ما بعد الهشاشة: سورية وتحديات إعادة الإعمار في الدول العنفية/ ستيفن هايدمان
ترجمة: أحمد عيشة
ابتداءً من عام 2012 عمل نظام بشار الأسد في سورية على إنشاء السلطات القانونية والتنظيمية لتنفيذ رؤية طموحة لإعادة الإعمار بوصفها عملية استقرار استبدادي. مع اقتراب النصر العسكري من المتناول، فإن نيّة النظام هي استخدام إعادة الإعمار لإعادة فرض سلطته، وتشديد سيطرته على المجتمع والاقتصاد السوريين، وتغيير ديموغرافيات سورية بصورة أساسية لتحقيق ما وصفه الأسد نفسه بأنه “مجتمع أكثر صحيّة وأكثر تجانسًا”.
احتمالات تحقيق هذه الأهداف عالية. على النقيض من وجهات نظر نظام الأسد التي أضعفتها بشدة ثماني سنوات من الصراع لإعادة تأكيد سلطته، فإنه يواجه عقبات قليلة نسبيًا في سعيه لإعادة فرض سيطرته. أسباب ذلك متجذرة في طبيعة نظام الأسد، وفي كيفية تجليّ الصراع في سورية، متحديّة الافتراضات واسعة الانتشار حول آثار الحرب الأهلية في مؤسسات ما قبل الحرب، وممارسات الحكم، وخلق مشهد ما بعد الصراع الذي سيجده النظام سهلًا نسبيًا ليجتازه. اليوم، بالنسبة إلى المقاصد/ النيات والأهداف جميعها، فإن بنية إعادة الإعمار وحوكمتها وتنظيمها في مرحلة ما بعد الصراع في سورية هي قضايا راسخة. عزز نظام الأسد هيمنته على وسائل إعادة الإعمار، ما جعله لا يتأثر عمليًا بالضغط الخارجي.
يطرح هذا التقويم لمشهد ما بعد الصراع في سورية تحديّاتٍ لكلٍّ من صانعي القرار وخبراء التنمية. ومع ذلك، لم تعالج حتى الآن آثاره في السياسة أو في كيفية تحدي تجربة سورية الافتراضات الجوهرية التي تهيمن على المقاربات الحالية لإعادة الإعمار. تزعم هذه الورقة بأن كلًا من السياسة والممارسة تعتمدان على افتراضات إشكالية، وتدعو إلى إعادة التفكير بصورة أساسية في الخيارات المتاحة لأولئك الذين يأملون في تشكيل/ صوغ مسار سورية في مرحلة ما بعد الصراع.
إن الانفصال بين السياسة والممارسة، من ناحية، والمتغيرات على الأرض، من ناحية أخرى، يرجع إلى حدٍّ كبير إلى الآثار ذات الأفق الضيق لفهم سورية من خلال عدسة “الهشاشة”. تُعدُّ سورية بانتظام مثالًا على دولة هشّة مدفوعة نحو صراعها بسبب الآثار التراكمية للحكم السيئ والمؤسسات المختلة/ المفككة. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر دقة هو وصف سورية بأنها دولة “عنفية”: دولة تقوم فيها النخب الحاكمة بالإعلاء من شأن مستوى البقاء قبل أي شيء، وتصميم المؤسسات لدعم هذا الهدف. في الدول العنفية، يرتبط دمج مثل هذه المؤسسات وفاعليتها في كثير من الأحيان بسمات تتناقض مباشرة مع تلك التي تعدّ ضرورية للتغلب على الهشاشة، بما في ذلك المساءلة/ المحاسبة، والاحتجاج، والإنصاف، والشفافية، والإشراك المجتمعي.
وبدلًا من ذلك، تجري إدارة الحكم في الدول العنفية على أنه تعبيرٌ عن صراع وجودي بحصيلة صفرية، إذ يعزّز الصراع من خلاله عزم النخبة الحاكمة على الدفاع عن الترتيبات المؤسسية القائمة بالقوة. لا تنجو الدول العنفية كلها من التحديات من مستوى تلك التي يواجهها نظام الأسد. غير أن أولئك الذين يفعلون ذلك يعزون بقاءهم/ نجاتهم في المؤسسات نفسها، والأعراف/ المعايير والممارسات التي تستهدفها عقيدة إعادة الإعمار من أجل الإصلاح.
هذا التشخيص له آثار واضحة في كلٍّ من السياسة والممارسة. الدول العنفية هي المرشح البائس لمعالجة إعادة الإعمار القياسية. إنها تشكك في قيمة النماذج التي تعتمد على الهشاشة لفشل الدولة كدليلٍ للسياسة. إن غياب الاعتراف بحدود الأطر القائمة على الهشاشة، ومن دون الاعتراف بالمدى الذي عزّز به نظام الأسد قبضته على وسائل إعادة الإعمار، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يقعون أيضًا في فخ رؤية سورية من خلال العدسة الحالية، وعقيدة إعادة الإعمار القائمة على الهشاشة. إن مثل هذه المقاربة، كما تزعم هذه الورقة، ستكون خاطئة. إنها تقلّل إلى حدٍّ كبير من مرونة المؤسسات والأعراف/ المعايير والممارسات التي تحدّد الحوكمة الاقتصادية في سورية الأسد. وهي لا تأخذ في الحسبان بصورة كافية استحالة السعي لأي صورة من صور دعم إعادة الإعمار الذي لن يساهم في مشروع النظام للاستقرار الاستبدادي والتغيير الديموغرافي، أو تجنب توجيه الأموال إلى جيوب أزلام النظام وأمراء الحرب. إن الأمل، مهما كان متواضعًا، في أن المتغيرات السياسية قد تسمح يومًا ما للجهات الخارجية بالمشاركة في برامج إعادة إعمارٍ فاعلة وخاضعة للمساءلة في سورية، أو من خلال تدخلاتها التي تؤثر في مسار إعادة الإعمار، هذا أمرٌّ مضلّل للغاية.
ما ينبغي أن يدركه كل من صانعي السياسات والخبراء هو أن مساعي نظام الأسد لتشكيل بنية تضمن سيطرته من دون تحدٍ على كل جانب من جوانب عملية إعادة إعمار متطورة إلى حد بعيد جدًا لكي تكتشفها الأطراف الخارجية أو تتجنبها بسهولة. إذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يرغبان في التأثير في مسار ما بعد الصراع في سورية، فسيحتاجان إلى الاعتماد على بدائل لإعادة الإعمار بوصفها مصادر محتملة للتأثير أو الضغط على نظام الأسد.
مركز حرمون للدراسات المعاصرة