روسيا هي الوجه الجديد للإرهاب عام 2019
ترجمة – Foreign Policy
أصبحت طريقة تفكير الغربيين بخصوص الإرهاب الإسلامي عتيقة إلى حدٍ خطيرٍ. لقد ركز المسؤولون على مدى عقودٍ، على الهجمات التي يشنها مواطنون من بلدان الشرق الأوسط. بيد أن اليوم، أصبح التهديد الحقيقي يأتي بشكل متزايد من أقصى الشرق. فقد تحوّل اهتمام المقاتلين في الدول السوفياتية السابقة وما وراءها، الذين غالباً ما واجهوا في وقت من الأوقات شكاوى محلية، الآن إلى الغرب. وسيشكلون بلا شك الخطر المستقبلي الذي يتوقع حدوثه عام 2019.
انحصر التهديد الذي شكله الإرهابيون من بلدان الشرق الأوسط منذ فترة من الزمن. وحتى أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ارتكب المتحدثون الروس من الدول السوفياتية السابقة بالفعل الكثير من الهجمات الكبرى في الغرب. شملت هذه الأعمال بعض الأحداث البسيطة نسبياً، ارتكبها أشخاصٌ منعزلون، مثل تلك الهجمات التي حدثت خلال عام 2017 التي استهدفت المشاة في نيويورك وستوكهولم – والتي نفذها مواطنون أوزبك – فضلاً عن عمليات أخرى أكثر تعقيداً، مثل التفجير الانتحاري في مطار اسطنبول عام 2016 – والذي خطط له مواطن روسي بحسب بعض الادعاءات- والهجوم الذي حدث عام 2017 على ملهى ليلي في المدينة ذاتها، بقيادة مواطن أوزبكي.
ثمة أسباب كثيرة تفسر هذه الزيادة النسبية في العمليات الإرهابية المناهضة للغرب، التي تصدر عن الدول التي نشأت ما بعد الحقبة السوفياتية. بدايةً، في السنوات الأخيرة، انشغل الجهاديون في الشرق الأوسط بشكلٍ كبير بالصراعات المحلية في العراق وسوريا واليمن، ما أغناهم عن التفكير في التوجه إلى أماكن أخرى، وفي تلك الأثناء، تلاشى أثر تنظيم الدولة الإسلامية بعد هزيمتها شبه الكاملة في العراق وسوريا.
في الوقت نفسه، ساهمت الحروب الدائرة في الشرق الأوسط، في تحول المتشددين من المناطق الناطقة بالروسية، الذين دأبوا في وقتٍ سابقٍ على محاربة الحكومات القمعية في الداخل، إلى إرهابيين عالميين. وبحلول عام 2017، توافد ما لا يقل عن 8500 مقاتلٍ من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وقد فتحت تلك التجربة الميدانية شهية الكثير من هؤلاء الجهاديين، لمقاتلة قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وحفزّتهم على السعي إلى الانتقام، مقتنعين بأن العمليات المستقبلية يجب أن تستهدف الغرب.
على سبيل المثال، أعد أحمد شاتاييف، الذي يزعم أنه من خطط لهجوم مطار اسطنبول، في بادئ الأمر خططاً ضد أهداف غربية عندما كان يقاتل في العراق وسوريا. وكشفت محادثة هاتفية سُربت العام الماضي، بين شاتاييف وإرهابيٍ آخر يتحدث الروسية، اسمه إسلام أتاباييف، أن كليهما كانا يخططان لجمع معلومات استخباراتية حول قنصليات أميركية ومطاعم مشهورة يرتادها الأميركيون في تركيا وجورجيا.
استمر تنفيذ المنهجية ذاتها في مناطق أكثر توغلاً في الشرق، حيث يمكن للجهاديين الذين اكتسبوا تجارب قتالية في ساحات المعارك، والوافدين من دول ما بعد الحقبة السوفياتية، السفر بسهولة أكبر بكثير من العرب الذين يحملون جوازات سفر عراقية أو سورية أو يمنية.
مع تفاقم عمليات الاضطهاد التي يتعرض لها المسلمون في دول آسيا، تعاظم حيز المظالم لتتحوّل إلى نقمة دولية. عندما كنت في بنغلاديش في تموز/ يوليو 2018، صادفت على الأقل مجموعتين منفصلتين من القوقاز، تقدمان المساعدات الدينية للمسلمين الروهينغيا في مخيمات اللاجئين. وقال رئيس إحدى المجموعات الناطقة بالروسية والتابعة للمقاتلين في سوريا إنه يعتزم أيضاً إرسال بعض رجاله إلى بنغلاديش. إذ يُمكن لمثل هذا التواصل أن يعزز قدرات الجهاديين المحليين الذين يقومون بالفعل بعمليات مناهضة للغرب في المنطقة، بما في ذلك، تلك المجموعة التي اقتحمت مخبزاً في دكا عام 2016، يرتاده الوافدون الأجانب. وقد يجتذب هذا التواصل المزيد من الروهينغا للفكرة التي تجعلهم يقتنعون بأنهم يشاركون في كفاحٍ عالميٍ من أجل الإسلام، وليس فقط في صراعٍ محليٍ من أجل البقاء.
من المتوقع في السنوات القادمة، تصاعد وتيرة التهديدات الإرهابية من روسيا والدول المحيطة بها. ومع انهيار تنظيم الدولة الإسلامية، تمكن معظم الإرهابيين، من الدول الناطقة بالروسية، من الفرار من العراق وسوريا بسهولة أكثر من المقاتلين الأجانب المنحدرين من دول الشرق الأوسط، ويختبئون الآن في دول الفضاء السوفياتي السابق أو في دول أوروبية أخرى. وبعد أن تمكنوا من الإفلات من قبضة الجيش الأميركي، قد يجدون سهولة أكبر في تنفيذ مؤامراتهم، بفضل ما يتمتعون به من تعاطف محلي. وأدى إهمال الحكومة والقمع الصارخ الذي تمارسه أجهزتها الأمنية، إلى تحول المسلمين المتدينين في كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان، إلى أهدافٍ جذابة للمتطرفين الذين يبحثون عن مجندين جدد. في حين يحظى حالياً الكثير من المشايخ المشهورين من الشرق الأوسط، ومنهم رجل الدين السعودي عبد العزيز الطريفي، بالكثير من الأتباع، الناطقين باللغة الروسية والعربية، على وسائل التواصل الاجتماعي.
في ظل تغير بؤرة الإرهاب، سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تحديث استراتيجياتهم لِمحاربته. فقد أسست واشنطن خلال العقدين الماضيين، منظومة بيروقراطية ضخمة، تتمحور حول الإرهاب في الشرق الأوسط، وخصصت لها ملايين لا تعد ولا تحصى من الدولارات، في مساعيها للبحث عن الباحثين والمحللين الناطقين بالعربية وتدريبهم.
وفقاً لبيانات صادرة عن برنامج بالغ الأهمية خاص بالمنح الدراسية المعنية باللغة، تديره الحكومة الأميركية، فمن بين 550 طالباً جامعياً، سيتم قبولهم عام 2019، 105 منهم سيدرسون اللغة العربية مقابل 60 فقط، سيدرسون اللغة الروسية. وبحسب ما قاله الأساتذة الذين تحدثت إليهم – من أرقى الجامعات السياسية مثل كلية هارفارد كينيدي، وكلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، وكلية بوش للخدمات الحكومية والعامة في تكساس، فإن الغالبية العظمى من طلاب الجامعات الذين ينوون العمل في مجال مكافحة الإرهاب، لا يزالون قاصرين على دراسات الشرق الأوسط أو اللغة العربية. كما أن هناك نقصاً في الخبراء الذين تخصصوا في دراسات آسيا الوسطى ويمكنهم تعليم جيل جديد من المحللين.
تنطوي إعادة توجيه تركيز اهتمام الغرب أيضاً على تحديات سياسية كثيرة، نظراً إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة إيجاد طريقة للتعاون مع روسيا وجيرانها. على مدى السنوات الكثيرة الماضية، نجحت الشركات الأميركية، على سبيل المثال، في حذف منشورات الدعاية الجهادية من منصات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، لكن الدعاية ذاتها لا تزال منتشرة على نطاقٍ واسعٍ، على التطبيقات باللغة الروسية مثل VK وOK والتي تتمتع بشهرةٍ كبيرةٍ بين الدول التي خلفت الاتحاد السوفياتي. وقد أصبح تطبيق Telegram، الذي أسسه مواطنٌ روسيٌ، أيضا أداة تواصلٍ رئيسية للإرهابيين من جميع الخلفيات، كما كشفت الهواتف المحمولة التي صودرت من عناصر ينتمون لتنظيم الدولة الإسلامية أنها تعمل ببطاقات SIM أوكرانية.
ستتطلب مراقبة هذه الأنظمة وغيرها تعاوناً عميقاً وتبادلاً للمعلومات الاستخباراتية مع روسيا. إلا أن مثل هذا التعاون لا يبدو محتملاً في المستقبل القريب. وقد يكون هناك ببساطة الكثير من العداء بين واشنطن وموسكو، ما يحول دون السماح بتعاون فعال. وهناك أيضاً مشكلة جودة تلك المعلومات الاستخباراتية. إذ إن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين ينتهي بهم المطاف ضمن قوائم المراقبة الإرهابية المحلية، بل حتى قوائم الإنتربول في جميع أنحاء المنطقة، ليسوا في واقع الأمر إلا أعضاء في المعارضة السياسية الداخلية لهذه البلدان. في حين، يفلت الكثير من الإرهابيين المعروفين من شبكة الرصد ولا تشملهم قوائم الرقابة، ومن المعروف أن روسيا تمد متطرفين من بلدان القوقاز بجوازات سفر، تجعل من السهل على هؤلاء الجهاديين المحتملين مغادرة البلاد، بدلاً من التعامل معهم في الداخل.
لقد أصبحت المعلومات الاستخباراتية الواردة من تلك المنطقة مسيّسة إلى حدٍ كبيرٍ – وكثيراً ما تُستخدم لانتهاك حقوق الإنسان للمواطنين المتدينين، بدلاً من استخدامها لوقف الهجمات الإرهابية الحقيقية – ما يجعل من الصعب معرفة ما ستفعله الولايات المتحدة بهذه المعلومات.
كان يجدر بالغرب أن يدرك هذا التحوّل منذ زمن بعيد. لكنه لم يفعل، وهذا لا يعني أنه ينبغي أن يظل مكتوف الأيدي الآن. يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها، إدراك أن مصدر الهجمات المستقبلية، من المرجح أن يكون من أقصى الشرق، بدلاً من دول الشرق الأوسط، وليس هناك خيار آخر سوى التعاون مع روسيا وجيرانها لوقف هذه الهجمات. وإذا ما أخفقت الولايات المتحدة في القيام بذلك، سرعان ما سترى آثار تقاعسها، إما في شكل زيادة الهجمات على الولايات المتحدة أو عبر ظهور مجموعة إرهابية جديدة من دول ما بعد حقبة الاتحاد السوفياتي، في إحدى المناطق الكثيرة من العالم التي تمزقها الحروب.
هذا المقال مترجم foreignpolicy.com ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي