وسائل الإعلام العربية المستقلّة تواجه معركة صعبة/ رولا خلف
درج Daraj -بمعنى “سُلّم”- اسمٌ غريبٌ لمنصّة صحافية على الإنترنت، لكنه لن يبدو كذلك عندما تفكر في السياق الذي ولِدَت فيه. بدأت هذه المنصة قبل عام على يد ثلاثة صحافيين مقيمين ببيروت في منتصف حياتهم المهنية، وهدفها كان الصعود خروجاً من الظُلمة التي أحاطت بالإعلام العربي لعقود.
“الإعلام في العالم العربي عبارة عن ساحة معركة يتقاتل فيها الصحافيون على من قَتَلَ ومن قُتل، لكن لا أحد يهتم بعد الآن أن القتل في حد ذاته خطأ”، حسبما تخبرني ديانا مقلد، المؤسّسة المشارِكة بالمنصة.
نلتقي في ساحة Antwork،وهو مركز عمل راقٍ تستأجر فيه درج مكتباً، ويعمل به الآن 11 محرّراً معظمهم بدوام جزئي، بالإضافة إلى عشرات المساهمين المستقلين. “شعارنا هو الرواية الثالثة [للأحداث]، النسخة التي تقول إنه يجب ألا يكون هناك قتل”، حسبما تقول مقلّد.
نتحدث عن الموضوع الذي استولى على اهتمام المنطقة والعالم في الأسابيع القليلة الماضية: القتل الوحشي للصحافي جمال خاشقجي على يد مسؤولين سعوديين في قنصلية بلاده في اسطنبول. “كان موت جمال اختباراً حقيقياً لنا: هل يمكن أن نكون صوتاً حقيقياً، هل يمكننا إذاعة تقارير عنه؟” كما تقول عليا إبراهيم، التي استقالت من وظيفتها في محطة تلفزيونية مملوكة للسعودية لتُدير درج.
الإعلام العربي عالق بين اثنين من المتنافسين الأقوياء مالياً – السعودية وقطر. الكثيرون في المنطقة إما مموّلون من السعودية أو مدعومون من الحكومات أو الأحزاب الموالية للرياض. كل وسائل الإعلام هذه قصّت بإخلاص قصة السعودية المزعومة المثيرة للشكوك حول خاشقجي، والتي تحوّلت من إنكار أنه قُتل، إلى ادعاءات موته في شجار بالأيدي، إلى الاعتراف بقتله العمد بواسطة عملاء مارقين.
بعيداً عن السعودية، فإن اللاعبين الإعلاميين في المنطقة هم قطر، وبدرجة أقل إيران. كانت رواية القناة القطرية الشهيرة الجزيرة الإخبارية العربية أقرب إلى الحقيقة في قضية خاشقجي، لكن التقارير كانت مُفرطة في الحماس – حتى تزيد من إحراج السعودية.
قالت إحدى الافتتاحيات في درج بنبرة تشوبها الحسرة، “جريمة إسطنبول هي تراجيديتنا نحن قبل أن تكون حدثاً للصحافة الغربية، لكننا كنا الأقل تأثيراً في كشف ملابساتها. بكل بساطة، صحافتنا مموّلة من أنظمة تقدم كل يوم على جريمة لا تقل وضوحاً عن جريمة قتل جمال خاشقجي”.
الإعلام العربي مرآة لحالة العالم العربي المتدهورة. فبعد سنوات قليلة من بدء انتفاضات 2011 التي بشّرت بحقبة من النشاط، كانت الثورات المضادة قوية للغاية لدرجة أنها أرجعت الحريات المكتسبة على مدى عقود. في مصر، سرعان ما تم إخماد ازدهار وسائل الإعلام المستقلة بعد عام 2011؛ إذ حوّل الجيش وسائل الإعلام الخاصة إلى آلة دعائية خاصة به. وفي السعودية، أنتجت الصحف هناك ذات يوم بعض أكثر النقاشات السياسية الرصينة في المنطقة. ليس بعد الآن. في عهد محمد بن سلمان، ولي العهد الشاب، لا يكفي للصحافيين أن يتبنوا الخط الرسمي. بل يجب عليهم الدفاع عنه بقوة أو سيعانون من العواقب.
حتى وقت قريب، كانت ملكيّة وسائل الإعلام السعودية موزّعة بين أفراد العائلة المالكة، ممّا منح بعضها -قناة العربية ومقرّها دبي وصحيفة الحياة العربية على سبيل المثال- بعض الحرية. أصبحت ملكية قناة العربية الآن تحت سيطرة شركة مدعومة من قبل الأمير محمد، في حين قُلّص حجم صحيفة الحياة بشكلٍ جذري. ومع انتقال النقاد إلى وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء المنطقة، وضعت الحكومات قوانين جديدة، كما أطلقت العنان للجان الإلكترونية لنشر البروباغندا وتشويه سمعة المتمرّدين.
منصة “درج” جزء من مشهد جديد يحتاجه العالم العربي بشدّة، مكوّن من دزينة من الناشرين عبر الإنترنت أو أكثر قليلاً، بما في ذلك مدى مصر في مصر ورصيف 22 في بيروت. بدأت منصّة “درج” -التي أُطلقت بتمويل أوّلي من مؤسسات أوروبية تدعم الديمقراطية- أول سبق لها بوجودها كشريك في تحقيق وثائق الفردوس Paradise papers عن طريق تسريب الملفات من مقدّمي الخدمة في الخارج.
يجب أن ترتقي منصّة “درج” أكثر إذا كانت تأمل في فرض رسوم على المحتوى. إذ إن جذب اهتمام قطاع الأعمال أو الأسهم الخاصة أمرٌ غير محتمل. عندما أطلق المستثمر السعودي الأمير الوليد بن طلال قناة تلفزيونية جديدة من البحرين في عام 2015 (وكان خاشقجي رئيساً للتحرير)، أُجهضت العملية على الفور، مما أهدر استثمار الأمير.
“حتى الآن، يمكننا الحفاظ على استدامة “درج” ونعرف أن هناك سوقاً للتقارير النزيهة”، كما تقول السيدة مقلد. “المشكلة هي أن لا أحد في المنطقة يريد الاستثمار في الحقيقة أو في وسائل الإعلام المستقلة”.
هذا المقال مترجم عن موقع Financial Times ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي
https://www.ft.com/content/3aafa152-db7a-11e8-9f04-38d397e6661c?fbclid=IwAR13cd4T3WCjuI9nVhhHoFHk-e8tNl8dP1wr1L9O5C5IblWHF7iHVDs_cEU
درج