نهاية الوهم الغربي في سوريا
اعداد إبراهيم درويش
تحت عنوان “نهاية الوهم الغربي في سوريا” كتب منسق السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي السابق، والسكرتير العام للناتو ووزير خارجية إسبانيا السابق خافيير سولانا مقالا بموقع “بروجيكت سيندكيت” ، ذكر في بدايته بصورة رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي صور نفسه في آذار (مارس) 2018 وهو يقود سيارته وسط أنقاض الغوطة الشرقية الواقعة في نواحي العاصمة دمشق.
وفي ذلك الوقت كانت قوات النظام وبعد سبعة أعوام من الحرب الأهلية تحقق تقدما ضد مقاتلي المعارضة التي ظلت تحت الحصار حوالي نصف عقد. وكشفت الصورة عن عودة انتصار لرئيس بدا مرتاحا وكانت بالضرورة نوعا من الدعاية. ولكن الصور لخصت سنوات الحرب المأساوية وهي أن سوريا قد دمرت وبقي الأسد.
وقال سولانا مدير المركز لدراسات الاقتصاد العالمي والجيوسياسة، إن الأرقام وحدها لا تستطيع تحديد الكارثة الإنسانية وضخامتها ولكنها تقدم المنظور الضروري. فقد كان عدد سكان سوريا عام 2011 وهو العام الذي بدأت فيه الحرب 21 مليون نسمة. وبعد ثماني سنوات من الحرب نقص العدد إلى النصف حيث مات نصف مليون أو أكثر في الحرب بسبب هجمات المؤيدين للأسد بشكل عام. وهناك 5.5 مليون سجلوا أسماءهم كلاجئين لدى الأمم المتحدة بالإضافة إلى أكثر من 6 ملايين نازح في داخل وطنهم. ويقول سولانا إن الأرقام تعكس بحد ذاتها فشل “المجتمع الدولي” والذي بدا في سوريا وغيرها من السياقات لا يستحق حتى الاسم. ومنعت الخلافات داخل الأمم المتحدة أي تحرك قوي بشأن سوريا. ويرتبط الفشل في مستوى كبير بالتدخل الذي قامت فيه دول حلف الناتو في ليبيا والذي وافق عليه مجلس الأمن الدولي وامتنعت كل من روسيا والصين عن التصويت عليه. وتزامن القرار مع بداية الثورة السورية، وما حدث هو أن الدول التي شاركت في تنفيذه تجاوزت صلاحيته الإنسانية وبدأت عملية تغيير للنظام، انتهت بقتل وحشي وبشع لمعمر القذافي على يد المقاتلين الليبيين. وقدم التدخل الغربي في ليبيا بعدا جديدا للشك الصيني والروسي بالنوايا الغربية وبأي تدخل عسكري بذريعة “مسؤولية توفير الحماية” والتي تم تقديمها لمواجهة تجاوزات نظام القذافي. ومنذ ذلك الوقت زاد استخدام الفيتو في مجلس الأمن. ولوحت به روسيا 12 مرة حيث منعت قرارات تتعلق بسوريا. كما ومنعت الصين التي استخدمت الفيتو 11 مرة ستة قرارات ذات علاقة بالأزمة السورية. ومنع فيتو روسي-صيني مشترك من إحالة سوريا لمحكمة الجنايات الدولية، مقارنة مع القرار الذي صوت عليه مجلس الأمن لتحويل ليبيا إلى محكمة الجنايات. ونظرا للشلل الذي أصاب التعددية الدولية فقد ترك مصير سوريا بيد القوى الدولية ومصالحها الجيوسياسية. وأصبح أي مظهر من مظاهر الدعم الإنساني مقتصرا على قرارات ثانوية وليست منتجة. منها قرار لتدمير ترسانة النظام السوري من السلاح الكيماوي وعمليات عسكرية عليها علامات استفهام لمعاقبة النظام بسبب خرقه شروط اتفاق تدمير ترسانته. وبعيدا عن الإجماع على مواجهة تنظيم “الدولة التي تركته ضعيفا ومهزوما، ظلت سوريا ساحة للمنافسة الدولية. وبناء على هذه المصاعب فمن الواضح عدم نجاح أي مهمة دبلوماسية. وفي الحقيقة فقد قرر كوفي عنان الاستقالة من منصبه كمبعوث خاص للأمم المتحدة والجامعة العربية ، وشعر أن الاتهامات المتبادلة بين القوى العظمى تعرقل مهمته. إلا أن فشل المفاوضات لم يكن ولا يزال محتوما. ولم ينبع من عوامل سياقية فقط بل وكان نتيجة لسلسلة من الأخطاء التي ارتكبها الغرب من ناحية الفعل أو الإهمال. فرغم التردد الأمريكي للتدخل في سوريا إلا أنها لم تخف حماسها للإطاحة بنظام الأسد. فبعد اندلاع الانتفاضة السورية عبرت إدارة باراك أوباما عن موقفها وبوضوح وهو تغيير النظام. وكان هذا موقف الاتحاد الأوروبي بشكل أضعف جهود كوفي عنان الدبلوماسية. وكما لاحظ باتريك سيل، المراقب الراحل للشأن السوري فإن الهوس بتغيير النظام “لا يعد خطة للسلام”. وفي الحقيقة وضع هذا النهج الأسد في موقع الدفاع وأدى لتوقعات عالية من المعارضة المتشرذمة.
وبعد جولة جنيف التي عقدها عنان عام 2012 دخلت اللعبة الدبلوماسية في سلسلة لولبية من النكسات. وتميز موقف الاتحاد الأوروبي بالسلبية المفرطة أمام نزاع يدور في بلد مشارك في سياسة الجوار الأوروبية. وعلينا تذكر أن الحرب في سوريا هي التي قادت عامة 2015 لأكبر موجة لجوء هزت أسس الاتحاد الأوروبي وقادت إلى معاناة إنسانية ضخمة. ومع ذلك ظلت دول الاتحاد تجرجر أرجلها وفضلت البحث عن حلول جزئية، مثل الاتفاق مع تركيا بدلا من مواجهة المشكلة وبقوة. واليوم يظهر الارتباك الأوروبي بالمسألة السورية ، في وقت يقدم فيه الرئيس دونالد ترامب منظرا مخجلا من خلال دفعه بسحب القوات الأمريكية من سوريا. ويظل الوضع غامضا حول خطط أمريكا مواجهة التأثير الإيراني في سوريا ، وما هي طبيعة الضمانات التي قدمت للأكراد بعد مشاركتهم في الحرب ضد تنظيم “الدولة”. وفي النهاية يرى سولانا أن الغرب وبشكل واضح يتصادم مع الواقع، فبعد خفوت الغبار الذي أثاره تنظيم “الدولة”، فسوريا التي تظهر بعد الحرب لا تختلف من الناحية السياسية عن تلك التي كانت موجودة قبل الحرب. وهذا لا يعني خروج الأسد سالما وقادرا على فرض سلطته بدون ضوابط. إلا أنه وفي غياب البدائل ورغم ما ارتكبه من جرائم بدعم من إيران وروسيا فسيكون له دور في مستقبل سوريا، وعلى المدى القريب. ومن الواضح أن وقتا وجهودا استثمرت في السياسة الخطأ وهي تغيير النظام التي من الصعب التخلي عنها. ولكن لا خيار. وعلى الغرب التخلي عن وهمه ، والجلوس للتفاوض بجدية وعلى كل المستويات بشأن سوريا.
بروجيكت سنديكيت
القدس العربي