لا بد من استئصال هذا الداء/ يحيى العريضي
لم يمر شيءٌ في الحياة السورية خلال الثماني سنوات الماضية إلا واستفادت منه سلطة دمشق، واستغلته أبشع استغلال. حتى ضم إسرائيل للجولان السوري، سعت تلك المنظومة الخبيثة أن يكون في صالحها؛ رغم أن ما فعلته في سوريا كان الفرصة الأكثر إغراءً لإسرائيل أن تضرب ضربتها بمباركة أمريكية. فإذا كانت منظومة الاستبداد قد استغلّت وصمة العار هذه ووظفتها في تكريس سرديتها في (استهداف المقاومة والممانعة)، فما بالك بالعدد غير المحدود من المصائب التي لحقت في كل أسرة سورية، أكانت مع النظام محايدةً أو خوفاً أو سفالةً؛ أو كانت على الضفة الأخرى التي تكاد تصل إلى الدمار النهائي؟!
منذ البداية، عرف هذا النظام رعب العالم من الاٍرهاب؛ فقدّم نفسه مقاوماً ومحارباً للإرهاب؛ فعندما لم يجد مبرراً للبطش بحراك سوري سلمي، أطلق صفة الإرهاب على كل مَن خرج متظاهراً؛ وزاد على ذلك إطلاقه لمعتقلين متطرفين تحولوا إلى قيادات لداعش ولأفراد القاعدة؛ وتابعيتهم الأساسية لفروعه الأمنية ولإيران التي هبت لدعمه. وعندما تهيأت له تلك الذريعة، استغلها إلى أقصى درجاتها، فاستخدم كل أنواع الأسلحة التقليدية والمحرّمة على سوريا وأهلها، دون أن ترف عين تردعه. واستدعى الإيرانيين والروس تحت هذا اليافطة، وفِي ظل هذه الذريعة التي صنعها وجذبها.
صوّر أبواق إعلامه أن “الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية ضد هذا النظام المقاوم الممانع”. صوروا حزب الله كمجاهدين طردوا الاحتلال الإسرائيلي من لبنان، وها هم يحاربون أدواته في سوريا. صوّروا إيران مجاهدة تريد الخير لسوريا كما حمت العراق من الأمريكيين، واليمنيين من السعوديين. صار كل من يقدم عونا للسوريين الهاربين من ناره ودماره إرهابيين؛ يعمل من يؤويهم على خراب سوريا.
عندما انحسرت حجته الأساس: “الاٍرهاب” وعندما أصبح نصف أهل سوريا في حالة تشرد، انتقل إلى ما تبقى من السوريين ليمعن فيهم إذلالاً وإهانة؛ ففي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا الآن، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها/ هو كقفّاز، والقوى الإيرانية والروسية كقوة فعلية؛ تقوم سردية العصابة الآن على أن المؤامرة إياها هي التي تمد أظافرها وتخلق هذه الأزمة. وحجته بذلك “أنها تريد إجباره على حل سياسي”.
الواضح في كل ما يحدث مؤخراً أنه بعد نفاد كل وسيلة تمكنه من الاستمرار في كرسي الدم، لا بد من خلق أزمة تشد إليه من بقي في مناطقه خنوعاً وخوفاً أو نذالة وانتهازية تحت يافطة “استمرار المؤامرة الدولية”. وإذا تمعن المرء بطبيعة مَن تصيبه الأزمة وتمزق ما بقي له من نثرات حياة، فهم الطبقة المسحوقة سلفاً تحت بطشه من ناحية، وتحت جشع أدواته وأُجرائه تجار الدم والأزمات؛ فبين طوابير السيارات الممتدة لكيلومترات بانتظار حفنة وقود، لن تجد سيارة تابعة لعصاباته. كثر من أولئك السائقين متقدمين بالعمر ومتعيشين، بعد أن تم تغييب الشباب إما خارج البلد أو في مقابره أو معتقلاته.
وكما أذلَّ هؤلاء وغيرهم بالطائرات والصواريخ والبراميل والمعتقلات والاحتلالات، ها هو يذلّهم اليوم بحاجاتهم الحياتية اليومية. من جانب يكرّس سرديته في المؤامرة الكونية، التي تحولت إلى حصار- فيجذبهم إليه كمنقذ وما لهم غيره وغير الخضوع المطلق له- ومن جانب آخر يقوم بعملية ابتزازية لتتضاعف عمولات تجاره وأدواته ويعود تدفق مال الدم والذل إلى خزائنه.
ليس تبعات كل ذلك إلا تمزقاً اجتماعياً وأخلاقياً وروحيا. وإن أتت جهة لنجدة هؤلاء، ستجد نظام العصابة يستنفر وينبري للدفاع عن السيادة قائلاً “إن لم يتم ذلك عن طريقي، فهو غير مشروع، ولن نسمح لأي جهة أن تصل لأي جائع في سوريا، إذا لم تكن عن طريقنا”؛ وهذا يذكر بمقولاته حول التدخل الدولي في سوريا؛ فلا نزال نذكر عبارات وليد المعلم، وزير خارجيته، عندما قال: من يريد أن يضرب في سوريا، فلا بد أن يكون ذلك بعلمنا أو موافقتنا أو عن طريقنا. ومن هنا ترى منظومة الاستبداد تصف التدخل الإيراني والروسي بالشرعي لأنه عن طريقة-“الدولة السورية”- كما يحب هؤلاء أن يقولوا؛ وترى التدخلات الأخرى توصَّف بغير الشرعية من قبل “النظام”. الأمر الوحيد الذي يغفله هؤلاء، وما هو خافٍ على أحد هو أن ما فعله نظام الاستبداد كان وراء كل تلك التدخلات في الجسد السوري.
يؤلم كل سوري ما يراه في بلده اليوم. أسباب ذلك لم تعد خفية على أحد. الخارج له يد أذت وأوجعت وخربت؛ ومَن سهّل امتداد هذه اليد، كي يبرر إجرامه، أيضاً معروف. جوهر المسألة الخلاص من المتسبب. لا بد من استئصال هذا السرطان. لا أدوية تفيد، ولا عمليات تجميلية تنقذ ما تبقى من سوريا وتعيدها إلى سكة الحياة.
تلفزيون سوريا