في مآلات تمدّد هيئة تحرير الشام- مقالات مختارة متجدد
حكومة الإنقاذ” الذراع السياسية للنصرة تُحكم سيطرتها على إدلب/ تيم غوراني
انتهت المعارك التي اندلعت مع بداية العالم الحالي بين الجبهة الوطنية للتحرير وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، بعد اقتتال دام 9 أيام، أفضى إلى سيطرة الهيئة على مناطق محافظة إدلب بالكامل، ووضعها تحت تصرف حكومة الإنقاذ، التي تتبع بشكل مباشر للفصيل ذاته. وعلى رغم الأعداد الكبيرة ومناطق انتشار قوات الجبهة الوطنية، إلا أنها سقطت عسكرياً تحت ضربات النصرة بشكل لم يكن متوقعاً. ووقعت اتفاقاً في نهاية المطاف ينص على أن تتسلم الأمور المدنية لحكومة الإنقاذ، إضافة إلى تسليم السلاح الثقيل لدى “أحرار الشام”، إحدى فصائل الجبهة الوطنية، إلى جهة ثالثة، وبالتأكيد السيطرة المطلقة على الأوتوستراد الدولي حلب – دمشق، وحلب – اللاذقية.
بعيداً من الأسباب والتداعيات التي أدت إلى سقوط الجبهة الوطنية أمام الهيئة، فهي اليوم باتت تسيطر وتُحكم السيطرة من دون أي منازع أو منافس، الأمر الذي يجعل إدلب تتلون باللون الأسود، فهيئة تحرير الشام هي من الفصائل المصنفة إرهابية، ما قد يجعل إدلب محط أنظار روسيا، التي تنتظر هفوة من حليفها التركي، لتقوّض اتفاق سوتشي المبرم بينهما بخصوص إدلب.
ما إن سيطرت حكومة الإنقاذ على إدلب، حتى بدأت تصدر تعليمات وتعاميم وقوانين خاصة بها، وتفرضها على المواطنين في إدلب، فلم ينجُ أي قطاع تعليمي أو خدمي، حتى بدا عليه التغير مباشرة.
إغلاق الجامعات الخاصة و75 ألف دولار لترخيص العمل
أرسلت وزارة التعليم العالي التابعة لحكومة الإنقاذ بياناً إلى الجامعات الخاصة، يفيد بإيقاف عملها، وذلك لأنها غير مرخصة لديهم وأنها لا تضم كادراً أكاديمياً ومعدات تعليمية.
وأفاد محمد عبد الهادي وهو طالب في الجامعة الدولية للإنقاذ والتي يشملها التعميم، بأنه تم إيقاف عمل الجامعة مع العلم أن الجامعة مستوفية الشروط المطلوبة التي وضعها مجلس التعليم العالي في حكومة الإنقاذ، ولكن لا نعلم سبب الإصرار على إيقاف عمل الجامعة، على رغم أن لجنة من الحكومة جاءت وقيّمت عمل الجامعة وأقرت بأنها تستوفي الشروط التي يطالبون بها.
يضيف محمد لـ”درج”: “المعدات المخبرية الموجودة في جامعتنا، هناك الكثير منها لا يتوفر حتى في جامعة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ وعلى رغم ذلك تم إيقاف عمل الجامعة”.
ونظم طلاب الجامعة وقفة احتجاجية في مدينة معرة النعمان طالبت التعليم العالي بالنظر جدياً بالأمر، وتم رفع لافتات مناهضة، كان أبرزها “إن أردت أن تهدم بلداً فابدأ بالعلم”.
ويوضح محمد أن الترخيص الذي تطلبه حكومة الإنقاذ يكلف مبلغ 75 ألف دولار، يتم جمعه من الطلاب حتماً، وذلك لأن الجامعة التي ندرس فيها غير ربحية فبعدما كانت رسوم التسجيل 350 دولاراً، ربما اليوم قد تصل إلى 1000 دولار، وهذا مبلغ كبير جداً لكل عام دراسي، بخاصة في حالتنا في الوقت الراهن.
في المقابل، يرى براء علاوي وهو طالب في جامعة إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ أن الخطوة التي قام التعليم العالي بها هي في الطريق الصحيح، مبرراً تصرفها بقوله “آن الأوان لكي تكون هناك جهة واحدة تعنى بأمر التعليم، كفانا تشرذماً على الأقل من الناحية التعليمة، كان هناك أكثر من جهة تتسلط على التعليم في إدلب، فمناهج نظام الأسد ما زالت تُدرس إلى اليوم في بعض مدارسها”.
70 دولاراً لترسيم السيارة الإجباري في إدلب
لم يقف الأمر عند التعليم فها هي حكومة الإنقاذ تتجه إلى الحياة الاجتماعية وتبدأ سن القوانين. التقت “درج” مع الأربعيني غياث الفوزي الذي يعمل سائق حافلة لنقل الركاب في إدلب، وأفاد بأنه تم منع العمل عن السيارات التي تعمل في النقل العام من قبل حكومة الإنقاذ، وذلك بسبب عدم تسجيلها لدى مديرية المرور التابعة لها. واشترطت الحكومة على الجميع تسجيل السيارات، الأمر الذي يكلف مبلغ 35 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 70 دولاراً، ويمكنك بعدها الحصول على تأشيرة عمل. وأوضح أن الأمر لم يتوقف عند سيارات النقل بل انتقل إلى السيارات الموجودة في إدلب، إذ لا يسمح لها بالمرور على حواجز هيئة تحرير الشام، ما لم تكن تحمل اللوحات والأوراق المخصصة بهم.
يقول غياث: “يدعون أن سبب الأمر هو التنظيم ومحاولته منع سرقة السيارات، ولكن للأسف إلى اليوم لم تقم الهيئة بإرجاع أي سيارة مسروقة، على العكس، قامت بحجز الكثير من السيارات، فيما لم يستطع أصحاب سيارات مسروقة من استردادها. إنها عملية لجمع المال من جيب الشعب لا أكثر”.
ضرائب ورسوم كثيرة و”الإنقاذ” ترد: “هي اختيارية وبالكاد التكلفة المطلوبة”
يملك زاهر النجار متجراً لبيع الألبسة في سوق مدينة إدلب، وتحدث لـ”درج” عن قيام مجموعات تتبع لحكومة الإنقاذ تعمل تحت اسم الجباية، بالتردد الدائم إلى أسواق إدلب لجمع الضرائب من الناس، كل بحسب عمله، فهي تقوم بجمع مبلغ ما بين 5 إلى 30 دولاراً من كل دكان ومتجر في المدينة، “في كل مرة تكون الحجة مختلفة، ولكن في أغلب الأحيان يقولون الموشح ذاته، أن الضريبة هي لحماية الأسواق من السرقة وللنظافة وغيرها من الخدمات التي نكاد لا نراها”.
إضافة إلى ذلك، تقوم اللجنة ذاتها بفرض المخالفات على المحال التجارية التي تضع منتجاتها على الأرصفة، أو تلك التي لم تغطِ صور النساء من على ملابسها، أو أن “المانوكان” عارض الملابس يوحي بشيء من الفتنة بحسب وصفهم.
من جهة أخرى، تحدثت “درج” مع محمد الأحمد معاون وزير الاقتصاد في حكومة الإنقاذ، والذي أوضح طبيعة وأسباب الضرائب والرسوم التي يقومون بجبايتها، “بداية نحن لا نفرض ضرائب، إنما هناك بعض الرسوم على مجموعة خدمات فرضت نتيجة الواقع الحالي، مثل رسوم ترسيم السيارات في المناطق المحررة، مقابل تنميرها وفتح إضبارة لها، وطباعة لوحات وفحصها فنياً، ما ينعكس بصراحة على ضبط الأمن أكثر، أما عن رسوم النظافة فهي عبارة في بعض المناطق ورسم اختياري لا يتجاوز 500 ليرة سورية شهريا”.
ويكمل الأحمد حديثه مشيراً إلى أن الرسوم هي مقابل خدمات تقدم وليست كبيرة، فهي بالكاد تغطي التكلفة المطلوبة، وباستطاعة أي أحد مراجعة المالية العامة والاطلاع عليها، إضافة إلى أن خدمات المياه والنظافة مقدمة على مدار العام، وبخاصة في المدن الرئيسية، وما يشاع ليس بالغالب صحيح وبإمكان أي أحد المجيء إلينا، والتأكد من أي أمر بهذا الخصوص.
تهجير كل من يعارض أفكارنا
لم تقتصر الأفعال التي تقدم عليها الإنقاذ في إدلب على جمع الأموال والضرائب وحسب، بل أصدرت مذكرات تحذير لمقاتلين وناشطين ثوريين تفيد بأن عليهم مغادرة إدلب والتوجه إلى مناطق غصن الزيتون، فبعد فرض سيطرتها عسكرياً، هي لا تريد بقاء أي معارض لها، إذ إن عناصر من تحرير الشام داهموا منازل عشرة أشخاص في مدينة دارة عزة، بعد إبلاغهم بمغادرة المدينة، ومن بينهم المسؤولان عن جامعة حلب الحرة علي راجي الحلو وعبد الله راجي الحلو، ورئيس وحدة المياه في البلدة وقائد الشرطة الحرة في المدينة، إضافة إلى ناشطين ثوريين.
وكان رد المهجرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فكتب المحامي أحمد رشيد على حسابه في “فيسبوك”: “الباصات الخضر أخرجت الثوار والنشطاء من دارة عزة ولكن بتوقيع من جاءوا لنصرتنا، هيئتنا ألا تعرفها؟”.
وكتب المحامي مثنى ناصر في “تويتر”: “على غرار نظام الأسد قامت هيئة تحرير الشام الإرهابية بإصدار قرار بنفي ثوار ونشطاء مدنيين وإبعادهم من دارة عزة وذنب المبعدين أنهم من أوائل الفاعلين في الحراك الثوري والمؤسسين للمؤسسات المدنية في المنطقة”.
ولم تكن مدينة دارة العزة المكان الوحيد الذي تم نفي ناشطيه، إذ شهدت مدينة الأتارب حادثة مشابهة، ولكن لمقاتلين في الجيش الحر أجبرتهم الهيئة على تسليم أسلحتهم والخروج إلى مناطق غصن الزيتون.
توقف الدعم عن 47 منشأة صحية بعد أيام من سيطرة الهيئة
أوقفت “منظمة الوكالة الألمانية للتعاون الدولي” الدعم عن 47 منشأة طبية تابعة لمديريات “الصحة الحرة” في إدلب، وذلك بعد أيام من سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب، وفي بيان باسم 42 منشأة طبية بتاريخ 15/1، أُفيد بأنها تابعة إدارياً لمديرية صحة حلب، وطالب أصحابها الجهات الدولية بعدم ربط عملهم بالتغيرات السياسية والعسكرية في إدلب، وبإعادة الدعم المقدم لتفادي وقوع كارثة إنسانية.
تغيرات كبيرة طرأت على الوضع في إدلب، بعد أيام من سيطرة الهيئة وذراعها السياسية على إدلب، الأمر الذي ينذر بمصائب قد تكون أكبر في المستقبل، كون الهيئة تصنف منظمة إرهابية، الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج سلبية على 3 ملايين شخص يقطنون في إدلب.
درج
نيويورك تايمز: سيطرة “هيئة تحرير الشام” على إدلب يقلب حسابات تركيا وروسيا
“وقف إطلاق النار في محافظة إدلب يواجه مخاطر بعد سيطرة المتشددين” عنوان تقرير كتبته فيفيان يي في صحيفة “نيويورك تايمز” قالت فيه إن الحكومة السورية لبشار الأسد والحكومة الروسية اقترحتا أن وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه منذ أشهر في آخر معقل للمعارضة أصبح عرضة للتهديد بعد سيطرة جماعة موالية لتنظيم القاعدة على المحافظة. وتقول الصحيفة إن حوالي مليون من ثلاثة ملايين يعيشون في المحافظة فروا منها. ويتكون معظم سكان المحافظة من السوريين الذين نقلوا بالحافلات بعد سيطرة نظام بشار الأسد على مناطقهم المحاصرة فيما يعرف باتفاقيات المصالحة. وهؤلاء هم الذين رفضوا العيش تحت ظل النظام. وتعلق أن تحطم إطلاق النار في إدلب يعني حملة عسكرية قد تؤدي إلى موجة لجوء جديدة باتجاه تركيا الواقعة شمال المحافظة. ويرى عدد من المحللين أن هجوما للنظام بدعم الطيران الروسي هو مسألة وقت ولم يكن يوما مدعاة للشك.
فمن ناحية يرغب الأسد بالسيطرة على كامل سوريا أما الروس فهم قلقون من وجود مقاتلين أجانب خاصة من دول وسط آسيا. ولهذا تظهر ملامح من نفاذ الصبر على الروس. وقالت المتحدثة باسم الخارجية ماريا زخاروفا الأسبوع الماضي قائلة إن “الوضع في إدلب “يتدهور بسرعة”. والتقى الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس رجب طيب أردوغان الذي زار مؤسكو يوم الأربعاء حيث أكد بوتين على ضرورة اتخاذ خطوات إضافية لمواجهة الإرهاب في إدلب. ولم يكشف بوتين عن الخطوات هذه إلا أنه لم يستبعد خرق وقف إطلاق النار حيث قال إن “دعم وقف إطلاق النار يجب أن لا يأتي على حساب الكفاح ضد الإرهاب الذي يجب أن يستمر”.
وأي هجوم سوري- روسي سيكون كارثيا على السكان الذين يعتمد معظهم على الدعم الخارجي. فقد أدى الشتاء القارس والمطر إلى غمر مخيمات كاملة بالمياه وتدمير 3.600 خيمة حسب الأمم المتحدة وتشريد عائلات بكاملها التي تعيش حالة من البؤس. وظلت إدلب حتى وقت قريب تعيش حالة من الإستقرار حيث كانت تدار من خلال مجموعة من الجماعات بعضها متطرف وآخر معتدل وهناك مناطق تدار من خلال مجالس محلية منتخبة. وحسب اتفاقية وقعتها تركيا وروسيا وضعت الإقليم تحت الحماية التركية مقابل التخلص من المتطرفين فيه ودفعهم على تسليم أسلحتهم. وبدورها تعهد روسيا بمنع هجوم للنظام على المنطقة. وعوضا عن ذلك سيطر تنظيم القاعدة وبشكل تدريجي على المحافظة وقام هذا الشهر بهزيمة الجماعات المعتدلة وأكد سيطرته على المحافظة كاملة. وتدير المنطقة هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقا. وبحسب المواطنين فالهيئة لم تظهر ميولا لإدارة مناطقهم بيد من حديد ويبدو أنها دمجت نفسها في المدنيين وتتعاون معهم. وتزوج بعض المقاتلين الأجانب من سوريات وافتتحوا مطاعم ومخابز في المحافظة. ولم تقم الشرطة الدينية بالفصل بين الجنسين في الحياة العامة ولم تفرض قيودا على الزي كما في مناطق أخرى وقعت تحت حكم الجهاديين. وقال أبو محمد الجولاني لوكالة أنباء محلية إن هيئة تحرير الشام “لا تحاول حكم المناطق المحررة بالسيف”. وقال سام هيللر من مجموعة الأزمات الدولية إن هيئة تحرير الشام ربما كانت مسؤولة عن سلسلة من الإختطافات والعنف لكن هذه الممارسات قد تخفت بعدما سيطرت على المحافظة. وقال إن هيئة تحرير الشام لم تكن تعسفية أو مخيفة مثل تنظيم الدولة. وليست مهتمة بالتخطيط لعمليات إرهابية في الخارج. وتقول هدي خياطي، المدرسة التي جاءت إلى إدلب من منطقة أخرى في سوريا إنها لا تشعر نفسها مضطرة لكي ترتدي زيا غير الزي العادي المحتشم و “لم تضايقني أبدا هيئة تحرير الشام” و “هناك شيء يتغير في داخلهم” أي الهيئة. ولم يتخيل المتشددون في مركزها الذي يدرس الخياطة والإنكليزية. وتقول الصحيفة إن التغيير هذا جعل مقاتلا أجنبيا في الكتيبة الشيشانيين يندرباييف ترك القتال وفتح تجارة مع أصدقائه. وقال “لم تعد الجماعة التي أعرفها” و “لم يعد جهادا”. إلا أن السكان يخافون من الخروج ليلا خوفا من القتل أو الإختطاف كما يقول مصطفى الكردي الذي يعمل في مستشفى و “أصبحت الحياة صعبة يوما بعد يوم”. وبالإضافة للوضع المتغير في إدلب تريد روسيا الحفاظ على العلاقات مع تركيا في ضوء الإنسحاب الأمريكي. وأدى قرار الولايات المتحدة سحب ألفي جندي من شمال- شرق سوريا إلى محادثات معقدة بين روسيا وتركيا والأكراد والنظام في دمشق. ويقول هيللر “لدى روسيا مخاوف حقيقية تتعلق بمكافحة الإرهاب في إدلب إلا أن مدى هذه غير واضح”. مضيفا أنه لا يمكن النظر لإدلب كحالة معزولة عن مجمل الأولويات الروسية في سوريا.
وتشير الصحيفة إلى الآثر الذي تركه قرار دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية على الوضع في شمال سوريا والذي أجبر الاكراد للبحث عن طرق للتفاوض مع النظام لحماية أنفسهم من تركيا التي تهدد بضربهم لأنهم يمثلون تهديدا أمنيا عليها. وفي الوقت نفسه طالب أردوغان أمريكا بدعم إقامة منطقة أمنية طولها 20 ميلا. ويرى إسماعيل حقي بيكين، مدير المخابرات العسكرية التركية سابقا إن تركيز تركيا على الأكراد ربما سمح لهيئة تحرير الشام السيطرة على إدلب. وقال بيكين إن القوات التركية نقلت المقاتلين الذين تدعمهم من مناطق إدلب إلى شمال- شرق سوريا لمواجهة التهديد الكردي. ولم تستطع والحالة هذه الجماعات المعتدلة مواجهة هيئة تحرير الشام لوحدها. وأضاف” قد تقنع روسيا تركيا السماح لها بدخول إدلب”و”سيقتلون الكثير من الناس ويتسببون بموجات جديدة من اللاجئين”
القدس العربي
توتر بين “حراس الدين” و”تحرير الشام”: هل سيبدأ الجولاني الحرب على القاعدة؟/ منهل باريش
تتداول الغرف المغلقة أربعة سيناريوهات لحلحلة الوضع في إدلب استباقاً لفتح الطرق الدولية، وترتيب الأوضاع الإدارية والعسكرية ورغم عدم نضوجها يمكن تلخيص عناوينها كالتالي:
أولا، تشكيل وزارة دفاع تتبع “حكومة الإنقاذ” يترأسها أبو محمد الجولاني وتنضوي الفصائل في جيش واحد هو “جيش الدفاع” ويكون قائده رئيس أركان الجيش الوطني، العقيد فضل الله الحجي أبو يامن والذي يشغل منصب القائد العسكري العام في “فيلق الشام” أيضا.
ثانياً، تشكيل مجلس عسكري تتمثل الفصائل فيه جميعاً وهو المقترح الذي تحاول “تحرير الشام” تسويقه وتواصلت مع قيادات الفصائل من أجله ولكنها لم تتلق ردا إيجابيا حوله خصوصا من “صقور الشام” و”أحرار الشام” ولاقى رفضاً من تنظيم “حراس الدين”.
ثالثا، اختيار شخصية سياسية منشقة بارزة لتسلم “حكومة الإنقاذ” من أجل تلميعها وإبعاد التهمة الملاصقة لها كونها “إنتاج الجولاني” وهو ما انعكس على مقاطعتها من قبل المانحين منذ اليوم الأول لتشكيلها ومقاطعة كل المجالس المحلية التي تتبع لها بشكل مباشر. وأشار اقتراح أولي إلى رغبة عدد من الأطراف باقتراح وزير الزراعة المنشق، أسعد مصطفى، والذي شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة الثانية حكومة أحمد الطعمة. إلا أن مصادر مقربة من الوزير مصطفى نفت علمه بترشيحه وقالت إنه يرفض تولي رئاسة حكومة الإنقاذ. ويعرف عن مصطفى قربه من العواصم الخليجية وانتهاجه سياسة معتدلة في أوساط المعارضة السياسية وهو مقرب من عدد من الفصائل واختاره “جيش العزة” ممثلا عنه في الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة.
ويبقى المقترح الأخير الوضع في إدلب على حاله بدون أي تغيير في خرائط السيطرة تقريبا، وفتح الطرق الدولية بحماية “وزارة الداخلية” في حكومة الإنقاذ ومن خلفها “تحرير الشام”، ويقوم الجولاني بمعاقبة كل مثيري الشغب والمعترضين وتحديدا “حراس الدين”، وهو ما بدا عملياً إثر اعتقال القيادي في التنظيم، أبو تراب الليبي ومرافقه أبو محمد الحموي بالقرب من بلدة كفرزيتا والذي يشغل منصب مسؤول المعهد الشرعي في حراس الدين بدون معرفة سبب اعتقاله بعد مداهمة أحد المنازل شمال حماة.
إلى ذلك، كشف بيان للقياديين البارزين في تنظيم “حراس الدين” الأردني سامي العريدي وأبي همام الشامي (سمير حجازي) عن قرار هيئة “تحرير الشام” تشكيل “مجلس عسكري بقيادة ضابط من الضباط المنشقين عن النظام والملتحقين بالجيش الحر أو فيلق الشام والأرجح من فيلق الشام، ويملك هذا المجلس قرار السلم والحرب في المناطق المحررة” إضافة إلى عدم ممانعة هيئة تحرير الشام من فتح الاوتستراد الدولي للنظام.
واعتبر القياديان أن الوقت هو “وقت ارهاق النظام اقتصادياً وقطع طرق الإمداد عنه. ووقت توحيد جهود كل مسلم نحو مشروع واحد، هو كسر شوكة النظام عسكرياً، لا الانشغال بمشاريع تقتل الروح الجهادية في النفوس”. وناشد الشامي والعريدي مشايخ السلفية الجهادية وعلى رأسهم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وهاني السباعي وآخرين بحل الخلاف العالق بين حراس الدين و “تحرير الشام” والمتعلق بسلاح “جبهة النصرة” المتنازع عليه من لحظة انشقاق الجولاني حسب ما ذكر البيان. والمقصود به هنا لحظة إعلان الجولاني فك ارتباطه بتنظيم “قاعدة الجولاني” وإلغاء بيعته إلى أيمن الظواهري، والذي قال سابقا أنه لم يحل بيعة أحد بعد الخلاف الذي نشب بينه وبين أبو جليبيب الأردني وسامي العريدي بسبب موافقة الجولاني على انتشار نقاط المراقبة التركية في إدلب.
وعلمت “القدس العربي” أن العريدي والشامي اجتمعا بممثلين عن القيادة العسكرية في “تحرير الشام” يوم الخميس 24 كانون الثاني (يناير) الماضي، وجرت مناقشة قضايا عدة بينها العسكرية والبحث في خروقات النظام، إضافة إلى محاولة قادة “تحرير الشام” إخطار العريدي والشامي برغبتهم فتح الطرق الدولية وضمان سلامتها وتنفيذ الشرط الروسي حسب اتفاق سوتشي ومنع انهيار الاتفاق الذي سيؤدي إلى معركة ستصبح محتومة.
وحضر الاجتماع عدد من قادة المجلس العسكري في تحرير الشام أبرزهم أبو قتادة الألباني وأبو عبيدة المصري، وهم من قيادات الصف الثاني عسكرياً.
في أجواء التوتر بين الجهتين، حصل اشتباك بينهما في قرية المغارة شمال جبل الزاوية بدون ان تتوسع رقعته أو تمتد إلى باقي المناطق.
بغض النظر عن السيناريو المحتمل مما ورد أعلاه، إلا أنها ستؤدي بالتأكيد إلى تقليص نفوذ “تحرير الشام” بشكل مباشر وإخراجها من المعادلة شيئا فشيئاً. وتدرك أنقرة أن التنازلات المستمرة التي تقدمها قيادة تحرير الشام، تؤدي إلى إبعاد شبح عملية عسكرية من قبل النظام وحلفائه ويرضي موسكو في الوقت ذاته، فتحرير الشام تضمن تنفيذ اتفاق سوتشي على الأرض.
وبعد أن طردت “تحرير الشام” على يد حركة نور الدين الزنكي وحجمت “أحرار الشام” و”صقور الشام” بشكل كبير يرجح أن تتوجه إلى ضرب المعترضين على الاتفاق، والذين شكلوا في 15 تشرين الأول (أكتوبر) غرفة عمليات تحرض المؤمنين وهم “حراس الدين” وجبهة “أنصار الدين” وجماعة “أنصار الإسلام”.
ويعتبر “حراس الدين” الخطر الأكبر على تحرير الشام فهو يضم القيادة العسكرية والشرعية المؤسسة في “جبهة النصرة” وأصبح الملجأ الكبير للمهاجرين المتشددين الذين حافظوا على بيعتهم للظواهري وارتباطهم بالتنظيم الأم “القاعدة”.
ومن إشهار الشرعي العام السابق لجبهة النصرة، سامي العريدي والقائد العسكري العام السابق لها، أبو همام الشامي (سمير حجازي) اعتراضهما على فتح الطرق الدولية وتولية ضابط من الجيش الحر لقيادة المجلس العسكري المحتمل، ستتجه الأمور إلى الصدام بكل تأكيد بين الطرفين وسيخوض الجولاني حربا جديدة بالوكالة على المعترضين على سياسته ورافضي تنفيذ أوامره وسيحاول إظهار نفسه كمحارب للجماعات “الراديكالية” و “الإرهابية” المعترضة على تنفيذ اتفاق سوتشي بحثا منه على دور محتمل ما.
وتبقى المعضلة في هذا السياق: هل سيجرؤ الجولاني والقيادة الشرعية على محاربة ذراع تنظيم القاعدة الوحيد في سوريا؟ وهل سيوجه سلاحه إلى قادة تاريخيين في التنظيم قاتلوا جنبا إلى جنب مع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري؟
القدس العربي
كيف سينتهي خلاف «تحرير الشام» و«حراس الدين»؟/ عروة خليفة
أدى الاتفاق الذي تم توقيعه يوم الجمعة الماضي، الثامن من شباط 2019، بين تنظيم هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين، إلى تراجع التوتر بين الطرفين، وذلك بعد الاشتباكات التي دارت بينهما في تل حدية بريف حلب الجنوبي يوم الخميس الماضي. وقد اتفق الطرفان على وقف التصعيد المتبادل وعلى تنسيق العمل بينهما في المنطقة، وهو ما أفضى إلى إيقاف الاشتباكات، قبل أن تتوسع إلى مناطق انتشار تنظيم حراس الدين الأخرى في ريفي إدلب الجنوبي والغربي وجبال الساحل.
وكان الخلاف بين الحراس والهيئة قد صعد خلال الأسابيع الماضية إلى السطح، بعد بيان أصدره أواخر الشهر الماضي كل من أبو همام الشامي القائد العام لحراس الدين وسامي العريدي شرعي التنظيم، ينتقدان فيه موقف الهيئة من العلاقة مع تركيا، ورغبتها في إقامة غرفة عمليات موحدة تضم شخصيات من الجيش الحر، حسب ما ذكر البيان، الذي طالب الهيئة أيضاً بإعادة أسلحة تنظيم حراس الدين، التي اعتبر البيان أنها من حق التنظيم، وأنه كان على هيئة تحرير الشام تسليمها لمجموعاته بعد «انشقاق الجولاني»، حسب تعبير البيان.
أما الانشقاق الذي يتحدث عنه البيان، فهو انفصال هيئة تحرير الشام بزعامة أبي محمد الجولاني عن تنظيم القاعدة، الذي رفضته شخصيات جهادية عديدة، من بينها العريدي وأبو همام الشامي، اللذين قادا مع عدد من الشخصيات الجهادية تأسيس تنظيم حراس الدين أواخر العام 2017 رداً على خطوة الجولاني تلك، ليتم الإعلان رسمياً عن قيام تنظيم حراس الدين المبايع للقاعدة في ربيع عام 2018.
ويرى منظرو تنظيم حراس الدين وجوب البقاء على «البيعة» لتنظيم القاعدة، فيما يرى منظرو الهيئة الداعمون للجولاني، مثل الزبير الغزي وعبد الرحمن عطون، أن قرار الانفصال عن القاعدة مبنيٌ على أسس «شرعية» سليمة. لكن هذه الخلافات ليست هي العامل الرئيسي في تصاعد الصدام اليوم، لأنها لم تمنع الطرفين من العمل معاً خلال العام الماضي، بالإضافة إلى أن تنظيم «حراس الدين» فضّل منذ لحظة تأسيسه التركيز على العمل العسكري، وعدم مجابهة الهيئة ومنافستها على ما تملكه من سلطة على المجتمعات المحلية والمؤسسات والهيئات التابعة لها، أو المرتبطة بها مثل حكومة الإنقاذ. وقد شكّل تنظيم الحراس تحالفات عسكرية مع مجموعات جهادية موجودة في جبال الساحل، وقام بإنشاء غرف عمليات مشتركة معها على خطوط التماس مع قوات النظام السوري، لتبقى الهيمنة للهيئة رغم الخلافات الصغيرة أو الاشتباكات المتفرقة بين الحين والآخر.
جاء التصاعد الكبير للخلاف بين الطرفين مؤخراً، بعد رفض تنظيم حراس الدين اتفاق سوتشي في بيان نشره على وسائل التواصل ومعرفات تلغرام تتبع له، ما جعل التنظيمين على طرفي نقيض بخصوص التطورات الدولية المحيطة بإدلب. إذ على الرغم من أن الهيئة لم تصدر بياناً تعلن فيه موافقتها على مخرجات سوتشي صراحةً، إلا أنها تحاول تحاول التماشي مع هذا الاتفاق على الأرض، وتعمل على الهيمنة العسكرية على محافظة إدلب والأرياف المحيطة بها لتكون هي الطرف المنفّذ له، ليظهر حراس الدين بوصفه التنظيم الجهادي المارق الأكبر في هذه المنطقة، وهو ما جعله واجهة جديدة للتنظيمات الجهادية الأخرى الأصغر فيها.
وربما يشجع هذا الوضع الهيئة على القيام بعملية عسكرية للقضاء على تنظيم حراس الدين، الذي تعمّد في أكثر من مناسبة إعلان رفضه لكل الاتفاقات الدولية، بل إنه عمل على خرقها عدة مرات من خلال تشكيل غرفة عمليات «وحرض المؤمنين» لضرب قوات النظام، الأمر الذي حاولت الهيئة منعه في عدة مناسبات.
تسير هذه التطورات والأحداث كما هو ظاهر باتجاه صدام شبه حتمي بين الطرفين، ومع أن الغلبة العسكرية في صدام كهذا ستكون لصالحة «هيئة تحرير الشام»، نتيجة تفوقها في أعداد المقاتلين والقدرات العسكرية، إلا أن تنظيم الحراس يضمّ قوات عسكرية كانت تعتبر من قوات النخبة في الهيئة قبل انشقاقها، من بينها «جيش البادية» و«جيش الملاحم»، ما يعني أن أي صدام عسكري واسع بينهما لن ينتهي قبل إلحاق ضرر كبير بالهيئة.
لكن بالمقابل، فإن النظر في محدودية الاشتباكات بين الطرفين على الأرض، التي لم يحصل أن توسعت إلى حد كبير كما هي العادة في الصدامات بين الفصائل المختلفة، يدفع إلى القول إن هذه الاشتباكات لا تعدو كونها مناورات من الطرفين، تستفيد الهيئة منها في إبعاد صفة الإرهاب عن نفسها، عبر الظهور بمظهر التنظيم المناوئ للجماعات الجهادية، بينما يظهر تنظيم الحراس فيها بوصفه الحارس الحقيقي لمدرسة تنظيم القاعدة التقليدية، الأمر الذي سيجلب مزيداً من المهاجرين إلى صفوفه، سواء من مقاتلي الهيئة أو من المقاتلين الأجانب الذين تركوا القتال إلى جانب التنظيمات الجهادية في إدلب، نتيجة الخلافات والتصدعات التي لحقت بها خلال السنوات الماضية.
ستعطي تطورات الأيام المقبلة مؤشراً على المدى الذي سيذهب إليه الطرفان في صدامهما، وإذا كان واضحاً أن الطرفان يسعيان إلى تجنب الصدام الشامل، إلا أن تصاعد الضغوط الروسية، عبر الإعلان المتكرر عن أن اتفاق سوتشي ليس إلا اتفاقاً مؤقتاً، والاتهام المتكرر لتركيا بأنها لم تنجح في تنفيذ تعهداتها التي ينص عليها الاتفاق فيما يخص تفكيك الجماعة الجهادية، قد يدفع الهيئة إلى خيار المواجهة الشاملة مع الحراس تنفيذاً للاتفاق، وهو الأمر الذي سيكون السبيل الأخير أمامها للحفاظ على وجودها ومكتسباتها.
موقع الجمهورية
في مآلات تمدّد هيئة تحرير الشام/ معن طلاّع
لا تعتبر استراتيجية “التمدّد” على حساب قوى المعارضة والثورة السورية جديدة على حركية هيئة تحرير الشام؛ فلطالما لجأت إليها لتحسين تموضعها العسكري، عبر الاستيلاء على أسلحة نوعية (حركة حزم مثالاً)؛ أو لتحسين التموضع الاقتصادي والإداري، عبر السعي الحثيث إلى السيطرة على أهم القطاعات الخدمية أو التجارية كالمعابر (الدولية والمحلية) ومحطات التوليد الكهربائي وغيرها (اقتتالها مع حركة أحرار الشام وبعض فصائل الجيش الحر)؛ وها هي لجأت إليها في معاركها أخيرا ضد حركة نور الدين الزنكي في محافظة إدلب؛ وذلك لتعزيز الأسباب آنفة الذكر جميعاً مضافاً إليها تحسين الشروط السياسية؛ إذ تعتقد الهيئة أن إحكام سيطرتها المطلقة على إدلب وما حولها خطوة استباقية تنهي بها صيغ توازع السلطة في تلك المنطقة، سواء بالحرب أو بالترحيل؛ وسيجعلها في دائرةٍ “أقوى” في مواجهة ما يخطّط حيالها دولياً ومحلياً، سيما مع وضوح خيارات الفصائل المسلحة التي لم يعد أمامها (وفقاً لعدة مبررات، لعل أكثرها إلحاحاً تفاهمات أستانة) سوى خيار الترتيب لمواجهةٍ عسكريةٍ ضد هيئة تحرير الشام، وهو ما عملت على استباقه بعملية عسكرية، تمكّنها من قضم الفصائل تباعاً قبل توصلهم إلى صيغ وترتيبات مشتركة ضدها.
يعتبر تمدّد هيئة التحرير الشام أخيرا بمثابة “الانتقال الاستراتيجي” إلى مراحل متقدمة في التمكين المحلي، خصوصا مع تعدّد المؤشرات الدالة على إعادة التفاهم الدولي بشأن إدلب بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن انسحاب القوة الأميركية من سورية، وما سيمليه من إعادة الاتفاق بشأن إدلب ضمن محور أستانة، وهو ما يجعل، في كل الأحوال، مستقبل “الهيئة” أمام سيناريوهاتٍ لا تمتلك فيها شروط تفاوض بحكم قلة الخيارات المتاحة لها؛ وهذا ما سيتيحه لها تمدّدها أخيرا، ناهيك عن مركزة قرار تلك المنطقة بيدها؛ فهي، من جهة أولى، ستعزّز شروطها في أي مفاوضاتٍ محتملةٍ في حال لجوء الفواعل الدولية والإقليمية إلى خيار المفاوضات والتباحث حول صيغ ما دون عسكرية. ومن جهةٍ ثانيةٍ، سيجعلها صاحبة القرار الأوحد في الجانب التخطيطي والتكتيكي، في حال اللجوء إلى خيارات عسكرية.
من جهة أخرى، ليس هذا التمدّد كما يسوّق له “نتاج رغبة دولية”، وإنْ تقاطعت أهدافها
النهائية مع تلك الرغبة والمتمثلة في تعجيل عودة إدلب إلى النظام عبر حجّة “هيئة تحرير الشام”؛ إذ إن ما حدث يؤكد أنها رغبة ذاتية لـ “الهيئة” نابعةٌ من إدراكها صعوبة خياراتها المستقبلية، وضرورة تحسين تموضعها العسكري والإداري والأمني.
لعل السؤال الأبرز: ماذا بعد هذا التمدّد؟ ما هي مآلات إدلب والهيئة؟ ولمناقشة ذلك؛ فإننا هنا أمام مستويين من التحليل والاستشراف؛ واحد مرتبط بمخيال الهيئة ذاتها؛ وآخر مرتبط بالسيناريوهات العامة المتوقعة، ولا سيما في شقه المتعلق بموقف الفواعل الدولية والإقليمية المحتملة.
من حيث المستوى المرتبط بخيارات الهيئة، ووفقاً لبراغماتيتها الشديدة، يُتوقع أن تطمح الهيئة إلى تحويل سيطرتها العسكرية إلى سيطرة مدنيةٍ وإدارية وسياسيةٍ بلبوس جديد؛ شكلي لا يغير المضمون؛ عبر مرحلتين: انتقالية تديرها وتهيئ لها “حكومة الإنقاذ”؛ متبنية عدة برامج، منها ما يتعلق بإعادة التشكيل السياسي والعسكري والمدني وفق صيغ تبدو شكلاً أكثر تشاركيةً، وهي ضمناً أكثر شمولية وتسلطا؛ ومرحلة نهائية يختفي فيها اسم هيئة تحرير الشام لصالح اسم جديد وفاعلية جديدة.
تعترض هذا السيناريو المحتمل عدة عوارض، منها ما يتعلق بالرفض المجتمعي لمشروع الهيئة، أيا كان مسمّاها، خصوصا في ظل توقع مآلات المنطقة بعد سيطرتها عليها، وما تستتبعه من كوارث محتملة، سيما على الصعيد الإنساني. والعارض الثاني مرتبط “نظرياً” بسيناريو الاستنزاف الذي سيفرض نفسه في حال تم التوافق الكامل ما بين الفصائل في كل المناطق المحرّرة على مواجهة الهيئة. ناهيك عن العارض الأساس، والمرتبط بالمستوى الثاني، وما ستفرضه السيناريوهات العامة، جرّاء المواقف الدولية والإقليمية، والتي تدلّ على أن اتجاهها العام عسكري بحت، وينحصر في أمرين: المواجهة الدولية لهذا التمدّد إن حدثت، ستكون عبر مظلةٍ، إما عبر اتفاق أميركي تركي للقضاء على الهيئة، وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول “إدلب ما بعد الهيئة”، وهو ما لم تتوفر شروطه بعد؛ أو عبر مظلة أستانة التي يُتوقع أن تكون أكثر فاعليةً في حال كان الانسحاب الأميركي سياسيا وعسكريا. وستكون بدايةً على شكل مواجهة جزئية، تستهدف السيطرة (سلماً أو حرباً) على الطرق الرئيسية، أو عملية شاملة تستوجب مدداً زمنية طويلة وعدة استراتيجيات؛ ناهيك عن سيناريو المواجهة مع الروسي وحلفائه المحليين المدعومين من إيران، إلا أن السيناريو العسكري عامةً لا يزال يملك الأسباب الدافعة نفسها لعدم وقوعه؛ وفي مقدمة تلك الأسباب “موجات النزوح المتوقعة وارتداداتها؛ ناهيك عن احتمال الانتقال من المشهد العسكري “المنضبط” إلى التأزّم والتدحرج إلى عودة الاستنزاف العسكري الذي جهدت تفاهمات أستانة للتخفيف من كلفته وحجمه.
ولعل اختبار الموقف التركي هو الأكثر تحت الأضواء في هذه الأثناء. أما عن الموقف التركي حيال تمدّد هيئة تحرير الشام، ووصوله إلى مناطق سيطرة حلفائها، فهو يُقرأ من جهتين؛ سياسية وعسكرية. أما السياسية فهي تريد أن يكون تدخلها العسكري نتاج تفاهم تركي – أميركي، وما يعنيه من تقويضٍ محتمل لخيارات قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وتغييراً في تموضعها العسكري والأمني في الخريطة السورية؛ ونتاج تفاهم تركي – روسي ضمن تفاهمات أستانة التي ستشهد إعادة تعريفٍ لغاياتها، ريثما يتضح شكل الانسحاب العسكري الأميركي ومدلولاته.
أما من حيث الجهة العسكرية؛ وفي ظل المعطيات الراهنة؛ فإن ما حدث يعد خلافاً لرؤيتها
لتفكيك الهيئة التي كانت قائمة (وفقاً لحركيتها) على ثلاث ركائز. الأولى التوافق مع اتفاق المنطقة العازلة، ثم تفكيك بنيتها عبر عزل الجانب الأجنبي عن السوري، ثم محاصرة خياراتها وضربها عسكرياً؛ إلا أن ما تم سيعجّل من مؤشرات انزلاقها العسكري في إدلب، واحتمال انتقالها إلى مستويات مواجهة متعدّدة، بحكم الفواعل المنتشرة حول إدلب، أو بحكم النقاش الذي سيتبع التدخل بشأن مستقبل المنطقة. وهو ما سيتطلب منها درس خيارات أخرى.
ووفقاً لأعلاه، تتراوح السيناريوهات المحتملة لهذا التمدّد ما بين احتمال ضئيل لحصول اتفاق أميركي تركي للقضاء على الهيئة، وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول “إدلب ما بعد الهيئة”؛ وما بين المواجهة الجزئية مع النظام مدعومةً بالقوات الروسية أو الإيرانية للسيطرة على طريقين رئيسيين، أو إعادة تعويم قوى المعارضة، والدخول في معركة استنزاف طويلة. أو سيناريو “التجاهل المرحلي”، والذي “وهنا الخطورة” أن يتمدّد إلى مرحلة تطبيع وتكيف، وبالتالي يجعل من الهيئة أو نيو هيئة (وفقاً لاستراتيجية الانتقال الخاصة بها) فاعلاً رئيسياً في المشهدين، السياسي والأمني.
ما بين التمدّد والسيناريوهات المحتملة؛ تبرز ثورياً عدة معطيات، أبرزها الضعف البنيوي والوظيفي الذي يعتري فصائل المعارضة المسلحة (الإسلامية والثورية)؛ وأن الاستعصاءات التي تضعها أمام مشاريع إعادة التكوين والبناء العسكري الوطني كلفتهم خسارات استراتيجية تصعّب من عودتهم إلى مسرح الفاعلية، وتجعل من امتلاكهم قدرة تعزيز هوامش الحركة قدرة صفرية. وعلى الرغم من سريالية الطرح الآتي إلا أنه بات ضرورة وجودية، وهو الانخراط، بالمعنى السياسي، في لحظة إعادة البناء والتكوين مع باقي الفواعل الثورية، من دون شروط.
العربي الجديد
هل يخسر السوريون حليفهم التركي/ إياد الجعفري
هل يقترب السوريون المناوئون لنظام الأسد من احتمال فقدان تركيا بوصفها الحليف الأخير، الذي ما تزال مصالحه تتلاقى جزئياً معهم، لصالح إعادة تعويم النظام؟ هذا هو السؤال الأبرز الذي يدور في أذهان كثيرين من السوريين في الشمال الغربي من البلاد، هذه الأيام. وقد عبّرت بعض نخبهم عن هذه المخاوف في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
وباتت تلك المخاوف مبررة في الأيام الماضية، فعلى وقع الحديث عن عرض روسي على أنقرة للقيام بعمل عسكري مشترك ضد الجهاديين الأجانب في “هيئة تحرير الشام”، جاهرت أقلام تركية أو عربية مقربة من تركيا، بأن أنقرة تفكّر جدّياً بقبول العرض الروسي. ونشرت وكالة “الأناضول” التركية شبه الرسمية، تقريراً تحليلياً يحمل هذه الرسالة بشكل فجّ ومباشر.
وجاءت الأنباء عن لقاء أمني بين مسؤولين أتراك وآخرين في نظام الأسد، برعاية روسية في موسكو، لتدفع بسيناريو فتح قناة دمشق – أنقرة، إلى أقصاه.
فهل ستضحي أنقرة بإدلب مقابل شرق الفرات حقاً؟ يبدو أن هذا السيناريو يطرح تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات. فماذا ستقدم روسيا لتركيا في شرق الفرات، مقابل تخلي أنقرة عن إدلب أو أجزاء منها للروس ونظام الأسد؟ الجواب هو أن روسيا ستعطي ضوءاً أخضر لتركيا، كي تقوم بعمل عسكري في منبج وشرق الفرات. لكن، كيف سيخدم ذلك الأتراك في مواجهة مع الأمريكيين؟ تبدو الإجابة غائمة. فروسيا لا تملك شيئاً اليوم في شرق الفرات. من يملك هناك، هم الأمريكيون، وليس الروس. ولا تكفي نظرية تفعيل اتفاقية “أضنة” مع النظام في تقديم إجابة مقنعة، فإذا افترضنا أن المفاوضات التي ترعاها موسكو بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وبين نظام الأسد، نجحت في تحقيق اتفاق بينهما، وأصبح بمقدور نظام الأسد تولي ضبط الحدود التركية بضمانات روسية، وامتلك الأتراك الثقة الكافية بنظام الأسد لتسليمه أمن حدودهم، وانسحب الأمريكيون من دون أي ترتيبات تؤثر على ما سبق.. إذا افترضنا تحقق كل ما سبق، كيف يمكن أن يضمن ذلك عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري في تركيا إلى ديارهم؟ وما مصير استثمارات تركيا الكبيرة في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” على صعيد البنية التحتية والمؤسسات الإدارية والسياسية؟ هل ستتخلى تركيا عن خسائر مالية تذهب تقديرات إلى أنها تتجاوز 33 مليار دولار أنفقتها على اللاجئين السوريين، وهي مرشحة لأن تصل إلى أكثر من 40 مليار دولار، حتى نهاية العام الجاري، من دون أن تُترجمها بمكاسب اقتصادية بعيدة المدى في المشهد السوري؟ ولماذا ستكون تركيا مستعدة لتقديم كل هذه الخسائر، فيما تحظى بغطاء أمريكي – أوروبي لاتفاق سوتشي مع الروس؟ لماذا ستتخلى تركيا عن هذا الاتفاق بنفسها، بعد أن جاهدت حثيثاً لإنجازه في الأشهر الأخيرة من الصيف الماضي؟
كل هذه الأسئلة، لا نجد إجابة مقنعة لها في ما يطرح عن صفقة تركية – روسية تحت عنوان “إدلب مقابل شرق الفرات”. تبدو الإجابة، إن كان هناك صفقة، أو أنها في الطريق لأن تُعقد، فستكون في إدلب نفسها، وليس في شرق الفرات. هناك ما تريده تركيا في إدلب نفسها. ولا ننفي هنا أن الغطاء الروسي سيُدعّم مواقف تركيا في مفاوضاتها الماراتونية مع الأمريكيين بخصوص مصير شرق الفرات، كما دعّم الغطاء الأمريكي – الأوروبي، الأتراك، سابقاً، في مفاوضاتهم مع الروس بخصوص اتفاق سوتشي بإدلب، نهاية الصيف الماضي.
فماذا يمكن أن تستفيد تركيا من عمل عسكري روسي ضد “هيئة تحرير الشام”؟ كي نجيب على هذا السؤال، يجب البحث في ما تريده تركيا في إدلب. وكلمة السرّ التي طفت مؤخراً إلى السطح، والتي تسمح لنا بأن نفهم ما تريده تركيا، في إدلب، هي “المقاتلون الأجانب”.
ومنذ التوطئة التي قدمتها صحيفة “يني شفق” التركية، قبل أيام، والتي مهّدت لحملة ضغط ملحوظة على “هيئة تحرير الشام”، تحت عنوان تمويل السعودية والإمارات لجهاديين أجانب ضمن الهيئة، للعمل على تخريب اتفاق سوتشي، بدا واضحاً أن تركيا تريد تشذيب الهيئة، وبالقوة الصلبة هذه المرة، إن استحال تحقيق ذلك بالقوة الناعمة. لكن، يبدو أن تركيا لا تريد أن تقوم هي نفسها، بعملية التشذيب “العسكرية”، بل ستوكلها للروس. هذا السيناريو سيكون على مبدأ “آخر الدواء الكيّ”، لذلك ستكون هناك فرصة سانحة لدى القياديين في “هيئة تحرير الشام” للقيام بخطوات تحول دون الوصول إلى هذا السيناريو. وكانت استقالة أو إقالة، “أبو اليقظان المصري”، خطوة من هذه الخطوات. لكنها لا تبدو كافية، حتى الآن، في نظر الأتراك.
يمكن أن نقرأ في الإعلام التركي الناطق بالعربية، أن تركيا تصرّ على تفكيك “هيئة تحرير الشام”، وامتصاص عصارتها من المقاتلين السوريين، الذين يتمتعون بالصرامة والاستبسال القتالي، ويصل تعدادهم إلى أكثر من 15 ألف مقاتل، وضمهم إلى “الجيش الوطني” السوري الذي تديره تركيا. وأن يتم التخلص من العنصر الجهادي الأجنبي داخل تركيبة “الهيئة”. وهو ما جاهر به مسؤولون أتراك، مشيرين إلى أن مكان ترحيل هؤلاء المقاتلين، سيكون المعضلة الرئيسية.
يبدو هذا السيناريو بوصفه أعلى سقف مطروح للتفاوض بين الأتراك وقياديي الهيئة. فيما يُطرح سيناريو بسقف أدنى، مفاده تحقيق شراكة بين فصائل معارضة سورية مدعومة تركياً، ويبن “هيئة تحرير الشام”، باتجاه إنتاج إدارة ذاتية لإدلب، قابلة للحياة، وترفع كلفة أي عمل عسكري روسي – أسدي، ضد المنطقة، عبر نزع الطابع الجهادي عن الفصيل الرئيس فيها، “تحرير الشام”.
بكلمات أخرى، تريد تركيا من الهيئة أن تتخلى عن طابعها الجهادي، وعن رموز هذا الطابع فيها، وأن تتخلى عن سيطرتها شبه الكلية على إدلب والأرياف المجاورة لها، عبر القبول بشراكة مع الفصائل المدعومة تركياً، في إدارة المنطقة. ولأن المفاوضات بين الأتراك وقياديي الهيئة تعرضت للتعثر، يبدو أن تركيا قررت استغلال الضغوط الروسية عليها المتعلقة بالحديث عن سيطرة فصيل جهادي “إرهابي” على كامل إدلب، لتحولها من مشكلة إلى فائدة، عبر التلويح بالعصا الروسية أمام قياديي الهيئة، علّ ذلك يفلح في دفع الهيئة لأن تكون مُطواعة أكثر مع إرادة أنقرة. وإذا لم يفلح التلويح، فلا يمنع ذلك من القبول بعمل عسكري روسي، محدود، للضغط على الهيئة، تستفيد منه روسيا في قضم أجزاء من أرياف إدلب وحماة وحلب، لصالح نظام الأسد. وتستطيع تركيا في أي لحظة أن تُوقف هذا التصعيد، حالما تتفاقم أزمات النزوح المرتقبة جراءه، فتضغط على موسكو للتوقف.
باختصار، تريد تركيا الحد من استقلالية وندّية “هيئة تحرير الشام”، لصالح زيادة نفوذها في إدلب والأرياف المجاورة لها. وتبدو الخيارات محدودة للغاية أمام الهيئة، الأمر الذي سيُعرّض هذا الائتلاف بين جهاديين متشددين وبين عناصر سورية معتدلة نسبياً، لتحدٍّ نوعي، ليس الأول من نوعه، لكنه الأخطر.
فهل تتمكن “هيئة تحرير الشام” من استغلال الوقت القليل المتاح قبل لجوء تركيا إلى قبول العرض الروسي بتصعيد عسكري مُنسّق؟ هذا هو السؤال الصعب.
المدن
سوريا وهامش المناورة التركية/ عائشة كربات
وقف العمل في اتفاق خفض الاسلحة النووية المتوسطة المدى، بين اميركا وروسيا، يمكن ان يثير القلق في العالم كله ، عدا تركيا التي قد تعتبره فرصة للحصول على مساحة اكبر للمناورة في السياسة الدولية، لا سيما في ما يخص المسألة السورية
بعد تعليق العمل بذلك الاتفاق الذي انهى الحرب الباردة ، ترتفع قيمة تركيا بالنسبة الى موسكو وواشنطن، نظرا لموقعها الجغرافي. وكما في زمن الحرب الباردة، فان تركيا، بوصفها دولة تقع على خط المواجهة، تأمل ان تستفيد من تلك الفرصة.
هذا الاسبوع ، وبينما كان وفد وزارة الدفاع التركية متجهاً الى موسكو حاملا ملف إدلب، كان وفد من وزارة الخارجية التركية في طريقه الى واشنطن، حاملا ملف المنطقة الامنية التي يفترض ان تنشأ شرقي الفرات. كلا الوفدين كان يحمل ايضا ملف منبج.
ويبدو ان انقرة وموسكو وواشنطن تتعامل مع القضية السورية شريحة شريحة، كما يبدو ان ثمة اتفاقا متبادلا على البدء في منبج.
تنتظر تركيا من واشنطن تنفيذ خريطة الطريق في منبج من قبل واشنطن والموقع في الرابع من حزيران الماضي. الاتفاق ينص على تسيير دوريات مشتركة تركية اميركية في منبج وانسحاب قوات سوريا الديموقراطية من هناك. لكن الولايات المتحدة التي تعتبر تلك القوات حليفها الافضل في القتال ضد داعش، تراوح مكانها. الدوريات المشتركة بدأت فقط بعدما هددت تركيا جديا بعملية عسكرية ضد تلك القوات التي لا تزال في المنطقة.
عندما اعلنت الولايات المتحدة انها ستنسحب من سوريا كانت هناك تقارير تشير الى ان النظام السوري بدأ درويات بالقرب من منبج بمساعدة الروس، لملء الفراغ المحتمل في المنطقة.
لكن، فورعودة الوفد التركي من موسكو هذا الاسبوع قال المتحدث بسم الرئاسة التركية ابراهيم قالين، ان الجانبين التركي والروسي اتفقا على تنفيذ خريطة الطريق الخاصة بمنبج بين تركيا واميركا، ما يعد تنازلا من جانب روسيا التي تريد عودة سيطرة النظام على المنطقة. الان الوفد الخارجية التركية ، مدعوما بتلك الرياح التي تهب من موسكو يطلب من واشنطن تنفيذ الاتفاق كاملا.
تعتقد تركيا ان النجاح في تنفيذ الاتفاق سيشكل صيغة جيدة لمقاربة المشكلات الاخرى في شرقي الفرات حيث تسيطر قوات سوريا الديموقراطية مع القوات الاميركية. في تلك المنطقة ، يفترض ان تنشأ منطقة آمنة، لكن لم يتضح الى الان من سيسيطر عليها وما هي حدود تلك المنطقة. المفاوضات ما زالت مستمرة بين تركيا وادارة ترامب.
اقترح الاميركيون ان تسيطر على هذه المنطقة قوات مختلطة من الجيش الفرنسي وقوات عربية وقوات روج بيشمركا المدعومة من الزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني، والمنافسة لقوات سوريا الديموقراطية. قدمت واشنطن هذا الاقتراح لكي تختبر تركيا ، لكن اردوغان الذي سيتوجه الى موسكو لعقد ثاني اجتماع هذا العام مع بوتين الاسبوع المقبل، لن يقبل بهذه الصيغة، وقال انه لا يثق باي قوات اخرى، وأن المنطقة يجب ان تكون تحت القيادة التركية .
تريد موسكو ان تقنع انقرة بعودة النظام السوري الى الحدود بالرغم من انها تدرك ان تركيا تفضل خيار المنطقة الآمنة. لكن انقرة تدرك ايضا حقيقة ان موسكو تدعمها في مفاوضاتها مع اميركا وتقوي موقفها، وهي تحاول ان ترضي موسكو بتقديم تنازلات اخرى مثل فتح اتصالات متدنية المستوى مع النظام السوري. وقد قال اردوغان ان العداء مع النظام لا يمنع التواصل، وهو ما يساهم في خدمة موسكو التي تعمل على توفير الشرعية للنظام. وحسب هذا المنطق لا تتردد انقرة في مناقشة عملية مشتركة ضد ادلب تستهدف مصادر القلق الروسي.
لعل هذه الخطوة لن تتخذ لكن يبدو ان المزيد من الاجراءات الوقائية ضد هيئة تحرير الشام هي على جدول الاعمال.
حتى الان يبدو ان انقرة تتمتع بمساحة مناورة بين موسكو ووشانطن، لكن السؤال هو عما اذا كان لديها خطة بديلة في حال تم التفاهم بين القوتين العظميين، وما اذا كانت قادرة على كسب صداقة الناس على الارض السورية، فمثل هذه الصداقة هي السبيل الوحيد لحماية المصالح التركية على المدى البعيد.
المدن
هل سيخلع الجولاني العمامة حقًّا؟/ مصطفى ديب
مرةً أخرى، يخرج قيادي جديد محسوب على التيار الأكثر تشددًا في صفوف هيئة تحرير الشام، تشكّل جبهة فتح الشام، النصرة سابقًا، عمودها الفقري، ليعلن عن استقالته من الهيئة في ظروف لا تزال غامضة حتّى الآن، بغضّ النظر عن الأسباب غير المقنعة التي سارعت قيادة الهيئة التي يتزعّمها الجولاني لتعميمها بين أفرادها، كمحاولةٍ للالتفاف على أي انشقاقٍ يهدّد وحدة صفّ التنظيم الإرهابي.
قرار الاستقالة، أو الإقالة، بدا مفاجئًا للمهتمّين بشأن الشمال السوري. بينما بدا صادمًا في أوساط قادة ومقاتلي تحرير الشام كذلك الأمر، خصوصًا وأنّ الأخيرة تمكّنت مؤخرًا من السيطرة، عسكريًا وخدماتيًا، على معظم محافظة إدلب، وبعض مناطق ريف حلب الغربي، بعد عدّة معارك ضدّ فصائل من الجيش السوري الحر، جديرٌ بالذكر أنّ للقيادي المستقيل دورًا بارزًا في تحقيق مجمل الأهداف التي انطلقت لأجلها تلك المعارك.
يجري الحديث هنا، دون شك، عن القيادي محمد ناجي، المعروف بـ أبو اليقظان المصري، قيادي سابق في حزب النور السلفي المصري، وشرعي الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام، وأكثر القادة العاملين في صفوف الأخيرة جدلًا كذلك، لما يصدر عنه من فتاوى إشكالية غير مقبولة في المشهد الجهادي في الشمال السوري.
تعامل البعض مع خبر استقالة أبو اليقظان المصري كحدث طبيعي، مرجعين السبب إلى خلافاتٍ قد تكون نشبت مؤخرًا بين الأخير والجولاني، ولكن دون المجيء على ذكر طبيعة تلك الخلافات التي أفضت كما بات واضحًا إمّا إلى استقالة المصري، أو طرده من قبل الجولاني.
وإن سلّمنا بفكرة أنّ استقالة أبو اليقظان المصري، أو طرده، في وقتٍ حسّاس وعصيب كهذا، قد تعكس حالةً من الاضطّراب والتصدّع الذي يهدد وحدة صفّ تنظيم الجولاني، الأمر الذي يفضي بطبيعة الحال إلى تطوّراتٍ قد تشمل أسماء جديدة تلتحق بالقيادي المصري، إلّا أنّ البحث في حقيقة وخلفيات هذه الاستقالة تبدو ضرورة لفهم تحرّكات تحرير الشام بشكلٍ عام، والجولاني بشكلٍ خاص.
فالجولاني كان يعتمد على الشرعي المصري المتشدد في إصدار فتاوى تجيز لمقاتلي تحرير الشام قتال فصائل الجيش السوري الحر بما يتلاءم ويخدم مصالحه التوسعية في الشمال السوري، الأمر الذي عكس آنذاك قوة العلاقة بين الرجلين. ولكن بوادر الخلاف بينهما ظهرت أولًا حين أعلن الجولاني في تسجيل مصوّر بُثّ مؤخرًا عن تأييده العملية العسكرية التركية المرتقبة ضدّ الوحدات الكردية شرق الفرات، وهو ما يتناقض مع فتوى أبو اليقظان المصري التي حرّمت القتال إلى جانب الأتراك. وفي سياق متصّل، جدير بالذكر أنّ ما سبق، أي القتال إلى جانب الأتراك، كان ذريعة استغلها الجولاني للقضاء على عددٍ من الفصائل المسلّحة التي كانت تحظى بدعمٍ تركي.
أخذ الخلاف بين الجولاني رجل القاعدة السابق، والشرعي المصري متقلّب الولاءات بين فصيلٍ وآخر، منحىً أكثر تعقيدًا وتصعيدًا في الأيام العشرة الأخيرة، تكلل أخيرًا بإصدار الجولاني قرارًا يقضي بمنع شرعيي هيئة تحرير الشام من الظهور الإعلامي، أو إصدار الفتاوى دون الرجوع إليه.
قرار الجولاني في الواقع لا يستهدف سوى أبو اليقظان المصري، فالأخير بات يحظى بشعبية متزايدة بين مقاتلي تحرير الشام، تقلق بالضرورة الجهادي متقلّب المواقف، بالإضافة إلى أنّ المصري المتشدد بات العقبة الأخيرة التي تقف في وجه تحقيق الجولاني لمشروعه التوسعي الذي يهدف إلى تنصيب تنظيمه كحاكم محلّي للشمال السوري، علمًا أن المشروع السابق غير جديد على الإطلاق. ولذلك، يعد التخلص من الشرعي المصري في وقت كهذا خطوة أخرى من خطوات الجولاني لتخفيف هيئة تحرير الشام من أي عبءٍ أيديولوجي تنظيمي فكري يؤكّد الهوية الأيديولوجية للتنظيم، أي الفكر السلفي الجهادي الذي يتعارض مع مسعى تلميذ أبو مصعب السوري إلى تبنّي المشروع الثوري بعد رأى فيه ضمانة للبقاء لوقتٍ أطول.
في مقابل ذلك، يعد الانسجام الأخير مع الخطاب الثوري، الشكلي بطبيعة الحال، نقطة خلاف أخرى شديدة التعقيد بين الجولاني والشرعي المصري المتمسك بالهوية السلفية لتحرير الشام، لا سيما بعد أن انتشرت في الفترة الأخيرة عدّة أخبار عن تصوّرات الجولاني للمرحلة المقبلة في الشمال السوري الذي سيطر تنظيمه عليه بشكل شبه كامل. تمثّلت تصوّرات الجولاني وفق عدّة مصادر بالتقرّب أولًا من الجانب التركي، والوصول إلى تفاهمات ترضي جميع الأطراف والفصائل في إدلب، من خلال تشكيل غرفة عمليات واسعة تجمع كلّ المكوّنات تحت إشراف وزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ، الذراع المدني للجولاني الذي يرى في تمكين دورها في المناطق المحرّرة ضرورة للوصول إلى صيغة تقضي بإدارة الشمال السوري المحرر بالتعاون بين كل الفصائل.
تعكس تصوّرات كهذه رغبة الجولاني في تغيير ملامح تنظيمه مرةً أخرى بحيث يكون منسجمًا مع طبيعة المشروع الذي يعدّه للمناطق المحرّرة. كذلك تعكس مسعاه الدؤوب إلى فرض حكمه محليًا من خلال ذراعه المدني – الخدماتي في نموذج رأى البعض أنّه مطابق لنموذج حزب الله اللبناني في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت.
الجولاني بدوره يرى أنّ تحقيق ما سبق ذكره يعتبر تمهيدًا لكسب ثقة المجتمع الدولي وبعض القوى الإقليمية، تركيا وروسيا على وجه التحديد، وبالتالي، قطع مسافة جيدة في مسعاه نحو شطب تنظيمه من لوائح الإرهاب، وفتح المجال أمامه لممارسة العمل السياسي، لا سيما لجهة المفاوضات، وفي ظل الحديث المستمر عن حل سياسي مرتقب لا يريد رجل القاعدة السابق أن يكون خارجه، وأن يخرج بعد 7 سنواتٍ من الحرب والتقلّبات في المواقف والتحالفات خاسرًا. ولكن، هل مشروع الجولاني في تغيير ملامح تنظيمه هو الأوّل؟
منذ أكثر من 7 سنوات، كانت المهمّة التي أُوكِلت إلى أبو محمد الجولاني بعد أن وصل إلى سوريا قادمًا من العراق، مبعوثًا من البغدادي، هي أن يجد موطئ قدم لا لتنظيم القاعدة، بل لدولة العراق الإسلامية تحديدًا، المرتبطة بالقاعدة ولكن دون اتصالاتٍ مستمرّة مع القيادة المركزية في أفغانستان. اتفقّ الجولاني وزعيمه أبو بكر البغدادي، زعيم دولة العراق الإسلامية، ومؤسس الدولة الإسلامية في العراق والشام فيما بعد، على ما سبق. وبناءً على ذلك الاتّفاق، سارت الأمور بشكلٍ طبيعي في الأشهر الأولى التي تلت إعلان الجولاني عن تنظيمه، النصرة، في شريط مرئي لا يختلف شكلًا ومضمونًا عن مرئيات القاعدة، دون أن يظهر في الشريط.
في ذلك الوقت، أعلن الجولاني عن ولادة النصرة كفصيل عسكري فاعل في المشهد السوري، وعلى ارتباط وثيق بالبغدادي والقاعدة، ولكن بفوارق كبيرة عن القاعدة أولًا، ودولة العراق الإسلامية ثانيًا. فمسعى الجولاني كان تكوين تنظيم لا يكون للبغدادي اليد العليا في تسيير أموره، بحيث يكون متفرّدًا باتّخاذ قرارات تنظيمه، دون الرجوع إلى أحد.
خطوة كهذه يدرك الجولاني مدى صعوبة أن تتحقّق إن ظلّت الأمور تسير وفق الاتفاق بينه وبين البغدادي، فأرسل أولًا يطالب الأخير بصلاحياتٍ واسعة في عملية تشكيل النصرة، قائلًا إنّ تطبيق النموذج العراقي في سوريا يبدو مستحيلًا. وحين حصل على مبتغاه، عاد إلى تأسيس النصرة على أساس وفكر القاعدة كمنظمة وفكرة، ولكن لأسبابٍ لا تتعلّق بالولاء، بل من أجل أن يكون للتنظيم الجديد أساس أيديولوجي يجيز وجوده، ويميزه عن التنظيمات الأخرى، ويساعده كذلك الأمر في استقطاب المقاتلين والممولين. ولكن النصرة، في مخطّطات الجولاني الطموح، كانت تنظيمًا متكيّفًا مع كلّ المتغيّرات، بحيث يكون وجوده طويل الأمد، وغير مرتبط بتوقّف أو استمرار الحرب.
رفض الجولاني لاستنساخ نموذج دولة العراق الإسلامية في تكوين النصرة، كان الخطوة الأولى في مشروع السيطرة والتفرّد بالقرار. الخطوة الثانية تمثّلت في الانشقاق عن البغدادي دون أن يكون انشقاقًا عن القاعدة، بل تقرّبًا من الأخيرة والظواهري كذلك الأمر.
في المقابل، كان البغدادي في العراق قلقًا من تنامي قوّة النصرة، وتحول الجولاني من مجرّد مبعوثٍ صغير إلى قائد قوي بات في مقدوره الاتّصال بالظواهري مباشرةً، وبالتالي، الاستقلال عن البغدادي ودولة العراق، وتعيين نفسه، بدعمٍ من الظواهري، زعيمًا مستقلًا للنصرة التي ستكون فرعًا مستقلًا للقاعدة في سوريا، مستغلًا الخلافات بين القيادة المركزية في أفغانستان، وتلك الفرعية في العراق.
أواخر العام 2012، بات البغدادي مطّلعًا على ما يدور في ذهن الجولاني من خطط للانشقاق والاستقلال بقرار النصرة، وما يدور كذلك بين الأخير والظواهري في الخفاء. فأعلن، مستبقًا تحرّكات الحليفين القديمين، ولادة الدولة الإسلامية في العراق والشام. وكخطوة أخرى للالتفاف على الجولاني، أعلن في تسجيل صوتي أنّ تنظيمه الجديد وجبهة النصرة على وشك الاندماج في تنظيمٍ جديد يمتدّ بين العراق والشام.
في العاشر من نيسان/أبريل 2013، رفض الجولاني في تسجيل صوتي كلّ ما ورد على لسان البغدادي، متعهِّدًا كذلك بالولاء للقاعدة والظواهري. كان التسجيل تأكيدًا صريحًا على الانشقاق بين الرجلين، أي بين النصرة ودولة العراق. ومن جانبٍ آخر، كان تأكيدًا على التقرّب من الظواهري لفترةٍ لن تستمرّ لوقتٍ طويل. فالانشقاق بين التنظيمين بلور الفوارق الكبيرة بين النصرة والقاعدة؛ فوارق أشارت إلى أنّ للجولاني طريقًا ثالثًا منفصل عن الظواهري والبغدادي. فالفكر السلفي للنصرة كان في ذلك الوقت، وإلى الآن، ينطوي على التباسٍ أيديولوجي صريح وواضح. فما الذي ميّز النصرة عن كلّ التنظيمات الفرعية الأخرى للقاعدة؟
مؤخرًا، تبيّن أنّ الجولاني كان يعمل سرًّا على عدّة نقاط لم تكن حاضرةً في فكر القاعدة أو حتّى دولة العراق. فمنذ الإعلان عن ولادة النصرة، عمل الجولاني على جذب الحاضنة المحلّية إلى صفّ تنظيمه في أماكن تواجده، بحيث يكون محميًا بقاعدة شعبية كذلك. وفي الوقت الذي يستمرّ فيه إسقاط العمل السياسي من أجندات القاعدة، كان تكوين جناح سياسي للنصرة على رأس أولويات الجولاني.
يعكس ما سبق ذكره التناقض الكبير والفوارق الجوهرية بين القاعدة والنصرة، ويشير إلى استحالة استمرار عمل الأخيرة ضمن مشروع الأولى، فذهب الجولاني نحو إعلان الانشقاق عن الظواهري، وفك الارتباط رسميًا بالقاعدة في تاريخ 28 تموز/ يوليو 2016، والإعلان عن تشكيل جبهة فتح الشام، بعد أن نال موافقة الشرعية المحليّة، والأخرى العالمية، قبل أن ينقلب على الأخيرة لصالح الأولى، فبات واضحًا أنّ فكّ الارتباط بطبيعة الحال كان خطوة أخرى نحو تغيير ملامح النصرة، وجزءًا من سياسة التكيّف عند الجولاني.
تغيير ملامح النصرة مرةً أخرى كان بقصد التقرّب أكثر من الخطاب الثوري والعمل السياسي. بناءً على ما سبق، شرع الجولاني في مباحثاتٍ مع الفصائل في الشمال السوري لإنشاء كيان عسكري واحد، ولكن مسعى الجولاني قوبل بالرفض، فالفصائل كانت تتخوّف من توقّف التمويل في حال الاندماج مع فصيلٍ مصنّف عالميًا كتنظيمِ إرهابي.
ردّ الجولاني على الفصائل الرافضة للتوحّد مع تنظيمه بالإعلان عن تأسيس كيان عسكري سياسي تحت مسمّى هيئة تحرير الشام، ضمّ آنذاك إلى جانب فتح الشام، النصرة سابقًا، الجناح الجهادي المنشق عن حركة أحرار الشام الإسلامية (جيش الأحرار)، وحركة نور الدين الزنكي (انشقّا لاحقًا عن الهيئة)، وبعض الفصائل الصغيرة الأخرى، موجّهًا الضربة الأخيرة للقاعدة، ومحررًا تنظيمه الجديد كذلك الأمر من أعباء الأيديولوجيا السلفية.
تزامن إعلان الجولاني عن تأسيس تنظيمه الجديد مع حملة أمنية تخلّصت من كلّ الوجوه المعارضة للإعلان، المتشدّدة منها على وجه التحديد. وخاض بعد ذلك الإعلان عدّة معارك ضدّ الفصائل المعتدلة المدعومة تركيًا، أسفرت عن سيطرة الجولاني مؤخرًا على إدلب وريف حلب الغربي. وبناءً على ما سبق، بات الجولاني وتنظيمه قوّة مهيمنة على الشمال السوري، والمشهد الثوري.
إلى جانب ذلك، بات الجولاني وتنظيمه الجديد أكثر نشاطًا على الصعيد السياسي والمدني والخدماتي. وأكثر استقلالًا عن الداعمين والممولين. وأكثر انفتاحًا على المجتمع الدولي بشكلٍ عام، والجانب التركي بشكلٍ خاص. فما أراده الجولاني من معركته ضد الفصائل المعتدلة، والسيطرة على إدلب، وتمكين حكومة الإنقاذ في المحافظة، ومسعاه لاحتواء الفصائل والمكونات في غرفة عمليات واحدة تحت إدارة الإنقاذ؛ هو أن يكون ممثلًا عن السوريين بدلًا عن الفصائل التي انتهت على يده، وسحب كرسي التفاوض منها، وفرض تنظيمه وحكومته كبديلٍ باعتباره الأكثر جدارةً بالتفاوض، وضمان ألّا يُستبعد من أي حلّ سياسي، فهو من يسيطر على آخر المناطق المحررة، ويجمع كل المكوّنات في الشمال تحت إدارة حكومته، إن تحقّق ما يطمح إليه.
في ظلّ الحديث عن تصوّرات الجولاني للمرحلة المقبلة، والتي أخذت زخمًا واسعًا بعد استقالة أبو اليقظان المصري، يترقّب الجميع خروج الجولاني ليعلن عن مشروعٍ جديد يغيّر ملامح هيئة تحرير الشام تماشيًا مع تصوّراته. المعروف أنّ أي إعلان يصدر عن الأخير، يأتي بعد حملة تطهير واسعة في أروقة تنظيمه. ويبدو أنّ الشرعي المصري كان الضحية الأولى.
من القاعدة والفكر السلفي الجهادي العالمي، انتقل الجولاني إلى تمكين الهوية السورية لتنظيمه، وجذب الحاضنة المحلية والتقرّب من الخطاب الثوري الوطني. عامل الأتراك كعدو وقاتل الفصائل التي حاربت إلى جانبهم، ثمّ عاد للتقرّب منهم. أنهى فصائل عديدة، وقتل المئات من مقاتليها، ثمّ مدّ يد الصلح للجميع. فهل ستكون الخطوة الأخيرة للجولاني هي خلع العمامة للسير في مشروعٍ سياسيّ تكون له فيه اليد العليا؟
خلع العمامة بات أمرًا واقعًا قريب الحدوث، والمشروع السياسي يطبخ كذلك على مهل. ولكنّ ذلك لا يعني أنّ تنظيم الجولاني سيتمكّن من الصمود طويلًا.
عدا عن التهديدات الدولية التي تلاحقه باعتباره تنظيمًا إرهابيًا، والتي يأمل الجولاني أنّ يتفاداها عبر تصوّراته ومشروع الإدارة المشتركة للشمال المحرر، إلّا أنّ هناك تهديدًا آخر يتمثّل في سعي الرجل إلى طمس الهوية السلفية للتنظيم، الأمر الذي يفضي إلى إفقاده شرعية وجوده عند جنوده، ما يمهّد إلى انهياره، لا سيما في ظلّ وجود منافس، تنظيم حرّاس الدين الذي يحمل فكر القاعدة. ما معناه أنّ الجولاني مهما ابتعد عن فكر القاعدة، سيعود في نهاية المطاف إليه، فهو الوحيد القادر على لمّ شمل تنظيمه في حال انهياره.
https://www.youtube.com/watch?v=5kEUhq34qkU
الترا صوت
استكمالا لملف صفحات سورية