إعلان انقلاب لم يكتمل/ مهند الحاج علي
من الضروري إعادة شريط الأحداث الدرامية قبل انعقاد القمة الاقتصادية وخلالها في بيروت. بداية، شهدنا طوفاناً مُثيراً للغثيان من التصريحات عن ضرورة مشاركة سوريا في القمة العربية، بما يُوحي وكأن القمة ليست مناسبة لتعزيز العلاقات العربية لبيروت، أو من أجل عقد لقاءات ثانوية لتعزيز الاقتصاد، وتحصيل الدعم الضروري لإعادة تعويمنا مالياً. ثم، وبعد تبيان عدم جدوى هذه المطالبات، خرجت قضية التمثيل الليبي في القمة إلى الواجهة. جاء أولاً التلويح بانتفاضة “6 شباط” جديدة لو دُعيت ليبيا، ثم نُظمت حادثة إحراق العلم الليبي في مقر القمة.
هذه المفاجأة، تماماً مثل عقبة تمثيل اللقاء التشاوري، خارجة عن سياق المنطق والأحداث، ومملوءة بالمفارقات. ليبيا اليوم، أي غداة مقتل رأس النظام معمر القذافي، هي على طرف نقيض مما كانت عليه أيام الجماهيرية عام 1978. حتى العلم الذي أُحرق لم يكن ذلك الذي خُطف الصدر تحته. ثم أليست مفارقة أن تحضر ليبيا معمر القذافي قمة بيروت عام 2002، أي إبان زمن الوصاية السورية، بوفد رفيع المستوى يرأسه وزير الخارجية حينها علي التريكي؟ ألم يكن الإحتجاج حينها على وزير خارجية القذافي، أولى؟
المفارقة الثانية أن النظام السوري اليوم، ومن ورائه روسيا يفتح جسوراً مع عائلة القذافي، إن كان من خلال استقبال نجل هنيبعل حتى خطفه باتجاه لبنان، أو عبر تبني عودة سيف الإسلام إلى الساحة السياسية بعد الإفراج عنه في الزنتان. دعوة سوريا الساعية إلى عودة عائلة القذافي، إلى القمة، ومقاطعة الأطراف الليبية الرافضة لذلك، عملان يتناقضان جذرياً مع الحرص على قضية الصدر وإرث الجريمة.
والتحليل السابق يدل على أن الحراك المعادي لليبيا على ارتباط بحضور سوريا في القمة من عدمه، تماماً كعلاقة تمثيل “اللقاء التشاوري” بالملف الإيراني. إنهما جسمان ينموان خارج الحسابات المحلية اللبنانية. ورغم التباعد في السياسة بين الطرفين، يتكامل التصعيد ضد ليبيا في أهدافه مع خطاب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أمام القمة. وقد علّق بإسهاب على الغياب السوري عنه، كأنه يبكي على الأطلال، بما يوحي بوجود ضغوط من دمشق على حلفائها في هذا الإتجاه.
ذلك أن مسار التطبيع مع سوريا بطيء للغاية نسبةً للتوقعات في دمشق، وهي مرتفعة جداً، وتُحلق فوق الممكن محلياً. هناك ما يُوحي بأن الرئيس السوري بشار الأسد يخال بأن انتصاره بالحرب قادر على تصفية مفاعيل نكسته الأولى عام 2005. لذا يشعر بخيبة بعد النشوة.
كان يُفترض بانتخابات أيار (مايو) الماضي أن تلد الخاتمة السعيدة للحرب السورية ومشاركة “حزب الله” فيها، في لبنان. حكومة مؤيدة بأغلبيتها للنظام السوري، تماماً مثل البرلمان. حتى أن أحد رموز حقبة الحكم السوري المباشر للبنان علّق على عودته إلى البرلمان اللبناني بعد غياب “قسري” منذ عام 2005، بإعلان شعوره “بأن خطأً تاريخياً قد صُوّب”.
لكن مثل هذه الحكومة بالتركيبة المحلية اللبنانية لن تولد بهذه بسهولة، و”حلفاء” النظام شُركاء في عرقلتها. لذا ليس بإمكانه تبني الفراغ والأزمات الناشئة عنه، وأن يستلها كسيف يُلوّح به منتصراً في وجه العالم. لكن القمة كانت مُناسبة يطلُّ من خلالها على العالم من دوره القديم.
المفاجأة أن مصادر النظام أعربت عن عدم رضاها في تصريحات للإعلام اللبناني عن أداء “الحلفاء” اللبنانيين في الضغط من أجل تمثيل سوريا بالقمة. ذلك أن التوقعات السورية من الحلفاء عالية جداً، وهناك في دمشق من يشتاق إلى ميشال سماحة وأمثاله. وليس مستبعداً أن يُترجم النظام هذا الضيق من الحلفاء، أمنياً، ليمد أذرعه حيث يعجز الأصدقاء.
المدن