منوعات

لماذا نشتري سلعاً فاخرة؟

 

 

عام 1899، وضع عالم الاقتصاد اللامع والعنيد ثورستين فيبلين مصطلحاً ظهرت أهميته في القرن التالي وما بعده، إذ ساعدت نظريته عن “الاستهلاك المظهري”، ويقصد بها شراء سلع معينة من أجل التباهي، على خلق مجال للتفكير في الأسباب التي تجعل الناس يشترون أشياء باهظة الثمن وغير ضرورية.

وضع فيبلين أساسيات هذا المفهوم، ولا يزال الباحثون حتى بعد مرور 120 عاماً تقريباً، يدرسون كيف يمارس الناس هذه العادات. وما اكتشفوه هو أنّ الناس يبررون لأنفسهم بشتى الطرائق- منها الحقيقي ومنها غير ذلك- فائدة امتلاك أشياء فخمة (مثل السيارات أو الساعات أو الإلكترونيات).

المبرر الصحيح الوحيد: هو أنّ امتلاك شيء فاخر يزيد من الثقة بالنفس بشكل موقت. والمبرر الواهي، هو أنّ امتلاك شيء فاخر يمكن أن يثير إعجاب الأصدقاء المحتملين.

فحصت دراسة حديثة أجراها ستيفن غارسيا في جامعة ميتشيغان المبرر الخيالي الثاني. وضع هو وزملاؤه مجموعة متنوعة من السيناريوهات الافتراضية وسألوا الأشخاص الخاضعين للدراسة عمّا سوف يقومون به في أحد هذين الدورين، إما كشخص يحاول تكوين صداقات أو كأحد الأشخاص الذين يقيّمون أصدقاءً محتملين. ووجدوا أنّ هناك اختلالاً في الطريقة التي يَنظر بها الأشخاص في الدور الثاني إلى هؤلاء في الدور الأول.

قال غارسيا، “يعتقد الناس … أنّ الوضع الاجتماعي يجذب أصدقاء جدد. ومع ذلك، فإنه في الواقع له تأثير مُعاكِس – أي أنّ الناس يُفضلون الصداقه، في محادثة أو في تفاعل، مع شخص لا يُظهر وضعاً إجتماعياً (عالياً)، ويميلون لمن يترك بصمات محايدة”، مثل ساعات “تيميكس” بدلاً من “رولكس”.

في إحدى تجارب الباحثين، سُئِلَ الأفراد الخاضعون للدراسة – والذين جيء بهم من شارع رئيسي في ضاحية راقية غير معلوم اسمها – كيف سيذهبون إلى حفل زفاف إذا كانوا يحاولون تكوين صداقات جديدة: هل في سيارة فاخرة أم سيارة تقليدية؟ اختار 65 في المئة من المشاركين السيارة الفاخرة. ومع ذلك، عندما سُئلت مجموعة أخرى عن الأشخاص الذين قد يرغبون في إقامة صداقة معهم خلال الحفل، وضعت إجاباتهم أصحاب السيارات الفاخرة في درجة أقل في الجاذبية الاجتماعية من مالكي السيارات التقليدية.

وفي تجربة أخرى، طُلب من مجموعة من طلاب الجامعات اختيار من يرغبون في إجراء محادثة معه بعد عرض نموذجين تخيليين، يشاركونهم الهوايات والجنسية ونوع السيارة التي يقودونها ويرتدون معطفاً شتوياً من العلامة التجارية ذاتها التي يرتدون منها. اختار أقل من ربع عدد المشاركين النموذج الذي يقود سيارة بي أم دبليو طراز 2017 ويرتدي سترة من العلامة التجارية “كندا غوس”.

أخبرني غارسيا أنّ أحد التفسيرات لهذه النتائج، هو أنّه عندما يبحث الناس عن أصدقاء، فإنهم لا يحبون الشعور بأنهم أقل شأناً. هناك أبحاث تُظهر أنّ الأشخاص يشعرون بعدم الارتياح عندما يتفوق أصدقاؤهم عليهم وأنهم أقل تقبُّلاً لنجاح أحد الأصدقاء مقارنةً بالغرباء. (هناك تفسير آخر – وهو تفسيري الشخصي – هو أنّ الناس ربما لا يثقون بالأثرياء، أو على الأقل أولئك الذين يتباهون بثرواتهم).

بطبيعة الحال، لا يرغب أحد في الاعتراف بأنه يشتري شيئاً لكسب أصدقاء جدد أو لكي يبدو رائعاً، لذلك عمد كثيرون إلى إضفاء وجاهة ما إلى مشترياتهم بطرائق أخرى. في دراسة أجرتها أنات كينان وزملاؤها في كلية هارفارد للأعمال عام 2016 عما أسموه “التبريرات الوظيفية”- وهي التبريرات التي يسوقها الأشخاص لشراء أشياء باهظة الثمن وتعتمد على وظيفة المنتج. على سبيل المثال، قد يبررون شراء سيارة “رينج روفر” لأنها قادرة على تحمل الظروف القاسية، أو تبرير شراء حقيبة يد فاخرة لأنها تحتوي على جيب وقائي مفيد للحاسب المحمول.

أخبَرَتني كينان، “عندما ينغمس الناس في أمرٍ ما، فإنهم يريدون أن يشعروا بوجود مبرر عقلاني لسلوكهم”.

وأضافت أنّ المسوقين على دراية بتبريرات المستهلكين لهذه الأنواع من المشتريات- ومن هنا جاءت الإعلانات الخاصة بالأقلام والساعات الراقية التي تؤكد دقة المنتجات وأداءها. قالت، “أنت تريد أن تشعر بأنك شخصٌ عقلاني، ومتسوقٌ ذكي، وأنك لا تُهدر أموالك، وأن لا أحد ينظر إليك باعتبارك من أولئك الأشخاص الذين يشترون الأشياء فقط لإبهار الآخرين”، وتشجع الإعلانات هذه التبريرات.

أحد الأسباب التي تجعل علامات الرقي تبدو بهذا التناقض هو أنها تدل على التبذير، وهو ما وَصَفَته سيلفيا بيليتزا، أستاذة التسويق في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال، عندما شرَحَت لي الطريقة التي تعمل بها.

قالت بيليتزا، “بصفتنا حيوانات اجتماعية، فبمجرد أن تمتلك أشياء أكثر من غيرك، فإنك تسعى إلى إخبار الآخرين بذلك. وكيف يمكنك إظهار الأمر؟ من خلال إهدار الأشياء”.

كتب فيبلين أنّ الاستهلاك المظهري موجود منذ عصر رجال الكهف. وعلى أيامه (أي فيبلين)، كان أحد الأمثلة الشائعة على الإهدار بحجة الحالة الإجتماعية الراقية هو دراسة اللغة اللاتينية أو اليونانية- وهي لغات تتطلب دراستها، على حد تعبير بيليتزا، “الكثير من الوقت بطريقة تدل على أنك لست قلقاً بشأن لُقمة عيشك”. لذلك، مثلما يمكن إهدار المال، يمكن كذلك إهدار الوقت والموارد الأخرى. وتُضيف بيليتزا، “القاسم المشترك هو الإهدار. أمّا ما تُهدِره وكيف تُهدِره، فهي أمور تتغير مع الوقت”.

في الآونة الأخيرة، وداخل بعض الدوائر الاجتماعية، تغير مفهوم الماهية والكيفية، مبتعداً من الممتلكات مثل السيارات الفاخرة ومُتجهاً نحو الدلالات الثقافية، مثل الكُلية التي درستَ بها أو الكُتب التي قرأتَها. قالت بيليتزا إنّ الكثير من السلع الراقية فقدت بعضاً من قيمتها لأنها، كما هي الحال في السلع الأقل تكلفة، أصبحت الآن تُنتج بشكل كبير، وبالتالي فهي متوفرة للطبقة الوسطى العالمية، والتي أصبحت أغنى مما كانت عليه من قبل.

وبالطبع، لا تزال السيارة الجميلة إشارة قوية إلى المكانة الاجتماعية- لكن هذا لا يعني أنها تُرسل دائماً الرسائل التي يريدها صاحبها.

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

https://www.theatlantic.com/family/archive/2018/09/buying-luxury-goods-value/571525/

درج

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى