يأمل الأكراد أن تكون دول الاتحاد الأوروبي بديلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا/ فيصل اليافعي
الحدود التركية السورية تعود إلى طبيعتها. تلك هي الرسالة التي تأمل أنقرة في إرسالها على الأقل. وفي الأسبوع الماضي، أعادت تركيا فتح بوابة واحدة على حدودها الجنوبية الشرقية بعد ثماني سنوات، كما وعدت في القريب العاجل بفتح بوابة ثانية باتجاه عفرين، وهي المنطقة التي خرج منها المسلحون الأكراد السوريون خلال العام الماضي فقط.
ومع ذلك، فإن ما سيحدث عند الحدود بعدما تسحب الولايات المتحدة قواتها يظل أمرًا مثيرًا للجدل. ويبدو أن المحادثات بين تركيا والولايات المتحدة حول هذه المنطقة العازلة لم تحقق أي نتائج ملموسة – حيث تعهدت أنقرة مرة أخرى في نهاية الأسبوع الماضي بفرض منطقة آمنة بنفسها إذا تعطلت المحادثات.
وبشكل عام، هناك ثلاثة طرق ممكنة للقيام بدوريات في المنطقة العازلة، وهي: بالاشتراك بين القوات الأمريكية والتركية؛ وبواسطة القوات التركية وحدها، أو بواسطة القوات السورية إذا تسلم النظام مسؤولية المنطقة العازلة.
وفي محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سعى أكراد سوريا إلى تعزيز خيار رابع، وهو أن تسد دول الاتحاد الأوروبي الفجوة الأمنية بعد انسحاب الولايات المتحدة.
وعلى مدار أسابيع عدة، قام القادة الأكراد بجولة إلى العواصم الأوروبية للدفع باتجاه هذه الخطة، والتي ستجعل من دول الاتحاد الأوروبي المكون الأكبر في قوة المراقبة الدولية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، عرضت الولايات المتحدة على دول الاتحاد الأوروبي مهلة زمنية حتى الثامن “8” من مارس للتوقيع على الخطة. وحل الموعد النهائي وانقضى دون استجابة واحدة من الدول الأوروبية.
من الواضح يقينًا أن دول الاتحاد الأوروبي ترغب في مساعدة الأكراد مكافئة لهم على الدعم الذي قدمه الأكراد في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وحتى لا يعود الأكراد مرة أخرى إلى تحالفهم مع النظام السوري، بيد أن ثمة اختلاف كبير بين ما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي وبين ما يريده الأكراد السوريون من الاتحاد الأوروبي. وحتى لو أرادت أوروبا أن تدعم الأكراد السوريين، فلن تستطيع مساعدتهم بالطريقة التي يريدها الأكراد.
ومنذ أسابيع، كانت ثمة دبلوماسية محمومة بين المجموعات العديدة التي تسعى جاهدة لفرض رؤيتها بشأن ماذا بعد الانسحاب الأمريكي، وكانت هذه الدبلوماسية مزيجًا من الوعود والتهديدات.
وعندما قامت إلهام أحمد، الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية والتي يهيمن عليها الأكراد، بجولة إلى واشنطن ولندن وباريس في أوائل فبراير / شباط لمحاولة إقناع السياسيينبدعم الأكراد، كانت تحمل أيضًا تهديدًا، وهو: ساعدونا أو سنعود إلى النظام.
كما وجه النظام أيضًا رسالة تهديد. ففي الشهر الماضي، حذر بشار الأسد الأكراد من أنه “لن يدافع أحد عن الأكراد سوى الجيش العربي السوري”، بل أن تركيا مدت يدها إلى الأكراد السوريين بطريقة محدودة، رغبة منها في التمييز بين القيادة السياسية والأكراد السوريين الذين يعيشون في المنطقة الحدودية. وتحاول جميع الأطراف إقناع الأكراد بدعم رؤيتهم الخاصة بالمنطقة العازلة.
إن الخيار الذي يفضله الأكراد السوريون هو وجود قوة دولية، حيث ستشكل القوات الأوروبية، بدلاً من القوات الأمريكية، الجزء الأكبر من قوة المراقبة – والتي أشار أحد التقارير إلى أنها مكونة من حوالى 1500 جندي أوروبي بالإضافة إلى وحدة أصغر مكونة من 200 جندي أمريكي.
وتشهد دول الاتحاد الأوروبي معضلة صارخة. ففي الواقع، تطلب الولايات المتحدة والأكراد من دول الاتحاد الأوربي تولي مسؤولية النزاع الحدودي، وتعريض المئات أو الآلاف من قواتها للخطر، غير أن الغرض من هذا الطلب لم يتضح بعد.
فهل سيكون الغرض من هذا الطلب هو إنشاء منطقة عازلة بين تركيا والأكراد، أو حماية الأكراد من نظام الأسد؟ هل هو منع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من العودة، أو هو هدف أكبر وهو إيقاف النفوذ الإيراني؟
من وجهة النظر الأوروبية، تشبه القوة متعددة الجنسيات والمكونة في الغالب من القوات الأوروبية إلى حد كبير التزامًا مفتوحًا لدعم أهداف واشنطن السياسة. وقد استبعد البعض في الاتحاد الأوروبي ذلك بالفعل: حيث قال وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هنت، صراحةً بأنه “من غير المحتمل أن تحل القوات البريطانية محل الأمريكيين في سوريا”.
علاوة على ذلك، فإن وضع قوات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الحدود يجعلهم في مرمى نيران تركيا الحليفة للاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن تدعم دول الاتحاد الأوروبي الأكراد السوريين في سياق الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، غير أن الأصعب، في الإطار القانوني، هو دعم الجزء المنفصل عن الأراضي السورية – وهو جزء تحكمه مجموعة أثارت ضدها منظمة العفو الدولية مزاعم موثقة حول التهجير التعسفي والتدمير الشامل.
وعلى أي حال، لن يضمن وجود مثل هذه القوة الدولية خلو الحدود من أي نزاع. ولقد أظهرت تركيا مرتين قدرتها على القيام بعمليات توغل محدودة لطرد المسلحين الأكراد. ولا يوجد سبب يجعل تركيا لا تقدم على هذا التوغل مرة أخرى.
وتبقى فكرة أن القوات الأوروبية ستكون مظلة لحماية الأكراد السوريين من تركيا والنظام السوري، وتسمح لهم أساسًا بمواصلة بناء شبه دولة، هو ضرب من الخيال، لأن الأتراك والنظام السوري، والأوروبيون في حقيقة الأمر، لا يريدون لهذه الدولة أن ترى النور. ولهذا يأمل أكراد سوريا المحاصرون بين أنقرة ودمشق ، في آخر محاولة لهم، بأن توفر لهم الدول الأوروبية مخرجًا.
ولكن يبدو من تصريحات العواصم الأوروبية، انه لايمكن الجزم فيما اذا كانت الدول الأوروبية قادرة على مساعدة الأكراد بهذه الطريقة أم لا – حتى وإن كانت راغبة في دعمها.