قرار ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان -مقالات وتحليلات مختارة-
قرار ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.. خلفياته ودوافعه
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
وقّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 25 آذار/ مارس 2019، أمرًا تنفيذيًّا ينص على اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وذلك بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي وصف الخطوة بأنها “تاريخية”. وخلافًا لموضوع الاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، لم يأت الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل من خلال تشريع أميركي عبر الكونغرس، بل جاء من الحكومة الأميركية على صيغة “هدية” من ترامب إلى “صديقه” نتنياهو الذي يواجه منافسة قوية في انتخابات الكنيست التي تجري في 9 نيسان/ أبريل 2019.
تعدّ قرارات ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان بالقوة، تغييرًا كبيرًا في السياسة الأميركية إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي، والتي قامت، منذ عام 1967، على أساس معادلة “الأرض مقابل السلام” التي ينص عليها قرار مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة رقم 242، الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967، ويرفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، والتزمتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، ديمقراطية أم جمهورية. وتأكيدًا لالتزامها معادلة “الأرض مقابل السلام”، أيدت الولايات المتحدة قرار مجلس الأمن رقم 497، والذي رفض قرار إسرائيل، عام 1981، ضم الجولان المحتل إليها، ونص القرار على أن “قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغٍ وبدون تأثير”.
الخطوات التي مهدت لقرار ترامب
على الرغم من استعداد إسرائيل للتفاوض مع سورية على الجولان، في إطار التوصل إلى سلام معها، واعتبار قرارها بضمه خطوةً سياسية للضغط على سورية، وردًا على رفض سورية اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، حاولت الحكومة الإسرائيلية إقناع الولايات المتحدة بقبول الاعتراف بضم الجولان إلى أراضيها، إلا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، منذ عام 1967، رفضت ذلك. وقد ازدادت المساعي الإسرائيلية للحصول على اعتراف أميركي ودولي بقرارها ضم الجولان خلال الحرب السورية. وضغط نتنياهو بشدة على إدارة الرئيس باراك أوباما لإصدار بيان تعترف فيه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، لكن أوباما رفض ذلك. وقد كذب ترامب، حين ادّعى أن الرؤساء الأميركيين السابقين وعدوا بضم الجولان في حملاتهم الانتخابية ولم ينفذوا وعودهم، أما هو فنفذ وعده، فلم يَعِد أحد منهم بذلك، خلافًا للوعود بنقل السفارة إلى القدس.
وقد اختلف الوضع تمامًا في عهد ترامب الذي بدأ سلسلة من الإجراءات الأحادية، تضمنت
الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ثم قرّر نقل السفارة الأميركية إليها. وفي 11 آذار/ مارس 2019، اصطحب نتنياهو كلًا من السيناتور الأميركي المقرّب من ترامب، ليندسي غراهام، والسفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، في جولةٍ في مرتفعات الجولان، ليعلن خلالها غراهام إن هناك توجهًا داخل الكونغرس الأميركي للاعتراف بهضبة الجولان جزءًا من دولة إسرائيل. ولم يكد يمضي يومان على تصريحات غراهام تلك، حتى صدر التقرير السنوي للخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم، وكان لافتًا أنه نزع صفة الاحتلال عن الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل بما فيها الضفة الغربية والجولان، وهو التقليد الذي ظل سائدًا في التصريحات والبيانات الرسمية الأميركية منذ 1967. وفي 21 آذار/ مارس 2019، غرّد ترامب على توتير: “بعد 52 عامًا، حان الوقت للولايات المتحدة أن تعترف بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي تتسم بأهمية إستراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي”. ثم، جاء توقيع الإعلان رسميًّا في 25 ذار/ مارس 2019. ويُعتقد أن فريدمان هو الشخصية الأساسية في الإدارة التي دفعت في اتجاه إصدار هذا الإعلان، بدعم من مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون.
لقد أصبح واضحًا أن الانحياز الأميركي إلى إسرائيل تحول في عهد ترامب إلى نهج جديد، يتلخص بتبعية أميركية كاملة لليمين الإسرائيلي في قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي وقضية فلسطين.
دوافع الإعلان وسياقاته
لقد ركز ترامب على مزاعم الاعتبارات الأمنية لإسرائيل في محاولته تبرير إعلانه حول الجولان الذي يقطع مع أكثر من خمسين عامًا من السياسات التقليدية الأميركية المستقرة في التعامل مع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بعد 5 حزيران/ يونيو 1967، إلا أنه ثمّة دوافع وحسابات أخرى تبدو أقرب إلى تفسير ما جرى. ويمكن تقسيم هذه الدوافع والحسابات إلى ثلاثة مستويات. الأول يتعلق بمحاولات دعم نتنياهو في انتخابات الكنيست الإسرائيلية المقبلة، والتي يواجه فيها تحديًّا كبيرًا واتهامات بالرشوة والفساد. الثاني يتعلق بحسابات انتخابية لترامب نفسه. أما المستوى الثالث، فيرتبط بتصور إدارة ترامب لطبيعة وشروط وشكل الحل المستقبلي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والصراع العربي – الإسرائيلي.
1. دعم نتنياهو
يمثّل استقبال ترامب نتنياهو في البيت الأبيض خروجًا، في حد ذاته، عن المتعارف عليه في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية؛ حيث يتحاشى الرؤساء الأميركيون، عمومًا، أن يظهروا بأنهم يتدخلون مباشرة في الانتخابات الإسرائيلية. وقد جاء لقاء الطرفين، قبل أسبوعين فقط من انتخابات الكنيست في 9 نيسان/ أبريل 2019، ويواجه فيها نتنياهو، الساعي إلى ولاية
خامسة، تحديًّا كبيرًا من جراء فضائح سياسية، وتهمًا بالفساد والرشوة. لقد رحّب جل الساسة الإسرائيليين بإعلان ترامب بشأن الجولان، إلا أن بعضهم انتقد توقيته، واعتبر ذلك محاولةً من ترامب لتعزيز موقف نتنياهو السياسي قبل الانتخابات؛ إذ تشير استطلاعات الرأي الإسرائيلية إلى تساوي شعبية كل من حزب الليكود، بقيادة نتنياهو، وحزب “أزرق أبيض”، بزعامة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق، بيني غانتس. ولا يُخفي الأخير اعتقاده أن القرار الأميركي بشأن الجولان قد يكون لمساعدة نتنياهو في الانتخابات. ويحظى ترامب بتأييد كبير في أوساط اليمين واللوبيات الصهيونية، بسبب قراراته التي تفوق حتى توقعات اليمين الإسرائيلي. ويرى كثيرون في إسرائيل، وفي الولايات المتحدة، أن استقبال ترامب نتنياهو وإعلانه اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان كان بمنزلة هدية له.
2. حسابات ترامب الانتخابية
يهدف إعلان ترامب بشأن الجولان، مثل ما كان عليه الحال في موضوع القدس، إلى تعزيز فرصه الانتخابية عام 2020، وذلك من خلال محاولة استرضاء القاعدة العريضة للمسيحيين الإنجيليين الذين صوتوا لصالحه بأعداد كبيرة في انتخابات عام 2016. وينتمي بعض رموز إدارة ترامب إلى هذه القاعدة، مثل نائبه مايك بينس، ووزير خارجيته مايك بومبيو، وغيرهما. ويمثّل الإنجيليون قرابة 25% من الشعب الأميركي، وصوت قرابة 80% من البيض منهم لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية السابقة. وكان لافتًا أن بومبيو صرّح من إسرائيل، قبل أيام فقط من إعلان ترامب بشأن الجولان، إن “ترامب قد يكون هديةً من الرب لإنقاذ اليهود من إيران”.
وضمن حسابات ترامب الانتخابية أيضًا، محاولة استمالة اللوبي الصهيوني النافذ في واشنطن لصالحه ولصالح الحزب الجمهوري، خصوصًا في ظل التوتر القائم بين هذا اللوبي ودوائر في الحزب الديمقراطي من جراء تراجع التأييد لإسرائيل في صفوف الديمقراطيين، وخصوصًا في أوساط القاعدة الشبابية الأكثر ليبراليةً للحزب، بمن فيهم اليهود. وقد حاول ترامب أن يستثمر الجدل الذي أثارته أخيرا تغريدات وتصريحات للنائبة الديمقراطية المسلمة، إلهان عمر، نقدت فيها لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية، المعروفة اختصارًا باسم (إيباك)، والتي اتهمت على إثرها بـ “معاداة الساميّة”. وكان ترامب اتهم الديمقراطيين، في 22 آذار/ مارس 2019، بأنهم “معادون لإسرائيل تمامًا”، وأضاف: “بصراحة، أعتقد أنهم معادون لليهود”. ويبدو أنه لا حدود للديماغوغيا التي يتبعها ترامب، وأصبحت تمثّل خطرًا كبيرًا على الأمن والسلم الدوليين وعلى الأعراف والقوانين الدولية، ولا تأبه بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن.
3. محاولة فرض إطار الحل للصراع
لعل أبرز الدوافع والحسابات التي تقف وراء قرار ترامب في إعلان الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان تتمثل بمقاربة إدارته للصراع العربي – الإسرائيلي عمومًا، وفي القلب منه
الموضوع الفلسطيني. وواضح أن إدارة ترامب تسعى إلى إعادة رسم ملامح الصراع، ووضع محددات جديدة له؛ بتبني مفاهيم اليمين الإسرائيلي وتصوراته وأهدافه على حساب الفلسطينيين والعرب. وتوظف الإدارة الأميركية في مسعاها هذا واقع التمزق الفلسطيني – الفلسطيني، والعربي – العربي، وتركيز محور الرياض – أبو ظبي، تحديدًا، على الصراع مع إيران واعتبار إسرائيل حليفًا في هذا السياق. وقد أدّت إيران أيضًا مع حلفائها دورًا في إيصال المنطقة إلى هذه الحالة من الضعف والتمزق، بسبب طموحاتها الإقليمية وسياساتها الطائفية، ومن ثم الوصول إلى هذه النتيجة. أما النظام السوري، فيتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن تمهيد الطريق لإدارة ترامب وإسرائيل للسطو على الجولان المحتل، من جرّاء سياساته التي أدت إلى تدمير سورية وتمزيقها إلى مناطق نفوذ وسيطرة بين القوى الخارجية.
في الإطار العام، تقوم مقاربة إدارة ترامب، كما في موضوع القدس، وقطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، في أيلول/ سبتمبر 2018، على تحييد ما تعتبرها “عقباتٍ” على طريق “حل” الصراع العربي، مع إسرائيل، وذلك ليس بحل القضية الفلسطينية بل بإلغائها، وليس بتلبية المطالب العربية العادلة بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، بل بتجاوزها.
وكان ترامب فسّر من قبل مسألة اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، بأنه “شيء جيد قمت به، ذلك أننا أزلنا هذه العقبة من على طاولة المفاوضات. في كل مرة، كانت هناك محادثات سلام، فإنهم لم يتمكّنوا أبدًا من تجاوز أن تكون القدس هي العاصمة. ولذلك قلت فلنزحها عن الطاولة”. وضمن المنطق نفسه، فإن مسألة “حق العودة” كانت “عقبة” أخرى في طريق “السلام”، وجبت إزاحتها من طاولة المفاوضات، عبر وقف تمويل “أونروا”، ومن ثمّ “تسهيل” التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين. واليوم يعيد ترامب الكرّة مرة ثالثة في موضوع الجولان، بمعنى إزالتها من الطريق لـ “تسهيل” التوصل إلى اتفاق سلام بين سورية وإسرائيل، في منطقٍ يعكس طريقة التفكير السائدة في الغرب الأوسط الأميركي، بعدم رؤية أي اعتبار في السياسات الدولية غير القوة الأميركية.
تقوم مقاربة إدارة ترامب لما تعرف بـ “صفقة القرن” على إجبار العرب على الاعتراف بالأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل، وتفريغ الحقوق الفلسطينية والعربية من القضايا الجوهرية والمركزية، بحجة صعوبة التوصل إلى حلول توافقية لها، ومن ثمّ لا يبقى قضايا حساسة يمكن أن تفجر خلافات تفاوضية!
خلاصة
سوف يمرّ إعلان سيادة إسرائيل على الجولان المحتل، كما مرَّ إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، ولن يردع الولايات المتحدة الانتقادات التي خلفتها الخطوة أخيرا. وقد كشفت بعض وسائل الإعلام الأميركية، نقلًا عن مسؤولين أميركيين، أن مستشاري ترامب شجعوه على الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، من منطلق أن ردود الفعل التي أثارها قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال كانت أقل كثيرًا مما توقعوه. كما أن التنسيق الأمني بين إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج ضد إيران لم يتأثر بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولا يوجد سببٌ لتوقع عاصفة أشد في موضوع الجولان. أما النظام السوري فهو ضعيف جدًّا، ليقوم برد فعل خارج حدود اللفظيّ، وهو رهينة لحسابات روسيا في المنطقة، ومن ثمّ، فإنه يستبعد أن يسعى إلى الرد على إسرائيل عسكريًّا، على الأقل في المرحلة الحالية، والأمر نفسه ينطبق على إيران وحلفائها. والأرجح أن يعزّز الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان مكانة إيران وحلفائها، ويُضعف موقف الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة.
العربي الجديد
هضبة الجولان السورية بين قوة القانون وقانون القوة/ عبد الحميد صيام
مقدمة في القانون الدولي
بدأت دول العالم تنظم العلاقات فيما بينها منذ مؤتمر السلام في وستفاليا عام 1648 بعد حرب الثلاثين سنة بين الدول الأوروبية، حيث أصبحت الدولة المستقلة ذات السيادة هي حجر الأساس في العلاقات الدولية. واستمر المجتمع الدولي في تطوير مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية لتوسيع المفاهيم المشتركة والمسلكيات المقبولة في العلاقات بين الدول بهدف عدم اللجوء إلى القوة في حسم الخلافات. فبينما يختص القانون الوطني بعلاقة الأفراد فيما بينهم وعلاقتهم ببلدهم، تختص القوانين الدولية بالعلاقة بين الدول في حالتي السلم والحرب، وبينها وبين المنظمات الدولية.
ومع إنشاء الأمم المتحدة واعتماد ميثاق الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/اكتوبر عام 1945 دخلت العلاقات الدولية مرحلة جديدة تتميز بايجاد آليات لحسم النزاعات بين الدول وامكانية الالزام وفرض العقوبات على المعتدين ومنتهكي القانون الدولي وخاصة مرتكبي جريمة العدوان واستخدام القوة.
ونستطيع أن نلخص أهم قواعد القانون الدولي في خمس أساسية: احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واقامة علاقة ودية وحسن جوار بين الدول وحل النزاعات بالطرق السلمية بعيدا عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها والمساواة في الحقوق والواجبات بين الدول صغيرها وكبيرها.
احتلال أراضي الغير في القانون الدولي
لم يمنع إنشاء الأمم المتحدة من حدوث الحروب والنزاعات ووقوع أراض تحت الاحتلال وانتهاكات خطيرة للقانون الدولي. فقد أشعلت الحروب الكبرى والصغرى 200 مرة على الأقل، وتم احتلال دول وتغيير حدودها وارتكبت المجازر في أكثر من مكان وجرت عمليات تطهير عرقي واجتثاث للأقليات وغيرها الكثير. لقد تعاملت الأمم المتحدة، وبالتحديد مجلس الأمن الدولي، مع قضايا الحروب والاحتلال بقدر ما سمح لها من قبل الدول الخمس دائمة العضوية. فمثلا احتلت روسيا أفغانستان واحتلت فيتنام كمبوديا واحتلت الولايات المتحدة غرانادا واحتلت الهند وما زالت كشمير واحتلت إيران ثلاث جزر إماراتية عام 1971 واحتلت اريتريا جزر حنيش اليمنية وأخلتها بعد رأي محكمة العدل الدولية لصالح اليمن واحتل النظام العراقي الكويت عام 1990 ومعروف كيف تعامل المجلس مع تلك الحالة النادرة. واحتلت إسرائيل سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان السوري عام 1967. فإسرائيل إنشئت وتمددت بالاحتلال ولا تعيش يوما دون أن توسع احتلالاتها التي لا تتوقف. فلا توجد دولة في العالم مثلت الاستهتار الأكبر بالقانون الدولي أكثر من إسرائيل بسبب مظلة الحماية التي وفرتها الدول الغربية لها، بريطانيا وفرنسا أولا ثم الولايات المتحدة.
يشير القانون الدولي بالنسبة لوقوع أراض تحت الاحتلال إلى ثلاث مسائل: مسؤولية القوة القائمة بالاحتلال، ومسؤولية وحقوق وواجبات السكان الواقعين تحت الاحتلال وكذلك وضع الأرض القانوني تحت الاحتلال. ويقر القانون الدولي مبدأ لا خلاف عليه وهو «عدم جواز ضم أرض بالقوة» وهذا ما يفسر عدم اعتراف أي دولة في العالم بضم إسرائيل للجولان والقدس والضفة الغربية وغزة بما فيها الولايات المتحدة إلى أن وصل التاجر المغرور دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فتغيرت قواعد التعامل مع القانون الدولي تماما بالنسبة للإدارة الأمريكية.
وسنسلط الضوء هنا على قرار ترامب الذي أهداه لصديقه نتنياهو يوم الإثنين الماضي 25 اذار/مارس بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل من منظور القانون الدولي:
أولا – القرار انتهاك لميثاق الأمم المتحدة
عام 1945 اعتمد المجتمع الدولي ميثاق الأمم المتحدة في محاولة جديدة بعد فشل عصبة الأمم، لوضع القيود على عدد من مسلكيات الدول التي أثبتت أنها قادرة على زعزعة استقرار النظام الدولي قبل الحرب العالمية الثانية. كان من أهم تلك المسلكيات اللجوء إلى القوة والتهديد باستخدامها وضم الأراضي عن طريق استخدام القوة العسكرية. وتنص المادة الرابعة من الفصل الأول للميثاق على: «يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة». هذا هو المبدأ الرئيسي الذي تستند إليه الكثير من القواعد التي تحكم نظامنا الدولي والتي يمكن القول بأن قرار ترامب يعتبر انتهاكا صارخا لهذه المادة. والميثاق يلزم الدول الموقعة عليه باحترامه كشرط من شروط العضوية.
ثانيا – القرار انتهاك لقرارات مجلس الأمن
تنص المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة على: «يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق». فقرارات مجلس الأمن ليست فقط لتسجيل المواقف بل لتثبيت موقف دولي رسمي من المسألة قيد البحث والتي تصبح ملزمة للدول الأعضاء ويجب احترامها.
وهضبة الجولان المحتلة كانت مشمولة بالقرار 242 (1967) الذي اعتمد في أعقاب حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967 والذي ينص في ديباجته على «عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب» كما يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة مقابل سلام شامل يؤدي إلى الاعتراف بحق جميع الدول بالعيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد. وعاد مجلس الأمن واعتمد القرار 338 (1973) الذي يدعو إلى ما دعا إليه بالضبط القرار 242. لكن إسرائيل كعادتها لم تعر القرارين أي انتباه.
وفي تاريخ 14 كانون الأول/ديسمبر 1981 أعلنت إسرائيل فرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها على مرتفعات الجولان. لكن مجلس الأمن اعتمد بالإجماع القرار 497 يوم 17 من نفس الشهر الذي اعتبر ذلك ملغيا وباطلا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي بل وطالب القرار إسرائيل، القوة المحتلة، بإلغاء القرار وذكّرها بأن اتفاقية جنيف الرابعة المعتمدة عام 1949 ما زالت سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967. والأهم من ذلك أن القرار حمل شيئا من التهديد لإسرائيل، حيث نص في فقرته العاملة الرابعة على دعوة الأمين العام تقديم تقرير حول تنفيذ القرار خلال أسبوعين «ويقرر في حال عدم امتثال إسرائيل يجتمع مجلس الأمن بصورة استثنائية وفي مدة لا تتجاوز 5 كانون الثاني/يناير 1982 للنظر في اتخاذ الإجراءات الملائمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة».
إسرائيل لم تكترث بالقرار وعادت لتؤكد على ضمها للجولان. فقد اجتمعت الوزارة الإسرائيلية يوم 17 نيسان/أبريل 2018 في مرتفعات الجولان لأول مرة وأعلن بعدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بكل عنجهية أن إسرائيل ستبقى بشكل دائم في المرتفعات وأنها لن تتخلى عنها وإلى الأبد. وذهب به الصلف بعيدا ليطالب المجتمع الدولي أن يعترف بالأمر الواقع وقدم أسبابا سخيفة لهذا الموقف من بينها العثور على بعض القطع الأثرية اليهودية في الهضبة. ولو تطبق هذه الحجة لأعيد نصف القارات القديمة الثلاث لسيادة روما.
ثالثا – القرار انتهاك لقرارات الجمعية العامة
قامت الجمعية العامة عبر قراراها 36/226 يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 1981 بإدانة قرارا إسرائيل بضم الجولان وبناء مستوطنات في المرتفعات المحتلة. وقد كررت الجمعية العامة سنويا اعتماد قرار يعتبر الجولان أرضا سورية محتلة ويطالب إسرائيل بإنهاء احتلالها لها. وكان آخر هذه القرارات القرار 23/73 يوم 1 كانون الأول/ديسمبر 2018 حيث طالبت الجمعية العامة إسرائيل بالانسحاب من كامل الجولان السوري المحتل، إلى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967، تنفيذا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وقد حصل ذلك القرار على تأييد 99 دولة، مقابل اعتراض 10 دول، وامتناع 66 دولة عن التصويت. ولا يقللن أحد من أهمية قرارات الجمعية العامة فهي أحد مصادر القانون الدولي المهمة والتي تعتبر أيضا مرآة تعكس توجهات المجتمع الدولي بغالبية أعضائه.
رابعا – القرار مخالف للعرف الدولي
بقيت سياسة الولايات المتحدة متسقة إلى حد ما ولو لفظيا باعتبار الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 أراضي محتلة تحل بين الأطراف بالمفاوضات. وكانت السياسة الأمريكية بشكل عام منسجمة مع القانون الدولي في قضايا الاحتلال الأخرى. فعندما احتل الاتحاد السوفييتي أفغانستان عام 1979 حشدت الولايات المتحدة كل أسباب المواجهة ضد انتهاك القانون الدولي واحتلال بلد مستقل بالقوة المسلحة. وعندما احتل العراق الكويت عام 1990 لجأت الولايات المتحدة فورا لمجلس الأمن واعتمدت القرار 660 يوم 2 آب/أغسطس تحت الفصل السابع لإنهاء الاحتلال ومطالبة القوات العراقية بالانسحاب الفوري غير المشروط. وعندما سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا عام 2014 اعتبرت الولايات المتحدة أن هذا «الاحتلال» غير شرعي ويجب أن ينتهي وأن السيادة تظل لأوكرانيا. فكيف من يرفض تلك الاحتلالات يعود ويشرعن غيرها؟ إذن التناقض في الموقف الأمريكي واضح ولا يحتاج إلى العديد من الاثباتات. فعندما يوافق القانون الدولي مصالح الولايات المتحدة يكون جيدا ويستحق التطبيق وعندما لا يتفق مع مصالحها فتدوس عليه بعنجهية. وهذا ما يجب ألا يقبل من المجموعة الدولية فالقانون الدولي ليس قائمة طعام تختار منها ما يطيب لك، بل قواعد وقوانين وأعرافا معتمدة ثبتتها الخبرة الإنسانية عبر مجموعة من المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية والتي يبج أن تحترم وتنفذ.
إن ما قام به ترامب هو تصرف أرعن جاء في سياق قانون القوة وانصياع إدارته لإملاءات اليمين المتطرف في إسرائيل والولايات المتحدة. ترامب يحاول تصفية القضية الفلسطينية وقضية الصراع العربي الإسرائيلي مستغلا الوضع الفلسطيني المنهك والضعيف والوضع العربي المتسابق نحو التطبيع أو الانشغال في الحروب الداخلية. فبعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بضم الجولان سيأتي دور الاعتراف بضرورة ضم الضفة الغربية أو معظمها من أجل أمن إسرائيل. ولو أراد العرب أن يردوا على ترامب بشكل جاد وحقيقي فليعلنوا في القمة العربية أن فلسطين كل فلسطين هي أرض عربية لا يغير من هويتها لا بلفور ولا ترامب.
القدس العربي
صناعة الفوضى والحرب في الشرق الأوسط/ برهان غليون
(1)
لم تكن إسرائيل بحاجة إلى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أجل إحكام سيطرتها على الجولان السوري المحتل، وتوسيع رقعة الاستيطان فيه، بعدما أعلنت ضمّه لأراضيها عام 1981، ضاربة عرض الحائط جميع قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، بداية بقرار 242 لعام 1967، وانتهاءً بقرار 497 الذي جسّد الإجماع الدولي ضد ضم إسرائيل من طرف واحد الهضبة السورية. وبعد ثمانية أعوام من الحرب التي دمر فيها النظام الدولة والمجتمع السوريين، بالمعنى المادي والسياسي والنفسي للكلمة، لم يعد لدى الإسرائيليين أي شك في أن سورية فقدت القدرة، حتى لو أسعفها الزمن بعد فترة بحكومة وطنية ما، على استعادة الجولان، بل التفكير في استعادته إلى عقود طويلة مقبلة. باختصار، ما كان ترامب ولا رئيس حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحاجة لإعلان سيادة إسرائيل على الجولان، لتأكيد سيطرة تل أبيب على مقدراته، وربما الاحتفاظ به تحت السيطرة الإسرائيلية زمناً غير محدود.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة المشؤومة تعزّز الاستراتيجيات السياسية لكل من دونالد ترامب ونتنياهو، إلا أنها لا يمكن أن تفسّر وحدها هذا القرار الذي ستكون له أبعاد أعمق بكثير من أغراضه الانتخابية المباشرة، فإعلان السيادة الإسرائيلية من واشنطن على أرضٍ لا تخصها لحسابٍ لم يحترم يوماً القرارات الدولية، يعني إسدال الستار على معنى القانون الدولي في هذه المنطقة المعذّبة، وإحلال قانون الغاب مكانه، وإطلاق آخر رصاصةٍ في نعش حلم السلام، ليس بين العرب والإسرائيليين فحسب، وإنما بين جميع دول الإقليم وشعوبه. إنه يعني التأسيس لحالة الحرب الدائمة والشاملة، بمقدار ما يلغي أي معنى وأفقٍ للحلول التفاوضية، ويكرّس منطق القوة ومعيارها أساساً لتنظيم العلاقات بين الدول والشعوب، والوسيلة الوحيدة لحسم النزاعات فيه عقوداً طويلة مقبلة. وهذا يعني الإعدام الحتمي للأمن، ودعوة جميع حكومات المنطقة ونظمها إلى مراكمة القوة والرهان على العنف سبيلاً لحل نزاعاتها، وللاحتفاظ بالسيطرة والسلطة، بعيداً عن أي مفهوم للشرعية الدولية أو الوطنية.
المستفيد الأول من هذا الإعدام لأمل السلام الشرق أوسطي هو بالتأكيد إسرائيل، التي لا ترى المنطقة إلا حقل صيد، ولا تنظر إليها إلا من زاوية ما يضمن لها زيادة مكاسبها وانتصاراتها الخاصة، أو بالأحرى مصالح حكوماتها التي أصبحت تستمد شرعية وجودها، في نظر الرأي العام، من مدى قدرتها على خرق القانون، وتكبيد الشعوب الأخرى المجاورة “العدوّة” أكبر ما يمكن من الهزائم والخسائر والعذابات، سواء جاء ذلك باسم الأمن أو تأكيد حقوق تاريخية أو دينية، يؤجّجها تحول إسرائيل نفسها إلى أحد أهم رهانات السياسة الداخلية لأعظم قوة عالمية، حتى صار التماهي مع إسرائيل، ودعمها غير المشروط، موضوع تنافس بين النخب السياسية
الأميركية، بمقدار ما حوّل إسرائيل ذاتها إلى ما يشبه قاعدة متقدمة لحرب صليبية متجدّدة على المشرق، وأعاد المشرق، بالمناسبة ذاتها، إلى منطق الحروب الصليبية القروسطوية.
لكن المستفيد الثاني من تقويض حلم السلام، وتقديم الحسم العسكري على أي فكرة تفاوض إقليمي، وتكريس قاعدة فرض الأمر الواقع هو حكومة طهران القومية/ المذهبية التي جعلت من إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية، بعباءة دينية، غايةَ سياستها ومهمتها التاريخية، والتي لا تتردّد، على سبيل تأكيد تصميمها الذي لا يتزعزع على توسيع رقعة سيطرتها ونفوذها، في النفخ في نار خطاب الحرب الطائفية، وتكريس جلّ ما تملكه من موارد لبناء ترسانتها العسكرية وامتلاك أسلحة الدمار الشامل، والعبث بمصير الدول القائمة لصالح تعميم انتشار المليشيات المذهبية على امتداد جغرافيا المنطقة.
إعلان سيادة إسرائيل على الجولان هو دعوة إيران إلى العمل بالمثل، والاستمرار في الحرب على سبيل تقاسم المنطقة، لحساب مشروعين إمبراطوريين متنافسين على أشلاء عالم عربي فقد توازناته وانهار بنيانه، ولا تزال أطرافه تتخبط في كل الاتجاهات، ويوشك أن يتحول في الصراعات الإقليمية والدولية إلى فرق حساب. ولسان حال طهران يقول: لماذا يحق لتل أبيب أن تضم الجولان بالقوة، وفي تحدّ سافر للقرارات الدولية، ولا يحق لطهران أن تزيل الحدود السياسية الفاصلة بين إيران والعراق وسورية ولبنان، وتجعل من إقامة ما تسميه الهلال الشيعي على أنقاض دول الهلال الخصيب هدفاً مشروعاً، بمقدار ما هو ضروري لضمان المصالح الأمنية والاستراتيجية الإيرانية؟
(2)
ومع ذلك، لا جديد في هذه السياسة وذاك المنطق الذي دفع الدولة الأعظم إلى الاستهتار بالقانون وحقوق مئات الألوف من سكان الجولان من المواطنين السوريين. لقد قام نظام المنطقة، منذ ولادتها على أنقاض السلطنة العثمانية، في بدايات القرن العشرين، على الضرب عرض الحائط بإرادة الشعوب، وفرض الأمر الواقع عليها، وتقسيمها حسب مصالح الأطراف الدولية المعنية، وبما يسمح بإقامة دولة إسرائيل المنبثقة كلياً من نفي حقوق الفلسطينيين، وتغييب دولتهم، وابتلاع أرضهم الوطنية، والسطو على أملاكهم وأرزاقهم، فليس هناك أي فرق بين استثناء إسرائيل من حكم القاعدة القانونية، ورفع مسألة تأسيسها وضمان توسعها وأمنها
فوق أي قانون أو مفهوم للعدالة، حتى تضمن إخلاء الأرض من سكانها، وإقامة دولةٍ جديدةٍ عليها من العدم من جهة، وإعلان الجولان إسرائيلية وإعدادها لحركة الاستيطان والتغيير الديمغرافي الذي عرفته الأراضي الفلسطينية، ولا يزال يعرفه ما تبقى منها في القدس والضفة الغربية منذ عقود من جهة أخرى. إنه تجديد لعهد الاغتصاب وفرض الأمر الواقع الاستعماري بالقوة، وانتهاك القانون الذي من دونه ما كان يمكن لإسرائيل أن تقوم، ولا أن تستمر وتلعب الدور الذي رسم لها لتفجير المنطقة الشرق أوسطية، وإخضاعها وتذرير شعوبها وتقويض مستقبلها.
ما كان يمكن لإسرائيل، التي أراد لها الغرب أن تكون تعويضاً لليهود عن جرائم حكوماته العنصرية، وإسفيناً في صدر “الأمة” العربية، أن تقوم من دون انتهاك حقوق الفلسطينيين، ونزع سيادتهم عن أرضهم، في وقتٍ ظهر فيه، من الولايات المتحدة نفسها، مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام إرادتها وحقها في دول مستقلة سيّدة، وبحدود مستقرة وآمنة. وعلى الاستثناء الذي جسدته إسرائيل في قيامها وبقائه، وإعفائها من حكم القانون والعرف الدوليين، والسماح لها بتمديد عهد الاستعمار الاستيطاني والعنصرية المرتبطة به لا محالة، سوف يقوم استثناء منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وعلاقات دولها في ما بينها، من حكم القانون والعرف الدوليين أيضاً، بحيث لا يمكن لأي شعبٍ من شعوبها أن يفرض إرادته داخل حدوده، وفي تعيين ممثليه، ولا تستطيع أي دولةٍ أن تحظى بالسيادة والاحترام الكامل لحقوقها ومصالحها وأمن مواطنيها.
هكذا ولد الاستثناء الإسرائيلي إقليمياً، جعل العلاقات بين دول المنطقة قائمة جميعها على القوة والحرب، وأحلّ مبدأ فرض الأمر الواقع مكان التفاوض والحوار، لتسوية النزاعات وتقاسم المصالح، فصار التسابق على بناء القوة، ومراكمة وسائل الحرب والعنف الاستثمار الأول لجميع الدول والنظم والشعوب على قلة مواردها. وما تقوم به إيران اليوم هو ما سعت إليه من دول عربية عديدة خلال نصف القرن الماضي، وأدى إلى خسارتها معركتها الحضارية، وتفجير مجتمعاتها من الداخل، لأنها ما كان بإمكانها، في حدود قدراتها التقنية والإدارية ومواردها القليلة، أن تربح سباق التسلح، والرهان على القوة مع دولة إسرائيلية استخدمها الغرب الأوروبي، ثم الأميركي، قاعدة متقدمة لقهر الشعوب العربية، وإخضاعها، والتحكّم بمصيرها. كان الاستثناء من حكم القانون الذي ولدت منه إسرائيل، دولة غربية وغريبة عن
محيطها، ومعادية له، الفعل المؤسس الأول لنظام الخروج على القانون في المنطقة المشرقية، داخل حدود الدول بين نخبها وشعوبها، وفي العلاقات الشاذّة والمتوترة والعدوانية المتجدّدة في ما بين الدول نفسها.
لا تعمل واشنطن، بانتهاكها الجديد الصارخ مبدأ حق تقرير المصير، واحترام سيادة الدول وحقوق الشعوب الذي أسس للنظام الدولي القائم، منذ بداية القرن الماضي، سوى تجديد عهد الاستثناء الذي قام عليه نظام الشرق الأوسط الحديث، وتأكيد مبدأ القوة ناظماً للتوازنات والعلاقات الإقليمية، ومن ثم إغلاق باب السلام الموعود، وتمديد أجل الحرب والنزاعات التي أوصلت المنطقة إلى ما هي عليه من دمار أخلاقي وسياسي وحضاري.
(3)
أما المستفيد الثالث من تجديد عهد الاستثناء، وتعليق حكم القانون، داخل الدول وفي ما بينها، فهو الإرهاب، أي النزعات المتطرفة التي ولدت في حضن المجتمعات العربية التي انهارت توازناتها، وفقدت بوصلتها الدينية والسياسية معاً، وكانت ولا تزال تمثل التعبير المباشر عن تخبط فكرها ونخبها أيضاً أمام جائحة القوة الإسرائيلية والغربية، واليوم الإيرانية، المسلطة عليها، فإعدام القانون بوصفه ناظماً للعلاقات بين الدول والشعوب، وتعميم الإكراه وفرض الأمر الواقع بالقوة المجردة، وإلغاء أي أمل في السلام والتفاهم والحياة الإنسانية السياسية والمدنية الطبيعية، هي أكبر مصدر لتوليد العنف، وتعميم استخدامه وسيلةً لتحقيق أهدافٍ تبدو في البداية مشروعة، لكن سرعان ما تتحول هي نفسها وسائل لتبرير العنف ذاته، وانبثاق عبادته وتقديسه على يد أفرادٍ فقدوا بوصلتهم الإنسانية، ولم يعد لهم أي أمل في المستقبل، أو في حياة آمنة وصالحة ومرضية.
ما تحتاج إليه المنطقة لمقاومة الانحدار نحو الجحيم الذي تعيشه اليوم، كما لم يحصل في أي حقبةٍ سابقة، هو بعكس ما تقوم به الأطراف جميعاً، وفي مقدمها القوة الأميركية العظمى، تعظيم فرص السلام وإحياء الأمل فيه، من خلال تعزيز روح التفاوض والتشجيع على الحوارات الوطنية والإقليمية والدولية، وإقناع الجماعات والشعوب بوجود مستقبل آمن أفضل. أما الانتصارات والمكاسب التي يحققها هذا الطرف أو ذاك عن طريق القوة والتهديد بالموت والدمار، فلن تكون سوى الطعم الذي يقود من يتلقفه إلى فخٍّ لن يستطيع الخروج منه. وهو يقود، منذ الآن، المنطقة برمتها، وغداً محيطها القريب ثم البعيد، إلى الخراب، تماماً كما قاد رفض نظام الأسد التفاوض، وتصميمه على هزيمة الشعب وفرض إرادته عليه بالقوة، إلى خراب الوطن السوري، وتقديمه لقمة سائغة لإسرائيل وللدول الأخرى المتنازعة على تقاسم أشلائه. ككثير من الانتصارات السهلة، سوف يتحول إعلان سيادة إسرائيل على الجولان إلى شركٍ لقتل آمال السلام، سيدفع المستفيدون منها ثمناً مضاعفاً له في المستقبل.
بخطوته المتهورة، لم يخدم دونالد ترامب إسرائيل، ولا عزّز موقع الولايات المتحدة في المنطقة، لكنه قوّض أهداف سياسته الإقليمية التي ركز فيها على مواجهة الانتشار العسكري الإيراني أولاً، وما يجرّه من تهديداتٍ لاستقرار، أو ما تبقى من استقرار في المنطقة، وعلى
القضاء ثانياً على الإرهاب ونزعات التطرف الانتحارية التي تغذّيه. والحال لا توجد شروط لمساعدة إيران على زعزعة دول المنطقة واحتلالها من الداخل، ولا لإعطاء دفعةٍ قويةٍ لنزعة التطرّف والرهان على العنف الانتحاري والإرهاب الدولي، أفضل من قتل فرص الحوار وقطع الأمل بالسلام وتعزيز الحلول التفاوضية في النزاعات الداخلية والإقليمية. ولن يقود استمرار مثل هذه السياسات الحمقاء التي قادت إلى خراب أحوال المنطقة، وجعلت من بلدانها قاعاً صفصفاً، ومن شعوبها لاجئين ونازحين أو مشاريع نازحين ولاجئين في العالم أجمع، إلا إلى تنامي العنف وتفاقم القتل والدمار.
ليس العنف في استخدام السلاح القاتل خارج حكم القانون، أو انتهاكاً له فحسب. إنه يكمن بشكل أكبر، في تقويض حكم القانون وحرمان المجتمعات من مرجعيةٍ قانونيةٍ، تنظم علاقتها، وتضمن تفاهم أفرادها وجماعاتها وتعاونهم، فالقضاء على حكم القانون وقاعدته لا يقتل أفراداً ملموسين، ومرئيين، ولكنه يوجِد البيئة المُثلى لتوليد العنف، وتعميم الجريمة سلوكاً حتمياً وطبيعياً، ويعرّض شعوباً كاملة للإبادة، بمقدار ما يحرمها من حقها في الأمن والسلام والاحتكام للعدالة. فكما أن بسط السلام داخل المجتمعات وبين الدول لا يتحقق إلا بسيادة حكم القانون، وخضوع الجميع إلى قاعدة واضحة ومقبولة معاً، لا يمكن لتقويض معنى القانون والاستهتار به، والحيلولة دون تطبيقه، إلا أن يكون المصدر الأول لتوليد العنف، وتعميم استخدامه. ومن هنا كانت الفتنة، أي ضياع حكم القانون ومعناه، أشدّ من القتل. كانت إقامة إسرائيل على أنقاض فلسطين فتنةً إقليمية ودولية، بمقدار ما كانت خرقاً للقانون الدولي والإنساني، وإلحاق واشنطن الجولان بإسرائيل اليوم هو تجديد لروح الفتنة ذاتها، وتمديد لزمن الفوضى والحرب.
العربي الجديد
الجولان: قطرة ترامب التي أفاضت إناء التفريط/ صبحي حديدي
في إعلان لا يتجاوز 135 كلمة، حسب النصّ الأصلي الإنكليزي، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنّ مرتفعات الجولان، الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967، لم تعد محتلة؛ وذلك استناداً إلى السلطة التي يخوّلها له الدستور الأمريكي كما عبّر. ولقد تفادى لغة الحيثيات المملّة، التي تبدأ بعبارة الحشو المعتادة «حيث أنّ..».، بحكم ما يُعرف عنه من عنجهية واستهانة وركاكة وسوقية في إعلانات مماثلة، بادئ ذي بدء؛ فضلاً عن دغدغة أصدقاء دولة الاحتلال، ورئيس وزرائها، والإسرائيليين؛ ثمّ تشديد المهانة على السوريين عموماً، وأهل الجولان المحتل بصفة خاصة، وسائر العرب من «أصدقاء أمريكا» تحديداً. كلّ ما في الأمر، من وجهة نظر ترامب، ومن دون حاجة إلى أية حيثية، أنّ دولة الاحتلال لا تحتلّ الهضبة إلا لحماية ذاتها من التهديدات الخارجية، التي (وهذا أمر فات الكثيرين الانتباه إليه أغلب الظنّ) لا تأتي من نظام «الحركة التصحيحية»، أي حافظ الأسد ووريثه بشار؛ بل من «إيران والجماعات الإرهابية».
من الإنصاف التذكير، هنا، بأنّ تسعة أعشار قرارات ترامب وإعلاناته التي تخصّ دولة الاحتلال، وبينها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، لا تضيف جديداً إلى سياسات وإعلانات اعتمدتها إدارات سابقة، أو دورات للكونغرس؛ واستهوى ترامب وضعها موضع التنفيذ الفعلي، عبر أوامر إدارية، لأسباب شتى متباينة ذات صلة بالداخل الأمريكي وجمهور ناخبيه من الصهاينة المسيحيين تحديداً، أو تعود صلتها إلى دولة الاحتلال ذاتها وبعض ساستها من حلفاء ترامب ومناصريه. هو فارق جسيم مع ذلك، قد يقول قائل؛ ولكن أيّ تغيير فعلي أدخله الرئيس الأمريكي على سياسة بصدد الجولان بدأها سلفه جيرالد فورد سنة 1975، حين شدد على ضرورة بقاء دولة الاحتلال في مرتفعات الجولان حتى في حال توقيع اتفاقية سلام؟
ليس أقلّ إنصافاً لوقائع التاريخ التذكير بأنّ مشروع القرار حول إبقاء الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، والذي اقترحه على الكونغرس ثلاثة جمهوريين (تيد كروز، توم كوتن، ومايك غالاغر)؛ يبدو أكثر «صقورية» من إعلان ترامب نفسه؛ إذْ يعتبر المشروع أنه «في مصلحة أمن الولايات المتحدة القومي أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على مرتفعات الجولان»، وأنه «من غير الواقعي أن تتضمن اتفاقية سلام بين إسرائيل وسوريا انسحاباً إسرائيلياً من مرتفعات الجولان». في قراءة أخرى لروحية مشروع القرار في مجمله، تبدو أفكار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، ومقترحات الرئيس الأمريكي بيل كلنتون خلال لقائه مع الأسد الأب في جنيف أواخر آذار (مارس) 2000، ومثلها ما عرضه إيهود باراك، أو حتى بنيامين نتنياهو في أطوار لاحقة… تبدو «حمائمية» بالمقارنة مع اشتراطات الكونغرس!
هنا قد تكون استعادة جرعة من وقائع التاريخ مفيدة لترسيم طرائق تعاطي النظام السوري، ايام الأسد الأب تحديداً مع ملفّ الجولان المحتل:
ـ منذ عام 1973، وافق الأسد على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، الذي يعترف بأنّ دولة الاحتلال جزء لا يتجزأ من منطقة الشرق الأوسط ونظامها السياسي وخارطتها الجغرافية.
ـ وفي عام 1974، بعد توقيع «اتفاقية سعسع» وإقرار نظام الفصل بين القوات ونشر مراقبي الأمم المتحدة في الهضبة، سكتت المدافع تماماً وضمن النظام سلاماً تعاقدياً غير مبرم، لعله أفضل حتى من اتفاق موقّع.
ـ في عام 1976 اعتمد النظام قراراً أممياً يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، مقابل «ضمانات حول سيادة، ووحدة أراضي، واستقلال جميع الدول في المنطقة»، و«الإعتراف بحقّ هذه الدول في العيش بسلام داخل حدود آمنة معترف بها».
ـ في 1982 وافق النظام على ما سًمّي «مبادرة الملك فهد»، التي نصّت عملياً على الاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود.
ـ وفي عام 1991 أرسل النظام وفده إلى مؤتمر مدريد، بعد مشاركة في قوّات «حفر الباطن» وعمليات «عاصفة الصحراء».
ـ الوقائع اللاحقة لم تقتصر على اجتماعات واشنطن بين حكمت الشهابي ـ أمنون شاحاك، ثمّ وليد المعلم ــ إيتمار رابيتوفتش، وفاروق الشرع ـ إيهود باراك؛ بل، في الذروة، كان الأسد الأب قد أطلع عضو الكونغرس الأمريكي توم لانتوس على ما يعنيه بالسلام مع دولة الاحتلال: «إن مفهومي للسلام واضح، وحين أتحدث عن السلام الكامل فإنني أقصد السلام الطبيعي من النوع القائم اليوم بين 187 دولة في العالم».
وفي تلك الحقبة نقل مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» عن بدر الدين الشلاح، عميد رجال الأعمال السوريين وشيخ غرفة تجارة دمشق آنذاك، أنه قال بالحرف: «ليس في وسع المرء أن يقيم تجارة مع جيران له هو في حرب معهم. ولكن لك أن تتخيّل حجم المغانم حين يعقد السلام وتبدأ التجارة. نحن في عالم متبدّل انقلب فيه أعداء سابقون مثل ألمانيا وفرنسا الى أشقاء توائم في الاقتصاد على الأقل. فما الذي ينقصنا نحن والإسرائيليين لكي لا نكرر المثال ذاته وننقلب إلى أصدقاء وشركاء؟». ومَنْ يعرف طبيعة الحدّ الأدنى للمسموح والمحظور في علاقة المواطن السوري بالصحافة الغربية تلك الأيام، سوف يدرك دون عناء أن الشلاح لم يكن ينطق عن هوى. ومثله لم يكن عضو الكنيست عبد الوهاب الدراوشة يتصرّف من دون ضوء أخضر ساطع، حين سرّب أنباء ترتيبات لعقد «قمّة روحية» في دمشق؛ تجمع مفتي سوريا آنذاك الشيخ أحمد كفتارو، ويسرائيل لاو كبير حاخامات إسرائيل، بحضور الحاخامات إلياهو بكشي، عوفاديا يوسف (الزعيم السابق لحركة «شاس») ويوسف جيجاتي (حاخام اليهود السوريين).
قواعد الأسد الأب في ملفّ السلام مع دولة الاحتلال نهضت على ثلاث ضرورات (ليس في عدادها ما يُشاع من أنه سعى إلى ردّ إهانة فقدان الجولان على يديه، وهو وزير دفاع النظام!): ضرورة إنجاز سلام ما، ضمن اشغال ترتيب التوريث وحفظ بيت السلطة؛ وضرورة تحقيق الاتساق بين مشاريع الانفتاح الاقتصادي، وغنائم السلام التي تجعل الانتقال مأموناً أكثر؛ وضرورة إخراج النظام من العزلة الإقليمية والدولية التي ظلت تربك معادلات التناغم بين الحركة الداخلية والحركة الخارجية. واستعجال النظام في التعاطي مع باراك كان قد نهض على هذه الاعتبارات أساساً، قبل أن يعرقله تباطؤ إسرائيلي هبط إلى درجاته الأدنى حين منح الأسد أولوية مطلقة لمواجهة مشكلات توريث بشار، خلال ما تبقى له من أسابيع بعد تدهور وضعه الصحي.
قواعد الأسد الابن لن تتغير جوهرياً، بين تقارير تحدثت عن لقاءات سرّية جمعت ماهر الأسد وإيتان بن تسور في العاصمة الأردنية عمّان، أواسط العام 2003؛ وتقارير أخرى أشارت إلى مباحثات بين رجل النظام إبراهيم سليمان مع ألون يائيل، برعاية سويسرية؛ وصولاً، بالطبع، إلى الرعاية التركية لمحادثات سلام غير مباشرة. هذا في مستوى التفاوض والوساطات، وأمّا عسكرياً وعلى الأرض فقد سحب الأسد الابن معظم القوّات التي كان مسموحاً للنظام أن ينشرها بموجب اتفاقية الفصل، ونقلها إلى الداخل لكي توجّه نيرانها إلى تظاهرات الشعب السوري السلمية في حوران وريف دمشق وحمص ودير الزور وحلب…
ذلك كان أوج مسلسل متعاقب من جولات تسليم الجولان، بدأ مع أوامر وزير الدفاع، الأسد الأب، بالانسحاب من قطاعات واسعة في الجبهة قبل ساعات، ونهارات في بعض الأمثلة، من وصول جيش الاحتلال إليها. وليس إعلان ترامب، اليوم، سوى قطرة أفاضت إناء تفريط واصل آل الأسد ملأه طوال نصف قرن ونيف.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
صنارة حافظ الأسد ونبيذ الجولان/ صبحي حديدي
أعداد المستوطنين الإسرائيليين في الجولان المحتل تجاوزت أعداد سكانه السوريين، 26,000 مقابل 22,000؛ ومنشآت الاستيطان، العمرانية والاقتصادية والسياحية، بما في ذلك المنتجعات ومراكز التزلج، لم تعد تقبل أية مقارنة مع تمثيلات الوجود والبقاء والصمود الموازية لدى الجولانيين في البلدات الأربع، مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنيا. ويندر أنّ زائراً أجنبياً للهضبة المحتلة، حتى ذاك الذي لا يحمل تعاطفاً خاصاً مع دولة الاحتلال، يمكن أن يأتي إليها وفي منظوره العام أنها أرض سورية، بحكم القانون الدولي على الأقلّ.
ثمة ما يثير حسّ السخرية لديه، إذْ يتفرج ــ ضاحكاً ملء شدقيه، أغلب الظنّ ــ على تمثال من الصفيح أقامه المستوطنون أعلى تلّ يطلّ على بحيرة طبرية، يمثل حافظ الأسد وقد اصطاد سمكة؛ في إشارة إلى تأكيده، خلال اللقاء مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون في جنيف، آذار (مارس) 2000، أنه اعتاد اصطياد السمك على ضفاف البحيرة. وثمة ما يثير الفخار لدى الزائر إياه، حين تروي له التجهيزات السمعية في تلّ الفخّار «بطولات» لواء المشاة الإسرائيلي «غولاني» في احتلال الموقع؛ الحصين فعلاً، ويصعب للعقل أن يصدّق سقوطه عسكرياً، مقابل فرضية الانسحاب منه أو حتى تسليمه. وأمّا حين يبلغ الزائر ذلك الموقع (السياحي، بامتياز!) المطلّ على مرصد تلّ أبو الندى، فيبصر بطاح الجولان وسهوله ومعظم «كرتونة البيض» الفريدة هذه؛ فإنّ التماهي مع «القانون الدولي»، الذي بات العلامة الوحيدة على أنّ الأرض سورية ومحتلة، لا يتلاشى دون إبطاء، أو ينعدم تلقائياً، فحسب؛ بل يصبح أضحوكة… سوداء.
إذْ، بمعزل عن القرار الإسرائيلي بضمّ الجولان في سنة 1982، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليه، أيّ قانون دولي يمكن أن ينفع الانتهاك اليومي للكرامة الوطنية السورية في الجولان؟ وأية «سيادة» هذه التي يمكن للعالم أن يحتسبها لنظام شنّ الحروب الشعواء ضدّ الشعب السوري نفسه، وأوّلاً، في تسعة أعشار قرى وبلدات ومدن سوريا؟ وحين انتفض الشعب السوري من أجل الحرية ودولة الحقّ والقانون والعيش الكريم، سحب النظام القوّات التي سُمح له بالإبقاء عليها في الهضبة، فاستدارت لكي تقصف السوريين في بيوتهم ومدارسهم ومخابزهم ومشافيهم وأسواقهم.
وقد تكون واحدة من ذرى التبادل الودّي، بين النظام السوري ودولة الاحتلال، تلك التي تولى إدارتها الصحافي البريطاني الراحل باتريك سيل، صيف 1999؛ حين نقل على لسان الأسد الأب عبارة إعجاب بشخص رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك: «رجل صادق وقوي»؛ فردّ الأخير التحية، بأنّ الأسد هو الذي «أعطى الأمّة السورية صيغة وجودها الحالية». بيد أن صنارة الأسد اصطدمت عند باراك بمنتجعات الجولان، من جهة أولى؛ كما رجحت، من جهة ثانية، كفة التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية التي تقول إنّ أيام الأسد الأب باتت معدودة، ولا طائل وراء التعاطي معه قبل أن تتضح ملامح وريثه.
ولم يتأخر الوقت قبل أن تقرّر دولة الاحتلال (عبر حكومات متعاقبة، وفي مناسبات لاحقة مختلفة لعلّ أبرزها كانت مسوّدة المشاورات التي جرت برعاية أطراف أوروبية وتركية، خلال الفترة بين أيلول (سبتمبر) 2004 وتموز (يوليو) 2006، وانتهت إلى اعتماد «وثيقة» تفاهم مفصّلة للغاية)؛ أنّ هواجس الأسد الابن تتركز في مسائل أخرى كثيرة، ذات صلة بحفظ بقاء النظام جوهرياً، ولا مكان على مكتبه لأيّ ملفّ يحمل عنوان الجولان. فأيّ مسؤول إسرائيلي أحمق يمكن أن يجازف بإغلاق معامل النبيذ ومزارع التماسيح وبساتين الموز والمراكز السياحية وينابيع المياه في أكثر من 30 مستوطنة، ثمّ تقديم «كرتونة البيض» الثمينة هدية مجانية إلى نظام متهالك وفاشل ورهينة إيران وروسيا، على رأسه سفّاح كيميائي وقاتل أطفال؟
القدس العربي
الموالي عندما يضجر من نفسه/ عمر قدور
بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بسيادة إسرائيل على الجولان، سعت الأجهزة الأسدية إلى تكرار تمثيلية الرفض الشعبي للقرار، وسيق الموظفون وطلاب المدارس إلى الساحات، لتكون الحصيلة أقرب إلى المهزلة من إظهار الحد الأدنى من الغضب. من المتوقع أن تكرر الأجهزة ذاتها التمثيلية بغرض إتقانها، بخاصة مع حلول مناسبة عيد جلاء الفرنسيين عن سوريا، لكن ذلك سيتطلب منها استنفاراً أشدّ لحشد عدد كافٍ لتصويره وتضخيمه، واستنفاراً لضبط الحشد كي لا ينحرف عن النص المعدّ مسبقاً.
لنعترف أن صورة الأسدي اللامبالي إزاء القرار الأمريكي مفاجئة بعض الشيء، فنموذجه لدى أسياد الأسدية هو ذلك النموذج البافلوفي الذي يُتوقع منه النباح عند ذكر إسرائيل، والمقصود هنا نظرية بافلوف المعروفة بـ”الفعل المنعكس الشرطي” لا استخدام التشبيه على محمل الإهانة. وإذا توخينا الدقة، نستطيع القول أن الأسدي خالف أيضاً توقعات الكثير من المعارضين، عندما لم يتلبس الدور المرسوم له من قيادته، وعندما لم ينتهز الفرصة التي منحها إياه القرار الأمريكي كي يجعجع بوطنية مزعومة وإن تكن مستهلكة منذ زمن طويل.
أن يعقد كبارٌ حلقات الدبكة في وقفة يُفترض بها الرصانة على أقل تقدير، وأن يغني طلاب المدارس أغنية عاطفية مبتذلة بدل الأناشيد الوطنية؛ هذه مؤشرات غير بريئة مما حدث منذ انطلاق الثورة، ولا يقلل منها “بل يدعمها” ما شاهدناه غداة استخدام الكيماوي في قصف الغوطة وذهاب فنانات وفنانين إلى المواقع التي يُشتبه في إطلاقها الصواريخ المحملة بالكيماوي كي يحموها بصدورهم العارية بحسب تصريحاتهم. كما نعلم لم يكن القصف الأمريكي المتوقع كعقوبة على استخدام الكيماوي سوى كذبة ويعرف أصحاب الصدور العارية ذلك، لذا كانوا يعقدون حفلات السمر غير مبالين في جبل قاسيون، مثلما يعلم الذي أُخرجوا للاحتجاج على القرار الأمريكي أن الأمر برمته تمثيلية لن يأخذها أحد على محمل الجد، لذا لا بأس في تمضيتها بنوع من المرح واللهو.
خلال ثماني سنوات ظهر إلى العلن الخطاب الأسدي الذي ينص على أن إسرائيل الموالي هم أولئك الثائرين على الأسد، الإصرار على هذا الخطاب ليس بلا أثر، وليس وحده ما يجعل الأسدي الموالي المجبر على الاحتجاج يخرج عن النص. علينا لتفسير ذلك استرجاع عقود من استخدام العداء لإسرائيل كمجاز للاحتفاظ بالسلطة، وطوال تلك العقود كان يندر بين السوريين من يصدّق كذبة المقاومة ومن ثم الممانعة، بمن فيهم “بالأحرى على رأسهم” قادة الأسدية الذين يدركون أكثر من غيرهم ماهية الاستثمار وفوائده.
طوال عقود نزل المجاز إلى أرض الواقع فقط باتهام سوريين آخرين بأنهم عملاء إسرائيل، وإبادتهم بهذه التهمة. بمعنى آخر، أصبحت الكناية مكشوفة جداً، وفي غالب الأحيان لم يعد من ضرورة لها سوى الاستهلاك الإعلامي. هي واقعية بمعنى أن يرى الأسدي سورياً آخر كإسرائيلي تجب إبادته، وهي من جهة أخرى غير واقعية بسبب عدم وجود أدنى نية لقتال إسرائيل. شرط المجاز هنا أن يعبّر عن معنى مغاير تماماً، وكلما ابتعدت الدلالة عن المعنى الأصلي تصبح أكثر صدقاً، بحيث تبدو محاولة مناسبة إعادتها إلى الأصل هزلية.
ثمة عامل آخر يمنع تفاعل الأسدي جدياً مع محاولة استنهاض ذلك المعنى القديم، هو انخراطه منذ ثماني سنوات في التواطؤ على الدلالة الفعلية، ودماء التواطؤ لم تجف بعد. إنه الآن يرى نفسه شريكاً لا موضوعاً للتواطؤ، ويرى في الهمروجة الحالية حول الجولان استغفالاً له ينزل به من مرتبة الشريك؛ هو كمن يقول لقادة الأسدية بحسب مثل قديم دارج: لقد دفناه معاً.
يعلم الأسدي، وسواه من الذين بقوا تحت سيطرة الأسد، أن استخدام العداء لإسرائيل كمبرر لإبادة سوريين آخرين قد انتهى مع تمكينه من البقاء. هم الآن عن وعي يرفضون إعادة تدوير المجاز على النحو القديم، أي للتغطية على أزماتهم وخسائرهم، لأنهم عن وعي “أكثر مما كان قبل الثورة” يدركون فداحة ما سيحدث لهم تحت شعار مقاومة إسرائيل. التعبير عن عدم الاكتراث إزاء القرار الأمريكي الخاص بالجولان يستبطن ما سبق بتحويل الاحتجاج إلى مهزلة، وإظهار الأمر على حقيقته تماماً.
الدرس الآخر، الذي لا يُستبعد أن يكون الموالون قد تعلموه، هو أن استثمار المسائل الوطنية على هذا النحو كان دائماً سمة الأنظمة الفاشية، وكان يُقصد به دائماً التلطي وراء الوطنية في الحرب على مفهوم المواطنة. كما شهد الموالي للتو، لم يجلب له تخوين سوريين آخرين وإبادتهم “بمشاركته أو تشجيعه أو صمته” حقوقاً مكتسبة كمواطن، ولم يحصل على أدنى درجات الاعتراف به على هذا الأساس رغم الثمن الباهظ الذي دفعه. الأسوأ من ذلك أن قادة الأسدية لا يحترمون عقله ولا كرامته تالياً، ويريدون منه تصديق الكذبة ذاتها المرة تلو الأخرى.
ربما نخطئ قليلاً عندما لا نرى الأسدي خارج الجمود العقلي والابتذال، إذ لا يخلو مقلب الموالاة من الذين ضجروا من ابتذال الأسدية، وضجروا من صورتهم فيها. هؤلاء لا تحركهم بالتأكيد دوافع مشابهة للذين آمنوا بالثورة، لكنهم أيضاً ليسوا فقط على الصورة المتخيَّلة للموالي المُستلب دائماً وأبداً. البعض منهم يدرك انقضاء زمن الأسدية بأدواتها المعروفة، ويتمنى صادقاً إصلاحها، بينما البعض الأكثر إدراكاً متأكد من عبث المراهنة على إصلاحها. لذا من المتوقع أن نشهد مزيداً من المهازل، وسيكون قوامها سلطة عاجزة عن تطوير أدواتها وجمهور عاجز عن استئناف الدور المرسوم له، حتى إذا كان قد أدّاه من قبل بإخلاص وحماس.
هذه المهازل المتكررة تشير إلى ما يخالف ظناً قديماً لا يزال شائعاً، مفاده أن إسرائيل تقدم خدمة للأسد أمام مواليه، سواء عندما تقصف مواقع له أو عندما تعيد قضية الجولان إلى الواجهة. إذا كان موالو الأسد قد تجاوزا تلك المناورات فمن باب أولى أن تكون إسرائيل قد تجاوزتها، في انتظار أن تفقد مكانتها الأثيرة كأداة لتحليل العلاقة بين جماعة الممانعة وإسرائيل.
المدن
نظرة من الداخل الجولاني/ آرام أبو صالح
عاد الجولان السوري المحتل منذ عام 1967 بقوة إلى عناوين الإعلام والصحافة العربية والعالمية، وذلك بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية عليه في الخامس والعشرين من آذار الماضي، بحضور بنيامين نتنياهو. ولكن، ما الذي يحدث فعلياً بالتوازي مع ذلك في الساحة الداخلية للقرى السورية في الهضبة المحتلة؟
يعيش في أقصى شمال الجولان المحتل اليوم نحو 26 ألف سوريّ وسوريّة، يقطنون في خمس قرى، أكبرها مجدل شمس، وقد كان العام الأخير بالنسبة لسوريي الجولان مليئاً بالتحديات بالمقارنة مع الأعوام القليلة التي سبقته، إذ تصاعدت محاولات سلطات الاحتلال لاستغلال المأساة السورية وتأثر الجولانيين بها، من أجل تمرير ضمّ الجولان «إلى الأبد» كما يقول نتنياهو، ووصلت إلى قمة جديدة تجلّت في أمرين؛ أولهما إجراء انتخابات مجالس إدارية إسرائيلية، والثاني هو مشروع مراوح الطاقة البديلة الذي يسعى الاحتلال إلى إنجازه.
أعلنت سلطات الاحتلال العام الماضي عن إجراء انتخابات إدارية إسرائيلية، وذلك للمرة الأولى، وهو ما يعتبر انتهاكاً كبيراً للوضع القائم الذي فرضه الجولانيين على الاحتلال عام 1982 عبر الإضراب الكبير، إذ تُمهّد هذه الانتخابات لفكرة الانخراط في المجتمع الإسرائيلي، والتطبيع مع وجود الاحتلال ومؤسساته الإدارية الاستعمارية.
أدّى فرضُ هذه الانتخابات، والإحساس بالتهديد الوجوديّ الذي رافقها، إلى استفاقة الحراك الشعبي السوري من السبات الذي طغى عليه بعد الثورة السورية عام 2011، والناتج عن احتكار مؤيدي نظام الأسد للساحة العامة في الجولان (رغم كونهم قلّة)، وذلك عن طريق العنف والتّهديد.
تم التصدي لهذه «الانتخابات» بالطرق السلمية كالاعتصام والاحتجاج، وهو ما أدّى لإفشالها بنجاح مبهر، تجلّى في مظاهرة كبيرة ضمّت الآلاف في أبناء مجدل شمس، وتم قمعها بوحشية من قبل جيش الاحتلال، إذ تم إطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين السلميين ما أدى لعشرات الإصابات، بالإضافة إلى عشرات الاعتقالات.
لم يكن هذا النجاح متوقعاً، لكنه كان حدثاً سعيداً، فبعد سنين من الركود وفقدان الأمل، استطاع الجولانيون تحقيق إنجاز مهم في مواجهة الاحتلال، هو إلغاء هذه الانتخابات، إذ بنتيجة الرفض الشعبي للمشاركة فيها، أعلن أغلبية المرشحين انسحابهم، واضطرت سلطات الاحتلال الى تعيين رؤساء لهذه المجالس بنفسها كما كان يحدث سابقاً، وهو ما يترك هؤلاء الرؤساء فاقدين لأي شرعية شعبية وسياسية كما هي العادة.
لكن أكثر ما يلفت النظر في هذه الحركة، كان ولادة الحراك الشبابي الجولاني من جديد، الذي فرض على الجميع بعد جولات من النقاشات والمفاوضات، عدم رفع أي صور للمجرم بشار الأسد، وعدم استعمال أي هتافات تحمل تأييداً لنظام الأسد، في الاعتصامات ضد الاحتلال، مع الالتزام برفع العلم السوري الرسمي فقط كحلّ وسط بين الآراء المتناقضة1. لقد قاد الحراكُ الشبابي النشاطات في خيم الاعتصام في ساحات القرى، ونجح في استعادة هذه الساحات من أيادي أنصار النظام، و«حررها» مؤقتاً من صور المجرم بشار الأسد وغيره من المجرمين.
أما بالنسبة لمشروع المراوح، فهو عبارة عن خطة لبناء عشرات المراوح من أجل توليد الطاقة البديلة عن طريق الرياح، وذلك في منطقتي رعبنا وسحيتا على أراضٍ زراعية يملكها مزارعون من قريتي مجدل شمس ومسعدة. تُقدّر كلفة المشروع بحوالي مليار شيكل، ويُفترض أن يتم تنفيذه من قبل شركة «أنرجيكس» الإسرائيلية.
لهذا المشروع تأثيرٌ خطير جداً على البيئة والطبيعة والصحة والسياحة والاقتصاد في الجولان المحتل، وتم تداوله ونقاشه من كل النواحي على مدار وقت طويل في اجتماعات عامة في جميع القرى، وانتهت هذه النقاشات إلى اتخاذ موقف الرفض لهذا المشروع. ومؤخّراً قام الجولانيون بتأسيس «الحملة الشعبية للتصدي لمشروع المراوح في الجولان المحتل»، التي تضم هيئات ومجموعات وأفراد معنيين بالأمر، كجمعيات الريّ الثمانية عشرة الفاعلة في الجولان ومزارعيها، وأخصائيين في القانون وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى المهندسين والمعنيين بالصحة والسياحة والأكاديميين ونشطاء وناشطات المجتمع المدني.
وثمة رابط يجمع هذا المشروع بالاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان المحتلّ في رأيي، لأنه لا يمكن فصله عن التصعيدات التي جاءت قبله في السنة الأخيرة بشكل خاص، والتي تُوّجت أخيراً بالاعتراف الأميركي. كما لا يمكن فصل الاعتراف، والتصعيدات في السنة الأخيرة، عن تاريخ الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، وطرق عمله، إذ تعتاش إسرائيل على موارد الجولان الطبيعية، وهو ما يتجلى عبر استيلاء المستوطنين على مساحة 100 ألف دونم من الأراضي الزراعية السورية، تستغلها مستوطناتهم المقامة على أنقاض القرى السورية المهجّرة منذ عام 1967 للزراعة. وتمت مصادرة ما تبقى من الأرض تم بحجة أنها من «أملاك الغائبين»2، وتمت إقامة محميات طبيعية ومناطق عسكرية مغلقة لتدريب جيش الاحتلال عليها. وبعد حساب، نرى أن سوريي الجولان الباقين في القرى الخمسة يملكون اليوم فعليّاً فقط 5% من أرض الجولان السوري المحتل.
تعمل إسرائيل بصفتها استعماراً استيطانيّاً، على مبدأ الإبادة بهدف الاستبدال، بحيث تحتل الأراضي بالقوة، تهجر أهلها وتصادرها، وبعدها تبني فوقها المستوطنات والمشاريع الصهيونية الاقتصادية والسياحية، وبهذا تمحي تاريخ المكان وتغيّره، محاولة تحويله إلى «إسرائيلي» منذ الأزل3. ويبدو واضحاً أن مشروع المراوح الجديد هذا هو تجسيد لهذه الآليّة الاستعماريّة، وتجسيدٌ لمزاعم ضمّ الجولان. وفي هذه الأيام، تشرع الحملة الشعبية بخطوات الاحتجاج ضده، التي من المرجح أن تتطوّر إلى حد تجدّد الاشتباك المباشر بين الجولانيين والاحتلال مرة أخرى.
أمّا بالنسبة لاعتراف ترامب، فلا نعلم بعد بشكل دقيق ما هو تأثيره الفعليّ والمباشر على أرض الواقع في الجولان، فالاحتلال يعمل بشكل بطيء ومتروٍ وخفيّ، أمّا ما نراه من جانبه حالياً فهو انتشار أوسع لجيشه في قرى الجولان ومحيطها، إعلاناً عن تأهّبه لمواجهة أيّ احتجاج شعبيّ. لكن ما نستطيع أن نكون واثقين منه حتى الآن، هو أن هذا الاعتراف سيفتح الأبواب للاستعمار عن طريق الاقتصاد، المتجسد حالياً بمشروع المرواح، الذي كانت السلطات مترددة بعض الشيء في إقامته بسبب الحملة الشعبية ضدّه، إذ أن الاعتراف سيعطي دفعةً لتصعيد كبير في الاحتلال الاقتصادي الرأسمالي، لأن الشركات الأميركية باتت تستطيع بناء مشاريع مختلفة في أرض الجولان، دون أن «تخرق القانون الأميركي».
تتنوع ردّات الفعل الجولانية المحلية على الاعتراف الأميركي بين اللامبالاة وبين الخوف والهلع، ولكن لا شك في أن الشعور بالتهديد الوجودي بات أكبر من ذي قبل، لا سيما في السنة الأخيرة. وقد نفذّت الزعامات «التقليديّة» متمثّلة بالشيوخ4، تظاهرة يوم الثلاثين من آذار في قرية بقعاثا، رُفع فيها علم النظام وأعلام الطائفة الدرزية، إضافة إلى لافتات ترفض الاعتراف وتؤكد على سوريّة الجولان. أما في مجدل شمس، فقد قام بعض النشطاء المؤيدين لنظام الأسد بالدعوة لاعتصام ضد الاعتراف الأميركي، حضر فيه عددٌ قليلٌ جداً من الناس. وعلى خلاف الحراك ضد الانتخابات، الذي حضر في مظاهراته الآلاف من الجولانيين والجولانيات، ولا سيما من الشّباب، فإن هذه التظاهرات التي تُقيمها الهيئة الدينية أو المؤيدون للأسد لا تلقى اقبالاً، ونكاد لا نرى فيها شاباً أو شابّة واحد\ة. على سبيل المثال، فإن الحراك الشبابي في الجولان المحتل لم يشارك أو يتعامل أو يدعو للمشاركة في أي من هذه التظاهرات.
على ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الأغلبية العظمى من أبناء وبنات الجولان المحتل قد ضاقوا باحتلال الأقليّة المؤيدة للنظام للساحات العامة، وسئموا خطاباتهم ووجودهم وما يمثّلونه، واحتكارهم للموقف السياسيّ والأفكار، وهو ما بدا واضحاً في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيّام الأخيرة.
ربّما آن الأوان، أخيراً، لأن تقوم الأغلبيّة الصامتة، والشباب الجولاني الذي يبحث عن وطن حرّ وديمقراطي ينتمي إليه وليس عن تماثيل دكتاتور مجرم يعبدها، باستعادة الساحة والحيّز العام، فمن المستحيل أن يكون هناك أي موقف جماعي أو احتجاج شعبي موحد تُرفع فيه صور المجرمين وتُلقى فيه الخطابات المهترئة الكاذبة. هذا ما يعيه الحراك الشبابي الجديد جيداً، وهذا ما يهدف إليه.
«ما في للأبد» هو شعار يتجسد حيّاً في الجولان المحتل، في مواجهة الاحتلال الصهيوني والأسد معاً، وها نحن نشهد نسخة أخرى من شعار «رح يقع»، في مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قنيا.
موقع الحمهورية
تحليل: 10 دلالات في «واقعية» تغريدة الجولان/ إبراهيم حميدي
تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاعتراف بـ«السيادة الإسرائيلية الكاملة» على الجولان السوري المحتل، تضمنت الكثير من الدلالات المتعلقة بالسياسة الأميركية والقانون الدولي ودور الأمم المتحدة المتعارف عليها خلال العقود الماضية.
رغم صدور ردود فعل عربية ودولية رافضة للإعلان، فإن ردود الفعل السورية والعربية والدولية رسميا وشعبياً كانت خجولة قد يكون بعضها مرتبطا بانتظار مضمون القرار النهائي الذي سيصدر في واشنطن سواء لجهة الطرف الذي سيصدره وما إذا كان بيانا سياسيا من الرئيس ترمب أو قانونا في الكونغرس. لكن يمكن الحديث عن 10 دلالات سياسية وقانونية:
أولا، القانون الدولي: تتجاوز تغريدة ترمب مبدأ أساسيا في ميثاق الأمم المتحدة الذي يقوم على «عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة»، إضافة إلى مبدأ آخر برز بعد الحرب العالمية الأولى بـ«عدم جواز تغيير الحدود بين الدول» إلا بموجب اتفاق بين الدول المعنية.
ثانياً، مرجعية عملية السلام: شكل القرار 242 مرجعية رئيسية لمفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية بمراحلها المختلفة بعد حرب العام 1967. ونص البند الأول فيه على تأكيد مجلس الأمن «عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب. والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة» وضرورة «انسحاب القوات المسلحة من أراض (الأراضي) التي احتلتها في النزاع» في إشارة إلى «نكسة» يونيو (حزيران) 1967.
ثالثاً، قرار الضم: في 14 ديسمبر (كانون الأول) 1981 أقر الكنيست «قانون الجولان» بـ«فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على الجولان»، الأمر الذي رفضه مجلس الأمن في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1981. وتتبنى الجمعية العامة سنوياً قراراً «حول الجولان السوري المحتل يؤكد عدم شرعية الاحتلال وضرورة الانسحاب الإسرائيلي منه حتى خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وفقا للقرارين 242 و338».
رابعاً، الراعي الأميركي: منذ انطلاق مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر (تشرين الأول) 1991 رعت أميركا مفاوضات السلام السورية – الإسرائيلية بتعاقب الإدارات الأميركية حتى بداية العام 2011. لكن القرار إذا اتخذ ينقل واشنطن من دور «الوسيط» أو «الراعي» إلى الطرف المنحاز لموقف إسرائيل ما يعقد أو يغلق الباب أمام عودة أميركا إلى لعب هذا الدور خصوصاً إذا صدر الموقف الأميركي بقانون من الكونغرس ما يجعله ملزماً لأي إدارة. كما أنه يعقد إمكانية قيام واشنطن برعاية مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية. وقال المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف بأن موقف أميركا «يقوض احتمالات التسوية ومبدأ الأرض مقابل السلام».
خامساً، إرث المفاوضات: خلال عقود من المفاوضات السورية – الإسرائيلية نجحت دمشق بالحصول على اعتراف إسرائيلي بالاستعداد لـ«الانسحاب الكامل» من الجولان ووصل الحد إلى ترسيم «خط 4 حزيران» مكان وجود القوات قبل حرب الـ1967 وإجراءات الأمن وترتيبات الحدود.
سادساً، ملف أمني: تحول ملف الجولان من سياسي يتعلق بالانسحاب مقابل السلام إلى ملف أمني يهيمن عليه «اتفاق فك الاشتباك» للعام 1974 الذي تنفذه «القوات الدولية لفك الاشتباك» (اندوف). وبعد قمة ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي في منتصف يوليو (تموز) الماضي وحديثهما عن «ضمان أمن إسرائيل»، أعيد العمل بقوات «اندوف» برعاية روسية في الجولان. أثار هذا تساؤلات حول حصول تفاهمات حول الجولان والقرم بين موسكو وواشنطن.
سابعاً، سيادة القرم: قبل أيام في الذكرى السنوية لضم روسيا للقرم، جدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو القول بأن القرم «منطقة أوكرانية وهي تحت الاحتلال الروسي». وقال في بيان: «الولايات المتحدة تجدد موقفها الثابت بأن القرم أوكرانية ويجب أن تعود إلى سلطة أوكرانيا». وجدد بومبيو رفض بلاده ادعاء موسكو بسيادة روسيا على القرم. لكن اتخاذ واشنطن قرارا بقبول «سيادة إسرائيل على الجولان» سيجعل المطالب الأميركية إزاء القرم والعقوبات موضع تساؤل وتعقيد.
ثامناً، سابقتان دوليتان: يعتقد خبراء في القانون الدولي، باحتمال قيام الصين بخطوة مشابهة في بحر الصين الجنوبي بعد سابقتي القرم والجولان القائمتين على تجاوز مبدأ أساسي منذ عقود بـ«عدم قبول جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة». وقال أستاذ في القانون الدولي بأن هذا قد يفتح الباب للسير باتجاه قواعد جديدة للعلاقات الدولية والوصول إلى نظام عالمي جديد مختلف عن الذي نعرفه منذ الحرب العالمية الثانية.
تاسعاً، طموحات تركية: بموجب اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا جرى تطبيق اتفاق «خفض التصعيد» منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. كما أدى تفاهم بين موسكو وأنقرة إلى إقامة منطقتي «درع الفرات» و«غضن الزيتون» شمال سوريا. الخطوتان الروسية والأميركية، في حال إعلان الأخيرة رسميا، تشجعان أنقرة على تثبيت وجودها العسكري في نقاط المراقبة الـ12 و«غصن الزيتون» و«درع الفرات». كانت تركيا حصلت بتفاهم مع فرنسا الانتدابية على سوريا على إجراء استفتاء في لواء إسكندرون في 1939 أدى إلى ضم المنطقة وباتت تسمى «هاتاي».
عاشرا، مطالب كردية: تزامنت تغريدة ترمب مع قرب إعلان النصر الكامل على «داعش» شرق سوريا. وبالتزامن مع الاحتفال بالقضاء على آخر جيوب التنظيم، طالبت «الإدارة الكردية» التي تسيطر على ثلث مساحة سوريا (البالغة 185 ألف كيلومتر مربع) وتحظى بغطاء جوي من التحالف الدولي ودعم بري من أميركا، الحكومة السورية بـ«الاعتراف» وبدء حوار لقبول الإدارة الذاتية وهي أوسع من الإدارات المحلية أو اللامركزية.
في المقابل، اختصر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، موقف ادارته، قائلا إن تصريحات ترمب حول الجولان تعكس الواقع وتزيد من فرصة الاستقرار في الشرق الأوسط. وأضاف لـ«سكاي نيوز عربية»: «ما فعله الرئيس بشأن هضبة الجولان هو إدراك الواقع على الأرض}.
التعليقات
الشرق الأوسط
ترامب على خطى الأسد/ عمر قدور
تغريدة ترامب على تويتر، التي تمهد لاعتراف أمريكي رسمي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ربما تعكس حاجة نتنياهو إلى دعم انتخابي اليوم، وحاجة ترامب إلى دعم من التيار اليهودي المتشدد في أمريكا. ما هو ظرفي ينبغي ألا يحجب أنها اللحظة المناسبة لاعتراف واشنطن بقرار تل أبيب ضم الجولان، فالأخيرة كانت قد سلّفت بشار الأسد موقفاً داعماً لبقائه، والثمن الذي تقبضه رمزياً من واشنطن ليس بلا أثر قانوني أو فعلي كما تتضمن ردود الأفعال المنددة بالتوجه الأمريكي.
كما هو معلوم، كان حق الفيتو اختراعاً أمريكياً كي تتمكن الإدارة من عرقلة أي قرار دولي لا يتفق مع القوانين الأمريكية التي ينبغي ألا يُعلى عليها، وإذا تحولت تغريدة ترامب إلى قرار رسمي فإن واشنطن ستستخدم تلقائياً حق الفيتو لصالح إسرائيل في أي قرار يخص السيادة على الجولان، وستعتبر أية مطالبة سورية به نوعاً من الاعتداء على السيادة الإسرائيلية. القرارات الدولية القديمة لن يكون لها قيمة بعد الانسحاب منها، وقد شهد الفلسطينيون من قبل كيف نُسخ قرار التقسيم 181 لصالح القرار 242 الذي ينص فقط على الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، فضلاً عن اعتماد واشنطن النص الإنكليزي للقرار الذي يعتمد تعبير “أراضٍ محتلة” بدل “الأراضي المحتلة”.
في الشكل فقط، يبدو ترامب كأنه يقدّم هدية أخرى لنتنياهو بعد قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أما في المضمون الواقعي فهو يقدّم غطاء للهدية التي سبق أن تلقتها إسرائيل من الأسدين ثلاث مرات من قبل. الإضاءة على التاريخ الأسدي في التعاطي مع قضية الجولان لا يرمي إلى تخوين الأسدين، أو اتهامهما بالتفريط في مسألة وطنية، فما ارتكباه في حق الشعب السوري يفوق من حيث الوحشية تهمةً من ذلك القبيل.
يعرف الجيل الذي عاصر هزيمة الخامس من حزيران 1967 أن وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد أصدر أمراً بانسحاب الجيش السوري قبل تقدم القوات الإسرائيلية، ورغم تفوقها في العتاد والذخيرة إلا أنها على الأرجح تقدّمت بناء على ذلك الكرم أكثر مما كان مخططاً لها في الأصل، يدل على ذلك العديد من التصريحات الإسرائيلية التي عكست الإحساس بسهولة الانتصار وحجمه غير المتوقعين. لاحقاً سيربط بعض السوريين بين أوامر حافظ الأسد بالانسحاب وصعوده إلى السلطة، إلا أنها أقاويل ما لم تنكشف وثائق تثبتها، الأكيد أن قرار الانسحاب لا يعكس غيرة على أرواح الجيش السوري لأن هذه الغيرة لم تظهر في أية مناسبة أخرى، ولا على أرواح المدنيين الذين سارع قسم منهم إلى الهرب بعد رؤيته هرب القوات التي يُفترض بها أن تحميه.
إثر حرب تشرين 1973 ظهرت تل أبيب كأنها ترد التحية، عندما وافقت على إعادة مدينة القنيطرة ضمن مفاوضات الهدنة. بعد استيعاب مفاجأة مبادرة الجيشين المصري والسوري كانت القوات الإسرائيلية قد استردت ما خسرته، وما لا يعرفه سوريون كثر أنها كانت قد سيطرت على أراض سورية جديدة غير التي احتلتها عام 1967. إعادة القنيطرة أتت لحفظ ماء وجه الأسد الذي وقع اتفاقية فض الاشتباك، وضمنت تل أبيب منذ ذلك الوقت وجود قوات حفظ سلام دولية، أو ما كان يُسمى حالة اللاسلم واللاحرب.
الآن مضى تسعة عشر عاماً بالضبط على رفض الصفقة التي قدّمها الرئيس الأمريكي آنذاك كلينتون إلى حافظ الأسد، وكان يحمل عرضاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك يتضمن انسحاب قواته إلى الحدود الدولية بين الجانبين كما تنص عليها وثائق الانتدابين الإنكليزي والفرنسي. موضوعياً ومنطقياً، يصعب فهم رفض حافظ الأسد استعادة الجولان بموجب الحدود الدولية حيث أن حدود سوريا الأخرى مرسومة أيضاً منذ زمن الانتداب، ويُذكر أن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات قوبل بهجوم شديد من إعلام الأسد لأنه أشار إلى حق الفلسطينيين في حدود الرابع من حزيران التي يطالب بها الأسد. إجمالاً كانت كافة الظروف مساعدة لقبول العرض واسترجاع الجولان، مع التنويه بالتفوق الإسرائيلي الساحق الذي يضمن الاحتفاظ به إلى أجل غير مسمى، إلا أن حافظ الأسد أبى استرجاع الهدية التي سبق له تقديمها عندما كان وزيراً للدفاع، علماً أنه كرر دائماً منذ توقيع اتفاقية فض الاشتباك أن السلام هو خياره الاستراتيجي.
الهدية التي قدّمها الابن بشار ربما تفوق بأضعاف ما قدّمه الأب، فهو منذ اندلاع الثورة “وعبر حديث لابن خاله ومدير أعماله رامي مخلوف” قدّم نفسه ضامناً لأمن إسرائيل، أي ضامناً لأمنها وفق أماكن سيطرتها بما فيها الجولان. الهدية الأثمن التي قدّمها هي عبر تدمير سوريا، والأمر لا يتعلق بما هو شائع لجهة إضعاف البلد بحيث لن يقوى إطلاقاً على مقارعة إسرائيل، المسألة هي في تقديم النموذج الأكثر وحشية لأهالي الجولان الذين كان الاحتلال الإسرائيلي طوق نجاة لهم كي لا يلاقوا ما لاقاه سوريون آخرون في المقتلة، بمن فيهم أولئك الذين قُتلوا دفاعاً عن حكم العائلة. هذا الاعتبار يُضاف إلى أن أهالي الجولان، رغم كل الإجراءات الإسرائيلية التعسفية، لم يمروا بما يماثل الضغوط المعيشية التي تعرض لها أشقاؤهم في سوريا جراء النهب المنظم.
الهدية التي لا تقل أهمية تلقتها إسرائيل عندما تحولت لاعباً رئيسياً في سوريا وعلى نحو مكشوف، إذ منذ استجلب بشار التدخلات الخارجية لوأد الثورة أصبح التدخل الإسرائيلي مباحاً كباقي التدخلات. عبر اتهامه الثائرين عليه بالعمالة لإسرائيل، كان بشار يؤكد على أن إسرائيله هي في الداخل لا على الحدود، وليس من باب النكتة أو الشعور بالحرج تأكيده المتكرر على أن الرد على الضربات الإسرائيلية يكون باستهداف “عملائها” في الداخل، بقدر ما هو إصرار على تحديد العدو. لا شيء وفق ما أتى به بشار من قوى احتلال يمنع إسرائيل، لو اقتضت مصالحها، من المطالبة بالسيطرة على منطقة أمنية عازلة تُضاف لسيطرتها على الجولان، فقوتها ليست أقل شأناً من إيران أو تركيا على سبيل المثال، وهي على أية حال تفعل ما يشبه ذلك عندما تصر على إبعاد الإيرانيين إلى مسافة تراها ضرورية.
الحق أن تغريدة ترامب هي فصل جديد من فصول شغفه بالاستعراض، فهو يعيد تقديم الهدية متتبعاً خطى الأسدين ليس إلا، وربما يكون من مظاهر تهافت الأسدية أن يقطف “فضلها” هذا وينسبه لنفسه.
المدن
في المعاني المحتملة لتغريدة ترمب بشأن الجولان/ بكر صدقي
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تغريدة جديدة إنه “آن الأوان” للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على الجولان. لا يحتاج الأمر تأويلات من أي نوع، فكما اكتسبت أسرلة القدس شرعية أميركية قبل أشهر، سيكتسب ضم الجولان السوري إلى إسرائيل شرعية مماثلة على يد الرئيس الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة. التغريدة واضحة وصريحة. ما أريد التوقف عند تفسيره هو تعبير “آن الأوان” أو بصيغته المبتذلة المعروفة: “لماذا الآن؟”.
لا نستبعد أن يكون الجواب بسيطاً بقدر سطحية شخصية قائلها، كأن يعني بذلك أن وجوده في البيت الأبيض هو الفرصة المناسبة التي طال انتظار الإسرائيليين لها للقيام بهذه الخطوة، بعدما أحجم كل الرؤساء السابقين عنها، تماماً كإحجامهم المديد عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس. أو أن يكون المقصود هو بداية العد التنازلي نحو العام الانتخابي في الولايات المتحدة، وما يعنيه ذلك من حاجة ترمب لأصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ولكن لا بأس من محاولة ربط التوقيت بـ “اللحظة السورية” الراهنة، سواء قصدها ترمب أو لم يقصدها. ذلك أن قرارات من هذا النوع لا يمكن عزلها عن التطورات السورية المشؤومة.
تقول لنا اللحظة السورية الراهنة إن العام الحالي، 2019، وربما العام القادم كامتداد للحالي، يحتمل أن يشهدا تطورات كبيرة بشأن تقرير مصير “سوريا الأسد” ومستقبل الكيان السوري بصورة عامة. فمن الواضح أن التسوية وفقاً للرؤية الروسية دخلت في طريق مسدود، مؤشر ذلك غياب موضوع “الحل السياسي” من التداول في الآونة الأخيرة، لمصلحة السجالات والتكهنات بشأن
الانسحاب الأميركي من شرق الفرات وما قد يستتبعه من تداعيات أو تداعيات معاكسة إذا تراجع الأميركيون عن قرار الانسحاب كما يمكن الاستنتاج من تصريح جيمس جيفري الأخير بهذا الخصوص.
هناك خمس دول لديها وجود عسكري أو أنشطة عسكرية على الأراضي السورية، هي بالترتيب من حيث الأهمية: روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، إضافة إلى قوات رمزية تحت المظلة الأميركية لكل من فرنسا وبريطانيا. تأخر الحضور الأميركي في هذا الترتيب يعود إلى غموض أو تذبذب القرارات الأميركية، مما يمكن أن يشير إلى غياب استراتيجية واضحة متفق عليها بين البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية ووكالة المخابرات المركزية. مع ذلك هو حضور مربك لروسيا وتركيا يمنعهما من التقدم بثبات لتحقيق أهدافهما، مقابل تشجيعه لإسرائيل على مواصلة حربها بالمفرق على الوجود الإيراني في سوريا.
إضافة إلى موضوع ملء الفراغ الذي سيحدثه انسحاب أميركي محتمل، أو ما قد يترتب على بقاء القوات الأميركية أو قسم منها، هناك موضوع إدلب الموجود على رأس سلم أولويات التحالف الأسدي – الروسي – الإيراني، في حين تريد تركيا الحفاظ على الوضع القائم في تلك المنطقة كما هو لأطول فترة ممكنة قبل اضطرارها للتخلي عنها. وتشير كل المعطيات إلى أن تركيا لن تنال ما تصبو إليه من موافقة على اجتياح شرق الفرات، مقابل تخليها المحتمل عن إدلب، سواء انسحبت القوات الأميركية أو استمرت في البقاء. عفرين ومنبج مؤهلتان أكثر لبقاء الأولى وإضافة الثانية إلى مناطق النفوذ التركي. يمكن للروسي أن يقدم عفرين جائزة ترضية لتركيا مقابل تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، كما يمكن للأميركي أن يقدم لها منبج جائزة ترضية مقابل غض نظرها عن بقاء مناطق الإدارة الذاتية شرقي الفرات في يد “قوات سوريا الديموقراطية” و/أو تخليها عن شراء صواريخ s400 الروسية. فإضافة إلى اقتراح بوتين العودة إلى اتفاق أضنة، وموافقة أنقرة المبدئية على ذلك، يجري العمل حالياً على إعادة فتح خط غازي عنتاب – حلب التجاري. ومن جهة أخرى تضغط روسيا على تركيا من أجل الوفاء بالتزاماتها بشأن فتح الخطين الحيويين: حلب – دمشق، وحلب – اللاذقية. في حين يعلن الأميركيون بتواتر عن عدم تخليهم عن “قسد”، ويخصصون ملايين الدولارات لدعمها في ميزانية البنتاغون للعام القادم، على الرغم من الإعلان رسمياً عن القضاء على آخر معاقل داعش في الباغوز.
في هذه المعمعة من الصفقات المحتملة على جثة “سوريا الأسد” يكون قد “آن الأوان” فعلاً لتحديد الحصة الإسرائيلية من الكعكة. فلا يعقل أن يحصل الجميع على نصيبهم من الوليمة ويبقى الإسرائيلي المتعطش دائماً إلى مزيد من الأراضي بلا حصة، وخاصةً إذا نظرنا إلى سجلها “الغني” في تقديم خدماتها بسخاء إلى كل من الطغمة الأسدية وإدارة ترمب. فبعدما اقترحت على إدارة أوباما صفقة الكيماوي الشهيرة، فمدت بذلك في عمر النظام، ها هي تحارب إيران في سوريا بالنيابة عن الأميركيين. ولابد أن تنال شيئاً مقابل خدماتها، قد لا يقتصر على اعتراف أميركي بضمها للجولان. تقول أحدث الأخبار، مثلاً، إن الميليشيات الإيرانية
غادرت مطار دمشق. ولن نفاجأ إذا طالبت إسرائيل، على طاولة “الحل النهائي”، بمنطقة منزوعة السلاح تمتد حتى أطراف العاصمة دمشق. وبالنسبة لبشار فلا مشكلة لديه في ذلك ما دام يستطيع الإمساك بالميكروفون في دمشق.
إسرائيل وتركيا لديهما، إذن، مطالب محددة في جثة “سوريا الأسد” لا يستبعد أن تنالاها إذا تحقق التوافق الدولي بشأن إنهاء “المشكلة السورية” بطريقة ما. أما إيران المطلوب خروجها أميركياً وإسرائيلياً، ولا تجد سنداً موثوقاً في روسيا، فقد تضطر للاكتفاء بمناطق حدودية في القلمون يحتلها حزب الله، إضافة إلى استثماراتها العقارية في دمشق وأنحاء مختلفة في سوريا. أما الولايات المتحدة فهي قد تحصل لحلفائها الميدانيين (قسد) على وضع دستوري خاص في المناطق الواقعة شرقي نهر الفرات.
إنما بهذا المعنى من تقاسم جثة “سوريا الأسد” يمكن تأويل توقيت تغريدة ترمب وسبب عبارته “آن الأوان”. فهل يشهد العام الحالي فعلاً هذه النهاية اللائقة بالمجرم التافه الذي يحتل قصر المهاجرين؟ هل يشهد العام الحالي التوافق الدولي على تقرير مصير سوريا؟ وهل تكون تغريدة ترمب، في هذا الإطار، هي النهاية البائسة لقصة الجولان مع عائلة الأسد، تلك القصة التي بدأها وزير الدفاع حافظ الأسد في العام 1967 بالانسحاب المفاجئ أمام الجيش الإسرائيلي، مخلياً له الساحة ليتقدم؟
تلفزيون سوريا
مسؤولية نظام الأسد عن ضياع الجولان/ ماجد كيالي
كتب المحلل الإسرائيلي إيال زيسر، تعليقا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان جاء فيه “فقدت سوريا هضبة الجولان مرتين. الأولى في حزيران 1967 عندما كان حافظ الأسد، أبوبشار، وزيراً للدفاع. المرّة الثانية وقعت في آذار/مارس 2019. فحرب الإبادة التي أدارها بشار ضد أبناء شعبه، بمساعدة وثيقة من إيران وحزب الله، اللذين أصبحا أسياد الحاكم في دمشق، أدت بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الإعلان عن اعتراف أميركي قريب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان”.
الكلام المذكور يعيد التذكير بمسائل عديدة، أهمها أن النظام الحاكم في سوريا، منذ قرابة نصف قرن، هو المسؤول عن ضياع الجولان، وتالياً هو المسؤول عن هذا التحول في الموقف الأميركي، بحكم أنه أضعف شعبه وأضعف ذاته، لاسيما بفقدانه شرعيته إزاء شعبه، وأيضا بحكم غياب النظام العربي، وتغوّل إيران في سوريا، التي باتت في دائرة الاستهداف الأميركي، بعد أن تم استنفاذ الاستثمار في دورها في المشرق العربي، خاصة في العراق وسوريا، وهو الدور الذي أسهم في زعزعة الاستقرار الدولي والمجتمعي في تلك المنطقة، بما خدم الأجندة الإسرائيلية والأميركية، بحيث باتت إسرائيل أكثر أمنا من أي وقت مضى، ولعقود من الزمن.
أما في شأن التحول في الموقف الأميركي، بالنسبة لمكانة هضبة الجولان، فهو يأتي في ذات الإطار الحاصل في تعاطي الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، مع القضية الفلسطينية، والتي تتمثل، أولا في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل (2017) ونقل السفارة الأميركية إليها. ثانيا سعي الولايات المتحدة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال إخراج أحفاد وأولاد اللاجئين من هذا التعريف، ووقف تمويلها لمنظمة الأونروا. ثالثا تشريع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة كأمر واقع. رابعا سحب اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي وقّعت معها اتفاق أوسلو وإغلاق مكتبها في واشنطن. خامسا محاولة الولايات المتحدة فك الارتباط بين فكرة التطبيع وفكرة التسوية، أو بين مسار تطبيع العلاقات العربية ومسار تسوية حقوق الشعب الفلسطيني.
وما ينبغي قوله هنا إن الولايات المتحدة ما كان لها أن تتخلى، في كل ما ذكر، عن سياساتها الخارجية التقليدية، حتى الشكلية منها، لولا وجود معطيات مناسبة لها، يبرز من بينها ثلاثة عوامل مهمة، الأول انهيار النظام العربي، وتحوله إلى وحدات أو محاور تقف في مواجهة بعضها البعض، مع أفول مفهوم “الأمن القومي العربي”، وضياع مفهوم المصالح العربية المشتركة. والثانية، تزايد نفوذ إيران في المشرق العربي، وتهديدها دول الخليج العربي، علما أن كل ذلك ما كان ليحصل لولا السكوت الأميركي عن ذلك والإسرائيلي أيضا، إذ إن الولايات المتحدة هي التي سلمت العراق لإيران، وهي التي سكتت مع إسرائيل عن دخولها عسكريا إلى سوريا، بدليل أنها أضحت الآن فقط تطالبها بالخروج، بعد أن أنجزت مهمتها. والثالثة اختفاء ما كان يسمى الجبهة الشرقية، مع الانهيار الدولي والمجتمعي في العراق وسوريا، البلدين المركزيين عربيا ومشرقيا، وانهيار جيشي هذين البلدين، ناهيك عن تمزق بنيتهما المجتمعية واستنزاف مواردهما. وما ينبغي التأكيد عليه هنا أن الولايات المتحدة تكون في تلك التحولات قد قوضت الرهانات أو أطاحت بالأوهام، التي انبنت عليها كحليف موثوق أو كوسيط محايد أو كطرف نزيه في عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، وبانت على حقيقتها كحليف استراتيجي لإسرائيل.
وقد كانت إسرائيل دوما تتطلع لضم الجولان وهي التي بذلت جهودا دؤوبة منذ احتلالها لها عام 1967 في سبيل تحقيق هذا الغرض، سيما بعد فرضها القانون الإسرائيلي ليشمل الهضبة المحتلة عام 1981، التي يعيش فيها الآن حوالي 40 ألف مواطن سوري، في منطقة استراتيجية من الناحية العسكرية ومن ناحية ثروتها المائية.
يمكن أن نضيف إلى ذلك أن إسرائيل لا تدفع أي ثمن لاحتلال الهضبة، فهي أكثر جبهة هادئة بالنسبة لحدود إسرائيل مع الدول المجاورة، حتى أن عديد من المسؤولين الإسرائيليين يتفاخرون بأنه لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل من هضبة الجولان منذ حرب 1973. إذا كان هذا هو الوضع بالنسبة للنظام الحاكم، وهذا هو الوضع في العالم العربي، فما الذي لا يجعل الولايات المتحدة تقدم هذه الهدية لإسرائيل، حليفتها، ولنتنياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية؟ أو ما الذي يجعل إسرائيل تتخلّى عن تلك الهضبة الاستراتيجية؟
كاتب سياسي فلسطيني
العرب
الأسد الأب تخلى عن الجولان.. والابن عن سوريا كلها/ يوسف بزي
منذ التسعينات، أي عندما بدأ العالم يتعرّف على الإرهاب الذي تتبناه الحركات الإسلامية المتطرفة، ويتشابك النضال الفلسطيني معه، باتت قضية القدس والحق الفلسطيني بها موضع تساؤل وريبة في نظر العالم. فحمل الخمينية لراية القدس، وحمل تنظيم القاعدة وأخواته للراية نفسها، ونشوء حركات فلسطينية من النمط ذاته، تتبنى خطاباً من نوع “إزالة إسرائيل من الوجود”، بالإضافة إلى استحضار الحروب الصليبية وما شابه.. أفقد القضية الفلسطينية طابعها القومي – الوطني لصالح الطابع الديني، الذي لا يقبل بأقل من “القيامة” حلاً لمشاكل البشرية. وهذا لن يجد له تعاطفاً ولا تأييداً من أي جهة في الأرض.
قبل ذلك، وفي خطيئة مشابهة لتأييد مفتي فلسطين أمين الحسيني للنازية، تضامن الفلسطينيون مع أسوأ الرموز السياسية من أمثال معمر القذافي وصدام حسين.. ما أفقدهم أيضاً تفوقاً أخلاقياً تمنحهم إياه قضيتهم الوطنية المحقة. وفي أثناء “أوسلو”، قبله وبعده، نفذت تنظيمات فلسطينية سلسلة تفجيرات انتحارية في باصات وشوارع ومطاعم وساحات داخل إسرائيل.. نظر إليها العالم على أنها متصلة، مصدراً وغاية، بما يصيبه من إرهاب في مدنه. فاقترنت القضية الفلسطينية بأسوأ ما يصيب العالم، على الرغم من كونها واحدة من أنبل القضايا، كونها آخر قضية استعمار ظالم.
استغلت إسرائيل كل هذا، لترويج روايتها، بوصفها القلعة المتقدمة للدفاع عن “العالم المتمدن”. رواية تقول إن الفلسطينيين غير جديرين لا بتسليمهم القدس ولا بمنحهم دولة وحدوداً متاخمة لإسرائيل. وما ساعد السردية الإسرائيلية، أن الفلسطينيين أنفسهم، وحتى قبل اكتمال دولتهم الموعودة انخرطوا في “حرب أهلية” في غزة والضفة الغربية. فظهر الفلسطينيون وكأن هويتهم الوطنية غير مكتملة، أو أنهم شعب لم يكتب بعد عقده الاجتماعي – السياسي.
عندما جاء قرار ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم يواجه فعلياً أي متاعب. تماماً كما حدث عندما انقض أرييل شارون على اتفاق أوسلو وعلى مجمل “عملية السلام”
الانحياز إلى حقوقهم. فما بين الفشل التاريخي في بناء الدولة الوطنية، والديكتاتورية المتوحشة، والحروب الأهلية بطابعها الطائفي والمذهبي، تضاف إليها ممانعة راسخة للقيم المشتركة والمعولمة، وغياب أي نموذج سياسي وكياني يكفل حلاً للأقليات الإثنية والدينية، جعل من الصعب الركون لطروحاتهم في حل المسألتين اليهودية والفلسطينية.
على هذا، عندما جاء قرار ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم يواجه فعلياً أي متاعب. تماماً كما حدث عندما انقض أرييل شارون على اتفاق أوسلو وعلى مجمل “عملية السلام”، بعد الانتفاضة الفلسطينية المسلحة وسلسلة الهجمات العنيفة داخل أراضي 1948، ومن ثم مباشرته ببناء جدار الفصل العنصري الشهير.
الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، يرتكز على قناعة انعدام الأهلية العربية والفلسطينية، كما يستند إلى انتهاز بؤس الصورة العربية في العالم، التي يمكن إيجازها في مشهد “تنظيم الدولة الإسلامية” و”الدولة الأسدية”، وما يزين هذا المشهد من دويلات شبيهة، وحروب عدمية على كامل خريطتنا العربية، على نمط “الحوثيين” وشعارهم “الجذاب”: “الموت لإسرائيل، الموت لأميركا، اللعنة على اليهود والنصر للإسلام”. وأين؟ في معمعة بؤس قتال قبائل وعشائر وطوائف وعصبيات ثأرية، لا غور لها.
وبعد القدس، يأتي الآن دور الجولان المحتل. فقرار دونالد ترمب بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليه، لن يواجه عملياً سوى برفض لفظي على سوية رفع العتب. فالدولة السورية في عهد حافظ الأسد هي التي تخلت عملياً وبتعمد عن الجولان. كان الأسد الأب يعرف بيقين تام، أن العرض الوحيد المنطقي الذي يستطيع الإسرائيليون (والأميركيون، والعالم) تقديمه من أجل إبرام السلام، هو الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان إلى “الحدود الدولية”، أي الحدود المثبتة في وثائق الأمم المتحدة. إصرار الأسد على أن يكون ذاك الانسحاب إلى خط وقف إطلاق النار قبل حزيران 1967، وهو خط عسكري وليس “حدوداً”، عنى أمراً واحداً: رفض استعادة الجولان. لأن الأسد الأب كان يدرك أن ثمن الجولان هو سلام ينهي “شرعية” نظامه القائمة على الحرب، وضمناً، ينهي شرعية احتلاله للبنان آنذاك.
أوغل بشار الأسد بالمعادلة التي أرساها الأب: أي ثمن مقابل بقاء النظام. ولا ننسى أنه في بداية الثورة، خاطب أركان النظام إسرائيل برسالة بالغة الوضوح: بقاء النظام ضمانة لأمن دولتكم
حافظ الأسد. لقد تخلى عن إسكندرون (مساحة 4800 كلم مربع، أكبر من الجولان بأربع مرات) باتفاق مع الدولة التركية لعدم تهديد نظامه، إضافة إلى تكفّله السيطرة على الأكراد. كان الأسد الأب يريد من الأميركيين والإسرائيليين أموراً كثيرة مقابل الجولان، وطالما أنهم رفضوا منحه إياها، فقد رفض الصفقة الخاسرة بالنسبة له: الجولان مقابل السلام.
سهولة تثبيت ضم الجولان إلى السيادة الإسرائيلية، متأتية الآن من أن لا وجود لسوريا (عطفاً على مقالتنا الأخيرة)، فقد أوغل بشار الأسد بالمعادلة التي أرساها الأب: أي ثمن مقابل بقاء النظام. ولا ننسى أنه في بداية الثورة، خاطب أركان النظام إسرائيل برسالة بالغة الوضوح: بقاء النظام ضمانة لأمن دولتكم. ولا ننسى أيضاً في بدايات الثورة، تلك المسيرات التي دبرها النظام نحو حدود الجولان، بما يعني أنه إذ يستشعر خطر سقوطه، فهو مستعد لتصدير أزمته إلى الحدود مع إسرائيل.. وهي اللعبة ذاتها التي يمارسها الآن بالشراكة مع إيران في جنوب سوريا.
السوريون أنفسهم، ورغم بقاء إسكندرون والجولان، بل وفلسطين، لها في وجدانهم الوطني والقومي، يشعرون أنهم خسروا بلدهم كله أصلاً، وربما يشعرون أن أهل الجولان كما أهل إسكندرون أوفر حظاً منهم، كناجين من المذبحة. فبشار الأسد، صوناً لبقائه منح سوريا كلها لروسيا وإيران وأميركا و”داعش”، واستباح دم شعبه بتوحش. فلا أرض محررة ولا شعب حر الآن في سوريا. يكفي القول إن عشرة ملايين سوري هم نازحون، كما لو أنهم ضحايا احتلال كامل الأوصاف.
قضية الجولان وقضية القدس، والقضية الفلسطينية والقضايا العربية المحقة والعادلة، تبنتها حركات وأنظمة ودعاوى هي في منطلقاتها ومآلاتها ليست سوى مشاريع طغيان وإرهاب وحروب أهلية وعداوة للعالم ولما هو حق وعدل، ما جعل تلك القضايا خاسرة، بل وسبباً لمظالم حلت بشعوبنا وكوارث أطاحت بمجتمعاتنا إلى حد توهم الخلاص بالاحتلال الأجنبي، على نحو تلك اليافطة الشهيرة التي رفعها أهل بلدة سورية طلباً للخلاص من البراميل المتفجرة: “نريد غزواً فضائياً..”.
تغريدة ترمب عن الجولان وسوريا المريضة/ شعبان عبود
أثارت تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي قال فيها إنه حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، الكثير من ردود الأفعال المنتقدة على المستوى الدولي، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى دول كل من فرنسا وألمانيا وغيرهم، عن رفضهم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان وأكدوا جميعهم تمسكهم بالقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الخصوص التي تعتبر أن الجولان أرضاً سورية محتلة.
والحقيقة أن تغريدة ترمب حول الجولان تعني علامة ونقطة تحول بارزة في السياسة الأميركية منذ عقود تجاه هذه المسألة حسب صحيفة نيويورك تايمز.
الصحيفة اعتبرت أن موقف ترمب أتى بعد محاولات ضغط لم تهدأ من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، محاولات وحملة ضغط بدأت في وقت مبكر منذ عام 2017 وتكللت أخيرا بهذا الإعلان. معلقون وباحثون أميركيون ربطوا بين تغريدة ترمب والانتخابات البرلمانية التي ستشهدها إسرائيل في نيسان المقبل، حيث قدّم الرئيس ترمب “أكثر من هدية” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وأيضا منهم من اعتبر أن ترمب بدأ مبكرا حملة مبكرة لكسب أصوات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها الولايات المتحدة في عام 2020.
لكن وبغض النظر عن الظروف والخلفيات التي دفعت ترمب لمثل هذا الإعلان، لا بد من الاعتراف أن الأوضاع في سوريا والتمزق الذي يعيشه الكيان السوري بفعل الحرب والتدخلات الخارجية منذ 2011 لحظة اندلاع الثورة ضد نظام الأسد، ومن ثم خيار العنف الذي اتبعه النظام لمواجهة المتظاهرين، كل ذلك يجب أخذه بعين الاعتبار حين الحديث عن احتمال حصول اعتراف رسمي أميركي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
إن مقدمات ذلك موجودة على الأرض، ولم يكن الضغط والحشد الإسرائيلي من أجل الاعتراف بالسيادة على الجولان إلا نتيجة متوقعة، فنظام الأسد يعيش حالة من الضعف دفعته لاستحضار ميليشيات أجنبية وقوى إقليمية ودولية للدفاع عنه ومنع سقوطه، مثل إيران وروسيا، كان من نتيجتها مع الوقت أن أصبحت مسألة السيادة في مهب الريح. ليس الإيرانيون والروس وحدهم من وجدوا على الأرض السورية، بل هناك الولايات المتحدة وتركيا أيضا التي توجد قواتها وميليشيات تابعة لها على مساحة كبيرة من الجغرافية السورية، أو بالأحرى جغرافية الدولة السورية الممزقة والمريضة.
يبدو أن إسرائيل أدركت أن لحظة الحشد من أجل الاعتراف بسيادتها على الجولان، هي اللحظة المناسبة في ظل استعصاء الحالة السورية، وفي ظل هذه الحالة من الضعف والتمزق والتدخلات الخارجية وانعدام السيادة التي تعيشها الدولة السورية.
لقد استند رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في حملته وضغوطاته لذرائع أمنية، وعبّر عن مخاوف من وصول إيران إلى الحدود الإسرائيلية عبر قيام طهران ببناء شبكات حرب عصابات في الجزء السوري من منطقة الجولان وفي جنوب سوريا عموما، لقد قالها ذلك صراحة وأكثر من مرة وفي كل مناسبة، لعل آخرها خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارته لإسرائيل.
ورغم أن مسؤولين أميركيين كانوا يردون دائما على المخاوف الأمنية الإسرائيلية باستمرار التزام الولايات المتحدة بدعم ومساندة إسرائيل عسكريا وأمنيا لمواجهة كل التهديدات الأمنية والعسكرية الإيرانية المحتملة، إلا أن هذه التطمينات لم تكن ما تبحث عنه إسرائيل فقط، لقد كانت تريد اقتناص الظرف الراهن، وما تعيشه “الدولة” السورية من تمزق وضعف، وما يشهده المجتمع الدولي من انقسام، من أجل الانقضاض على الجولان وكسب دعم الولايات المتحدة في الاعتراف بسيادتها، لتفتح الطريق أمام دول أخرى ليحذو حذوها.
ويبدو أن الحملة والضغط الإسرائيليين قد أثمرت عن نتائج مبكرة سبقت تغريدة ترمب عن الجولان، فقد كان لافتا تصويت الولايات المتحدة هذا العام ضد قرار الأمم المتحدة الرمزي والاعتيادي الذي يدين استمرار احتلال إسرائيل لهضبة الجولان وهي المرة الأولى التي تتخذ الولايات المتحدة مثل هذا الموقف.
موقف ترمب سبقه أيضا تغييرا في توصيف وزارة الخارجية لهضبة الجولان حيث استخدمت رسميا مصطلح هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل بدلاً من هضبة الجولان المحتلة وذلك في التقرير السنوي الذي صدر منذ أيام حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم، من ناحيته وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وحين سئل في الطائرة في طريق عودته من الكويت منذ أيام، إذا ما كان هناك تغيير في الاستراتيجية الأميركية إزاء هذا الموضوع، فكان رده أن هذا المصطلح أكثر واقعية وأكثر دقة لتوصيف الوضع في الهضبة.
والحقيقة هي أنها ليست مسألة مصطلحات دقيقة أو واقعية، بقدر ما هي سياسة مقصودة كان يتم العمل عليها، هذا ما أكدته تغريدة الرئيس الأميركي عن أن الوقت “قد حان للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان”.
لكن يبقى السؤال متعلقا بقدرة الولايات المتحدة أو استعدادها لتعلن ذلك رسميا وبالتالي ظهورها بمظهر المخالف والمنتهك للقرارات الدولية والقانون الدولي. كذلك يبقى السؤال حول مصير هذه “التغريدة” وهل سيكون مصيرها يشبه تغريدة ترمب حينما أعلن الانسحاب من شمال شرق سوريا ثم تراجع عنه بعد انكشاف تسرعه وتعارضه مع رأي أركان إدارته ومع المصالح الأميركية نفسها؟
تلفزيون سوريا
الجولان.. من المسؤول؟/ حسين عبد العزيز
ليس هدف هذا المقال الإجابة عن سؤالٍ عمّن يتحمّل المسؤولية عن الوضع الذي آل إليه الجولان؟ ذلك أن الإجابة معقدة جدا، وتخضع لاعتبارات سياسية وجغرافية واستراتيجية، وحتى أيديولوجية. ما يهم هذا المقال قراءة المسار التاريخي الذي أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم. ولكن يمكن تلمس أو قراءة بعض المعطيات المهمة التي تشرح الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.
تشكل هذه المرحلة التاريخية لحظة فارقة بالنسبة لسورية التي خرجت من معادلة الصراع مع إسرائيل، وربما تحتاج عقودا عدة من أجل إعادة ترميم نفسها، فقد دمرت البنية التحتية بالكامل، وتهتّك الاقتصاد الوطني والبنية الاجتماعية، وانهارت المقدّرات العسكرية.
النظام السوري غير قادر الآن، ولا في السنوات المقبلة، على فعل أي شيءٍ له وزن أو قيمة سياسية وعسكرية، فلا هو قادرٌ على توجيه ضربات لإسرائيل، حتى في الجولان التي تعتبر وفق الشرعة الدولية أرضا محتلة، ولا هو قادر على تحريك الساحة اللبنانية أو الفلسطينية كما كان الحال في السابق. وبالتالي، فإن شرعنة السيادة الإسرائيلية أمرا واقعا لن تكون له أية ردود فعل سورية/ عربية، بل على العكس، إن أية محاولةٍ للرد من “محور المقاومة” سينعكس بالسلب عليه بسبب الحالة المتردية التي وصل إليها هذا المحور، ليس على الصعيد القوتين، العسكرية والاقتصادية، فحسب، بل أيضا، وهذا هو الأهم، على صعيد الشرعية الداخلية في عموم العالمين، العربي والإسلامي.
يحتم القرار الأميركي، الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، إعادة قراءة الاستراتيجية السورية حيال إسرائيل، فقد أثبتت العقود الخمسة الماضية أنها كانت استراتيجية خاطئة بالمطلق، فسياسة التوازن الاستراتيجي لم تنفع، بل أضرّت كثيرا بسورية، فهي لم تصل إلى مستوى تهدد فيه إسرائيل فعليا وتجبرها على إعادة التفكير بالمخاطر التي تترتب على احتفاظها بالجولان. بعبارة أخرى، كانت حالة اللاحرب واللاسلم التي اتبعتها دمشق لمصلحة إسرائيل نتيجة الواقع العربي والدولي الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفييتي.
لا يعني ذلك الدعوة إلى الاستسلام والارتماء في الأحضان الإسرائيلية، كما فعل أنور السادات، واهتم باستعادة أرض مصر على حساب الأراضي العربية الأخرى، لكنه يعني أنه كان يجب البحث عن خياراتٍ أخرى، لا تكون مغرقةً في واقعيتها (مصر)، ولا تكون راديكاليةً في مواقفها (سورية)، ففي الحالتين، ثمّة ضعفٌ في رؤية الواقع القائم، وعدم القدرة على صنع أساليب أنجع لتحقيق المكاسب. وللأسف، كلا الخيارين أضرّا بالقضية الفلسطينية، فقد خرجت مصر مع معادلة الصراع، وتحوّلت إلى وسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكلٍ لم يتحمّله الوعي العربي، وبقيت سورية، في المقابل، أسيرة أيديولوجياتٍ عفا عنها الزمن، لا تتماشى مع واقع الحال.
رفضت دمشق الحلول الأميركية الجزئية، في كل المراحل التي كان فيها كيسنجر وجيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت وزراء للخارجية، وأصرّت على حل ذي حزمة كاملة. ومن الواضح من خلال مسار المفاوضات أن كلا الطرفين، السوري والإسرائيلي، غير جادّين بالتسوية، فبالنسبة لإسرائيل ليست مضطرّة إلى تقديم تنازلاتٍ في ظل واقع عربي منهك. وبالنسبة لسورية، هي غير قادرة على تقديم تنازلاتٍ تضرب شرعيتها التي بنتها طوال عقود على اعتبارات قومية. وقد يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، بالقول إن النظام السوري (حافظ الأسد) قد باع الجولان من أجل البقاء في السلطة.
ومع أن مثل هذه المواقف تعكس، في رأي كاتب هذه السطور، خطابا شعبويا، لا خطابا سياسيا موضوعيا، يساعد على فهم الظاهرة السياسية، إلا أنه لا يمكن إنكار أن بقاء الصراع السوري ـ الإسرائيلي مستمرا يشكل أداة مهمة للسلطة في سورية، من أجل الاستمرار في إنتاج الشرعية الوطنية والقومية، وإبعاد النظر والتفكير في مكونات الحكم. هذا أمر مفهوم، لكنه لا يعني أن
النظام السوري لا يمتلك أيديولوجية قومية، وأن الصراع مع إسرائيل يُختزل لمتطلبات السلطة، والسلطة وحدها، فالمسألة الوطنية والقومية جزء رئيسي من مكونات الوعي العروبي السوري لدى مختلف الشرائح، وهو الذي يجعل واشنطن لا تفكر في السيطرة استراتيجيا على سورية، لأنها تعي أن هذا البلد لا يمكن أن يكون ضمن الفلك الأميركي، وهو الذي جعل المعارضة السورية ترفض طلب السفير الأميركي، روبرت فورد، الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان.
ولا يمكن إنكار أن النظام السوري هو نفسه قد أعطى الحجة للرأي الذي يرى أن ثمّة تفاهما مضمرا بين سورية وإسرائيل، حين سمحت دمشق لمتظاهرين فلسطينيين وسوريين بعبور السياج الحدودي في الجولان في 5 يونيو/ حزيران عام 2011، في خطوةٍ وصفت بالفضيحة، وطرحت تساؤلاتٍ حول أسباب هذه الخطوة، ولماذا لم تُقدم دمشق عليها منذ سنوات، واعتمدت خيار المقاومة الشعبية؟ لماذا الآن عندما حصل تهديد داخلي لسلطة النظام؟ لقد بينت تلك الحادثة لدى كثيرين أن الشعارات الوطنية والقومية هي لتحريك الشارع، وتوجيهه بالاتجاه الذي يستفيد منه النظام.
لا يهدف هذا المقال إلى تبنّى رأي وموقف ما والتمسّك به، بقدر ما يطرح إشكالاتٍ وأسئلةً تحتاج إلى أجوبةٍ، لم يستطع النظام السوري إلى الآن تقديمها.
العربي الجديد
ترمب يَهب الجولان لإسرائيل/ فايز سارة
أثارت أقوال الرئيس الأميركي ترمب حول الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، حملة استنكار واسعة على المستوى العالمي، شملت هيئات دولية في مقدمتها الأمم المتحدة، إضافة إلى كثير من الدول بينها دول كبرى، واستندت عمليات الاستنكار إلى مخالفة الرئيس ترمب وإدارته للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والسياسة الدولية، والتي أكدت طوال أكثر من خمسة عقود على احتلال الجولان من قِبل إسرائيل، أنه لا يجوز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، وأن الجولان أرض سورية محتلة.
ولم تكن خطوة ترمب مفاجئة بالمعنى العام. إذا سبقتها خطوات ذات دلالة، وتنتمي إلى السياق نفسه، أبرزها قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو قرار تجنب رؤساء أميركا تنفيذه طوال أكثر من عقدين، رغم كل ما هو معروف عن محاباة الرؤساء الأميركيين لإسرائيل، وخرْق ترمب هذه القاعدة جعله قادراً على خرق قاعدة أخرى تتعلق بموضوع السيادة الإسرائيلية على الجولان.
لقد حلل البعض سلوك ترمب في موقفه نقل السفارة الأميركية إلى القدس أو في موضوع السيادة الإسرائيلية على الجولان بالقول إنه يستند إلى سلوك «مغامر» أو «أرعن» كما قال البعض، بينما قال آخرون إنه استند إلى عقلية التاجر وصاحب رأس المال، أكثر مما استند إلى موقف السياسي ورجل الدولة. ورغم أن في سلوك ترمب كل ما سبق وأشياء أخرى أبرزها فجاجة سلوكياته ومواقفه، فإن موقفه في الموضوعين يبدو محصلة طبيعية للبيئة المحيطة بهما، وقد تقادمتا إلى درجة كاد العالم أن ينساهما، خصوصاً أنه عجز طوال أكثر من خمسين عاماً عن إيجاد حل لهما، أو أنه لم يكن يسعى إلى توفير إرادة سياسية وعملية لحل سياسي يتصل بالصراع العربي – الإسرائيلي وبتفرعات فيه منها قضيتا القدس والجولان، واكتفى ببيانات استنكار وإدانة لا معنى لها كلما تعرضت القضيتان لخضّات أو أحاطت بهما هزّات سياسية ومخاوف أمنية.
إن الدافع الأهم لموقف ترمب في موضوع الجولان يتمثل في البيئة المحيطة، وفي هذا الجانب تمكن ملاحظة أن المبادرة تشكّل إضافة إلى خطوة مماثلة سبقتها وهي نقل السفارة إلى القدس، وأخرى ترافقت معها، وهي القضاء على آخر معقل لـ«داعش» في الباغوز شرق سوريا، وستشكل النقاط الثلاث، قوة تضاف إلى برنامج ترمب في حملة انتخابه لرئاسة ثانية التي ستبدأ العام القادم.
وثمة عامل آخر شجع ترمب على القيام بخطواته بصورة متتابعة وخصوصاً في موضوعي القدس والجولان لدعم ومساندة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تعبيراً عن التمييز في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، التي يقول الأميركيون إنها في أحسن حالاتها على الإطلاق، خصوصاً أن نتنياهو يواجه تحديات داخلية صعبة سواء لجهة اتهامات بقضايا فساد أو اتهامات بالرشوة والتزوير وخيانة الثقة، إضافة إلى تصاعد المنافسة السياسية على السلطة عشية الانتخابات البرلمانية المبكرة في إسرائيل والمقررة في أبريل (نيسان) القادم، وقد أظهرت استطلاعات الرأي تراجع أسهم حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو مقابل خصومه، ولا شك أن خطوات ترمب في بعض نتائجها الإسرائيلية، سوف تنعكس إيجاباً على مكانة نتنياهو وحزبه في الانتخابات المقبلة، خصوصاً بعد أن قرر ترمب توقيع مرسوم اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان بحضور نتنياهو شخصياً.
وإذا كانت العوامل الأميركية – الإسرائيلية ذات تأثير مهم في خطوات ترمب حول القدس والجولان، فإنه لا يمكن التقليل من أهمية العوامل الأخرى. ففي السياسة الدولية لا توجد سياسات جدية وحاسمة لهيئات بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وللدول بما فيها دول كبرى مثل الصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا في مواجهة السياسة الأميركية. بل إن مثل هذه السياسات لم تظهر طوال ثماني سنوات في مواجهة نظام مثل نظام الأسد الذي يتابع قتل السوريين وتشريدهم وتدمير قدراتهم، وهو أمر يشجع الإدارة الأميركية على القيام بما ترغب فيه من خطوات، حتى لو كانت تخرق القانون الدولي، خصوصاً أنها تعرف أن حملة الاستنكار العالمية لن تتمخض عن أي نتيجة.
وبطبيعة الحال، فإن ردة فعل البلدان العربية والإسلامية ومنظماتها الدولية من الجامعة العربية إلى منظمة التعاون الإسلامي، التي تعد نفسها صاحبة العلاقة الأقرب بقضيتي القدس والجولان، لا تختلف كثيراً عن الموقف الدولي، خصوصاً في ضوء تردّيات الأوضاع الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لغالبية الدول، وما تواجهه من تهديدات الصراعات الداخلية أو صراعاتها البينية، ولعل الصراع بين العرب وإيران مثال للأخيرة، بينما يمثل تدخل إيران في العديد من الدول العربية والإسلامية وإذكاء الصراعات العرقية – الطائفية مثالاً آخر.
ومما لا شك فيه أن واقع السلطة في البلدين العربيين المتصلين بقضيتي القدس والجولان، أعني السلطة الفلسطينية ونظام الأسد، شجع ترمب على مبادرته هنا وهناك، ففي الحالتين ثمة سلطة فاسدة ومتهالكة ومعادية للشعب، وغير معنية إلا من الناحية اللفظية بالمصلحة الوطنية وبمصلحة الشعب، وتحولت إلى حامية لإسرائيل بشهادات من داخلها، وليس بشهادات الإسرائيليين فقط.
الشرق الأوسط
الفارق بين الحبر والدم/ سوسن جميل حسن
منذ عام 1968، أي بعد هزيمة حزيران 1967، شرعت إسرائيل في إقامة تجمعات استيطانية. ومنذ العام 1970 بدأت تقام مستوطنات تقف خلفها تنظيمات يهودية متطرفة، وهي ظاهرة شاعت فيما بعد في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى عام 2005. ومع وصول اليمين ممثلا في حزب الليكود إلى السلطة عام 1977، ضمَّ رئيس الوزراء مناحيم بيغن الضفة الغربية وقطاع غزة، ويومها كان عدد المستوطنات خارج القدس الشرقية لا يتعدى 31مستوطنة تعداد قاطنيها 4400 مستوطن.
واستمرت عملية الاستيطان على مدى العقود الماضية، في الضفة والقطاع والجولان والقدس خاصة بعد إعلان الكنيست القدس عاصمة موحدة لإسرائيل في العام 1980، وقرار ضم الجولان في العام 1981، والسنوات تمضي وتمضي إسرائيل في مشروعها الاستيطاني ضاربة بكل القرارات الدولية عرض الحائط، والأنظمة العربية ماضية في تمكين قبضتها على شعوبها تاركة إياها في حالة استنقاع مخدرة بشعارات مضللة، إلى أن وقعت “الوقائع”، انتفضت الشعوب من أجل كرامتها وحياتها مطالبة بتحقيق العدالة وضمان الحريات وصون الحقوق وإشراك الشعب في صنع القرارات والسياسات وتداول السلطات وإلى ما هنالك من مطالب مشروعة
تفتقدها هذه الشعوب، لكن الهجمة على حراكها ومشروعها كان كبيرًا فتدخلت القوى الخارجية وحرفت الحراك عن مسارها وحولتها إلى حرب بين الأنظمة وشعوبها، وبين شرائح المجتمع أو فئات الشعب في حروب بينية مدمرة لما تتركه من آثار باقية وشروخ عميقة على المدى الطويل. فكان دمار الأوطان وانهيار الدول والمجتمعات لتصير جاهزة لتنفيذ أي مشروع طامع باستغلالها وفرض النفوذ عليها.
كان قرار الرئيس الأمريكي ترامب في الخامس والعشرين من هذا الشهر آذار/ مارس بالاعتراف بضم الجولان وإخضاعه إلى السيادة الإسرائيلية بمثابة طعنة ثانية في صميم الكرامة المتبقية لهذه الشعوب المنكوبة، اعتراف مع توقيع احتفالي سافر متحديًا القرارات الدولية والرأي العام العالمي شاهرًا الوثيقة أمام الكاميرات بعنجهية المتحكم بمصير الشعوب والعالم المتفرد بقراراته مبرزًا توقيعه المركب المعقد كرسالة إلى العالم بأنه الوحيد الذي يتبوأ عرش القرار، يعرف ويحق له أن يقرر لحظة الصفر في أي قضية عالمية. فهل يعني هذا الاعتراف وهذه الوثيقة أن الجولان صار تحت السيادة الإسرائيلية قانونيًا وشرعيًا؟
في الواقع فإن الجولان تحت سلطة الاحتلال منذ اثنين وخمسين عامًا، وسكانه موزعون بين ما تبقى من مساحته تحت السيادة السورية وما صار تحت سلطة الاحتلال، وكنا، نحن السوريين، نشاهد من على شاشة التلفزيون الرسمي الأعراس التي تقام على المعبر الحدودي الواقع تحت إشراف قوات السلام الدولية، حيث تودع العروس أهلها في الجانب السوري وتعبر الحدود إلى بيتها الجديد، لتلاقي عريسها في الجانب الإسرائيلي وتبدأ حياة أخرى في منطقة تخضع لسلطات الاحتلال كلها. كان هذا المشهد يؤثر فينا ويدفعنا إلى أقاصي البكاء، ربما كان مشهد كهذا يلامس جذوة مطمورة تحت رماد أرواحنا المحترقة، فلا نملك معه غير البكاء الحارق المفجوع، ثم نعود إلى حياتنا المخدرة بالوعود وبأن إسرائيل ستقهر وأنها فعلا سترمى في البحر، وأن الجولان وقبلها فلسطين عربية ومهما طال الزمن ستعود، وأن.. وأن.. ومرت الأيام والسنون وإسرائيل يزداد جبروتها وأنظمتنا يزداد جبروتها، لكن الفارق بيننا وبينها أنها كانت تبني دولة، بغض النظر عن موقفنا نحن أبناء هذه المنطقة التي اعتدت إسرائيل على أراضيها، دولة تتطلع إلى النموذج الحديث للدول، فلديها اقتصاد متين ولديها بحث علمي متقدم ولديها صناعة متطورة ولديها انتخابات، وفي بلداننا تشيد الأنظمة عروشها وتمكّنها وتسيجها بدماء الشعوب وأرواحها.
الرئيس الأمريكي المبتهج والمتباهي بفعله قدّم إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي
قلمه الذي وقع الميثاق به بعدما كان هذا الأخير قد أحضر معه هدية من نبيذ الجولان.
أمم القلم بالنسبة إليها رمز الحضارة التي تصنع القوة، وأمم دماء أبنائها مرصودة لتسطير البطولات التي تعني الموت تحت عنوان الشهادة، دماؤها رخيصة حتى إنها لا تملك غيره من أجل الكفاح.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي: هناك شعبان يقفان إلى جانب القرار، شعب إسرائيل والشعب الأمريكي. فهل سئل عن موقف الشعب في الجولان؟ هل الشعب الجولاني شعب إسرائيلي؟ لماذا في غير بقعة من العالم يطرح تقرير المصير على الشعب من أجل الاستفتاء بينما شعوبنا دائمًا مستهان بها وبأرواحها وإرادتها واستقلالها ورغباتها، محكومة باستبداد أنظمتها واستضعاف العالم لها؟
إسرائيل ومعها قوى العالم متمثلة بالولايات المتحدة ماضية في القضاء على أي احتمال لحل القضية الفلسطينية إلاّ بالقضاء عليها، وعملية السلام باتت مستحيلة، وإن أعلن ضم الجولان اليوم وقبلها القدس عاصمة لإسرائيل، فهناك الضفة التي تنهشها المستوطنات ولا نعرف متى يصبح إعلان ضمها جاهزًا للإشهار، وغزة المحاصرة التي يموت شعبها بعشرات الطرق. أما نحن فتكفينا “داعش” وأخواتها، لقد أنجزنا بطولة تاريخية للعالم الذي يرتجف من حمى اسمها “الإرهاب الإسلاموي” الذي تصر بعض المنابر الإعلامية على ترداد تسمية “الإرهاب الإسلامي” على أساس أنها تسمية غربية، لكن الواقع يقول غير ذلك، وأن تكرار هذه التسمية ليس فعلاً بريئًا من قبل تلك المنابر. يكفينا إذا أن نحقق هزيمة داعش جغرافيًا وعسكريًا، مع غض الطرف عن جزرها الباقية في أماكن عدة من سوريا، وأن الدولة السورية انتصرت على الإرهاب، وأن دماءنا بذلناها بسخاء لا يفوقه سخاء، دمنا المرصود للانسفاح من أجل العقيدة أو الوطن، ولشدة قدسيته فإننا نبايع ولاتنا به في الاستفتاءات التي يحققون فيها نسبة تفوق المائة في المائة أحيانًا، الاستفتاءات على الأبدية.
بين مداد الأقلام ومداد القلوب تُبنى دول وتحرق أوطان، فمتى ننتصر لدمائنا ونرجعها إلى قلوبنا علها تروي عقولنا التي أوشكت على الموت، فنتعلم من جديد كيف نمسك القلم، ليس من أجل بناء حضارة على الطريقة الأمريكية، إنما حضارة إنسانية نستحق معها العيش مع باقي الأمم؟ متى نجتاز ثقافة أننا بدمائنا نسطر البطولات والملاحم، وبالدماء نفوز بالشهادة والجنان، ونفهم بدلاً عن هذا أن بالقلم تُبنى الحضارات؟
تلفزيون سوريا
ليس الجولان أرضاً أسدية/ ميشيل كيلو
ذات تاريخ، احتلت فرنسا أرضاً ألمانية، فجمع رئيس أركان الجيش الألماني ضباطه وقال لهم: سنضع خطة لتحرير أرضنا الذي سنعمل من أجله دوماً، ولن نتحدّث عنه أبداً.
ذات تاريخ، قبل اثنتين وخمسين سنة، سلم حافظ الأسد الجولان لإسرائيل ببيان بثته إذاعة دمشق صبيحة يوم التاسع من يونيو/ حزيران، بعد أربعة أيام من نشوب حرب إسرائيلية عربية، لم يشارك “جيش البعث العقائدي” فيها بغير بضع قذائف مدفعية، أطلقها على مستعمرة شير ياشوف، وغارة جوية واحدة على شمال فلسطين، على الرغم من استغاثات جنرالات مصر وقيادة القوات العربية العليا، ومطالبة الأسد بشنّ هجمات جوية وبرية واسعة على العدوّ، الذي كان يكرّس كامل جهده الحربي لمصر، إلا أنه رفض الاستجابة لطلباتهم وأوامرهم، ورفض أيضاً تنفيذ اتفاقيتي دفاع مشترك بين مصر وسورية، عقدت أولاهما عام 1955، والثانية عام 1966، بدل أن يقاتل صف “أسد يهوذا” طيرانه على مدرّجات مطاراته، بانتظار قيام إسرائيل بتدميره عن بكرة أبيه، قبل أن يأمر جيشه بالانسحاب كيفياً من الجولان، بذريعة أن العدوّ احتل القنيطرة. ما إن سمع وزير الصحة عبد الرحمن الأكتع بيان الانسحاب، حتى اتصل بوزير الدفاع حافظ الأسد، ليبلغه أن العدوّ ليس في القنيطرة، ولا وجود له في منطقتها، فلاقاه “أسد يهوذا” بسيلٍ من الشتائم والتهديدات، وأمره “أن لا يتدخل في ما لا يعنيه”، كما كشف الرجل في ما بعد. في أعقاب هذه الفعلة الشنيعة التي يعرفها كل سوري، جمع حافظ الأسد ضباطه، وقال لهم: سنتحدّث عن الجولان دوماً، لن نعمل لتحريره أبداً.
ما إن تسلمت إسرائيل مفتاح الجولان: بوابة المشرق العربي الاستراتيجية، حتى أخذ النظام ينشر أكذوبة أن سقوط الأرض ليس هزيمة، وإنما الهزيمة هي سقوط النظام الذي سيتولى تحريرها، وما جرى في حزيران هو انتصار للنظام الذي فشل العدوّ في إسقاطه، وسيدفع ثمن فشله غالياً. وبالفعل لم يمض يوم، طوال نيف ونصف قرن، إلا ودفع العدوّ ثمن انتصاره هزائم كلامية ماحقة، من دون أن يزعج “الجيش العقائدي” مستوطنيه، أو يحول بينهم وبين الاستمتاع بشمس الأرض السورية المحتلة وهوائها وخيراتها، من دون أن يطلق رصاصة واحدة نحوهم منذ حرب تشرين 1973 التحريرية، التي لم يحرّر خلالها شبر واحد، بل خسر 660 كيلومتراً مربعاً، أضيفت إلى 1160 كيلومتراً مربعاً، هي مساحة ما سلمه حافظ الأسد في يونيو/ حزيران عام 1967. وبما أن مستوطني الجولان يتمتعون بأمن شامل، منذ اتفاقية فصل القوات عام 1974 التي أبعدت كتلة الجيش الرئيسة 15 كيلومتراً عن الحد الأمامي للجبهة، فقد كان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين على حق، عندما عنف المستوطنين الذين طالبوه بحماية أمنية بالقول: أنتم هنا أكثر أمناً من سكان تل أبيب.
يرزح الجولانيون تحت الاحتلال لأن الأسدية تخلت عنهم، وإلا ما معنى أن تعيش بسلام مع الاحتلال خمسة وأربعين عاماً، بينما تشن الحرب على الشعب السوري بلا توقف ثمانية أعوام، من دون أن يطلق رصاصة واحدة على الجولان أربعين عاماً، كما قال نتنياهو في لقاء صحافي في موسكو؟
جاء حافظ الأسد بالاحتلال الإسرائيلي إلى الجولان ليأخذ السلطة، وجاء ابنه بالاحتلاليْن الروسي والإيراني، ليحافظ على سلطة أبيه. لذلك، لا يحق له التباكي على الجولان، لأن الجولان أرض سورية، يهمّ مصيرها شعب سورية وحده، وليس أرضاً أسدية يحق لمن أهداها للعدوّ، ولابنه الذي سلم بقية وطننا للإيرانيين ومرتزقتهم، ادعاء تمثيل الجولان، فهذه إهانة للسوريين: أصحابه الذين سيحرّرونه بعد أن يجلو عنهم الاحتلال الأسدي.
العربي الجديد
إدانة ترامب وتجريم النظام/ ماجد عزام
قد تبدو الأجواء الأمريكية الرسمية مؤاتية أكثر هذه المرة لتلبية المطلب الإسرائيلي الجشع، لمساعدة نتنياهو على الانتصار بالانتخابات الوشيكة، مع أمل أن يتلقى ترامب المقابل من أنصار إسرائيل وداعميها في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، لكن لا بد من التأكيد دائماً على أن انهيار شرعية النظام وتفريطه بالسيادة وجرائمه المشتركة مع إيران وميليشياتها، لا يبرر تجاهل القوانين والمواثيق الدولية، ولا إنكار الحق الحصري للشعب السوري في أرضه وثرواته وحقوقه التي فرّط بها النظام، ولا يملك التنازل عنها كما لا تملك واشنطن بالتأكيد حق إعطائها لمن لا يستحق.
هذه كانت الفقرة الأخيرة من المقال الذي كتبته هنا قبل أسبوعين عن أسباب فتح إسرائيل لملف الجولان مرة أخرى، بعد فترة من الصمت للأسف حصل ما توقعناه، وأشرنا إليه، عن الظروف المؤاتية كي يلبي ترامب مطلب إسرائيل الاعتراف بسيادتها على الهضبة التى تحتلها منفذاً ليس فقط ما رفضته الإدارات السابقة، وإنما ما رفضتهه إدارته نفسها قبل شهور واعتبرته جشعا إسرائيليا ونكرانا للجميل تجاه ما فعلته للدولة العبرية، كما قال حرفياً جيسون غرينبلات المبعوث الأمريكي للمنطقة؛
يجب التذكير طبعاً بسببين رئيسين، بل فى الحقيقة بثلاثة أسباب دعت ترامب لتلبية المطلب الإسرائيلي، أولها مساعدة نتنياهو في الحملة الانتخابية الصعبة المعقّدة ووضعه الذي يزداد سوءاً مع لائحة اتهام المستشار القضائي ضده بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، والكشف عن تفاصيل مسيئة له في قضية الغواصات الألمانية، ثم التصعيد الأخير في غزة الذي أجبره على قطع زيارته لواشنطن، والعودة إلى فلسطين المحتلة، وعجزه عن مواجهة المستوطنين بحقيقة أن لا حلّ عسكري تجاه غزة وحماس، مع سعيه اللئيم لإدامة الانقسام الفلسطيني والانفصال بين غزة والضفة الغربية.
عموماً يريد ترامب رد الجميل من إسرائيل وأصدقائها فى الاستحقاق الرئاسي الأمريكي القادم، تحديداً من القاعدة الإنجيلية الصهيونية المتنفذة الآن في الإدارة والشارع الأمريكي والتي باتت مهمة جداً لنتنياهو، لدرجة التفكير في الابتعاد أو تقليل الاعتماد على منظمة آيباك، حيث لا حاجة لها في وجود ممثلين إنجيليين صهيونيين في الإدارة نفسها مثل نائب الرئيس مايك بينيس ووزير الخارجية مايك بومبيو، وآخرين يعتقدون مع جمهورهم العريض أن دعم نتنياهو وترامب كل لا يتجزأ.
السبب الثالث يتعلق بسعي إدارة ترامب لتغيير القواعد والأسس التي وجهت السياسات الأمريكية تجاه المفاوضات وعملية التسوية بين العرب إسرائيل، إقصاء وإزاحة القرارات والمواثيق الدولية ومعها الملفات الخلافية لصالح الإقرار بالواقع الذي فرضته إسرائيل بالقوة الجبرية والاحتلال العسكري بذريعة الحاجات الأمنية الحيوية لها، وقطع الطريق على أي سياسة مغايرة من قبل الإدارات الأمريكية القادمة، كما قال حرفياً السفير الأمريكي الصهيوني لدى تل أبيب ديفيد فريدمان.
مشهد توقيع ترامب على وثيقة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، بدا لافتاً وتصدره الأركان الثلاثة الصهاينة لصفقة القرن، صهر الرئيس جاريد كوشنير ومبعوثه غرينبلات وسفيره لدى تل أبيب فريدمان، ربما لا يرتبط ملف الجولان مباشرة بصفقة القرن، التي على الأغلب لن تجد طريقها للتنفيذ بشكل رسمي، إلا أن دلالة الرسالة الأهم تتمثل، بكون الذهنية التي عملت وتعمل على صفقة القرن، هى نفسها التى سعت خلف الإقرار الأمريكي باحتلال الجولان، وهي التي تتحكم بالسياسات الأمريكية تجاه القضايا العربية بشكل عام.
في السياق السوري الداخلي مبدئياً ومنهحياً لا يمكن مقاربة ملف الجولان بشكل عام وقرار ترامب الأخير بشكل خاص دون تأكيد أو عرض الحقيقة الساطعة الصحيحة، النظام هو من أضاع الجولان فرّط بها وعجز عن استعادتها خلال عقود تفرغ فيها لتكريس سطوة قبضته الأمنية محتكراً كل ما في البلد، تحديداً السياسة والاقتصاد والدفاع والأمن، محجماً طاقات قدرات الناس من أجل تقوية سلطته هو. ثم خلق ذرائع إضافية لإسرائيل وأمريكا بجرائمه الموصوفة بحق الشعب السوري بعد الثورة، ما أسقط شرعيته، خاصة مع استعانته بميلشيات أجنبية لقمع الثورة وإبقائه قهراً في السلطة، وتسهيل انتشارها الاستعراضي الشكلي في الجولان على الحدود بحجة المقاومة للتغطية على جرائمهم وأهدافهم الحقيقية ضد الثورة والثوار.
في سياق النظام لا بد من التذكير أن حافظ الأسد كان وزيراً للدفاع عندما سقطت وضاعت الجولان في نكبة حزيران/ يونيو 67، رغم ذلك فقد قام بعدها بترقية نفسه إلى رئيس جمهورية تماهياً مع ذهنية الاستبداد والفساد الحاكمة، بدلاً من الاستقالة والتواري خجلاً في البيت، وحتى المحاكمة، كما يفترض في الأنظمة الديمقراطية وأسس وقواعد الحكم الرشيد.
جاء ردّ فعل نظام الأسد الابن على قرار ترامب منفصماً. فقد تحدث عن تناقضه مع الشرعية والمواثيق والقرارات الدولية وعن نهب ومصادرة الثروات الوطنية، وهي أمور جرائم فعلها هو نفسه ضد الشعب السوري طوال عقود، ثم بشكل دموي أفظع وأوسع بعد ثورة الحرية والكرامة.
ردّ فعل حلفائه في روسيا وإيران لا يقل انفصاماً وتناقضاً، فهم أيضاً تحدثوا عن انتهاك الشرعية والمواثيق الدولية رغم ارتكابهم جرائم موصوفة لدعم النظام ضد إرداة الشعب الثائر. بينما جاء رد فعل حزب الله سياسياً إعلامياً بلاغياً مهادناً، رغم امتلاكه ترسانة أسلحة وصواريخ متعددة المستويات والمدى، وارتكانه عادة إلى الحلّ العسكري العنيف في الداخل والخارج. الحزب تحدث عن خيار المقاومة لتحرير الجولان رغم أن هذه مسؤولية الدولة التي دمّرها حليفه الأسد. ناهيك عن تجيير مقدراتها لصالح العصابة الحاكمة، ثم استخدام الأسلحة التي دفع ثمنها الشعب السوري من عرقه وقُوته لقمع مطالبه العادلة بالحرية الكرامة.
ردود الفعل العربية جاءت مخجلة أيضاً سواء من قبل الأنظمة أو الإطار الرسمي العربي الجامع، ما يمكن اعتباره تأكيدا آخر على الردة التي أحدثتها الثورة المضادة وتحكم الفلول بعواصم القرار العربي، هنا يمكن فقط تخيل ردّ الفعل العربي الرسمي والشعبي على قرار ترامب فيما لو بقيت عربة الثورة على السكة الصحيحة في القاهرة؟ وهل كان ليتخذ مثل هذه المواقف أصلاً لولا تأكده من صمت وتواطؤ أنظمة الفلول والثورات المضادة بعد رد فعلها المخجل على اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ردود الفعل الدولية خاصة الأوروبية جاءت جيدة بالعموم عبر رفض القرار والتمسك بالشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة التى تعتبر الجولان أرضا سورية محتلة. هنا بدأ الموقف التركي كالعادة متفرداً قوياً معبراً عن المزاج الشعبي الرافض للسياسات الأمريكية الإسرائيلية وقناعات الحكومة التركية المنسجمة معه، كما مع إيمانها بمصالحها التاريخية مع المحيط العربي، ورفضها الوقائع التى يفرضها الاحتلال الإسرائيلي فى فلسطين وسوريا بشكل غير شرعي، وكان لافتاً حديث الرئيس رجب طيب أردوغان عن الذهاب إلى الأمم المتحدة كما حصل عند الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لرفض القرار وإفراغه من محتواه وجدواه، وقطع الطريق على أي تناغم أو تساوق دولي معه.
فى الأخير لابد من التأكيد كما دائما، على أن جرائم نظام الأسد وسقوط شرعيته، واستعانته بمليشيات أجنبية لقتل الشعب وتشريده وتدمير ثرواته وممتلكاته، ليس مبرراً للقرار الأمريكي بشرعنة الاحتلال الإسرائيلي للجولان، الذى هو ملك الشعب السوري صاحب الحق الحصري فى مقدراته وثرواته، وبالتأكيد فإن ترامب لا يملك الحق حتى يعطيه لمن لا يستحق.
تلفزيون سوريا
الجولان بين الأسد وترامب/ نادر جبلي
بتفاخر ووقاحة قلّ نظيرها، استعرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الحضور وأمام الكاميرات، وبوجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأمرَ التنفيذي القاضي بالاعتراف بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان، بعد أن زيّنه بتوقيعه. وبألم وغضب مقابل، وشعور قاتل بالعجز، راقبنا -نحن السوريين- المشهد.
وعلى الرغم مما يبدو عليه المشهد من قسوة، وما ينطوي عليه من غطرسة وعدوان، وما ينمّ عنه من استخفاف وازدراء بنا وبحقوقنا؛ فإنني لا أراه إلا تفصيلًا صغيرًا، في قضية الجولان ومصيره، لا يكاد يغيِّر شيئًا على مستوى الواقع أو على مستوى الحقوق.
على مستوى الواقع، الجولان محتلٌ منذ عام 1967. وقرار ضمه صدر عن الكنيست الإسرائيلي منذ عام 1981. و”إسرائيل”، بحكم قوتها وقوة من يدعمها ويحميها، وبحكم ضعف سورية خصوصًا والمحيط العربي عمومًا، تمارس سيادتها المطلقة على الجولان بثقة صاحب الأرض، ولم يعكّر صفو هذه الممارسة شيء، منذ اتفاقية فك الاشتباك الموقعة بين سورية و”إسرائيل”، في أيار/ مايو 1974 بعد حرب تشرين/ أكتوبر 1973.
على مستوى الحقوق، ثمة قرارات ملزمة من مجلس الأمن تُثبت أن الجولان سوريّ، وترفض قرار ضمه إلى “إسرائيل”، أهمها القرار 242 الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 بُعيد حرب حزيران، والقرار 338 الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر 1973 بُعيد حرب تشرين، والقرار 479 الصادر في كانون الثاني/ ديسمبر 1981 بُعيد قرار الكنيست بضم مرتفعات الجولان إلى “إسرائيل”. وقبل يومين، في 27 آذار/ مارس، دان جميع أعضاء مجلس الأمن، باستثناء الولايات المتحدة، في جلسة طارئة للمجلس عُقدت بهذا الخصوص، قرارَ ترامب، وعدّوه لاغيًا بسبب تجاهله للقانون الدولي وانتهاكه للقرارات الدولية.
إذن؛ لن يضيف قرار ترامب إلى قضية فقدان الجولان وصيرورة تكريسه أرضًا إسرائيلية شيئًا، وما قراره إلا إضاءة على هذه الصيرورة. أما أساس المأساة وعوامل استمرارها وتطورها على هذا النحو، ففي مكان آخر، بل في أماكن أخرى، ويجدر باهتمامنا، وبغضبنا، أن ينصرف إلى تلك الأماكن.
أساس مأساة الجولان، وأهم عامل في استمرارها كان، وما يزال، نظام الأسد، حيث بدأت القصة بقيام حافظ الأسد، وزير الدفاع السوري آنذاك، بتسليم هضبة الجولان إلى “إسرائيل”، في حرب حزيران/ يونيو 1967، من دون قتال، عندما أعطى أوامره للجيش بالانسحاب الكيفي من الجولان قبل وصول أي جندي إسرائيلي. واستمرت القصة بحرص حافظ الأسد، ثم وريثه بشار، على حماية حدود “إسرائيل” الجديدة، وأمنها، منذ اتفاقية فض الاشتباك عام 1974 حتى الآن.
كان التخلي عن الجولان، ثم ضمان سيطرة إسرائيلية هادئة آمنة عليه، بعضًا من مجموعة مهمات يبدو أن حافظ الأسد تكفَّل بتنفيذها، ضمن صفقة مشبوهة مع الغرب و”إسرائيل”، ضَمِنَت له ولسلالته الاستئثار بحكم سورية، وتطويع شعبها، ونهب خيراتها من دون منغصات.. ومن تلك المهمات أيضًا، إضعاف عبد الناصر بداية، ثم محاربة الناصرية كمشروع قومي وحدوي على مستوى الوطن العربي، وإضعافها وتحجيمها تاليًا، وإضعاف العرب وتشتيت قواهم، ودفن بذور ومقومات أي مشروع نهضوي، وتصفية القوى التي تحمله، والإمساك والتحكم في المقاومة الفلسطينية.. بعض تلك المهمات ربما لم تكن سوى التقاء مصالح، إذ غالبًا ما تتقاطع مصالح المستبد والمستعمر، ويتشاركان أهدافًا كثيرة، على رأسها تدمير عوامل قوة المجتمع وأسباب نهوضه. نلاحظ كيف يحوز نظام الأسد، عمليًا، رضى الإسرائيلي ودعمه، طالما أنه يمعن في تدمير وإضعاف سورية، وتهشيم مجتمعها.
لم يرشح شيء عن تلك الصفقة، لكن رائحتها كانت تزكم الأنوف، والمؤشرات على وجودها كانت تظهر عند كل محطة تاريخية مرّت بها البلاد في عهد هذه السلالة المباركة. أذكر من تلك المحطات: دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1975 وتصفية المقاومة فيه، والسيطرة عليه لثلاثة عقود – وارتكاب قوات النظام لمجزرة حماة عام 1982 – وعملية توريث السلطة لبشار عام 2000 – ودفاع “إسرائيل” عن نظام الأسد، وإنقاذه من السقوط في أزمته الكبرى مع الغرب عقب اغتيال رفيق الحريري عام 2005 – وصمت الغرب عن جرائم النظام الفظيعة بحق السوريين منذ بدء حراكهم الثوري عام 2011 حتى الآن – وارتياح “إسرائيل” اللافت لعودة قوات النظام إلى الحدود مع الجولان بُعيد طرد الفصائل المسلحة من هناك – وأخيرًا بقاء الأسد بحد ذاته، ومحاولة إعادة تدويره رغم كل ما فعله ببلده وشعبه طوال ثماني سنوات.
ثلاث صفات، حسب رأيي، ميّزت حافظ الأسد، ومنحته تلك الثقة الكبيرة لدى “إسرائيل” والغرب، أولها تدني، وربما انعدام، شعوره الوطني أمام رغبته العارمة في السيطرة المطلقة، والاستفراد بالحكم وتوريثه لأبنائه بأي ثمن، وثانيها جرميته وقدرته على استخدام العنف العاري، ضد شعبه وضد كل من يقف في طريقه، وثالثها عقله البوليسي المخابراتي الاستثنائي، وقدرته على توفير كل الصيغ والأدوات اللازمة لتنفيذ مشاريعه السامة، مع الظهور الدائم بمظهر البطل الوطني القومي المقاوم الممانع المنتصر دائمًا على أعدائه..
أما احتلال الجولان فلطالما كان حاجة ضرورية لنظام الأسد، زوده بالذريعة الدائمة لإبقاء البلاد في حالة حرب، ووضعها تحت رحمة قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإطلاق يد الأمن والعسكر في طولها وعرضها، وتغييب الحريات وكمّ الأفواه وإلغاء الحياة السياسة والثقافية، وتسخير البلاد والعباد لصالح معركة تحرير مزعومة ما كان لها لن تأتي أبدًا.. والمعادلة بسيطة: تأبيد حكم الأسد يتطلب تأبيد حالة الحرب، وهذه تتطلب وجود أرض تحت الاحتلال..
إضافة إلى الدور المركزي لنظام الأسد في تكريس ضياع الجولان، يمكن الحديث عن عوامل أخرى، منها الحالة المزرية التي تعيشها كل الدول والشعوب العربية، تحت وطأة أنظمة لا همّ لها هي الأخرى سوى حماية نفسها وامتيازاتها وتأبيد حكمها وإخضاع شعوبها. ما أوصل تلك الدول إلى الحضيض، وأفقدها قدرتها وسلب إرادتها ودمّر مناعتها.. وحولها في نظر الغرب و”إسرائيل” وإيران وغيرهم، إلى مجرد أنقاض وهياكل هشة لا حول لها ولا قوة، ولا تستحق بالتالي أن يُقام لها أي وزن.. فما الذي يمنع ترامب، والحال هذه، من الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان؟ والاعتراف بالقدس “عاصمة لإسرائيل”، وبنقل سفارته إليها؟ وما الذي يمنعه مستقبلًا من الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الضفة الغربية، أو إعطاء قطعة من سيناء للفلسطينيين، بدلًا من أرضهم السليبة؟ أو إجبار الأردن على توطين جزء منهم؟ لا شيء يمنع، طبعًا، لأن سقف الأمة هو الشعارات الفارغة والطنين في المكان.
ثم ماذا عن مسؤوليتنا ودورنا نحن، من نسمي أنفسنا معارضة وطنية، أو نُخبًا سياسية أو مثقفة؟ ألا نتحمل جزءًا من المسؤولية غير المباشرة عن ضياع الجولان، عبر مسؤوليتنا المباشرة عن بقاء الاستبداد واستحكامه بمفاصل مجتمعنا؟ أوليس لفشلنا المزمن في التأسيس لأي مشروع وطني وازن، يطرح بديلًا عن نظام الاستبداد، دورٌ في تغول هذا الاستبداد؟ هل منعتنا القبضة الأمنية من ذلك؟ أم منعتنا أمراضنا الذاتية، نرجسيتنا المفرطة مثلًا، وتعلق قياداتنا المرضي بالمنصب مهما كان الثمن، على غرار الطغمة التي نعارضها، وعدم حيازتنا ما يكفي من النضج والوعي السياسي، وعدم تشربنا لما يكفي من قيم ومبادئ الديمقراطية والعمل المؤسساتي، على الرغم من أننا نحشر مفرداتهما في معظم أحاديثنا وأدبياتنا وأسماء تنظيماتنا.
لن يغير ترامب بقراره شيئًا جوهريًا في وضع الجولان، هو فقط، وبسبب نرجسيته وشعبويته ووقاحته، وعدم خبرته، ورغبته في دعم نتنياهو في انتخاباته القريبة، ورغبته في إرضاء اليمين الإسرائيلي والأميركي، وفي إرضاء المسيحيين الإنجيليين الأميركيين، لتعزيز فرصه في فترة رئاسية قادمة… خرج عن المألوف في التعاطي مع القصة، وقدّمها بهذا الشكل الخشن الوقح.
لكن نعم، لقد ارتكب ترامب بقراره هذا جريمة مروعة فعلًا، إنما بحق العالم كله.. فقراره كان ضربة مزلزلة للقانون الدولي وللشرعية الدولية ومؤسساتها، ولكل الأسس التي قام عليها النظام العالمي الحديث، نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.. قراره تهديد خطير للسلم والأمن الدوليين… قراره بمنزلة رخصة لكل بلطجي وصاحب قوة في العالم، لأنْ يفعل ما يراه مناسبًا مع من هم أضعف منه… قرار ترامب يُعيد البشرية إلى شريعة الغاب وعصر الافتراس.
لا شيء يشبه مشهد ترامب في توقيعه على قرار الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان، إلا مشهد ذلك الداعشي الذي يحمل مطرقة ثقيلة يحطم بها قطعة أثريه ثمينة… ترامب هو ذلك الداعشي، وقلم ترامب هو مطرقة ذلك الداعشي، والشرعية الدولية التي يحطمها ترامب هي ذلك التمثال الثمين الذي يحطمه الداعشي… لا تخدعنا أناقة الثياب ونظافة المكان، والفرق فقط في قدرة كليهما على التدمير، حيث يتفوق ترامب بقدرته التدميرية الهائلة، بحكم تبوئه لمنصب رئيس أقوى دولة عبر التاريخ.
أختم بالتساؤل عما يمكننا فعله، كسوريين، بشأن الجولان؟ والجواب هو لا شيء بالتأكيد، فعمل شيء مؤثر يتطلب امتلاك القوة، لأن القوة وحدها هي من يصنع الفروق ويحفظ الحقوق، خاصة في عالم كعالم ترامب، وامتلاك القوة يتطلب بيئة لا توفرها سوى الدولة الوطنية الحديثة ومؤسساتها، دولة الحريات والمواطنة والحقوق، وحتى نجد طريقنا إلى تلك الدولة، لا نملك إلا أن نلعق جراحنا ونلعن قدرنا.
جيرون
عن المقاومة في الجولان/ بيار عقيقي
“المقاومة” مصطلح توافقت عليه معظم الآراء، بمعزل عن خلط بعضهم لها بـ”الإرهاب”، أنه “فعل يهدف لتحرير أرض أو التحرّر من سلطة أو حالة رفضية لقمعٍ أو ظلمٍ أو غيره”، غير أن المقاومات عموما في الشرق الأوسط اتخذت أبعاداً دينية، خصوصاً في ظلّ الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وهو ما يعني حكماً أنه باسم هذا النوع من المقاومة، لن يكون في وسع أي مقاومةٍ أخرى، لادينية ومبنية على أسس عقائدية أو سياسية أو جغرافية، أن تنشأ. عليه، كيف يمكن تفسير دعوة الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، إلى “المقاومة في الجولان”؟ بديهيّ أن لا أحد يوافق على احتلال أرضٍ، فكيف إذا كانت تلك الأرض قد احتلّها الإسرائيليون، ممعنين دوساً بالقرارات الأممية، ومدعومين من الولايات المتحدة؟
في الواقع، فعل المقاومة مطلوب وضروري، بمعزل عن سلوكيات النظام السوري تجاه الجولان. هذا أمر آخر. أما بالنسبة لمفهوم “المقاومة”، بحدّ ذاته، فمسألةٌ مدعاة للنقاش. لا يمكن، بكل بساطة، الدعوة إلى فعل مقاومة، تحت راياتٍ دينية، بمعزل عن أكثرية طوائفية أو أقلية طوائفية. تنوّع المواطنين الساعين إلى المقاومة والمنتمين لمختلف المشارب والانتماءات السياسية والطائفية أمر صحّي، طالما أن ما يحرّكهم هو “عامل إنساني” وفعل “حقّ”، لا فكرة دينية أو مسار ديني. ذلك لأن التاريخ علّمنا أن انتصار المقاومة متعدّدة العناصر مدخل إلى صراع داخلي، باسم “الثورة تأكل أولادها” أو “المقاومة تأكل أولادها”، يؤدي إلى تطاحنٍ ديني ـ فكري، يطيح مكتسبات أي مرحلةٍ سالفة، ويؤسس لدورة دموية في حياة العناصر التي قاومت، مليئة بالعنف والتفكك السياسي والاجتماعي، الذي يمنع تطوّر الشعوب. إذاً، الأمر متعلق بمفهوم المقاومة تحديداً، وهو أمر غير مرتبط بالغرب أو الشرق، بل متعلقٌ بالبيئة المحيطة في مرحلة ما بعد الانتصار. بالطبع، ستحكم هذه الفئة باسم الدين، ولا شيء غيره. مسألة فيها نظر.
وبعد، ينطلق فعل المقاومة، بحدّ ذاته في سورية، من محطة جوهرية: روسيا. فهل موسكو التي ساهمت في إبعاد القوات الإيرانية أكثر من 140 كيلومتراً عن الجولان نحو الشرق، مستعدة لفتح جبهة استنزافية جديدة؟ طبعاً لن تقبل روسيا بشيشان أخرى تدمّرها، كما فعلت حرب الشيشان الأولى (1994 ـ 1996). ففي 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، أفاد المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، بأن “بلاده ساهمت في إبعاد المليشيات الموالية لإيران مع سلاحها الثقيل مسافة 140 كيلومتراً عن مرتفعات الجولان باتجاه الشرق، وأنه تم سحب 1050 عنصراً و24 راجمة صواريخ و145 وحدة من الأسلحة الأخرى والتقنيات العسكرية”. وأوضح أن “موسكو أجرت مشاوراتٍ مع طهران، صرّحت إيران خلالها بأنها لا ترى من الصواب تأجيج الأوضاع في المنطقة، وأنها لا تحمل نوايا عدوانية تجاه إسرائيل”. كما أعلن في ذلك الحين أن “الشرطة الروسية نشرت حتى الآن ست نقاط مراقبة على طول خط (برافو) الفاصل بين الجولان المحتل والقنيطرة، وذلك لتوفير الأمن لقوات حفظ السلام الأممية”.
بالتالي، هل يمكن تجاوز روسيا في أي مشروع لـ”تحرير الجولان”؟ بالطبع، مخطئٌ من يعتقد أن موسكو هي حارسة “محور الممانعة”. لا يمكن للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يحيط نفسه بيهود روس يوالون الإسرائيلي، تحديداً كارتل النفط والغاز هناك، ثم يتبنّى مفهوماً عسكرياً لـ”إزالة إسرائيل من الجولان”. يكفي أن الغارات الإسرائيلية على مواقع لقوات النظام السوري والإيرانيين وحزب الله في سورية استمرت، وجديدها ليل الأبعاء ـ الخميس، على الرغم من السيطرة الجوية للروس على السماء السورية.
صحيح أن ما فعلته الولايات المتحدة بـ”الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان” أمر عبثي، إلا أن فعل المقاومة يجب أن ينطلق أصلاً من فكرة “تحرير الإنسان في الجولان”، لا ربط الأمور بمفاهيم دينية.
جميع حقوق النشر محفوظة 2019
العربي الجديد
ترامب والجولان: من لا يملك ومن لا يستحق ومن لا قيمة له ولا يهتم/ يحيى مصطفى كامل
ربما قد تبدو «خوف»، تلك الكلمة التي اختارها وحيدةً بوب وودورد عنواناً لكتابه عن ترامب غريبةً ملغزةً بعض الشيء للوهلة الأولى، لكن مع مراقبة سيرته وكثيرٍ من تصريحاته وتحركاته يتبين، بل يتأكد كم كان موفقاً ذلك الصحافي المحنك الذي ذاعت شهرته وتكرست مكانته مع كتابه الكاشف الفاضح لنيكسون وتورطه في فضيحة «ووترغيت» التي قصمت رئاسته وأنهت حياته السياسية.
الأكيد أنه صفحةً تلو الأخرى في ذلك الكتاب يتمكن من تبرير ذلك العنوان، وخلق الانطباع وتأكيد الشعور بالخوف من ذلك الرجل الذي أقل ما يقال عنه أنه غير منضبطٍ بالمرة، تحكمه أفكارٌ وانطباعاتٌ مسبقة خام، تعكس خلفيته الاجتماعية والاقتصادية، لم تصقلها ثقافةٌ أو ممارسةٌ سياسية محترفة. ولم يزل ترامب بعد مضي كل ذلك الوقت من مدته الرئاسية يفاجئنا ويخيفنا بتغريداته المنفلتة التي يطلق فيها العنان تماماً للتعليق كيفما شاء على ما يعترض طريقه من موضوعات، بغض النظر عن دقتها وحساسيتها.
بيد أن أشد ما استوقفني تكراره في الكتاب هو مفهومه عن القوة والضعف، فهو لا يقبل بأي شكلٍ أن «يبدو» ضعيفاً، ويمقت بشدة ما يراها تصريحاتٍ أو مواقف ضعيفة من المحيطين به، في ما يخوض فيه أو يمسه من قضايا وصراعاتٍ، لا يسمو بعضها عن مستوى المشاحنات. فالرجل إذن، مشحوناً بأفكارٍ وعواطف ليست بعيدةٍ على الإطلاق عن النازية في عنصريتها وتعاليها الممجد للقوة الفظة، لا يقيم وزناً إلا للقوة، وهو يتباهى دائماً مهنئاً نفسه بأنه يقدم على ما لم يجرؤ عليه سابقوه من الرؤساء، وأنه يحقق على أرض الواقع ما اكتفوا هم بإضماره وتركه يسري بموافقةٍ سلبية.
والآن إذ يؤكد مرةً أخرى وبشكلٍ صارخ قدرته هذه إذ اعترف بـ»حق» إسرائيل في الجولان وفي الدفاع عن نفسها في سابقةٍ خطيرةٍ من ناحية الشكل على الأقل في تاريخ الإدارات الأمريكية، فإنه يتعين علينا أن نسأل عن مغزى هذه الخطوة والأهم، كيف وصلنا إليها.
لست مبالغاً على الإطلاق إذ أؤكد أن هذه الخطوة التي لا أراها تغير كثيراً من الناحية الفعلية الواقع على الأرض لم تأت من الفراغ، بل هي إذ تشرعن في خطوةٍ نزقةٍ وقحة الاحتلال وسطوة القوة الغشوم، تختزل العديد من المتغيرات العالمية في ما يخص تحورات الأفكار والتحالفات والانحيازات وتوازنات القوة، للاعبين الاساسيين، بيد أننا إذ نضع في اعتبارنا أن ترامب مهما كان جنوحه ومهما بلغت رعونته ليس مطلق السلطات، بل تحدده مراكز قوى أخرى في الإدارة والكونغرس على الأقل، فيجب أن نتذكر ونشير إلى أن تلك ليست الخطوة الأولى في الاتجاه نفسه، فقد مهد لها أواخر العام الماضي تصويتٌ أمريكي ضد الإدانة السنوية الرمزية التي تصدر عن الأمم المتحدة لاحتلال الجولان، والأهم من ذلك الاعتراف بالقدس عاصمةً أبدية ً موحدة لإسرائيل، فترامب الذي جاء من خارج السياق التقليدي للسياسة الأمريكية، فلم يتدرج في بنية حزبه ( أو أي حزب آخر) معبراً عن تغيرٍ وأزمةٍ عميقتين وسخط مستعرٍ في طبقاتٍ وفئاتٍ ومناطق بعينها في المجتمع الأمريكي، كان الأجدر أن يكون العنوان لتلك الخطوة، التي تبدو هي الأخرى من خارج السياق التقليدي؛ لم يعد سراً أن ثمة وعياً لدى المحللين والمراقبين وبعض النخب السياسية والجمهور أن مكانة أمريكا تنزلق، وأن نحراً مستمراً ينتقص من هيمنتها. إن القوة تتسرب شرقاً وتحديداً لتصب في مصلحة الصين بقدرتها البشرية والصناعية وفوائضها المالية، التي تجسد طموحها فعلياً خطواتٌ واثقة واسعة بتوسيع أسطولها والاستزادة من حاملات الطائرات، بالإضافة إلى رصيدها من الأسلحة التقليدية والنوعية.
في المقابل، فإن منطقتنا التي أنهكها الاستبداد وترميم بنى النظم التي قامت ضدها الثورات، فاستمرت بمزيجٍ من القمع الوحشي والمناورة وضعف وتشرذم المعارضة، هذه الأنظمة لا تكترث بقضية الجولان أو التحرر أو التنمية، فهذه العناوين أو الروابط لم تعد تحيل إلى همٍ أو شاغلٍ حقيقي لديها منذ زمنٍ بعيد، تذكرني بتلك اللافتة التي لم يزل النظام السوري يرفعها في المناسبات ممجداً الصداقة السوفييتية السورية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بسنوات. والشاهد أن هذه الأنظمة لم يعد يعنيها سوى البقاء، البقاء بشكله البدائي الفج، وهي لا ترى سنداً سوى في رضا الغرب والولايات المتحدة بالأساس. لقد ضيعت هذه الأنظمة شعوبها (وأبادتها بشتى الأسلحة في بعض الأمثلة) وضيعت حقوقها فهي لا تكترث الآن بما تراه شكليات.
هذا في ما يخص الدول الكبيرة التقليدية العريقة ذات الحضارة، والكتل السكانية الضخمة وعلى رأسها مصر، أما إذ تحركت شرقاً صوب دول الخليج الريعية بمشيخاتها وإماراتها وممالكها فحدث ولا حرج، فهي لا يعنيها سوى بقائها على حالها وتخشى التغيير، أي تغيير، في الدول العربية الكبيرة نحو المشاركة والتعددية، فهي لا تفهم هذا النموذج وليست لها به حاجة، كما أنها في العمق لا ترى إسرائيل عدواً ولا خطراً مهدداً، بل العدو بأل التعريف بالنسبة لها يقع شرقاً في الأساس، إيران، التي تمددت لتحيط بها شمالاً وجنوباً وغرباً أيضاً. من المعلوم أن بعضاً من دول الخليج مولت ودعمت الانقلاب في مصر، وهي جرت ولم تزل صوب إعادة تعريف وتحديد للأولويات والمخاطر لتلتقي مع أمريكا وإسرائيل في التعامل مع إيران كعدو.
على اندفاعه لم يصدر اعتراف ترامب عن حماقةٍ محضة، وإنما عن انحيازاتٍ قد يتدخل فيها المزاج بهذا القدر أو ذاك، إلا أن المصالح وتقديرات القوى تلعب دوراً أساسياً فيها، ففي غياب أي دورٍ عربي ذي قيمة (أو اهتمام في حقيقة الأمر) ومع إدراكه لتطابق مصالح تلك الأنظمة العربية الفعلي مع إسرائيل، يضاف إليه التشرذم والرهان الدائم الدوني والمنسحق، الذي لم ينفك على الدعم الأمريكي، فإنه لم ير وزناً ولا باعثاً على القلق من ردة فعل هذه الأنظمة، رآها ضعيفة فاقدة الشرعية الشعبية ولا وزن لها ولا قلق من أنظمتها. في المقابل هناك مكسب محتمل من اللوبي الصهيوني وجماعات الضغط واليمين الإسرائيلي بنفحة الدعم تلك لنتنياهو الذي يقترب من الانتخابات تحت وطأة اتهاماتٍ ثقيلة بالفساد والملاحقة القانونية.
ليس زمن التغيرات الكونية بصعود قوى وهبوط أخرى فحسب، وإنما يصادف ذلك زمن حصادٍ في منطقتنا من العالم لدول ما بعد الاستقلال، حصادٍ مرير لأنظمة فاشلة تأبى الرحيل، خير من يمثلها ويرمز لحالها رئيسٌ مقعد كان ينتوي الترشح لولايةٍ خامسة لولا يقظة وهبة الشعب، وما قد بدأ من قرابة الأربعين عاماً، برهان على كارتر وبلده الذي يملك أكثر من 99% من أوراق القضايا، انتهى بالخلط بين الواقعية السياسية والانهزام وغياب الثوابت والرؤى.
مرةً أخرى يثبت الطغيان كم يفسد الضمائر ويضعف مناعة الشعوب للاحتلال والتفريط والخسائر، في الماضي كانت الأنظمة تتشدق «بأعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق» في إشارةٍ لبلفور والصهاينة، وكانت تقاطع وتمانع (على الأقل في الظاهر) لكن للأسف في ليل الثورة المضادة فإنها حتى فقدت القدرة على التظاهر بالاهتمام بصورةٍ مقنعة.
كاتب مصري
القدس العربي
الجولان المسروق: بحران من الماء والنفط!/ راجح الخوري
هذه مقدمات «صفقة القرن» التي تحدث عنها دونالد ترمب، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، خلافاً لكل القرارات الدولية، ولإجماع دول العالم على إدانة هذا القرار المدمر لفرص التسوية وحلّ أزمة الشرق الأوسط، إلى وثيقة الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، ما سيعمّق العداء ويؤجج الصراع في المنطقة، وينسف كل تاريخ المساعي الدبلوماسية التي بذلتها أميركا ودول العالم للتوصل إلى تسوية سلمية!
ربما يكون الآتي أسوأ وأكثر انحيازاً، ولكن كم يبدو العالم عاجزاً عن وقف مفاعيل هذه القرارات المدمرة، فعندما رفض مجلس الأمن بالإجماع قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم يتغيّر شيء في الموقف الأميركي، باستثناء تهديد نكي هيلي لدول العالم، يومها قالت: «هذه إهانة لن ننساها»، والآن لن يكون مستغرباً أن تنظر واشنطن إلى إدانة مجلس الأمن ودول العالم لقرار منح هضبة الجولان إلى الإسرائيليين على أنه إهانة جديدة!
بعيداً عن لغو قرارات الشرعية الدولية وضعف المواقف الدولية، التي لا تقدّم أو تؤخر، كان واضحاً تماماً عند المتابعين والخبراء، أن إسرائيل لن تتخلى عن هضبة الجولان أبداً، وقد أعلنت عن ذلك تكراراً في الأعوام الأخيرة، وذلك من منطلق ما تمثله تلك الهضبة من أهمية كبيرة لدولة الاحتلال.
وإذا كانت عملية ابتلاع القدس حاجة سيكولوجية يريدها الإسرائيليون لنسف حقائق التاريخ والجغرافيا، وصولاً إلى دعم النظرية التي تنكر وجود دولة فلسطين، بما يدعم نظرية الصهيونية حول شرعية كيان أرض الميعاد، فإن عملية ابتلاع الجولان حاجة حيوية وضرورية لإسرائيل؛ خصوصاً بعدما تأكد عملياً أن تلك الهضبة الاستراتيجية، تنام على بحرين من الثروات الهائلة:
أولاً «بحيرة طبريا» التي تسقي إسرائيل، وثانياً بحر هائل من النفط المكتشف، الذي يقال إنه يكفي حاجة الدولة الإسرائيلية ما يصل إلى 400 سنة، كما تؤكد شركة النفط الإسرائيلية israel national oil company– INOC وشركة [genie energy – ltd] الأميركية، ومقرها نيو جيرسي، واللتان تتوليان عمليات التنقيب منذ أعوام!
قبل الحديث عن الماء والنفط، من الضروري التوقف قليلاً أمام الترهات التي طالما ساقتها إسرائيل، من منطلق القول إن طبيعة هضبة الجولان التي ترتفع فوق طبريا وامتدادها، تشكل خطراً عسكرياً كبيراً، وهكذا دافع الرئيس ترمب عن قراره توقيع «وثيقة الجولان»، بالقول إن الولايات المتحدة تعترف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة التحديات الأمنية، وإنه يوقع اعترافاً بسيطرتها على الجولان، مشيراً إلى التهديدات، التي تجعل من الهضبة منطقة لإطلاق الهجمات العنيفة، في تلميح إلى إيران و«حزب الله».
ورغم أن السعي الإيراني إلى ترسيخ وجود عسكري في الجولان في الأعوام الأخيرة، بات يوفّر الذريعة نظرياً لكلام ترمب وبنيامين نتنياهو، فإن ذلك من الناحية الميدانية يبقى في مستوى الترهات، على الأقل لأننا في زمن الصواريخ والقاذفات، التي تُسقط عملياً أي أهمية للعامل الجغرافي وقيمة المرتفعات في الحروب!
في بداية عام 2000 جرت محادثات جادة، دعمها الرئيس بيل كلينتون، بين سوريا التي مثّلها فاروق الشرع، وإسرائيل التي مثّلها إيهود باراك، في ولاية فرجينيا، بإشراف وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، لكنها انتهت إلى الفشل بعد أسبوع، بسبب الخلاف على ترسيم الحدود عند بحيرة طبريا، يومها وافق إيهود باراك على الانسحاب حتى خط الحدود الدولية لعام 1923 شرط إزاحة الخط غرباً ليمر على بعد 10 أمتار من الشاطئ الشرقي للبحيرة، لكن الرئيس حافظ الأسد رفض، وأذكر أنه قال يومها للأميركيين: «لا… أنا أريد أن أضع رجلي في مياه طبريا» وأصرّ على موقفه، رغم أن كلينتون طار في 27 مارس (آذار) عام 2000 إلى جنيف لإقناعه، لكنه أصرّ على انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967!
بحيرة طبريا التي تبلغ مساحتها 166 كيلومتراً مربعاً تتسع لأكثر من 4 مليارات متر مكعب من المياه، إنها خزان حياة لإسرائيل، ولهذا لم تسع منذ البداية للاحتفاظ بها فقط، بل لمحاولة السيطرة على مساقط المياه فيها من جبل الشيخ وتخومه، والمعروف أن أنهر اليرموك والدان وبانياس والحاصباني والوزاني في لبنان تصب فيها، وسبق لإسرائيل أن قصفت لبنان عندما حاول تحويل مجرى نهري الحاصباني والوزاني عام 1965!
اكتشاف مخزونات هائلة للنفط في الجولان، لم يتم فجأة في الواقع، فبعد احتلال الهضبة عام 1967، بدأت شركة «أوفيك» الإسرائيلية عمليات التنقيب سراً، وتقول التقارير إن النتائج كانت مفاجئة، وهي التي دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار ضم الجولان عام 1981، وعندما استؤنفت المفاوضات السلمية بين البلدين عام 1992 أوقف إسحق رابين عمليات التنقيب، التي عادت ونشطت بقوة عام 1997 بعد وصول بنيامين نتنياهو إلى الحكم، ثم بدأت تتوالى الأخبار عن اكتشافات مذهلة نفطية وغازية.
في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015 نشرت مجلة «إيكونوميست» مقالاً بعنوان «ذهب أسود تحت الجولان» قالت فيه إن عمليات التنقيب الأميركية الإسرائيلية تؤكد وجود احتياطي هائل، ونسبت إلى يوفال بارتوف، الجيولوجي الرئيسي لشركة «جيني أويل» الأميركية قوله حرفياً: لقد وجدنا طبقة نفط تبلغ سماكتها 350 متراً في جنوب الجولان، وهو ما يؤكد وجود كميات كبيرة جداً، لأن سمك طبقات النفط عالمياً هو بين 20 إلى 30 متراً، ما يعني 10 أضعاف المتوسط العالمي، وانطلاقاً من التقديرات التقريبية فإن وزارة الطاقة الإسرائيلية تحسب أن استهلاكها اليومي هو 270 ألف برميل، أي نحو 99 مليون برميل سنوياً، ما يعني أن مخزونات الجولان ستكفيها لعقود!
أمام هذه الاكتشافات، عقد نتنياهو في 27 أبريل (نيسان) من عام 2016 الذي يصادف عيد الجلاء السوري، اجتماعاً لحكومته في الجولان، وأعلن بعنجهية أن إسرائيل لن تنسحب أبداً من كل الأراضي التي احتلتها من سوريا في حرب الأيام الستة عام 1967 وستطبّق عليها جميع التشريعات الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، بدأت إسرائيل حملة علاقات عامة هدفها التمهيد لصدور قرار ترمب الاعتراف بسيادتها على الجولان، تمهيداً لموقف ربما يرد في سياق ما يسميه ترمب «صفقة العصر»، وهكذا توالت تصريحات نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، ومن ثم السيناتور ليندسي غراهام، ووزير الخارجية مايك بومبيو، داعية ترمب إلى توقيع «وثيقة الجولان»!
بعد كل هذا، قد يكون من المفيد جداً أن نعرف من هم أصحاب شركة «جيني إينرجي» الأميركية الشريكة مع «أوفيك» الإسرائيلية، وهما الشركتان اللتان تديران عمليات النفط والغاز في الجولان، ففي مقدم هؤلاء نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، ورئيس الاستخبارات الأميركية السابق جيمس وولسي، ورجل الأعمال اليهودي هاوارد جوناس، وروبرت مردوخ، الذي يشاركه جاريد كوشنر صهر ترمب، والذي كلفه ترتيب «صفقة العصر».
لقد سرقوا القدس ويسرقون الجولان، والعالم لا يملك غير بيانات الإدانة والتنديد!
الشرق الأوسط
الجولان كان على بعد خطوتين/ علي حميدي
يوم زرنا مدينة خان أرنبة والقنيطرة في الجنوب السوري رفقة وفد طلابي عربي، كنا مثلهم نسمع من دليلنا البعثي كلاما عن بطولات الجيش في حرب تشرين، وعن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، كان متحمسا منطلقا، كمن يمارس الخطابة كحرفة تلهب الحماسة والعزيمة في النفوس، تعلي الروح المعنوية، وتشحذ الهمم، يومها لم نكن على أبواب الحرب، كانت مجرد زيارة من الزيارات الروتينية التي ينظمها اتحاد الطلبة وسواه من النقابات السورية البعثية؛ للتعريف بالجولان المحتل، وبآثار معارك “التحرير”.
الدليل استفاض في بث الأمل في النفوس بأن هذه الأرض العربية السورية التي تبعد عن مكاننا مسافة دقائق، ونراها بأم العين، ستعود يوما إلى وطنها الأم سوريا، بالحرب أو بالسلام، لا فرق، وهذا حال الأمم العزيزة لا تترك حقها ولو بعد حين.
وقتها في بداية الألفية، كان الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان دون اتفاق قد حرك في الضمير المقاتل شيئا من الدفع إلى التفكير في الجولان المحتل جلّه، والذي ترسم خطوط الأمم المتحدة خريطته المؤقتة -كونها تعتبره أرضا سورية محتلة- وقتها كان الجولان على بعد خطوتين، ونحن نسمع ونرى ونتذكر المشاهد التي كانت تعرض على وسائل الإعلام لأعراس أحد أطرافها من الشطر المحتل، وتأخذنا الحمية لنعود بعدها ونسمع همسا في بعض الدوائر أن الأسد الأب باع الجولان منذ زمن، وكان ثمنها حكم عائلته المستمر لسوريا، ومع ذلك، لم يكن في سوريا التي أعرفها من يرضى بضياع الجولان، كان الشعب السوري جاهزا في كل وقت لتقديم الغالي والنفيس لاستعادتها، لكن إطار التحرير الذي تحول من القوة إلى “السلام العادل الشامل” الذي سوق له الأسد الأب كبديل واقعي للتحرير، جعل خيار الحرب ثانيا على الجبهات، دون أن يغير الدعاية الأسدية بأننا في حالة حرب وتسليح، وتقوية الجيش هي أولويتنا الوطنية وكل ذلك سيتكسر لاحقا عند أول محك حقيقي يختبر في النظام، من خلال مظاهرات شعبية رافقت الربيع العربي، ليكتشف الشعب السوري أن الجولان في عقلية الحُكام نسيا منسيا، وأولويتهم هي جيش يحميهم من الشعب فقط، وهذا ما كان، فزج الجيش بثقله في مواجهة السوريين بطريقة لم يشهد لها مثيلا، فلم يعرف تاريخنا الحديث نظام حكم وجيش يواجه بالمقاتلات الحربية والسلاح الكيماوي والصواريخ البالستية والدبابات وراجمات الصواريخ والبراميل المتفجرة شعبا أعزل وشبه أعزل لاحقا، إذاً يوم كان الجولان على بعد خطوتين كان النظام يراه بعيدا، ويرى في السوريين عدوه، وما كان التسليح والتجييش والتوجيه المعنوي إلا لموقف كالذي حدث في 2011 وما تلاه.
الجولان السوري المحتل اليوم لا بواكي له، فأصحابه في تيهٍ، ومن كان لعقود يردد الشعارات باسمه بدا في السنوات الأخيرة غير آبهٍ بمصير الجولان، حتى وصلنا لحال عشنا فيها في زمن رئيس أميركي مقامر مغامر يفعل ما يريد، يواجه العالم والأمم المتحدة والشرعية الدولية وقوانينها دون أدنى مسؤولية تجاه الكوكب، يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل ويهديها الجولان دعما لرئيس وزرائها في معركته الانتخابية القادمة، وينافح عنها في المحافل الدولية، ونحن جميعا دون حول أو قوة، معارضتنا غارقة في همومها منذ سنوات، ونظام الأسد يرقّص الناس في الميادين “اعتراضا” ويطرب لسماع تنديد العالم بقرار دونالد ترمب، حتى وصل الأمر بمندوبه في الأمم المتحدة للاستشهاد بمواقف الدول التي كان يشتمها في جلسات سابقة، ليقول للمندوب الإسرائيلي “عيب على إسرائيل” انتهى الاقتباس.
من المصادفات التي تحمل الدلالات الفاقعة أن تعلن رومانيا نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وافتتاح هندوارس ممثلية فيها، في الوقت الذي وقع فيه ترمب قراره بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وكأنها رسالة بأن العالم بعضه أو كله سيحذو ولو بعد حين حذو الولايات المتحدة بموقفها من الجولان، وهذا الخبر السيء، فالتعويل على العالم وعدله تجاه قضايانا سنكتشف كما هو دائما أنه تعويل لا طائل منه، أما المسؤول الحقيقي عن هذه الكارثة، فهو بلا شك نظام الأسد من الأب إلى الابن، هو يوما باعها، ويوما ناور لاستعادتها، من خلال ابتزاز العالم في لبنان، وما تبقى من فلسطين، ومن خلال دعم لحزب الله الذي استخدمه لاحقا في حربه الحقيقية على الشعب السوري، وفي كل الأيام كان الجولان بالنسبة للسوريين على بعد خطوتين
تلفزيون سوريا
الجولان الذي لا يعرفه علي الديك/ عبد الرزاق دياب
المسافة بين دمشق والقنيطرة لا تتعدى 58 كيلو متراً تلك التي قطعها الباص الذي أقلنا ذلك اليوم نهاية فصل الشتاء إلى قرية (بير عجم) حيث يختلط الطين بالعشب، والمناسبة كانت الاستعداد لاستقبال الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشسكو الذي سيزور المدينة المدمرة، ويلقي كلمة التضامن مع سوريا ضد الممارسات الوحشية الصهيونية العنصرية.
في الطريق إلى المدينة المنكوبة كان لا بد من ترداد كل الأناشيد والهتافات الوطنية التي تتوعد بالنصر على العدو، وتمجد مناقب القائد الذي حوّل الهزيمة إلى أنشودة نصر، والروح التي سنفدي بها الوطن عندما نكبر نحن الذين لم نرَ في هذا الكرنفال سوى مشوار لمراهقين قيل لهم أنتم جنود المستقبل.
كان مشواراً فاصلاً بيني وبين وطني الصغير (الجولان)، ولم يعلق في الذاكرة سوى هذا البكاء المباغت عند مشاهدة البيوت المتداعية، وكان لا بد فيما بعد من استصدار تصريح أمني لزيارتها بالرغم من الخانة التي تصيح أنا من هنا.
في الأحياء التي بناها (النازحون)- وهو الاسم الذي باتوا يعرفون به في وطنهم- جرى تجهيل أجيال بأكملها إلا ما رحم ربي، وهؤلاء تم فرزهم على أسس طائفية وعشائرية، والدولة القومية والعروبية قسمتهم حسب انتماءاتهم الصغيرة، وفي مجلس شعب النظام كان يتم تمثيلهم درزي وعلوي وشركشي وبدوي وفلاح وتركماني، وهذا أيضاً ما ينطبق على انتسابهم القسري لحزب البعث.
كان البطش شديداً، ومات من شباب الجولان أكثر مما قتل على يد الصهاينة في النزوح الكبير، ووجدها البعض فرصة للعودة حيث الشريط الفاصل بين العين والأرض المستلبة
صارت القنيطرة المدينة الصغيرة المهمشّة بديلاً قزماً عن أرض واسعة خصبة، وخزان ماء لا ينضب، وأصبحت مزار المناسبات الوطنية، وبالكاد يزورها أبناء الجولان مرة في السنة كمن يزور ضريحاً لميت لن يعود، وحجيجاً لباقي السوريين لاستذكار يوم الجلاء.
في تلفزيون الوطن كان الجولان لوناً واحداً، ومواطناً واحداً فقط..هو ذاك الذي بقي هناك في القرى الخمس، وتحول وفق إرادة التقسيم إلى صورة الجولاني الممانع فيما بقية سكان الجولان تم تغييبهم عن المشهد، والآلاف الذين تكاثروا على مرّ عقود النزوح باتوا خارج الكادر لا يحسنون سوى الحسرة على وطن بات أبعد من حطام القنيطرة.
جاء آذار 2011 ليكون فرصة لاستعادة ما مضى، ونهضت في قلوب النازحين كل سنوات القهر والتغييب، وانتفضت تجمعات الفقر في الريف وجنوب العاصمة في أول هبّات دمشق وريفها، وكأنما لم يفنَ المارد المحبوس في قمقم القمع، وكانت شرارة التدمير حيث يعلم الجاني والضحية كم بينهما من دين يجب رده، ومن عمر لا بد من إعادته لأولئك الذين ماتوا وفي عيونهم دمع الحنين المسروق.
كان البطش شديداً، ومات من شباب الجولان أكثر مما قتل على يد الصهاينة في النزوح الكبير، ووجدها البعض فرصة للعودة حيث الشريط الفاصل بين العين والأرض المستلبة، وهكذا طوال سبع سنوات من الحكاية تم إعادة المشهد لكن هذه المرة وصل النازحون في رحلتهم الجديدة إلى كل أقاصي الأرض، ومعهم أيضاً من كتب عليهم التهجير من سوريين فقط لأن عينهم رأت أكثر مما ينبغي لها.
منذ أيام قليلة أهدى ترامب لإسرائيل أرض هؤلاء النازحين وحلمهم، ووقع من واشنطن صك التنازل الأخير على وطن ليس يملكه، وانتظر الجميع الرد المتوقع من نظام الممانعة وحلفائه فكان على قدرهم تماماً..خطاب أجوف عن الصمود والنصر القادم، والجولان السوري في قاموس التنازل.
لم يوفر أبواقهم فرصة للصراخ في منابر الممانعة، توعّدوا وراهنوا، وكان أكثرهم صراخاً الديك الأعرج الذي هزه فقط شبح الإهانة لقائده فانتفض لعش الدجاج، وفي المساء كانت طائرات العدو المرتعش تدك مواقع الحلفاء في أقصى شمال الوطن حيث ترقد قبيلة الديوك التي كانت تعدّ لليلة لطم طويلة على أبواب حلب.
تلفزيون سوريا
الجولان: ترامب يستكمل ما بدأه حافظ الأسد سنة 1967
اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً جديداً لا ينتهك القانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة فحسب، بل يضرب عرض الحائط بما كانت الولايات المتحدة نفسها قد صادقت عليه في أحقاب سابقة، وكان أصلاً يلبي مقدار الحد الأدنى من التزام واشنطن بتوافقات ما يُسمى بالمجتمع الدولي. وعلى غرار قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، يكون قراره الجديد الاعتراف بسيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان المحتلة منذ حرب 1967.
وإذا صح أن الإجراء الأخير يأتي استجابة لرغبة رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بهدف انتشاله من مآزقه السياسية ومتاعبه القضائية على أعتاب انتخابات لا تلوح مؤشراتها مواتية لتحالفه الحكومي ولا هي في صالحه شخصياً، فإن من الأصح وربما الأخطر أن ترامب يتخذ أيضاً خطوة جديدة تمهد للمسار الذي سوف يسير عليه مشروع التسوية الذي تتولاه إدارته وبات معروفاً باسم صفقة القرن. فبعد إسباغ الصفة الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي للقدس والجولان، لن يطول الوقت كما يبدو حتى يعلن ترامب إغلاق ملفّ اللاجئين واعتبار حق العودة لاغياً.
وليس جديداً أنه في هذا يمارس العربدة القانونية الدولية كيفما شاء، إذْ تراكمت سوابقه في ميادين أخرى تخص قضايا المعمورة بأسرها، فتنصل من اتفاقية باريس حول المناخ، وانتقل إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وانسحب من منظمة اليونيسكو ومجلس حقوق الإنسان ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين. وليس جديداً أيضاً أنه يتخذ القرارات بعقلية رجل الأعمال، بالجملة أو المفرق سيان عنده، فتكون أرباح صديقه نتنياهو أثمن عنده من خسائر واشنطن جراء اتخاذ خطوات انعزالية.
ومما يضيف الإهانة على جرح إهداء الجولان إلى الكيان الصهيوني أن النظام السوري ظل يواصل اعتبار الهضبة مسألة مقايضة مع دولة الاحتلال عبر وسيط أمريكي تارة أو وسيط مصري أو تركي أو أوروبي تارة أخرى، قبل أن يثبت منذ الأشهر الأولى لانتفاضة الشعب السوري في مثل هذه الأيام قبل ثماني سنوات أن الجولان ثانوي تماماً في حساباته. ذلك لأنه سحب عشرات الكتائب التي كانت مرابطة في بقاع مختلفة من الجولان بموجب اتفاقية الفصل لعام 1973، ونقلها إلى الداخل لكي تقصف التظاهرات السلمية في حوران وريف دمشق وحمص وحماة ودير الزور، بل إنه أطلق صواريخ سام لا لاعتراض الطائرات الإسرائيلية التي ظلت تسرح وتمرح في أجواء سوريا وإنما لكي تسقط على المشافي والمخابز والمساجد والأسواق الشعبية.
ومن جانب آخر لا تنسى الذاكرة الوطنية السورية تضحيات أبنائها الذين استشهدوا دفاعاً عن الجولان في مختلف المواجهات مع الكيان الصهيوني، ولكن هيهات أن تنسى أيضاً البيان 66 الذي صدر عن حافظ الأسد وزير الدفاع آنذاك وأعلن سقوط مدينة القنيطرة قبل ساعات من وصول أول جندي إسرائيلي إلى تخومها. ولا تنسى كذلك جعجعة خطاب النظام الرسمي حول الانتماء إلى ما يسمى محور المقاومة، في كل مكان ما عدا الجولان حيث بقيت المدافع خرساء والدبابات جاثمة بلا حراك.
وليس غريباً أن تبلغ مرارة السوريين درجة الإحساس بأن قرار ترامب في 2019 إنما يستكمل ما بدأه وزير دفاع النظام في 1967.
القدس العربي
فشل ترامب الذريع في الجولان
أرئيل شاليط/ أسوشيتد برس
قرر الرئيس دونالد ترامب، في تغريدة على تويتر يوم الخميس 21 آذار/ مارس، الاعترافَ بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، باعثًا حماسًا مفاجئًا عند الناخبين الإسرائيليين، قبل أسبوعين فقط من الانتخابات في 9 نيسان/ أبريل. رحّب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الواقع في ورطة، على الفور بهذا الإعلان، وهكذا، بيأس، فعل معارضو نتنياهو في الانتخابات.
مهما كانت القوة الرمزية لاعتراف ترامب، بالنسبة إلى الإسرائيليين -وهي رمزية لأن الهضبة الاستراتيجية التي تبلغ مساحتها 500 ميل مربع تقع تحت السيطرة الإسرائيلية منذ عام 1967، عندما استولت عليها القوات الإسرائيلية من سورية- فإن خطوته في الجولان ستشهد توترًا حاميًا. وستضر بالأمن الإسرائيلي، وتُقوض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وخارجه، وفي الوقت نفسه ستحرك عش الدبابير الذي لا يحتاج إلى إثارة.
نتنياهو، الذي يواجه الناخبين للمرة الرابعة على التوالي، خلال أسبوعين فحسب، يخوض معركة حياته السياسية. اصطدم سعيه لإعادة انتخابه بعقبتين رئيستين: الأولى هي لائحة اتهام تلوح في الأفق بتهم فساد متعددة، حيث أعلن المدعي العام الإسرائيلي بالفعل عزمه على توجيه الاتهام إلى رئيس الوزراء. والثانية هي التحالف الأزرق والأبيض، وهو تحد قوي غير متوقع من تحالف انتخابي جديد، برئاسة ثلاثة رؤساء أركان سابقين بالجيش ووزير مالية سابق. ما ينقذ نتنياهو من مصير فظيع هو تحقيق نصر انتخابي حاسم، وخلق فرصة لتمرير قانون يمنحه الحصانة في أثناء وجوده في السلطة.
في حال مواجهة هذه التحديات، سيعبر نتنياهو كل المحطات. لقد استخدم منبره المتميز لتوصيف تحقيق الفساد (من قبل المدعي العام المختار من قبله) بمطاردة ساحرة. لقد جلب حتى أكثر الأحزاب تطرفًا تحت جناحه -حتى عوتسما يهوديت [حزب يميني متطرف] وهو حزب مدان على نطاق واسع كحزب عنصري داخل إسرائيل وبين الجماعات اليهودية الأميركية- من خلال وعود بمناصب وزارية. وشدد على أن لا يمكن لأحد أن يضاهيه بالاحترام الذي يكنه له زعماء العالم، وخاصة الاحترام في واشنطن.
بدلًا من انتظار لحظة مثيرة في المكتب البيضاوي، عندما يزور نتنياهو واشنطن في الأيام القليلة المقبلة، غرد ترامب بالأخبار بعد ظهر الخميس. أشعل الإعلان المفاجئ النيران في إسرائيل، وألقى بظلاله على قصة فساد جديدة، حول الطريقة التي اشترى بها قريبٌ بعيد لنتنياهو أسهُمَ رئيس الوزراء في شركة متعثرة للصلب، وحقق ربحًا كبيرًا بشكل مثير للريبة، ووفق جميع المؤشرات، كان ذلك استثمارًا فاشلًا.
أثار نتنياهو احتمال اعتراف الولايات المتحدة، في كانون الثاني/ يناير، بعد سنوات كانت فيها القضية في حالة سبات. بعد كل شيء، تحتفظ إسرائيل بالسيطرة المطلقة على الجولان منذ خمسة عقود، وسيطرتها المستمرة ليست موضوع جدال في معظم أنحاء العالم. أتت الحرب الأهلية السورية فقط لتقوية حالة السيطرة الإسرائيلية. لكن قرار ترامب بموافقة الولايات المتحدة الرسمية -ليس فقط بالسيطرة ولكن بالسيادة- ستكون له عواقب سلبية كبيرة، بالنسبة إلى إسرائيل، والدبلوماسية العربية الإسرائيلية، ودور القيادة الأميركية في هذا المسعى، وكذلك بالنسبة إلى مصالح السياسة الخارجية الأميركية الأوسع.
لننظر أولًا إلى مصالح إسرائيل. في سورية، حيث قوّضت تغريدة سياسةً أخرى متقلبة النفوذ الأميركي الضئيل أصلًا، في التوصل إلى تسوية سياسية للحرب، وقضت خطوة ترامب عليها تمامًا الآن. حصل بشار الأسد على حق الضحية، ويحتج بأن البلد الذي وافق على الاستحواذ الدائم على أراضيه السيادية، من قبل أحد الجيران، يجب ألا يكون له أي رأي في الحكم المستقبلي لسورية.
إيران وحزب الله، أيضًا، يحصلان على كسبٍ غير متوقع: مع احتلال إسرائيل للجولان الذي يباركه الآن “الشيطان الأكبر”، سيطالبان بمزيد من المبررات للإرهاب والعمليات العسكرية الأخرى ضد إسرائيل، وسيكون من الصعب على الدول العربية أن تدعم واشنطن ضدهم.
لقد كانت إسرائيل تدير موقفًا حساسًا للغاية في سورية، وفازت بموافقة روسية محدودة على الضربات الإسرائيلية التي تهدف إلى منع التحصين الإيراني ونقل الأسلحة إلى حزب الله. إهداء ترامب الجولان لنتنياهو، لم يترافق بأي دعم عسكري إضافي لإسرائيل في التعامل مع مشاكلها في الشمال، وقد تدفع الروس، تحت ضغط من الأسد وإيران وحزب الله، إلى اغتنام هذه الفرصة لزيادة تقييد حرية إسرائيل في الأجواء السورية. ربما تكون إسرائيل قد ربحت نصرًا رمزيًا، لكن عندما يتعلق الأمر بالمعركة الحقيقية التي يشنها جنرالاتها في سورية، فإنهم وحدهم.
وجّه تحوّل ترامب الواضح في السياسة ضربةً قويةً أخرى لخطة السلام التي طال انتظارها، والتي وضعها جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، مستشارو البيت الأبيض. لأن هذه الخطوة تقوض آفاق التعاون الإقليمي العربي الذي يبدو أن جهودهم تعتمد عليه. بعد حرب عام 1967، أصدرت مجلس الأمن القرار رقم 242، الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في هذا الصراع، كجزء من سلام عادل وشامل ودائم. لقد كان هذا القرار يحكم الدبلوماسية العربية الإسرائيلية منذ ما يقرب من نصف قرن. وبالفعل، هو مكتوب في ديباجات معاهدات السلام المصرية الإسرائيلية والأردنية الإسرائيلية.
تثير خطوة ترامب البحث حول مسألة صحة تأييد الولايات المتحدة لهذه المرجعيات، وأسس التقارب العربي الإسرائيلي، ورعاية الولايات المتحدة لعملية السلام العربية الإسرائيلية وقيادتها. هناك بعض الخلاف حول قرار مجلس الأمن رقم 242 أهو ينطبق على مرتفعات الجولان، حيث لا توجد لدى سورية أو إسرائيل حدود معترف بها دوليًا، أم لا. ولكن ليس هناك شك في أن الحكومات العربية المهمة سوف تقرأ خطوة ترامب على أنها تقوض التزام الولايات المتحدة بالقرارـ 242.
بالنظر إلى تصرف الرئيس، ما مدى احتمال أن تثق الدول العربية الأخرى بأي التزامات أميركية تعهدت بها لصالح خطة جاريد للسلام؟ ما مدى احتمال أن تستثمر الحكومات العربية في خطة سلام ترعاها الولايات المتحدة الآن، حيث قوّض ترامب الآن أربعة عقود من الدبلوماسية العربية الإسرائيلية التي ترعاها الولايات المتحدة؟
هذا الإعلان يضرّ بالفلسطينيين أيضًا. خلال العامين الماضيين، قام ترامب “بإخراج القدس من الطاولة”، على حد تعبيره، وأغلق مقر البعثة الفلسطينية في واشنطن والبعثة الأميركية للفلسطينيين في القدس، وقطع المساعدات عن المجتمع المدني الفلسطيني والاحتياجات الإنسانية. يرسل الموقف إزاء الجولان الآن رسالة جديدة صارخة إلى الفلسطينيين: التخلي عن السلام.
إن أعضاء حزب نتنياهو، الذي يدعمه ترامب بوقاحة لإعادة انتخابه، يتحدثون بازدياد عن إقرار قانون بضم المنطقة (ج) في الضفة الغربية، التي تشكّل 60 في المئة من الأراضي وتسيطر عليها حاليًا قوات الدفاع الإسرائيلية. وستعني مثل هذه الخطوة نهاية تامة لحل الدولتين، لكن تصرفات ترامب بشأن الجولان تشير إلى أنه قد يستعد لدعمه.
أخيرًا، لا تتعارض وجهة نظر إدارة ترامب حول مرتفعات الجولان مع قرارات الأمم المتحدة، بشأن النزاع العربي الإسرائيلي فحسب، بل تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة نفسه، وتحديدًا مع مبادئ المادة 2 المتعلقة بالحل السلمي للنزاعات الدبلوماسية، ورفض التهديدات لسلامة الأراضي للدول الأعضاء. في مناطق الصراع حول العالم، اعتمدت الدبلوماسية الأميركية على هذه المبادئ الأساسية للضغط على الدول الأخرى للتفاوض بدلًا من القتال، وإنهاء الحروب التي كلفت الأرواح وزعزعت الاستقرار.
وبالتالي فإن الآثار المترتبة على تخلي ترامب عن هذه المبادئ سوف تمتد إلى أبعد من مرتفعات الجولان. خذ المعارضة الأميركية لضم موسكو لشبه جزيرة القرم، لم يعد لدى ترامب الآن ما يستند إليه. وبالمثل، يمكن لموسكو أن تستدعي الرياء الأميركي في رفضها الاعتراف بـ “استقلال” أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الذي ترعاه روسيا عن جمهورية جورجيا. ويمكن للمغرب والجزائر الآن طرد وسيط الأمم المتحدة للصحراء الغربية، الذي سعت إدارة ترامب لدعمه. أو ماذا لو اجتاحت المملكة العربية السعودية قطر؟ إذا توقفت واشنطن عن التمسك بالمبدأ الدولي الأساسي الذي يعارض الاستيلاء على الأراضي بالقوة، يجب أن نتوقع من دول كثيرة الاستيلاء على الأراضي التي تطمع فيها من أراضي جيرانها.
يشير هذا الاحتمال المظلم أيضًا إلى أن أي رئيس أميركي مقبل سيواجه تحديًا هائلًا في السعي لاستعادة القوة الأميركية ومهمة القوة الأميركية، في حقبة ما بعد ترامب. سواء أكان خلفه جمهوريًا أو ديمقراطيًا، فإنه سيحتاج إلى التعاون مع المؤسسات متعددة الأطراف والحكومات المتشابهة في الرؤيا. وبإطاحة عقود من الاستثمار الأميركي في أدوات متعددة الأطراف كأدوات للسلام، فإن ترامب جعل هذا العمل أكثر صعوبة.
اسم المقال الأصلي Trump’s Golan Fiasco
الكاتب تامارا كوفمان ويتس وإيلان غولدنبيرغ،TAMARA COFMAN WITTES and ILAN GOLDNBERG
مكان النشر وتاريخه بوليتيكو،POLITICO، 22/3
رابط المقال https://www.politico.com/magazine/story/2019/03/22/trumps-golan-fiasco-226102?utm_campaign=Foreign%20Policy&utm_source=hs_email&utm_medium=email&utm_content=71051346
عدد الكلمات 1164
ترجمة وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة
موقع جيرون
“داعش” أم الجولان؟/ سوسن جميل حسن
صدر عن الكنيست الإسرائيلي في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1981 ما سمي “قانون الجولان”، وهو قرار ضم الجولان، حيث تم بموجبه “فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على الجولان”، نجم عنه دوليًا أن أصدرت هيئات الأمم المتحدة قراراتٍ عديدة، بخصوص المنطقة، كان أهمها قرار مجلس الأمن رقم 497 في تاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول 1981، اعتبر فيه أن قرار إسرائيل ضم الجولان ملغي وباطل، وليس له أي أثر قانوني على الصعيد الدولي، وطالب مجلس الأمن إسرائيل بإلغاء قرارها فوراً. عدا القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها القرار 36-147 في 16/12/1980 الذي دان إسرائيل لمحاولاتها فرض الجنسية الإسرائيلية بصورة قسرية على المواطنين السوريين في الجولان. ولكن إسرائيل تضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية، وهي ماضيةٌ في مشروعها الرامي إلى تهويد فلسطين والأراضي التي احتلتها بشكل كامل. قامت بتهويد الجولان بتغيير أسماء المناطق والأماكن، وفرض منهاج تدريسي على السكان الذين بقوا في أرضهم، وعملت على إبراز التاريخ الديني واليهودي في كتب التدريس، وتجاهل التاريخ العربي والإسلامي، واعتماد المناسبات والأعياد اليهودية والإسرائيلية أيام عطلة رسمية في المدارس، والمؤسسات الخدمية المعنية. وقد أعلن السوريون إضرابا عاما ومفتوحا حتى تتحقق مطالبهم، اعتبارًا من 14/ 2/ 1982. ثم دأبت القيادة السياسية في سورية على إحياء هذه الذكرى كل عام في أحد المواقع المقابلة لبلدة مجدل شمس المحتلة، يؤكد المشاركون فيه “أن الجولان أرض عربية سورية، وهي جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية السورية، وسيبقى سوري الهوية واللسان والأرض رغم كل الممارسات العنصرية الصهيونية الرامية لتهويده وضمه إلى الكيان الصهيوني”. وفي احتفال هذا العام إحياء لانتفاضة السوريين في الجولان رفضًا لقرار الضم والتهويد، قال عضو في قيادة فرع القنيطرة لحزب البعث العربي الاشتراكي إن سورية ستنتصر على الإرهاب وداعميه، لافتاً إلى “أن السوريين اليوم أكثر إصرارًا وعزيمة على استكمال تحرير أراضيهم المغتصبة بما فيها الجولان المحتل بهمة الجيش العربي السوري وصمود شعبه”.
ولكن الواقع السوري الحالي يجعل كل سوري محترق بنيران الحرب يزداد وجعًا على وجع، وهو يرى أن “السلخ” قائم على قدم وساق في جلد الوطن وجسده، ولم تعد شعاراتٌ من هذا القبيل تثير في نفسه غير اليأس والإحباط والاستخفاف وعدم التصديق، وهو يرى بلاده وقد أنهكتها الحرب، وأن جيش الوطن لم يعد قادرًا على حماية الوطن، بعد أن وجه سلاحه إلى الداخل، واستنزفته الحرب في بلده، وأن سورية صارت مناطق نفوذ ترفرف في سمائها أعلام كثيرة.
صرح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يعتلي منبر “تويتر” أكثر ما يعتلي أي منبر في بيته الأبيض، بأنه “حان الوقت لتعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان”، وقال: “فكرت في القيام بذلك منذ فترة طويلة. وهذا كان قرارًا صعبًا بالنسبة لكل الرؤساء (الأميركيين)، ولم يقم أي واحد منهم بذلك، وهذا يشبه مسألة القدس، وأنا قمت بذلك”. ولم يختلف ترامب عن سابقيه إلاّ بجرأته التي يعرف كيف يلعبها، فالسياسة الأميركية طالما كانت منحازة إلى إسرائيل، وساعية إلى دعمها والحفاظ على أمنها كما يصرّحون، ويعرف أيضًا أن القنابل الصوتية تفعل فعلها، خطوة أولى وأساسية، فهي تشحن العواطف والانفعالات، وتمتص الصدمة الأولى، بينما هو ماضٍ في تحقيق مشروعه، وليس قراره إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته إليها، بعيداً عن هذه الممارسة.
سبقه قبل ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، عندما أقر الكنيست قرار ضم الجولان في العام 1981 في التعويل على صدى القنابل الصوتية هذه أمام الكنيست، بالقول: “كل ردود الفعل العالمية والعربية على قرار إسرائيل بضم الجولان ستقتصر على الشجب والصراخ الذي سيزول بعد فترة قصيرة جدًا”. ولن يكون الواقع أكثر من ذلك، كما يعرف ترامب تمام المعرفة، ولذلك تراه يعمل بجرأةٍ تصل إلى حدّ الاستهتار بالرأي العام العالمي، وتحرج الدول التي سبق وأن اتخذت قراراتٍ سابقة بشأن مواضيع قنابله الصوتية، فماذا سيقدّم العالم تجاه قضية الجولان، وضمها أكثر من التنديد والشجب بتصريحات وتعابير مطاطة متباينة اللهجة؟ مثال عليها قول المتحدثة الخارجية البريطانية إن “ضم الأراضي بالقوة أمر محظور بموجب القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة”. وأضافت: “لم نعترف بضم إسرائيل الجولان عام 1981 ولا خطط لدينا لتغيير موقفنا”، فهل سيبقى الموقف مبدئيًا؟ وماذا ستقدم بريطانيا التي قدمت للصهاينة وطنًا قبل مائة عام على حساب أصحاب الأرض، وغيرها أكثر مما قُدّم في مجلس الأمن والجمعية العامة قبل ذلك، وما صدر من قراراتٍ لم تلزم الحكومة الإسرائيلية بشيءٍ، بل استمرت بمشروعها الاستيطاني وإصرارها على يهودية الدولة وبناء المستوطنات؟ وماذا ستقدّم إيران، على الرغم من شعارها الكبير الرامي إلى القضاء على إسرائيل؟ أو تركيا أو روسيا؟ كلهم يديرون حرب مصالحهم على أرض سورية ويتقاسمونها.
ليست القضية تغريدة للرئيس الأميركي، بل هي قرار بدأه برمي قنبلته هذه، فبعض التصريحات لمسؤولين في الإدارة الأميركية تقول إنه يجري حاليًا الإعداد لوثيقة رسمية حول اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان، يمكن أن تصدر قريبًا، بتوقيع الرئيس الأميركي، يرفعها أمام الكاميرا بكل ثقة واعتزاز، تحمل توقيعه المعقد. ماذا في وسع سورية أن تفعل، ليس فقط لأنها بلد أنهكته الحرب، وأنها صارت مقسّمة إلى مناطق نفوذ وولاءات،
وأن تقرير مصيرها لم يعد بيد الشعب السوري المنقسم أساسًا على نفسه، والموزّع خلف زعاماتٍ مرتبطة، بل أيضًا لأنها بدون حاضنة عربية، فالدول العربية تمر في أصعب مراحلها، ومنقسمة فيما بينها أيضًا، ولم تعد إسرائيل البوصلة. وفي حال غياب موقف عربي واضح وقوي، سوف تسعى “إسرائيل” إلى كسب هذا الاعتراف، وسوف تناله من الأميركيين، لأنهم ذاهبون في دعم الاحتلال إلى أبعد مدى. صارت هناك أولويات في العداء، تختلف بين منطقة وأخرى على امتداد هذه “الأمة” التي يبدو من الصعب، أو شبه المستحيل، أن تكون أمةً بحق. وفي المقابل، هناك تحالفات تنجم عنها. وقد عقّدت التغيرات الإقليمية الحاصلة في السنوات الأخيرة المشهد السياسي في المنطقة، وأصبحت الملفات متداخلة، وأصبح الوضع بين سورية وإسرائيل مرتبطًا بشكل وثيق بالظرف الإقليمي، الناجم عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، بل بين سورية ودول عربية لا ترى في إسرائيل عدوها الأول، بل إيران، وتعقد العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة بسبب قضية الأكراد، وروسيا التي رمت، بكل ثقلها، في الحرب السورية، في دعمها النظام وحمايته من السقوط من دون أن تتجاهل وجود إسرائيل، صاحبة الشروط الخاصة بدعوى تحقيق أمنها الذي يهدّده الوجود الإيراني في سورية، بحسب ادعائها، ومبرّر قصفها مواقع في سورية، تقول إنها تابعة لإيران.
مؤلمٌ أن يُنهي السوريون في الجولان بيان دعوتهم إلى الانتفاض في 13 فبراير/ شباط
1982 بهذه العبارة: “إخوتنا في الكفاح، يقع على عاتقكم اليوم الوقوف بجانبنا بكل ما لديكم من إمكانات، وليعلم الجميع أن الأمور قد وصلت إلى حالةٍ لا تسمح لأحد بالوقوف متفرجًا أو محايدًا”، فهذا الشعب “السوري” منهك حتى النخاع، ولم يعد قادرًا على الوقوف إلى جانب نفسه، أنهكته حروبه الداخلية والخارجية، وليس من المستغرب أن تتزامن تغريدة ترامب مع إعلان القضاء الجغرافي على تنظيم الدولة الإسلامية، التنظيم المافيوي الذي لم يكن ليكون دولةً في أي يوم، لكنه استحدث ليكون الراجمة الشيطانية التي رموها ومدّوها بكل أنواع الدعم، لتقوم بتدمير المجتمع والوطن السوري. “داعش” أخطر من أن يكون دولة، فالدول لا تقوم هكذا بدون إرادات دولية، واعتراف دولي، وتعاون مرحلي واستراتيجي. ولم ينته الاستثمار به بعد، صحيحٌ أن القضاء عليه جغرافيًا، وربما عسكريًا، قد أنجز، وهذا جيد في المحصلة، لكن فاتورته كانت نزيف دم وأرواح بشرية، غالبيتهم من المدنيين، لكن الذريعة والطريقة والمآلات المرتقبة تجعل السوري يرتاب أكثر، ويدخل في ضبابية مقلقة، فالمصير لم يعد بأيدي السوريين، والعملية السياسية المرجوّة لا يمكن التكهن بنتائجها، طالما أنها مرتبطة بالإرادات الخارجية، وليست بيد السوريين، و”داعش” ما زال على شكل طرود جاهزة لتفجير معارك في كل حين، والجولان رهينة إرادة سلخه النهائي عن جسم سورية، وسورية الباقية مقسمة في الواقع اجتماعيًا وجغرافيًا وسياسيًا، ولكل قسم زعاماتُه التي تقرّر مصيره.
العربي الجديد
تغريدة الجولان: استئصال كل أثر لمحاولات التسوية/ وسام سعادة
وقّت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استهتاره بالقرارات الدولية 242 و338 التي تقتضي الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية المحتل، والقرار 497 الذي يبطل فيه قرار إسرائيل ضم الهضبة من جانب واحد، واعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الهضبة، باقتراب موعد الانتخابات التشريعية في إسرائيل.
بيد أن استهتارا بالقانون الدولي كهذا يتعدى كونه دعما سخيا لتكتل ليكود في هذه الانتخابات، انه اعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان «بمناسبة» الموسم الانتخابي وليس «من أجل» هذا الموسم، مثلما انه، بهذه التغريدة او من دونها، لا يزال تكتل ليكود يشكل القوة السياسية الاكبر نسبيا في إسرائيل، ومن الصعب توقع انقلاب للأوضاع في هذا المجال، بل ينحصر الرصد في التوزيع الذي سوف تناله الاحزاب القومية الدينية والقومية المتطرفة على يمين الليكود داخل الكنيست.
في العشرية التي اعقبت مؤتمر مدريد، لم يفاوض الجانب الإسرائيلي ابدا مع الجانب السوري على اساس رفض الانسحاب من الجولان من حيث المبدأ، وانما على عمق هذا الانسحاب ومداه الجغرافي، هذا بالرغم من قرار الكنيست بضم الهضبة عام 1981، وعدم وجود قرار مماثل بالنسبة الى الضفة الغربية. حتى نتنياهو، بوصوله الى السدة عام 1996، ما كان بامكانه ان يتخفف تماما من مبدأ الانسحاب من الجولان، ولو انه عمد الى ارجاع المفاوضات الى نقطة الصفر، الامر الذي اعترض عليه الجانب السوري واصر على استئناف المفاوضات من حيث توقفت. اليوم، الرئيس الأمريكي يبادر عشية انتخابات إسرائيلية الى احياء موضوع شبه مغفل، كما لو انه يقول ان حصيلة الحرب السورية المباشرة في هذا الصدد هو تمليك الجولان لإسرائيل دون وجل.
في إسرائيل نفسها الذي قابل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو اعتراف ترامب هذا بالابتهاج، وجد مع ذلك تحفظين صهيونيين حيال هذا الاعتراف. فمن جهة، ثمة من اعتبره تدخلا فظا ونافراً من جانب دولة اجنبية، الولايات المتحدة، في الانتخابات الإسرائيلية، ومن جهة ثانية ثمة مثلا، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل دان شابيرو، الذي تحول بعد اختتام وظيفته الديبلوماسية، الى استاذ زائر في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. بالنسبة الى شابيرو، كان الاجدى بأمريكا وإسرائيل عدم ارجاع مسألة الهضبة الى الضوء مجددا، سيما وان مختلف الاطراف الإقليمية تطبعت عمليا مع الامر الواقع القائم منذ حرب 67.
يرأس نتنياهو الحكومة الإسرائيلية بشكل متواصل منذ عشر سنوات، وهو ما لم يسبقه اليه لا ديفيد بن غوريون ولا غولدا مائير ولا اي رئيس وزراء آخر، بل انه القطب الاقوى في الدولة العبرية منذ وصوله المرة الاولى الى هذا المنصب عام 1996.
لم ينافسه في ربع القرن الاخير سوى اريئيل شارون. صحيح ان شارون فرض خيار خطة فك الارتباط الاحادية مع قطاع غزة، في مواجهة الاعتراض الشديد من جانب خط نتنياهو في التكتل، لكن انشقاق شارون و«معتدلي» الليكود عام 2005، لتأسيس حزب «كاديما» مع ثلة من قدامى «حزب العمل» بينهم شمعون بيريز، هذا الانشقاق تبين سريعا انه عاد بالفائدة لليكود ولنتنياهو، اذ اندثر «كاديما» سريعا بعد غيبوبة شارون عام 2006، ولم يعد العطار لحزب العمل ما افسده الدهر، وازدهرت احزاب متطرفة جديدة عند كل استحقاق انتخابي، احزاب يخوض معها الليكود عملية تفاوض محموم وصعب في كل مرة لتشكيل الحكومة، لكن الليكود استمر بالنتيجة مهيمنا على اللعبة السياسية، ونتنياهو مهيمن على الليكود.
تداول السلطة التي عاشته إسرائيل منذ 1977 يوم فاز الليكود بالانتخابات، منهيا فترة طويلة من الهيمنة «العمالية» دامت منذ قيام الدولة، هذا التداول اصبح عملياً من الماضي منذ بداية قرننا هذا، واكثر فاكثر في العشرية الاخيرة، وهذا لا يحتاج الى همة ترامب لتثبيته اكثر مما هو ثابت.
في الوقت نفسه الذي يرفع فيه نتنياهو داخل إسرائيل السقف الايديولوجي الاكثر تصلبا، وتتسرب فيه عند كل عتبة خطط له لمهاجمة إيران، فان التطرف الذي يجسده ما زال يطرح نفسه كتواق لحرب اقليمية شاملة لم تحصل بعد، فالجولات الحربية الاكثر عدوانية وعنفا للدولة العبرية في ربع القرن الاخير تمت معظمها في الاوقات التي يكون فيها نتنياهو خارج السلطة. حرب 1996 على لبنان. قمع الانتفاضة الفلسطينية المتجددة 2000-2003. حرب 2006 على لبنان. والى حد كبير، استثمر نتنياهو في عثرات الحكومات الاخرى، اذ اتى لاول مرة الى السلطة بعد عملية «عناقيد الغضب» واسس تخبط إسرائيل بعد حرب تموز 2006 لتلاشي كاديما والائتلاف الحكومي الذي يقوده، وعودة نتنياهو لعقد كامل منذ 2009. لا يعني هذا ان التحضير المتواصل للمجابهة الاقليمية الكبرى، مع إيران، هو مجرد شأن خطابي عند نتنياهو، انه بالعكس تماما عمل تراكمي متواصل لا مجال لعدم ادراك خطورته، وخاصة في هذه اللحظة، لحظة التناغم المطلق بين ترامب وبين نتنياهو.
تغريدة ترامب عن الجولان اسهام اضافي في توطيد هذا التناغم. فهي تدخل في سياق القول للعرب ان المدخل لأي تسوية مع إسرائيل من الآن فصاعدا هو المصادقة على كل ما سلبته منهم في حرب 67 ناقص سيناء (سيادة محدودة) وقطاع غزة (حصار دائم) وسلطة ذاتية مضعضعة في أقسام من الضفة. لم تعد أي صفقة قرن واردة، بمعنى اتاحة دولة فلسطينية من اي نوع كان، مقبولة لا بالنسبة الى ترامب ولا بالنسبة الى نتنياهو، الامر الذي يفترض من المتمسكين بمرجعية مدريد (الارض مقابل السلام) ادراك ذلك. الرهان على السلام في التسعينيات كان له ما يسوغه الى حد معين، لكن اليوم هذا كمن يدخل الى عزاء صائحا «ان شاء الله دايمة».
السلام على اساس مرجعية مدريد جرى ضربه تماما. احياؤه صار مستحيلا (لنقل حتى تبدل الوضع كله رأسا على عقب، الامر الذي يفتقد لمعطيات ملموسة يبنى عليها).
بالنسبة الى ترامب ونتنياهو فان «التشطيب» على التسوية بشكل نهائي، على هذا النحو، هو تزكية للخيار الحربي الاقليمي. على قاعدة: انتهينا من الصراع العربي الإسرائيلي، لكن الصراع الإسرائيلي الإيراني يتطلب حربا شاملة واعنف، فيها تضافر أمريكي إسرائيلي تام، لكن بخلاف العرب الذين لم يتطبعوا بسرعة مع الهزيمة، فان المتطرفين في ادارة ترامب وفي حكومة إسرائيل يراهنون على هزيمة كاملة شاملة لإيران (وبالتالي تغيير نظامها كاملا).
هل يبقى كل ذلك محبوسا في صدور هؤلاء المتطرفين، ام يجد فرصة لتطبيقات ميدانية صاعقة له هذا الربيع؟
الحرب ليست طبعا «كلمة بالفم». لكن منذ التدخل الاطلسي في ليبيا 2011، اي منذ 8 سنوات، اكتفت أمريكا بالقسم الثاني من «الحرب على الإرهاب» (الحرب على داعش) بتعاون مفارق بين القصف الجوي الأمريكي لقوات التنظيم، وتقدم للحشد الشعبي العراقي مؤازرا من الباسدران الإيراني.
بدل ان يساهم هذا الاشتراك في الحرب على داعش الى تقارب أمريكي إيراني، وبدل المواصلة على طريق الاتفاق النووي، انقلبت الاحوال دراماتيكيا، بنتيجة اقتدار قوة إيران اكثر فاكثر في المنطقة، لكن اساسا بنتيجة تبني إسرائيل، ثم أمريكا، لنظرية ان الصراع العربي الإسرائيلي انتهى تماما، بتسوية او من دون، وان تطبع العرب مسألة تعنيهم هم فقط، يمكن فقط تشجيعهم عليها نفسيا اذا استجابوا، وان الصراع الأمريكي الإسرائيلي – الإيراني لا يمكن ان يحسم الا دفعة واحدة، بحرب كلية نهائية.
كاتب لبناني
لقدس العربي
«الجولان مقابل السفارة»… أما الآن فمقابل الأسد!
1. «فرصة تصوير» ـ هكذا درج على تسمية اللحظة التي يتم فيها إدخال قطيع من الصحافيين والمصورين إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، لتخليد اللقاء بين الرئيس الأمريكي والضيف الذي وصل لتوه. في فرصة التصوير غداً في البيت الأبيض سيسجل رئيس الوزراء نتنياهو لحظة تاريخية، ليس أقل، حين ستعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان. ولكن في فرصة التصويت هذه سيجلس إلى جانب نتنياهو في الغرفة، حاضر غائب، الرئيس السوري بشار الأسد أيضاً.
في أثناء الحرب الأهلية في سوريا ذبح الأسد أبناء شعبه، استخدم السلاح الكيميائي، قتل قرابة نصف مليون رجل وامرأة وطفل وجعل نحو 7 ملايين إنسان لاجئين. ولكن في أعقاب تغريدة ترامب، فإن عظيم القتلة هذا أصبح في نهاية الأسبوع زعيماً سيتمتع بتأييد دولي جارف من جانب دول أوروبا وروسيا والصين، والتي أعلنت بعضها بأنها تعارض بشكل مطلق الخطوة الأمريكية للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان.
2 ـ لا يدور الحديث هنا عن خطوة تصريحية. كان ينبغي لبشار الأسد أن يكون متهماً بالقتل في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ولكنه بدلاً من ذلك سيتلقى مساعدة دولية على تثبيت نظامه. والآن، سيبذل الروس جهوداً جبارة في بناء الجيش السوري، وستواصل إيران تعزيز تواجدها في سوريا، والدول العربية إلى جانب أوروبا ستمنح الأسد المظلة الدولية التي يفترض أن تؤشر إلى إدارة ترامب بأن عليها أن تحترم النظام العالمي. بتعبير آخر: مكانة الأرض التي احتلت لن تتغير إلا باتفاق دولي، وليس بشكل أحادي الجانب.
3 ـ يشعر الكثيرون منا بأنه يجب استغلال حقيقة أنه يجلس في البيت الأبيض رئيس مستعد لأن يقف إلى جانبنا في كل وضع، ومحظور الاستخفاف بالمؤسسات الدولية. بعد ترامب كفيل أن يأتي نزيل جديد إلى البيت الأبيض، في تغريدة واحدة يلغي قسماً كبيراً من خطوات سلفه. وبشكل عام، في نهاية المطاف، يجدر بالذكر أن إسرائيل تأسست على خطوتين: اعتراف الأمم المتحدة بالحاضرة اليهودية التي نمت في فلسطين ـ بلاد إسرائيل، وفكرة دونم إثر دونم، الصهيونية العملية التي ليست من الهذر والتصريحات الفارغة من المضمون.
هذه هي الخلفية التي أدار بها رؤساء الوزراء على مدى السنين مفاوضات مع جيراننا، بهدف الوصول إلى اتفاقات على الحدود الدائمة لإسرائيل. لقد حاول نتنياهو التوصل مع الأسد الأب في 1999 ومع الأسد الابن في 2010 إلى اتفاق يتضمن إعادة هضبة الجولان مقابل إقامة سفارة إسرائيلية في دمشق. وهو لا يمكنه أن ينفي أنه كان مستعداً للتنازل عن الجولان مقابل أن يمسح الإسرائيليون صحون الحمص في دمشق.
3 ـ والآن يأتي الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان، ويثور الاشتباه بأنه يستهدف مساعدة نتنياهو على نيل ولاية خامسة كرئيس للوزراء. يهودا هرئيل، طليعيّ الاستيطان في الجولان، سبق أن قال إن هضبة الجولان ستبقى في سيادة إسرائيلية ليس بسبب من يجلس في البيت في بلفور، بل بسبب من يتمسك بأرضها الصخرية. بتعبير آخر: تصريحات لا تبني الواقع.
يحتمل جداً أن يؤدي الاعتراف الأمريكي إلى بداية العد التنازلي حتى إعادة هضبة الجولان إلى السوريين، سواء بالمفاوضات أو باستئناف الأعمال العدائية من جانب السوريين ضد أهداف في إسرائيل ـ بتشجيع الروس والإيرانيين ـ تنتهي بتسوية مفروضة. من يريد أن يمنع مزيداً من القتل على الحدود ملزم بأن يسعى إلى تسويات متفق عليها مسنودة باعتراف دولي. أما فكرة «شعب وحده يسكن» فلا يمكنها أن تحل محل نيل كرسي على طاولة الشعوب.
4 ـ «لم أتلق شيكلاً»، قال رئيس الوزراء فيما يتعلق بالمكتشفات الأخيرة في قضية الغواصات. أنا أصدقه. بخلاف ما نشر عن الأرباح السمينة التي وصلت إلى حسابه البنكي في أعقاب الأسهم التي حصل عليها من ابن عمه ميليكوبسكي. أصدق بأن ليس لهذا أي صلة بقراراته بالنسبة لشراء الغواصات من ألمانيا.
غير أنه إذا كان كذلك، فلماذا ينزل نتنياهو إلى هذا المستوى المتدني جداً في محاولة لصرف النقاش نحو هاتف بني غانتس، الذي اقتحمه الإيرانيون؟ ففي حالة نتنياهو لو أن الهاتف الذي ليس لديه اقتحم، لأحرقت القصص التي ستنسكب من هناك شبكة بيزك.
5 ـ نتنياهو، وفقاً للجنة الأذون في مكتب مراقب الدولة لم يدفع لمحاميه، الذين يصلون الليل بالنهار من أجله. كما أنه لم يدفع لقاء البدلات الفاخرة التي منحها له ابن عمه أو لقاء تلك الهدايا من السيجار والشمبانيا الوردية. «لم أتلق شيكلاً»، يقول رئيس الوزراء ولكن الأدق لو أنه قال: «لم أعط شيكلاً».
شمعون شيفر
يديعوت 24/3/2019
القدس العربي
هضبة الجولان تدفع ثمن 20 سنة من المفاوضات السرية بين “الأسدين” وتل أبيب
أعادت تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السوري المحتل، فتح محاور عديدة مرتبطة بتاريخ طويل من مباحثات السلام السرية بين النظام السوري وإسرائيل، ولفتت إلى تبدّل واضح في الخطاب الإسرائيلي حول الجولان، أسقطت بموجبه فكرة عقد اتفاق تسوية مع الأسد، كانت تل أبيب ميّالة إليه خلال ربع قرن من الزمن.
في هذا السياق، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن رئيس النظام السوري بشار الأسد بدأ في أيلول/سبتمبر 2010 محادثات سلام متقدمة بوساطة أمريكية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتيناهو، جرى خلالها مناقشة الانسحاب الإسرائيلي إلى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967، لكنها توقفت في عام 2011 بعد انطلاق الثورة السورية.
ووفقًا للصحيفة الإسرائيلية فقد تم خلال المباحثات المتقدمة الاتفاق على وثيقة “النقاط الست”، والتي شملت بالإضافة للانسحاب الإسرائيلي إلى خط الرابع من حزيران، تعزيز الترتيبات الأمنية بين الطرفين بناء على نموذج يعيد نشر القوات العسكرية بعد تجريدها من السلاح تمهيدًا لإنشاء منطقة منزوعة السلاح، شريطة فك ارتباط النظام السوري بإيران وحزب الله اللبناني.
كما تضمنت المفاوضات مقترحًا إسرائيليًا لصفقة تبادل أراضٍ بين سوريا والأردن والسعودية، ينقل الأردن بموجبه مناطق للخارطة السورية تعادل مساحة الأراضي التي تبقى تحت سيطرة إسرائيل، مقابل أن تمنح السعودية شريطًا من الأراضي على طول البحر الأحمر جنوب العقبة للأردن.
يشير التقرير الإسرائيلي المطول إلى أن محادثات السلام السرية بين النظام السوري والحكومات الإسرائيلية لم تتوقف منذ 20 عامًا، حيث تم النقاش خلالها عن “تسوية إقليمية”، بدأت عام 1992 عندما أبلغ وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق رابين، أن الرئيس السوري حافظ الأسد على استعداد لإجراء محادثات سلام مشابهة للمحادثات التي أجريت مع الرئيس المصري أنور السادت، ونتج عنها اتفاقية “كامب ديفيد”.
يعكس التقرير الأخير تبدلًا واضحًا في الموقف الإسرائيلي خلال الأعوام الثمانية الماضية، ففي الوقت الذي كانت تسعى فيه تل أبيب لإبرام اتفاقية سلام مع النظام السوري تمكّنها من شرعنة احتلالها لهضبة الجولان، فإنها تبدو الآن غير معنية بإعادة فتح مباحثات السلام مع النظام السوري، نتيجة موقف الأسد الضعيف وتحالفه مع قوى إقليمية وعالمية لديها أزمات دبلوماسية وسياسية مع المجتمع الدولي، فيما بدا أنها أصبحت صاحبة القرار في البلاد، بطريقة عبرت عنها هآرتس بالقول: “انتهى عصر الخيار السوري”.
مراسلات كيري – الأسد.. مفتاح مباحثات السلام الفاشلة
يأتي التقرير الأخير تأكيدًا لما ورد أساسًا في مذكرات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، الذي تحدث عن عمله كوسيط بين الأسد ونتنياهو عام 2010. حيث دعا الأسد إدراة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدعم عملية السلام مع إسرائيل، وأكد من خلال رسالة نقلها مع كيري استعداده “لاتخاذ عدد من الخطوات مقابل إعادة الجولان من إسرائيل”، ما جعل نتنياهو يقف متفاجئًا أمام التنازلات التي قدمها رئيس النظام السوري مقابل المضي بتوقيع اتفاقية السلام حينها.
استمرت إسرائيل بالعمل على تنسيق أمني مع النظام السوري، وأيدت لأكثر من مرة استعادة النظام السوري لكافة المناطق الخارجة عن سيطرته في جنوب وجنوب غرب سوريا على الشريط الحدودي الفاصل مع هضبة الجولان المحتل، كما أكدت على أن عودة النظام السوري يجب أن تشمل ابتعاد القوات الإيرانية وعناصر حزب الله عن المناطق الحدودية.
وكان نتنياهو قد أعلن في أكثر من مناسبة أن بلاده تنتهج سياسة “صفر مشاكل” مع النظام السوري، إلا أن ما يدفعها للتدخل عسكريًا في سوريا، حسب قوله، هو تواجد القواعد العسكرية الإيرانية، والنفوذ الإيراني المتزايد قرب المناطق الحدودية مع هضبة الجولان المحتل، وقد كان واضحًا في أحد تصريحاته المرتبطة بعلاقة إسرائيل مع الأسد، قائلًأ إنه ليس لدينا “أي مشكلة مع نظام الأسد منذ 40 عامًا، ولم يتم إطلاق رصاصة واحدة على مرتفعات الجولان”.
الجولان كورقة ضغط روسية!
عودة إلى تغريدة ترامب التي أعادت فتح ملف السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل رغم معارضة المجتمع الدولي، فإن هذه الخطوة تأخذ منحى مختلفًا بالنظر لتشابك مصالح الأطراف المعنية بالقرار.
فقد أشارت تقارير روسية إلى أن الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى سوريا، هدُفت إلى إيصال رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذر الأسد من التواطؤ مع إيران، مشددًا فيها على ضرورة الانسحاب الإيراني من سوريا، حيثُ تسعى موسكو من خلال علاقتها القوية مع تل أبيب إلى احتواء النفوذ الإيراني الذي بدأ يتزايد بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يتعارض مع مصالحها في المنطقة، وهو ما جعلها تقوم بدفع الأسد للواجهة للتصدي للتمدد الإيراني في سوريا.
وكانت روسيا وإسرائيل قد أبرمتا اتفاقًا ينص على تشكيل مجموعة عمل حول سوريا لإخراج القوات الأجنبية من البلاد، وهو ما يرجح محاولة موسكو استخدام ورقة الجولان كورقة ضغط لدفع الأسد للتخلي عن إيران، خصوصًأ بعد الزيارة التي أجراها الأسد إلى طهران نهاية الشهر الفائت، فضلًا عن الاتفاقيات الاقتصادية المرتبطة بملف إعادة الإعمار التي أبرمها النظام السوري مع الجانب الإيراني، والتقارير الأخيرة التي تحدثت عن تمكين النظام السوري للإيرانيين من السيطرة على ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط، والذي تراه موسكو إضعافًا لنفوذها في المنطقة. أما بالنسبة لنتنياهو فإن تغريدة ترامب تأتي أيضًا في توقيت توظيفها ورقة دعاية انتخابية لم يكن ليحلم بمثلها سابقًا، لكن الأهم من دور هذا التحرك الأمريكي في مسار دعاية نتنياهو هو عمق الخطوة إستراتيجيًا، خاصة بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والعمل الإسرائيلي الهادئ على ضم معظم مساحات الضفة الغربية، جنبًا إلى جنب مع التنصل من أي التزامات تجاه قطاع غزة الواقع ضمن حصار الاحتلال، برًا وبحرًا وجوًا، أيضًا.
كما أشارت تقارير أخرى إلى أن ترامب في تغريدته الأخيرة قدم للمرة الثانية تنازلًا لإسرائيل دون الحصول على أي مقابل، بعد أن أصدر قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في أيار/مايو السابق، ولفتت في ذات السياق إلى تعرض ترامب لضغوط كبيرة منذ عام تقريبًا من قبل مسؤولين إسرائيليين، وأعضاء في الكونغرس الأمريكي لإصدار هذا القرار.
وبالنظر لهذه المعطيات فإن تغريدة ترامب حول الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل مرتبطة بتشابك للمصالح بين الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، تضع النظام السوري أمام خيارات متعددة تخيره إما الوقوف إلى جانب إيران أو إلى جانب روسيا بالمرتبة الأولى، وتأتي في سياق دعم نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة بالمرتبة الثانية، وتعزيز سرديته الأساسية كرجل إسرائيل القوي في الخارج. لكن الأوسع من كل هذا المنظور قريب المدى نسبيًا، هو ما يترتب على مثل هذه الخطوة من تعزيز للاحتلال الإسرائيلي، وترسيخ التفوق العسكري والأمني الإسرائيلي في المنطقة، عبر ما تتيحه أراضي هضبة الجولان من مزايا كمسرح استخباري وعسكري إستراتيجي، إضافة لما توفره الهضبة المحتلة من مليارات الدولارات للشركات الإسرائيلية ولخزينة الدولة.
الترا صوت – فريق التحرير
الجولان سوريا؛ وسوريا الجولان/ يحيى العريضي
لا أحد ينكر العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية؛ كما أن ذاكرتنا حيّة جداً لتستحضر بسهولة المرات العديدة التي عطّلت فيها أميركا القرارات الدولية التي تنصف الفلسطينيين، وتوقف توتر الشرق الأوسط على يد الإجرام الإسرائيلي؛ ولا أحد ينكر قوة اللوبي الإسرائيلي في أميركا، وضرورة تقديم كل مَن يطلب منصباً في أميركا أوراق اعتماده بداية لهذا اللوبي، كي يحظى بالدعم اللازم، ليفوز بذلك المنصب؛ وغير منكور استخدام أميركا لإسرائيل كرأس حربة، وكشرطي للمنطقة تعبث كما تشاء بحماية أميركية كاملة.
ولكن أن تصل الأمور برئيس أميركي أن/ يهب ما لا يملك لمن لا يستحق/، فهذا لم يحدث بعد. الجولان السوري ليس ملكاً لأميركا، ولا هو أحد الملكيات الخاصة للسيد ترمب، كي يهبه للكيان الإسرائيلي. العالم كله يعرف أن الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا احتلته إسرائيل بعدوانها عام 1967؛ وأن أميركا ذاتها وقعت على القرار 242 الذي لا يجيز الاستيلاء على أراضي الآخرين بالقوة؛ وأنه إثر تمرير إسرائيل تشريع في “الكنيست” عام 1981 لضم الجولان، أصدر مجلس الأمن قراراً يعد الإجراء الإسرائيلي باطلاً وغير معترف به (null and void)
ملفت استخدام السيد ترمب العدد 52 سنة؛ وكأن أميركا بشكل خاطئ صبرت كل هذا
الوقت دون أن تقوم بهذا الإجراء “النبيل”، ألا وهو إقرار “سيادة إسرائيل على الجولان”. ربما لولا بعض الحياء لقال السيد ترمب؛ “كم كان أسلافه مقصرين بحق إسرائيل”.
من جانبنا نعتقد أن تقديم أوراق اعتماد السيد ترمب لولاية جديدة لا يكون عن طريق وهب أراضي الآخرين لإسرائيل، ولا عن طريق دعس القانون الدولي/ رغم معرفتنا كم هو رخيص هذا القانون بأعين الاستبداد العالمي/؛ ولا تكون ولاية ثانية بمزيد من الحرائق والتوترات في منطقة لا ينقصها حرائق وعداوات.
نحن ندرك أيضاً حجم الانتهازية في خطوة أو موقف كهذا، وسوريا بهذا الحال الذي لا تجهله أميركا ذاتها؛ فهي تصرّح وتعرف أن هذا النظام الأسدي قد عرّض بلاده إلى هذه الحالة من الاستباحة والتدمير والتبعثر؛ وأميركا ذاتها تصرح بحرصها على وحدة الأراضي السورية. ومن هنا، هل يريدنا السيد ترمب أن نصدّق الروس عندما يقولون بأن أميركا تسعى إلى تقسيم سوريا؟ وهل إطلاق هذا التصريح بخصوص الجولان جزءٌ من استراتيجية التقسيم التي يتحدث عنها الروس؟!
من جانب آخر، إذا كان السيد ترمب يقدم أوراق اعتماده للوبي الإسرائيلي في أميركا كي يضمن ولاية رئاسية ثانية، عبر تقديمه هدية ملكاً لدولة أخرى، فهو واهم؛ فالإسرائيليون أنفسهم يعرفون أن ذلك ليس من حق ترمب، ولا من حق أية جهة أخرى. هذا ليس إلا اعتداءً صارخاً على حقوق الشعوب وعلى القانون؛ وهو الوصفة الأنجع لحرب دائمة. من جانب آخر، إذا كان السيد ترمب يريد أن يثبت تبجحات نظام الاسد بالمقاومة والممانعة ومحاربة المؤامرة الصهيو-أميركية، فهذا لم يعد ينطلي على أحد. بات العالم يعرف أنه لولا إسرائيل بالذات، لما استمر هذا النظام أيام. ما يحدث يؤكد بالدليل القاطع أن أميركا هي من سمح لميليشيات إيران وحزب الله ومن بعدهم القوات الروسية التدخل لحماية منظومة الاستبداد الأسدية من شعب سوريا.
من جانب آخر، هل كان إذاً هدف استخدام السيد ترمب عبارات كــ (حيوان ومجرم وسفاح) لتوصيف رأس النظام في سوريا من أجل نسف أهليته في إدارة البلاد للتهيئة لسلخ قطعة من سوريا وضمها لإسرائيل؟ ماذا لو قال بوتين إن ترمب ليس مؤهلاً لقيادة أميركا، وإن ولاية ميتشغان يجب أن تكون تحت السيادة الكندية؟! أليس هناك شعب في تلك الولاية؟ ألا تعود سيادتها لأهلها أم للسيد ترمب فاقد الأهلية كما يقول بوتين افتراضياً؟!
ليعرف السيد ترمب أنه إذا كان شعب سوريا الآن في حالة يرثى لها على يد نظام مجرم، ويد الإرهاب، ويد إيران وروسيا، وأيضاً على يد الانتهازية الأميركية الإسرائيلية؛ فإن دوام الحال من المحال. هذا الشعب سيزداد سخطه على إسرائيل وعداؤه لأنه يعرف ويتأكد الآن أكثر من أي وقت مضى بأنها أساس دائه وبلائه وحامية نظامه المستبد؛ وسيزداد هذا الشعب تصميماً على استرداد حقه منها بالذات طال الزمان أو قصر.
المستهجن في تصريح السيد ترمب كان عبارة (استقرار) والتي يرى أنه سيحل، إن هو شرعن وضع اليد الإسرائيلية على الجولان؛ وهنا لا بد من سؤال السيد ترمب عن الاستقرار الذي جلبته إسرائيل أساساً إلى المنطقة؛ أليست الأساس في لا استقرار المنطقة الدائم؛ وخاصة بدعمها ورعايتها وحفاظها على نظام مستبد في سوريا سعى من أجل بقائه في السلطة إلى استدعاء كل استباحة احتلالية وإرهابية؟
تهدأ المنطقة وتستقر، وتكون آمنة ومزدهرة فقط بالخلاص من الاستبداد، ولجم طموحات مستعمر استيطاني كنتنياهو؛ وفِي الوقت ذاته بوقف تغريدات انتهازية كتلك التي أطلقها السيد ترمب لأغراض انتخابية رخيصة أو لأزمة داخلية يمر بها حالياً، ودعم لصديقه نتنياهو المطلوب بقضايا فساد مثله.
أخيرا إذا كان مَن فرّط بالجولان ارتكب خيانة وطنية؛ فمن يفكر بوهبها يرتكب خيانة أخلاقية وإنسانية وقانونية، ويعرّض منطقتنا إلى حروب لانهاية لها. الجولان ليس أرضاً يباباً وصخوراً وجغرافيا؛ الجولان إنسان وروح وحق سوري أبدي. الجولان سوريا، وسوريا الجولان.
إعلان الجولان.. هل منح ترامب الهضبة السورية هدية لنتنياهو؟/ محمد السعيد
لا شك أن الثورة المستمرة لمواقع التواصل الاجتماعي قد أغرت العديد من السياسيين حول العالم لاستخدام هذه المنافذ كشكل من أشكال التواصل العصري مع جماهيرهم وناخبيهم، إلا أن وظيفة هذه المواقع -خاصة تويتر- بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب تتجاوز مجرد التواصل نحو استخدامها كمنصات غير مكلفة لتصدير القرارات السياسية المثيرة للجدل، فبالنسبة إلى ترامب، فإن تغريدة مكونة من عدد محدود من الكلمات يمكن أن يبثها من على فراشه تبقى بديلا جذابا يغنيه عن مواجهة وسائل الإعلام التي يكرهها وتجنب أسئلة الصحفيين المحرجة في المؤتمرات الصحفية، ومن المؤكد أن تغريدة ترامب في الحادي والعشرين من مارس/آذار الحالي لم تكن استثناء من تلك القاعدة بحال.
في ذلك اليوم، اختار ترامب منح إسرائيل هدية سخية ومفاجئة حين غرد قائلا إنه “بعد 52 عاما، فإن الوقت قد حان كي تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان”، وبقدر ما بدت تغريدة “ترامب” مفاجئة وصادمة، فإنها جاءت على ما يبدو استكمالا لسلسلة من السياسات الأميركية المؤيدة بشكل صارخ لإسرائيل، ولرئيس الوزراء نتنياهو على وجه الخصوص، بداية مع اعتراف الولايات المتحدة الرسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية عام 2017، ودمج الشؤون الفلسطينية التي كانت تُدار تاريخيا من القنصلية الأميركية في القدس مع السفارة الإسرائيلية الجديدة في قطع صريح للصلات الدبلوماسية المباشرة مع الفلسطينيين، مرورا بتضييق الخناق على المنظمات الإغاثية العاملة في الأراضي الفلسطينية، ثم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران بتنسيق كامل مع نتنياهو في مايو/أيار 2018، وليس انتهاء بتلك الجهود الأميركية لتمرير صيغة حل نهائي للقضية الفلسطينية مبنية بالكامل على المقترحات والتطلعات الإسرائيلية، وتتجاهل بشكل كلي جميع القضايا الجوهرية والمصيرية بالنسبة للفلسطينيين.
After 52 years it is time for the United States to fully recognize Israel’s Sovereignty over the Golan Heights, which is of critical strategic and security importance to the State of Israel and Regional Stability!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) March 21, 2019
في واقع الأمر، لم يكن “إعلان الجولان” في حد ذاته مفاجئا بحال -رغم أنه يتصادم بوضوح مع الإجماع الدولي الذي يعتبر الجولان أرضا محتلة من قِبل إسرائيل-، فقبل أيام قليلة من تغريدة ترامب، كانت الإدارة قد أصدرت (1) أول تلميحاتها غير المباشرة بأنها لم تعد تعتبر الجولان أرضا محتلة، وجاء هذا التلميح في التقرير السنوي لحقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية الذي وصف الجولان أنها منطقة “خاضعة لسيطرة إسرائيل” وليست “محتلة من قِبل إسرائيل” في نعت جغرافي مجرد من المضمون السياسي، وقبل ذلك بأشهر -تحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني 2018- كانت واشنطن قد بعثت رسالة مبكرة مماثلة حول القضية حين صوّتت سفيرتها في الأمم المتحدة آنذاك، نيكي هيلي، ضد قرار الجمعية العامة الذي دعا إسرائيل لإلغاء احتلالها للجولان، واصفة التصويت الأممي بأنه “إجراء سنوي عديم الفائدة” لتصبح الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي صوّتت ضد القرار خلاف إسرائيل، في تحدٍّ واضح لإجماع 151 دولة صوّتت لصالح القرار في الجمعية العامة.
على الجانب الآخر من العالم في إسرائيل، كانت تغريدة ترامب أشبه ما يكون بسيمفونية كلاسيكية أطربت أذن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي لم ينتظر أكثر من 16 دقيقة (2) قبل أن يرسل شكره إلى الرئيس الأميركي في مؤتمر صحفي جمعه مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في القدس، واصفا إعلان “ترامب” بأنه “معجزة بوريم”، نسبة إلى العطلة اليهودية التي احتفت بها إسرائيل في اليوم نفسه والتي توافق ذكرى انتصار اليهود على الفرس قبل 2500 عام، معجزة جاءت على يد أكبر صديق لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة على حد وصفه، لينتقل الحديث بعدها إلى بومبيو الذي حرص على تأكيد أن إعلان رئيسه يعد تغييرا في السياسة الأميركية تجاه الجولان، واعترافا بأن الأوان قد آن “لتصبح الأرض التي انتزعتها إسرائيل بشق الأنفس جزءا من السيادة الإسرائيلية”.
في الحقيقة، لم يكن إعلان ترامب ليأتي في وقت أفضل (3) من ذلك بالنسبة إلى نتنياهو الذي كان يعيش في خضم كارثة سياسية كبرى قبل ثلاثة أسابيع فقط من انتخابات عامة مصيرية في أبريل/نيسان على خلفية تطورات “قضية الغواصات” التي يعتبرها الكثيرون إحدى أخطر قضايا الفساد في تاريخ البلاد الأمني، والمتعلقة بشراء حكومة نتنياهو لغواصات وسفن ألمانية لصالح الجيش الإسرائيلي، والتي حاول نتنياهو جاهدا إبعادها عن النقاش العام خلال ولايته الأخيرة، لكنها عادت وفرضت نفسها بقوة قبيل الانتخابات، وكان التطور الأبرز (4) في القضية هي الشبهات التي صارت تحوم حول تورط نتنياهو شخصيا في التكسب من الصفقة عبر رفع قيمة أسهمه في شركة الصلب “سي دريفت” المملوكة لابن عمه، ناثان ميليكوفسكي، والتي يعتقد أنها قامت بتوريد الصلب لشركة تسينكورب الألمانية الموردة للغواصات، فضلا عن الاتهامات التي تلاحق نتنياهو بإعطاء الضوء الأخضر لألمانيا لتوريد الغواصات نفسها إلى القاهرة دون استشارة الجيش ما يراه الكثيرون في إسرائيل إخلالا بالالتزام بالتفوق النوعي للدولة العبرية مقابل تحقيق مكاسب شخصية.
كان وقع تطورات الفضيحة في إسرائيل مدويا على ما يبدو -رغم أنها ليست سوى واحدة من أربع قضايا فساد كبرى تهدد المستقبل السياسي لنتنياهو- وتسببت في انخفاض نادر وخطير (5) لنسب تأييد نتنياهو وحزبه الليكود في انتخابات مصيرية يواجه فيها 3 جنرالات سابقين واسعي الشعبية وعلى دراية جيدة بالشؤون العسكرية، في مقدمتهم بيني غانتس زعيم تحالف الأزرق والأبيض الذي يضم أيضا حزب “هناك مستقبل” بقيادة وزير المالية السابق يائير لبيد، وهو ما ظهر في استطلاعات الرأي التي منحت تحالف غانتس الأفضلية على الليكود بفارق خمسة مقاعد كاملة للمرة الأولى الأسبوع الماضي.
في ضوء ذلك، كان إعلان الجولان بالنسبة إلى نتنياهو بمنزلة قُبلة الحياة، وأفضل هدية حصل عليها نتنياهو من أي رئيس أميركي على الإطلاق، حيث سيُمكّن نتنياهو من وضع جوهرة ثالثة في تاجه الانتخابي لتنضم إلى إنجازيه الأكبر من وجهة نظر ناخبيه وهما: نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ما سيسمح لرئيس الوزراء باستقطاب المزيد من أصوات (6) القوميين الإسرائيليين في الوقت الذي يتأهب فيه لزيارة واشنطن في 25 مارس/آذار الحالي للتحدث في مؤتمر آيباك السنوي، ونيل استقبال حافل جديد في البيت الأبيض يأمل نتنياهو أن يكون ورقته الرابحة للفوز بولاية خامسة في انتخابات أبريل/نيسان، انتخابات يبدو أن الهضبة التي احتلتها إسرائيل قبل أكثر من نصف قرن سوف تسهم في تشكيل نتائجها بشكل لم يكن يتوقعه حتى أفضل المتنبئين قبل أن يُلقي ترامب إعلانه المفاجئ للعالم على تويتر، والذي حطم خلاله خمسة عقود من السياسة الأميركية التي رغم دعمها المطلق لإسرائيل فإنها رفضت في أي وقت الاعتراف بشرعية سيطرتها على الجولان، أو أي من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
الأرض مقابل التطبيع
وفق المعايير الجغرافية البحتة، وفي الظروف الطبيعية للعلاقات بين الدول، فإن بقعة مرتفعة من الأرض بمساحة (7) لا تتجاوز 1800 كم ومع طول لا يتعدى 74 كم وعرض بالكاد يبلغ 27 كم لم تكن لتحظى بمثل ذلك الزخم الإستراتيجي لولا أن الجغرافيا السياسية انتخبت تلك البقعة من الأرض لتصبح أحد مراكز الصراع طويل الأمد بين الدول العربية وبين إسرائيل منذ المحاولات الأولى لتأسيس الدولة العبرية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
في تلك الفترة، شهدت (8) الجولان للمرة الأولى تدفقات محدودة من المهاجرين اليهود الذين أسسوا مستوطنات بدائية صغيرة الحجم، قبل أن تسقط المنطقة بأكملها تحت الانتداب الفرنسي بعد هزيمة جيش المملكة السورية في معركة ميلسون عام 1920، حيث تم ترسيم الحدود الدولية المعترف بها لسوريا عام 1923، وظلت سوريا -والجولان- واقعة تحت الانتداب الفرنسي إلى حين جلاء القوات الأجنبية عنها في أبريل/نيسان 1946 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
وبعد هزيمة العرب في حرب عام 1948 وقيام دولة إسرائيل، تم لأول مرة إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجولان حيث كانت المرتفعات موقعا متكررا للاشتباكات بين القوات الإسرائيلية والسورية في ظل مساعي الدولة العبرية فرض هيمنتها على الهضبة عبر زراعة أجزاء منها أو السيطرة على بعض مواردها المائية، لكن إسرائيل لم تلتزم بالحظر في معظم الأوقات وكثيرا ما كانت تقوم باستفزاز السوريين عبر خرق المنطقة العازلة وتسيير مركبات إلى الشرق أو إقامة مستوطنات في المنطقة المعزولة وهو ما أدى إلى نشوب مواجهات عسكرية متكررة أصبحت أكثر توترا في الأشهر التي سبقت العدوان الإسرائيلي عام 1967 حيث حرصت سوريا على الاستفادة من موقعها المرتفع في الجولان لشن هجمات مدفعية على بلدات الشمال الإسرائيلي.
ومع شن إسرائيل لحربها الشاملة عام 1967 كانت الجولان على رأس أهداف الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي قام بفرض السيطرة العسكرية على ثلثي مساحة الجولان (نحو 1200 كم) في عملية قام خلالها الاحتلال بتهجير أكثر من (9) 130 ألف سوري تاركا أقل من 7000 من دروز سوريا، قبل أن يشرع الاحتلال في محو الذاكرة التاريخية لقضية اللجوء الجولاني مع توطين معظم المهجرين في بقية سوريا، وهو ما تسبب في انطفاء زخم الغضب حول احتلال الجولان مقارنة بباقي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
وفي أعقاب الحرب، صوّت مجلس الأمن الدولي على القرار 242 الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما يشمل شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية والجولان، وفي حين لم تكن إسرائيل على استعداد لتقديم تنازلات فيما يتعلق بالضفة أو سيناء، فإنها أبدت (10) استعدادا مبدئيا لمقايضة الجولان مقابل اتفاق سلام مع سوريا وفق إستراتيجيتها الشهيرة في احتلال الأرض وإعادة بعضها عن طريق التفاوض مقابل الاعتراف السياسي، وهو المبدأ الذي عُرف لاحقا في العلاقات العربية الإسرائيلية باسم “الأرض مقابل السلام”.
لكن إسرائيل سرعان ما تراجعت عن نيّاتها حول التنازل عن الجولان في أعقاب قرارات اجتماع الجامعة العربية في الخرطوم عام 1968 والذي أقر مبدأ أنه “لا سلام مع إسرائيل ولا اعتراف بإسرائيل”، لتبقى الجولان محتلة بحكم الواقع حتى عام 1973 حين جرت المحاولة الجدية الوحيدة لاستعادة الأرض عن طريق الحرب، وبالفعل نجحت القوات السورية حينها -تزامنا مع العبور المصري في سيناء- في استعادة 648 كم مع الأراضي المحتلة، لكن إسرائيل استعادت هذه الأراضي قبل نهاية الحرب قبل أن تقوم بالتخلي عن 60 كم فقط ضمن اتفاقية فض الاشتباك، شملت مدينة القنيطرة التي كانت قد تحولت بفعل الحرب إلى مدينة أشباح.
ومع نهاية حرب عام 1973 كان من الواضح أن النظامين الحليفين في مصر وسوريا على شفا افتراق نهائي، بعد اختيار الرئيس المصري أنور السادات سلوك طريق المفاوضات مع إسرائيل، في حين بدأت سوريا حافظ الأسد بالتقارب مع نظام الثورة الإسلامية الناشئ في طهران، ومع انهيار آمال مبادلة الأرض مقابل السلام، قام الكنيست الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول عام 1981 بإقرار قانون الجولان، وفرض الإدارة الإسرائيلية والقانون والقضاء الإسرائيليين على الهضبة المحتلة، وهو تحرك رفضه مجلس الأمن في قراره رقم 479 الصادر في السابع عشر من الشهر نفسه، والذي أكّد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
وعلى الرغم هذه التطورات، ظلّت إسرائيل لفترة طويلة حريصة على عدم وصف تحركها في الجولان بكونه “ضما نهائيا”، وظلت (11) تأمل طوال التسعينيات والعقد الأول من الألفية أن بإمكانها مبادلة الجولان أو جزء منه في إطار اتفاقية تسوية لتطبيع العلاقات مع سوريا يمكنها أن تكسر محور إيران – سوريا – حزب الله الذي بدأ في ترسيخ وجوده، لكن في حين أن الأسد الأب أبدى مرونة نسبية لاحقا في التفاوض مع إسرائيل، فإنه كان مترددا في التوصل إلى اتفاق يقوده إلى الإذلال الذي ذاقته مصر بعد أن شرعت في الخطوة نفسها، وربما كان ليسيره إلى مصير السادات نفسه بالاغتيال في نهاية المطاف، لذا فإنه واصل في الوقت نفسه الضغط على إسرائيل من خلال تقديم الدعم لجماعات المقاومة المسلحة ضدها سواء الشيعية مثل حزب الله أو السنية مثل حماس والجهاد الإسلامي، وكذا من خلال تقوية تحالفات سوريا العربية لدعم مطالب دمشق باستعادة الجولان.
غير أن تلك الجهود الوحدوية العربية عانت ضعفا شديدا (12) بعد انضمام الأردن إلى القاهرة في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل عام 1994 ودخول دول الخليج في علاقات تجارية غير مباشرة مع الدولة اليهودية في إطار شراكتها مع الولايات المتحدة، وهرولة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للوصول لاتفاق سلام مع إسرائيل، وجاء ذلك متزامنا مع الانتقال السياسي في سوريا مع تسليم القيادة إلى نجله بشار الأسد بعد رحيل والده، والضعف الذي أصاب النظام السوري مع اضطراره للانسحاب إجباريا من لبنان على أصداء واقعة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في عام 2005، وقيام (13) الولايات المتحدة بسحب سفيرها من دمشق، حيث تسببت مخاوف العزلة في دفع الأسد الابن للدخول في محادثات سلام مع إسرائيل، التي لم تعد ترى أي حافز لتقديم تنازلات إقليمية لسوريا في الوقت الذي ينخفض فيه الوزن الجيوسياسي لدمشق وتتلاشى قدرتها على تهديد الأمن الإسرائيلي.
ومع مطلع عام 2011، باغت الربيع العربي الجميع مطيحا بديكتاتوريات زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، وفي غضون أسابيع ضربت الاحتجاجات شواطئ سوريا، ليثبت الأسد الابن وحشية ودموية متوارثة على ما يبدو دافعا بلاده إلى حرب أهلية من أجل بقاء نظامه، الذي صار يدين بالولاء بشكل كلي لإيران التي أرسلت الميليشيات والأموال لنجدة حليفها في دمشق، وقد أسهمت التطورات الجيوسياسية على المسرح السوري في وضع إسرائيل وإيران مباشرة في مواجهة بعضهما البعض، وتزايدت (14) مع ذلك الأهمية الإستراتيجية للجولان بالنسبة لأمن إسرائيل، خاصة بعد أن قررت الأخيرة توسيع عملياتها ضد الأصول الإيرانية في سوريا، وهو ما ردت عليه إيران بشن هجمات منخفضة المستوى في الجولان تزايدت وتيرتها طرديا مع التزايد الملحوظ للنشاط الإسرائيلي في سوريا خلال عام 2018.
حروب الموارد
تجادل إسرائيل إذن -ومن خلفها إدارة ترامب على ما يبدو- أن تغير بنية التهديدات في البيئة الأمنية السورية هو ما يقف وراء مطالباتها الحثيثة مؤخرا بالاعتراف بسيطرتها على الجولان -خلافا لمقررات الشرعية الدولية- محتجة (15) بأن الجولان لم يعد يعمل كحاجز فقط ضد النظام في دمشق الذي طالما انتهج سياسة العداء المنضبط ضد إسرائيل، ولكن أيضا كمانع ضد النظام الإيراني غير المتوقع بحكم وجود إيران في سوريا، ومؤكدة أن التفوق النوعي لإسرائيل في مجال الأقمار الصناعية والقوات الجوية لا يبرر التخلي عن موقعها الإستراتيجي على ارتفاع 9 آلاف متر (عند قمة جبل حرمون أو جبل الشيخ)، والذي لا يمدها فقط بمنصة لرصد جميع التحركات على الأراضي السورية، ولكنه يُسهّل عليها أيضا مهمة تأمين السهول الإسرائيلية المحيط ببحيرة الجليل، التي تعد مصدر ثلث المياه العذبة في إسرائيل.
وفي هذا السياق تحديدا يمكننا أن نجادل أن الجولان يوفر نوعا آخر (16) من الأمن بالنسبة إلى الدولة العبرية بخلاف أمنها العسكري، فمع الأخذ في الاعتبار أن نصف حصة البلاد من المياه، البالغة نحو 1.8 مليار متر مكعب، تنبع من أراضٍ تقع خارج السيطرة الإسرائيلية، يصبح الأمن المائي جزءا لا يتجزأ من أمن تل أبيب السياسي والعسكري، وللمفارقة فإن الجولان السوري المحتل يقع اليوم في القلب من أمن إسرائيل المائي بالنظر إلى كون ثلث إمدادات المياه الإسرائيلية يأتي اليوم من مرتفعات الجولان، وهي حصة لم يعد بمقدور إسرائيل الاستغناء عنها في ظل التزايد المطّرد في استهلاكها من المياه.
غير أن تطلعات إسرائيل للموارد المائية في الجولان ليست وليدة اللحظة على كل حال، فمنذ عام 1968، وبعد أقل من عام على سقوط الجولان رسميا تحت الاحتلال الإسرائيلي، سنّت إسرائيل سلسلة من القوانين للسيطرة على موارد الجولان أهمها الأمر العسكري رقم 120 الذي منحها السيطرة على موارد المياه في الهضبة، إضافة إلى قانون آخر جرد ملاك الأراضي السوريين في الجولان من امتلاك المياه التي تنبع أو تمر في أراضيهم، وهو ما كان يعني فقدان المزارعين الوصول إلى المياه اللازمة لري أراضيهم واضطرارهم إلى شراء الماء من الشركات الإسرائيلية بحصص منخفضة وأثمان مكلفة، ومع إدراكه لهذه الحقائق، جادل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين عام 1995 أن الخطر الأكبر الذي يمكن أن تواجهه إسرائيل في أي مفاوضات مع سوريا يكمن في احتمالية فقدان السيطرة على موارد المياه في الجولان.
واليوم لا يعد (17) الجولان المنطقة الوحيدة التي تمارس فيها إسرائيل ذلك النوع من السيادة القسرية على المياه، ففي جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، تسببت هيمنة إسرائيل على الموارد المائية في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المائية. فعلى سبيل المثال، يتم تحويل نحو 90% من المياه الجوفية في الضفة الغربية لصالح الإسرائيليين مما يتيح للفلسطينيين أقل من 10% من مياههم إلى الحد الذي يستهلك فيه نحو 560 ألف مستوطن في الضفة 6 أضعاف كمية المياه التي يستهلكها قرابة 2.85 مليون فلسطيني، وفي الوقت الذي يستهلك (18) فيه قطاع غزة بأكمله مياها غير صالحة للاستهلاك الآدمي تتسبب في ارتفاع حاد في نسب الأمراض المنتقلة عن طريق الغذاء مثل التهابات المعدة والأمعاء والإسهال الحاد والسالمونيلا وحمى التيفويد.
تكمن المياه إذن في صلب مزاعم إسرائيل بحاجتها إلى مرتفعات الجولان لأجل أمنها، مع كون شرعنة احتلال هذه الأرض يَعِد بتوفير قدر لا بأس به من الأمن المائي في العالم تحكمه ندرة الموارد، وإذا أضفنا إلى ذلك تلك التقارير المتضاربة حول احتياطات نفطية في الجولان وقيام إسرائيل بأعمال حفر استكشافي في الهضبة منذ عام 2014، وحقيقة أن إسرائيل تواصل بناء المستوطنات ومصانع النبيذ ومنتجعات التزلج في الهضبة وتزيد (19) من أعداد المستوطنين الذين يبلغ عددهم اليوم 20 ألف مستوطن، وبالنظر إلى جهودها لمنع نحو 25 ألف درزي يقيمون في الجولان الجنسية الإسرائيلية -رغم مقاومة أغلبهم لهذه الضغوط وتمسكهم بالجنسية السورية-، يمكننا أن نصل بسهولة إلى استنتاج بسيط مفاده أنه سواء اختارت الولايات المتحدة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان أو رفضت ذلك وتمسّكت بسياستها التاريخية وبالإجماع الدولي على كون الجولان أرضا محتلة، فإن إسرائيل ستظل تمارس السيادة على الأرض بحكم الواقع، خاصة في ظل الضعف المتزايد لنظام الأسد وتضاؤل احتمالات الوصول لتسوية تفاوضية بعد الحرب، وتلاشي قدرة الفعل العسكري في ظل الفوارق الضخمة في موازين القوى، رغم التهديدات الخطابية التي يصدرها النظام الجريح في دمشق كإثبات وجود -لا أكثر- بين الحين والآخر.
النظام ما بعد الدولي
في ضوء ذلك، يمكننا القول -ولن نكون مخطئين في ذلك- إن إسرائيل لم تنتظر في أي وقت إذنا أميركيا لممارسة السيادة على الجولان المحتل، بل إن الغضب الأميركي لم يمنعها في وقت سابق من ممارسة هذه السلطة حين قامت عام 1981 بفرض الولاية الإسرائيلية على الجولان رغم احتجاج (20) إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان على ذلك وقيامها بتعليق اتفاقية تعاون إستراتيجي مع تل أبيب والتصويت على قرار الأمم المتحدة رقم 497، وفي المقابل، وحتى إذا سلّمنا أن الموقف الأميركي تجاه الجولان صار أكثر ليونة بمرور الوقت، فإن واشنطن طالما اكتفت بقبول الأمر الواقع وامتنعت عن ممارسة ضغوط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، لكنها في الوقت نفسه لم تجد نفسها مضطرة لمنحه الاعتراف والشرعية في أي وقت.
وبالنظر إلى هذا السياق، فإنه يمكن اعتبار إعلان الجولان أحد الخروجات المعتادة لإدارة ترامب عن القواعد التقليدية للسياسة الأميركية حول العالم، وهو خروج يبدو مدفوعا هذه المرة بثلاث رغبات (21) أساسية، أولها مواصلة الرهان على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حليف الإدارة الأبرز في الشرق الأوسط الذي يواجه منافسة محمومة في معركة إعادة انتخابه في أبريل/نيسان، وثانيها تعزيز فرص ترامب نفسه في معركة إعادة انتخابه في 2020 من خلال مخاطبة مشاعر الدوائر اليهودية التي غالبا ما تميل للتصويت لصالح الديمقراطيين (صوّت 71% من اليهود الأميركيين لصالح هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016)، وأخيرا تعزيز الأنا الشخصية لترامب نفسه وتقديم نفسه كرئيس فريد في تاريخ الولايات المتحدة أقدم على تجاوز خطوط لم يجرؤ أسلافه على تجاوزها، كما فعل في قراره بنقل السفارة الأميركية إلى القدس أواخر عام 2017.
غير أن إعلان الجولان -وإن صاحبه ضجة أقل بكثير من نقل السفارة إلى القدس- يتجاوز كونه مجرد خروج عن السياسة الأميركية أو رغبة رئيس متغطرس في تعزيز رصيده الشخصي، وهو يرقى -وفقا لستراتفور- إلى كونه خطوة حيوية في عملية إعادة تشكيل (22) واسعة تقوم بها الولايات المتحدة -عن غير قصد ربما- للمعايير المتفق عليها لإدارة النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأهم هذه المعايير هو إجماع القوى الدولية على رفض الاستيلاء على الأراضي بالقوة العسكرية، وهي خطوة تنضم إلى العديد من المقاربات الأميركية المشابهة خلال العامين الماضيين والتي شملت نبذ الاتفاقات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، وتوسيع الحروب التجارية واستخدام سلاح التعريفات ليس فقط ضد المنافسين ولكن أيضا ضد الحلفاء.
ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، اتفقت دول الحلفاء المنتصرة أن نبذ الاستخدام غير الشرعي للقوة في تغيير الحدود يعد الضمانة الأكبر لمنع قيام حرب عالمية ثالثة، لذا فإن هذه الدول تواطأت على تحويل التوترات والمنافسات الدولية نحو معارك النفوذ المكتومة بدلا من الصراعات العسكرية المباشرة، ورغم قيام بعض الدول بانتهاك هذه القواعد لأسباب ودوافع متباينة كما فعلت تركيا بتدخلها في قبرص عام 1974، وكما حدث مع غزو إندونيسيا لتيمور الشرقية بعد ذلك بعامين، ولاحقا في الغزو العراقي للكويت عام 1990، ثم في ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، فإن أيًّا من هذه المحاولات لم تكسب أي اعتراف دولي، بل إنها استدعت أحيانا تدخلات دولية لعكس الأمور وإعادتها إلى نصابها.
وفي هذا السياق، من المقرر أن يكون اعتراف الولايات المتحدة الرسمي بالسيطرة الإسرائيلية على الجولان -حال حدوثه- تحوّلا جذريا في هذا المسار وسابقة أولى للاعتراف بملكية الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، وتخليا ضمنيا جديدا من واشنطن عن التزامها كضامن لنظام ما بعد الحرب، والأكثر من ذلك أن هذا الاعتراف سيخلق سابقة لدول أخرى للاستيلاء العسكري على أي أراضٍ تظن أنها حيوية لأمنها الإستراتيجي، كما أنه سيمنح الشرعية مجددا لمحاولات استخدام القوى العسكرية كوسيلة لإعادة تعيين وضبط الحدود بين الدول في عودة إلى عالم ما قبل ويستفاليا حين كانت الإمبراطوريات تلتهم أراضي بعضها البعض في كل يوم.
وبخلاف ذلك، فإن الخطوة الأميركية سوف تسهم بالفعل وبشكل مباشر في تعقيد (23) عدد من النزاعات الحدودية الكبرى حول العالم، وعلى رأسها الاستيلاء الروسي على شبه جزيرة القرم والمطالبات الصينية في بحر الصين الجنوبي خاصة مع وجود روابط عرقية وجغرافية ودوافع إستراتيجية واضحة لدى كل من روسيا والصين في هذه الصراعات، وسوف يُكسِب إعلان الجولان الأميركي هذه الدعاوى شرعية أكبر في الوقت الذي سينزع فيه الشرعية عن أي معارضة أميركية لهذه الخطوات، وأخيرا -وليس آخرا- فإن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تمنح الشرعية للوجود الإيراني في سوريا من الباب ذاته، حيث يمكن لطهران أن تبرر ببساطة أحقيتها في استخدام القوة العسكرية خارج حدودها عبر التنديد بـ”نفاق” الولايات المتحدة التي قررت أن تمنح هذا الحق حصرا لإسرائيل.
في سياق آخر، فإن من شأن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الجولان أن يقوض (24) بشكل مباشر من فرص التوصل إلى أي اتفاق بخصوص القضية الفلسطينية، حيث سيحق للفلسطينيين في الضفة على وجه الخصوص -ومعهم كل الحق في ذلك- أن يتساءلوا عما إذا ما كانت الهدية الأميركية القادمة لإسرائيل ستكون هي منح الشرعية للمستوطنات أو الاعتراف بسيادتها على معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967 والتي يقطنها اليوم قرابة 3 ملايين فلسطيني، خاصة أن اليمين الإسرائيلي بأكمله -بمن في ذلك جميع النواب الثمانية والعشرين عن حزب الليكود الحاكم- يؤيدون (25) ضم جزء على الأقل من الضفة الغربية، وهي قضية من المرجح أن تصبح محورية حال فوز حكومة يمينية في انتخابات أبريل/نيسان.
فضلا عن ذلك، فإن هذه المخاوف تأتي في الوقت الذي تستعد فيه إدارة ترامب للكشف عن خطتها المزعومة للسلام، المعروفة باسم صفقة القرن، في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية وسط ارتياب تام من الفلسطينيين حول مضمونها حتى قبل إعلان الجولان المثير للجدل، وهو ما يجعل خطوة ترامب وصفة مثالية للفشل -فضلا عن كونها انحيازا صارخا إلى إسرائيل من قِبل وسيط يزعم نفسه محايدا- وسوف تترك هذه الحقائق باب التساؤلات مفتوحا على مصراعيه حول إذا ما كانت الإدارة الأميركية سوف تمضي قدما في تأكيد إعلان الجولان خلال زيارة نتنياهو إلى واشنطن هذا الأسبوع مانحة رئيس الوزراء الهدية الأكبر (26) في مسيرته السياسية، أم أنها ستتمهّل نسبيا وتكتفي بذلك القدر من الصخب الذي أحدثته تغريدة الرئيس السبعيني الذي قرر -مجددا- التلاعب بقواعد النظام العالمي عبر لوحة مفاتيح هاتفه الجوال.
كلمات مفتاحية: إعلان الجولان الموارد المالية الأهمية الاستراتيجية أمن إسرائيل إيران ترمب
المصادر
1Do not recognize Israel sovereignty over Golan2Trump Golan declaration3Trump Gift to Netanyahu4Netanyahu submarine affair5Netanyahu face new corruption charges6Trump tweet upends US foreign policy7Why Golan in important8Trump foolish declaration9What is driving Israel claims to Golan10Trump foolish declaration11Trump Golan decision prespective12Role of Golan in Assad future13العلاقات السورية الأمريكية14Israel warns dangers over Golan15Golan should stay Israeli forever16Golan Pinnacle of Syrian nation17What is driving Israel claims to Golan18Epidemic in Gaza19Golan explainer20Trump Gift to Netanyahu21Trump Golan bombshell22Recognizing Israel claims over Golan23Trump tweet upends US foreign policy24Trump Golan disaster25Trump sets Palestinians on edge with Golan Heights declaration26Golan declaration blessing to Netanyahu
الجولان المحتل.. طوق نجاة لنتنياهو ودرع واق لإسرائيل/ محمد محسن وتد-الجولان المحتل
قوبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الوقت حان لتعترف بلاده بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان بترحيب إسرائيلي، في حين يرى محللون أنه بمثابة طوق نجاة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حملته الانتخابية.
وأثنى حزب “كاحول-لافان” وتحالف حزب الجنرالات برئاسة رئيس هيئة الأركان الأسبق بيني غانتس على إعلان ترامب، خاصة أن قادة الحزب طالبوا واشنطن بالاعتراف بضم الجولان للسيادة الإسرائيلية.
ووفقا لمحللين، فإن الفرح الذي يتقاسمه نتنياهو وغانتس ليس مفاجئا، فضم مرتفعات الجولان والمستوطنات التي أقيمت هناك يحظى بدعم إسرائيلي واسع وإن بدا للوهلة الأولى محاولة من ترامب لمساعدة نتنياهو في الانتخابات.
دعم شعبي
وتظهر استطلاعات الرأي أن 70% من الإسرائيليين يرون ضرورة فرض السيادة الإسرائيلية وعدم الانسحاب من مرتفعات الجولان، وأن كل ما سيقترحه النظام السوري مقابل الانسحاب لن يكون مجديا لإسرائيل.
وعن جوهر إعلان ترامب، تعتقد صحيفة هآرتس أن أهمية الإعلان رمزية، حيث لم تتفاوض إسرائيل وسوريا على مستقبل الجولان منذ اندلاع الثورة عام 2011، مضيفة أن الإعلان والترحيب به يبعثان رسالة إشكالية مفادها أن إسرائيل لم تعد تريد اتفاق سلام.
وتابعت الصحيفة “صحيح أن سوريا ضعيفة ومفككة وستكون راضية عن الإدانة الدبلوماسية، وبالتالي فإن فرص تجديد العملية السياسية في الشمال تبدو ضئيلة”، لكن الصحيفة تقول “ترامب أعطى السوريين وحلفاءهم أسبابا متجددة للمواجهات العسكرية المحتملة”.
وعلى المدى القريب، فإن الضوء الأخضر الأميركي الممنوح لضم مرتفعات الجولان سيعمل وفقا لباحثين إسرائيليين على تعميق الوهم الإسرائيلي بأن موافقة الولايات المتحدة كافية لإجراء تغييرات على خريطة العالم والمساهمة في إزالة حدود الرابع من حزيران 1967 كمرجع لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وسيؤدي الاعتراف الأميركي بالضرورة إلى زيادة ضغوط اليمين الإسرائيلي للإعلان عن ضم الضفة الغربية.
صفقة وصفعة
ويرى المحلل السياسي تسفي برئيل أن إعلان ترامب بمثابة إعادة الولايات المتحدة إلى الساحة السورية عبر الباب الخلفي، وأنه إلى جانب التدخل الصارخ وغير المقيد في الحملة الانتخابية الإسرائيلية فإن إعلان ترامب هو صفعة على وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعرض للقوة ضد إيران.
ويعتقد برئيل أن الإعلان لا يعطي أي إضافة لأمن إسرائيل أو تغيير في الخريطة الإستراتيجية العسكرية، كما أنه لا يلغي اتفاق فصل القوات السورية والإسرائيلية منذ العام 1974، ولن يمنع إيران من التموضع العسكري في سوريا، ولن يعطي إسرائيل حرية أكبر في العمليات العسكرية بالتنسيق مع موسكو وتحت القيود التي يفرضها بوتين.
وفي دراسة للباحثين تسفيكى هوزير وإيتسك تسرفاتي بشأن النظرة المستقبلية وموقف إسرائيل من الجولان، فإنهما يعتقدان أن إسرائيل تنتظر تحديات إضافية، أبرزها إحداث تغيير في الموقف الدولي فيما يتعلق بالسيطرة الإسرائيلية على الجولان، والاحتمال الآخر تحديد احتياجات إسرائيل الأمنية في الجولان كشرط لقبولها ببرنامج ترامب بشأن القضية الفلسطينية الذي يسمى “صفقة القرن”.
كما أن الجولان -بحسب الباحثيْن- ورقة مساومة وضغط للتوقيع على اتفاقية جديدة لنزع السلاح في سوريا على أساس صيغة “إيران مقابل الجولان”، ويجب أن تكون إسرائيل مستعدة لليوم الذي سيتم فيه التعامل مع اقتراح دولي يسمح لإيران بالانسحاب من سوريا مقابل انسحاب إسرائيلي من مرتفعات الجولان.
ميزات وأفضليات
وتحت عنوان “السيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان.. الضرورة الإستراتيجية والأخلاقية”، أنجز أفرايم عنباري الباحث في مركز بيغن-سادات في جامعة بار إيلان دراسة استعرض من خلالها الجولان ككنز إستراتيجي بالنسبة لإسرائيل، ولفت إلى أن الحديث يدور عن منطقة جبلية ممتدة على مساحة 1800 كيلومتر مربع، وتتصل بجبل الشيخ الذي يعد نقطة لجمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة دمشق وعواصم كثيرة في الشرق الأوسط.
ويعتقد الباحث الإسرائيلي أن الانسحاب من الجولان إشكالي وشائك، فالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان تعطي إسرائيل الكثير من الميزات المهمة لصد أي هجوم عسكري مثلما كان بحرب عام 1973 وخلال سنوات الحرب على سوريا، وهو ما مكن إسرائيل من الحفاظ على الاستقرار عند خط وقف إطلاق النار وعلى الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا.
وأوضح أنه لا يوجد أفضل من مرتفعات الجولان لتكون الدرع الواقي لإسرائيل ومنحها أفضليات دفاعية على الجبهة الشمالية، لافتا إلى أن أي انسحاب عسكري من الجولان سيؤدي إلى سحب الجيش حتى مشارف بحيرة طبريا، مما يهدد الجبهة الداخلية وخليج حيفا.
وعلاوة على ما سبق، فإن البقاء في الجولان يأتي من منطلقات استغلال الموارد الطبيعية، وأبرزها المياه والأراضي للزراعة والثروة الحيوانية، والتنقيب حتى عن الغاز والنفط، حيث ترى تل أبيب في الجولان كنزا من الموارد الطبيعية.
ويرى عنباري أن الانسحاب من الجولان يعني تفكيك معسكرات الجيش وإخلاء المستوطنات ونقل نحو 20 ألفا من المستوطنين إلى داخل إسرائيل، وهو ما سيكلف خزينة إسرائيل 20 مليار دولار، معتبرا أن مرتفعات الجولان بحسب المعتقدات اليهودية جزء لا يتجزأ من “أرض إسرائيل”.
المصدر : الجزيرة
آثار ترامب على تقرير حقوق الإنسان/ وائل السواح
يستطيع من يراجع تقرير وزارة الخارجية الأميركية لواقع حقوق الإنسان في دول العالم أن يلحظ بصمة الرئيس دونالد ترامب، وإدارته، في أكثر من موضع في التقرير، وهو تقرير سنوي، يُعِدّه موظفو الوزارة في جميع الدول بأمر من الكونغرس الأميركي الذي قرر، منذ العام 1976، أن تقدّم له الوزارة هذا التقرير لقياس مدى تقدّم الديمقراطية أو تراجعها في العالم بأسره، بما فيها الدول المتقدّمة والمتخلّفة، ويتمّ استخدام التقرير من أجل دراسة الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة لتلك الدول.
ولم يسلم التقرير من التأثر بسياسة الرئيس الأميركي الموجود في البيت الأبيض، ديمقراطيا أو جمهوريا، فقد خفّف التقرير من لغته الانتقادية حيال إيران والصين، تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بسبب تقارب الرجل مع النظامين الديكتاتوريين. ولكن تقرير العام 2018 يعتبر، كما يمكن للمرء أن يتوقّع، فضيحة بكلّ المقاييس لإدارة الرئيس ترامب. وليس هذا غريبا عن هذا الرجل الذي دافع بقوّة عن منتهكي حقوق الإنسان، ولم يُمضِ وقتا يذكر في معالجة حقوق الإنسان، أو يبذل جهدا حقيقيا في هذا الحقل.
ومنذ المقدمة، يوضّح التقرير، بشكل صريح، أن سجلّ حقوق البلد لا يهمّ إدارة الرئيس ترامب، ولن يكون عاملاً حاسماً في توجيه الدبلوماسية الأميركية. ويقرّر وزير الخارجية، مايك بومبيو، في ديباجة التقرير أن “سياسة هذه الإدارة هي التعامل مع الحكومات الأخرى، بغض النظر عن سجلّها، إذا كان ذلك سيؤدي إلى تعزيز المصالح الأميركية”. أي أن سجلّ حقوق الإنسان لن يغيّر في مستوى التعامل السياسي الاقتصادي والأمني بين حكومة الولايات المتحدّة والأنظمة القمعية في العالم، ما دامت تلك الدول تخدم مصالح هذه الإدارة.
وسيرى قارئ التقرير أن تلك الروح ستنسحب على معظم أجزاء التقرير، ففي الإشارة إلى
الأراضي الفلسطينية، الضفة الغربية وقطاع غزّة والقدس الشرقية، حذف التقرير عبارة “أراضٍ محتلّة”، وسمّى المناطق بشكل “محايد”: إسرائيل، الضفّة الغربية، القدس، كذا. وفي تبرير وزارة الخارجية لذلك، قال السفير مايكل كوزاك من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية: “لا يتعلّق هذا الأمر بحقوق الإنسان، بل هو إشكال يتعلّق بالوضع القانوني. وبالتالي، فإن مثل هذه القرارات يتّخذها مكتب وزارة الخارجية المسؤول عن الإقليم ومكتب المستشار القانوني للوزارة، ونحن نتبع ما يشيران به”. ولكنه لم يجب عن سؤال لماذا ظلّت وزارة الخارجية 41 سنة تسمّي تلك المناطق “محتلّة”.
وتلعثم السفير كوزاك أيضا، عندما أجاب، في مؤتمر صحافي يوم الأربعاء، بشأن السبب الذي كانت الحكومة الإسرائيلية الوحيدة التي سُمح لها بالتعليق على المعلومات في التقرير، وهو أمر يحدث أيضا أول مرّة، فالعادة ألا يتمّ إطلاع الحكومات على مسودة التقرير، قبل إطلاقه رسميا.
وفي السياق عينه، امتنع التقرير لأول مرّة أيضا عن تسمية الجولان، كما في السابق، بأنه “مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل،” وغيّرها إلى “مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل.” ويتماشى هذا طبعا مع رغبة الإدارة الأميركية المعلن علنها في اعتبار الجولان السوري المحتل أراضي إسرائيلية. وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد ذكرت أن الرئيس ترامب سوف يعلن عن سيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي على هضبة الجولان، في أثناء لقائه مع نتنياهو، في الأسبوعين المقبلين، ليمنحه فرصة تحقيق إنجاز سياسي قبل الانتخابات. وأضافت الصحيفة أن ترامب لا يتوقف عن مساعدة رئيس حكومة الاحتلال، من خلال تصريحاته أخيرا، بما في ذلك مشاركة منشورات نتنياهو على حسابه الشخصي على “إنستغرام”.
ويمهّد صديق ترامب، السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، من هضبة الجولان نفسها هذا التحوّل، فقد وعد الرجل أن يضغط على الإدارة للاعتراف بهضبة الجولان المحتلة تابعة لإسرائيل، وذلك في جولة له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجولان التي انتزعتها إسرائيل من سورية خلال حرب 1967. وبذلك قد تغدو الولايات المتحّدة أوّل دولة كبيرة تعترف بسياسة الاغتصاب الدولي.
وفي القسم الخاص بالعربية السعودية، وصف التقرير مقتل جمال خاشقجي باعتباره جريمة بشعة، ولكنه رفض أن يذكر أي دور لوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي تعتبره حكومات غربية وإقليمية، وحتى الاستخبارات الأميركية نفسها، مسؤولا عن الجريمة. وقد تهرّب السفير كوزاك عندما سئل عن سبب ذلك، وأسهب، بدلا من ذلك، في الحديث عن تحقيق سعودي مستمر، وقال “نحن في منتصف هذا الفيلم. ونأمل أننا، مع نهايته، سنحصل على مجموعة أوضح من الحقائق”.
هذا جواب مخزٍ عن سؤال جاد. وأضاف “يمكن أن تكون لنا جميعًا شكوكنا أو تكهناتنا حول إلى أين يمكن لهذه التحقيقات أن تفضي. ولكننا جميعا مضطرّون لأن نعتمد الحقائق، كانت جهودنا مقادة بالبحث عن الحقيقة، وليس التأثر بالآراء.. لقد وجّهوا اتهامات رسمية لبعض الناس، ولديهم مزيد من المشتبه بهم قيد التحقيق، لكن التحقيق لم ينته بعد بأي حال، في هذه المرحلة”. هذه موضوعية بائسة، خصوصا أن كوزاك رفض أيضًا أن يقول ما إذا كانت وزارة الخارجية قد راجعت تقييم وكالة المخابرات المركزية بشأن مقتل خاشقجي.
وحتّى كوريا الشمالية حظيت بنوعٍ من التغاضي في التقرير، حيث أزيلت من التقرير عبارة “انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان” التي كانت أربعة قرون تصف الحال في بلد صديق الرئيس ترامب الجديد، كيم جونغ أون. ولكنّ الحال تغيّر في القسم المتعلّق بإيران، فبقيت اللغة الوصفية التي غابت في كلّ الأقسام الأخرى بشأن الدكتاتوريات الأخرى. سؤال: شكرا لك. واعترف السفير كوزاك بذلك، ووصفها بأنها “سقطت سهوا”.
وثمّة سقطات حقوقية وأخلاقية كبيرة أخرى تلطّخ تقرير هذا العام لحقوق الإنسان، فقد قلّص معظم الانتهاكات الرئيسية لحقوق الإنسان التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات في جميع العالم، وأغفل مثلا “الحقوق الإنجابية” التي تعطي المرأة الحقّ في الإجهاض، في حال تعرّض الأمهات للخطر، وكذلك الحقّ في تنظيم الأسرة ومنع الحمل. وأهمل تاريخا من الاعتراف واسع النطاق بأن تمكين حقوق الإنجاب للمرأة يمكن أن يؤثر إيجابًا على حقوق الإنسان الأساسية الأخرى، وأن العكس أيضا صحيح. ومثال ذلك وفيات الأمهات التي تحوّلت من أنها مجرّد مأساة عائلية أو أزمة صحية، لتغدو فشلًا في التزامات حقوق الإنسان. وكشفت تحقيقات حقوق الإنسان المتعلقة بوفاة الأمهات أنه عندما تموت النساء من أسباب مرتبطة بالحمل يمكن الوقاية منها، فمن المحتمل أن تكون هناك سياسات وممارسات وقوانين توجِد بيئةً لا تقدر حياتها فيها.
يترك الرئيس ترامب آثار أقدامه الكبيرة في كل درب يسلكه، والآن جاء دور هذا الحقل الحسّاس: حقوق الإنسان. لا يتمتّع ترامب بأي حساسيةٍ تجاه حقوق الإنسان، وهو يرمي وراء ظهره بكل حقّ في سبيل مآربه ومصالحه الضيّقة. لقد انتخب الأميركيون الرجل، وعليهم الآن أن يعيدوا التفكير في خيارهم.
العربي الجديد
الجولان سورية.. هل نواجه إعلان ترامب؟/ عبد الرحمن الحاج
اعتقد ترمب أن في هذه اللحظة التي يراهن فيها الجميع على دور فعال للولايات المتحدة في كبح إيران وفرض تسوية سياسية في سوريا تضمن مصالح الأطراف الإقليمية وخصوصاً دول الخليج وإسرائيل مواتية لإعلان اعتراف أمريكي بسيادة إسرائيلية على الجولان السوري المحتل، ولأن السوريين المناهضين لنظام الأسد منهكين، سواء كانوا من قوى الثورة أو المحسوبين عليها أو كانوا يملكون مشروعاً خاصاً بهم مثل ميليشيا قسد وقوات الحماية الشعبية الكردية (YPG) ومن خلفها (وهي غير معنية أساساً بالجولان)، يعولون على دور أمريكي لمواجهة نظام الأسد وعدم عودة عقارب الساعة إلى الخلف، أي أنهم بحاجة ماسة للدور الأمريكي فإن إدراة ترامب اعتقدت أن السوريين لن يكونوا قادرين على رفع صوتهم أمام الإدارة الأمريكية بخصوص الاعتراف الأمريكي بسيادة الجولان وقول “لا”.
إعلان ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان في هذه اللحظة مرتبط بشكل واضح بتقرير مولر عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي أتت بترامب إلى الرئاسة، وهو السبب ذاته الذي جعله يبيد مخيم الباغوز بمن فيه من الإرهابيين الدواعش والأبرياء ويحرق فيه مئات الأطفال والنساء حرقاً ليتسنى له إعلان الانتصار و”نهاية داعش”، يريد ترمب إنجازاً يواجه فيه نتائج التحقيق. قد لا يكون التغطية على نتائج التحقيق هو هدف ترامب لكن قد لا يكون الهدف الوحيد، لكن من الصعب القول إن الهدف هو مواجهة إيران في سوريا كما يسوق وزير خارجيته الذي قال “إن الله أرسل ترامب لحفظ إسرائيل من إيران”! كيف تواجه إيران بمنح إسرائيل مرتفعات الجولان؟ ألم يكن من الأجدى إغلاق الحدود السورية العراقية وعدم السماح للإيرانيين وقيادات الحرس الثوري والجيش الإيراني من العبور بحرية وتمرير ما يريدون من الأسلحة والمقاتلين الطائفيين؟ هل هي رشوة عربية لإسرائيل للاستمرار في دورها في استهداف الوجود الإيراني في سوريا ومنعها من الاستقرار فيها؟ ربما هذا هو المقصود، يالبؤس الساسة العرب! يصب كل ذلك في المحصلة أيضاً في خدمة نتنياهو وصراعه الانتخابي أيضاً، هل وصل الحد إلى دعم بعض قادة الدول العربية لنتنياهو مباشرة في سباقه الانتخابي؟
لقد صمتت معظم الدول العربية وبشكل خاص دول الخليج على إعلان ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فقد سبق هذا الإعلان جولة لوزير الخارجية بومبيو في الدول العربية كان واحداً من أهدافها بدون شك التنسيق معها لضمان صمتها، وقد حصل. ومع ذلك فإن “الولايات المتحدة تستعد للاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان الأسبوع المقبل، تزامنًا مع زيارة نتنياهو للبيت الأبيض” بحسب وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية.
الروس ليسوا قلقين من قضية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أرض سورية محتلة، فهم محتلون أساساً للقرم، وينتظرون اعترافاً دوليا بها، ويمكنهم مقايضة بها بأي اعتراف دولي آخر، لكنهم من جهة ليسوا في بازار للمقايضة من جهة، ومن جهة أخرى هم قلقون من أن يكونوا هم المستهدفون بهذه القضية، فالروس يشكون في أن هدف هذا الإعلان هو “ضرب سوريا والشراكة الروسية معها”، بحسب عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي أوليغ موروزوف، والذي قال إن بلاده لن تعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتلة، بمعنى آخر ربما تنتظر إدخالها في بازار أمريكي يتعلق بالقرم. ومن غير المفهوم ربط الكرملين بين “التسوية السياسية” وهذا الاعتراف، كما قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين)، ديمتري بيسكوف، أول أمس الجمعة، أن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب بشأن الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية لا تخدم التسوية وتزيد من زعزعة استقرار الوضع في منطقة الشرق الأوسط.
الهيئة السورية للتفاوض رفضت في بيان رسمي لها أول أمس الجمعة على تويتر إعلان ترامب، ولكنها شكرت موسكو لموقفها، ولم يبق لها سوى أن تشكر إيران! يحار المرء في فهم العقل الذي يدير هذه الهيئة الهجينة، وكيف تفكر في تجزئة القضايا، فموسكو المحتلة والتي جربت مئات الأسلحة في اللحم السوري الحي هي غير موسكو في العملية السياسية، موسكو عدوة هناك، وهنا وسيط! وموسكو التي تقصف في إدلب والتي حرقت الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الحر والفصائل المحسوبة على الثورة وقتلت الآلاف من الأبرياء هي غير موسكو التي تقف معنا في مواجه إعلان ترامب! ثمة خلل عقلي في هذه الهيئة العجيبة، التي تعبر فعلا عن إرادة دول لكنها لا تعبر بالتأكيد عن السوريين. ولأن الهيئة واجهت موجة غضب بسبب هذا البيان قامت بحذفه (دون أي اعتذار أو إشارة إلى سحبه رسمياً) ونشرت بيانا “إعلامياً” أي بيانا لا يمثل سوى المكتب الإعلامي!.
صوت المعارضة بقي خافتاً، رغم التنديد والرفض الصريح، وسيبقى كذلك ما لم يحدث تحرك ما، فالكلام بدون تحرك سياسي لمواجهة هذا الإعلان والذي يرجح أن يتحول قريباً إلى قرار رسمي للولايات المتحدة سيكون بلا معنى ولا فائدة، ولن يكون مسموعاً أكثر من سماع صوت المعارضة الرسمية المذكور ممثلة في الهيئة العليا للتفاوض والائتلاف وحفنة منصات غير مرئية. صحيح أن المعارضة المذكورة لا تملك القدرة على التحرك، لكن هنالك إمكانية للاستفادة من موقف الدول “الصديقة” (وليس العدوة) والدفع باتجاه المحافل الدولية من جهة، والعمل مع القوى المدنية في المدن السورية خارج سيطرة النظام للتحرك من أجل الجولان.
أخيراً قضية السيادة رئيسية للسوريين، لكنها ليست القضية الوحيدة، فخلف قضية الجولان بشر تم تهجيرهم من أرضهم، وارتكبت العديد من المجازر بحقهم، وانضم الجولانيون مبكراً للثورة السورية، عاقبهم نظام الأسد بعدة مجازر بينها مجزرة حجيرة ومجزرة الحجر الأسود ومجزرة الذيابية ومجزرة جديدة عرطوز ،والتي ذهب ضحيتها الآلاف. والصمت عن الإعلان الأمريكي هنا هو قبول بالتنازل عن جزء من الأراضي السورية، وعليه فالتنازل عن أخرى سيكون ممكناً. الجولان سوري ويجب أن نعمل جميعنا ليبقى كذلك.
تلفزيون سوريا
استراتيجية أميركية لإعادة رسم خارطة المنطقة بدءا بالجولان السوري/ رانيا مصطفى
تغريدة جديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر، أطلقها مساء الخميس، يعترف فيها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السوري المحتل، متحدّيا، وخلافا لكلّ الإدارات التي سبقته، كل القرارات الأممية والشرعية الدولية الرافضة لاحتلال إسرائيل لأراضي الجولان في يونيو 1967، وأهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981، بشأن بطلان القرار الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي في العام نفسه، بضم الجولان، وفرض قوانين إسرائيل وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري المحتل، واعتباره لاغيا، وليست له أي شرعية دولية.
لاقى الموقف/ التغريدة ردود فعل رسمية عربية ودولية رافضة له، باعتباره يخالف الشرعية الدولية، وقوانينها؛ حيث رفضته بيانات وتصريحات للنظام السوري، ولمعارضيه ممثلين بالائتلاف الوطني، ولجامعة الدول العربية، ووزراء خارجية مصر والأردن ومجلس التعاون الخليجي، ولتركيا، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا وألمانيا، وإيران، فضلا عن روسيا، الدولة ذات النفوذ الأكبر في سوريا.
إضافة إلى أن هذا الموقف أحدث ارتباكا داخل الدوائر الأميركية، باعتباره متسرّعا، ويتجاهل تداعياته وأبعاده الإقليمية والدولية المحتملة على المديين القريب والبعيد.
ترامب، المعروف بنسفه للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، يريد بهذا الموقف الإطاحة أيضا باتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التصرّف بوضع الأراضي المحتلة، أو التسبب بالأذى لها ولسكانها، وبالتالي تكريس سياسة الاحتلال كأمر واقع على الأرض.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قال إن ترامب “صنع تاريخا”، كان قد قرر زيارة واشنطن الاثنين والثلاثاء القادمين، ما يوحي بأن تنسيقا مسبقا تم قبل إعلان ترامب عن موقفه الأخير.
ورغم أن توقيت اعتراف ترامب جاء ملائما لصديقه نتنياهو، كونه سيخوض انتخابات في 9 أبريل المقبل، مع تقلّص فرصته في الفوز، لكنّه لم يكن اعتباطيا ومفاجئا تماما؛ بل جاء ضمن استراتيجية أميركية لإعادة رسم خارطة المنطقة، بدأت بتسريبات ما سمّي بـ”صفقة القرن”، ويشارك نتنياهو بنفسه في صياغتها، أي بما يحقق مصالح إسرائيل وأميركا، التي ينشط فيها اللوبي الصهيوني، ويؤثر على قراراتها. وقد ذكر ترامب في تغريدته أن مرتفعات الجولان تتّسم “بأهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل والمنطقة”.
غير الحديث عن “صفقة القرن”، في ديسمبر 2017، وقّع ترامب قرارا يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل بدلا من تل أبيب، متحديا الإجماع الدولي في هذا الشأن. وفي الأسبوع الماضي، صنّفت وزارة الخارجية الأميركية الجولان في خانة “المنطقة الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية” بدلا من “تحت الاحتلال”، كما جرت العادة في السابق، بحجة أن التقرير يصف الواقع على الأرض، الأمر الذي أكده بومبيو أثناء زيارته الحالية إلى إسرائيل، حيث رافق نتنياهو إلى حائط المبكى في خطوة غير مسبوقة لدعم رصيده الانتخابي.
وللمرة الأولى، كانت الولايات المتحدة قد صوتت، في نوفمبر الماضي، ضد قرار أممي يعتبر ضمّ إسرائيل للجولان “لاغيا وليس في محله”، حيث كانت الدولة الوحيدة التي اتخذت هذا الموقف.
مما سبق يتبيّن أن الاعتراف أتى بعد نقاشات مستمرّة لأشهر، وبتحريض من نتنياهو، الذي رافق السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام في زيارة إلى هضبة الجولان في 11 من شهر مارس 2019، وطلب منه الضغط على ترامب للاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
وقد قال غراهام إن هناك مشروع قانون بهذا الشأن في الكونغرس سيتمّ التصويت عليه، ما يعني أن تغريدة ترامب أتت عن سابق تخطيط ودراسة.
والحدود المعترف بها دوليا هي تلك التي رُسمت في 1923، أي بعد ترسيخ اتفاقية سايكس بيكو، وبالتالي المنطقة المعنية من هضبة الجولان تمتد من حدود 1923، الخاصة بدولة فلسطين قبل الإعلان عن قيام الكيان الإسرائيلي، وحتى حدود 1967 التي احتلتها إسرائيل، وتشكّل ثلثي مساحة هضبة الجولان، وهي أراضٍ خصبة ومنتجة، تعمّدت حكومات إسرائيل استمالة الدروز الذين يشكلون نصف سكانها السوريين، وتقديم بعض الامتيازات المادية لهم، وقامت باعتقالات تعسفية للسوريين، وفرضت الجنسية، واستمرت بتوسيع المستوطنات.
فيما جبهة الجولان هي الأكثر هدوءا من جهة قوات النظام السوري، منذ 1974، بموجب اتفاق فض الاشتباك الذي رعته الأمم المتحدة. وبالتالي فإن إسرائيل وأميركا كانتا راضيتين عن حالة الاستقرار قبل اندلاع الثورة السورية، لكن الانهيارات التي حصلت في سوريا، والمنطقة عموما، دفعت واشنطن وتل أبيب إلى التفكير في ترتيب جديد للوضع والمنطقة.
إسرائيل رتّبت الوضع مع موسكو، بما يتعلق بالتهديد الإيراني لها من الأراضي السورية، وهي تقصف بحرية المواقع الإيرانية، بالتنسيق مع قاعدة حميميم الروسية، تجنبا لتكرار حوادث مماثلة لحادثة سقوط الطائرة الروسية؛ وانتهت زيارات نتنياهو المتكررة إلى موسكو، مؤخرا بالتوصل إلى تفاهمات حول ترتيبات أمنية على الحدود السورية الإسرائيلية في الجولان المحتل، يشرف عليها الروس، لمنع أي مواجهة مفتوحة بين الجيش الإسرائيلي والميليشيات الإيرانية وحزب الله، القابعة في الجنوب السوري. حيث نشر الروس منتصف العام الماضي قوات من الشرطة العسكرية في هضبة الجولان، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إقامة 8 مواقع مراقبة في المنطقة، دعما لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مؤكدة أنه يجب عودة قوات النظام إلى المنطقة فور استقرار الوضع.
وبالتالي ترامب متضايق من التقارب الروسي الإسرائيلي، وأراد اقتحام الوضع، والتصدر مجددا لحماية أمن إسرائيل. وكذلك روسيا ترفض اعتراف ترامب الأخير، ولا ترغب بترتيب جديد للمنطقة دون مشاركتها، خاصة أنه يهدد مصالحها ورغبتها في الاستفراد بالوضع السوري.
في كل الأحوال، الاستراتيجية الأميركية- الإسرائيلية “لإعادة رسم خرائط المنطقة” تستغلّ ظروفا صعبة للغاية تمرّ بها سوريا والمنطقة، من حالة لا استقرار وانهيار عسكري وسياسي واقتصادي؛ ولعل هذه الاستراتيجية الجديدة أيضا دفعت واشنطن إلى التراجع عن انسحابها من سوريا، وتولي مهمة ترتيب الوضع، بالضد من تنامي الهيمنة الروسية في المنطقة.
لكن قرار ترامب بالاعتراف بهيمنة إسرائيل على الجولان السوري المحتل لن يمرّ بهذه السهولة، إذ يحتاج إلى سلسلة طويلة من المساومات الشاقة مع كل الأطراف الدولية والعربية التي رفضت القرار، والذي يعيد العالم إلى شريعة الغاب؛ عدا عن رفض الشعب السوري له، وما سينجم عنه مستقبلا من حركات مقاومة شعبية، أو مدعومة من أطراف رافضة له أيضا.
كاتبة سورية
العرب
الجولان: ترامب – هرتزل – الأسد/ نزار السهلي
لم تكن الساحة الإسرائيلية تعيش أفضل حالاتها، في الفترة التي سبقت إعلان الرئيس الأميركي ترامب، عزم إدارته الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، فقد كان لها نشوة مماثلة، عند الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على القدس، ونقل السفارة الأميركية إليها، إذ حفلت العطايا الأميركية للمحتل الإسرائيلي في عهد ترامب، بما لم تكن تحلم به منذ خمسة عقود، خصوصًا بما بات يُعرف بـ “صفقة القرن” التي يجري التعبير عنها بخطوات إسرائيلية أميركية متبادلة على الأرض.
مع مجيء إدارة ترامب إلى البيت الأبيض؛ اندفعت السياسة الأميركية في انتهاج سياسة عدوانية واضحة، حيال القضايا المصيرية في المنطقة، والمتعلقة بالاعتراف بسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على القدس والجولان والضفة الغربية، فضلًا عن تأييد الاستيطان، وإسقاط حق العودة للاجئين، وإعلان الحرب على وكالة الأمم المتحدة لشؤون للاجئين (أونروا) وقطع المساعدات المالية عنها.
الاندفاعة الأميركية نحو الاحتلال الإسرائيلي، بجرأة غير مسبوقة، وذرائعها مع إعلان ترامب منح “شرعية” للمحتل في الجولان، كان لها بيئة وأجواء، على الصعيد الإقليمي والمحلي، حيث إن جرائم وفظاعات النظام السوري ضد الشعب السوري تمثل المناخ المطلوب دوليًا، لتمرير جملة الإجراءات الأميركية والصهيونية في المنطقة.
قبل أيام قليلة، أعلن الاحتلال الروسي تجهيزه ست نقاط مراقبة في الجولان، كي ينعم المحتل الإسرائيلي بأمان مديد عقودًا قادمة، في هذا الوضع أسهم المحتل الروسي والإيراني في تهيئة الظروف المناسبة للاعتراف الأميركي بسيادة صهيونية على الجولان، طالما أنها لا تمس وظيفة ووجود الأسد، ففي الجعبة كثيرٌ من الثرثرة السياسية التي تكفي لتبرير وتمرير المواقف.
أمام ذلك كله، يدرك التحالفان: الأميركي الإسرائيلي، والروسي الإسرائيلي، أن استمرار حكم الأسد وسيطرته وبطشه بالمجتمع السوري هو من أعظم الخدمات والإنجازات التي يسهل من خلالها تمرير وقائع العدوان والسيطرة الصهيونية، في الجولان والقدس وبقية المناطق المحتلة، لذلك لم يكن في جعبة موسكو المقابلة للجرأة الأميركية سوى تقديم مزيد من أدوات القتل والإجرام للأسد، مقابل دعم أميركي غير محدود للمحتل، والاعتراف بكل إجراءاته وسياساته، والتعبير عن الحماية المطلقة التي توفرها الولايات المتحدة لـ “إسرائيل”.
منذ احتلال الجولان عام 1967، لم تكن هناك مواقف واضحة وجلية من موسكو، تواجه الاحتلال الإسرائيلي، لا في الحرب الباردة ولا الساخنة، فقد اقتصرت المواقف على رفع بعض الشعارات التي زادت من وتيرة الاستيطان في الهضبة، وبعدما منح الأسد الأب فترة هدوء وطمأنينة مديدة للاحتلال، مقابل سيطرته على الحكم؛ ساعدت موسكو في إرساء قواعد المحتل وهدوئه، من خلال إقرار فصل القوات الذي تتغنى به هذه الأيام، وإرسال رسائل للصهاينة تؤكد قدرة الأسد على حماية الحدود في الجولان، وقدرته على البطش بالسوريين، بينما ألحان ترامب تغرد على موجة مختلفة.
في عهد ترامب ونتنياهو، ينعم الأسد بسيطرة وحشية على السوريين، ويحلم بالإفلات من العقاب، وفي عهدهم لن يكون للجولان والجولانيين إفلات من المحتل ومن إجراءاته، وفق ما تلمسه السوريون، خلال الأعوام الماضية والعقود الخالية.
ما يحمله المستقبل المنظور أن المحتل يحاول تكريس فرح موازٍ لأفراح الأسد بالسيطرة، ومدة أطول للإفلات من العدالة، فالجولان وتحريره ليس واردًا في قاموس من باعَه، ووفر مناخ الطمأنينة للمحتل الروسي والإيراني والإسرائيلي والأميركي، وبقية الدوائر الغربية تعرف أن المعادل لبقاء الأسد هو الجولان.
معادلة الأسد الأب والابن كانت امتدادًا طبيعيًا لدور النظام التاريخي، في إطار قهر وظلم المجتمع السوري، وفي تقديم ضمانات لا تقلّ أهمية عن تلك التي قدّمها تيودور هرتزل للصهيونيين الأوائل.
الاتساق مع ممارسات الاحتلال أو “التفوق” عليها، في كثير من الحالات، يجعل قضيةَ الجولان أو القدس، أو المقاومة وتحرير الأرض، مفضوحةً أكثر من التخاذل والتواطؤ، من نظام يحلم بأبدية سلالته التي ستندثر مع محتلين وطغاة كثر في الأرض، وسيكون للجولانيين مع أشقائهم فجر جديد، يتجاوز الهرتزليين والبلافرة الجدد، من قصر المهاجرين إلى البيت الأبيض، مرورًا ببقية العواصم.
ما بين النظام السوري والجولان/ خيرالله خيرالله
ما تفعله إسرائيل حاليا هو قبض ثمن إبقاء بشّار الأسد في دمشق التي هي على مرمى حجر من الجولان.
هل حاول النظام السوري في يوم من الأيّام استعادة الجولان أم أن الجولان كان دائما ضمانة لبقائه؟
يطرح هذا السؤال نفسه بعد التغريدة التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب عن أن الوقت حان للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
لعلّ أهم ما في التغريدة الإشارة إلى أن إسرائيل تحتل الجولان منذ 52 عاما. ما الذي فعله النظام السوري طوال ما يزيد عن نصف قرن عندما احتلّت إسرائيل الجولان في العام 1967 في وقت كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع؟
Donald J. Trump
✔
@realDonaldTrump
After 52 years it is time for the United States to fully recognize Israel’s Sovereignty over the Golan Heights, which is of critical strategic and security importance to the State of Israel and Regional Stability!
176K
6:50 PM – Mar 21, 2019
Twitter Ads info and privacy
73.4K people are talking about this
الجواب، بكل بساطة أن الجولان كان في كلّ وقت ضمانة للنظام الذي أسّسه حافظ الأسد. فبعد ثلاث سنوات من احتلال إسرائيل للجولان في حزيران – يونيو 1967، انتقل حافظ الأسد إلى موقع المسيطر كلّيا على سوريا ابتداء من السادس عشر من تشرين الثاني – نوفمبر 1970.
بقدرة قادر، لم يلق الأسد الأب أي مقاومة في الانقلاب الذي نفّذه على خصومه. على العكس من ذلك، كانت هناك إحاطة دولية لـ”الحركة التصحيحية” التي قام بها. كذلك كان هناك تعاطف عربي مع ما قام به من منطلق أنّه كان لا بدّ من التخلّص من “البعث المغامر” ذي الميول اليسارية، الذي كان يتزعمه في سوريا ضابط علوي آخر اسمه صلاح جديد. كان صلاح جديد الرجل الأقوى في سوريا بين 1966 و1970، ما لبث حافظ الأسد أن وضعه في السجن الذي بقي فيه إلى آخر أيّام حياته.
منذ أصبح حافظ الأسد الحاكم المطلق لسوريا، خصوصا بعدما أصبح أوّل رئيس علوي للجمهورية في شباط – فبراير 1971، كان الرهان الدائم للنظام على حال اللاحرب واللاسلم، التي يرمز إليها وضع الجولان.
وجد النظام السوري في اتفاق فكّ الاشتباك مع إسرائيل مطلع العام 1974 بديلا من أيّ سعي فعلي للبحث جدّيا في أي انسحاب إسرائيلي من الجولان. أكثر من ذلك، كان الهدوء الذي تنعم به جبهة الجولان مدخلا للوجود العسكري السوري في لبنان الذي باركته إسرائيل بعد وضعها خطوطا حمراء له في 1976.
منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك، أصرّ النظام السوري على بقاء مدينة القنيطرة التي انسحب منها الإسرائيليون مدمّرة. كانت حجته أن تدمير المدينة شاهد على وحشية إسرائيل. هل من حاجة إلى ما حلّ بالقنيطرة لمعرفة ما هي إسرائيل، بدل إعادة بناء المدينة وإعادة أهلها إليها؟
بالنسبة إلى النظام السوري، كان الجولان موضوع تجارة رابحة استخدم فيها لغة خشبية من نوع الإصرار على انسحاب إسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران– يونيو 1967، علما أن هذه الحدود لم تعد عند ضفاف بحيرة طبريا التي انخفض منسوب المياه فيها.
بقي حافظ الأسد متذرّعا في السنة 2000 بمياه بحيرة طبريا كي يفشل المحاولة الجدّية الأخيرة للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل تنسحب بموجبه من الجولان. قال في اللقاء مع الرئيس بيل كلينتون في جنيف قبل أسابيع من وفاته إنّه كان يصطاد السمك في مياه بحيرة طبريا عندما كان ضابطا صغيرا. تجاهل أن هذه المياه انخفض مستواها مع مرور السنوات وأن خط وقف النار في الرابع من حزيران – يونيو 1967 لم يعد حيث كان.
في الواقع، لم يرد حافظ الأسد يوما استعادة الجولان، بل كان كلّ همّه محصورا بالمتاجرة به واستخدامه كخط دائم لوقف النار مع إسرائيل. منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك، الذي أمكن التوصل إليه مطلع العام 1974 بفضل هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي وقتذاك، لم تعكّر رصاصة واحدة الجو في الجولان. كان هناك اتفاق سوري – إسرائيلي على إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة لتبادل الرسائل بين الجانبين، إن في أيّام السيطرة الفلسطينية على الجنوب اللبناني أو بعد ذلك عندما أصبح الجنوب في عهدة إيران، أي في عهدة “حزب الله”، الذي بقي محافظا على المهمّة المكلّف بها حتّى صيف العام 2006 عندما افتعل حربا مع إسرائيل. أجبرت تلك الحرب إسرائيل على تغيير قوانين اللعبة المتفق عليها وذلك عبر قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي سمح للجيش اللبناني بالعودة إلى جنوب لبنان للمرّة الأولى منذ العام 1975.
من حافظ الأسد إلى بشّار الأسد، انتقلت سوريا من عالم إلى آخر، خصوصا بعدما بدأت ثورة الشعب السوري في مثل هذه الأيّام من العام 2011. كان أفضل من عبّر عن طبيعة العلاقة الجديدة – القديمة بين إسرائيل والنظام السوري شخص اسمه رامي مخلوف، ابن خال بشّار الأسد.
في وقت كانت الثورة الشعبية في سوريا في بدايتها ربط رامي مخلوف في حديث مع الصحافي الأميركي اللبناني الأصل، أنتوني شديد الذي كان يعمل لصحيفة “نيويورك تايمز”، بين بقاء النظام السوري وحال الهدوء السائدة مع إسرائيل. كشف بكلّ صراحة عن تلك المعادلة التي تحكمت بالعلاقة بين النظام الذي أسّسه حافظ الأسد في 1970 والذي مهّد عمليا لقيامه باحتلال الجولان في 1967 من جهة والضمانة الإسرائيلية للنظام من جهة أخرى.
قال ما حرفيته في عدد “نيويورك تايمز” الصادر في العاشر من أيّار – مايو 2011، “إذا لم يكن هناك استقرار هنا، لا يمكن بأي شكل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل”.
لم تتدخل إسرائيل في سوريا على نحو مكشوف، علما أنّه كان في استطاعتها، منذ البداية، قلب المعادلة الداخلية بسبب قربها من الجنوب السوري ومن درعا تحديدا التي انطلقت منها الثورة السورية. لجأت إسرائيل إلى ضربات جوّية في مرحلة لاحقة اقتربت فيها إيران من خط وقف النار في الجولان، بقيت هذه الضربات الجويّة في إطار معيّن لا يؤثّر مباشرة على مصير النظام الذي لم يعد بالفعل موجودا بعدما صار تحت رحمة الإيراني والروسي.
ما تفعله إسرائيل حاليا هو قبض ثمن إبقاء بشّار الأسد في دمشق التي هي على مرمى حجر من الجولان. يدخل كلّ ما قاله دونالد ترامب في سياق طبيعي. في أساس هذا السياق معادلة جديدة تقوم على الربط بين التسليم باحتلال إسرائيل للجولان نهائيا من جهة، وبقاء بشار الأسد في دمشق بحماية الإيراني والروسي من جهة أخرى. هل هذه معادلة دائمة أم مجرّد معادلة مرحلية في انتظار ما سيفسر عنه الصراع بين موسكو وطهران على سوريا؟
لا يمكن الكلام عن معادلة دائمة بين سوريا وإسرائيل في ظلّ الخلل السوري الذي رفض رامي مخلوف الاعتراف به. فابن خال بشّار الأسد لم يستوعب منذ البداية أنّ النظام انتهى في اليوم الذي خرج فيه من لبنان في نيسان – أبريل 2005 نتيجة مشاركته في عملية اغتيال رفيق الحريري والتحضير لها.
ما لم يستوعبه أكثر من ذلك أن لعبة المحافظة على الاحتلال الإسرائيلي للجولان وعلى حال اللاحرب واللاسلم لا يمكن إلّا أن تنقلب على النظام الذي تأسّس بالفعل قبل 52 عاما وكان ثمنا قبضه طوال ما يزيد على نصف قرن. كان ذلك الثمن كافيا كمكافأة على ما حدث في 1967… بعدما تبيّن أن الكثير تغيّر على الأرض السورية وبعدما استفادت إسرائيل من كل الفرص التي أضاعها الأسد الأب والأسد الابن من أجل استعادة الجولان على غرار استرجاع أنور السادات لسيناء!
إعلامي لبناني
العرب
كيف مهدت الاتصالات السرية بين نتانياهو والأسد لمطالبة إسرائيل بالاعتراف بسيادتها على الجولان؟
“فقط تخيل ما كان ليحدث لو لم تكن إسرائيل موجودة في الجولان”، هكذا قال بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وذلك قبل يومٍ واحد من هِبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكبرى لنتانياهو في تغريدة دراماتيكية مثيرة، ألا وهي: تصديق الولايات المتحدة على الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.
لكن ما حاجتنا إلى التخيل هنا؟ فحتى وقتٍ قريب، كان نتانياهو شخصياً مشاركاً في اختلاق إجابة مفصلة على السؤال غير المتخيل على الإطلاق، عندما أدار مفاوضات مع السوريين وصلت إلى مرحلة متقدمة، حول الانسحاب الإسرائيلي من أراضٍ في هضبة الجولان نظير إبعاد “حزب الله” وإيران منها أيضاً.
طيلة 20 عاماً، عقدت جميع الحكومات الإسرائيلية تقريباً محادثات سرية مع دمشق ركزت على صياغة اتفاق سلام، من شأنه أن يضمن إيجاد حل وسط بخصوص الأراضي. لكن الجولة الأخيرة من هذه المحادثات وأقلها شهرة أُنهيت فجأة -أثناء تولي حكومة نتانياهو السلطة- في آذار/ مارس عام 2011 على خلفية اندلاع الحرب الأهلية. خلال سنوات المقتلة السورية كان هناك تغيُّر تدريجيّ، إنما مُحدد في الموقف الإسرائيلي: انتهى عصر “الخيار السوريّ” وحان وقت المطالبة بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية القائمة فعلياً بحكم الواقع على الجولان.
تدريجياً أصبحت الفكرة- التي تسللت بداية من أوساط اليمين الإسرائيلي إلى مجلس الشيوخ الأميركي، وهُمس بها بعد ذلك في آذان إدارة الرئيس باراك أوباما- فكرة عامة واكتسبت زخماً في الوسط السياسي أيضاً. يتضح تغيُّر الموقف هذا بجلاءٍ في السباق الانتخابي الحالي؛ فقد أعلن معظم المرشحين البارزين أنهم يؤيدون هذا الاعتراف. كان أول من أعلن ذلك هو يائير لبيد، الذي ضم القضية إلى شعارات حملته الانتخابية، وذكرها أيضاً شريكه في الانتخابات بيني غانتس، الذي أعلن خلال رحلةٍ إلى الشمال أنه، “لن نرحل أبداً عن الجولان”. بفضل الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق -عبر القنوات السرية بشكلٍ أو بآخر- توجه إجماع الآراء الإسرائيلي نحو حملةٍ رامية إلى اعترافٍ أحادي الجانب بضمّ الجولان، وبلغت تلك الحملة ذروتها حالياً من خلال عطيّة ترامب تلك.
في الأشهر الأخيرة، تحدثت صحيفة هآرتس مع كثيرٍ من الأشخاص الذين شاركوا في الجولة الأخيرة من المحادثات والجولات السابقة لها، لتوضيح مدى جديّة تلك المفاوضات، والآثار المترتبة على التغيُّر في الموقف الديبلوماسي الإسرائيلي.
أكدت معظم المصادر التي تحدثنا معها، أنه حتى في ظل حكم نتانياهو كانت هناك مفاوضات جادة وصلت إلى مراحل متقدمة مع الرئيس السوري بشار الأسد وأتباعه، والتي تضمنت خرائط وسيناريوات محسوبة لاحتمال حدوث انسحاب إسرائيلي من هضبة الجولان على أساس حدود ما قبل عام 1967.
ويرى معظمهم أن الاعتراف الأميركي أحادي الجانب، لن يعود بكثيرٍ من النفع على إسرائيل حالياً، بل قد يتسبب في إشعال فتيل حربٍ جديدة. أمّا في الجهة المقابلة، فيؤمن أنصار الفكرة في الساحة السياسية الإسرائيلية بأن هذه فرصة يجب استغلالها.
الأسد الأب و”الوديعة”
تعود النزاعات الحدودية شمال إسرائيل إلى الأيام التي رسم فيها الاستعمار خرائط المنطقة للمرة الأولى. بعد ذلك أتت خطوط وقف إطلاق النار الأولى وخطوط عام 1967 في لُبّ الصراع. وفي أعقاب الاستيلاء على أراضٍ إضافية خلال حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر/ تشرين الأول)، وُقع اتفاق فصل قوات عام 1974 بين إسرائيل وسوريا، والذي بموجبه انسحبت إسرائيل من قسم من الأراضي التي احتلتها خلال الحرب وأُنشئت منطقة عازلة.
راهناً، أبلغ نتانياهو الروس -الشركاء الإقليميين الجدد- أن إسرائيل بدورها ستعود إلى اتفاقات الفصل. إذ صدقت إسرائيل عام 1981 على قانون تبناه الكنيست بضم هضبة الجولان إلى أراضيها. بزغت بداية الميول نحو المفاوضات مع انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991، لكن وفق ما هو معروف، لم تبدأ أيّ محادثات جديّة مع سوريا إلا خلال رئاسة إسحاق رابين للوزراء عام 1992. حين ذهب جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي إلى رابين بعد زيارته دمشق؛ وأخبره أن حافظ الأسد مستعد لتحقيق السلام “مثل السادات”.
قال البروفيسور إيتامار رابينوفيتش رئيس الوفد الإسرائيلي المشارك في المحادثات مع سوريا خلال ولاية رابين، الذي كان سابقاً السفير الإسرائيلي في واشنطن، “عُقدت المحادثات في الطبقة السادسة في وزارة الخارجية الأميركية من الساعة 9 صباحاً حتى 12 ظهراً”. مضيفاً، “انتظر الصحافيون منذ دخولنا إلى القاعة وحتى خروجنا. كانت هناك أجهزة تسجيل على الطاولة، وكان واضحاً أن هذه ليست الطريقة الصحيحة لإجراء مفاوضات، فحتى عندما كنا نجري محادثات على فترات متباعدة؛ استغرقنا وقتاً حتى تصبح المحادثات أمراً طبيعاً. ثم وفي أحد الأيام وضعوا مبادئ اتفاق على الطاولة. وبقينا قرابة العام -من أيلول/ سبتمبر 1992 إلى آب/ أغسطس عام 1993- على هذه الحال. أحرزنا تقدماً، لكنه كان تقدماً بطيئاً وبخطوات صغيرة. كنا نلتقي كل شهر تقريباً”.
ووفقاً لما قاله رابينوفيتش، لم تعجب رابين فكرة التنازل عن الجولان، بيد أنه حبذ المسار السوري على المسار الفلسطيني -والذي حُدد في بادئ الأمر مع منافسه السياسي شمعون بيريز- وظن أن الأسد ربما سيكون أكثر جديّة من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في تحقيق سلامٍ مع إسرائيل. ظلت المنهجية المتعرجة تلك بين القنوات والمسارات السورية والفلسطينية، والتي كانت تتم أحياناً فقط في محاولة للحد من الضغط الأميركي، مرافقة لجميع الحكومات الإسرائيلية منذ ذلك الحين وأصبح هذا اتجاهاً واضحاً.
كان مقترح رابين هو الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان إلى حدود ما قبل 5 حزيران/ يونيو 1967 خلال 5 أعوام، في مقابل تطبيع كامل واتفاقيّات أمنيّة. وقدّم هذا المقترح إلى وزير الخارجيّة الأميركيّ وارِن كريستوفر، في ما أصبح لاحقاً يُعرَف باسم “عربون” أو “في الجيب”.
معنى هذا أنّ رابين طلب من كريستوفر أن يُبقِيَ مقترحه كورقة للعب بها في المحادثات، في حال أبدى الطرف الآخر التزاماً. لو تأمّلنا أحداث الماضي، يبدو أنّ كريستوفر سارَع قبل الأوان بوضع مقترح الانسحاب على الطاولة. في نهاية المطاف، اختار رابين بيريز وأوسلو. ثم لم يعد إلى السوريّين إلّا عام 1994، حين بدأت المحادثات بين كبار المسؤولين العسكريّين من الجانبين. بحسب إيتامار رابينوفيتش، فإنّ حافظ الأسد عطّل المحادثات. حصلت مفاوضات أيضاً حين صار بيريز رئيساً للوزراء، إلّا أنها لم تكن مثمرة أبداً.
حين بدأ نتانياهو فترة ولايته الأولى في رئاسة الوزراء، طلب الأميركيّون توضحياً بشأن ما إذا كان غير ملتزم بـ”عربون” رابين؛ واتّفقوا على أنّ الأمر لن يحظى بصفة الالتزام. عام 1998 بدأ نتانياهو جولة جديدة من المحادثات السرّيّة عبر شريكه المقرّب ورجل الأعمال رونالد لودر. وبحسب مصادر مطّلعة على مضمون المناقشات، فإنّها أيضاً دارت حول استعداد إسرائيل للموافقة على انسحابٍ ملموس يقوم على العودة إلى حدود ما قبل 5 حزيران 1967.
وبعد جولات المحادثات مع الأسد في دمشق، تشير التقارير إلى أنّ الرئيس السوريّ طلَبَ من لودر أن يعود إليه بخريطة فيها ترسيم الحدود “أو ألّا يعود أبداً”. عارَض وزير الخارجيّة آنذاك آرييل شارون ووزير الدفاع إسحاق مُردخاي هذا الأمر، وكانت تلك نهاية هذه الجولة من المحادثات، التي تستحضر غالباً لظهورها كنقطة خلاف أثناء المناظرة التلفزيونيّة بين نتانياهو ومردخاي.
اليوم، تقول مصادر مطّلعة على فحوى جولة نتانياهو الأولى من المحادثات في تلك الآونة إنّ محور تلك المحادثات، من بين أمور أخرى، كان مطلب إسرائيل بالحفاظ على وجودها قدم في جبل الشيخ. أبلَغ السوريّون لودر أنّ هذا الأمر يعدّ “خطّاً للتجسس”. هناك مزاعم أنّ لودر ردّ على الأسد بشأن هذا بالقول “ولماذا يُزعجك أن يَرَى أحدٌ ما تقوم به في غرفة نومك. إنّ هذا لا يُزعجني شخصيّاً”. وبصورةٍ مدهشة للجميع، غيّر السوريّون رأيهم؛ لكنّهم قدّموا تسوية خلّاقة: “هناك أميركيّون يهود يمكن تحويل الحضور الإسرائيليّ إليهم”. وَفقاً لتلك المصادر، فإنّ إسرائيل قرّرت أن تفهَمَ العكس: أنّ الإسرائيليّين سيتظاهرون بكونهم أميركيّين. سيتم تدويل كامل جبل الشيخ، ثم تدار القواعد العسكريّة التي يفترض أن يديرها أميركيّون مِن قِبَل الإسرائيليّين؛ في اتفاقيّة تسبه ما حصل في سيناء.
حين كان إيهود باراك رئيساً للوزراء، عقدت محادثات سلام في مدينة شبردزتاون، بولاية فيرجينيا الغربية، انتهت بنتيجة مفجعة ما زالت تفاصيلها محلّ جدل حتى اليوم. أصرّ السوريّون على الحصول على منفذ على بحيرة طبريّة. يقول بعض مَن شاركوا في المحادثات أنّ باراك تخوف من الأمر. ووجّه اللوم لمَن سرّبوا المعلومة. بعد ذلك توفّي حافظ الأسد، وتولّى مكانه ابنه بشّار وجُمّدت المحادثات. ثم غزا الأميركيّون العراق ودخلوا في صِدامٍ مع سوريا؛ وكان شارون في أيّ حال مشغولاً بالانتفاضة الفلسطينيّة التي اندلعت عام 2000 إثر دخوله المسجد الأقصى، فأصبح بعدها رئيس الوزراء الإسرائيليّ الوحيد الذي يمكن الزعم بأنّه لم يعقد محادثات سرّية مع السوريّين بشأن الانسحاب من الجولان.
هذا يؤكّده حتى اليوم مساعده السابق دوف فايسغلاس الذي يقول إنّ شارون تلقّى طلباً في كانون الأول/ ديسمبر 2003 بلقاء الديبلوماسيّ الأميركيّ إليوت أبرامز في روما ليعده بأنّ إسرائيل لا تجري أيّ اتصالات مع سوريا، على رغم تقارير عن إرسال رسائل مزعومة إلى وزير الخارجيّة سيلفان شالوم. شهد هذا اللقاءُ، كما يقول فايسغلاس، إخبارَ شارون الأميركيّين أوّلَ مرّةٍ بخطته لفك الارتباط مع غزة.
خلال ولاية إيهود أولمرت رئاسة الوزراء، كانت لا تزال لدى الأميركيّون تحفّظات في البداية، وعام 2008 وافق أولمرت أخيراً على وساطةٍ تركيّة. انهارَت هذه المحادثات جزئيّاً بسبب عمليّة الرصاص المصبوب في قطاع غزّة؛ ولكن في نهاية تلك المحادثات تسلمت إسرائيل “خطة النقاط الست”، التي طالَب فيها السوريّون بتغييرات في الحدود، ووافق أولمرت على مناقشة هذا الأمر. تقول المصادر التي اطّلعت على موادٍ من تلك المحادثات إنّ الجانبَين كانا بالفعل منخرطَين في عمليّة ترسيم للحدود على خرائط “فائقة الدقّة”
في سنوات المفاوضات، لم يعترف المجتمعُ الدوليّ عموماً، والولاياتُ المتّحدة خصوصاً، رسميّاً بضمّ إسرائيل إلى مرتفعات الجولان.
نتانياهو والأسد: الجولة الأخيرة
بدأت جولة المحادثات الأخيرة بين نتانياهو وبشّار الأسد بوساطة أميركيّة في أيلول 2010. ومن بين أعضاء الحكومة كان وزير الدفاع إيهود باراك هو الوحيد الذي يؤيّد فكرة سريّة المحادثات، لكن الاستخبارات العسكريّة أيضاً كان تدعم الفكرة من ناحية المبدأ. كانت المحادثات تجرى من خلال المبعوثَين الأميركيّين فريد هوف ودينيس روس، فيما حضَرَ من الجانب الإسرائيليّ مستشار الأمن القومي عوزي عراد وخلفه يعقوب عميدرور والمستشار الديبلوماسيّ رون ديرمر والسكرتير العسكريّ يوحنان لوكر والمبعوث الخاص إسحاق مولخو والعميد مايك هيرزوغ؛ فيما غاب رونالد لودر عن الصورة. وبحسب بعض المشاركين في العمليّة، “كان ورقة محروقة، لأنّه لم يكن يمكن الاعتماد عليه؛ فلم ينسّق ما كان يقوله للجانبَين”.
وفقاً لمصادر مطلعة على المحادثات، كان نتانياهو مستعدّاً لمناقشة الطلب السوري بانسحاب إسرائيلي كامل إلى خطوط ما قبل عام 1967، أي إلى بحيرة طبرية، لكنه هذه المرة اشترط فك ارتباط سوريا عن إيران و”حزب الله” في الترتيبات الأمنية الجديدة. عملت الفِرَق على صياغة بيان مبادئ، واستبدلت مسودات أميركية. انتهت هذه المفاوضات في آذار 2011 عندما بدأ الأسد قتل مواطنيه، وأدرك نتانياهو أن الزعيم السوري فقد شرعيّته. وتقدِّر المصادر أنه لولا اندلاع الحرب الأهلية، لما استغرق الأمر أكثر من ستة أشهر حتى يتوصّل الجانبان إلى اتفاق.
في البداية، سعى السوريون إلى استئناف المحادثات انطلاقاً من وثيقة “النقاط الست” التي قدمها الأسد في عهد أولمرت، لكن فريق نتانياهو قرر أنها لا تخدم مصالح إسرائيل الأمنية. كانت الفكرة الجديدة هي بناء خط يمكن للسوريين أن يطلقوا عليه العودة إلى حدود 4 حزيران 1967، ولكن مع بعض التعديلات. كانت بحيرة طبرية مرة أخرى هي محور الخلاف، وتليها الترتيبات الأمنية. تم بناء نموذج محوسب لتقييم إعادة نشر القوات العسكرية ونزع السلاح وتخفيف القوات، إذا ما وافق السوريون على اتخاذ قرار استراتيجي بفك الارتباط تماماً عن “محور الشر” الإيراني. بدأ الفريق التحضير للإعلان عن العملية.
كشف المستشار السابق آراد هذا العام أن إسرائيل، بمبادرة منها، اقترحت في ذلك الوقت أيضاً صفقة لتبادل الأراضي بين سوريا والأردن والسعودية، مقابل المستوطنات الإسرائيلية المتبقّية في هضبة الجولان. كان المقترح أن يتنازل الأردن عن أراضٍ سورية تعادل الأراضي التي ستظل في أيدي الإسرائيليين. في الوقت نفسه، تقدم المملكة العربية السعودية للأردن شريطاً من الأرض على الساحل جنوب العقبة، وتأخذ منه مساحة مماثلة على الحدود بين البلدين. وافقت عمّان، ولكن دمشق رفضت رفضاً تامّاً.
هل كان “نتانياهو” يعني ذلك حقّاً؟
يقول نتنياهو في أحيان كثيرة ردّاً على تقارير عن مفاوضاته مع الأسد إن تلك التقارير عارية عن الصحة. قبل شهر تقريباً سألناه خلال زيارته العاصمة البولندية وارسو ما إذا كان هذا يعني أنه “خدع” السوريين. أجاب نتانياهو: “لن أتنازل عن الجولان أبداً، سأحتفظ بالجولان ولن أكشف هنا ما حصل”.
ومع ذلك، يتّفق المشاركون في الجولة الأخيرة الذين تحدّثنا إليهم على أنّه على رغم أن العملية لم تصل إلى المرحلة النهائية، إلا أنها متقدِّمة وتناولت تفاصيل كثيرة.
صرح مسؤول سابق بالحكومة الأميركيّة لصحيفة “هآرتس” بأن هناك بعض التقدم الملموس مع اعتراف واضح به من الجانبين. وقال إن الجانب الإسرائيلي مهتم جدّاً بإمكانية حدوث تحول استراتيجي في سوريا، في حين كان السوريون مهتمين باستعادة الأراضي التي فقدوها عام 1967. مهما كان التقدم الذي أحرِز، في النهاية، إذا لم تتطور الأحداث في سوريا على النحو الذي تطورت به، ولو كان الطرفان اتفقا بعد 6 أشهر على نص ما لمعاهدة، فإن التوقيع عليها كان سيتطلب من الزعيمين اتخاذ قرارات صعبة.
وفقاً لمسؤول سابق آخر في الحكومة الأميركيّة، كانت المفاوضات –على رغم جديتها- غير مكتملة. يقول، “كان جوهر العمل هو الانسحاب الإسرائيلي، مقابل إعادة التوازن الاستراتيجي لسوريا بعيداً من حزب الله وإيران”. وأضاف المسؤول أنهم بحثوا بعمق في تفاصيل متعلقة بما هو مطلوب من كل جانب في المقابل؛ مضيفاً أنه بكل إنصاف، لم يتم اتخاذ قرار نهائي، وكان لديه شكوك حول ما إذا كان الأسد سيمكنه تنفيذ اتفاق. وأضاف المسؤول أنهم كانوا، على رغم ذلك، على وشك التوصل إلى اتفاق على الورق، وأن العمل كان جدّيّاً وتفصيليّاً، واعتقد القائمون على التفاوض أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق بالفعل.
وقال مصدر آخر مشارك في المحادثات: “لم يكن نتانياهو يريد القناة الفلسطينية في البداية، وكانت هذه طريقته لتخفيف الضغط عن الأميركيّين. لكنها كانت عملية واعدة ولم تكن خدعة”.
وقال مصدر إسرائيلي آخر: “يستطيع نتانياهو أن يقول لنفسه إنه لم يقل إنه وافق، وأنها كانت وثيقة أميركيّة لا إسرائيلية، لكنه سمَح بالمناقشة. إنه لا يخادع الأميركيّين. بصرف النظر عن ذلك، لا يهم ما يقوله الآن، فكل شيء تم تدوينه في دمشق، وكان هناك شهود من دول مختلفة. ما هذا التمثيل؟ لدى السوريين نصوص ووثائق وخرائط”.
يعتقد رابينوفيتش -الذي تابَع الجولة الأخيرة من المحادثات عن كثب- أنّ نتانياهو يواصل التكتيك الدفاعي الذي استخدمه في الماضي: “لم يتم الاتفاق على شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء”، وهي صيغة إسرائيلية دائمة. “سألوني ما إذا كان الأسد جادّاً، أودّ أن أقول إنه اشترى تذكرة في قطار يتجه نحو السلام، لكن يمكنه النزول في منتصف الطريق. ونتانياهو كذلك”.
حقبة الضم
في ما يتعلق بمسألة مطالبة إسرائيل بالاعتراف بضمها هضبة الجولان، يتفق معظم من شاركوا في المحادثات سابقاً على أنه: نظراً لعدم وجود أي مقاومة نشطة للوجود الإسرائيلي في الجولان حالياً، وبعدما أُدين الأسد واعتُبر قاتلاً جماعياً بالطبع، فلا فائدة من عملية رمزية لن تؤدي إلا إلى إحداث رد فعل قوي. ولذلك وكما قال مسؤول إسرائيلي سابق رفيع المستوى، “لا يوجد اليوم من يعتقد بأن على إسرائيل ترك الجولان. وأفضل طريقة لإثارة الشكوك بشأن ذلك هو السعي لنيل الاعتراف”.
وصرح دنيس روس، أحد الوسطاء السابقين المرموقين، لصحيفة “هآرتس”، “أعتقد أنها غلطة ترتكبها الإدارة. ولا أظن أنها ستُساهم في رغبتهم من أجل تقديم خطتهم للسلام، بل أرى أنها ستزيد من صعوبة تجاوب القادة العرب معها. إذا كانوا يرغبون في نجاح خطتهم للسلام، فعليهم أن يفكروا كذلك في طريقةٍ لخلق سياق يسهل تجاوب القادة العرب معهم لا أن يصعبه، ولن يجعل الاعتراف هذا أسهل”.
وقال مسؤول أميركي آخر رفيع المستوى إن بوسعه فهم وجهة نظر نتانياهو في اختيار ذلك التوقيت؛ إذا ما أخذنا في الاعتبار الانتخابات المُقبلة، لكن يعدّ هذا بشكلٍ ما هدفاً شخصياً، مقابل العلاقات مع الدول العربية. وقد يؤدي إلى تراجع خليفة ترامب عن القرار؛ وهو النمط الذي نراه كثيراً هذه الأيام.
قال مسؤول سابق رفيع المستوى لصحيفة “هآرتس”، “يعرف نتانياهو جميع الإجراءات التي حدثت، ثم صار فجأة يريد نيل الاعتراف بمرتفعات الجولان؟ ماذا سيفعلون به؟ يأخذونه إلى محل البقالة؟ سيؤدي الاعتراف إلى إحداث رد فعل واحتدام الأوضاع في الجبهة الشمالية”.
وكما قال رابينوفيتش، “فقط سنساعد الأسد في تحويل الصراع من كونه مشكلة سورية إلى كونه مشكلة بين العرب وإسرائيل. وأظن أن نتانياهو يفعل ذلك لحشد أصوات الناخبين ليس إلا”.
فرصة تاريخية
زفي هاوزر هو الشخص الأوثق صلةً بحملة الاعتراف بضم الجولان، وهو أمين سابق لمجلس وزراء نتانياهو، ومرشح حالي للكنيست في قائمة حزب “أزرق أبيض” (كاهل لافان). يؤمن هاوزر بأن تلك اللحظة هي فرصة تاريخية ينبغي عدم تفويتها بسبب “هاجس ما”. ووفقاً لكلامه فإن نتانياهو لم يفهم في البداية مدى أهمية هذه اللحظة، يقول، “كانت الحرب الأهلية في سوريا حدثاً مُغيّراً للواقع من المنظور الإسرائيلي، لكن يؤسفني -كوني رأيتُ غرفة القيادة عن قرب- أنهم لم يفهموا تلك الأحداث باعتبارها حدثاً استراتيجياً. وقد بدا الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان سخيفاً للجميع. وحتى مجيء ترامب، لم يفكر أحد بأن ذلك الاعتراف ممكن الحدوث أو يعي أهميته. كانت تلك غلطة استراتيجية، وفجأة أدرك الجميع ذلك”.
ومن بدون ذلك الاعتراف ستحدث، “لَبْنَنَة لحدود الجولان وديناميكية تتطلب منا مغادرتها. سنستيقظ يوماً ما لنجد أنفسنا في مواجهة طلب بإعادة نشر القوات في المنطقة. صفقة متكاملة تقتضي انسحاب الإيرانيين من سوريا وفي المقابل انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان. سيكون انسحاب الأميركيين من دون الاعتراف بالجولان إشارةً للعناصر المتطرفة -الأسد وحزب الله- بمشروعية إشعال خط المقاومة هناك”.
وفي ما يتعلق بالفكرة السابقة المتمثلة في جعل نأي سوريا بنفسها عن إيران شرطاً للانسحاب، يقول هاوز، “كانت فكرة إجراء مفاوضات لإخراج سوريا من اتفاقية الشر ساذجة”. ويقول بخصوص الأضرار المُحتملة التي قد يُسببها الاعتراف للعلاقات المتنامية مع العالم العربي، “لا يوجد ما يُسمى بالعالم العربي. إنه مُنقسم”.
يتفق أحد كبار المشاركين في المحادثات مع سوريا مع هاوزر ويقول، “يبدو أن فرصة السلام مع سوريا قد ضاعت لسنوات. وهي خارج قائمة الاهتمامات. لا يتعاطف أحد مع الأسد وليست هناك حساسية بشأن الجولان تشبه الحساسية تجاه القدس. سيصرخ العالم إذاً، وسنمضي قُدماً”.
وصرّح مكتب رئيس الوزراء رداً على التقرير، “لم يكن رئيس الوزراء نتانياهو مستعداً على الإطلاق للتفريط في مرتفعات الجولان، ولطالما عمل على تقوية قبضة إسرائيل عليها. عمل رئيس الوزراء على مر السنين على تشجيع الاعتراف الدولي بسيطرة إسرائيل على الجولان، وقد أثمر ذلك الليلة، ونحن نرحب بذلك ونشكر إدارة ترامب”.
ترجمة – هآرتس
درج
الجولان وأمريكا… وأنظمة العرب المخجلة/ حمد عايش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تنشغل جيوش إلكترونية عربية بكيل الشتائم له يومياً على الإنترنت، كان الوحيد الذي أبدى احتجاجه على الموقف الأمريكي الجديد من هضبة الجولان، التي هي أرض عربية محتلة، ولا يعترف العالم ولا القانون الدولي بالسيادة الإسرائيلية عليها، إلا في إطار كون هذه السيادة احتلالا عسكريا إجراميا خارجا عن القانون.
الأنظمة العربية لم تعد تكترث حتى بالأرض العربية، لا بل انشغلت وسائل إعلام خليجية في الحديث عن تبرئة المحقق مولر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكثر من التفاتها إلى الموقف الأمريكي من الأراضي العربية المحتلة، والمفارقة هي أن هذه الأنظمة العربية ذاتها أشبعتنا تنديداً بالوجود الروسي والايراني في سوريا، على اعتبار أنه انتهاك لسيادة بلد عربي، بينما التزموا الصمت ويلتزمون الصمت إزاء الاحتلال الإسرائيلي للجولان، والموقف الأمريكي من هذا الاحتلال.. وكأن الايرانيين أجانب بينما الإسرائيليون من أهل البيت.
بعض الأنظمة العربية وصلت الى درجة من الهوان والانحدار لم يكن أحد يتوقعها، فحتى البيانات والخطابات الصورية التي كانت تقدمها الأنظمة العربية لشعوبها، كوجبات تلفزيونية مسائية، أصبحنا نفتقدها، لأن ترامب يقوم باستعباد الحكام العرب وإسكاتهم ويمنعهم حتى من الاحتجاج الصوري، أو إصدار بيانات وهمية لأغراض إعلامية وبهدف إلهاء شعوبهم. وعلى العموم ليست المشكلة في الأنظمة العربية، فهي مفضوحة ومعروفة وأصبحت في السنوات الأخيرة تتهافت على إسرائيل، من أجل إرضاء نتنياهو والاستعانة به في مواجهة شعوبها، لكن المهم هنا هو تحليل الموقف الأمريكي الجديد من الجولان، وما الذي تقوم به إدارة ترامب في ما يتعلق بمنطقتنا العربية والصراع العربي الاسرائيلي؟
الادارة الأمريكية تقوم حالياً بتغيير الوضع القانوني للصراع العربي الاسرائيلي بشكل كامل، وتقوم بتصفية الملفات الكبرى الخلافية من طرف واحد، ومن دون أي تفاوض، ومن الواضح أيضا أنها تقوم بتنفيذ «صفقة القرن» بشكل عملي قبل أن تعلن عن مضمونها، وهذا ما ينسحب أيضا على قضيتي اللاجئين والقدس، وهو الأمر الذي يبدو أن ملك الأردن فهمه بوضوح من زيارته الأخيرة الى واشنطن، ولذلك عاد الى بلده وألقى خطابه المفاجئ الذي أعلن فيه «بغضب» التمسك بموقفه من القدس المحتلة وعدم القبول بأي تغيير. الولايات المتحدة تقوم حالياً بانتهاك القانون الدولي، وتقدم الدعم المطلق لإسرائيل في التهام الأرض العربية، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس والجولان، ودليل ذلك أنه خلال العام الماضي 2018 بلغ الاستيطان الإجرامي غير المشروع في الضفة ذروته بتسجيل أكثر من 480 ألف مستوطن، وهو الرقم الأعلى على الاطلاق منذ عام 1967، ما يعني أن الضفة الغربية لم تعد موجودة أصلاً، إذ أنها موزعة بين جدار فاصل ومستوطنات يهودية وحواجز عسكرية.. وما بين هذا وذاك تجمعات فلسطينية صغيرة. إسرائيل استغلت الإدارة الأمريكية الجديدة خير استغلال، واستفادت من التوترات التي تشهدها المنطقة العربية، كما استفادت من الأنظمة الفاقدة لشرعيتها في المنطقة بسبب أن هذه الأنظمة اضطرت للارتماء في الحضن الاسرائيلي، من أجل البقاء في الكراسي.. ولذلك فإن ترامب وصهره دعموا الاستيطان في الضفة، واتخذوا قرار نقل سفارتهم الى القدس المحتلة، والآن يعترفون بضم الجولان السوري المحتل.. بينما العرب صامتون أو منشغلون بكيل الشتائم لأردوغان من خلال جيوشهم الإلكترونية التي ينفقون ملايين الدولارات لتمويلها.
والخلاصة هنا هو أن الواقع العربي بالغ البؤس ويبعث على الخجل، وبينما لا يجرؤ أي حاكم عربي على إدانة أمريكا والقول لها إن الجولان هي أراض سورية عربية محتلة، فإن أردوغان وحده فعلها.. أما الأمريكيون فلماذا يفعلون ذلك؟ الجواب بسيط وهو أنهم يقومون بتصفية فعلية للقضية الفلسطينية وإنهاء لملفات الصراع بشكل تدريجي ومن دون أي مفاوضات، ومن دون أي اكتراث لأي طرف عربي أو فلسطيني.
كاتب فلسطيني
القدسالعربي
ترامب يعدل عقارب ساعة الحرب.. القدس ثم الجولان، ماذا بعد/ وسام حمدي
إتقان إدارة الظهر للقوانين الدولية
تؤكّد كل الخطوات التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه ماض وبلا تراجع في تنفيذ كل وعوده الانتخابية وأنه يرد على الهدايا التي قدّمتها مؤسسات اللوبي الإسرائيلي له خلال انتخابات 2016 بهدايا أفضل منها، فمن اعترافه بأن القدس عاصمة إسرائيل وصولا إلى التوقيع على اعتراف مكتوب بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية، بدا واضحا أن ترامب هو الآن في مرحلة بسط أرضية ملائمة لتفجير النزاعات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة وفي العالم بصفة عامة بإدارته كل عقارب الساعة إلى الوراء والعودة بطرق منافية لكل التشريعات الدولية إلى فترتي الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين افتكت فيهما بالقوة القوى الكبرى أراضي كثيرة في مختلف أصقاع العالم.
نفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب كل وعوده المقدّمة إلى حليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبيل انتخابات الكنيست الإسرائيلي ببضعة أيام عبر توقيعه رسميا مرسوم الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وبإجماع دولي كبير، أثار القرار الأميركي موجة رفض واسعة النطاق وتحذيرات إقليمية ودولية من تداعيات خطيرة، مع التأكيد على أن الخطوة لم تحترم المواثيق والمعاهدات وخاصة القانون الدولي.
وقبل التوقيع الرسمي على مرسوم الاعتراف، ذهبت كل القراءات إلى التأكيد على أن ترامب يثير مرة ثانية أزمة لا تلقى إجماعا دوليا، ما قد يخلق سوابق تبرر نزعات توسعية لدى دول أخرى في العالم.
واحتلت إسرائيل القسم الأكبر من هضبة الجولان السورية عام 1967 وقامت بضمها عام 1981 رغم معارضة المجتمع الدولي، إلا أن ترامب اعتبر أنه “بعد 52 عاما حان الوقت” لتعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هذه الهضبة.
وتنتهك خطوة ترامب قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، الذي يؤكد الوضع القانوني لهضبة الجولان السورية كأرض محتلة، ويرفض قرار ضم إسرائيل لها، عام 1981، ويعتبره باطلا ولا أثر قانونيا له.
وبالنظر إلى هذه الخطورة رفضت جل الدول، ومنها روسيا واليابان والإمارات والسعودية وكذلك هياكل أخرى كالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، خطوة الرئيس الأميركي معربة عن رفضها القاطع الاعتراف بسيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها منذ 1967، بما فيها مرتفعات الجولان.
ووفقا لكل هذه الهدايا التي يوزعها ترامب على حليفته إسرائيل، فإن ما يستنتج بصورة واضحة أن اللوبي الإسرائيلي نجح قبل وبعد الانتخابات الأميركية عام 2016 في التأثير على القرارات الأميركية بضغط من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية “أيباك”، ما دفع بالديمقراطيين -ليس بسبب الغيرة على الجولان أو القدس بل انزعاجا من دعم “أيباك” المتواصل لترامب- إلى عدم الحضور في مؤتمرها السنوي.
لكن يبقى الأخطر من كل هذا أن عدة تحليلات أخرى لخطوات ترامب المتسارعة وغير الواضحة في آن واحد بتهجمه على الدول الكبرى كروسيا أو الاتحاد الأوروبي أو بلدان كالصين وكوريا الشمالية ومن ثم التراجع والعودة إلى خطاب المغازلة، تؤكد أن الرئيس الأميركي هو الآن بصدد وضع بصماته الأخيرة على أرضية ملائمة لاندلاع صراعات وحروب أكثر دموية على شاكلة تلك التي حدثت في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.
مخاوف لبنان
عاش العالم من 1914 إلى غاية 1945، تاريخ نهاية الحرب العالمية الثانية أو ما بعد هذه الفترة، توترات كبرى في مختلف أنحاء العالم تمحورت كل أسبابها حول السياسات التوسعية للدول الكبرى وهو ما سمح لإسرائيل بكسر كل المعاهدات الدولية حتى بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة في عام 1945 واغتصاب الكثير من الأراضي العربية واحتلالها ومنها مرتفعات الجولان.
وتثير القرارات الأميركية غير المتطابقة مع التشريعات الدولية، مخاوف عدة دول عربية وعلى رأسها لبنان. وفي الوقت الذي يوجه فيه العرب بوصلتهم دائما إلى فلسطين بطريقة توحي بأن احتلال أراض عربية يقتصر على فلسطين ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، توجد أراض أخرى محتلة من قبل إسرائيل وبنفس الطريقة تقريبا وهو ما يستدعي وجوبا طرح السؤال حول ما يفكر به ترامب في المستقبل بشأنها.
بدا واضحا أن لبنان اليوم هو الأكثر انزعاجا من قرارات الإدارة الأميركية بسبب مخاوف تكتسح المشهد السياسي في هذا البلد من أن تكون مزارع شبعا المحتلة هي الخطوة القادمة للرئيس الأميركي الذي أغدق على إسرائيل بهدايا عجزت عن أخذها طيلة عقود.
ديمتري بيسكوف: قرار الرئيس الأميركي بشأن الجولان سيؤدي حتما إلى نتائج سلبية
ديمتري بيسكوف: قرار الرئيس الأميركي بشأن الجولان سيؤدي حتما إلى نتائج سلبية
وتعتبر مزارع شبعا اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل جزءا من المناطق الحدودية اللبنانية المحاذية لهضبة الجولان السورية وذات أهمية استراتيجية بالنسبة للجهتين السورية واللبنانية، إضافة إلى أهميتها الاقتصادية، لذلك لم تقم إسرائيل بإخلائها عند الخروج من جنوب لبنان في مايو 2000، بحجة أنها أرض سورية في حين أن جميع الوثائق التاريخية تثبت أنها لبنانية.
وتقع مزارع شبعا على الحدود بين لبنان وهضبة الجولان التي كانت الحدود اللبنانية السورية قبل يونيو 1967 واليوم هي الحدود بين لبنان والجزء من الجولان الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.
وبدا التوجس اللبناني واضحا، حيث قال الرئيس اللبناني ميشال عون إن اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان يتناقض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
وأضاف خلال لقائه برئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين، في موسكو الثلاثاء إن “الأمة العربية تعيش يوما أسود بسبب قرار ترامب حول اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان”، مضيفا أن “هذا القرار يمس المصالح اللبنانية بشكل مباشر أيضا”.
وشدد على أنه “لا يحق لرئيس دولة أجنبية التصرف في أراضي الغير”، وأن قرار ترامب يتناقض مع القانون الدولي، محذرا من أن ذلك قد ينطوي على تصعيد حدة التوتر في المنطقة.
ويجمع المراقبون على أن الساحة اللبنانية تعيش حالة توتر بشأن ما يخبّئه المستقبل من قرارات أميركية قد تزيد في أطماع إسرائيل الساعية أيضا لنيل السيادة على مزارع شبعا.
كل هذا أكده مفتي الديار اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان الذي قال إن “هضبة الجولان السورية التي يحتلها العدو الإسرائيلي هي أرض عربية سورية، وما صدر عن الإدارة الأميركية بالاعتراف بسيادة إسرائيل عليها هو انتهاك ومخالفة لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون والقرارات الشرعية الدولية، وستكون له تداعيات خطيرة في الشرق الأوسط وعلى أمن واستقرار وسلام المنطقة”.
وحذر المفتي من “أي تهاون في حق لبنان في أرضه المحتلة بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي لا زالت تحت الاحتلال الصهيوني الغادر”.
وما يزيد في دعم فكرة أن ترامب يريد إحياء صراعات قديمة لم يتم التحكيم فيها دوليا، أن قراره تزامن أيضا مع مرور 40 عاما على توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حيث صادف الثلاثاء 26 مارس ذكرى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، في واشنطن عام 1979، ووقع عليها آنذاك الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، برعاية رئيس الولايات المتحدة آنذاك جيمي كارتر.
هدايا لقوى أخرى
تشير عدّة ترجيحات إلى أن الرئيس الأميركي ومن ورائه إسرائيل يدفعان بكل قوة للعودة إلى فترة الحرب، خاصة أن إسرائيل ما زالت تحتل إلى اليوم منطقة أم الرشراش المصرية المعروفة إسرائيليًا باسم “إيلات” والتي تم افتكاكها بعد مجزرة قتل فيها أفراد شرطة مصريون وتم تحويلها في ما بعد إلى ميناء إيلات في عام 1952.
ورغم محاولات إحياء هذه القضية بعد الثورة المصرية في عام 2011 إلا أن اتفاقية كامب ديفيد حالت دون ذلك وفق العديد من المتابعين المصريين الذين يعتبرونها من أهم العراقيل التي شجعت إسرائيل على مواصلة التوسع في عدة دول عربية بعد إخراج القاهرة من دوائر الصراع العربي- الإسرائيلي.
بعيدا عن الدول العربية، إن القرارات الأميركية التي بدت مدروسة بشكل جيّد وليست ارتجالية مثلما يصف ذلك العديد من الخبراء، قد تكون أيضا بمثابة هدايا لقوى إقليمية أخرى لم تتقيّد بالقوانين الدولية وتسعى لمواصلة سياساتها التوسعية واحتلال أراض لا تتبعها، من ذلك روسيا التي تحتل شبه جزيرة القرم بعد التدخل العسكري في أوكرانيا، أو إيران التي تبحث عن فرص جديدة للمزيد من التمدد في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أنها تحتل ثلاث جزر إماراتية في أرخبيل مضيق هرمز بطريقة غير شرعية ومنافية للقوانين الدولية، أو تركيا التي تريد السيطرة على الأكراد بعد نهاية داعش.
وبدت موسكو من أكثر الدول الناقدة لخطوة الرئيس الأميركي بشأن الجولان، حيث قال ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية “الكرملين”، الثلاثاء “نأسف لهذا القرار الذي سيؤدي إلى نتائج سلبية، لقد اتخذت واشنطن خطوة أخرى تجاه انتهاك القانون الدولي”.
لكن رغم كل هذا الاعتراض فإن عدة تقديرات سياسية موازية، تشير إلى أن موسكو بدورها تريد توريط واشنطن في هذه الخطوة كي تحصل هي أيضا على اعترافات دولية ورسمية بسيادتها على شبه جزيرة القرم وهي خطوة ترفضها واشنطن وكذلك دول الاتحاد الأوروبي منذ أن قامت روسيا بتدخل عسكري في أوكرانيا عام 2014.
صحافي تونسي
العرب
القدس أمس والجولان اليوم، وغدا الباقي/ إبراهيم الزبيدي
كما عوَّدنا، تصرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما تُمليه عليه مصالحه الشخصية الرئاسية، وقدم ليهود الولايات المتحدة، ولبنيامين نتنياهو بشكل خاص، ما عجز عنه غيره من رؤساء أميركا، (نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتأييد سيادة إسرائيل على الجولان)، ثم قبَضَ أثمان ذلك مقايضة، نقدا أو تقسيطا، ومنها وأولها رئاسة أكبر دولة وأقوى دولة وأغنى دولة في العالم، ثم حمايتُه من خصومه الديمقراطيين ومؤامراتهم وإعلامهم. وآخرها تبرئته من تهمة التواطؤ مع روسيا في الانتخابات التي جاءت به إلى البيت الأبيض، (تقرير مولر)، والباقي على الطريق.
أما جماعتنا العرب، قبائلَ وأحزابا حاكمة أو مُعارِضة، فلم يفعلوا غير ما تعودوا على فعله من عشرات السنين عند كل خنجر أوروبي أو أميركي يُغرز في ظهورهم وجُنوبهم، ثم يظلون حلفاء لأوروبا والولايات المتحدة وأصدقاء وخُداما مخلصين. أما شعوبُنا المدجنة المُعوقة المخدَّرة فمعذورة، فليس بيدها سلاح غير الصراخ والضجيج والعويل والصلاة إلى الله لكي يُنزل غضبه ومَقته على الظالمين والمعتدين.
أما الإسرائيليون الفرحون المبتهجون المنتصرون فقد انطلقوا، وعلى الفور، في العمل الجاد لتنفيذ الوعد والمكتوب.
وتقول الأخبار إن وحدات الجيش الإسرائيلي باشرت، فور إعلان ترامب عن اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، بنشر القناصة ووحدات مكافحة الشغب على طول الحدود مع سوريا، تحسبا لمسيرات أو تظاهرات محتملة، مع تجهيز كميات وافية كافية من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وبعض الرصاص الحي. إلى هنا والمسألة اعتيادية متوقعة ليس فيها غريب ولا عجيب، ولكن الجديد فيها هذه المرة أمران.
الأول أن دولة ولاية الفقيه التي ظل كبار جنرالاتها يَعدون الفلسطينيين بمحو إسرائيل في ثلاثة أيام، اكتفت بإعلان قصير مفاده أن إعلان الرئيس الأميركي “غير مقبول”. والثاني إعلان نظام الأسد عن إصراره على تحرير الجولان، ولكن بمساعدة الأصدقاء، (الإيرانيين والروس)، “طال الزمن أو قصر”.
ففي نيويورك قال سفير النظام لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، “إنها أرضنا وسنستعيدها عاجلا أم آجلا”. ثم نقلت وكالة سانا السورية عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية تأكيده أن “سوريا تدين بأشد العبارات التصريحات اللامسؤولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الجولان السوري المحتل التي تؤكد مجددا انحياز الولايات المتحدة الأعمى لكيان الاحتلال الصهيوني ودعمها اللامحدود لسلوكه العدواني”. ولم تنسَ وزارة خارجية الأسد أن تكرر القول إن “تصريحات الرئيس الأميركي وأركان إدارته حول الجولان السوري المحتل لن تغير حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربيا سوريا، وأن الشعب السوري أكثر عزيمة وتصميما وإصرارا على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني السوري، بكل الوسائل المتاحة وعودتها إلى كنف الوطن الأم، شاء من شاء وأبى من أبى، وطال الزمان أم قصر”.
أما الحليفة الكبرى، روسيا، فلم تزد على ما قالته وزارة خارجية إيران بشيء كثير. فقد اكتفى ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين في مؤتمر صحافي، عبر الهاتف، بالقول عن إعلاناته “مجرد دعوة حتى الآن. دعونا نأمل أن يظل كذلك”. وأضاف قائلا “إنه يهدد بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط على نحو خطير، ويضر جهود التوصل إلى تسوية سلمية في المنطقة”.
ولا حاجة لنا هنا إلى استعراض العشرات من التصريحات المنافقة الأخرى، خصوصا من الرئاسة التركية والجامعة العربية، ولا إلى أطنان التعليقات والتهديدات التي غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لأنها لا تختلف عما كان يقال في نكبات عديدة أخرى في فلسطين، منذ الاغتصاب التاريخي عام 1948 وإلى اليوم. فأمتنا العربية الواحدة، وأختُها الإسلامية المجاهدة، أكثرُ أممِ الكون مهارة في الهتاف والشتم ورفع السيوف والبنادق في الهواء، يوما أو يومين، ثم تهدأ الخواطر، وتمر الجريمة الجديدة كما مرت قبلها الجرائم القديمة وسُجلت ضد مجهول.
سؤال، لماذا يحتاج بشار الأسد إلى الجولان وهو الأكثر استمتاعا بتوزيع سوريا، مقطَّعة، على الحلفاء والأصدقاء، وحتى على الأعداء، ودون مقابل سوى حماية كرسيه الهزاز من عوادي الزمن الغدار؟
وسؤال آخر، لقد وعد الولي الفقيه وقاسم سليماني والحرس الثوري وحسن نصرالله نساءَ فلسطين ورجالها بمحو إسرائيل من الوجود، تُرى متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟
لقد وعد الولي الفقيه وقاسم سليماني والحرس الثوري وحسن نصرالله نساءَ فلسطين ورجالها بمحو إسرائيل من الوجود، تُرى متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟
كاتب عراقي
العرب
في خلفيات تأييد ترامب ضم الجولان ومحاذاته/ عدلي صادق
من الطبيعي أن ينظر المعلقون من زوايا عديدة، إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اعترافه ببسط السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، في مشهد استعراضي متلفز وبصحبته بنيامين نتنياهو. فمن حيث الشكل، يمكن اعتبار طريقة التوقيع على قرار التأييد أو الاعتراف، إحدى غرائب الرجل القابع في البيت الأبيض. فلم يسبق في التاريخ، أن وُضع قرار أو موقف، في ملف يشبه ملفات الاتفاقيات والمعاهدات، ثم جرت عملية التوقيع عليه بحضور عدد من رجال الدولة. إن هذا هو ما فعله ترامب ثم سلّم القلم المستخدم في الإمضاء، إلى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة المستفيدة من القرار، لكي يحتفظ به كتذكار لعمل تاريخي!
في واقع الأمر، لم يكن الملـمح الاستعراضي الذي يتسم بفظاظة استنكرها العالم، يؤسس لشيء جديد، ذلك لأن قرار ضم إسرائيل لهضبة الجولان أعلنه رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن في منتصف شهر ديسمبر 1981 وكان إلى جانبه المتطرف إرييل شارون كوزير للجيش. فما فعله ترامب محض قرار تأييد، غير مسبوق دوليا، من رجل يجاري إسرائيل وحكومتها اليمينية في كل ما تفعل، بل في كل موقف حتى ولو كان ضد الولايات المتحدة نفسها. معنى ذلك أن القرار على صعيد السياسة الخارجية الأميركية الآن، هو مجرد تحصيل حاصل، أما توقيت عرض هذا المشهد المسرحي، فإنه يتصل بالعديد من الاعتبارات والوقائع، في طليعتها الوضع الراهن في سوريا، وترتيبات ما بعد الحرب!
أول هذه الاعتبارات، هو حرص ترامب على إلحاق الإهانة بالنظام السوري بسبب إصراره على الصلة الوُثقى مع إيران، في الوقت الذي يسعى فيه الروس إلى تثبيت دعائم النظام بمساعدة إسرائيل نفسها. فقد ظهرت مبكرا انعكاسات هذا المسعى الروسي، في تصريحات إسرائيلية علنية، بلسان نتنياهو وأفيغدور ليبرمان اللذيْن عبرا عن الامتنان لنظام عائلة الأسد، وقالا إن لديهم تجربة على مر 40 سنة، لم تُطلق عليهم خلالها رصاصة من الجولان. وقال نتنياهو صيف العام الماضي “إن إسرائيل حافظت على حريتها في العمل ضد أي جهة تعمل ضدها”. بل إن ليبرمان، عندما كان وزيرا للجيش، أعلن صراحة أن “الجبهة السورية ستكون هادئة، في حال استعاد الأسد سيطرته الكاملة على الحكم في سوريا”!
وثاني هذه الاعتبارات، أن نتنياهو الذي يواجه استحقاقا انتخابيا تشير كل الدلائل إلى أنه الخاسر فيها، وجد نفسه مدفوعا إلى الاستعانة بدونالد ترامب، وأغلب الظن أنه استثار الرئيس الأميركي بالشيء الذي يثيره فعلا بالتركيز على تحالف دمشق مع طهران التي جعلها ترامب مقصدا وهدفا لهجماته على صعيد السياسة الخارجية. ومن الطبيعي أن يكون نتنياهو، الملاحق في اتهامات تتعلق بفساد الذمة، معنيا بتسجيل نجاح معنوي أمام جمهور الليكود، باعتباره رئيس الحكومة الذي أحيا قرار مؤسس الحزب مناحيم بيغن ضم الجولان السوري المحتل قبل 38 عاما.
وتكمن المأثرة في حقيقة أن الجولان، كان بعد إعلان ضمه، موضوع مفاوضات سورية-إسرائيلية جرت على أساس مبدأ الانسحاب منه، وأبرز هذه المفاوضات جرت برعاية الولايات المتحدة (في شبردزتاون مطلع سنة 2000 بين فاروق الشرع وإيهود باراك) ثم برعاية تركيا (مفاوضات أنقرة غير المباشرة في مايو 2008 بين رياض الداودي، المستشار القانوني في وزارة الخارجية السورية، ويورام توربوفيتز كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت) وقد تم الاتفاق على 80 بالمئة من المسائل ونقاط التفاوض والخرائط، وكان الاختلاف الذي أحبط الاتفاق يتعلق بشريط حدودي بمحاذاة شمالي بحيرة طبريا، وبالمدّة الزمنية لتفكيك ما سيُتفق على إخلائه من مستوطنات إسرائيلية في الجولان، بين 15 سنة تطلبها إسرائيل، و10 سنوات تعتبرها دمشق كافية، فضلا عن مطالب إسرائيلية تتعلق بخارطة جديدة لانتشار الجيش السوري ينسحب بموجبها إلى ما وراء العاصمة دمشق!
حكومة إسرائيل لم تكتف من النظام السوري بعدم زعزعة استقرار الحدود على هضبة الجولان. فقد أصبح هذا الأمر بالنسبة لها أمرا مفروغا منه، لأن النظام الذي لم يعكر صفو الجبهة مع إسرائيل وهو في ذروة جبروته، لن يستطيع أن يعكرها في ذروة ضعفه. لذا كان نتنياهو حريصا على رفع قيمة المكافأة على حساب سوريا، فطلب مساندة ترامب لكي يصنع مأثرته أمام الليكود والأحزاب المتطرفة التي تتربص به.
بقي القول، إن إسرائيل وبدعم أميركي، كانت سباقة إلى الاستفادة من مأزق النظام في سوريا، لكي تتقدم خطوة على طريق أطماعها في الأرض وفي المياه. فقد كان إعلان إسرائيل ضم الجولان في منتصف ديسمبر 1981 هو الجواب الإسرائيلي على تورط النظام في اقتراف العديد من المجازر في المدن والقرى والسجون، والتهيؤ لأخرى بعد إعلان الضم. ذلك بمعنى أن الحروب التي شنها النظام على معارضيه في الداخل، أثرت سلبا على مستقبل البلاد وكانت من بين الأسباب التي جعلت إسرائيل تتجرأ على إعلان الضم وتتمسك به. وفي الفترات التي ساد فيها الهدوء في الداخل السوري، جرت مفاوضات في الولايات المتحدة وتركيا وسويسرا أيضا، على مبدأ الانسحاب من الأراضي السورية.
لعل إعلان ترامب عن اعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل هضبة الجولان، يختبر فاعلية الدور الروسي في المنطقة. فليس خافيا أن الدور الروسي يفقد قدرته على التأثير في التطورات كلما كانت إسرائيل ذات صلة بها. وليست هناك دلائل حتى الآن على أن موسكو يمكن أن تقابل التأييد الأميركي لأراض عربية محتلة، برفع مستوى المساندة العسكرية لسوريا. فلهذه المساندة سقفها المتفق عليه وهو أقصى ما تتكيف معه إسرائيل. ثم إن تطلع الروس إلى كبح جماح السياسة الأميركية، لا يزال قاصرا على خطوات بعيدة عن الاحتكاك المباشر بالأميركيين، وربما ينحصر في توسيع هامش حركة الإيرانيين وليس تضييق هوامش حركة الإسرائيليين.
كاتب وسياسي فلسطيني
العرب
من وعد بلفور إلى وعود ترامب/ فتحى محمود
102 عام هى الفارق بين وعد بلفور الذى منح فلسطين لليهود ووعد ترامب الذى يمنح الجولان للإسرائيليين، الوعد الأول جاء عبر رسالة خطية والثانى عبر تويتة إلكترونية، تغيرت الوسيلة التكنولوجية لكن النتيجة واحدة.. أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.
الموقف الامريكى جاء قبل أيام من الانتخابات الاسرائيلية التى تجرى فى 9 إبريل المقبل، ويواجه رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نيتانياهو زعيم حزب الليكود منافسة قوية فيها من أحزاب الوسط وخاصة (أزرق أبيض) بزعامة بينى جانتز رئيس الاركان السابق للجيش الاسرائيلي، والذى قاد العدوان على غزة عامى 2012و 2014 وأشرف على اغتيال أحمد الجعبرى قائد الجناح العسكرى لحماس.
وقد أظهرت معظم استطلاعات الرأى أن (أزرق أبيض) سيحصل على مقاعد أكبر من الليكود، وأن تحالف اليمين الذى يقوده نيتانياهو لن يستطيع الحصول على عدد مقاعد الكنيست الذى يمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية (61 من 120)، بعد تأثر حملته الانتخابية بتهم الفساد التى يواجهها. لذلك فإن الهدف الأول من الموقف الامريكى تجاه الجولان فى هذا التوقيت هو دعم نيتانياهو فى الانتخابات، وهو ماظهر بوضوح خلال الزيارة التى يقوم بها نيتانياهو للولايات المتحدة الامريكية الآن، والحرص على التنسيق غير المسبوق بين البلدين فى شتى المجالات، خاصة أن نيتانياهو سبق أن أثار إمكانية اعتراف الولايات المتحدة بسيادة اسرائيل على الجولان فى أول لقاء مع ترامب بالبيت الأبيض خلال شهر فبراير 2017. وفى المقابل فإن ترامب يسعى أيضا من مواقفه الداعمة لإسرائيل إلى الحصول على دعم لجنة الشئون العامة الامريكية الاسرائيلية (إيباك) له فى الانتخابات الامريكية العام المقبل، باعتبارها أكبر لوبى يهودى فى الولايات المتحدة والأكثر تأثيرا فى السياسة الامريكية، ويأتى احتياج ترامب لدعم إيباك فى مواجهة تحديات كثيرة تتربص به، أظهر بسببها استطلاع أجرته شبكة CNN العام الماضى أن ترامب سيتعرض للهزيمة فى انتخابات الرئاسة الامريكية 2020 أمام ثلاثة مرشحين محتملين من الحزب الديمقراطى هم جو بايدن أو بيرنى ساندرز أو أوبرا وينفري.
ولا يمكن بالطبع إغفال حقيقة مؤسفة هى أن نجاح ترامب فى تمرير قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل ونقل السفارة الامريكية إليها فى ديسمبر 2017 بنجاح ودون خسائر تذكر، قد شجعه على خطوة الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، وقبلها بأيام صدور التقرير الامريكى السنوى لحقوق الانسان والذى أسقط صفة الاحتلال عن مرتفعات الجولان وغزة والضفة الغربية خلافا لما ينص عليه القانون الدولي، فقد اقتصرت المواقف العربية والدولية الرافضة لقرار القدس على بيانات الشجب والاستنكار، وتدريجيا خفتت الأصوات المعارضة أمام سياسة الأمر الواقع، وهو ما يراهن عليه ترامب فى الموقف من الجولان أيضا.
كما أن هذا الموقف الامريكى يمكن أن يكون استباقا لعملية إعادة ترتيب الأوضاع فى سوريا التى قد تتم خلال الفترة المقبلة على ضوء المتغيرات المتسارعة التى تشهدها الأزمة السورية، خاصة أن روسيا ـ التى رفضت الموقف الامريكى من الجولان ـ قامت بعدة إجراءات خلال الفترة الأخيرة لتهدئة المخاوف الاسرائيلية من الوضع فى سوريا والوجود الايرانى فى مناطق قريبة من الجولان، فقد أشرفت على اتفاق لخفض التصعيد فى جنوب سوريا وسحب القوات الايرانية وقوات حزب الله منه، ونشر وحدات من الشرطة العسكرية الروسية لحفظ الأمن بالمنطقة، والبدء تدريجيا فى إعادة قوات حفظ السلام الدولية إلى مواقعها فى خط برافو الفاصل بين الجزء الذى تحتله اسرائيل من هضبة الجولان والجزء الذى تسيطر عليه الدولة السورية، بعد أن جمدت القوات الدولية نشاطها فى المنطقة منذ عام 2013 بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وقامت بالانسحاب من المنطقة بعد ذلك نتيجة تعرض عناصر منها للاختطاف. وإذا كانت الدولة السورية قد نجحت بمساعدة روسيا وايران فى استعادة كثير من الأراضى التى استولت عليها جماعات المعارضة المسلحة، فإن خطر التقسيم مازال يتهددها سواء بما يحدث فى شمال شرق سوريا من مخاطر استيلاء القوات التركية عليها أو اتجاه الأكراد للانفصال، أو بتعقيدات التوصل إلى تسوية سياسية وشكل سوريا بعدها، مع الأخذ فى الاعتبار مصالح القوى الاقليمية والدولية الموجودة بالفعل على الساحة السورية ومنها اسرائيل.
لكن السؤال الذى يفرض نفسه فى كل الأحوال: هل هناك علاقة بقرار الجولان وما يسمى صفقة القرن أو الخطة الامريكية لتسوية الصراع العربى الاسرائيلي، كل المؤشرات تؤكد بالطبع أن الإجابة هى نعم، فكل المواقف التى تصدر عن إدارة ترامب منذ انتخابه تؤكد سعيه لتنفيذ الخطة عقب انتهاء الانتخابات الاسرائيلية رغم الغموض الذى يحيط بها، وبعد ادخال عدة تعديلات عليها لم تمس جوهر الأسس المبنية عليها مثل تبادل الأراضى والتوطين المتبادل والترتيبات الأمنية فى المناطق الحدودية والدور الاقتصادى العربي، فالتصورالامريكى قائم على ضرورة أن يدفع كل طرف ثمن التسوية فى الشرق الأوسط، ويمكن التنبؤ بشكل هذه التسوية إذا علمنا أن الفريق الامريكى المشرف عليها مكون من رجل الأعمال اليهودى الارثوذوكسى جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه، وجيسون جرنبلات المبعوث الامريكى لعملية السلام وديفيد فريدمان السفير الامريكى فى اسرائيل، والثلاثة من المتعصبين بشدة للجانب الاسرائيلى وليس لديهم خبرات كبرى سابقة فى التعامل مع الوضع بالشرق الأوسط.
وبهذا الشكل أصبحت الصورة واضحة، فالمسألة ليست القدس أو الجولان، ولكن إصرار ترامب على فرض تسوية معينة للشرق الأوسط، تكون أحد الانجازات التى يدخل بها الانتخابات الامريكية العام المقبل بدعم اسرائيلى كبير، فقد حقق لها مالم يحققه أى رئيس امريكى آخر خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يتطلب اتخاذ موقف عربى موحد يتم الاتفاق عليه خلال القمة العربية التى ستعقد فى تونس نهاية الشهر الحالي، يتضمن سيناريوهات محددة للتعامل مع تداعيات الموقف الامريكى من عملية التسوية الذى ستظهر تفاصيله رسميا قريبا، فالتعامل العربى الفردى مع هذا الأمر يعنى أن يخسر العرب جميعا ويسبب تداعيات سلبية كثيرة على الأمن القومى العربي. ويكفى أن التعامل العربى غير المدروس مع وعد بلفور، أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن، ولن نكرر المأساة بالتعامل بنفس الأسلوب مع وعود ترامب التى تتحول دائما إلى واقع.
الأهرام
ترمب: شرعنة الاحتلال/ طلال صالح بنان
يوم الخميس الماضي غرد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب: على الولايات المتحدة أن تعترف بسلطة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية. يُعد هذا تحولاً خطيراً من قبل إدارة الرئيس ترمب لموقفٍ تواتر للحكومات الأمريكية، منذ حرب 1967، باعتبار الأراضي العربية هي أراضٍ (محتلة) على سلطات الاحتلال الإسرائيلي الامتناع عن أي إجراءات تغير من الأوضاع والملامح الجغرافية والسكانية لتلك الأراضي. في أضعف الأحوال، كما تطور مؤخراً، تظل أيضاً أراضي محتلة، يُحدد مصيرها بالتفاوض بين الأطراف المعنية.
مهما كان الأثر القانوني والسياسي والأخلاقي، لهذا التطور السلبي من قبل إدارة الرئيس ترمب، تجاه أخطر قضايا الصراع بين العرب وإسرائيل، انحيازاً لإستراتيجية التوسع الإسرائيلية، إنما يعكس تحولاً جذرياً في الموقف الأمريكي تجاه أطراف الصراع في المنطقة، وقضايا ذلك الصراع المحورية التي تحفزه، مما يُبْعِدُ المنطقة عن السلام. كما أن مثل ذلك الإجراء، إذا ما أصرت عليه الإدارة ومضت في تفعيله، يرسخ حقيقة كونه صراعاً بين العرب وإسرائيل، وليس صراعاً مختزلاً بين الفلسطينيين وإسرائيل، كما يذهب البعض لوصفه.
من شأن هذا التطور السلبي لإدارة الرئيس دونالد ترمب، تجاه أهم قضية تحكم حالة الحرب الحالية بين العرب وإسرائيل، أن يؤثر سلباً على دور الولايات المتحدة، كراعٍ للسلام.. والأهم: يجعل من الولايات المتحدة دولة «مارقة» على القانون الدولي.. وكارهة للسلام. صفات لا تليق بدولة عظمى، من أهم مسؤولياتها رعاية السلام في العالم.. وضَرْب مثلٍ يُحتذى في الالتزام بالقرارات الدولية، التي أعلنت تمسكها بها.. وتعهدت بتسخير إمكاناتها لفرضها، انتصاراً للسلام وحباً له.
الأهم، هنا: ليس في البحث عن الجوانب السياسية والتداعيات الأخلاقية والخلفيات القانونية، لمثل هذا التطور السلبي في السياسة الخارجية الأمريكية، بل في مدى كفاءته وفاعليته في تحقيقه للهدف منه. واشنطن، وإن تعتمد على نفوذها في مؤسسات وقيم النظام الدولي، لإجهاض أي محاولة لإدانة هذا التطور السلبي الجديد في ملف أزمة الشرق الأوسط، إلا أنها في المقابل: لا تستطيع أن تفرضه على العالم.. كما لا تستطيع أن تشرعن، لا سياسياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، ما قد يترتب على ذلك من تدعيم لسلطة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. ستظل الأراضي العربية، التي تحتلها إسرائيل، في نظر العالم بأسره، أراضي محتلة، يحتفظ أصحابها الأصليون بالحق، غير القابل للتصرف، في المطالبة بها.. وعمل كل ما من شأنه لاستعادتها. مثل هذا الحق لا يسقط بالتقادم، مهما كانت طبيعة الاحتلال وقسوة واقعه.. وقوة ونفوذ من يسانده و«يتعاطف» مع منطقه الأعوج، وما يبدو للبعض، من استحالة التخلص منه.
أيضاً: مثل هذا التوجه العدائي من قبل واشنطن، تجاه العرب وقضاياهم القومية المصيرية، يوفر سابقة خطيرة تأتي على أهم ركائز النظام الدولي، التي تستند على إجماع أممي بالحفاظ على الكيانات الإقليمية لأعضائه.. وتحريم أي محاولة للمساس بسيادة أعضائه على وحدة أراضيهم وسيادتهم المطلقة على كامل تراب أراضيهم. مثل هذا الإجراء يتعارض مع سياسة الولايات المتحدة نفسها، تجاه قضايا مشابهة، مثل: موقفها المتشدد من احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، التي كانت سبباً لفرض عقوبات اقتصادية وعزل سياسي دولي، على موسكو، تزعمته واشنطن نفسَها.
تاريخياً: لم يعترف العالم بدولة أرض الصومال، سوى إثيوبيا، التي فتحت بعاصمتها هرجيسا مكاتب تجارية. مهما حصل من دمار في سورية، بسبب الحرب الأهلية وتدخلات إقليمية ودولية، إلا أن هناك إجماعاً دولياً، بالحفاظ على وحدة التراب السوري، بما فيه هضبة الجولان. للتذكير هنا، كان موقف إدارة الرئيس رونالد ريغان من أشد المعارضين لذلك الإجراء التعسفي لحكومة بيجِن المتطرفة، بضم هضبة الجولان السورية 1981. حينها قررت واشنطن وقف اتفاق للتعاون الإستراتيجي مع تل أبيب.
الأخطر، في هذا التطور السلبي، لإدارة الرئيس ترمب الذي جاء في سلسلة إجراءات سلبية، ما زالت تتوالى تباعاً، بدءاً بقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس.. ومحاولة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وربما يأتي لاحقاً، الاعتراف بضم إسرائيل للضفة الغربية، أنه لن يبقى ما يُتفاوض بشأنه.. الأمر الذي يضع نهاية عملية لما يُرَوّجُ له بـ«صفقة القرن»، لا كما يعتقده البعض من أن تلك الإجراءات التعسفية، من قبل واشنطن، ضرورة تمهيدية لعقدها.
اعتراف الولايات بسيطرة إسرائيل على الجولان وعدم اعتبارها أراضي عربية محتلة، من شأنه، باختصار: استمرار حالة التوتر والصراع في المنطقة.. وعودتها لسابق عهدها بحجمها الحقيقي (الشامل الواسع)، صراعاً بين العرب وإسرائيل، لا صراعاً مختزلاً كما يريده الصهاينة والأمريكيون، بين إسرائيل والفلسطينيين.
شرعنة الباطل لا تجعل منه حقاً.. والحق لا يموت وهناك من يُجاهد مطالباً به. ويظل السلام بعيداً عن أرض السلام، برعونة أعداء السلام الكارهين له.
عكاظ السعودية
ما بين النظام السوري والجولان/ خيرالله خيرالله
هل حاول النظام السوري في يوم من الايّام استعادة الجولان أم أنّ الجولان كان دائماً ضمانة لبقائه؟ طرح هذا السؤال نفسه بعد التغريدة التي اطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أنّ “الوقت حان للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان”. لعلّ أهمّ ما في التغريدة الاشارة الى ان إسرائيل تحتل الجولان منذ 52 عاماً. ما الذي فعله النظام السوري طوال ما يزيد عن نصف قرن عندما احتلّت إسرائيل الجولان في العام 1967 في وقت كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع؟
الجواب، بكل بساطة أنّ الجولان كان في كلّ وقت ضمانة للنظام الذي أسّسه حافظ الأسد. فبعد ثلاث سنوات من احتلال إسرائيل للجولان في حزيران – يونيو 1967، انتقل حافظ الأسد الى موقع المسيطر كلّيا على سوريا ابتداء من السادس عشر من تشرين الثاني – نوفمبر 1970. بقدرة قادر، لم يلق الأسد الأب أي مقاومة في الانقلاب الذي نفّذه على خصومه. على العكس من ذلك، كانت هناك احاطة دولية لـ”الحركة التصحيحية” التي قام بها. كذلك كان هناك تعاطف عربي مع ما قام به من من منطلق انّه كان لا بدّ من التخلّص من “البعث المغامر” ذي الميول اليسارية الذي كان يتزعمه في سوريا ضابط علوي آخر اسمه صلاح جديد. كان صلاح جديد الرجل الأقوى في سوريا بين 1966 و 1970. ما لبث حافظ الأسد ان وضع صلاح جديد في السجن الذي بقي فيه الى آخر ايّام حياته.
منذ أصبح حافظ الأسد الحاكم المطلق لسوريا، خصوصا بعدما اصبح اوّل رئيس علوي للجمهورية في شباط – فبراير 1971، كان الرهان الدائم للنظام على حال اللاحرب واللاسلم التي يرمز اليها وضع الجولان. وجد النظام السوري في اتفاق فكّ الاشتباك مع إسرائيل مطلع العام 1974 بديلا من ايّ سعي فعلي للبحث جدّيا في أي انسحاب إسرائيلي من الجولان. اكثر من ذلك، كان الهدوء الذي تنعم به جبهة الجولان مدخلا للوجود العسكري السوري في لبنان الذي باركته إسرائيل بعد وضعها خطوطا حمر له في 1976.
منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك، اصرّ النظام السوري على بقاء مدينة القنيطرة التي انسحب منها الإسرائيليون مدمّرة. كانت حجته ان تدمير المدينة شاهد على وحشية إسرائيل. هل من حاجة الى ما حلّ بالقنيطرة لمعرفة ما هي إسرائيل، بدل إعادة بناء المدينة وإعادة أهلها اليها؟
بالنسبة إلى النظام السوري، كان الجولان موضوع تجارة رابحة استخدم فيها لغة خشبية من نوع الإصرار على انسحاب إسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران – يونيو 1967، علما ان هذه الحدود لم تعد عند ضفاف بحيرة طبريا التي انخفض منسوب المياه فيها. بقي حافظ الأسد متذرّعا في السنة 2000 بمياه بحيرة طبريا كي يفشل المحاولة الجدّية الاخيرة للتوصل الى اتفاق مع إسرائيل تنسحب بموجبه من الجولان. قال في اللقاء مع الرئيس بيل كلينتون في جنيف قبل أسابيع من وفاته انّه كان يصطاد السمك في مياه بحيرة طبريا عندما كان ضابطا صغيرا. تجاهل ان هذه المياه انخفض مستواها مع مرور السنوات وان خط وقف النار في الرابع من حزيران – يونيو 1967 لم يعد حيث كان.
في الواقع، لم يرد حافظ الأسد يوماً استعادة الجولان، بل كان كلّ همّه محصورا بالمتاجرة به واستخدامه كخط دائم لوقف النار مع إسرائيل. منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك، الذي امكن التوصل اليه مطلع العام 1974 بفضل هنري كيسينجر، وزير الخارجية الاميركي وقتذاك، لم تعكّر رصاصة واحدة الجو في الجولان. كان هناك اتفاق سوري – إسرائيلي على إبقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة لتبادل الرسائل بين الجانبين، ان في ايّام السيطرة الفلسطينية على الجنوب اللبناني او بعد ذلك عندما اصبح الجنوب في عهدة ايران، أي في عهدة “حزب الله”، الذي بقي محافظا على المهمّة المكلّف بها حتّى صيف العام 2006 عندما افتعل حربا مع إسرائيل. أجبرت تلك الحرب اسرائيل على تغيير قوانين اللعبة المتفق عليها وذلك عبر قرار مجلس الامن الرقم 1701 الذي سمح للجيش اللبناني بالعودة الى جنوب لبنان للمرّة الاولى منذ العام 1975.
من حافظ الأسد الى بشّار الأسد، انتقلت سوريا من عالم الى آخر، خصوصا بعدما بدأت ثورة الشعب السوري في مثل هذه الايّام من العام 2011. كان افضل من عبّر عن طبيعة العلاقة الجديدة – القديمة بين إسرائيل والنظام السوري شخص اسمه رامي مخاوف، ابن خال بشّار الأسد.
في وقت كانت الثورة الشعبية في سوريا في بدايتها ربط رامي مخلوف في حديث مع الصحافي الاميركي، اللبناني الأصل، انتوني شديد الذي كان يعمل لصحيفة “نيويورك تايمز” بين بقاء النظام السوري وحال الهدوء السائدة مع اسرائيل. كشف بكلّ صراحة عن تلك المعادلة التي تحكمت بالعلاقة بين النظام الذي اسّسه حافظ الأسد في 1970 والذي مهّد عمليا لقيامه احتلال الجولان في العام 1967 من جهة والضمانة الإسرائيلية للنظام من جهة أخرى. قال ما حرفيته في عدد “نيويورك تايمز” الصادر في العاشر من ايّار – مايو 2011: “اذا لم يكن هناك استقرار هنا، لا يمكن باي شكل ان يكون هناك استقرار في إسرائيل”.
لم تتدخل إسرائيل في سوريا على نحو مكشوف، علما انّه كان في استطاعتها، منذ البداية، قلب المعادلة الداخلية بسبب قربها من الجنوب السوري ومن درعا تحديدا التي انطلقت منها الثورة السورية. لجأت إسرائيل الى ضربات جوّية في مرحلة لاحقة اقتربت فيها ايران من خط وقف النار في الجولان، بقيت هذه الضربات الجويّة في اطار معيّن لا يؤثّر مباشرة على مصير نظام الذي لم يعد بالفعل موجودا بعدما صار تحت رحمة الايراني والروسي.
ما تفعله إسرائيل حالياً هو قبض ثمن إبقاء بشّار الأسد في دمشق التي هي على مرمى حجر من الجولان. يدخل كلّ ما قاله دونالد ترمب في سياق طبيعي. في أساس هذا السياق معادلة جديدة تقوم على الربط بين التسليم باحتلال إسرائيل للجولان نهائيا وبقاء بشار الأسد في دمشق بحماية الايراني والروسي من جهة أخرى. هل هذه معادلة دائمة ام مجرّد معادلة مرحلية في انتظار ما سيسفر عنه الصراع بين موسكو وطهران على سوريا؟
لا يمكن الكلام عن معادلة دائمة بين سوريا وإسرائيل في ظلّ الخلل السوري الذي رفض رامي مخلوف الاعتراف به. فابن خال بشّار الأسد لم يستوعب منذ البداية انّ النظام انتهى في اليوم الذي خرج فيه من لبنان في نيسان – ابريل 2005 نتيجة مشاركته في عملية اغتيال رفيق الحريري والتحضير لها. ما لم يستوعبه اكثر من ذلك ان لعبة المحافظة على الاحتلال الإسرائيلي للجولان وعلى حال اللاحرب واللاسلم لا يمكن الّا ان تنقلب على النظام الذي تأسّس بالفعل قبل 52 عاما وكان ثمنا قبضه طوال ما يزيد على نصف قرن. كان ذلك الثمن كافيا كمكافأة على ما حدث في 1967… بعدما تبيّن ان الكثير تغيّر على الأرض السورية وبعدما استفادت إسرائيل من كل الفرص التي اضاعها الأسد الاب والأسد الابن من اجل استعادة الجولان على غرار استرجاع أنور السادات لسيناء!
المستقبل
من أرض الجولان: قرار ترامب غير قانوني والأسد هو السبب/ سامر الأحمد
ضاربًا عرض الحائط بقرارات المجتمع الدولي، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الاثنين، قرارًا يعترف بـ “سيادة إسرائيل” على الجولان السوري الذي تحتله (إسرائيل) منذ عام 1967، وسط رفض عربي ودولي واسع لهذا القرار، باعتباره انتهاكًا للأعراف والقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي تؤكد أن الجولان أرض سورية محتلة. وعلى إثر القرار ظهرت حالة رفض شعبي كبيرة، من السوريين عامة وأبناء الجولان المحتل خاصة.
قال ترامب، قبل توقيعه القرار أمس الاثنين: “تعترف الولايات المتحدة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها، واليوم نتخذ خطوات لمساعدة إسرائيل، وفي خطوة تاريخية، سأوقع اليوم إعلانًا بالاعتراف بسيطرة إسرائيل على الجولان”، ونبّه ترامب إلى أن هذا القرار جاء نتيجة تهديدات ميليشيات (حزب الله) وإيران، بجعل الجولان السوري منصة لشن هجمات على دولة الاحتلال، بحسب ما نقلت وكالة (رويترز).
Donald J. Trump
✔
@realDonaldTrump
Today, it was my great honor to welcome Prime Minister @Netanyahu of Israel back to the @WhiteHouse where I signed a Presidential Proclamation recognizing Israel’s sovereignty over the Golan Heights. Read more: https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/proclamation-recognizing-golan-heights-part-state-israel/ …
١٢٥ ألف
٨:١٠ م – ٢٥ مارس ٢٠١٩
٤١ ألف من الأشخاص يتحدثون عن ذلك
سكان الجولان المحتل أعربوا عن رفضهم المطلق لهذا القرار، حيث قال المحامي نزار أيوب، المختص في القانون الدولي وحل النزاعات، من الجولان المحتل، في حديث إلى (جيرون) معلقًا على قرار ترامب: “يفتقر هذا القرار إلى القيم الأخلاقية وإلى أدنى اعتبار لحقوق الإنسان، وسيكون له تبعات آنية تدعم اليمين الفاشي في دولة الاحتلال، كما أنه يكرّس التقسيم الفعلي لسورية التي تسيطر عليها قوى إقليمية ودولية عديدة”.
نزار أيوب- محامي من الجولان
عن التبعات القانونية للقرار، قال أيوب: “يشكل هذا القرار أخطر اعتراف منذ وعد بلفور، وسيشكل خطرًا على السلم والأمن في الشرق الأوسط، باعتباره ينتهك القانون الدولي في عدة أمور أهمها، مخالفة مبدأ (عدم استخدام القوة أو شن عدوان على أراضي الغير واقتحامها وضمها)، حيث يؤسس القرار لاعترافات مماثلة، ويزيد أطماع دول قد ترغب في أراضي الغير، وهذا الأمر انتهى منذ عشرينيات القرن الماضي”.
أضاف أيوب: “ينتهك القرار حق الشعب السوري في تقرير مصيره، وهو حق مكفول على أرض الجولان التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من سورية، كما يطلق القرار يدَ إسرائيل في الجولان، ويفتح الباب لمواصلة استغلال ظروف الحرب في تثبيت سيطرتها على الجولان، عبر إنشاء مزيد من المستوطنات، حيث قامت سابقًا بتهجير 95 بالمئة من سكان الجولان الأصليين، وهدمت 340 قرية، وأقامت 35 مستوطنة، ولدى حكومة الاحتلال سياسة منهجية لتوسيع الاستيطان، عبر نيتها استقدام 100 ألف مستوطن، وإسكانهم في الجولان، وإطلاق مشاريع زراعية وسياحية هناك”.
علي أبو عواد_ طبيب من الجولان
على الصعيد ذاته، أكد الدكتور علي أبو عواد، وهو ناشط سياسي مقيم في الجولان، في حديث إلى (جيرون) هويةَ الجولان السورية، محملًا نظام الأسد مسؤولية ما حصل، إذ قال: “إن كان ترامب قد وقّع على الاعتراف بشرعية احتلال الجولان؛ فإن حافظ الأسد قد منح الجولان لإسرائيل قبل خمسين عامًا، منذ سحب القوات السورية عام 1976 وإعلانه سقوط القنيطرة قبل أن تصلها قوات الاحتلال، مرورًا بالحفاظ على صمت الجبهة ومنع السوريين أو الفلسطيينين من الاقتراب منها، والتخلي عن تقديم أي دعم للسكان في الجولان المحتل”.
أضاف أبو عواد: “لو لم تصمت جبهة الجولان طوال هذه العقود؛ لما أتيح لإسرائيل إعلان ضمها، ولما أقدم ترامب أو غيره على الاعتراف بشرعية احتلالها”، وتابع: “هنالك استكلاب استعماري يمثله ترامب يستفيد من واقع الانكشاف، ومن وجود أنظمة مستعدة لبيع كل مقدس، وأنظمة مجرمة -كما روسيا وإيران- مستعدة للقيام بأي عمل قذر يضرّ بشعوبنا، كي تظل خاضعة لواقع التخلف والتشرذم والنهب”.
الجولان السوري المحتل
اختتم أبو عواد بالقول: “من ناحيتنا -أهل الجولان- قد مررنا بعتمة شبيهة، على إثر احتلال الجولان عام 1967 واستطعنا الصمود وإيصال صوتنا إلى العالم كله، وسنبقى على ذلك، حتى نتجاوز هذه المرحلة، مع ثقتنا بأن شعبنا السوري في دربه لنيل حريته، وإن تأخر الوقت على طريق تحريرنا. الشعوب وحدها هي من تقرر مصيرها، والتاريخ يشهد”.
من جانب آخر، حذر رئيس الائتلاف السوري المعارض عبد الرحمن مصطفى، من تداعيات اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمرتفعات الجولان كجزء من “إسرائيل”، مشددًا في تصريحات لوكالة (الأناضول) أمس الاثنين، على أن الجولان “أرض سورية محتلة”. كما رفض نظام الأسد هذا القرار، حيث قال وليد المعلم وزير خارجية النظام: إن “اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان لن يؤثر إلا على عزلة أميركا”، مضيفًا: “مهما مرت السنوات؛ فلن يغير ذلك شيئًا من حقيقة أن الجولان أرض سورية محتلة”. بحسب وكالة أنباء النظام (سانا).
أثارت خطوة ترامب رفضًا دوليًا واسعًا، حيث رفضت الأمم المتحدة القرار، وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن “وضع مرتفعات الجولان السورية المحتلة لم يتغير بموجب قرارات مجلس الأمن”، كما رفض كل من الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية هذه الخطوة، ورفضت منظمة (هيومن رايتس ووتش) هذا القرار، وعدّته “تدميرًا للقانون الدولي الذي يحمي سكان الجولان”، بينما أعربت دول عديدة، منها تركيا وروسيا وكندا واليابان والصين وبريطانيا وألمانيا وإيران والسعودية وقطر والكويت والأردن وموريتانيا والسلطة الفلسطينية، عن رفضها لهذا القرار.
يذكر أن مجلس الأمن الدولي أصدر، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1981، القرار رقم 497 القاضي بـ “رفض قرار إسرائيل ضم الجولان”، حيث اعتبر قرار “إسرائيل” فرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، ملغيًا وباطلًا وبلا فاعلية قانونية على الصعيد الدولي، مطالبًا إياها بإلغاء القرار بشكل فوري.
جيرون
ضياعُ الأوطان/ حسان الأسود
لطالما كان الاستبداد أهمّ عاملٍ في هدم بنى الدول والمجتمعات، وقد رأينا هذه النتيجة عشرات بل مئات المرّات عبر التاريخ، وها نحن اليوم نعيش نكسة جديدة على مستوى سوريا، نكسة لم نساهم في صناعتها إلّا بالقدر الذي يمكن به مُساءلتنا عن صمتنا على الديكتاتوريّة حتى استفحلت في مجتمعنا السوري فباتت جزءاً منه.
بعد سابقة خطيرة وغير مسبوقة في العلاقات الدوليّة، اعترف بموجبها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل أشهر، ها هو يهدي اليوم في 25-3-2019 لإسرائيل مجدّداً اعترافاً سياسياً بشرعيّة سيطرتها على مرتفعات الجولان، في حين أنّه لا الواهب يملك ما وهب ولا الموهوب يحقّ له قبول الهبة أو المطالبة بها أو الانتفاع بها أساساَ.
تأتي خطورة هذا التصرّف من ثقل تأثير المرجعيّة الأميركيّة التي تكرّس الأمر الواقع، ومن ضعف تأثير المرجعيّتين السوريّة والعربيّة المضادّتين لهذا التصرّف. فإذا أخذنا موازين القوى في المرحلة الراهنة، وفي المدى المنظور بل المتوسّط سنجد الكفّة راجحة باتجاه المعسكر الغاصب للأرض والحق.
في حسابات هذه الموازين، تتفوّق إسرائيل علينا بكافة المجالات العسكرية والاقتصاديّة، وفي العلاقات الدولية أيضاً حيث تكتسب تعاطف أو خوف الدول عامّة والغربيّة منها خاصّة، التي لا تستطيع الوقوف بوجهها تجنّباً للوقوع تحت مقصلة تهمة معاداة الساميّة، أو تجنباً للضغوط الهائلة من اللوبي الصهيوني العالمي. بالمقابل فإننا نتفوّق عليها بعدّة نقاط هامّة، فنحن أصحاب الحق وفق المنطق والتاريخ والقانون الدولي وقرارات الشرعيّة الدولية، ونحن الأكبر حجماً من حيث المساحة الجغرافيّة وعدد السكّان، ونحن – كشعوب- أصحاب الإرادة التي تلين ولا تتنازل.
لكن، هل يكفي ذلك لتقرير استعادة الحقّ المغتصب، وهل المجتمع السوري الآن في حال تمكّنه من المطالبة بالأجزاء المغتصبة من أرض سوريا شمالًا وجنوباً وشرقاً وغرباً؟ ألم يدمّر نظام الاستبداد البنية التحتيّة للدولة السورية، ألم يستنزف مقدّراتها وخيرة شبابها، ألم يهجّر نصف شعبها خارج حدودها، والباقون منهم يعيشون تحت خطّ الفقر والكرامة أو في السجون والمعتقلات، ومن لايزال خارج نطاق سيطرته يعيش حالة تخبّط وتشرذم وضياع بين عدّة مرجعيات كلّها ما دون الوطنيّة؟
ألا يبدو كذلك حال الواقع الرسمي العربي في غاية العجز، بعد أن استطاعت القوى المضادّة لثورات الشعوب أن تكرّس تحالفاً شبه معلن مع إسرائيل، تحت شعارات مكافحة الإرهاب ومحاربة تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة؟ ففي أكبر الدول العربيّة من حيث عدد السكّان ومن حيث المقدّرات، نجد الحرب شعواء على شعوبها الرافضة لنهج التطبيع، بإشغالها بلقمة عيشها تارة أو بإثارة النعرات بين أبنائها بألاعيب مخابراتيّة تارة أخرى، أو بخلق عدوّ وهمي من أبناء الشعوب الشقيقة المجاورة. وفي دولٍ عربيّة أخرى نجد نفخاً مستمرّاً في كير العنصريّة والشعبويّة المقيتة، لخلق حالة من العداء بين أبناء الشعوب العربيّة بدل تعزيز حالة التضامن والشعور بوحدة المصير.
الحقيقة أنّ نظرة سريعة للأمور تجعلنا نتخوّف من مرور الزمن الطويل ومن التهاون في التحرّك للمطالبة باسترداد الحق، ولنا في المناطق المسلوخة عن سوريا بعد سقوط السلطنة العثمانيّة وزمن الانتداب الفرنسي أكبر مثال وعبرة. فمن لا يعرف أنّ عدداً من البلاد المجاورة التي تشكّل دول مستقلّة كانت عبر التاريخ تتبع لسوريا الكبرى أو ما كان يُعرف تاريخيّاً باسم بلاد الشام؟ وحتّى في أحلك الظروف، كانت تشكّل وحدة متقاربة متجانسة بالموروث والعادات وطباع الناس وثقافتهم واهتماماتهم وانتماءاتهم المختلفة، وما استشهاد سليمان الحلبي ومن بعده جول جمّال في مصر، ولا استشهاد عزّ الدين القسّام في فلسطين، إلّا أمثلة بسيطة على مدى هذا التقارب والانتماء الواحد.
بالتأكيد ليست هذه دعوة للسيطرة على دول الجوار، فلا نحن بوضع يسمح لنا بالتفكير بهذا الأمر، ولا نحن نقبل على أنفسنا أساساً أن نتصرّف بعقليّة الأنظمة القمعية الوصائيّة التي نعاني منها جميعاً، لكن بالمقابل، من حقّنا أن نتخوّف من المصير المجهول الذي قد يلحق بالجولان كما لحق بغيره من أجزاء سوريا.
لقد سئم السوريّون من خطابات النظام الأسدي الذي سلّم الجولان ابتداءً للوصول إلى السلطة، وانتهاءً للبقاء بها، ولم يعد لديهم ثقة إلّا بأن الحديث عن هذا الموضوع ليس أكثر من حجّة ووسيلة لاستدامة القمع وإعادة إنتاج النظام لذاته. لقد اكتوى السوريّون بنيران الأسلحة التي اشتروها من نقود المجهود الحربي التي دفعوها على مدار سبعين عاماً منذ النكبة الأولى عام 1948، وبات من حقّهم أن يفكّروا بطرق مبتكرة للتمسّك بأرضهم المحتلّة وبنفس الوقت التمتّع بحقوقهم الإنسانيّة المنصوص عليها في كل الشرائع السماويّة والأرضيّة.
إنّ الارتماء في حضن إسرائيل كما فعل بعضٌ ممّن يحسبون أنفسهم على الثورة، لم يكن إلّا نتيجة قصور فكريٍّ بيّن وغباءٍ سياسي فاضح وانعدامِ وطنيّة مُخجل، فلن يلتفت الإسرائيليون إلى هذه الحثالات أبداً إلّا بمقدار ما يستطيعون تسخيرها في مجالات التطبيع النفسي والسياسي الذي يسيرون به بشكل حثيث منذ معاهدة كامب ديفيد المشؤومة. ليس لدى هؤلاء شيء يقدّمونه أساساً، ولو كان لديهم ما يقدمونه فلن يطاولوا كعب الأسد العالي صاحب السبق أباً عن جدّ في هذا المضمار.
إنّ السلوك الوطنيّ القويم يفرض علينا أن نتمسّك بالشرعيّة الدوليّة المتمثّلة بقرارات مجلس الأمن والجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، كما يفرض علينا أن نتمسّك بقواعد القانون الدولي، التي تعتبر أيّ احتلال مجرّد حالة طارئة لا تُرتّب للمحتلّ أيّة حقوق مكتسبة مهما طال الزمن وتمادى ومهما تغيّرت الأحوال والظروف. كما يفرض علينا أيضاً أن نتمسّك بالتفريق الحقيقي بين الاحتلال الداخلي المتمثّل بنظام القمع والاستبداد، وبين الاحتلال الخارجي المتمثّل بإسرائيل وغيرها من القوى الأجنبيّة والمليشيات التي تحتلّ أجزاءً من سوريا، وعلينا أن نعمل جاهدين على التحرر من ربقة كلا الاحتلالين ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
علينا كذلك ألّا ننجرّ إلى المعادلة القائلة بأنّ إسرائيل تبقى أرحم من نظام الأسد، لأنّ هذا الاستنتاج – الحقيقي والواقعي والمشروع – هو ما سعى النظام وإسرائيل بنفس الدرجة لإيصالنا إليه، فلو احتلّت إسرائيل سوريا بالكامل، ولو لقيت من الشعب السوري عشرات أضعاف المقاومة التي جابه بها نظامَ الأسد، لما دمّرت ربع عُشرِ ما دمّره جيشنا الباسل، ولما قتلت واحداً على ألف ممن قتلهم جلاوزة الأسد من أبناء جلدتنا، ولما اعتقلت ربع من اعتقلتهم أجهزة مخابراته ومليشياته، إلّا أنّ ذلك لا يجعل من المحتلّ ملاكاً ولا من إسرائيل بديلاً مقبولاً عن حكم هذه العصابة المارقة.
ما يمكن أن يترك في النفس أثراً مطمئناً إلى حدّ بعيد، هو جيل الشباب الذين قاموا بالثورة رغم أنهم ولدوا في عصر الاستبداد، وما يعطينا مثالاً رائعاً لا يمكن المرور عليه من دون توقّف ولا تجاوزه دون أخذ دلالاته بالحسبان، العمل البطولي للصبايا والشباب الفلسطينيّين المقاومين حقّاً وبالفعل في الداخل المُحتل، وآخر مثال عنهم الشهيد عمر أبو ليلى. لكن هذا كلّه يحتاج إلى موقف واضح وحازم منّا جميعاً، أفراداً وجماعات، من كلّ من يستطيع أن يعبّر عن رأيه وأن يقول لا للتخلي عن أي شبر من سوريا وتحت أيّة ذريعة كانت. علينا جميعاً أن نكون على قدر المسؤوليّة الوطنيّة والتاريخيّة، ويجب ألّا يؤثّر علينا ما ألحقه نظامُ الأسد منذ خمسين عاماً بجوهر المفاهيم والقيم الوطنيّة ذاتها. الوطن أكبر من أجزائه، وهو الباقي وغيره زائل.
تلفزيون سوريا
ضمّ الجولان توطئة لضمّ الضفة الغربية/ جلبير الأشقر
في الصيف الماضي وعلى هذه الصفحات بالذات، حذّرنا من أن «صفقة العصر» التي يعدّ لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر إنما هي تغطية لمرمى خطير يُراد منه استكمال نكبة 1948 بضمّ معظم أراضي الضفة الغربية المحتلة سنة 1967 إلى دولة إسرائيل بصورة رسمية. «فهم يعدّون لمسرحية كبيرة سوف يُشرف على إخراجها أخصائي «سياسة المشهد» دونالد ترامب ويكون صهره بطلها، يعلنون من خلالها «صفقة القرن» وهم يعلمون علم اليقين أن الفلسطينيين لا يستطيعون القبول بها، مثلما لم يكن بمستطاع أي وطني فلسطيني أو عربي أن يقبل بقرار التقسيم. وسوف يتيح ذلك الفرصة أمام نتنياهو ليعلن الضمّ الرسمي لأراضي الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل اليوم بصورة مباشرة (أراضي «ج» في تقسيم أوسلو)، ملقياً اللوم على الفلسطينيين الذين سوف يتّهمهم بأنهم «ضيّعوا الفرصة مرّة أخرى»» (««صفقة القرن» واستكمال النكبة»، القدس العربي، 4/7/2018).
وقد جاء قرار ترامب بجعل الولايات المتحدة تعترف بالضمّ الإسرائيلي لثلثي هضبة الجولان، وهي المساحة التي تحتلّها الدولة الصهيونية منذ حرب يونيو/ حزيران 1967، جاء ذلك القرار ليزيد من واقعية تكهّننا وبالتالي من خطورة الأوضاع. والحال أن ترامب ذهب في موضوع الجولان إلى أبعد مما تجرّأ عليه الليكود ذاته. فبعد وصولها إلى سدّة الحكم في عام 1977 وإثر اطمئنانها إلى تحييد مصر من خلال صفقة كامب ديفيد، قرّرت حكومة مناحيم بيغن الليكودية في نهاية عام 1981 وضع الجولان المحتلّ تحت «القوانين والقضاء والإدارة الإسرائيلية». وإذ كان ذلك القرار بمثابة ضمّ فعلي للجولان، إلّا أنه لم يذهب إلى حدّ الضمّ الاسمي الرسمي.
هكذا ظلّت الدولة الصهيونية تعتبر مصير الجولان أمراً يجوز التفاوض في شأنه، وإن لم يجرِ أي تفاوض في ظلّ حكومة لحزب الليكود. ففي عام 1999، أشرفت إدارة بيل كلينتون على مفاوضات بين حكومة حزب العمّال الصهيوني بقيادة إيهود باراك ونظام حافظ الأسد. وقد جرت تلك المفاوضات بالتوازي مع مساعي إدارة كلينتون للتوصّل إلى اتفّاق نهائي بين حكومة باراك والسلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات. وقد فشل المسعيان باصطدامهما بحدود الاستعداد الإسرائيلي لتقديم التنازلات التي لا بدّ منها كي يصبح الاتفاق ممكناً ضمن السقف المنخفض الذي كان كلٌّ من الأسد وعرفات قد حدّده لنفسه. في التفاوض على الجولان، كان حجر العثرة الرئيسي رفض إسرائيل التخلّي عن القسم الجنوبي من الهضبة الذي يتحكّم بما أصبح أهم مصدر مياه عذبة لديها.
وقد تجدّدت المفاوضات بين حكم بشّار الأسد وحكومة إيهود أولمرت في عام 2008 برعاية رجب طيّب أردوغان الذي كان يتباهى آنذاك بصداقته مع الطرفين. غير أنّها لم تلبث طويلاً إذ توقّفت عندما شنّت الدولة الصهيونية حربها الإجرامية على قطاع غزّة في نهاية ذلك العام، ثمّ اضطُرّ أولمرت إلى الاستقالة بعد ثلاثة أشهر بسبب فضائح قضت على حياته السياسية. وقد عاد الليكود إلى الحكم بقيادة نتنياهو الذي أعلن رفضه التفاوض على الجولان وعزمه على الاحتفاظ بالهضبة إلى الأبد. أما قرار ترامب فتكمن خطورته في أنه لا يعترف بما قرّره الليكود منذ ثمانية وثلاثين عاماً وحسب، بل يذهب إلى أبعد منه بإضفاء شرعية أمريكية على الضمّ النهائي للجولان، إسوة بالقدس العربية التي ضمّتها الدولة الصهيونية فعلياً بُعيْد احتلالها عام 1967 وأعلنت القدس بشطريها عاصمةً لها، وهذا ما كرّس ترامب القبول الأمريكي به من خلال قراره نقل سفارة بلاده إلى القدس.
وقد تعمّد ترامب منح نتنياهو هديّة قيّمة على مشارف انتخابات يخشى زعيم الليكود خسارتها، لاسيما بسبب الفضائح التي تراكمت في ملفّه القضائي ومنها ما يتعلّق بالتفريط بأمن الدولة الصهيونية لقاء الربح من خلال منح ضوء أخضر لبيع ألمانيا غوّاصات حديثة لمصر بدون استشارة قيادة الجيش الصهيوني، بما يفيد شركة إسرائيلية مشاركة في الصفقة ولنتنياهو حصّة فيها. وقد نجحت الخطة الإعلامية ببراعة، إذ أن حفلة توقيع ترامب على الاعتراف بضمّ الجولان والكلمة القصيرة التي ألقاها نتنياهو أثناءها إنما كشفت بصورة شبه كاملة خطاب منافس نتنياهو الرئيسي أمام مؤتمر «أيباك» (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وهي المكوّن الرئيسي للّوبي المؤيّد لإسرائيل في أمريكا بعد جماعة «الصهاينة المسيحيين»). وقد فضّل نتنياهو الاستغناء عن الكلمة التي كان مقرّراً أن يلقيها بدوره أمام «أيباك» والتي كانت سوف تضعه على قدم من المساواة مع منافسه، قائد الجيش سابقاً، الذي حصل على تصفيق حاد في المؤتمر. فقامت لعبة نتنياهو على جذب مجمل اهتمام الإعلام العالمي بفضل ترامب، وإعلانه العودة إلى إسرائيل كي يتصدّى لحماس.
هذا ويُدرك نتنياهو تماماً ولا يني يكرّر في مناسبة وغير مناسبة أن ترامب هو خير «صديق» للدولة الصهيونية وصل إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتّحدة. وقد أحاط ترامب نفسه بطاقم من المتحمّسين للدولة الصهيونية، منهم صهره كوشنر وسفيره في القدس دايفيد فريدمان ووزير خارجيته العبيط مايك بومبيو الذي لمّح في حديث إذاعي إلى أن المشيئة الإلهية هي التي أوصلت ترامب إلى رئاسة أمريكا كي يحمي الشعب اليهودي من إيران (كذا). فكيف بنتنياهو يفوّت هذه الفرصة التاريخية لو تمكّن من الفوز في الانتخابات القادمة، لاسيما أن الفرصة قد لا تتكرّر وحتى فوز ترامب برئاسة ثانية ليس بالمضمون على الإطلاق.
لذ لو تمكّن نتنياهو من البقاء رئيساً لوزراء الدولة الصهيونية سوف يبذل بالتأكيد كافة جهوده من أجل تحقيق غرضيْه الرئيسيين ألا وهما: أولاً، الضمّ الرسمي لمعظم أراضي الضفة الغربية، باستثناء المناطق المأهولة بالفلسطينيين كي لا يواجه معضلة منح سكّانها المواطنة الإسرائيلية؛ وثانياً، توجيه ضربة لإيران بما يقضي على ما يراه خطراً وجودياً تشكّله بالنسبة لإسرائيل بسبب احتمال تسلّحها النووي. أما الحكّام العرب في كل ذلك، فحدّثوا عنهم ولا حرج.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
من نيوزيلندا إلى الجولان/ علي أنوزلا
ما الذي يربط بين الهجوم الإرهابي على مسجدي نيوزيلندا وتنامي “الإرهاب الأبيض” وبين قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، من طرف واحد، وبين تنامي ردود الفعل الغاضبة في العالمين العربي والإسلامي على الحدثين؟ بالنسبة لمن يؤمنون بـ”نظرية المؤامرة”، فإن الإرهاب الذي ضرب نيوزيلندا هو نتيجة تنامي الفكر اليميني المتطرّف الذي بات الرئيس الأميركي اليوم يمثله في العالم. وبالتالي، فإن فعل اغتصاب الأرض، أو مساندة مغتصبها، لا يقل بشاعة عن قتل أبرياء في واضحة النهار، فقط لأن لون بشرتهم أو دينهم يختلف مع ما تؤمن به من أفكار عنصرية مقيتة.
لكن هل نكون بذلك قد أجبنا عن السؤال؟ حتى الآن، قد لا تبدو أية علاقة واضحة بين فعل إرهابي نيوزيلندا وقرار ترامب، اللهم إلا إذا أردنا أن نعتبر أن قرار الرئيس الأميركي إنما جاء ليشغل انتباه الرأي العام، وخصوصا في العالمين العربي والإسلامي، حتى لا يظل مركزا على مجزرة كرايست تشيرش البشعة وتداعياتها. وهذا ما يفسّر فجائية هذا القرار وغرابته، وهو الذي لم يكن منتظرا، لأنه يخالف القانون الدولي، ولا يمكن تفسيره سوى بغطرسة ترامب وجهله بالقانون والتاريخ والمبادئ التي قام ويقوم عليها الأمن والسلم العالميان، فكيف لرئيس دولة أن يبرّر احتلال دولة أخرى أرضا ليست أرضها، بل ويقرّر أن يعترف لها باحتلالها،
وأن يمنح ما لا يملك هو لمن لا يستحق، أي للمحتل؟!
لكن، لو عدنا إلى أصل الفكر الذي برّر به إرهابي نيوزيلندا دوافع ارتكاب جريمته، سنجد الخيط الرابط بين فعله وقرار ترامب الذي يأتي في لحظةٍ جد محتقنة، لتغذية مشاعر الغضب والإحساس بالظلم في منطقةٍ عانت، وما زالت تعاني، منه. في الوثيقة التي نشرها مجرم نيوزيلندا، دقائق قبل إقدامه على فعله البشع، يقدم نفسه صاحب فكر متطرّف يؤصل للعداء مع الإسلام تاريخياً، ويتذكر معاركه كافة في الغرب، ويتعهّد بالانتقام للهزائم التاريخية التي انهزم فيها الأوروبيون أمام الجيوش الإسلامية، ويعتبر أن الهجرة الحالية إلى أوروبا ليست سوى غزوة جديدة تهدّد وجودها، وتسعى إلى استبدال العرق الأبيض بأعراق أخرى غيره. وقد كان هذا الفكر العدائي ضد الإسلام والمسلمين موجوداً في أوروبا منذ عهد الحروب الصليبية، وكان يُعتقد أنه أصبح جزءا من التاريخ المنسي، إلى أن جاءت الحركات اليمينية المتطرّفة في أوروبا المعارضة للهجرة، لتنفخ في رماده من جديد.
وعلى الجانب الآخر، ساهمت عوامل تاريخية وسياسية وثقافية مختلفة في تأجيج المشاعر المعادية للغرب الذي احتل جزءا كبيرا من العالمين العربي والإسلامي. ولكن فيما زالت جميع أنواع الاحتلال أو خفت، بقي احتلالٌ واحدٌ ينغص قيام مصالحة تاريخية بين العالمين العربي والإسلامي من جهة وبين الغرب المحتل والغاصب من جهة أخرى، وهو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وهو ليس فقط احتلالا قام على الظلم باحتلال أرض الآخر، وطرده منها، وإنما هو احتلال صاحب إيديولوجية عنصرية متطرّفة، تمتح فكرها من أصول دينية يهودية متزمتة، تسعى إلى تديين الصراع حول الأرض، وتحويله إلى حلقة مفرغة من التشنّجات الحضارية والسياسية، لتغذية الأصوليات الدينية الأخرى، العنصرية والمتطرّفة.
ولن نأتي بجديد إذا ما قلنا إن أدلجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والإسرائيلي العربي، من الجانبين، واستدعاء الهويات الدينية والأحداث التاريخية القديمة، هو الذي أدى إلى توسيع دائرته، ليتحول إلى صراع إيديولوجي حضاري قيمي بين الغرب والإسلام، فالصراع الحضاري الحالي بين الغرب والإسلام يجد له، من بين عدة أسباب أججته، القضية الفلسطينية، وفي جوهرها الظلم التاريخي الذي تعرّض، وما زال يتعرض له الفلسطيني، من الاحتلال. وقد ظل هذا الظلم يشكل القاعدة الأساسية التي تؤجج المشاعر ضد من يدعم هذا الظلم أو يبرّره. ومهما كان قاسيا، فإنه لا يمكن أن يبرّر أي فعل إرهابي، فالإرهاب يبقى فعلا مقيتا لا مبرر له، وإنما يجب معالجة المشكل من جذوره، حتى لا يظل خزانا لتغذية مشاعر الغضب والغضب المضاد من الجانبين.
من هنا، لن يزيد قرار ترامب أخيرا الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، وقبل ذلك
اعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، سوى في تأجيج مشاعر الغضب في العالمين العربي والإسلامي، ضد كل من يسعى إلى تأبيد هذا الظلم التاريخي، وينكأ جراحه القديمة. وفي هذا، تلتقي إيديولوجية ترامب الخرقاء مع الأفكار المتطرّفة من الجانبين التي تريد تديين الصراع، وتحويله إلى صراع وجود بين العرب واليهود.
ولا غرو أن جزءا كبيرا من ظاهرة التطرّف، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب، ما هو سوى نتاج لهذا الصراع الذي يستدعي مفاهيم الأصوليات الدينية المتطرفة، وينفخ فيها لتتمدّد وتنتشر، حتى وصلت رياحها العاتية إلى نيوزيلندا. وقد جاء قرار ترامب ليغذي أصحاب هذا الفكر، لأنه، من ناحيةٍ، يكرس الظلم التاريخي الذي يشعر به العرب والمسلمون. ومن الناحية الأخرى، يعطي دفعة كبيرة للفكر المتطرف العنصري الذي يؤمن بتفوق العرق الأبيض، وبحقه في اغتصاب أرض الآخر واحتلالها.
حان الوقت للعودة إلى أصل المشكل، والتركيز على الحقوق التاريخية والإنسانية للشعب الفلسطيني، مع مراعاة المصالح الموضوعية للأطراف الأخرى، للوصول إلى تسوية عادلة، تضع حدا لهذا الظلم التاريخي الذي أنتج، وما زال ينتج، أفعالا وردود فعل يبرّر بها المتطرّفون جرائمهم في كل زمان ومكان.
العربي الجديد
ماذا بعد في جعبة ترامب؟/ مروان قبلان
مع انتهاء المحقق الخاص، روبرت مولر، من تحقيقاته التي جاءت بنتائج عكس ما توقعه كثيرون، بتبرئتها ساحة حملة ترامب الانتخابية من تهمة التواطؤ مع روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، سوف ندخل، على الأرجح، مرحلة جديدة، قد تكون الأسوأ في ولاية ترامب التي يأمل كثيرون أن تكون وحيدة. وإذا كانت سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب تحد من قدرة الرئيس على الحركة في قضايا السياسة الداخلية (على الرغم من أن هذا أيضًا نسبي، كما تبين بعد أن استخدم ترامب الفيتو لنقض قرار الكونغرس إلغاء حالة الطوارئ التي كان فرضها للحصول على موازنة من وزارة الدفاع لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك)، فإن حرية ترامب في السياسة الخارجية سوف تكون على الأرجح منفلتة، وقد تؤدّي إلى تغييرات كبيرة ودائمة فيها.
هذا التوجه مستمر منذ وصول ترامب إلى الحكم مطلع عام 2017، لكنه يصبح أكثر وضوحا كلما اقتربنا من موعد الانتخابات الرئاسية أواخر العام المقبل، من ذلك مثلا توقيع ترامب يوم أول من أمس، الاثنين، قرارا يعترف فيه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة. ويعد هذا القرار تراجعا كبيرا عن سياسةٍ أميركيةٍ عمرها أكثر من نصف قرن، وتعد الجولان أرضا سورية محتلة. وكانت الولايات المتحدة أيدت جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مثل القرار 242 لعام 1967، والقرار 338 لعام 1973، والقرار 497 لعام 1981، وهذا الأخير يعد قرار الكنيست الإسرائيلي ضم الجولان لاغيًا وباطلاً. وقد وافق عليه مجلس الأمن حينها بإجماع أعضائه الـ 15. واقع الحال أن الرئيس ترامب يضع بقراراته الأخيرة الخاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي نهاية لعملية السلام التي بدأتها الولايات المتحدة في مدريد عام 1991، اذ لم يعد، بسببها حاجة لأي مفاوضات. وكان ترامب اعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال في ديسمبر/ كانون الأول عام 2017، ونقل السفارة الأميركية إليها في مايو/ أيار 2018، ثم أوقف بعد ذلك تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وطالبها بإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، في خطوةٍ غايتها إلغاء حق العودة لملايين الفلسطينيين، والذي نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948.
لا تعني هذه الإجراءات الترامبية تغييرا كبيرا في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي فحسب، بل تدخل أيضا تغييرات عميقة على الموقف الأميركي من الأمم المتحدة التي أنشأتها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، ومن القانون الدولي. فهذه هي المرة الأولى التي تخرق فيها الولايات المتحدة قراراتٍ صادرة عن مجلس الأمن بشكل صريح ومباشر. وقد اعتادت واشنطن أن تمنع صدور قراراتٍ عن مجلس الأمن، إذا كانت تتعارض مع مصالحها أو مواقفها من القضايا والشؤون الدولية، من خلال استخدام حق النقض (الفيتو)، لكنها عندما تسمح بصدورها فإنها تلتزم بها عموما، وإن كانت لا تضع ضغوطا كافية لتنفيذها، إلا إذا كانت مصالحها تقتضي ذلك، كما فعلت في الحرب الكورية (1950- 1953) وحرب تحرير الكويت (1991).
لقد أبدى الرئيس ترامب، خلال السنتين الماضيتين، استعدادا غير محدود لتسخير السياسة الخارجية الأميركية لخدمة مصالحه الشخصية والانتخابية، من تعامله مع ملف كوريا الشمالية إلى الأزمة الخليجية إلى قضايا الهجرة، واتفاقات المناخ والتجارة الدولية. وباعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وقبلها القدس، يحاول ترامب كسب الصوت اليهودي في انتخابات 2020، علما أن 20% فقط من يهود أميركا صوّتوا له في انتخابات 2016. كما يهدف ترامب إلى رص صفوف اليمين المسيحي (الإنجيليين خصوصا المتعصبين في دعمهم إسرائيل). وهو بتقديمه هذه المكافآت المجانية لنتنياهو، يحاول أيضا مساعدة الأخير في كسب انتخابات الكنيست المقرّرة في التاسع من الشهر المقبل. وسوف يرد نتنياهو هذه الخدمة في انتخابات 2020 عندما يحاول حشد يهود أميركا وراء ترامب. لقد تحولت الجولان، وقبلها القدس، إلى مادة لخدمات انتخابية متبادلة بين إسرائيل وأميركا، لسبب بسيط، هو أنها لا تكلف شيئًا، ولا حتى بيان إدانة أو استنكار عربي من نوع تلك التي اعتدنا التندّر بها فيما مضى، وأصبحنا لفرط هواننا لا نطاولها اليوم، فماذا يُخرج ترامب من جعبته تالياً؟
العربي الجديد
العرش مقابل الجولان/ وائل قنديل
ماذا لو دعا بشار الأسد الشعب السوري إلى الاحتشاد والكفاح، دفاعًا عن الجولان المحتل؟ من سيلبي النداء وسورية منقوصة من 13 مليونًا من أبنائها، هم عدد النازحين من إجرام بشار، يتوزّعون لجوءً حول العالم، بحسب آخر إحصاءات متداولة في العام 2018؟.
وفقًا للأرقام المنشورة على موقع مركز “بيو” للأبحاث، وهو مركز بحثي أميركي، يشتغل على مجال أبحاث الشعوب، في العام الماضي، فإن 60% من عدد سكان سورية قبل الحرب، نازحون ومهجّرون، خارجيًا وداخليًا، وهي نسبة نزوح لم تشهدها دولةٌ من قبل خلال العقود الأخيرة.
وتوضح الدراسة التي نشرها المركز أن أكثر من ستة ملايين و300 ألف سوري، أي حوالي 49% من عدد المهجرين قد نزحوا داخليا، بينما، وكما تفصل الدراسة، هناك أكثر من خمسة ملايين سوري لجأوا إلى الدول المجاورة في تلك المنطقة: تركيا (3.4 ملايين) ولبنان (مليون) والأردن (660 ألفا) والعراق (250 ألف) يمثلون حوالي 41% من عدد اللاجئين السوريين المنتشرين في العالم. وهناك أكثر من 150 ألفا يعيشون في دول شمال إفريقيا مثل مصر (130 ألفا) وليبيا، أما أوروبا فيعيش فيها حوالي مليون سوري، كلاجئين أو طالبي لجوء: ألمانيا (530 ألفا يمثلون خامس أكبر نسبة لاجئين في العالم) والسويد (110 آلاف) والنمسا (50 ألفا) بالإضافة إلى نحو مائة ألف سوري في أميركا الشمالية.
السؤال الأهم هنا: هل يمكن لشخصٍ فعل في بلده كل هذه الأفاعيل أن يكون معنيًا بالجولان؟ هل يمكن أن يكون مشغولًا بإنهاء احتلال أرضه من أنزل بشعبه مئات أضعاف ما قام به الاحتلال الصهيوني؟. قبل ذلك، هل بشار الأسد لا يزال يرى الكيان الصهيوني عدوًا؟.
بشار الأسد مثل كثيرين من أعضاء النظام الرسمي العربي، حرّروا أنفسهم من قيود التاريخ والجغرافيا، وصاروا يتعجّلون إعادة صياغة العلاقة مع الكيان الصهيوني. ربط بعضهم نفسه به بحبلٍ سري لا ينفصم، وآخرون يتسابقون على مد الجسور. وهؤلاء وأولئك باتوا يعتبرون دونالد ترامب مصدر السلطات، وحامي العروش، أمره نافذٌ وكلمته قانون، حتى وإن تسربل بعضُهم بأرديةٍ مهترئة من عبارات الشجب والاستنكار.
والشاهد أن بشار الأسد، وغيره من أكلة لحوم الثورات العربية، ملتزمون بناموس ترامب وإسرائيل: العدو هو، فقط، الربيع العربي، الذي وصموه بالإرهاب، وأعلنوه مرادفًا له، وما دام العالم، وفي طليعته الكيان الصهيوني، يحارب الإرهاب، بالتعريف الصهيوني الواضح، وبما أن العرب، من كارهي ربيع الشعوب، خادمون أوفياء لهذه المعركة، فإنهم راضون بالشراكة مع الصهيوني، ومحاربون تحت راياته.
وفي حالة الأسد تحديدًا، لا ينكر الدور الإسرائيلي في حماية عرشه، من خطر ثورة شعبه عليه، فكيف يرفع عينه في وجه دونالد ترامب، ولسان حال الأخير يقول: قتلنا لك الربيع، وأجهضنا الثورة عليك، فلا ثمن أقل من الجولان يا ابن الأسد”.
وأكرر هنا إنه من المهم أن نتفق على معنى الوطن، وهو في ظني لا يقتصر على الحدود الجغرافية، بل قبل ذلك الوطن هو الإنسان، فمن يقتل الإنسان يبيد الوطن، ويدمر وجوده، ولكي تكون مؤهلًا للحفاظ على الوطن بحدوده الجغرافية، وسلامة أراضيه، عليك أولًا أن تحمي الوجود الإنساني فيه.. أن تحافظ، يا ابن حافظ، على الحدود الإنسانية للوطن، وضمان سلامة قواه الأخلاقية والعقلية.وبما أنك أهدرت ذلك كله، فإنك منحت صوتك، أو صمتك، لدونالد ترامب، لكي يقتطع من الوطن ويمنح إسرائيل، كي تشتري عرشك.
العربي الجديد
يتصدّى” بشار للصهيونية فتخسر سورية الجولان/ دلال البزري
حتى بداية العام 2011، كان بشار يفاوض الإسرائيليين سراً، عبر الولايات المتحدة، بغية الوصول إلى اتفاق سلام، على غرار الأردن ومصر (مذكرات جون كيري). لكن هذه المفاوضات توقفت، مع اندلاع ثورة السوريين على حكمه؛ فانكبّ هو على “محاربة المؤامرة الإمبريالية والصهيونية” عبر قتلهم وتهجيرهم وتدميرهم. وها هو اليوم، يعلن، هو وحُماته، أنه إنما “انتصر” على شعبه، أي على الشرّين العظيمَين، وأن أميركا هُزمت، ومعها إسرائيل، وأن “شرق أوسط جديدا” يبزغ في الأفق، خاليا منهما، بعدما طحنتهما محادل الممانعين والمقاومين.. إلخ.
ثم جاءت تغريدة دونالد ترامب، منذ بضعة أيام، أنه بعد اثنين وخمسين عاماً على احتلال الجولان، حانَ وقت اعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على الهضبة السورية؛ مبيّناً أهميتها الاستراتيجية والأمنية لإسرائيل ولـ”استقرار المنطقة”. ويكون بذلك قد خرقَ قرارات أممية، وألغى صفة الاحتلال عن الجولان، ومكّن إسرائيل من الاستيلاء عليها قانونياً. وسوف يكون مستحيلا بعد ذلك أن تفكر القيادات الإسرائيلية اللاحقة بالانسحاب من الجولان، في حال عادت المفاوضات بين إسرائيل وسورية: ستكون ساعتها كمَنْ يتنازل عن أرضه، عن سيادته الوطنية.
أمام الاستنكار الدولي لهذه الخطوة، وفرحة نتنياهو العارمة، ووصفه الخطوة بالتاريخية، أجاب ترامب بعفويته المفتعلة بأنه لم يقصد منها تعزيز فرص نتنياهو في الانتخابات التشريعية
المقبلة؛ بل إن الموضوع هذا “لم يخطر على باله”. وصف أحد المعلِّقين البارزين هذه الكلمة بأنها إما تنمّ عن جهل أو عن استغباء، مصيبة في كلتا الحالتَين. لكن مراجعة بسيطة لخطوات ترامب السابقة، ونشاطاته العقابية ضد حزب الله وإيران، توضح العكس: أن ترامب، على خلاف تخبطاته السابقة، يعلم هنا ما يفعل. وهو مدعومٌ من كتلةٍ قوية داخل حزبه، يقودها السيناتور البارز لانسلي غراهام. تمْزيقه الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة العقوبات عليها، أكثر من إعلانه القدس عاصمة إسرائيل، هو الأب الشرعي لقراره حول الجولان: إنه يستهدف إيران أكثر مما يطمح إلى إبقاء نتنياهو رئيسا لحكومة إسرائيل.
وهذه التي تبدو خطوةً غبية، أو متغابية، هي مثل الهدية الرمزية لمعسكر بشار والممانعة: فتحت شهية الغضب السعيد، المبتهج بصحة رأيه، إن الإمبريالية والصهيونية، تثبتان مرة أخرى تحالفهما العضوي وتآمرهما على سورية، تكرِّسان أراضي محتلة، تكسبهما الديمومة، تغتصب الأرض والعرض.. إلى ما هنالك من شعاراتٍ لم تغْفُ لحظة واحدة، طوال الحرب على الشعب السوري. شعارات تستفيق، فتعود وتطلّ على الجماهير، متألقةً، متجدّدة؛ تؤكد على “صحة الخط”، و”الثبات على الثوابت”، وطبعاً، “الانتصار” الدائم، من دون خدْشةٍ واحدة، ولا غلطة واحدة، تُدخل لحناً، أو تطريباً، أو تنويعا على المؤكَد، فتظهر أميركا الأبدية على الصورة ذاتها، الثابتة هي الأخرى. من دون أن يلمح الممانعون تبديلاً واحداً على ملامحها. خذْ هذه النقطة مثلاً: عام 1981، الموقف المغاير للرئيس الأميركي، رونالد ريغان، الذي ردّ على قرار الكنيست ضم الجولان إلى إسرائيل، بأن أوقف مفاوضات معها، كانت تهدف إلى إقامة شراكة استراتيجية.
ولكن، لا تغشُّكَ اللهجة الغاضبة، ولا الشتائم ولا النبشْ في “الأميركي البشع”. غير فرحة البرهان على صحة الموقف، ثمّة غبطة داخلية عظيمة من هذا القرار. إنه يعطي نفحة شرعية إضافية للاحتلال الإيراني في سورية. بوجه روسيا بالخصوص، منافسة إيران الكبرى على هذا الاحتلال. ومن ظن أن قرار الجولان هو ضربة لإيران؟ تحت شعار تحرير الجولان، كما شعار تحرير فلسطين، ستُخاض لاحقاً معارك هوائية أخرى، ضد الأعداء، ضد الخصوم، ضد الحلفاء، ضد المنافسين.. لكل منهم “حصته”، “طريقته”، “دوره”. وله ما يدعمه بين “الأهل” والأحزاب الرديفة، يسارية ديمقراطية قومية دينية.. كل ما يشتهيه المرء من جرعاتٍ تعطي المعنى إلى اللامعنى، وتنفخ في بوق “الانتصارات”، من دون أن تنسى الغضب الدافئ، المطلوب، المجترّ.
وكما بعد كل هزيمة، يتعزَّز موقع الحاكم. في حرب حزيران 1967 التي قلبت الدنيا العربية
على نفسها، إذ كانت هزيمةً موصوفة، احتلت من بعدها الجولان، كما سيناء والضفة والقدس الشرقية وغزة. حافظ الأسد وقتها، قائد سورية، صعد من بعدها إلى الحكم، وأبّد حكمه. اليوم، “بعد اثنتين وخمسين سنة” على هذا الاحتلال الأول للجولان، لم تَعُد الجولان أرضا “محتلة”، بل أضحت أرضا “إسرائيلية”؛ ولا يحق بالتالي للسوريين المطالبة بها. كانت فرصة لإسرائيل، تطابقت مع حرب الولايات المتحدة على إيران.
قبل خطوة ترامب هذه، لم تتوقف الطائرات الإسرائيلية عن التحليق فوق سورية، وقصف أهدافها، من دون وازع. بلد ضائع، محتل، سائب، مدمَّر، مفلس، يختلف المتنافسون عليه، يمرّرون ضرباتهم فوق الطاولة وتحتها، لا حصانة فيه لسيادته، يغري إسرائيل حتماً ونزوعها التوسعية. أضف أن على رأسه وارث الاحتلال الأول الذي يقتل شعبه باسم التصدّي لهذا الاحتلال؛ يضمن بقاءه، بالاشتراك مع الاحتلالات الأخرى. ورث بشار أرضاً “محتلة”، من حقه أن يسترجعها. ومن إنجازات عهده الميمون، بعدما دمر سورية والسوريين، أنها أصبحت الآن “تحت السيادة الإسرائيلية”. جيل آخر سوف ينشأ، بعد ذلك، يحتاج، قبل البندقية، إلى مدقِّق لغوي تاريخي.
العربي الجديد
انتخابات تركيا: بوصلة الجولان/ عائشة كربات
معظم المواطنين الأتراك يجدون صعوبة في الإشارة إلى مكان مرتفعات الجولان على الخريطة. ومع ذلك، بينما يدلون بأصواتهم في الانتخابات المحلية الأحد 31 آذار/مارس، فإنهم سيأخذون هذه المنطقة المحتلة في الاعتبار. سوف يدرس الناخبون الأتراك الوضع في سوريا أيضاً. قد لا يكونون مدركين تماماً لهذا الأمر، ولكن تصويتهم لن يكون لمصالحهم فقط بل لجميع الناس في المنطقة.
سيتم فحص النتائج بعناية ليس فقط من قبل الحكومة التركية ولكن أيضاً من قبل روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. سيكون لتحليلهم تداعيات على سياساتهم الخارجية في ما يتعلق بالمنطقة.
وبالتالي، فإن الانتخابات المحلية في تركيا لا تتعلق فقط بجمع القمامة أو مشاكل المرور أو قضايا البنية التحتية، ولكنها ستكون بمثابة نوع من الثقة بالنظام الرئاسي الجديد في تركيا وسياسته الخارجية. لكن إذا سارت الانتخابات المحلية على هذا النحو، فمسؤوليتها تقع على عاتق حزب العدالة والتنمية الحاكم.
جادل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية قبيل دخول تركيا في الجو الانتخابي بأن أنقرة تواجه تهديداً وجودياً ومحاطة بالأعداء. فوز أي تحالف سياسي آخر يختلف عن تحالفهم، قد يؤدي إلى انهيار البلد. يقول تحالفهم إن الولايات المتحدة تدعم حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يُعتبر وفقاً للحكومة التركية مجرد امتداد لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفقاً لهذا الحلف بين العدالة والتنمية والحركة القومية، ليس فقط الوضع في سوريا هو ما يهدد تركيا، لكن التطورات البعيدة كانت أحياناً تشكل تهديداً أيضاً، مثل هجمات المساجد في نيوزيلاند، كما يظهر في بيان القاتل في إعلانه الذي طالب فيه الأتراك بمغادرة أوروبا. كان الإرهابي يستهدف أيضاً أردوغان، مما جعل الرئيس التركي يعرض بعض المقاطع المصورة المعدلة من الهجمات في حملته الانتخابية. جادل التحالف أيضاً بأن السبب وراء تدهور الوضع الاقتصادي هو الهجمات المالية لأعداء تركيا القوية. وفقاً لهذا التفسير ، فإن تركيا القوية هي العقبة الرئيسية أمام القوى الأجنبية التي ترغب في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وإبقاء العالم الإسلامي متخلفاً.
عندما غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الجولان وأعلن أن الولايات المتحدة ستعترف بالاحتلال، جاء أول ردة فعلٍ قاسٍ من أردوغان وخسرت الليرة التركية من قيمتها مقابل الدولار الأميركي. كانت هذه هي اللحظة التي فكّر فيها معظم المواطنين الأتراك بجدية في مرتفعات الجولان وتعلموا أهمية ذلك. وفقاً للخبراء، كانت هناك عدة أسباب لخسارة الليرة التركية من قيمتها وكان بيان الجولان واحداً من هذه الأسباب فقط.
لم يعجب المعارضة وبعض المواطنين الأتراك فقدان الليرة قيمتها، لكن أنصار حزب العدالة والتنمية أخبروهم أنه إذا تم إعطاء الجولان لإسرائيل اليوم، فقد يواجه الفرات غداً التهديد نفسه. حسب رأيهم فإن الطريقة الوحيدة لتجنب ذلك هي حكم حزب العدالة والتنمية. لقد جادلوا أيضاٌ بأن الناس الذين يريدون معاقبة العدالة والتنمية، لأسباب مثل الاقتصاد المتدهور والقيود المفروضة على الحريات، لا ينبغي لهم أن يقوموا بذلك في هذه الانتخابات بينما تتعرض تركيا والمنطقة للهجوم، ولكن أن ينتظروا فرصةً أخرى. وكان من بين من قاموا بهذا النداء وزير الداخلية سليمان صويلو.
جادلت المعارضة أيضاً بأن قرار الأميركي حول الجولان غير مقبول، لكن نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري جيفال تشيفيكوز، قال إنه إذا حدث هذا الآن، فالسبب هو الضعف في سياسات سوريا وتركيا الذي ساهم في ذلك.
وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تكون هذه الانتخابات المحلية مثيرة للاهتمام. معظم الخبراء يخمنون أن حزب العدالة والتنمية سيفقد بعض الأصوات ولكن لا أحد قادراً على تقدير النسبة المئوية. هل ستكون الخسارة كبيرة بما يكفي لجعل الحزب يغيّر خطابه بشأن العديد من القضايا بما في ذلك السياسة الخارجية، إذا كانت الإجابة بنعم، فما هو اتجاهه؟.
بالتأكيد سوف تبحث موسكو وواشنطن وبروكسل عن إجابة لهذا السؤال. لذا فإن النتائج الفورية للانتخابات المحلية ستقود التطورات في شرق الفرات وإدلب أكثر من المشاكل المرورية في المدن التركية.
لكن أمراً واحداً سيكون واضحاً جداً؛ إن مصير الناس في المنطقة متشابك أكثر من أي وقت مضى.
المدن
الجولان… «هدية مسمومة» من ترامب لنتنياهو!/ عماد شقور
لا مبرر للتفاجؤ. هذا هو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وهذه هي سياسة الرجل الذي يستهويه اتخاذ قرارات مثيرة، وبإخراج مسرحي استعراضي، تحطم كل ما توافقت الشرعية الدولية عليه.
كذلك: لا داعي للإنفعال. هذا القرار المتهور ليس أكثر من بيان لا يساوي، عمليا، قيمة الحبر الذي خُط به، من جهة. ولكنه في مقابل ذلك يفتح الباب واسعا الى إعادة تقييم كل السياسة السورية والعربية في التعامل مع إسرائيل واحتلالاتها لكامل فلسطين ولأراض عربية سورية ولبنانية، من جهة اخرى.
قبل توضيح الرأي حول هذه المسألة، أتوقف لاستعراض ما اعتقده سُلّم التقييم الإسرائيلي لأهمية الأراضي العربية المحيطة بإسرائيل، دون أن ننسى اطماع هذا الكيان الطارئ على المنطقة العربية، باراضي كل الدول المحيطة، من المحيط الى الخليج، وبدون اي استثناء، وبخيراتها اساسا.
يمكن لنا تسجيل درجات سّلم التقييم الإسرائيلي لاهمية كل واحدة من هذه المناطق على النحو التالي:
1ـ الضفة الغربية. (مع تفاوت في التركيز، يتناسب مع قرب هذا الموقع او ذاك عن مواقع استراتيجية إسرائيلية).
2ـ شبه جزيرة سيناء. (نظرا لأنها تمنح جيش الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي عمقا استراتيجيا في أي مواجهة عسكرية مع الدولة العربية الاكبر والاقوى).
4ـ مرتفعات الجولان السورية.
5ـ قطاع غزة.
6ـ جنوب لبنان.
7ـ اراضي الضفة الشرقية لنهر الأردن، في المملكة الاردنية الهاشمية. (ليس لاحتلالها واستعمارها، بل لطرد الفلسطينيين من وطنهم اليها).
انسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء المصرية، باتفاقية سلام مع مصر، رغم القناعة والايمان الإسرائيلي باهمة سيناء، والذي عبّرت عنه مقولة موشي ديان الشهيرة: «شرم الشيخ بدون سلام، خير من سلام بدون شرم الشيخ». لكن الانسحاب من هناك جاء بفضل حرب تشرين/اكتوبر.
كذلك انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، (باستثناء امتار محدودة). لكن ذلك الانسحاب تم ايضا بفعل وبفضل المقاومة اللبنانية البطولية، التي خاضها حزب الله على مدى أكثر من عقد ونصف العقد من السنين، وتمت في العام 2000.
ثم تلا ذلك «الانسحاب الملغوم» من قطاع غزة. (بفعل المقاومة الفلسطينية، ولحساب سياسات إسرائيلية استراتيجية لتمزيق وحدة الاراضي الفلسطينية التي وقعت تحت الاحتلال والاستعمار في حرب حزيران/يونيو سنة 1967).
نظرة متفحصة على هذه التطورات، تؤكد أن كل ارض تحتلها وتستعمرها إسرائيل قابلة للتحرر اذا قاوم الطرف المعني وقاتل وضحى لانجاز هدف التحرر ودحر العدو.
نعود هنا لـ«هدية» ترامب الى نتنياهو، التي تذكرنا بقول الزعيم العربي، جمال عبد الناصر: «لقد أعطى من لا يملك، لمن لا يستحق»، وذلك في رسالته الى الرئيس الأمريكي، جون كندي، في مطلع ستينيات القرن الماضي، في تقييمه وشرحه لوعد بلفور.
رأى نتنياهو في هذه الهدية «الانتخابية»، ما يجعل ترامب في نظر اليهود، (كما جاء في نص كلمة نتنياهو في البيت الابيض، مساء الاثنين الماضي)، في مصافّ الملك الفارسي، قورش، (الذي سمح لليهود بالعودة الى بعض اجزاء فلسطين، بعد السبي البابلي، الذي نفذه الامبراطور الكلداني البابلي، نبوخذ نصر)، وفي مصافّ بلفور، (وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور، صاحب الوعد البريطاني باقامة «وطن قومي» لليهود في فلسطين).
لكن، ورغم تسابق الاحزاب الإسرائيلية، من اقصى اليمين العنصري المتطرف، الى اقصى احزاب الوسط (!)، (بالمقاييس الصهيونية العنصرية طبعا)، في التهليل والترحيب بهذه الهدية الأمريكية، فإن الغالبية العظمى من الكتاب والصحافيين الإسرائيليين ذاتهم، لم ترَ في خطوة و«مسرحية» ترامب هذه، الا مجرد خدعة اعلان انتخابي لا يقدم ولا يؤخر شيئاً على ارض الواقع.
قلت في البداية إنه لا مبرر للتفاجؤ، ولا داعي للإنفعال، بمعنى ان لا لزوم ولا مبرر للّطم والنُّواح. لكن هذه الخطوة السخيفة الأمريكية الإسرائيلية، تعطي كل قومي عربي، وكل وطني سوري خاصة، مبررا ودافعا قويا للفرح والإنفعال والتفاؤل بقرب يقظة سورية من سبات طويل طويل طويل، غطى عقودا عديدة، يقظة من نسيان او تناسي حقيقة ثابتة ومؤكدة، اكّدتها واوضحتها واختصرتها كلمات شعار: «ما أُخذ بالقوة، لا يُسترد بغير القوة». ولا يجوز للعرب عموما، ولا يجوز لشعب ولشباب سوريا وجيشها بشكل خاص، الوقوع ضحية لخدعة التستر وراء مقولة «موازين القوى»، واختلالها حاليا لمصلحة إسرائيل.
قانون وقاعدة ومبدأ مقولة الانتظار في العمل على كنس جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي من هضبة الجولان السورية، الى حين تعديل «موازين القوى» ليس اكثر من خدعة إسرائيلية، لا اكثر ولا اقل. ولا ضرورة ولا مبرر،على الاطلاق، لانتظار ظرف لا نرى اشارات على اقترابه، ولا نعتقد بامكانية حصوله في مستقبل منظور. لكن من قال إن قنبلة ذرية إسرائيلية تهدد الجولان؟
إن القاءها يعني تدمير نصف إسرائيل على الاقل. كل غواصات إسرائيل وطائراتها لا تهدد الجولان السوري. ما مكَّن ويمكِّن إسرائيل من استمرار احتلالها واستعمارها للهضبة السورية، ليس الا عامل واحد وحيد فقط، هو استنكاف النظام السوري في عهد الرئيس الراحل، حافظ الأسد، واستمراره في عهد ابنه، الرئيس السوري الحالي، بشار الأسد، عن اطلاق يد المقاومين والفدائيين السوريين والعرب، والفلسطينيين بشكل خاص، منذ ما قبل عقود، ومنذ السنة الاولى المشؤومة لاحتلال الجولان، من تدفيع إسرائيل وجيشها ثمن مواصلة احتلالها واستعمارها.
جاءت مبادرة الرئيس الأمريكي الأهوج بتقديم الجولان السوري هدية لرئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية العنصرية، لتعيد لحظة وزمن ضرورة إعادة النظر في السياسة السورية تجاه اطلاق يد الفدائيين والمقاومة لتحرير الجولان واستعادته وتأكيد سلامة اراضي الوطن السوري.
أصاب الكاتب الصحافي الإسرائيلي المعروف، بن كسبيت، الذي لم يتفاجأ بهدية الانتخابات التي قدمها ترامب لنتنياهو، عندما كتب ساخرا في جريدة «معاريف» الإسرائيلية، غداة اعلان ترامب عن اعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية، بضرورة أن لا نتفاجأ فيما « لو أعلن ترامب عن اعتناقه اليهودية.. في بث حي ومباشر، وعن قراره منح غرين كارد أمريكي لكل إسرائيلي يصوت لصالح حزب الليكود».
أصاب كذلك المخرج الإسرائيلي، ليفي زيني، مخرج الحلقات التلفزيونية الثلاث عن مناحيم بيغن، تحت عنوان «ايام بيغن»، والتي تم بث الحلقة الاولى منها ليلة امس، عندما قال: «تتم حتى الآن في الاساس، محاولات تمديد مناحيم بيغن على سرير الفحص لدى طبيب الأمراض النفسية، بسبب احتمال اصابته بمرض هَوَس الاكتئاب، وأنا اعتقد أنه يجب تمديد المجتمع الإسرائيلي على سرير الفحص لدى ذلك الطبيب»، هذا مجتمع موبوء، يتقن لغة القوة، ولا يفهم غير لغة القوة.
اعتراف أمريكا بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة، هي هدية مسمومة لإسرائيل، وهي مبرر ودافع لانطلاق ولإطلاق عمل سوري وعربي لتحريره. والنتائج مضمونة. عودوا إلى التجربة الجزائرية. عودوا الى التجربة الفيتنامية. بل وعودوا الى تجربة ودروس حزب الله في جنوب لبنان.
كاتب فلسطيني
القدس العربي
تطاول ترامب ووقاحة بومبيو والخنوع العربي/ فايز رشيد
يعتقد الرئيس وتاجر العقارات الأمريكي الرئيس دونالد ترامب، أنه يستطيع التحكم بالعالم، كما يمتلك الوطن العربي، فيقوم بتوزيع أراضيه وفق ما يشاء، ويعلن قرار اعتراف الولايات المتحدة، بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان العربية السورية المحتلة، معتبرا أنها ذات أهمية استراتيجية للأمن الإسرائيلي، تماما كما منح من قبل، مدينة القدس العربية الفلسطينية لها، في قراءة بل تزييف واضح للتاريخ والوقائع، متجاهلا ردود فعل الشعوب العربية والإسلامية، وغير عابئ بحكوماتها، التي لم يتخذ بعضها سوى بيانات شجب واستنكار ملّ منها المواطن العربي، والتي قال عنها نتنياهو، بأن مصيرها هو وضعها في سلّة المهملات.
يأتي القراران الأمريكيان حول القدس والجولان، وسط الرفض الإسرائيلي المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني والحقوق العربية في أراضي الدول المحتلة، وحتى لما سُمّي بـ»مبادرة السلام العربية» التي اقترحتها قمة بيروت عام 2002، ومعادلة «الأرض مقابل السلام» والإصرار على المعادلة الأخرى «السلام مقابل السلام». رغم كلّ ذلك، يجري التطبيع المجاني بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
كما أن نتنياهو أعلن منذ فترة قريبة، وفقا لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أنه يتباهى بـ»إقامة علاقات سياسية مع ست دول عربية وإسلامية، كانت معادية لإسرائيل إلى وقت قريب، وبعض هذه العلاقات ما زالت في طور السريّة، وتعدّ من الدول المهمة». يلجأ مسؤولو الإدارات الأمريكية المتصهينة إلى الارتكاز على المقولات الدينية لتسويغ سياساتهم، فمثلا قال وزیر الخارجیة الأمريكي بومبيو مؤخرا: «إنني أعتقد أن الله أرسل الرئیس الأمريكي ترامب من اجل إنقاذ إسرائیل من إیران»، أثارت التصریحات ردود فعل عدیدة، لأنھا تثبت أن الإدارة الأمريكیة تدیر سیاساتھا بشكل یقترب من الإلهام الإلهي، وإشارات آخر الزمان، بما یفسّر وقوف ھذه المدرسة إلى جانب الإسرائیلیین في اعتداءاتهم وجرائمهم، ذلك فوق القداسة الزائفة التي یمنحھا الوزیر للرئیس، وھي القداسة ذاتها التي حاول الرئیس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن إضفاءها على نفسه حین صرح ذات مرة: أن الله یتحدث الیه مباشرة ویكلفّه بمھمات مختلفة. أيضا، فإن بومبيو أظهر وقاحة وعنجهية كبيرتين، أثناء زيارته مؤخرا إلى لبنان حين تدخّل بشكل فظ ّ في الشؤون الداخلية اللبنانية، لكن اللبنانيين الذين اكتووا بنيران الفتن الأمريكية والإسرائيلية، التي تمثلت في حرب أهلية استمرت أكثر من 15 عاما في سبعينيات القرن الماضي، أظهروا درجة عالية من الوعي، ولذلك أفشلوا مهمة بومبيو الملغومة، واستطاعوا المحافظة على نوع من الوحدة الوطنية.
فعندما تدّعي إسرائيل أن المربّع التاسع في البحر المتوسط الغني بالنفط والغاز هو ملكها، وترفض السماح لشركات التنقيب التي تعاقدت معها الحكومة اللبنانية ومنحتها امتيازات، وتستمر في احتلالها لمزارع شبعا، فإن هذا استفزاز يجعل اللبنانيين يلتفون حول جيشهم، وحركات مقاومتهم لحماية المصالح والثّروات اللبنانيّة، وتحرير ما تبقّى من أراضيهم تحت الاحتلال.
معروف تأثير الإنجيليين الأمريكيين على الإدارات الأمريكية، وبخاصة الإدارة الحالية، ويسمونهم في الولايات المتحدة بالتيار الصهيومسيحي، وهم من أهم مؤيدي إسرائيل فيها. إنهم يدعمونها أكثر من يهود أمريكا، الذين يعدّون 6 ملايين، من 14 مليونا من اليهود ينتشرون في مختلف أنحاء العالم. الإنجيليون هم، وكما وصفهم سفير إسرائيل في واشنطن رون ديرمر، بأنهم دعامة إسرائيل الأمريكية. ووفقا لمجلة «ديلي بيست» فإن بنيامين نتنياهو لا يعول كثيرا على الطائفة اليهودية الأمريكية من أجل استغلالها في التأثير على حكومة ترامب، لاسيما أنه لم يصوت للملياردير الأمريكي سوى 18% فقط من اليهود الأمريكيين خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بل على الإنجيليين بشكل رئيسي. لقد جوبهت خطوة ترامب الاستفزازية، برفض غالبية دول العالم لها، بما فيها الاتحاد الأوروبي، كما الأمم المتحدة وغيرها. ولقد أعلن الاتحاد الأوروبي عدم تغير موقفه الرافض للاعتراف بأي سيادة لإسرائيل على الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها هضبة الجولان.
وأعلنت وزارة الخارجية البريطانية أنها ترفض الاعتراف بضم إسرائيل مرتفعات الجولان، وشددت في بيانها، على أن القانون الدولي يحظر ضمّ الأراضي باستخدام القوة. ووصف وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الخطوة الأمريكية بــ «الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، وأضاف لافروف في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو: أن هذا الاعتراف يعرقل تسوية الأزمة السورية، ويعقّد الأوضاع في الشرق الأوسط. كما أعلنت كندا أيضا رفضها للقرار. كما ان كثيرا من المراقبين والمحللين السياسيين رأوا في قرار ترامب، أنه سيزيد من عزلة الولايات المتحدة عالميا. حتى بعض الصحف الإسرائيلية كـ»يديعوت أحرونوت»، ففي مقالها المعنون بـ»السكان رسموا حدود الجولان»، توصلت إلى نتيجة: بأن قانون ضم الجولان، كما هو أيضا الاعتراف الأمريكي، لا توجد لهما قيمة من ناحية القانون الدولي. نعم ، الولايات المتحدة التي غزت العراق بهدف المحافظة على القوانين والاعراف الدولية، وقد ثبت زيف ادعاءاتها بخلّوه من أسلحة الدمار الشامل، هي التي تخرق هذه القوانين والشرائع، وقد تبين أنها اجتاحت هذا البلد العربي العريق تاريخا ووجودا وحضارةً، وساهمت ولا تزال في تدمير سوريا، بهدف الحفاظ على الأمن الاسرائيلي.
أما عالمنا العربي، فللأسف يغرق نظامه الرسمي في حروبه البينية، واعتداءاته على بعض الدول، مثلما يجري في اليمن، الذي دخل منذ يومين السنة الخامسة من الحرب، رغم التشدّق والمكابرة والادّعاء بالأخوّة العربية والإسلامية، التي ثبت بالملموس انها مجرد شعارات إن لم تكن أساطير! تُرفع في المناسبات وعلى شاشات الفضائيات، فيما على الارض يقوم أصحابها بنسفها وتحويلها الى قنابل وقذائف تفتك بالأبرياء والمدنيين. قرارات إسرائيل وحليفها الأمريكي في واد، والنظام الرسمي العربي في واد آخر. يريدون إيصال المواطن العربي المغلوب على امره إلى حالة من اليأس واللاجدوى، وجعلوه رهينة من أجل السعي لتحصيل قوت يومه، ورغم كل ذلك، ما زال يقاوم. لا يختلف اثنان على انه مَن جاء بأسوأ الكوارث للشعب الفلسطيني بعد النكبة التي حلّت به عام 1948، كما الشعوب العربية هي السياسات الحمقاء للنظام الرسمي العربي، فلم يُسقط فحسب القضية العربية الأولى من أجندته وهي القضية الفلسطينية، وما يستتبع ذلك من حقيقة ثانية، وهي أن أسباب كل إشكاليات الوطن العربي هي إسرائيل، وحقيقة ثالثة، أن الولايات المتحدة لن تكون يوما مساندة إلا لها، ولا تعبأ بعلاقتها العربية إلا من زاوبة خدمة أمن حليفتها الاستراتيجية الأولى، وأن ما هو مهم بالنسبة لواشنطن هو نهب الثروات العربية، واستعمال الأسواق العربية مجالا لتصريف البضائع الأمريكية، وإيجاد قبول عربي لهذه الدولة بكل ما تقترفه من مذابح وموبقات بحق الفلسطينيين والأمة العربية.
أما الحقيقة الرابعة فهي أن النظام الرسمي العربي وبدلا من مجابهة إسرائيل، فهو يقع في حبائل المخططات الإسرائيلية والأمريكية، الطامحة إلى وجود تحالف عربي ـ إسرائيلي، لإظهار أن الصراع الأساسي في المنطقة، ليست إسرائيل سببه، وإنما جهات إقليمية ودولية أخرى. إننا لا ننكر بالطبع نظرية المؤامرة، والمخططات الإسرائيلية والأمريكية والغربية والإقليمية .ناهيك عما يستعِدّ له «كوشنَر وشُركاه» من إلحاق كوارث جديدة بالأمة العربية، من خلال محاولات تطبيق «صفقة القرن» وشبيهاتها، وإلحاق كوارث جيوسياسية وديموغرافية جديدة بالوطن العربي. ندرك تماما أن هذه المرحلة ليست مرحلة رفع شعار الوحدة العربية ولا حتى التنسيق العربي، ولكن فلتدافع الأنظمة العربية في أقلّ الحالات عن مصالح دولها، وذلك أضعف الإيمان! لكن، ولا حتى هذا، متوفر وبالفعل، صدق المثل العربي القائل: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض! إنه زمن الهوان العربي.
كاتب فلسطيني
القدس العربي
إسرائيل بخدمة إيران والنظام.. تلازم القضيتين السورية والفلسطينية/ منير الربيع
في الأشهر الأولى لاندلاع الثورة السورية، خرج رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وابن خال رئيس النظام بشار الأسد بتصريح ملفت، بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا. كانت الرسالة السورية واضحة، وكاشفة لمسار طويل من العلاقات السورية الإسرائيلية منذ تولي حافظ الأسد الرئاسة السورية. تلقّف الإسرائيليون الرسالة السورية بالترحاب، فاجتمعت مؤامرة النظام مع المؤامرة الدولية الإسرائيلية، على الشعب السوري وثورته، بخلاف كل الشعارات البائدة التي استخدمها النظام لتبريره ضرب الحراك الثوري، واصفاً المعارضين والمتظاهرين والثوار بأنهم جزء من مؤامرة كبيرة.
ردّ الإسرائيليون التحايا لأركان النظام السوري على تسليفات مديدة طوال سنوات عديدة. عملت اللوبيات الإسرائيلية في العالم كله، على إشاعة أجواء بأن الأسد هو أفضل الممكن، وبقاء نظام سوري يحسن العلاقة مع الإسرائيليين، ولا يزعجهم، وقد تنازل عن الجولان منذ عقود من دون أي ردّ فعل، هو أفضل من مجيء نظام جديد غير قادر على الانضباط، وهكذا ولدت فكرة تخيير الناس داخل سوريا وخارجها، إما النظام أو داعش كبديل عنه. فعمم مفهوم التوحش في الصراع من قبل الطرفين، أي النظام وداعش وأخواته على تخويف السوريين وكل شعوب المنطقة بأن أي تحرك سيجابه بمصير ممثال، ما يدفع الشعوب إلى الخنوع وعدم الخروج في تظاهرات للمطالبة بحقوقها وتحقيق طموحاتها.
لم يتوان الإسرائيليون يوماً عن إسداء الخدمات للنظام السوري، وقد ترافق ذلك مع الاجتياح الإيراني لسوريا، والذي حقق ما عجز الإسرائيليون عن تحقيقه على مدى ستين سنة. فإذا ما كانت التربية العربية تخرّج أجيالاً ترتكز على أن الهدف الإسرائيلي في المنطقة بتأمين استمراريته وتأبيد وجوده على أرض فلسطين المحتلة، ينطلق من القدرة على تفكيك وتفتيتها، فهذا ما نجح الإيرانيون بتحقيقه على الأرض السورية، عبر تمزيق الجغرافيا السورية، وتحويلها إلى جزر ومقاطعات منعزلة، وفق النظرة الإسرائيلية المرجوة وتتجلى بتحالف الأقليات وضرب الأكثرية.
أصبحت سورية مجموعة دويلات خاضعة لسيطرات عسكرية خارجية، الدخول الإيراني في الشام ومحيطها وحمص وصولاً إلى حدود العراق، فأصبحت هذه المنطقة منطقة النفوذ الإيراني، مقابل السيطرة الروسية على الساحل السوري، والدخول التركي إلى الشمال السوري، بينما الأميركيون اقتطعوا جزءاً في شمال شرق سوريا بالإضافة إلى مناطق إدارة ذاتية للاكراد، وتهجير السنّة من حواضرهم الجغرافية وحصرهم في إدلب. عمليات التهجير والفرز البشري والديمغرافي، كان حلماً إسرائيلياً قد تحقق. وأبرز الدلائل على تحققه يتمثّل باستخدام جزء من الجغرافيا السورية في سياق الحملات الانتخابية الإسرائيلية، التي استدعى بموجبها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتقديم الدعم إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان.
واللافت أن الخطوة تأتي بعد انخفاض منسوب المعارك في سوريا، ووضع الحرب أوزارها، بما يتناقض مع طروحات عديدة قدّمها حزب الله في سياق مسوغات مشاركته بالحرب السورية، معتبراً أنها معارك على طريق القدس، وواضعاً معادلة مفادها أن طريق القدس تمرّ في حلب والزبداني والقصير وغيرها من المناطق، بينما قد لا تمرّ هذه الطريق في الجولان. وبالتأكيد لن يعلن النفير العام لتحرير الجولان ما بعد الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية عليه، كما أعلن النفير لاقتحام القصير واحتلال حلب وتهجير الزبداني ومضايا.
وإذا ما كان الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، يهدف إلى طي صفحة الثورة السورية، وإعادة تعويم نظرية النظام وخطابه الشعبوي الذي ارتكز عليه لأربعين سنة، بأنه نظام المقاومة والممانعة، فإن اللحظة اليوم سانحة لإعادة تجديد حراك الثورة السورية وتصويب شعاراتها، بالضرب على العلاقة الاستراتيجية الإسرائيلية بالنظام السوري، والتي لم تتجلّ فقط في تصريحات لمسؤولين إسرائيليين بأن خيار بقاء الأسد هو المفضل لدى إسرائيل، إنما تتجلى في سياقات سياسية واستراتيجية، يمثّل الجولان أحد رمزياتها. الخطوة الأميركية المتزامنة مع ادعاءات بالمساعي لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وإخراج حزب الله، تؤشر إلى واجب عدم الوثوق بالأميركيين والرهان على أي دور قد يلعبوه لإخراج إيران من سوريا، ولو أرادوا ذلك فعلاً لما سمحوا للقوات الإيرانية والمتحالفة معها الدخول أساساً، بينما كل السياسات الأميركية والإسرائيلية تأتي في إطار إسداء الخدمات لإعادة تعويم النظام، ولتعزيز الخطاب الإيراني الذي سيجد ذرائع جديدة لتبرير بقائه في سوريا، على رأسها تحرير الجولان.
واجب الثورة السورية اليوم، العودة إلى الحراك السلمي، المرتكز على حماية الأرض من أي مغتصب، عبر تعزيز الخطاب الوطني العربي، تمسكاً بالجولان قبل أي منطقة أخرى، وحرصا على القضية الفلسطينية وفي مواجهة صفقة القرن، التي سيؤدي تحقيقها إلى المزيد من الشرذمة السورية، خصوصاً أن عملية الترسيم والتحديد التي شهدتها الجغرافيا السورية كانت جزءاً ممهداً للإطباق على القضية الفلسطينية، وتمهيداً لإنجاز صفقة القرن. الفرصة سانحة اليوم لإعادة إحياء مطالب الشعب العربي، من المحيط إلى الخليج، على قضية أساسية عنوانها يتلازم ما بين القضية السورية والقضية الفلسطينية.
تلفزين سوريا
بين استعادة الجولان واحتلال لبنان/ عبد الرحمن الراشد
ذات مرة اتصل رجل أعمال يهودي أميركي، قريب من الحكومة الإسرائيلية، بالرئيس الراحل حافظ الأسد، وعرض عليه التوسط، ويروي أن الرد جاءه جافاً: «قولوا له لا يأتينا إلا ومعه خريطة الانسحاب». وفي التسعينات قُدم عرضان لدمشق في عهد الأب الراحل، أحدهما فعلياً قريب جداً من توقعات سوريا بالانسحاب من معظم الهضبة مع تعديلات هنا وهناك لصالح الطرفين، ورُفض العرض الذي سمي «خلاف العشرة أمتار»، وعاد الوسطاء في عام 2000 مع تولي بشار الأسد الحكم، فكانت جولة وانتهت.
الرئيس المصري الراحل أنور السادات كافح كل محاولات التثبيط المصرية والإسرائيلية التي سعت لوقفه، حتى إنه في مفاوضات كامب ديفيد جاءه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، معتذراً عن تصرفات الجانب الإسرائيلي الذي قرر في الساعات الأخيرة أن يضيف شرطاً يحدّ من عدد الدبابات المصرية على الأرض المصرية، سيناء، بعد استعادتها. فاجأه السادات بالقول «موافق» فوراً دون أن يساومه على العدد، قال: «أنا عارف هم يخططون لإفشال الاتفاق والاحتفاظ بسيناء». وبعد ثلاثة عقود كانت إسرائيل هي التي تطالب مصر بإدخال الأسلحة الثقيلة في سيناء لحفظ الأمن ضد الجماعات الإرهابية، فأدخلت مصر في عام 2011 في المنطقة المنزوعة السلاح ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي ومروحيات هجومية وثمانين مدرعة وأربعين دبابة…
لا أظن أبداً أنه كانت هناك رغبة سورية في عقد أي صفقة تعيد الجولان المحتلة، ليس لأن القيادة السورية الراحلة والحالية متآمرة وترفض استرداد الهضبة الاستراتيجية، فهذا خارج المعقول ومن تخاريف نظرية المؤامرة التي تزعم أن هناك صفقة أُبرمت لبيع الجولان بعد اتفاق فك الاشتباك الذي هندسه وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر. الأقرب في تفسير الاستكانة السورية أن استعادة الجولان لها أثمان أغلى سياسياً. فقد احتلت سوريا لبنان لعشرين عاماً، ومات دونه مئات وربما آلاف الجنود السوريين، في حين أنها لم تضحِّ بعسكري واحد في الجولان منذ توقيع فك الاشتباك مع إسرائيل في عام 1974. إنه ما كان يمكن لسوريا أن تحظى بالجائزتين، لبنان والجولان معاً. اختارت الهيمنة على لبنان، واعتبرت الجولان محتلة وستعود أو تعاد يوماً ما.
وظل الاحتلال الإسرائيلي ذريعة «شرعية» لدوام الحرب واحتلال لبنان، ولاحقاً تبنت الحجة نفسها إيران. وقد يتساءل أحدنا: ما النتائج المرجوّة من التأجيل الطويل، خصوصاً أننا نرى مع الوقت تغير الديموغرافيا وحتى الجغرافيا؟ ففي مفاوضات «العشرة أمتار» كان واحد من أغرب الخلافات هو على حدود بحيرة طبريا، التي يطل عليها الجانبان. فقد قدمت إسرائيل خرائط مختلفة عن القديمة بحجة أن مياه البحيرة مع التبخر نقصت وتغيرت حدودها.
بالنسبة إلى تل أبيب اليوم تتذرع بوجود الإيرانيين الهائل على الأراضي السورية إلى درجة أنه شبه احتلال، وتعده تهديداً وحجة لضم الجولان لضمان أمنها. والرئيس الأميركي وبقية السياسيين من نواب يعدّون أن احتلالاً دام نصف قرن صار واقعاً يجيز الاعتراف به، خصوصاً أن أهل الأرض لم يفعلوا شيئاً لتحريرها. ومع هذا، فإن الاعتراف الأميركي بالجولان يظل بلا شرعية إلا في حال تغيرت الخريطة السورية مستقبلاً إلى الأسوأ وقُسمت إلى دويلات، بسبب الأطماع الإيرانية التركية، أو في حال الإصرار على دولة مركزية ضعيفة، هنا يصبح الاعتراف الأميركي بالجولان له قيمة حقيقية.
الشرق الأوسط
عندما سقط العرب في فخّ حافظ الأسد/ خيرالله خيرالله
عشية مرور الذكرى الأربعين لتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في السادس والعشرين من آذار – مارس 1979، اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإعلان عن اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتلّ. ليست تلك المفارقة سوى دليل على أنّ هناك من استغلّ حرب تشرين الأول – أكتوبر في العام 1973 من أجل استعادة أرضه، وهناك من استغلّ الحرب لتحقيق انتصارات على شعبه في سوريا وعلى لبنان واللبنانيين وعلى الفلسطينيين.
كانت نتيجة تركيز النظام السوري على الاستيلاء على لبنان وعلى التحكّم بالقرار الفلسطيني الاعتراف الأميركي بما تريده إسرائيل، أي بأن الجولان أرض إسرائيلية وجزء لا يتجزّأ من الدفاع عن أمنها، بل إن أمن إسرائيل مرتبط بوجودها الدائم في الجولان.
صارت المعاهدة المصرية – الإسرائيلية للعام 1979 أمرا واقعا بعدما قرّر أنور السادات الذهاب للقدس في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1977 حيث ألقى خطابا أمام الكنيست قال فيه “جئت إليكم حاملا سلام الشجعان، لا سلام المغلوب على أمرهم”. غيّر أنور السادات التوازن القائم في الشرق الأوسط كلّه. دفع غاليا ثمن ما فعله عندما اغتيل في العام 1981. لكنّ الأكيد، بغض النظر عن أي تقييم للرجل، أن العرب الآخرين لم يلتقطوا معنى خروج الدول العربية الأكبر من الصراع مع إسرائيل والنتائج التي ستترتب على ذلك. بكلام أوضح، لم يكن هناك فهم عربي لمعنى ذهاب أنور السادات إلى القدس من دون الخوض بإيجابيات مثل هذه الخطوة أو سلبياتها. تعاطى معظم العرب، وقتذاك، مع الأمر من دون أيّ فهم أو استيعاب لأبعاده.
فرض السادات في نهاية المطاف أمرا واقعا كان لا بدّ من التعاطي معه بطريقة عملية بعيدا عن أي نوع من الرومانسية والكلام المضحك- المبكي عن شقّ صف العربي. حسنا، شقّ السادات الصفّ العربي. ثمّ ماذا؟ ما نفع البكاء على الأطلال والسعي إلى عزل مصر، اللهمّ إلا إذا كان المطلوب التضامن مع حافظ الأسد، وزير الدفاع السوري في العام 1967 من أجل استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة إلى ما لا نهاية.
المؤسف أن من فهم، بين العرب، معنى خروج مصر لم يستطع أن يفعل شيئا في ظلّ تهديدات البعثيْن السوري والعراقي اللذين اتفقا فجأة على عزل مصر، على الرغم من أنّه لم يكن هناك ما يجمع بينهما. ما يدفعه العرب اليوم هو ثمن عزل مصر بسبب توقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل. عُزلت مصر ونقل مقرّ جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس. هل ساهم ذلك في تحرير شبر من فلسطين أو من الأراضي العربية الأخرى المحتلّة، في مقدّمها الجولان؟
لم يوجد من يسأل في العام 1977، عندما زار الرئيس المصري القدس، هل كان أمام أنور السادات خيار آخر غير الذهاب إلى النهاية في السلام مع إسرائيل؟ أخذ معمّر القذّافي وحافظ الأسد المبادرة وجرّا الجزائر واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية، المغلوب على أمرهم، إلى إنشاء “جبهة الصمود والتصدّي” التي سرعان ما انضم إليها العراق الذي تصرّف بمقدار كبير من الحذر في البداية، قبل أن يضع نفسه في خدمة النظام السوري. ليس معروفا إلى يومنا من أخذ العراق إلى موقع حليف النظام السوري في وقت كان عليه أن يترك حافظ الأسد يتدبّر أموره مع أنور السادات الذي خاض معه “حرب تشرين” باللغة السياسية السورية، و”حرب أكتوبر” باللغة السياسية المصرية.
يتبيّن مع مرور كلّ هذه السنوات أنّ الرئيس المصري وجد نفسه وقتذاك في وضع لا يحسد عليه. أكثر من ذلك، لم يكن في استطاعة أيّ طرف عربي مساعدة مصر التي واجهت في مطلع العام 1977 أزمة اقتصادية خانقة أدت بين ما أدّت إليه إلى اضطرابات داخلية كان لا بدّ من الاستعانة بالجيش لاحتوائها. بين عقل عملي يهمّه إنقاذ مصر، هو عقل أنور السادات، وعقل عملي من نوع آخر، هو عقل حافظ الأسد، يهمه استمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة، اختار العرب في ظلّ التهديد والابتزاز، الخضوع للبعثين السوري والعراقي، أي إلى عقل حافظ الأسد. سقطوا بكلّ بساطة ضحيّة هذا العقل الذي لم يرد في يوم من الأيّام استعادة الجولان، بل المتاجرة به.
ما نشهده اليوم هو السقوط العربي في فخّ حافظ الأسد الذي عرف وقتذاك كيف يتلاعب بمعمّر القذّافي وهواري بومدين وتهديد ياسر عرفات، في وقت كان اليمن الجنوبي مجرّد أداة سوفياتية. ليس معروفا إلى الآن كيف سقط أحمد حسن البكر وصدّام حسين في أحضان حافظ الأسد وسارا في لعبته، بدل طرح سؤال في غاية البساطة. هذا السؤال هو لماذا كانت حرب 1973؟ هل كان هناك من يعتقد أن حرب “تشرين” أو “أكتوبر” ستؤدي إلى تحرير فلسطين؟
عرف السادات توظيف نتائج الحرب في اتجاه معيّن، في حين وظّفها النظام السوري الذي ما لبث أن عوّض حلفه السابق مع مصر بحلف جديد مع إيران من جهة وإحكام سيطرته على لبنان من جهة أخرى…
أخذت إيران المنطقة إلى مكان آخر لا مستفيد، إلى إشعار آخر، منه سوى اليمين الإسرائيلي
يكشف الموقف الأميركي القاضي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان انحيازا فاضحا إلى اليمين الإسرائيلي الذي يراهن على خلق أمر واقع جديد على الأرض. يبدو الحليف الأوّل لهذا اليمين الإسرائيلي المشروع التوسّعي الإيراني. جعل هذا المشروع الإيراني الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية يتراجع إلى حد كبير، خصوصا في ظلّ سقوط العراق، وما حدث ولا يزال يحدث في سوريا، إضافة بالطبع إلى التغيير الكبير لموازين القوى في لبنان وما آلت إليه الأوضاع في اليمن.
ما لا يمكن تجاهله في التبرير الأميركي للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان هو الإشارة إلى الخطر الإيراني على إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية. أخذت إيران المنطقة إلى مكان آخر لا مستفيد منه، إلى إشعار آخر، سوى اليمين الإسرائيلي الذي تدعمه إدارة أميركية لا تعير أيّ قيمة للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
بعد أربعين عاما على توقيع المعاهدة المصرية – الإسرائيلية في مثل هذه الأيّام من العام 1979، يتبيّن كيف سقط العرب ضحيّة الفخ الذي نصبه لهم حافظ الأسد. كان الفلسطينيون الضحيّة الأولى لهذا السقوط. فلدى توقيع اتفاقي كامب ديفيد في أيلول – سبتمبر 1978، كان أحد هذين الاتفاقين مخصصا للفلسطينيين، في وقت كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية محدودا وليسوا بمئات الآلاف كما الحال الآن.
أما سوريا، فهي تدفع ثمن أخذها إلى الأحضان الإيرانية بعيدا عن مصر. سقط حافظ الأسد ضحية اعتقاده أن في استطاعته أن يمارس مع إيران اللعبة التي مارسها مع العرب الآخرين. الفارق بينه وبين أنور السادات أنّ الرئيس المصري الراحل كان مهتمّا بمصر واستعادة الأراضي المصرية المحتلة في 1967، في حين كان همّ الأسد الأب تكريس الهدوء في الجولان المحتلّ والانصراف إلى تحقيق انتصار على لبنان وعلى الفلسطينيين…
إعلامي لبناني
العرب
الجولان: الجرح الذي ما زال يوحّد السوريين/ منير شحود
ملامح نتنياهو، وهو يعقِّب على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بـ “سيادة إسرائيل” على الجولان السوري المحتل عام 1967، كانت تشي بفرح “تاريخي” عامر، وربما لم تضاهِها حتى ملامح اللورد ليونيل روتشيلد، حين تلقى رسالة وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، المتضمّنة وعدًا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وها هو الرئيس ترامب، في أقلّ من عام، يقدّم الهدية الثانية إلى “إسرائيل”، بعد قراره السابق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، مع ما يعنيه ذلك من الاعتراف بها كعاصمةٍ للدولة العبرية.
لم يوفّر نتنياهو، وهو الملاحَق باتهامات الفساد وسوء استخدام السلطة، هذه اللحظة التاريخية، وسيحمل الهدية الجديدة إلى الانتخابات المقررة في الشهر المقبل، علّها تسعفه في الفوز مرةً أخرى. وككل سياسي يدافع عن مصلحة بلده، سينسى نتنياهو همومه الشخصية، فالقانون هو القانون ولا خلاف عليه، أما مسألة الذين شرّدهم كيانه، وما زالوا يفترشون شتات الغربة حتى الآن، فأمرٌ آخر بالطبع، ويكاد يطويه التاريخ.
لم تتوقف “إسرائيل” منذ إعلانها ضمّ الجولان من طرفٍ واحد عام 1981، عن محاولة إقناع الآخرين بالاعتراف بقرارها هذا، ولم تفلح في ذلك، حتى إنّ إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان اليمينية رفضت الاعتراف بقرار الضمّ الإسرائيلي عام 1983. لكن “إسرائيل” استغلت الحال السورية المزرية في السنوات الأخيرة، للدفع في هذا الاتجاه مع حليفتيها القويتين في الساحة السورية: الولايات المتحدة وروسيا، وكان موضوع ضمّ الجولان حاضرًا، كبندٍ ثابت على هامش محادثات “إسرائيل” مع هاتين الدولتين، في هذه المرحلة، كما كانت تشير الأنباء من حينٍ إلى آخر.
مع ذلك، ليس ثمة ما يبرّر هذه السقطة المدويّة لرئيسٍ اختارته الديمقراطية الأميركية العريقة، وقد وصل الأمر بوزير خارجيته مايك بومبيو، إلى درجة الحديث عن أنّ “الربّ أرسل ترامب لحماية إسرائيل من إيران”، في استحضار للحظة تاريخية جديدة من الوئام اليهودي – المسيحي، وفي أجواء تخيّم عليها نشوة التفوّق والانتصارات، فضلًا عما ينجم عن هذا القرار الأميركي من نفخٍ في نار منظومة “المقاومة والممانعة” الخامدة، لتطلق مزيدًا من نيرانها الخلّبية على الأعداء.
تقلب هذه الخطوة الأميركية المعايير التي بُنيت عليها السياسات الدولية، بعد الحرب العالمية الثانية، في ما يتعلق بعدم الاعتراف بضمّ الأراضي عن طريق القوة، وتتناقض مع الموقف الأميركي المناهض لضمّ روسيا لجزيرة القرم الأوكرانية بقوة السلاح، الأمر الذي كان أحد أسباب تأزُّم العلاقات الأميركية – الروسية، في السنوات الأخيرة. أما الحجة المتداولة حول أنّ هضبة الجولان مهمة لأمن “إسرائيل” فتبدو أكثر من سخيفة، في الوقت الحالي، وقد تجاوزت التقنيات العسكرية، ومن ضمنها الأسلحة الصاروخية وآليات الرصد من الجو، مثل هذه العقبات الطبيعية التي كانت تعوق التقدّم في الحروب التقليدية السابقة.
بالنسبة إلى السوري العادي، الذي لا يعرف من أين تأتيه الصدمات والضربات، فإن الغصة تكاد تخنقه، وهو مضطر إلى اجترار القهر مرةً أخرى، إذ إن سورية بأسرها أرض مستباحة للمحتلين والمتطرفين وسيّاح الحروب، وهي غارقة في تشظيها، بانتظار مشروع وطني طال انتظاره يعيدها إلى الحياة من جديد. مع ذلك، فإنّ الأمر الإيجابي، على هامش القرار، هو إجماع السوريين شبه التام على رفض الاعتراف الأميركي بضمّ الجولان إلى “إسرائيل”، على الرغم من حالة الانقسام التي يعيشونها تحت مختلف سلطات الأمر الواقع.
اللافت في ردات الفعل العالمية هو التصويت الذي حصل في “مجلس حقوق الإنسان”، وأكد أن الجولان سوريّة، بأغلبية 26 صوتًا مقابل 16 وامتناع 5 دول عن التصويت. في الواقع، تعدّ هذه النتيجة دليلًا على أن هوية الجولان السورية ليست أمرًا بديهيًا بالنسبة إلى عدد مهم من الدول، ومعظمها دول أوروبية، وأن ما قام به الرئيس ترامب ليس مجرّد خطوة معزولة في الفراغ. ويعدُّ ذلك مؤشرًا على أن الحقوق قد لا تصمد طويلًا، مع استمرار الحال السورية والعربية على ما هي عليه.
لا يقلّل شجب معظم دول العالم لهذه الخطوة، ولا خروج أصوات سورية من الجولان لتعبّر عن انتمائها إلى سورية في لحظة مفصلية، من خطورة هذا الاعتراف الأميركي، ولا يحول ذلك دون تحوّل واقع احتلال الجولان إلى حقيقةٍ دائمة، إن لم تُنتج التوافقات الدولية والإرادة السورية حلولًا لهذه المسألة في ظروفٍ جديدة.
ما سبق يجب أن يدفعنا إلى التفكير بأهمية تبنّي مشروع سوري متكامل، للخروج من حالة التشرذم والتشتّت، كرافعة سياسية طال انتظارها، بوسعها أن تضمن المستقبل السياسي للسوريين، قبل حدودهم، وذلك بأن تكون سورية دولة مستقلة خالية من الاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي، إذ إن قيام الدولة الحديثة التشاركية والديمقراطية هو الكابح الأهم للتعديات المستمرة على حدودنا وحرياتنا، ما يستوجب العمل بلا كلل في هذا الاتجاه، والتوقّف عن اجترار الحديث حول المؤامرات، والكفّ عن الصراخ في وجه العالم الذي صمّ أذنيه منذ وقتٍ طويل.
وبعيدًا من الأمنيات والأحلام، قد تتم استعادة الجولان بطريقة غير مباشرة على المدى الطويل، من خلال الاستفادة من الحلول والسياسات الاقتصادية المبتكرة التي قد تجد لها مكانًا في المستقبل؛ كأن يتحول الجولان إلى منطقة استثمار اقتصادية لقيام صناعاتٍ محدّدة، وتكون أفضلية التوظيف فيها لأهل الجولان، سواء من بقي منهم فيها أم من نزحوا عنها، بعد حرب 1967.
في كل الأحوال، لن يبقى شيء إلى الأبد، حتى العداوات القائمة، التي قد تجد لها تسوياتٍ بعد أن تتقادم وتتغير الظروف وآليات التفكير ذات الصلة، ومن حق الأجيال الجديدة أن تعيش بسلام، ولنا في ما آلت إليه بعض الصراعات الدامية الأخرى خير مثال، كما حصل للعلاقات الأميركية – الفيتنامية، بعد حرب أليمة ارتكبت فيها الولايات المتحدة أفظع الجرائم، وتحوّلت منذ عام 1995 إلى شراكة اقتصادية ناجحة، وعلاقات سياسية أقرب إلى التحالف بين الدولتين.
هضبة سورية في مقايضة انتخابية أمريكية إسرائيلية/ براء صبري
بينما تعاني كامل سوريا من صراع داخلي عمره ثماني سنوات، ومن تدخلات خارجية لا تنتهي، وبينما كان الجميع مرتبكا بالمحاصصة، وبتوزيع النفوذ في خريطة يمر في سمائها الجميع من دول العالم بطائراته العسكرية لا المدنية، جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم 25 من الشهر الحالي باعتبار هضبة الجولان السورية التي دخلتها القوات الإسرائيلية وسيطرت عليها عام 1967 بطريقة غير شرعية أراض إسرائيلية في تحول يعتبر الأكثر دراماتيكية منذ الحرب العالمية الثانية في الملف المذكور. حيث ظل الملف الإسرائيلي مع دول الجوار ساخنا طوال كل السنوات الماضية، ويتحاشى الجميع الانحياز التام إلى طرف واحد فيه رغم الوضوح في الموقف الأمريكي الداعم للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والذي لم يرق رغم دعمه الكامل لتل أبيب إلى مستوى نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ومن ثم بالطبع قرارها الأخير اعتبار الجولان السوري المحتل أرضا إسرائيلية.
نظرة عامة
وهضبة الجولان تقع على بعد حوالي ستين كيلومترا جنوب غربي العاصمة دمشق، وتبلغ مساحتها مئة وعشرين ألف كيلومتر مربع، وهي تتبع إدارياُ لمحافظة القنيطرة، وقد دخلتها القوات الإسرائيلية عام 1967 فيما تسمى تاريخياً حرب الست سنوات، وعُدّت – من قبل الأمم المتحدة – من ذلك الحين أرضا سورية محتلة. المنطقة الهضبية التي جاءت بتسميتها هضبة الجولان في البيانات الرسمية الإسرائيلية من التعامل الرسمي الإسرائيلي معها هي منطقة كانت تحتوي على أكثر من 150 قرية وعشرات المزارع، وتعرضت جميعها للتدمير كما تم تهجير حوالي ثمانين في المئة من سكانها الأصليين، وبقي منهم القليل خاصة في قرى مجدل شمس ومسعدة. هؤلاء المهجرون استقر بهم الحال في أطراف العاصمة دمشق، ويسمون محلياً بالنازحين! وهم مواطنون سوريون إلا أنهم لم ينعموا بحياة رغيدة أو بميزات على المستوى الوطني المفترض، اما الباقي من سكانها فقد استقروا في الجولان، ويحمل معظمهم الهوية الإسرائيلية، وجلهم من الطائفة الدرزية، وبينهم من يحاول الاندماج مع المجتمع الإسرائيلي، ويفضل الهوية الإسرائيلية على السورية، ومنهم ما يزال يتحدث عن سوريا كوطن رغم ان الوضع الحالي لسوريا دفع الكثير إلى الانطواء مخافة أن تصله نيران المقتلة السورية. في تاريخ 25 من آذار/مارس الجاري وقع الرئيس الأمريكي قرارا رئاسيا يعتبر فيه الجولان أو مرتفعات الجولان أراض إسرائيلية، وهو قرار لاقى رفضا عاما دوليا، وعزلت الولايات المتحدة في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن المتعلقة بالقرار الأمريكي الأخير، وشعرت جميع الدول، وبينها دول الشرق الأوسط القريبة من واشنطن إن من واجبها تبيان موقفها الرافض للقرار مخافة الحرج الداخلي، والإقليمي، وخاصة إن إسرائيل ما زالت في المفهوم المحلي لكثير من الجهات عدوة للعالم العربي والإسلامي المفترض الاتحاد في موقفه من قضايا مصيرية لبلدانه.
دوافع
تمر الأيام عصيبة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يستعد لولاية رابعة رغم سنوات من المخاطر القانونية حول أسرته الخائفة من مطرقة القرارات القضائية التي تبحث عن ملفات الفساد المفترضة، وفي الوقت ذاته يبدو أن محاولة صمود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زخم الهجوم الديمقراطي على قراراته السياسية وعلاقاته الدولية هو من رتب الظروف لظهور قرار من شاكلة القرار الأخير الذي جلب النقد الدولي والمحلي، وحتى الأمريكي الداخلي، لأحزاب تجد في ما يفعله الرئيس مجرد أجندة للوبيات اقتصادية تسيطر على منهجية التفكير لرجل يبحث عن تأطير العلاقات السياسية والدولية بمنطق الكسب المادي والسياسي الشخصي. في بحث بسيط عن دوافع القرار الأمريكي المتهور والكاسر لقوانين دولية ظلت صامدة رغم أهوال التضاد في الشرق الأوسط يتمحور حول عدد من الأسباب الواضحة، وهي:
الأول: هروب واضح من رئيس الوزراء الإسرائيلي من مشاكله الداخلية التي تهدد حكومته غير الصامدة أصلاً نتيجة غضب الحلفاء في الحكومة من توجهه في التمسك بالسلطة، وسرقة الصورة العامة في الشأن السياسي الداخلي الإسرائيلي لصالحه، ومحاولة منه للتستر على قضية ملف الفساد الذي يلاحق زوجته المتهمة بتقبل رشى من جهات مختلفة.
ثانياً: محاولة رص الصفوف في فريق ترامب المقرب منه من جماعة اليمين في ترتيبات التحضير للانتخابات المقبلة، والتي يبدو أن ترامب متمسك بالتقدم لها على اعتبار أنه ينظر للعبة السياسية الأمريكية كملعب لكسب الداعمين الأثرياء في وجه باقي الطبقة السياسية التقليدية التي فيما يبدو من منظوره أنها غير قابلة للصمود في وجهه مجدداً كما كان الوضع في الانتخابات السابقة، وهي بالضبط تأتي بعد ما اعتبره ترامب انتصارا له بعد انتهاء المعركة الرسمية ضد «داعش» في شرق الفرات، وبعد ورود تسريبات عن ان المحقق الأمريكي روبرت مولر لم يستطع فعل شيء يدين ترامب.
ثالثاً: الاستفادة من فرصة كون الحكومة السورية المستبدة مشغولة في حربها مع الداخل، وفي كونها فقدت مركزها كدول إقليمية لها أجندة مع محيط يميل إليها قومياً رغم أن التاريخ منذ 1973 لم يكن لصالح الموقف الذي يدعيه ذلك النظام لنفسه والذي يحاول البحث عن سبل البقاء في ظروف مليئة بالكوارث، والتدخلات السياسية، والدولية.
رابعاً: التغطية على قرار ترامب السابق في نقله سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس قبل أشهر والذي لاقى صخبا موازيا للذي تلاقيه الحكومة الأمريكية، والذي استطاع النفاذ إلى الواقع على اعتبار أن العديد من الدول أصبحت تنحو نحو الحكومة الأمريكية على رأسها رومانيا والبرازيل وعدد لا بأس به من دول العالم اللاتيني التي فقدت الكثير من حكوماتها اليسارية الموالية للفلسطينيين والسوريين تاريخياً.
خامساً: احراج الروس وهم من حيث المبدأ موالون للنظام السوري، وحالياً هم من يمثلون القرار السوري بعد دخولهم للحرب السورية، وقيادتهم لجبهة الموالاة للنظام. الروس الذين أحرجوا بعد اسقاط طائرة إسرائيلية لمروحيتهم في اللاذقية قبل شهور عديدة يلقون الصفعة الثانية التي تحرجهم إمام داخلهم وإمام الجهات السورية التي ترى في روسيا صديق وفي للعالم العربي. لم يتمكن الروس كما العادة سوى في إدانة القرار كما فعل جميع دول العالم أيضاً.
سادساً: دفع جميع الدول التي تدعي الريادة في العالم الإسلامي إلى الشعور بالمهانة، والعجز، وخاصة إيران، وتركيا، والسعودية، وإحراجها أمام مجتمعاتها التي تنظر إلى ذاتها كونها معنية بالشأن الفلسطيني العام.
سابعاً: إظهار إشكال الوضع الفلسطيني الداخلي بعد سنوات من محاولات رأب الصدع بين الطرفين المتصارعين في كيانين محاصرين.
ثامناً: التأكيد على أن القوى المحلية في الجولان لا تملك سوى خيار البقاء داخل إسرائيل على إساس أن بلدهم المفترض سوريا يعاني من التفسخ بسبب الحروب الداخلية.
جهات متناقضة وموقف متحد
كان القرار الأمريكي عبارة عن نكسة جديدة لعالم أصلاً أصبح ينظر إلى إسرائيل كطرف منافس في الشرق الأوسط وليس كطرف معادي. الشيء الوحيد الذي استطاعت أمريكا فعله بقرارها الأخير أنها وحدت جميع الأطراف حيث كان الرفض سيد الموقف، والرابط المشترك بين تلك الجهات المتعادية في ملفات أخرى فتجد النظام السوري ومعارضاته المختلفة معاً في رفض القرار، وتجد الروسي في صف البريطاني، والفرنسي في صف الصيني، وتركيا والسعودية في خط واحد، وحماس وحركة فتح في الموقف نفسه.
لا يمكن اعتبار القرار الأمريكي صدر نتيجة ظروف تتعلق بواقع الحال في بلد ممزق كسوريا ذكاء سياسيا بقدر ما هو استغلال سياسي مهين لواقع دول متعبة. ولا يمكن أن يتصور الأمريكان أن العالم الذي يدفعهم إليهم رئيسهم آمن، وإنما هو يؤسس عالما أكثر تطرفاً، ويزيد من فرص نشوء جماعات متشددة. والقانون والمؤسسات الدولية المعنية لا بد ان تكون الحكم الأول والأخير لقضايا ذات حساسية كقضية الجولان وإن كان ذلك القانون نفسه والجهات المسيرة له تعاني من عدم الاتزان.
قرار ترامب حول الجولان المحتل وسيلة لتوطيد حكم الأسد وخسارة جديدة للسوريين/ حسام محمد
شهدت سوريا في 25 من آذار/مارس الحالي، تحولاً إقليمياً وعربياً ودولياً هاماً مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالدو ترامب منح سيادة مرتفعات الجولان المحتل لإسرائيل، واعتراف فوري من الولايات المتحدة الأمريكية بتلك الوثيقة التي قدمها ترامب لنتنياهو خلال اجتماعهما في واشنطن.
هضبة الجولان السوري المحتل، هي أرض سورية تقع في بلاد الشام، بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل الشيخ شمالاً، وكان قد احتلها الجيش الإسرائيلي في الخامس من حزيران/يونيو عام 1967، وفي عام 1981 قرر الكنيست الإسرائيلي ضم الجزء المحتل من الجولان الواقع غربي خط الهدنة 1974 إلى إسرائيل بشكل أحادي الجانب ومعارض للقرارات الدولية.
أما سوريا المتضررة من القرار الأمريكي الذي سلخ أرضا عربية من أصحابها، فلم يظهر رئيس النظام بأي تعليق على التطور السياسي، في حين بدت تصريحات مسؤوليه السياسيين خجولة، أما قيادة الجيش فلم يكن لها أي كلام حول الحدث. ومحلياً شهد الشارع السوري انقاسماً بين الموالين للأسد ومعارضيه، فالجهة الأولى يبدو انها منهكة من ضنك العيش وغياب أدنى مقومات الحياة، فيما صعدت بعض الأصوات من الحزب الحاكم تندد بالقرار الأمريكي، وعلى صعيد المعارضة، خرج الائتلاف السوري ببيان رسمي يدين القرار، معتبراً هذه الخطوة تكريساً لشريعة الغاب، ومحذراً من المساس بحقوق السوريين.
ردود خجولة
مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري، تناول الموضوع بطريقة تهكمية، إذ نصح الإدارة الأمريكية بالتكرم على إسرائيل عبر التنازل عن ولاية أمريكية أو اثنتين بدل التطاول على ما لا تملك.
وقال خلال جلسة لمجلس الأمن: «الجولان سوري وسيعود وعلى الأمريكي والإسرائيلي ألا يظنوا واهمين أن أرضا سورية يمكن أن تصبح يوما جزءا من صفقة لعينة وخبيثة… وإذا أرادت الإدارة الأمريكية أن تظهر الكرم لإسرائيل فعليها ألا تتطاول على ما لا تملك، فمساحتها واسعة ومترامية الأطراف وبالتالي فلتتنازل عن ولاية أو ولايتين من الولايات الأمريكية لإسرائيل ما دامت حريصة على رضاها عنها» وذلك وفقا لوكالة الأنباء السورية «سانا».
في حين طلبت البعثة الدبلوماسية للنظام السوري لدى الأمم المتحدة عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي على خلفية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، معتبرة القرار انتهاكا صارخا من دولة دائمة العضوية لقرار مجلس الأمن ذي الصلة.
ووصفت وزارة الخارجية السورية قرار ترامب حول الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل بالتصرف الأرعن، قال وزيرها وليد المعلم، إن اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل، لن يؤثر إلا على عزلة أمريكا.
الورقة السياسية التي أطلقها الرئيس الأمريكي ترامب حول الجولان، حملت بين طياتها العديد من الأمور المحورية المؤسسة للفترات القريبة المقبلة، وما يلفت الانتباه حسب المعارض السوري جيان عمر، في إعادة إحياء ملف هضبة الجولان هو التوقيت الزمني لفتح هذا الملف الشائك والمُعقد في هذه المرحلة بالتحديد، وفي التوقيت الذي تم فيه إعلان السقوط الكامل لتنظيم «الدولة» الإسلامية.
لماذا الآن؟
كما أن تعقيدات المشهد السوري الحالي وتشرذم المجتمع وفقدان السوريين للقرار السياسي حول مصير البلاد الغامض في ظل استمرار حكم النظام الحالي تحت الوصاية الروسية الإيرانية يبعث على التساؤل حول أهداف تحريك ملف الجولان.
وقال عمر لـ «القدس العربي»: «لا شك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو له تأثير كبير على الرئيس الأمريكي ترامب، وأعلن عن ذلك نتنياهو نفسه وكرره في حملاته الانتخابية وفقاً للصحف الإسرائيلية المعارضة، ولكن يتوجب على السوريين عدم النظر إلى هذا، فملف الجولان المُعقد من منطلق الأولويات السورية وسياقها الزمني حيث من غير المعقول أن تنجر المعارضة السورية وراء استراتيجية النظام في استخدام ورقة الصراع مع إسرائيل للتغطية على الملفات الأكثر أولوية في الوضع الراهن».
الخيارات معدومة
المعركة مع الاستبداد لم تنته بعد، كما أن الحرب السورية خلًفت مئات آلاف الضحايا وعشرات آلاف المعاقين جسدياً ونفسياً وملايين المهجرين والنازحين، إضافةً إلى تدمير البنية التحتية للبلاد وانعدام متطلبات المعيشة الأساسية كالماء والغذاء والكهرباء والوقود.
علاوة عن الديون الخارجية التي مول بها النظام السوري حربه ضد شعبه، وبالتالي فمن غير المنطقي التفكير في هكذا مرحلة في تحقيق أي تقدم في ملف الجولان لصالح سوريا، كونها في أضعف حالاتها والإنسان السوري مُرهق من حروب الوكالة التي فُرضت عليه على أرضه، وعلى حساب دمه، وغير قادر على خوض أي معركة سياسية أو عسكرية لسنوات آتية كثيرة.
النظام السوري الفاقد للشرعية والمُلطخ بدماء السوريين من وجهة نظر ذات المعارض السوري، لا يملك شيئاً ليفقده، ولذلك سيسعى للاستفادة من ملف الجولان لتعبئة الشارع السوري قومياً وإعلامياً للتغطية على عجزه من القيام بالتزاماته وواجباته تجاه السوريين.
قضية الجولان لم يستطع الشعب السوري حلها لوحده في القرن الماضي لهيمنة نظام ديكتاتوري مجرد من الوطنية على قراره، كما لن يكون في إمكانه اليوم حلها لوحده في ظل النفق المظلم والتيه الذي يعيشه بعد سنوات عجاف من الحروب التي لم تنته بعد.
وبالتالي مجرد الخوض في هذا الملف سيتسبب في تشتيت الجهود الرامية إلى تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود في سوريا، وسيُبعد الاهتمام الدولي أكثر من السابق عن ملف دمقرطة سوريا لصالح صراع جديد عنوانه الجولان، والمستفيد منه سياسياً إيران والنظام السوري والخاسر هو الشعب السوري والمعارضة السورية.
هذا وأنهى وزراء الخارجية العرب اجتماعهم في العاصمة التونسية، بعد إقرار بنود أعمال القمة العربية التي تعقد اليوم الأحد، وفي مقدمتها تأكيد عروبة الجولان السوري المحتل، وسبل دعم القضية الفلسطينية، خاصة في ظل القرارات الأمريكية والانتهاكات الإسرائيلية، ونددت الدول العربية بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل.
خدمة للأسد ونتنياهو
«أن هذا الصراع المُستحدث لن يُغير من الوضع الميداني والسياسي في الجولان بل سيخدم فقط الأصوات المتطرفة في إسرائيل وفي سوريا، وهم نظام بشار الأسد وبنيامين نتنياهو على حساب المعارضة الإسرائيلية من جهة والمعارضة السورية بدرجة أكبر في حال انجرارها وراء هذه المؤامرة الجديدة التي تأتي استكمالاً لمؤامرة صنع الإرهاب ومن ثم محاربته والذي ساهمت شرائح من المعارضة السورية من حيث تدري أو لا تدري بالفعل في صناعته على أمل اسقاط النظام به ليتبين أنه كان حصان طروادة ولكن بصناعة متعددة الأيادي والأهداف صب في النهاية لخدمة الجميع إلا الشعب السوري والمعارضة وهذا ما أراه اليوم في إعادة إحياء قضية الجولان في هذا التوقيت بالتحديد. وفق ما قاله جيان عمر لـ «القدس العربي».
إيران السبب
أما على صعيد الأصوات الموالية للنظام السوري، فقال المحلل السياسي صلاح قيراطة فقال: أجنح للحديث أن الرهان على الأنظمة العربية ومنها النظام السوري هي رهانات خاسرة، وإن الرهان المنتصر في النهاية هو على الجماهير وفي طليعتها الشعب السوري الحر المقدام الذي لم يعتد أن ينام على ضيم، وهو من سيحرر الجولان من يد محتلها الجبان ولو بعد آن.
ويرى السياسي الموالي أن إيران نجحت في إشغال ومشاغلة العرب عن سياسات إسرائيل العدوانية في المنطقة العربية، وقال لـ «القدس العربي»: «يجب أن نقول بدون مواربة ولا تورية بإن يجمعهما عداء واحد للعرب والمسلمين، وإيران هي الكيان المشبوه والتاريخ الأسود، وبانها مع الكيان الصهيوني صنّوان». فدور إيران في سوريا، كان بمثابة إعطاء المبرر لإسرائيل بأن يطالب العالم بالإعتراف بسيادتها على مرتفعات الجولان العربي السوري، حيث كانت الإدارة الأمريكية من أول المستجيبين، حيث أعلن الرئيس الأمريكي موافقته بعد أقل من 24 ساعة من طلب رئيس وزراء الكيان، وهذا يأتي كخطوة خطيرة على طريق تنفيذ صفقة القرن وجعلها واقعا ملموساً.
قرار ترامب والواقع الجولاني/ د. ثائر أبو صالح
لم يكن قرار ترامب مفاجئاً لأي متابع للأحداث في المنطقة، فإسرائيل تسعى ومنذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011 لفرض واقع جديد في الجولان مستغلة الحرب والحديث عن التقسيم. فهي تعتقد أن الفرصة قد حانت ليعترف العالم بضم الجولان لإسرائيل، وقد أقدمت على خطوات رمزية لتعبر عن هذه الرغبة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عقد نتنياهو في السابع عشر من نيسان/ابريل 2016 اجتماعاً لحكومته في الجولان، ولم يكن اختيار السابع عشر من نيسان/ابريل اعتباطياً، فهو عيد الجلاء السوري، أي يوم استقلال سوريا وجلاء آخر جندي فرنسي عن أراضيها. وأعلن نتنياهو في هذا الاجتماع، أن الجولان سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد، وطالب ترامب وحكومات العالم أن تعترف بالسيادة الإسرائيلية عليه. ومما شجع ترامب على هذا القرار، كون العرب لم يحركوا ساكنا عندما اتخذ قراراً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فلماذا لا يقدم لنتنياهو ورقة رابحة في الانتخابات المقبلة، بانتظار ان يرد له نتنياهو ورقة رابحة شبيهة عندما تأتي استحقاقات الانتخابات الأمريكية، ويؤمن له دعم اللوبي اليهودي؟ وهو يقدم في النهاية أرضاً لا يملكها لدولة محتلة.
لا شك أن قرار ترامب مناف لكل الأعراف والمواثيق الدولية، ويعتبر خرقا خطيرا للقانون الدولي، عدا عن كونه سابقة في العلاقات الدولية من الممكن أن تدخل العالم في دوامة قد تؤدي إلى حروب جديدة لإعادة رسم حدود الدول من جديد، كما حصل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. فوفق هذا المنطق المستند إلى شريعة الغاب، كل دولة قوية تستطيع أن تعتدي على دولة أخرى وتقضم جزءاً من أرضها ومن ثم تطلب من العالم أن يعترف بهذا الاحتلال، هكذا تصرف سيؤدي حتماً إلى فوضى وإلى اختلال الميزان الجيوسياسي الذي شكل أحد أهم أسباب الحروب في العالم. فماذا ستكون ردة فعل أمريكا، على سبيل المثال، في ما إذا اعترفت بعض دول العالم في المستقبل بشرعية احتلال شبه جزيرة القرم من قبل روسيا؟ وهل سيعتبر ذلك خرقاً للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية؟
أما بالنسبة للدول العربية، فالحقيقة المرة هي أن لا أحد ينتظر من العرب شيئا غير التصريحات والتنديد، بالرغم من انهم قادرون على فعل الكثير، فليس المطلوب منهم ان يبادروا إلى حرب، ولكن على الأقل المقاطعة وسحب السفارات، وقطع العلاقات. فلو كان الطرف الأمريكي يتوقع أي ردة فعل من العرب لما كان أقدم على هذه الخطوة بشأن الجولان أو القدس. لكنه يعلم علم اليقين انه أمام أنظمة كل همها البقاء في السلطة حتى لو كان ذلك على حساب دماء شعوبها أو اقتطاع مساحات من أوطانها.
أما بالنسبة لسكان الجولان، فقد لمسوا مع بداية الأحداث في سوريا عام 2011 تغييراً جذرياً في السياسة الإسرائيلية بهدف استمالة السكان السوريين المتبقين في قرى الجولان بعد حرب حزيران 1967 واقناعهم أن مصلحتهم تقتضي القبول بالواقع الإسرائيلي، وأن سوريا كدولة انتهت وستتقسم وستمزقها الصراعات الطائفية. وكان هدف إسرائيل المبيت هو استعمال ورقة السكان السوريين في الجولان أمام الرأي العام، لتقول للعالم أن هؤلاء السكان يريدون بقاء السيادة الإسرائيلية على أرضهم. فقد سرعت مشاريع الأسرلة وذلك من خلال تخصيص ميزانيات ضخمة لتطوير البنية التحتية في قرى الجولان، ومن خلال تشجيع السياحة وكذلك بدأت بمحاولة استمالة الجيل الصاعد للقبول بالجنسية الإسرائيلية والانخراط بالواقع الإسرائيلي، وأدخلت إلى المدارس العديد من البرامج للتأثير على هذا الجيل مثل الشبيبة العاملة والمتعلمة والكشاف وغيرها، ومؤخراً حاولت فرض الانتخابات للمجالس المحلية، وكل ذلك بهدف إيهام العالم، ان أهل الجولان منخرطون في الواقع الإسرائيلي ويريدون استمرار سيادتها عليه.
ولكن أهل الجولان فهموا ما ترمي له السياسة الإسرائيلية وماذا كانت ستقول حكومة إسرائيل، وكيف كانت ستستغل ذلك. حتماً سيكون من بين ما يقولون «…. ونزولاً عند رغبة السكان المحليين الذين لا يريدون أن يعود الجولان إلى السيادة السورية، قررت حكومة إسرائيل أن تطلب من حكومات العالم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان لحماية هؤلاء السكان المدنيين من مصير مجهول». طبعاً ليس الهدف تضخيم دور هذه القلة القليلة ممن تبقى من السكان السوريين في الجولان في عملية الصراع الدائرة في منطقتنا، فهم يدركون أنهم لا يقدمون ولا يؤخرون في قرارات الدول، ولكنهم انتبهوا أن من الممكن أن يستغلوا من قبل الاحتلال الإسرائيلي لتسويغ قرارته وتجميلها ما يجعلها أكثر تأثيراً على الرأي العام المحلي والعالمي.
لقد كان حاضراً أمام الجولانيين السوريين مساهمة آبائهم وأجدادهم في صنع التاريخ الحديث لسوريا، فقد قاوم أهل الجولان الاستعمار التركي، وقدموا أكثر من 150 شهيداً ابان الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي لإنجاز استقلال الدولة السورية، واستطاع سكان الجولان أن يسطروا أنصع الصفحات في مقاومتهم لقرار الضم الذي فرضه الكنيست الإسرائيلي في أواخر 1981 وأعلنوا اضراباً مفتوحاً استمر لخمسة أشهر ونيف، إضافة إلى العديد من الإنجازات التي لا مجال لذكرها في هذه العجالة.
وبالرغم من انقسام الجولانيين بين موال للنظام السياسي في سوريا ومعارض له، قرروا ترك خلافاتهم جانباً وتوحدوا أمام الهجمة الإسرائيلية الجديدة، واستطاعوا إفشال جميع المشاريع التي سعى لتحقيقها الاحتلال. فلا يتعدى نسبة حملة الجنسية الإسرائيلية بعد 52 سنة احتلال 12 في المئة بمن فيهم الذين سكنوا الجولان من قرى الجليل بعد 1967 والذين هم في الأصل يحملون الجنسية الإسرائيلية. واستطاعت لجنة أولياء الأمور في المدارس المدعومة اجتماعياً التصدي للمشاريع التي فرضت على مدارس الجولان ومنعوا مشروع الكشاف ومشاريع أخرى مشابهة، وتصدى أهل الجولان موحدين لانتخابات المجالس المحلية وأفشلوها، وكان للجيل الذي راهنت عليه إسرائيل الدورا الهام في افشال مشروع الانتخابات.
إن أهل الجولان وبغالبيتهم العظمى متمسكين بانتمائهم لسوريا، ويعتبرون أنفسهم جزءاً حياً وفعالاً من هذا الشعب، ولهم مساهمات كبرى في ماضي الدولة السورية وحاضرها، ولذلك لن يغير قرار ترامب في توجهاتهم بالرغم من كل الصعوبات والتحديات والمغريات التي تواجههم كسكان تحت الاحتلال، وبالرغم من فهمهم للمخاض العسير الذي يخوضه بلدهم سوريا لاستعادة سيادته ولحمة نسيجه الاجتماعي وبناء دولة حديثة، تحترم قيمة الإنسان وكرامته بعيداً عن التعصب الطائفي والقومي.
القدس العربي
الجولان المنسي: محاولات تغيير هويته ليست إسرائيلية فقط/ منهل باريش
تحت عنوان «ما لا تعرفه عن الجولان: سكّانه الأصليون ليسوا عرباً، وإحدى قراه تحمل اسم سلطان عثماني» نشر موقع «عربي بوست» تقريرا حول الجولان السوري المحتل، وجاء فيه أن «غالبية سكان قرى الجولان هم من الشركس والتركمان والعرب البدو، يعيشون جنباً إلى جنب، ويعملون بالزراعة وتربية المواشي». ويلفت التقرير إلى أن الشركس قد بنوا أول منازل قرية بئر عجم عام 1872 وسكنها 150 شخصا من قبيلة الأبخاز القوقازية، والتحق بهم عدد من قبيلة القبرطاي الشركسية.
ويعدد التقرير بعض القرى التي قطنها الشركس والتركمان دون أي ذكر لمن تعود ملكيات الأراضي أو من يقطنها وكأن منطقة الجولان كانت صحراء لا طير فيها ولا بشر. ودون أي إشارة إلى أن من استقبل المهجرين الشركس هم اقطاع المنطقة من عشيرة النعيم العربية حيث نزلوا ضيوفاً على أمراء آل طحان في أرض بير عجم التي تعود ملكيتها إليهم، حيث جرى استقبال المهجرين الشركس على دفعات في الربع الأخير من القرن التاسع عشر إثر مذبحة شركاسيا في 21 أيار/مايو 1864 وهزيمة الشركس بعد مئة عام من القتال ضد الإمبراطورية الروسية حيث هجرت الأخيرة مئات آلاف الشركس في أراضيها شرقا وفي اتجاه أراضي السلطنة العثمانية جنوبا ومنها انتقلوا وانتشروا في دمشق وعمان وحمص.
ويورد الموقع الإلكتروني أن السلطان عبد الحميد اقتطع أرضاً للشركس المهجرين سميت باسمه، وسميت أماكن ومدارس وأسواق عدة على اسم السلطان فترة حكمه.
قطعية «عربي بوست» في نفي صفة العروبة عن السكان الأصليين تثير الكثير من الريبة والشكوك وتأتي في سياقات تمييع القضية الأساسية وهي كون الجولان أرضاً سورية محتلة من إسرائيل، واعتبار أن سكانه الأصليين هم فقط من الشركس والتركمان دون إشارة إلى أن غالبية القرى والبلدات، عربية هو تزوير للحقائق التاريخية المتعقلة بالجولان، اذ يبلغ مجموع قرى وبلدات الجولان 139 عدا المزارع الصغيرة فيما يبلغ مجموع القرى التركمانية 12 قرية في الجولان المحتل ويتجاوز تعداد القرى العربية أكثر من 110 قرية وبلدة.
ويُذّكر مصطلح «السكان الأصليين» الذي ظهر في فترة الاستعمار الأوروبي أن تغييرا ما حصل على المستوى البشري انتزعته إسرائيل من الشركس والتركمان وهو ما يعني أحقية شركسية تركمانية تاريخية وسياسية بالجولان السوري المحتل وليس اعتبار الجولان جزءا من الدولة السورية، وتحاول خلخلة تبعية الجولان وتريد أن تقول انه ليس سوريا وإن سكانه الأصليين ليسوا سوريين، وإنما تركمان وشركس ومرجعيتهم ليست سورية أبدا.
وينسف وصف «السكان الأصليين» وجود مملكة الغساسنة العرب في المنطقة ويقزم دورهم وحجمهم التاريخي ليقول «سكنت القرية قبائل عربية عريقة من قبيلة بني غسان في فترة الحكم البيزنطي، وأطلقوا على البلدة اسم الغسانية تيمناً باسم القبيلة». وهو ما يجعلنا نحيل محرر التقرير إلى قصائد النابغة الذبياني في مديح الغساسنة في العصر الجاهلي ومديح حسان بن ثابت لهم قبل إسلامه أيضاً.
من ناحية أخرى، يغالط المحرر في «عربي بوست» نفسه عندما يحدد تاريخ الهجرات الشركسية وبداية الاستقرار في الجولان السوري بين 1870-1874. ويسم بعض المناطق بأنها «منطقة بدو رُحل اعتمدوا في حياتهم على تربية الماشية حتى العام 1870 ثم سكنتها قبيلتا الأبزاخ والبجدوغ الشركسيتان». وكأن البدو الرحل مجرد عابري سبيل لا علاقة لهم بتلك الأرض تاريخيا، أو كأن أرض الجولان خالية تماما من السكان مرّ بها بدو رحل مرور الكرام.
بعد احتلال إسرائيل الجولان في حرب 1967 طردت قرابة 150 ألف مواطن سوري، وجرفت عشرات القرى في جنوب الجولان وغربه ومسحتها من الوجود. وتهجر كل أبنائه فيما رفض الدروز السوريون الهجرة وفضلوا البقاء في أراضيهم إضافة إلى قرية الغجر (غالبية سكانها من العلويين) في مثلث الحدود الفلسطينية اللبنانية السورية والتي تقع شمال القرى الدرزية مجدل شمس وعين قنية وبقعاتا ومسعدة الواقعة شمال الجولان.
ربما يأتي سياق التعاطي العام مع الجولان السوري المحتل وقضيته من رؤية النظام السوري نحوه منذ عام حرب تشرين عام 1973 فقد أصبح الجولاني قضية مزاودة مستمرة للنظام السوري ورفع شعار تحريره لمدة أربعين سنة في عهدي الأسد الأب والإبن دون رميه حتى بوردة، حسب المثل الشعبي السوري.
واعتبر مهجرو الجولان في سوريا «نازحين» وتعاطى النظام السوري معهم كنازحين حسب تعريف الأمم المتحدة، سكنوا في مخيمات في طوق دمشق دون رعاية لائقة أو اهتمام يوازي حجم الاهتمام بشعارات تحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي. وتذرع النظام بأن عودتهم قريبة وظلوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ووصلت أعدادهم في إحصاءات غير رسمية عام 2010 قرابة 800 ألف نازح.
وتراجعت قضية الجولان بعد الثورة السورية بشكل كبير. ولم تعد على سُلم أولويات النظام أو المعارضة السياسية، فيما تحركت تل أبيب لضمان أمن الهضبة باعتبارها بوابتها المشتركة مع سوريا. وعملت على اختراق الجبهة السورية المحاذية والتي سيطرت عليها بعض الفصائل السورية هناك فافتتحت مشاف عسكرية، استقبلت فيها الجرحى السوريين من أطفال ونساء ومقاتلين أصيبوا في معارك مع النظام السوري في الجيب الضيق والبعيد عن الحدود الأردنية هناك. وتطور الأمر إلى دعم إنساني من خلال تقديم مواد غذائية ولاحقا رابطت بعض الفصائل السورية الصغيرة فيها عندما كانت تفكر في تشكيل ميليشيا لها داخل الأراضي السورية على طريقة «جيش لبنان الجنوبي» يحول بينها وبين الميليشيات الإيرانية التي نشطت قرب حدوها في محيط القنيطرة. ولكن سرعان ما تخلت عن ذلك بعد الاتفاق الروسي الأمريكي في جنوب سوريا والذي تعهدت خلاله موسكو بإبعاد إيران عن حدود الجولان المحتل إلى مشارف العاصمة دمشق.
ويلاحظ برود رد الفعل السوري عموماً تجاه قرار ترامب اعتراف بلاده بالجولان كجزء من دولة إسرائيل. فلا أبناء الجولان أنفسهم كان لهم الرد الواضح كما حصل ابان القرار الإسرائيلي بضم الجولان عام 1981. ولا ملايين المهجرين السوريين استنكروا القرار أمام السفارات الأمريكية في أصقاع الدنيا ولا المعارضة شعرت بخطورة القرار.
النظام من جهته رد على القرار من خلال مظاهرات في بعض المدن الكبرى التحق بها العشرات هنا وهناك فقط. وأكثر ما يكثف حالته في التعاطي مع الجولان هو المنسف الذي امتلأ بتراب الجولان وتحلق حوله عدد من مسؤولي البعث والضباط السوريين ونصبوا فوقه العلم السوري وكأنهم رفعوا العلم على تراب الجولان بعد تحريره من الاحتلال الإسرائيلي.
قرار ترامب الاعتراف بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان تقويض للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط/ رائد صالحة
واشنطن ـ «القدس العربي» لم يذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى مؤتمر لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية «إيباك» لهذا العام، ولكنه كان نجم العرض على أي حال، فقد قدم ترامب الكثير من الهدايا لإسرائيل إلى حد غير مسبوق، بما في ذلك نقل السفارة إلى الأمريكية إلى القدس المحتلة والاعتراف بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان، وانسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية التي تفاوضت عليها إدارة أوباما.
وأشاد المتحدثون بترامب إلى حد وصف السفير الأمريكي في الكيان الإسرائيلي، ديفيد فريدمان، وهو جزء من مجموعة كبيرة مؤيدة للصهيونية في إدارة ترامب والبيت الأبيض، القرار بأنه «معجزة بوريم».
ترامب، دون منازع، هو أكثر رئيس أمريكي مؤيد للكيان الإسرائيلي في التاريخ، وبالطبع وجد الكثير من الحفاوة والهتافات من أنصار اللوبي اليهودي والإسرائيلي، بما في ذلك أولئك الذين يرتدون أقنعة «ديمقراطية» أو يتظاهرون أحيانا بالدعوة إلى السلام.
وسائل الإعلام الأمريكية بدورها لم تعلق على قرار ترامب بالنسبة لهضبة الجولان بطريقة تناسب خطورة الحدث، وانما اكتفت بمعالجته وكأنه فقط محاولة من ترامب لمساعدة رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، للحصول على مزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة.
وانتقد عدد محدود من الخبراء في الولايات المتحدة القرار من بوابة الخوف من التداعيات فقط، وليس من باب شرعيته ومخالفته للعدالة والقوانين والجغرافيا والتاريخ، وقالوا إن القرار لم يكن في الواقع هدية، وانما كأسا مسمومة.
الوضع العسكري في الجولان لم يتغير، ولكن قرار ترامب يغير بشكل أساسي من السياق السياسي هناك، ووفقا لما ذكره العديد من المحللين، فأن هذا القرار يقلل من الأمن الإسرائيلي ولا يعززه، فقد جعلت تصريحات ترامب من المستحيل على أي حكومة سورية مستقبلية، وليس فقط نظام الأسد، التوصل إلى سلام مع إسرائيل، ولن يقبل أي نظام سوري من أي طيف بالاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان.
ولاحظ محللون أمريكيون أن ضم إسرائيل للجولان سيوفر ذريعة مثالية ودائمة لإيران، وقواتها التابعة، للبقاء في سوريا للدفاع ضد التهديد الإسرائيلي، وبالتالي فان القوات الإيرانية والجماعات المرتبطة بها ستبقى في مواجهة قوات الكيان الإسرائيلي، وهذا يعني تحديات أمنية جديدة للجميع.
وأقر خبراء من واشنطن أن قرار ترامب قوض بشكل واضح خطة السلام المزعومة، كما دعم الرؤية الفلسطينية بعدم حيادية أمريكا، وهذا يعني أن الخيار المقبل والنهائي بالنسبة للفلسطينيين سيكون العودة إلى المقاومة.
وقال المحلل ستيفن بلانك من معهد السياسة الخارجية وكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، إن قرار ترامب لم يفعل أي شيء لدفع أي فرصة للسلام، ويقوض أي أمل في وجود تحالف عربي إسرائيلي حقيقي ضد إيران لإن الشرط المسبق لذلك التحالف هو التقدم في علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين.
وأستنتج محللون أمريكيون أن قرار ترامب قد عمل على تقويض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى، وهذا لا يفعل شيئا لتعزيز الحملة المعادية لإيران، وبدلا من ذلك، فإنه يضيف لإيران المزيد من الوقود ويقدم ذرائع لطهران بالانتشار في سوريا ولبنان.
وبالمثل، فإن قرار ترامب الاعتراف بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان سيقدم ذريعة معلقة لموسكو لتعزيز قواعدها العسكرية في سوريا، وهذا بالتالي يفرض المزيد من التحديات للقوات الأمريكية وحلف الناتو في البحر الأبيض المتوسط، كما أنه سيجعل موسكو أكثر حزما في محاولة تقويض السياسة الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وافريقيا، كما تفعل الآن بنجاح ملحوظ، وهذا بالطبع نتيجة مباشرة لسياسات إدارة ترامب غير الكفوءة والمفككة في المنطقة، والتي لا تهمها سوى حماية المصالح الإسرائيلية، ما يزيد من التعقيدات والاخفاقات.
من الواضح أن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية قابلة للتطبيق لبناء السلام في الشرق الأوسط، وفي الواقع، كما يضيف بلاك، يستخدم خصوم الولايات المتحدة قرار ترامب لإظهار «أننا مجرد منافقين في شجب الاستيلاء على الأراضي بقوة وضمها».
ما قامت به إدارة ترامب يعني أن في الامكان الاستيلاء على الأراضي بالقوة ومن ثم إضفاء الشرعية على ذلك، وبالتالي فان هذا يعزز مطالب موسكو، أيضا، بشرعية سيطرتها على شبه جزيرة القرم، كما لاحظ العديد من المحللين الأمريكيين، وقرار ترامب يؤكد بوضوح على الطبيعة الشائنة للسياسة الأمريكية، وسياسة ازدواجية المعايير في واشنطن.
ولفت بعض الخبراء إلى قضية تدخل ترامب الصارخ في «السياسة» الإسرائيلية قبل الانتخابات، وقالوا إن ذلك يقلل القدرة على انتقاد التدخل الروسي أو الصيني في الانتخابات الأمريكية، وهكذا تم منح خصوم الولايات المتحدة الدليل لوصف السياسة الأمريكية بالنفاق.
المناورة السخيفة والخطيرة التي قام بها ترامب من أجل الحصول على مزيد من التبرعات وتلبية رغبة الكتل المتطرفة الدينية، بمن في ذلك الانجيليين واليهود اليمينيين، تؤكد عيوب سياسته بشكل عام وعدم استعداده للدفاع عن المصالح والقيم.
السياسة الخارجية بالنسبة لإدارة ترامب تدور حول الدوافع الشخصية للرئيس، إلى حد التضحية بالمصالح الأمريكية على المدى البعيد.
لم يعثر ترامب على أي مبرر حقيقي لتفسير قراره الاعتراف بضم إسرائيل للجولان، وفي الواقع، لم يكن الرئيس الأمريكي مهتمًا بذلك، واكتفى بالقول إن إسرائيل تسيطر على المنطقة منذ أكثر من خمسة عقود، وأن إعادة الجولان إلى سوريا ستشكل تهديدا أمنيا خطيرا على الكيان.
ومن المشكوك فيه، وفقا لما قاله العديد من المحللين الأمريكيين، أن يكون ترامب مدركا لأي من الحقائق، ومن المشكوك فيه ما إذا كان على علم بمعاهدة سايكس بيكو، ما يعرفه هو ان يبقى تؤامه السياسي المتطرف نتنياهو، في منصب رئيس وزراء إسرائيل.
ولم تحاول حاشية ترامب، الموالية لإسرائيل، العثور على تفسير لهذا القرار، وبدلا من ذلك قال العديد من المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو، إن القرار هو «إجراء دفاعي» وأضافوا بوقاحة غير مألوفة أن الدول التي ذكرت بأنها لن تنظم إلينا في القرار، لم تقل إن ما فعلناه لم يكن صحيحا.
وأكد محللون أمريكيون أن قرار ترامب المتهور سيوفر ذريعة للدول الأخرى، التي لديها طموحات إقليمية للعمل بقوة، وأن القرار يروق لغرور ترامب الذي يريد الانفراد بقرارات تاريخية حتى ولم تكن عادلة أو صائبة.
وأثار العديد من المراقبين نقطة مهمة هي، أن إعادة انتخاب نتنياهو ليست مصلحة وطنية للولايات المتحدة، ولاحظ العديد منهم أن القرار سيخلق مشاكل جديدة تقوض المصلحة الوطنية لأمريكا، بما في ذلك خطته المعلنة للتوصل إلى اتفاق سلام في المنطقة، إذ حاولت إدارة ترامب ربط قرار الجولان بضرورة احباط الجهود الإيرانية لمهاجمة إسرائيل من المرتفعات، وهي حجة واهية، لأن الخطوة، في الواقع، ستمنح الفرصة لإيران وحزب الله في سوريا لكسب المزيد من المزايا الدعائية، وقد تحفزهم على تركيز المزيد من الاهتمام على الجولان.
ترامب شخصية انتهازية يمارس سياسات نفعية لمصلحته الشخصية فقط، وهو يحاول الآن إعادة انتخابه في عام 2020 والدعم الذي يقدمه لإسرائيل هو الموسيقى المفضلة للملايين من «المسيحيين الإنجليين الصهاينة» والجمهوريين المحافظين، وجمع اليهود في الولايات المتحدة، بمن في ذلك الديمقراطيون الذين يتظاهرون بانهم لا يعشقون أفعال ترامب.
واستنتجت غالبية الدراسات أن خطوة الجولان كانت غير مبررة، وأفادت أنه مهما كانت الضغوط التي تمارس لتغيير وضع الجولان، فإن تحرك ترامب مرتبط بحساباته السياسية وحسابات نتنياهو.
لم يكن هناك أي نوع من الضغوط بشأن الجولان داخل الكيان الإسرائيلي أو خارجه، وفي الواقع، وفقا لأقوال الخبراء، كان من المفترض على نطاق واسع أنه بسبب الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية السورية، ووضع الأسد ونظامه، فإن أي مفاوضات أو تغيير للوضع فيما يتعلق بهضبة الجولان كانت بعيدة المنال وغير ذات صلة، وعلى العكس من قرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للاحتلال الإسرائيلي أو فتح السفارة هناك، لم تبرز أي مطالب حزبية ديمقراطية أو جمهورية.
الإدارة الأمريكية لم تفكر في تداعيات قرار الجولان، وهي غير مهتمة بالتداعيات، ولكن الاعتراف يعتبر سابقة مضرة جدا، وفقا للمحللين الأمريكيين، في الشرق الأوسط وخارجه، وإذا أعتقدت إدارة ترامب ببساطة أنها خلقت واقعا جديدا فهي مخطئة بالتأكيد.
قرار ترامب لم يقوض فقط قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي، وانما أيضا ميثاق الأمم المتحدة نفسه، بما في ذلك مبادئ الحل السلمي للنزاعات وعدم مقبولية الاستيلاء على الأراضي بالقوة، كما أرسل القرار إشارة قوية للحكام المستبدين الذين يعشقهم ترامب، في كل مكان بأن ما يفعلونه أو ما قد يفعلونه في المستقبل سيكون مقبولاً إلى حد ما ولن يواجه أي تحد.
الجولان وترامب/ فاطمة ياسين
شنّت إسرائيل، في يونيو/ حزيران عام 1967، حرباً خاطفة سمتها حرب الأيام الستة، على الرغم من أنها استمرت خمسة أيام فقط، احتلت خلالها ما يعادل ثلاث مرات المساحة التي كانت عليها من قبل، فقد استولت بشكل كامل على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية، والضفة الغربية والقدس، وكذلك مرتفعات الجولان والقنيطرة من سورية. وأضافت هذه الجغرافيا ميزة لإسرائيل، وأعطتها قوة تفاوض قصوى. وبعد صراع مرير في غرف المفاوضات، وتنازلات عاطفية كبيرة، استعادت مصر سيناء. وبموجب اتفاقيات أوسلو سيطرت السلطة الوطنية الفلسطينية على غزة، وجزء من الضفة الغربية، بأوصال مقطعة، وبقيت القدس تحت السيطرة الإسرائيلية منتظرة مصيرها النهائي. أما على الجانب السوري فقد أعيدت القنيطرة إلى السيادة السورية بوساطة هنري كيسنجر بعد حرب تشرين (أكتوبر) 1973، وبقيت القبضة الإسرائيلية محتفظة بمرتفعات الجولان التي تمسّكت بها لأهميتها العسكرية، وللحفاظ على ورقة تفاوض قوية في يدها. وفي خطة لرفع السقف، وإظهار التشدّد، أصدر الكنيست آنذاك قانوناً يضم بموجبه الجولان إلى السيادة الإسرائيلية. ومع ذلك، استمر أهالي الجولان بالتمسّك بهوية سورية، وواظب حافظ الأسد على شراء التفاح الجولاني، في خطوةٍ ذات رمزية، حتى قرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل أيام، الاعتراف بالهضبة جزءا من إسرائيل. ويأتي هذا الاعتراف في سياق استراتيجيةٍ يعتمدها ترامب لمواجهة إيران، وفي الوقت نفسه دعماً لإسرائيل.
لا يفاجئ ترامب أحداً بموقفة الجديد، ولكن اعترافه يكشف عن ضعف الهيكل السياسي الإقليمي، ويقين ترامب بأن كيانا كجامعة الدول العربية لا يمتلك وسائل مؤثرة للرد، كما يكشف أن ترامب ضاق ذرعا بتقاليد النظام العالمي الحالي، ويود بالفعل أن يكسر ثوابته الأساسية.
يمكن اعتبار سورية الحالية مقسّمة بالفعل، فثلثها يخضع لقوات سورية الديمقراطية (قسد) وجيش سورية الديمقراطية الذي ترعاه الولايات المتحدة، وجزء كبير من الشمال الذي يضم إدلب وبعض ريفها وبعض ريف حلب وحماة واقع تحت سيطرة قوات عسكرية مختلفة، أبرزها هيئة تحرير الشام، والجزء الباقي يديره النظام. وتعتبر الكيانات الثلاثة بمنتهى الضعف، وجميعها تعتمد على جهاتٍ خارجية، ولا تتمتع بدعم كبير من دواخلها. وبذلك يفقد الكيان السوري قوامه السياسي. الضعف السوري جزء من ضعف أكبر على مستوى الإقليم، وتتوزع توجهات الدول المجاورة لتدعيم هذه الكيانات المتناحرة على أرض سورية. ويعكس هذا خلافات الوسط الإقليمي القابل للاختراق، وغير القادر على مواجهة خطوة ترامب الذي يقدّم هدية لبنيامين نتنياهو، قد تتحول إلى حقيقة جغرافية بعد مضي زمن.
ربما توقع ترامب موجة الانتقادات الضخمة التي واجهته بها أوروبا والعالم، برفضها الاعتراف لإسرائيل بالسيادة على هضبة الجولان، ولكنه اختبر العينة نفسها من المواجهات عندما ألغى الاتفاق النووي مع إيران، حينها تكتلت أوروبا، بمن فيها حليفته بريطانيا، ضد قراره، ثم ما لبث هذا التكتل أن ضعف، وبدأ يبحث عن مخرجاتٍ سياسية لتتماشى سياساته مع ما يريده ترامب. واليوم تؤدي الدول الغربية والأمم المتحدة “نوافلها”، وتندّد بما فعله ترامب، ولكن من دون أن تتأثر الجغرافيا بذلك. وقد يفيد نتنياهو، فيضمن مقعد رئيس الوزراء للسنوات الأربع المقبلة، ويقرّر أن يرد لترامب المعروف من خلال “صفقة القرن”، وهذه ميدان آخر، سيمارس فيه ترامب هوايته بتكسير كل ما شبت عليه السياسة الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
يدفع ترامب باتجاه الاستفادة من الأوضاع السائدة، لتحقيق مكاسب ذاتية له، ولحلفائه. ولا يتوقف الأمر عند الحلفاء، فقوى أخرى تستفيد جزئياً من السلوك الأميركي، مثل روسيا التي تتحكم بمساحة كبيرة من الأرض السورية. وقد يصبح إقليم القرم تابعاً لها كليا، ويمكن أن تستفيد الصين، هي الأخرى، فتمد يدها نحو تايوان التي طالما اعتبرتها جزءاً منها، قد يحدث هذا بالأسلوب نفسه الذي اعتمده ترامب لإلحاق الجولان بإسرائيل، ويكون بذلك فتح باباً واسعاً لا تملك الأمم المتحدة، ضمن ميثاقها الأساسي، ما يساعد على ضبطه أو إغلاقه.
العربي الجديد
سوريا الأسد صارت “جولان” أخرى/ بول شاوول
مّر أكثر من نصف قرن على احتلال العدو الإسرائيلي هضبة الجولان. في حرب 1967 دخلت إسرائيل هذا الجزء السوري العربي ولم تجد من يقاومها. فوزير الدفاع آنئذٍ حافظ الأسد سحب جيشه قبل وصول الجيش الإسرائيلي. أي سلّم المنطقة تسليم اليد. وبعد انقلابات عديدة بين أطراف حزب البعث تسنمَ الأسد رئاسة البلاد. وفي 1973 لم يسترد النظام الهضبة في حرب أكتوبر بل أجزاء صغيرة منها. فاحتفل بالنصر. لكن اسرائيل احتلتها. وفي عام 1974 إتفق النظام والكيان الصهيوني على نوع من وقف إطلاق النار. قلنا إن الأسد داهية ولا بد أنه يتحضر لحرب يسترد فيها الأرض كلها: لكن يبدو أن الاتفاق الذي تم بين النظام والكيان قد طوب الاحتلال مقابل ما يشبه إتفاقاً ضمنياً آخر لتعويضه عن الجولان بلبنان، شرط تصفية المقاومة الفلسطينية في لبنان. وهكذا جاء “المنقذ” إلى بلاد الأرز بجيشه ومخابراته ضمن قوات الردع العربية، ساعياً إلى تفكيكها وإخراجها ليبقى وحده. وقد نجح في ذلك. فرض وصايته على الشقيق الأصغر ونكّل بأهله واغتال من اغتال وتم نهب ما نُهب… والجولان يزدهر في قبضة إسرائيل. ثم هُوّد الجولان. فقلنا من جديد لعل الأسد الداهية قد يعمد ولو إلى بادرة جدية أو تحرك أو حتى موقف ساطع… لكن مرّ التهويد أيضاً مرور الكرام. وخلفه ابنه بشار فتفاءلنا خيراً: لعل الإبن يُقدم على ما لم يُقدم عليه الوالد فيفكر على الأقل بأرضه المحتلة. لكن هذا الشبل من ذاك الأسد إهتدى سبيل والده. وبقيت الجولان محتلة. وبقيت الوصاية في لبنان. دمروا الديموقراطية صادروا مجلس النواب، والحكومة، والجيش، والديموقراطية، والحريات، وجذروا وجودهم تجذير إسرائيل وجودها في الجولان.
وها هو ترامب يتجاوز كل الخطوط الدولية وينقل السفارة الأمريكية إلى القدس. خطوة أولى. الثانية هي الأدهى: إعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان. ولا نظن أن وضع النظام المتهاوي في سوريا أو حتى الحروب التي تحاصر العرب، خصوصاً من إيران، هي فقط ما شجع الرئيس الأميركي على خطوته المجنونة. فبشار دمّر بلده وقتل شعبه وهجّر الملايين وتسبب بقتل نحو أربعمائة ألف سوري بل أكثر… عندما إستجلب إيران بحزبها اللبناني وفيلقها وحرسها الثوري لإنقاذه ولمحاربة الشعب السوري. كان مرتزقة إيران يمرون قرب الجولان مرور الكرام يلاحقون الجيش الحر، والجولان على بُعد خطوات منهم. بل قال أحد قيادات إيران أثناء وجوده في سوريا: إسرائيل ليست الآن من أولوياتنا.
إذاً ليست المفاجأه أن يعمد ترامب إلى إعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان بل باستنفار العالم كله ضد خطوته ما عدا النظام السوري. فكأن الجولان صار مجرد ذكرى من أخبار الماضي. بل خبر آت من قارة أخرى. والجوهرة التي جاد بها وزير الخارجية المعلّم: “إنّ أميركا عزلت نفسها” .
كل العالم العربي بأنظمته وسياسييه ومثقفيه دان جريمة ترامب ولم يعترف بها ما عدا أصحاب القضية. وبدلاً من أن يستنفروا قواتهم وجيشهم ها هم يستنفرون عملاءهم في لبنان تحضيراً لعودة البطل المنتصر على شعبه بشار إليه بقوة.
ذلك أنه ما زال في ذهنية الأسد أن لبنان ملكية مطوبة للعائلة وها هو رغم كل مآسي بلاده يفكر بالعودة إلى لبنان بأمل الهيمنة عليه.
نظن أن الجولان تستحق نظاماً آخر يستعيدها أو حتى يضعها في إستراتيجيته. لكن حتى نظام الأسد لم يعد موجوداً. فمن يسترد ومن يرجع؟ بل جعل الأسد سوريا كلها جولان أخرى تحتلها خمس دول تتنازع أرضها وخيراتها.
دائماً كان منطق الأسدين الأرض مقابل النظام.
المستقبل
قرارات ترامب بشان مرتفعات الجولان تعود الى عصر اخر، على الاتحاد الأوروبي ان يقلق/ فيصل اليافعي
في البدء كانت تغريدته ثم تلا ذلك الإعلان. غرد ترامب الأسبوع الماضي معلنا عزمه على اسقاط عقود من القانون الدولي المستقر والاعتراف بسيادة إسرائيل على الأراضي السورية المحتلة: مرتفعات الجولان وهذا الأسبوع وقع على الإعلان
كانت الإدانة العالمية سريعة كما كان متوقعا. مصير زهاء ال 100,000 سوري الذين اضطروا للنزوح من الأراضي التي احتلت عام 1967 غير واضح شانهم شان الدروز السوريين الذين لم يبرحوا ارضهم. ومع ذلك، فإن قضية مرتفعات الجولان لا تتعلق بإسرائيل بقدر ما تتعلق بباقي العالم.
بالفعل يكافئ هذا القرار السياسيين الإسرائيليين على خروجهم على القانون الدولي، القرار الذي يهيا الظروف للقوة العسكرية لتصبح، بعد عقود عديدة، العامل الحاسم في العلاقات الدولية. سوف يكون لهذا القرار الذي يهدف الى مكاسب سياسية قصيرة الاجل تبعات طويلة المدى-مما يجعل أماكن أخرى في العالم اقل امنا.
مثلت القواعد القانونية المتعلقة بعدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة السارية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية جزءا من منظومة تضمن عدم استئساد الدول القوية على الدول الأخرى والاستيلاء على أراضيها.
سوف يكون قبول ضم مرتفعات الجولان بهذه الطريقة سابقة في المناطق التي تم ترسيم حدودها مؤخرا. ففي الشرق الأوسط تسعى تركيا لإنشاء مناطق نفوذ بطول الحدود الشمالية مع سوريا مما يمهد الطريق لأنقرة لاحتلال الأراضي السورية.
لن يتوقف الامر عند هذا الحد وانما سوف يكون لها تداعيات خارج منطقة الشرق الأوسط وسوف تمثل سابقة مرتفعات الجولان خطرا على الاتحاد الأوروبي بشكل خاص اذ يذكرنا استيلاء إسرائيل على مرتفعات الجولان باستيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، الامر الذي لاقى انتقادا من الولايات المتحدة والتي فرضت عقوبات على روسيا بسببها. فاذا كانت الولايات المتحدة تقر استيلاء إسرائيل على الأراضي السورية لماذا لا تقر استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم؟
في الحقيقة اتسم استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم بمسحة من الشرعية الديموقراطية حيث تم طرحه للاستفتاء في الأراضي الأوكرانية؛ ولكن على النقيض لن يجري استطلاع لراي دروز مرتفعات الجولان والاف السوريين الذين اضطروا للنزوح منها.
ولا يتوقف الامر عند هذا الحدفالاتحادالأوروبي ملئ بالحدود المتنازع عليها إما لأنه لم يتم ترسيم الحدود بشكل صحيح، أو تم ترسيم الحدود مؤخرًا فقط، أو انه قد تم ترسيم الحدود تحت ظروف القوة أو الضغط، وهذا هو الوضع الشائع، ففي دول البلطيق في البلقان والمناطق حول البحر الأسود هناك مجال واسع للنزاعات الحدودية.
علاوة على ذلك، ثبت ان النزاعات الحدودية تتسم بالانفعالية بشكل لا يصدق، ويتم تسليحها بسهولة من قبل الجماعات اليمينية تحت راية الوطنية. وقد كانت حركة المستوطنين في إسرائيل هي التي تحرك قضية مرتفعات الجولان منذ التسعينيات؛ولا يزال من الممكن رؤية المؤيدين في تل أبيب حيث تتزين السيارات بملصقات “الشعب مع الجولان”. هذه التوليفة من الأرض والناس تؤدي الى اشتعال الغضب، والبلدان من أوكرانيا إلى مقدونيا لديها تجاربها الخاصة بها.
وتتضمن بؤر التوتر التالية المحتملة بين روسيا والاتحاد الأوروبي كافة هذه العناصر. دول البلطيق الثلاث:استونيا، لاتيفيا وليتوانيا ، جميعها أعضاء بالاتحاد الأوروبي محصورة بين روسيا وبحر البلطيق وجميعها مثل أوكرانيا لديها طائفة الروس الاثنية وجميعها كانت هدفا للحملات الدعائية الروسية التي تهدف كما يبدو الى تأجيج التوترات العرقية.
واستنادا إلى قواعد اللعبة التي تمارسها روسيا في شبه جزيرة القرم، فإن الخطر يكمن في قدرة روسيا على الاستيلاء على أجزاء من الدول الثلاث، مما يجبر الناتو والاتحاد الأوروبي على الاختيار بين خوض حرب كبرى ضد روسيا، أو قبول فقدان أراضيهم. وسوف تمنح سابقة هضبة الجولان الرئيس الروسي سلطة معنوية كبيرة لتبرير تلك الخطوة.
ولطالما كان الاتحاد الأوروبي والناتو قلقين من العدوان الروسي على دول البلطيق، خاصة بعد ضم شبه جزيرة القرم. وفي ذلك الوقت، حذر وزير الدفاع البريطاني من أن الروس قد يشنون حملة لزعزعة الاستقرار في أي من تلك البلدان، كما فعلت في أوكرانيا. ويؤخذ تهديد ألمانيا ببناء مركز قيادة بحري جديد في مدينة روستوك الشمالية، على بحر البلطيق على محمل الجد. والفكرة هي أن المنشأة يمكن أن تعمل كمركز قيادة للناتو أو الاتحاد الأوروبي في حالة حدوث أزمة في البحر.
وعلى صعيد الحدود السورية الإسرائيلية لا يغير قرار ترامب من الامر فقد توقفت محادثات السلام بين البلدين منذ زمن طويل وسمحت إسرائيل للمستوطنين اليهود بالعيش في المنطقة لعقود. وفيما يتعلق بال100,000 سوري ونسلهم الذين كانوا يعيشون هناك فانهم يفتقدون العدالة شانهم شان ملايين الفلسطينيين.
ولكن ما يحدث هو تغيير ملامح القواعد الدولية، مما يغذي شعورًا بأن إدارة ترامب تفضل العالم القديم حيث القوة فوق الحق.وبالنسبة لجميع السياسات قصيرة الأجل التي يبدو أن ترامب يركز عليها، فإن الآثار طويلة الأجل لهذا القرار ستكون جادة وهامة.
عودٌ إلى جدار جابوتنسكي الحديدي/ مايكل يونغ
قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ذكّرني بطرفة قديمة تدور كالتالي: “قررت أن أتزوج من عارضة الأزياء كلوديا شيفر. صمّمت أن أُقدم على هذه الخطوة، وكان والدي ووالدتي موافقين كلياً. والآن، كل ما أحتاجه هو إقناع كلوديا بذلك.”
بالمثل، إسرائيل والولايات المتحدة قررتا وحدهما أن مرتفعات الجولان إسرائيلية، وهما قد يفعلا ذلك قريباً حيال أجزاء شاسعة من الضفة الغربية أيضا، لكن، عليهما أن يقنعا بقية العالم بهذا. وهذا أمر لايبدو وارداً في ضوء ردود الفعل الأوّلية في العديد من البلدان. ولنتذكّر هنا أنه بعد أن ضمّت إسرائيل الجولان العام 1981، وصف قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 497 هذه الخطوة بالإجماع بأنها “باطلة ولاغية”، وطالب إسرائيل بـ”إبطال ونقض” قرارها. ويوم الإثنين الماضي، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أنه يواصل الالتزام بكل قرارات مجلس الأمن حول الجولان.
حشد كلٌ من أنصار هذا القرار ومنتقديه نصوص القانون الدولي، وفي الواقع حتى التاريخ نفسه، للمحاججة بصحة او لاصحة الاعتراف الأميركي بقرار الضم . بيد أن الحقيقة هي أن قرار ترامب يسعى في المقام الأول إلى المضي قدماً في فرض إطار جديد للعلاقات العربية- الإسرائيلية. فإدارته تريد استبدال صيغة “الأرض مقابل السلام”، (التي تعني أنه يتعيّن على إسرائيل الانسحاب من أراض عربية محتلة مقابل السلام مع العرب)، بصيغة تتضمن القبول بالمقولة أن إسرائيل قوية بما فيه الكفاية لترفض تقديم أي تنازل.
وفي هذا السياق، تعتبر جهود إسرائيل لدفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بسيادتها على الجولان، خطوة كبرى نحو دفن “عملية السلام” التي انطلقت في التسعينيات. وهذا يعني أن إسرائيل وداعميها الأميركيين لايحرّكهم حافز التوصّل إلى حصيلة أكثر فعالية في المفاوضات، بل تمزيق فكرة المفاوضات نفسها وبرمتها. إنهم يريدون أن تستخدم إسرائيل تفوّقها العسكري لتفرض واقعاً سياسياً جديداً على الدول العربية.
مثل هذه الذهنية كانت مُتضمنة في الملاحظات التي أدلى بها مدافع أساسي عن قرار ضم الجولان، هو المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي مايكل دوران. فرداً على سؤال طرحته مدوّنة “ديوان” في تموز/يوليو الماضي، قال: “إن مخاطر إعادة الجولان إلى سورية لاتتعلق فقط بتحالف نظام الأسد مع إيران، بل لأن سورية بطبيعتها ليست كياناً سياسياً مستقرا. ولذا، وحتى لو برز يوماً ما في دمشق نظام موالٍ للولايات المتحدة ومحبذ للإستقرار الإقليمي، فلن نكون قادرين البتة على الرهان على بقائه واستمراره.”
ما كان يقصده دوران عملياً هو أن كل مفاوضات السلام مع سورية، أو حتى مع الفلسطينيين الذين يعاينون من حالة لااستقرار مُماثلة، لا معنى لها. بدلاً من ذلك، يتعيّن على إسرائيل ضمان أمنها من خلال الانخراط في عمليات التوسّع الدفاعي. بكلمات أخرى، كي تبقى إسرائيل آمنة حقاً، يجب أن يُسمح لها بالاستيلاء على المزيد من الأراضي العربية. ومثل هذا المنطق يشكّل في الواقع رجع صدى مذهلاً ونسخة طبق الأصل عن الهياج المحموم المُماثل لأعداء إسرائيل من القوميين العرب، الذين كانوا يُدانون آنذاك بكونهم ذهانيين وإيديولوجيين.
مالدينا الآن هو نسخة مُتجددة عن فكرة “الجدار الحديدي” التي كان يدافع عنها المراجِع الصهيوني زئيف جابوتنسكي، الذي جادل في أحد مقالاته العام 1923 بأن الاستيطان اليهودي لفلسطين يجب أن يمضي قدماً خلف “جدار حديدي” من التفوّق العسكري الإسرائيلي الكاسح. وهذا لأن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوافق بموجبها العرب على الوجود اليهودي في فلسطين،”هي الجدار الحديدي، أي القوة الصلدة في فلسطين التي لاتذعن إلى أي ضغط عربي. بتعابير أخرى، (والكلام لايزال لجابوتنسكي) الوسيلة الوحيدة للوصول إلى اتفاقية في المستقبل، هي التخلي عن كل فكرة تسعى إلى إبرام اتفاقية في المرحلة الراهنة”. واليوم، تقوم إسرائيل بتمديد هذا المبدأ ليشمل كل العالم العربي.
والآن، ومع طرحها جانباً الحديث عن المفاوضات حول سلام إقليمي، سيكون هدف القوة العسكرية الإسرائيلية صياغة رد الفعل العربي على إسرائيل بشكل يفيد الإسرائيليين مستقبلا.
بالتأكيد هذا هو التبرير الذي تبنّته إدارة ترامب ونظراؤها الإسرائيليون، وهو يتمثّل بالخطوات التالية: تقويض موقف الفلسطينيين في ما يتعلق بالقدس الشرقية، ووضعيتهم كلاجئين، والاتصالات مع الولايات المتحدة؛ وإقامة علاقات مع الدول العربية للاستدارة على الفلسطينيين وتهميشهم؛ وإلقاء أعباء ثقيلة على كاهل المجتمع الفلسطيني ليصبح أكثر قابلية للانصياع إلى الإملاءات الإسرائيلية. وبهذه الطريقة، في حال تمّ التوصل في نهاية المطاف إلى تسوية مع الفلسطينيين ومعظم الدول العربية، ستكون هذه وفقاً لشروط إسرائيل.
قرار الجولان ليس سوى استكمال لهذا النمط من التنظير. فهو استمرار لخطوات سابقة، مُتضمّناً هذه المرة سورية، بدءاً من الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، مروراً بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك برامج الولايات المتحدة التي تموّل الفلسطينيين، وصولاً إلى إغلاق القنصلية العامة الأميركية في القدس والمكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة. وتُظهر أحادية تلك الإجراءات والروح الانتقامية التي تتسم بها، مثلها مثل تداعياتها على المدى الطويل، بأنها لم تكن وليدة ساعتها، بل هي جزء من مقاربة مدروسة بعناية تهدف إلى إعادة رسم معالم أسس العلاقات العربية – الإسرائيلية نفسها.
ثُمّ: يصادف أن هذه الخطوات تتناسب جيداً مع هدف مجموعة من المُشرعين المؤيدين لإسرائيل في الكونغرس الأميركي تُطلق على نفسها اسم “تجمّع نصر إسرائيل في الكونغرس”. ويَعتبر هذا التجمّع أنه “حان الوقت للتخلي عن مفاهيم ما بعد الحديثة المتعلقة بالإغناء والعودة إلى المفهوم المُثبت للنصر. ربما حان الوقت كي تنتصر حليفتنا إسرائيل، وحان الوقت لمنح الفلسطينيين فرصة تحسين حياتهم”. بعبارة أخرى، يتلخّص الهدف الذي تبنّته إدارة ترامب في إعلان انتصار إسرائيل على الفلسطينيين، والتخلي عن الفكرة بأن صنع السلام يتطلب قيام العرب والإسرائيليين على حدّ السواء بتضحيات متبادلة.
أخيراً، لابدّ من الإشارة إلى أننا على عتبة مرحلة ترفض فيها إسرائيل ببساطة التنازل عن أي أراضٍ مقابل السلام مع الفلسطينيين، أو مع العرب عموماً. لكن على ما يبدو غالباً ما يكون الغموض الدبلوماسي أفضل نهج يمكن اعتماده في معالجة المشاكل المستعصية. بيد أن إسرائيل والولايات المتحدة بإقدامهما على توضيح الأمور، ربما قد ارتكبتا خطأ ستندمان عليه لاحقاً. فإسرائيل ومؤيدوها يوّدون القول إن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والنزاع العربي- الإسرائيلي الأوسع لم يعودا يتمتعان بأهمية بالنسبة إلى معظم العرب، بيد أنهم أكّدوا للتو أن العكس هو الصحيح.
مركو كارنيغي للشرق الأوسط