التفكير، والأرضية الثانية طبية فيزيولوجية أي كيميائيات الدماغ والجسم (المتنقلات العصبية) في الجهاز العصبي، أما الأرضية الأخيرة فهي سلوكية اجتماعية أي كيف يعيش الشخص وأين، لا سيما في حال كانت الكآبة وراثية. لذلك هناك أمور كثيرة علينا الاطلاع عليها لمعالجة الاكتئاب”. ويتابع: “ننتظر عادة في حالات الكآبة العادية أن يكون الدواء نافعاً، لكن هناك أيضاً كآبة مرتبطة بالاضطراب المزاجي ذي القطبين، في هذه الحالة لا يكون مضاد الكآبة محبّذاً، ويتطلّب الأمر مرافقة من قبل طبيب نفسي، ومن الممكن أن تكون الأدوية المثبتة للمزاج، مفيدةً في هذا السياق”.
ويتابع: “الكآبة العيادية في كثير من الأوقات تتطلّب علاجاً طبيّاً بالأدوية وهو ضروري في بعض الحالات، أما العلاج النفسي فهو أيضاً أساسي. في حالات الكآبة الوسطية نفضّل أن نستخدم الطريقتين للحصول على نتيجة أفضل. أمّا الكآبة الخفيفة فيمكن أن يكفي معها العلاج النفسي أو المرافقة النفسية من دون اللجوء إلى الأدوية دائماً”.
وينبّه إلى أن “العلاج النفسي قد لا يؤدّي إلى نتيجة جيدة في حال لم يترافق مع أدوية معيّنة، وربما يكون احتمال عودة الحالة بعد فترة وجيزة مرتفعاً، لا سيما في حال ترافقت حالات الكآبة مع اضطرابات نفسية أخرى منها الوسواس القهري أو اضطراب القلق أو الرهاب، وبالتالي الدواء ضروري، مع العلم أن مضادّات الكآبة تستخدم لأكثر من اضطراب نفسي، لا الكآبة فقط، وبالتالي يكون العلاج بالأدوية ضرورياً لمختلف الاضطرابات التي ترافق الاكتئاب”.
العالم الافتراضي محفّز للاكتئاب؟
في دراسة نشرها “معهد الصحّة العقلية الجامعي” في مونتريال في كندا، قام باحثون بقياس مستوى الكورتيزول والمعروف بـ«هورمون الإجهاد» في الدم، أربع مرّات لمدّة ثلاثة أيام متتالية، لدى 88 مشاركاً تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً.
وقد أثبت الباحثون الذين نُشرت نتائج أبحاثهم في مجلة Psychoneuroendocrinology ، أن وجود أكثر من 300 صديق على صفحة “فيسبوك” للمشترك الواحد يرتبط بمستويات كورتيزول مرتفعة. وأوضحت الدراسة وفق ذلك أن الاستعمال المكثّف للشبكة الاجتماعية من شأنه إحداث مزيد من التوتر. وإلى جانب الدراسة الكندية، بيّنت دراسة أجرتها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال AAP، أن منصّات مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضي يمكن أن تكون سبباً للاكتئاب بين المراهقين وتسرّع وتيرته لديهم، ولا سيما “فيسبوك”.
في هذا الإطار، يوضح نوفل أن “الصحة العامة لا ترتبط بالصحة البدنية وحسب، بل أيضاً بالصحة النفسية والاجتماعية وغير ذلك، لذلك إدمان الحياة الافتراضية يقصّر حياة الإنسان الجسدية وتتراجع صحته البدنية لأنه لا يتحرك كثيراً، إضافةً إلى تراجع حياته الاجتماعية”، مشيراً إلى أن “هذه العوامل يمكن أن تؤدّي إلى الاكتئاب، لا سيما في حال وجود استعداد لذلك عند الفرد، والاكتئاب يرفع احتمال إقدام الشخص على الانتحار”.
درج