شرق الفرات:من يطلق النار أولاً/ عائشة كربات
عندما انقشع الغبار عن إدلب، ظهرت المعركة الحقيقية الأكبر: معركة الفرات الشرقية القادمة. هناك ما يسمى المواجهة المكسيكية في تلك المنطقة. كما هو الحال في الأفلام الغربية، في شرق نهر الفرات الأطراف كلهم تقريباً يوجهون البنادق تجاه بعضهم البعض، ولكن كل منهم يفكر أنه ليس الوقت المناسب لسحب الزناد. ولا يريدون أن يكونوا أول من يقوم بذلك، لكنهم يأملون أن يقوم شخص ما بذلك.
ومع ذلك، يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن صبره ينفد. وهو قال في نيويورك بمناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة: “إن شاء الله ، في الفترة القادمة، سنزيد من المناطق الآمنة داخل سوريا، والتي تشمل أيضا شرق الفرات”.
السلطات التركية لا تحب استخدام مصطلح “شمال سوريا” الذي يذكرها بشمال العراق. وهي لا تريد استخدام تعبير “روجوفا”، أي التسمية الكردية لتلك المنطقة التي يريد أردوغان إضافتها إلى المناطق التركية في سوريا. بدلاً من ذلك تستخدم مصطلح “الفرات الشرقية”. ووفقاً لتركيا، فإن هذه المنطقة عبارة عن “ممر إرهابي” لأنه تحكمها وحدات حماية الشعب، الفرع السوري لعدوها المحلي منذ عقود، حزب “العمال الكردستاني”.
ما يزيد من غضب تركيا هو أن “الناتو” حليف الولايات المتحدة يدعم هذه المجموعة بحجة أنها تقاتل “داعش” نيابة عن الأميركيين. بالنسبة لمعظم الأتراك، يبدو من الواضح جداً التالي: يريد الأميركيون إنشاء جيب كردي وتوحيده بطريقة ما مع كردستان العراق من أجل تغيير خريطة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل. هذه الفكرة قابلة للنقاش، لكن بالنسبة للكثير من الأتراك، فإن الكابوس يتحول إلى واقع، وبالتالي يشكل تهديداً حيوياً لتركيا.
لهذا السبب يشدد أردوغان بقوة على أن تركيا مستعدة لاتخاذ جميع الإجراءات بما في ذلك الإجراءات العسكرية لمنع مثل هذا الموقف. ووفقاً لكلمته في نيويورك، فإن أكبر مشكلة بالنسبة لمستقبل سوريا هي “مستنقع الإرهاب” في الشمال، الذي يتوسع تحت رعاية حلفاء تركيا. لم يشر إلى من هم هؤلاء الحلفاء، لكن وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو قال في تعليق لصحيفة “واشنطن بوست” هذا الأسبوع، إن الولايات المتحدة استخدمت 5 آلاف شاحنة و2000 طائرة لنقل أسلحة إلى وحدات حماية الشعب في السنوات الأخيرة. وفقا له هذا يعد خرقاً أساسياً لكل شيء يستند اليه حلف “الناتو”. كما حث إدارة ترامب على تغيير سياستها الفاشلة في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن حكومة الولايات المتحدة هي حكومة المعضلات. من جهة، تهدف إلى التأثير على التحول السياسي في سوريا، ووقف بناء الجسر البري الإيراني إلى البحر المتوسط. ولتحقيق هذه الأهداف، فإن الرافعة الفعالة الوحيدة التي تملكها في الوقت الحاضر هي وحدات حماية الشعب. لكن من ناحية أخرى، ومن دون الدعم النشط من تركيا، فإن الاستراتيجية الأميركية لمناهضة إيران وروسيا تتعرض لخطر شديد.
كذلك، يثير الخلاف بين تركيا والحكومة الأميركية معضلة للإيرانيين والروس. من جهة، يدلون بتصريحات تدعم تعهدات تركيا بالتخلص من هذا الهيكل في شمال شرق سوريا، على أمل أن تصارع تركيا الولايات المتحدة، وبالتالي تضعف “الناتو”. ولكن من ناحية أخرى، فهم غير راغبين في قول “نعم” لتوسيع النشاط العسكري التركي، وسط مخاوف من أنه مع سيطرة الأتراك على هذه المنطقة ، فهم قد لا يغادرون.
يمكن القول إنه على الرغم من رغبة تركيا القوية بالتدخل عسكرياً في شرق الفرات، فإنها لا تتخذ أي إجراء بهذا الصدد، وربما لا تعني ما تقوله. الذين يدافعون عن هذه الحجة يشيرون إلى منطقة منبج كمثال. بالنسبة إلى منبج، أبرمت الحكومة الأميركية مع تركيا صفقةً تهدف إلى سحب وحدات حماية الشعب من هناك والسيطرة المشتركة على المدينة من قبل القوات التركية والأميركية. وقد تم الاتفاق في تموز/يوليو، لكن حتى الآن لم يتحقق ذلك إلا أن أردوغان يلمح إلى أنه ما زال يأمل. إذا تم تنفيذ اتفاق منبج بأي من الأحوال، فستظهر معضلة جديدة أمام وحدات حماية الشعب: سوف تخشى من أن التحالف مع الولايات المتحدة قد يذهب باتجاه خاطئ، وربما يتعين عليها التفكير في التفاوض مع موسكو وطهران.
في ظل هذه الظروف، قد تكون تركيا هي التي تريد سحب الزناد أولاً. خاصة إذا حصلت على دعم من طهران وموسكو على الرغم من الثمن الذي ستدفعه مقابل تأثر علاقاتها بالولايات المتحدة. أو حتى إذا حافظت أنقرة على صبرها، فإن شخصاً ما ولسبب ما قد يدفع تركيا لتضغط على الزناد. ولكن، هناك شيء واحد واضح، إن الهروب من هذه المواجهة المكسيكية لن يكون سهلاً وغير مؤلم.
المدن