ماذا بعد 11 جولة في أستانة/ ماجد كيالي
لم يكن من المتوقّع نجاح الجولة الـ11 من المفاوضات السورية-السورية، في مسار أستانة، الذي افتتح في يناير 2017، بإرادة ثلاث دول منخرطة في الصراع السوري هي روسيا وإيران وتركيا، إذ أن أيا من الجولات السابقة لم تحقّق أي نتيجة تذكر.
وكان مسار أستانة وضع على عاتقه عدة مهمات، أولاها وقف القتال، بمصطلحات تخفيض التوتّر أو التصعيد. وثانيتها إنهاء الجماعات الإرهابية. وثالثتها حل القضايا الإنسانية؛ الإفراج عن المعتقلين، وتأمين المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة. ورابعتها التمهيد لحل سوري يتأسس على عودة اللاجئين وإعادة الإعمار والتوافق على دستور، على خلاف مسار جنيف الذي يتوخى تحديدا إحداث تغيير سياسي متوافق عليه لوقف الصراع السوري.
ورغم الشبهات التي اكتنفت مسار أستانة، الذي خرج عن منطوق القرارات الدولية المتمثلة في بيان جنيف للعام 2012، الخاص بتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، وقراري مجلس الأمن الدولي 2118 (سبتمبر 2013)، الذي جاء بعد قصف الغوطة بالسلاح الكيمياوي، و2254 (أواخر 2015) الذي وضع خطة تفصيلية ومحددة زمنيا لحل الصراع السوري، إلا أن الدول المنخرطة في هذا المسار لم تلتزم بتعهداتها المذكورة سابقا، ولا في أي شكل، ناهيك أن كل واحدة من تلك الدول (روسيا وتركيا وإيران) لديها أجندة تختلف عن الأخرى في سوريا وتبحث عن تعظيم أوراقها فيها، بدل إيجاد حلول للصراع القائم منذ ثمانية أعوام.
مثلا، فإن الهدف المتعلق بوقف القتال أو تخفيف التوتر أو التصعيد، لم يتحقق إطلاقا، من قبل كل الأطراف، إذ شهدت تلك الفترة ذروة تدخل الدول الثلاث، الضامنة لمناطق خفض التصعيد، في الصراع السوري، لا سيما روسيا التي صعّدت غاراتها الجوية على مناطق المعارضة، غير مبالية بالاتفاقات المذكورة. كما صعّدت القوات والميليشيات التابعة لإيران هجماتها على المناطق الخاضعة لفصائل المعارضة المسلحة. أما تركيا فقد عزّزت المواقع التي تخضع لنفوذها في الشمال السوري، لا سيما في إدلب وريفها، بعد عمليتي درع الفرات (أواخر 2016) وغصن الزيتون (2018).
في المحصلة فقد أدت تلك الهجمات إلى خسارة فصائل المعارضة السورية المسلحة للمواقع التي تسيطر عليها، واحدا إثر الآخر، بعد خسارتها حلب، أواخر 2016، وضمن ذلك خسارتها مواقعها في الغوطة وجنوبي دمشق، ثم في درعا، وأرياف حماه وحمص واللاذقية (2018)، بحيث لم يبق للمعارضة إلا منطقة إدلب وريفها، فهي الوحيدة التي بقيت على هذا الوضع من مناطق “خفض التصعيد” الأربع التي تم التوافق عليها منذ صيف العام الماضي بحكم صلتها بتركيا.
ما يفترض التذكير به هنا، في ما يخص الحالة الخاصة في منطقة إدلب، أن تركيا تعتبر بمثابة منطقة نفوذ لها، وورقتها لفرض رأيها بشأن مستقبل سوريا، أسوة بروسيا وإيران.
وفي الواقع فإن تركيا وهي تأخذ هذا الموقف تتطلع إلى اعتبارات عديدة ضمنها، أولا القضاء على نفوذ حزب العمال التركي الكردي، وامتداداته السورية، أي حزب الاتحاد الديمقراطي، من عفرين إلى جبال قنديل في العراق، أي على طول الحدود العراقية والسورية مع تركيا، باعتبارها ذلك جزءا من أمنها القومي. ثانيا تحجيم نفوذ إيران في المشرق العربي ولا سيما في سوريا. ثالثا تعزيز تحالفها مع روسيا بحكم زيادة التدخل الروسي في الصراع السوري. رابعا تعظيم أوراق القوة التي تملكها لتعزيز علاقاتها المضطربة مع الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لإيران، فقد كانت ترى في مناطق خفض التصعيد خطرا قد يؤدي إلى تضاؤل نفوذها في سوريا، لذا فهي لم تلتزم بذلك، وعملت كل شيء لاستعادة المناطق المعنية في الجنوب والشمال والوسط إلى حضن النظام، أما في إدلب فوجدت نفسها في وضع حرج، بين تركيا التي لا تريد أن تخسرها، باعتبارها نافذة لها على العالم بعد تشديد العقوبات الأميركية عليها، وبين روسيا التي يمكن أن تخفف من وطأة تلك العقوبات، بحكم مناكفتها للإدارة الأميركية، مع إدراكها أن روسيا تنافسها على امتلاك تقرير شأن سوريا.
في ما يخص روسيا فهي ليست في وضع سهل في سوريا مع كل تلك التعقيدات، لا سيما من قبل تركيا أو إيران، وقد شهدنا أن الرئيس فلاديمير بوتين لم يستجب لطلب الرئيس التركي في شأن الاستمرار في منطقة خفض التصعيد في إدلب، في قمة ثلاثي أستانة في طهران (7 سبتمبر الماضي)، التي جمعته بالرئيسين حسن روحاني ورجب طيب أردوغان، لكنه عاد وتراجع ورضخ لذلك، بعد عشرة أيام في قمة سوتشي الثنائية (17 سبتمبر) التي جمعته بأردوغان (من دون روحاني)، في تأكيد لحرصه على العلاقة مع تركيا، علما أن ذلك جاء أيضا بعد ضغوط المجموعة المصغرة، التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومصر والسعودية والأردن، التي أصدرت بيانا في منتصف سبتمبر الماضي حددت فيه موقفها بحل الصراع السوري، باعتبار أنه يتطلب أساسا الانتهاء من الجماعات الإرهابية وإخراج إيران وميليشياتها من سوريا، والشروع في عملية الانتقال السياسي فيها.
يستنتج من ذلك أن أطراف أستانة الثلاثة لا تملك التقرير بمستقبل سوريا، وقد عبر عن ذلك صراحة وزير الخارجية الأميركي باعتبار أن الولايات المتحدة وتركيا تسيطران على 40 بالمئة من سوريا، قاصدا في ذلك شمال سوريا وشرقها، كما يفيد ذلك بأن الأطراف الثلاثة غير قادرة على الاستثمار في الصراع السوري، بتحويل نفوذها العسكري إلى إنجاز سياسي، في إقرار باستحالة ذلك من دون موقف حاسم من الولايات المتحدة، التي تؤكد مرة تلو الأخرى أنه لا يمكن دعم إعادة الإعمار ولا عودة اللاجئين، دون إخراج إيران وميليشياتها من سوريا، ومن دون انتقال سياسي فيها.
أزمة مسار سوتشي لا تتعلق فقط بالفشل في الاتفاق على صياغة لجنة دستورية، فمع دستور أو من دونه، فإن متطلبات الاستقرار السوري لم تتحقق بعد في نظر الفاعلين الدوليين والإقليميين، لذا فإننا سنبقى في ذلك الوضع إلى حين حسم الأطراف المعنية، ولا سيما الولايات المتحدة، لأمرها.
كاتب سياسي فلسطيني
العرب