لماذا حاولت قطر التجسس إلكترونياً على قادة المعارضة السورية؟/ مايكل وايس
يقال أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية اعتادت على زرع أجهزة تنصت تحت مقاعد الدرجة الأولى في شركة الخطوط الجوية الفرنسية، للاستماع إلى أي معلومات يبوح بها رجل أعمال تحت تأثير كؤوس الشامبانيا في منتصف رحلته الجوية، عن لجوء شركته للرشوة للفوز على منافسٍ أميركي.
الجميع يعلم عن عمليات تنصت أجرتها وكالة NSA الأميركية على محادثات الهاتف الخلوي للمستشارة أنغيلا ميركل (ناهيك عن التجسس على المراسلين الألمان الذين قاموا بتسريب المعلومات). وقالت المستشارة الألمانية بغضب لإدارة أوباما في عام 2015 إن “التجسس بين الأصدقاء غير مقبول إطلاقاً”.
إلا أن هذه الممارسة موجودة في الواقع، وكانت دائماً موجودة، ويعتمد الأمر بشكلٍ كبيرٍ على التعريف المذبذب الذي يعتمده كل طرف لمعنى الأصدقاء.
لننظر مثلاً، في القضية المثيرة للفضول للقراصنة الإلكترونيين (الهاكرز) الذين ترعاهم دولة قطر، ومحاولاتهم اختراق رسائل البريد الإلكتروني لأعضاء بارزين من المعارضة السورية يقيمون في الولايات المتحدة. جاء الكشف عن هذه المعلومات، وفق ما أفاد به لأول مرة موقع بلومبرغ ونيويورك تايمز، عن طريق دعوى قضائية تقدم بها المموّل الجمهوري السابق والتابع لترمب، إليوت برويدي، الذي وقع هو نفسه ضحية للقرصنة، وتبين انخراطه في هذا الممارسة الأميركية الدائمة المتعلقة بمقايضة قدرته على التوسط لدى البيت الأبيض مقابل تحقيق مكاسب شخصية.
استدعى محامو برويديموقع TinyUrl.com، وهو موقع على شبكة الإنترنت لاختصار الروابط، يستخدم في إخفاء المواقع المتورطة في الإيقاع به وبأهداف أخرى، بمعنى إرسال رسائل إلكترونية مخادعة، الهدف منها إغراء المعنيين بإدخال كلمات مرور البريد الإلكتروني الخاصة بهم على موقع إلكتروني مزيف يديره قراصنة إلكترونيين.
قدم موقع TinyUrl كماً هائلاً يتألف من 11 ألف صفحة من المواقع الإلكترونية ورسائل البريد الإلكتروني المستخدمة لمحاولة الإيقاع بـ 1200 هدف خلال عامٍ واحدٍ، من 1 حزيران/يونيو 2017 إلى 31 أيار/مايو 2018، وفقاً للبيانات التي أطلعت عليها The Daily Beast.
(ربما استهدف المزيد من الأشخاص قبل هذه التواريخ أو بعدها).
وأخبرني خبير في التحليل الرقمي، مُطلعٌ على البيانات قائلاً “من المستبعد للغاية أن يقوم أفراد مستقلون بفعل ذلك”، مشيراً بأصابع الاتهام إلى الدوحة.
لم ينكر جاسم بن منصور آل ثاني، الملحق الإعلامي في السفارة القطرية في واشنطن العاصمة، كثيراً هذه الاتهامات، واكتفى بإلقاء ظلال من الشك عليها، وقال لصحيفة التايمز “إنها افتراضات وتخمينات ضعيفة”.
كان الجزء الأعظم من الأهداف الـ 1200، كما تتوقعون، أعداء صريحين لهذه الإمارة الخليجية الصغيرة الغنية بالغاز، على الرغم من أن بعض الأهداف في مجموعة البيانات كانت على ما يبدو رسائل غرام خارجة عن السياق، مثل ممثلة في بوليوود ربما وقع أحد القراصنة في حبها.
كان لدى الأهداف الأكثر وضوحاً والمقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا سجلات عامة، يسهل البحث عنها على Google، عن تصريحات أدلوا بها ضد قطر أو تم توظيفهم من قبل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو البحرين للقيام بالتعاقد أو تشكيل مجموعات ضغط في الغرب.
وكان من بين الأهداف التي تقيم في دول الشرق الأوسط، أفراد الأسر المالكة أو مسئولين حكوميين من تلك البلدان الثلاثة نفسها، التي شاركت في حصار قطر لمدة سنة، بسبب سياستها الخارجية المغامرة، المتمثلة في دعمها الخارجي لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمة سياسية في مصر وغزة، وتمويلها لمجموعات إسلامية متمردة مختلفة في ليبيا وسوريا، ناهيك عن شبكتها الفضائية الإخبارية القوية، الجزيرة.
ليونة نظام آل ثاني الملكي، إزاء الخصم الإقليمي الشيعي إيران، يشكل أيضاً عاملاً من عوامل هذه الحرب غير الباردة، التي يشنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضد قطر.
وقد انحازت إدارة ترمب إلى جانب الكتلة السعودية في هذه المسألة، وهو السبب المفترض وراء اختراق حسابات برويدي، الذي يشكل نقطة اتصال في توجيه سياسة الإدارة لصالح الرياض وأبو ظبي. والشيء نفسه بالنسبة لما حدث مع مسؤولين سابقين في وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات الهولندية العاملين حالياً في القطاع الخاص في شركات لديها عقود عمل مع السعودية أو الإمارات.
لكن السؤال المطروح، لماذا ملاحقة المعارضة السورية الشريدة التي تزداد هامشية مع مرور الوقت؟
قطر هي عضوٌ في ميثاق ما يسمى تحالف أصدقاء سوريا الذي أنشأته واشنطن لعزل نظام بشار الأسد. ومنذ عام 2011، شنت قناة الجزيرة الإخبارية التي تديرها قطر، حملة إعلامية شنعاء لا تعرف الراحة، تكشف خلالها عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام، والغريب أن بعض السوريين المستهدفين، سبق لهم أن ظهروا على قنوات الشبكة، بالإنجليزية والعربية.
هنا أيضاً، كل شيءٍ يتوقف على كيفية تعريف الأصدقاء.
يقول كنان رحماني، مدير الشؤون القانونية في مجموعة حقوق الإنسان “حملة سوريا”، الذي فشل القطريون في اختراق حسابه في Gmail “لقد كنتُ أتحدث صراحة ضد الإسلاميين بشكلٍ عام، وضد الإخوان المسلمين على وجه الخصوص” ثم يضيف “ولم أدرك أن ذلك من شأنه أن يجعل قطر تنظر إلي كخصمٍ”.
قال لي وائل السواح، عضو مجلس إدارة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومثقف سوري ، أنه أصيب بالذهول، ولم يعرف سبب وقوعه ضمن قائمة أهداف الدوحة. “ليس لدي أي فكرة. أنا منشق عن عائلة الأسد. اضطررت إلى مغادرة سوريا لهذا السبب تحديداً. ولست على اتصال بأي جهة حكومية إقليمية وجهات دولية. أنا لست على اتصال مع أي ممثل غير حكومي في الخليج. لم أتدخل أبداً في شؤون الخليج”.
ويقول آخرون من المعارضين السياسيين السوريين، إن القطريين كانوا يريدون معرفة الحكومات التي قد يتحدثون معها. قال أحد النشطاء المستهدفين الذين وافقوا على التحدث إلى صحيفة The Daily Beast دون الكشف عن وجهه، أنه قد يكون موضع شكٍ بسبب اجتماعاته مع إدارة ترمب، بما في ذلك مجلس الأمن القومي.
ساشا غوش سيمونوف ليس سورياً حتى (هو يهوديٌ يحمل الجنسية المزدوجة الأميركية الكندية)، لكنه كان مع ذلك ضمن القائمة، على ما يبدو بسبب عمله على مدار السنين، لعدد من المجموعات السورية المعارضة ، بما في ذلك فرقة الطوارئ السورية Syrian Emergency Task Force.
ويقوم اليوم بالتعاون مع بسام باراباندي، وهو دبلوماسيٌ سابقٌ، عمل في فترة ما، في السفارة السورية في واشنطن العاصمة، وبعد قيامه بمساعدة تهريب مواطنيه من البلد الذي مزقته الحرب من خلال إصدار جوازات سفر لأفراد أسرهم المقيمين في الولايات المتحدة، انشق عن النظام ليلتحق بالمعارضة ويعيش الآن في واشنطن العاصمة. وقد استُهدف باراباندي هو أيضاً من قبل القراصنة، لكنه رفض التعليق لهذا المقال.
قال لي غوش سيمونوف “أجريت أنا وبسام اتصالات مع الحكومة التركية، لذا ربما كان [الهاكرز] أكثر اهتماماً بكيفية مناقشتنا لمسائل المعارضة السورية ومحاولة فهم ما هو دور قطر، وتحديدا ارتباطهم بـجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام (HTS)”، في إشارة إلى الأسماء البديلة لـفرع “القاعدة” في سوريا. “في الماضي، ساهمت قطر في إطلاق سراح الأشخاص الذين اختطفتهم جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، وكنتُ أنا شخصياً على دراية ببعض تفاصيل عمليات الاختطاف هذه لأنني أعرف الوسطاء الذين قدموا يد المساعدة على الجانب السوري.”
وبحسب ما أوردته بعض المصادر دفعت قطر ما لا يقل عن 770 مليون دولار، وما يصل إلى مليار دولار، لتأمين الإفراج عن 26 من أفراد عائلتها المالكة الذين تم اختطافهم من قبل جماعة شيعية تدعمها إيران أثناء ممارستهم هواية الصيد بالصقور في العراق.
وقد وضِعت أربع قرى في سوريا، اثنتان من الأغلبية السنية واثنان من الأغلبية الشيعية، على طاولة المفاوضات، للتوصل إلى صفقة توّجت بإطلاق سراح الصقارين، توسط فيها من جهة، حزب الله اللبناني وإيران ومن الجانب آخر، أسرة آل ثاني وأحرار الشام، وهو فصيلٌ قويٌ من المتمردين السلفيين في سوريا.
قال أحد المحللين لهذا الصراع، طلب عدم الكشف عن هويته “في كل مرة نقتفي آثار صفقة بين إيران أو الميليشيات الموالية لإيران والمتطرفين الإسلاميين في سوريا، نجد أموالاً قطرية”.
ومن المفارقات، يقول غوش سيمونوف، أن وظيفته الأولى مع المعارضة كانت في مجال الأمن الرقمي، “لقد ساهمت في تدريب السوريين لتفادي الهجمات الالكترونية التي يقوم بها نظام الأسد أو الإيرانيون، ولم أكن أعتقد أبداً أنه علينا ان نشعر بالقلق من القطريين أيضاً “
هذا المقال مترجم عن موقع thedailybeast.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.
https://www.thedailybeast.com/why-did-qatar-try-to-hack-syrian-opposition-leaders?ref=scroll
درج