درعا مقياس الصراع في سوريا/ إياد الجعفري
في الأيام العشرة الماضية، ارتفعت درجة حرارة الصراع في سوريا، تحديداً في زاويتها الجنوبية الغربية، درعا، لتدخل المخابرات الأردنية، ومن ورائها الأمريكية، على خط الصراع، وسط استنفار للقوى من جانب الطرفين المتصارعين، الإيراني والروسي.
“أحمد العودة”، القيادي في “الفيلق الخامس” المدعوم روسياً، يزور الأردن مجدداً، بالتزامن مع ظهور القيادي المعارض سابقاً، “عماد أبو زريق”، من جديد على الساحة الميدانية بدرعا، على رأس تشكيل مقاتل، من ألف عنصر، بعد عودته من الأردن، التي لجأ إليها أثناء هجوم النظام للسيطرة على درعا، في مطلع الصيف المنصرم.
ولا يمكن فهم عودة “أبو زريق” إلى درعا، كقائد لميليشيا مسلحة، إلا بوصفه نتيجة تفاهم بين المخابرات الروسية، ونظيرتها الأردنية. وعلى الأغلب، فإن المخابرات الأمريكية، كانت طرفاً في تفاهم كهذا. فـ “أبو زريق”، هو القائد السابق لما عُرف بـ “جيش الثوار”، أحد أبرز أقطاب “الجبهة الجنوبية”، التي كانت تتلقى دعماً وتوجيهاً من غرفة “الموك” الشهيرة، والتي كانت تضم ممثلين عن المخابرات الأردنية والأمريكية، في عمّان.
ورغم أن “أبو زريق” كان منافساً لـ “أحمد العودة”، قبل سيطرة النظام على درعا، إلا أن استدعاء “العودة” إلى الأردن، يظهر دور المخابرات الأردنية، التنسيقي، بما يخدم هدف دعم النفوذ الروسي في درعا، بمواجهة التمدد الإيراني المتسارع.
فإيران باتت تُسيّر مليشياتها بشكل علني، وبصيغة ترهيبية للأهالي، كما حدث مؤخراً في ريف درعا الشرقي، حيث تجول رتل مقاتل من الميليشيات الإيرانية، ضم مقاتلين ملثمين، بأقنعة سوداء وأشرطة خضراء، مزود بمضادات طيران، وبسيارات دفع رباعي بلا لوحات. الأمر الذي أشاع مخاوف بين أهالي بلدات الريف الشرقي، خشية اعتقالات ومداهمات.
وقبل ذلك بأيام، ظهر أحد قادة ميليشيا حزب الله اللبنانية، في بلدة بشمالي درعا، مستخدماً سيارة “جيب” تحمل لوحة لبنانية.
تلك العلنية التي اتسمت بها التحركات الأخيرة للميليشيات التابعة لإيران في درعا، توحي برغبة طهران في رفع درجة التحدي للروس، وكذلك للأردنيين والأمريكيين والإسرائيليين، الذين سبق أن اتفقوا مع روسيا، على إبعاد إيران عن الحدود الأردنية وحدود الجولان المحتل. وكانت النقطة الأخيرة هي الركيزة التي على أساسها، تخلت واشنطن عن الجنوب السوري للروس ونظام الأسد، في صيف العام المنصرم.
لكن الروس فشلوا بشكل جلي في وقف التمدد الإيراني في درعا، نظراً لكونه يعتمد على أجهزة داخل مؤسسات “الدولة السورية”، متمثلة بصورة رئيسية في جهاز المخابرات الجوية، والفرقة الرابعة في الجيش.
هذا الفشل الروسي تطلب تدخلاً مخابراتياً أردنياً- أمريكياً، تمثّل في استدعاء أوراق قوة قديمة، ضمن المعارضة السورية المسلحة، الأمر الذي يُفسّر ظهور “عماد أبو زريق” في درعا، على رأس تشكيل مقاتل، بتسهيل من روسيا وبعض مؤسسات “الدولة السورية”، تحديداً الأمن العسكري المُقرّب من روسيا.
وقبل ذلك بأيام، كانت هناك محاولة من جانب جزء من تركيبة النظام، المحسوبة على روسيا، لإعادة بناء الثقة، وتمتين الصلات مع قيادات أهلية بعضها كان من رموز الحراك المعارض، من أبناء درعا، عبر اجتماع عُقد في دمشق، حضره علي مملوك، مدير مكتب الأمن الوطني، ووزير الدفاع، علي أيوب، وضباط كبار آخرين. وتلقت فيه القيادات الدرعاوية وعوداً بتنفيذ ما لم يُنفذ من اتفاق المصالحة المعقود في مطلع الصيف الماضي، من قبيل، سحب الجيش والأجهزة الأمنية من الحواجز داخل وبين القرى والبلدات، إلى الثكنات، وكذلك إطلاق سراح المعتقلين، وإعادة الموظفين المفصولين إلى وظائفهم.
التطورات الأخيرة كانت امتداداً لتطورات ميدانية سابقة، حينما هاجم مقاتلون محسوبون على “الفيلق الخامس” بقيادة أحمد العودة، حاجزاً للمخابرات الجوية المقربة من إيران. ويبدو أن إعادة “أبو زريق”، منافس “العودة” السابق، إلى المشهد الميداني، يوحي بأن “العودة” لم يعد وحده كافياً لمواجهة التمدد الإيراني المتسارع في درعا.
وتتمثل مهمة الرجلين “أبو زريق” و”العودة” في تكثيف الجهود لتجنيد كل المعارضين السابقين للنظام، وأولئك المستائين من التمدد الإيراني، في تكتلات مسلحة مدعومة من روسيا، تعزز النفوذ الروسي على حساب نظيره الإيراني.
لكن بخلاف القراءة السابقة، يُحذّر بعض أبناء درعا من النشطاء المعارضين، من أن الرجلين (أبو زريق، العودة) يعملان على إجهاض أي إمكانية لتبلور مقاومة شعبية جدّية ضد النظام والروس والإيرانيين، معاً. فالهجمات التي تعرضت لها حواجز للنظام، سواء المحسوبة على إيران، أو تلك المحسوبة على روسيا، ظهرت وتكررت بعيد سيطرة النظام على درعا، في صيف العام الماضي. ويعتقد هذا الفريق من النشطاء المعارضين، أن تلك الهجمات، التي تبنتها قوى حملت اسم “المقاومة الشعبية”، تعبير عن حراك معارض ما يزال حيّاً في درعا. وهو ما تجلى، حسب هؤلاء، في التظاهرات التي شهدتها بلدات في المحافظة، خلال الشهر الفائت، عقب نصب تمثال حافظ الأسد، في مركز مدينة درعا.
ورغم وجاهة وجهة النظر السابقة، إلا أن أصحابها لا ينكرون ملامح الصراع الروسي – الإيراني الذي بات علنياً في درعا، والذي تنقسم مؤسسات “الدولة السورية” وفقه.
وفي مواجهة الاصطفاف الإسرائيلي – الروسي، الذي بات أكثر علنية، وودّاً، وكذلك في مواجهة تفاقم الضغوط الأمريكية، لا يبقى لدى إيران سوى الذهاب بعيداً في استراتيجيتها القديمة الجديدة، وهي تعزيز ساحات نفوذها، القريبة تحديداً من إسرائيل. وتبدو درعا، هذه المرة، المرشحة الأولى لتكون ساحة “نزاع” لم يعد ينحصر بالطرفين الروسي والإيراني فقط، بل دخل الأمريكي، عبر الأردن، على خطه، لتصبح درعا باختصار، مقياس الصراع في سوريا، وعليها.
المدن