إدلب في جحيم الصراعات الدولية -مقالات مختارة-
إحباط يتجاوز خرائط السيطرة
مع كلّ حملةٍ عسكرية تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المُعارضة السورية، يفاجئنا النظام السوري وراعياه الروسي والإيراني بمزيد من العنف والرغبة في التدمير، من خلال سيناريوهات جديدة، أو عبر استنساخ سيناريوهات دموية قديمة وتطويرها لتصبح أكثر فتكاً ووحشيّة ممّا كانت عليه، وفق نموذج عنفي مُخطّط، ومنفلت من أيّ حدود أو قيود في الوقت نفسه.
وليس صائباً القول إنّ القصف والعنف الذي يمارسه النظام وحليفاه الروسي والإيراني عشوائيٌّ رغم همجيّته وشموله، بل هو دقيق ومُمنهج في أسلوبه وغاياته؛ موتٌ كثير وخوفٌ كثير ودمارٌ كبير. ووفق هذا المبدأ الدقيق في انتقاء الأهداف، لم يوفّر الروس منذ بداية حملتهم العسكرية المستمرة النقاط الطبية والمشافي ومراكز الدفاع المدني والمنشآت التعليمية في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، فإن لم يكن الهدف الموضوع للعمليات العسكرية اليوم هو السيطرة الكاملة على هذه البقعة بتوازناتها وترتيباتها بالغة التعقيد، فيجب أن تُجعل غير صالحة لعودة المدنيين إليها، ثم الاستفادة من الدمار والتهجير لاحقاً في فرض شروط جديدة للتسوية.
وإذا كان النظام السوري قد أدرك منذ العام 2013 أنّ أقدار العنف التي يمارسها ستمرّ دون عواقب حقيقيّة تردعه، رغم الضجيج الإعلامي الذي تحدثه على الصعيد الدولي، فهو اليوم، وبعد أن باتت روسيا شريكةً له في القتل والتدمير، لم يعد يخشى من أيّة عواقب، بل صار على درجة من الثقة تجعله لا يبالي بالصور القاسية التي ينقلها الإعلام عن إجرامه، وبالتالي لم يعد يجد نفسه مضطراً حتى للدفع بإعلامه من أجل تكذيب ما يحدث.
علاوةً على ذلك، ساعد النظامَ أنّ «قضاة الإنسانية» المُتمثّلين بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، قد ارتكبوا هم أيضاً مجازر في سياق «حربهم على الإرهاب» في سوريا، وإذا كانت مجازر الولايات المتحدة وحلفائها لا تقارن من حيث الكم بما فعله النظام مع حليفيه الروسي والإيراني، إلا أن بشاعتها لا تقلّ أبداً من حيث النوع، حتى بات بمقدور النظام أن يقول للجميع بصلف: لا تستطيعون إدانتي بتهمة قتل السوريين وأنتم تفعلون الأمر نفسه، وما خبر الرقة ودير الزور ببعيد.
وفوق هذا نجد أنفسنا أمام تغطية إعلامية عالمية ضعيفة لأعمال القتل والتهجير في إدلب وحماة، واهتمام دولي وعربي باهت على كافّة الصعد، وكأنّ العالم قد تعوّد هذا المشهد، ولن يكون بوسعه سوى استنساخ نصوص قديمة تستنكر سحق رؤوس المدنيين وتدعو لتغليب الحوار على العنف، في تكرارٍ لما حصل إبّان احتلال حلب وريف دمشق وريف حمص وقائمة طويلة من المدن والبلدات السورية، وتهجير أهلها.
ومردّ ذلك تقاطع أمرين متراكبين؛ أولهما أنّ الملف السوري الثقيل والمتشابك بات مُجهداً إلى حدّ اعتباره ثانوياً وهامشيّاً بهدف التّحلل من فواتيره القاسية، لا سيّما فيما يخصّ مسألة اللاجئين؛ وثانيهما شيوع الحديث دولياً عن ضرورة القضاء على هيئة تحرير الشام بوصفها منظمة إرهابية، بحيث لا يمكن لرافضي وجودها معارضةُ القضاء عليها، مع خطاب يعتبر أن وقوع ضحايا مدنيين ثمنٌ لا يمكن تجنبه؛ وإذا كان قلّما يصدر خطاب كهذا صراحة على ألسنة مسؤولين غربيين، إلا أنه يحضر في المشهد الخلفي لكل التصريحات والبيانات الباهتة بخصوص ما يجري في الشمال السوري.
أما فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية السورية، فرغم أن الحملة العسكرية تأتي خبراً أولاً على معظم المنابر والمواقع المعارضة للنظام، إلا أن التغطية تبدو باهتة أيضاً رغم ذلك. ولعل هذا يرجع إلى غياب الأفق وفقدان الأمل، ويرجع أيضاً إلى غياب عنصر رئيسي كانت إدلب نفسها ميدانه في الحملات العسكرية السابقة، وهو التظاهرات الشعبية الرافضة لتلك الحملات، والمتضامنة مع أهالي المناطق المستهدفة، وهو العنصر الذي كان يرفد وسائل الإعلام السورية بمادة رئيسية تتفاعل مع الحدث.
وبالنسبة لتركيا، فإنّ الهجوم على إدلب يعني أنّ رابع وآخر مناطق خفض التصعيد التي تشكّل ضامناً فيها لقوى المعارضة قد باتت مُهدّدة، ولا شك أن تركيا ليست متفاجئةً بأن مجمل مسار أستانا كان وسيلة بيد النظام وحلفائه لإلحاق الهزيمة بفصائل المعارضة وتهجير سكان مناطق كثيرة، فهي قد استفادت منه في الحصول على مكاسب مقابلة في منطقة عفرين وريف حلب الشمالي والشرقي، ولا يبدو أن لديها مكاسب مهمة أخرى يمكن أن تحصل عليها جراء هذا المسار، ما دام ملف شرق الفرات رهيناً بما تريده الولايات المتحدة.
على صعيد المعارضة السورية السياسية والعسكرية، فإن عجزها يبدو واضحاً إزاء تغيّرات الواقع السياسي والعسكري في البلاد، وهي باتت تدفع اليوم ضريبة تفككها وارتهان قرارها لمتطلبات «الأمن القومي التركي» على حساب دماء السوريين ومستقبل البلاد. ويبدو مشهداً مثيراً للأسى أن يُقرّر الائتلاف فتح مقرٍّ له لأول مرة في الداخل السوري، في منطقة خاضعة للسيطرة التركية، قبل أيام قليلة فقط من الهجوم على إدلب وريف حماة، حيث الحيز الوحيد للعمل دون الوصاية التركية المُطلقة؛ فهل سيكون دور الائتلاف المُنتظر في الداخل السوري مقتصراً على العمل كمجلس محلي تحت الوصاية التركية، يدير الشؤون الخدمية لمناطق درع الفرات وغصن الزيتون؟
ترسم العناصر السابقة معالم لوحة نبدو فيها عاجزين تماماً عن الفعل، حتى أنه لا يمكن تصوّر مخارج من هذا الوضع المستعصي، الذي يبدو فيها انتصار الأسدية الناجز بعيداً بقدر ما تبدو نهايتها بعيدة أيضاً. فالنظام الذي لا يجد وسيلة لاستعادة حكمه المستقرّ، لا يزال يحوز قدرة فائقة على البطش والقمع مدعوماً بحلفائه، ويواصل استخدام هذه القدرة على نحو يبدو عبثياً ولا فكاك منه في الوقت نفسه.
لا يترك تقاطعُ العوامل السابقة فرصة للهرب من الشعور الطاغي بالإحباط والخيبة؛ خيبة أهالي كفرنبودة التي سواها قصف الطائرات والمدافع بالأرض؛ خيبة الهاربين من بلداتهم وقراهم عندما لا يجدون سيارة تنقلهم إلى الشريط الحدودي، منتظرين البرميل الذي سترميه عليهم طائرة مروحية؛ خيبة المهجرين والمنفيين جميعاً عندما تخبرهم طائرات النظام وصواريخه المدعومة روسياً بأنهم لن يعودوا إلى بيوتهم في أي وقت قريب؛ والإحباط الذي يتركه تكرار سيناريوهات القتل والتهجير والتدمير التي تبدو كما لو أنها قدرٌ لا مهرب منه.
يتجاوز هذا الإحباط خرائط السيطرة الملونة بالأحمر والأخضر والأصفر بكثير، يتجاوزها إلى العدمية التي تأكل من أنفسنا على كل حال، سواء عاندناها باختراع الأمل من أي بصيص ضوء في الأفق، أم انجررنا معها إلى لعن كل شيء وتسخيف كل شيء. إدلب هي اليوم كل سوريا في الحقيقة، سوريا التي بتنا نشعر أننا لا نملك لها شيئاً، فيما يستمر دفع الأثمان المضاعفة للصراع بين دول ترى أنّ اكتمال سيطرتها الهزلية على العالم أو أجزاء منه، يمرّ على جثثنا.
موقع الجمهورية
نبوءة بيع إدلب/ إياد الجعفري
من بين عشرات، بل ربما مئات، التحليلات والقراءات التي غصّت بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بخصوص ما يمكن أن يحدث في إدلب والأرياف المجاورة لها، كانت أكثرها قدرة على الإيجاز والتوصيف عبارات للسياسي المعارض لبيب النحاس، قال فيها: “إدلب ستسقط في حالة واحدة، لا سمح الله؛ إذا حولناها إلى نبوءة تحقق نفسها بتسليمنا بنظريات المؤامرة والصفقات، وترويجنا لها، واستسلامنا لإعلام العدو واقتناعنا بأننا مسلوبو الإرادة والقرار”، متابعًا: “مستقبل إدلب لم يحسم بعد، وتاريخنا نكتبه بأيدينا حصرًا أو نتركه لغيرنا ليكتبه لنا”.
بطبيعة الحال، لا نستطيع الجزم بنفي وجود صفقة لبيع إدلب، وإن كنا لا نرجح هذا السيناريو. كما لا يمكننا الجزم إن كانت أهداف روسيا من هجمتها الحالية على المناطق المحررة بشمال غرب البلاد، هي أهداف محدودة، كما يرجح مراقبون، وتقتصر على الضغط الميداني للوصول إلى تفاهمات تتعلق بتسيير دوريات عسكرية روسية في المنطقة منزوعة السلاح، أو تفاهمات أخرى تتعلق بتأمين الطريقين الدوليين المارين عبر إدلب، وفتحهما للحركة التجارية، لفك العزلة الجغرافية واللوجستية عن مدينة حلب.. أو حتى قضم مساحات جغرافية من المناطق المحررة..
ما نستطيع الجزم به هو أن الحراك المعارض المسلح، في سورية، يعيش اليوم أمام مفترق طرق جديد، إما سيتابع بعده مسيرته نحو التصفية النهائية، التي سار باتجاهها على مدار السنتين الماضيتين، بدفعٍ مزدوجٍ من تغيّر أجندات حلفاء المعارضة، والصراع الفصائلي محدود الأفق، أو أن ينعطف باتجاه آخر، يعيد الحياة والألق لخيار المقاومة المسلحة للنظام وداعميه، بدفعٍ هذه المرة، من تجارب السنتين الأخيرتين، بكل مراراتها.
اتخاذ القرار في ذلك، لدى صنّاع القرار في قيادات الفصائل الفاعلة في المنطقة، وفي مقدمتها الفصيلان البارزان: “تحرير الشام”، و”الجبهة الوطنية للتحرير”. فالفصائل الفاعلة في شمال غرب سورية تمتلك من الخبرة القتالية، والموارد البشرية، وهامش المناورة الجغرافية القتالية، ما يتيح لها إمكانية تحويل الحرب في أرياف حماة وإدلب وحلب، إلى معارك استنزاف وكرّ وفرّ، تؤدي في نهاية المطاف إلى يأس المهاجمين، الذين يتمتعون بمعنويات مرتفعة، بدفعٍ من قناعاتهم بوجود ترتيبات تمهّد السبيل لهم للدخول إلى المساحات الجغرافية التي يستهدفون قضمها.
قبل أيام فقط، نشرت صحيفة (الأخبار) اللبنانية المُقرّبة من “حزب الله”، ما قالت إنها تفاصيل كشفها لها “ضابط رفيع في الجيش السوري”، كان من المطلعين عن قرب على مجريات السيطرة على جنوب سورية، خلال الصيف المنصرم. وبحسب الصحيفة، فإن “الجبهة الجنوبية” لم تكن جبهة هشّة، وأن النظام ما كان ليخترقها بهذه السهولة، لولا نجاح الجانب الروسي في إنجاز تسويات، جنبت النظام وداعميه معارك طويلة ومنهكة. وأشارت الصحيفة، بصورة مباشرة، نقلًا عن الضابط “الرفيع” ذاته، أن جبهة الجنوب السوري تمّ “تفكيكها”.
ما سبق لم يكن نقلًا عن وسيلة إعلام معارضة، بل نقلًا عن وسيلة إعلام مقرّبة من الحليف الإيراني لنظام الأسد في دمشق. وبالتالي، يمكن اعتبارها وثيقة توضّح أن الروس ونظام الأسد كانا يخشيان الغرق في حالة استنزاف بالجبهة الجنوبية، لكن رهانهم على سيناريو التسويات، بالتعاون مع جهات خارجية، بعضها كان يدعي دعم المعارضة، سهّل مهمة اختراق واحدة من أعقد جبهات الحرب بين النظام والثوار، على مدار سنوات.
اليوم، يدفع قادة المصالحات في الجنوب السوري، أثمانًا غالية: اغتيالات، واعتقالات، واختفاء قسريًا، وتجنيدًا على جبهات متصارعة.. فيما يتحول شباب مناطق التسويات إلى وقود لحرب النظام والروس على جبهة شمال غرب سورية، بالتحديد. وهكذا بات جليًا ما هو مآل وخاتمة سيناريو التسويات والمصالحات مع النظام.
في شمال غرب سورية، المشهد مؤهل للتكرار، من دون شك؛ إذ إنه يحوي العديد من القواسم المشتركة مع المشاهد التي كانت قائمة في جنوب سورية، وفي الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، لكنه مؤهل أيضًا لمنعطف آخر. القرار في ذلك في أيدي قادة الفصائل الفاعلة.
أما نظرية بيع تركيا لإدلب، فتبدو ركيكة للغاية، ليس من زاوية أخلاقية أو عاطفية، بل من زاوية سياسية بحتة. فكلما خسرت أنقرة مساحة أخرى لقوة معارضة في سورية؛ ضاق هامش المناورة السياسي المتاح لها مع الروس، بشأن ترتيبات المستقبل السوري. والأحداث الميدانية تعزّز هذه الفرضية، إذ انسحبت فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، انسحابًا سريعًا، من البلدات التي اقتحمتها قبل أيام، قرب تل رفعت، في تأكيد على احترام تركيا لتوزع مناطق السيطرة المُستقر منذ أكثر من سنة. وتلك رسالة لروسيا، كي تحترم بدورها مناطق السيطرة تلك.
لكن، ماذا لو كانت تركيا فعلًا “باعت إدلب”؟ الجواب في ذلك يتوقف على قادة الفصائل في المناطق المستهدفة، فهؤلاء يخطون بقراراتهم، وسواعد مقاتليهم، منعطفًا حاسمًا في المشهد السوري. وهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن مآلاته.
في مقابل ما كتبت آنفًا، يمكن أن نقرأ عشرات الكتابات التي تتحدث عن سيناريو “محسوم” سلفًا، يتعلق بنقل أرياف حماة وحلب وجنوب إدلب إلى روسيا، وترك بعض المناطق الجبلية في إدلب لـ “تحرير الشام”. بل طالبت عشرات الأقلام التي من المفترض أنها محسوبة على المعارضة، الفصائلَ الفاعلة في المنطقة، بأن تُجنّب المدنيين مقتلة كبرى، وقال أحدهم: إن “أحدًا في العالم لن ينجدنا”. هذا التهويل، على ما يتضمنه من مخاوف مشروعة، يجعل “نبوءة بيع إدلب” التي روّجها الكثير من “الأنبياء”، في الأيام القليلة الماضية، عن قصد وسوء نيّة، أو عن غير قصد وحسن نيّة، يتجاهل تمامًا خبرات وإمكانات مقاتلي المنطقة، التي تؤهلهم لاستنزاف المهاجمين، لو أحسنوا التكتيك، واتفقوا في غرفة عمليات مشتركة، وامتلكوا إرادة صلبة للصمود.
باختصار: إن “نبوءة بيع إدلب” قد تتحقق بأيدينا، فحسب، وليس بأيدي الأتراك. وكما سبق أن تمكنت حروب العصابات والمقاومات، من تغيير خرائط ومخططات قوى إقليمية، وأحيانًا دولية، كبرى، عبر التاريخ.. فإن هذا الخيار متاح للمقاومين في ذلك الجيب الأخير، المناوئ للنظام والروس. فإما أن يصمدوا ويستنزفوا المهاجمين، ويحوّلوا هجومَهم إلى نكسة؛ فيتحوّل المقاومون إلى رقم صعب يُحتسب لدى جميع اللاعبين الخارجيين على ترابنا، أو أن ننعطف الانعطافة الأخيرة نحو مشهد سوري، لا مكان للسوريين أبدًا، في صناعة ملامحه.
جيرون
مستنقع إدلب ومؤامراتها/ عائشة كربات
عندما يزول الغبار الكثيف الذي ينفخ في إدلب على جثث المدنيين القتلى ووجوه اللاجئين الباكية بسبب الضربات الجوية الروسية والهجمات البرية للنظام، سوف ندرك نوع الصفقات التي تتم بين مراكز القوى الإقليمية.
ومع ذلك، كبداية، فلننناقش الأمر بجرأة: إدلب التي تسيطر عليها في الوقت الحاضر “هيئة تحرير الشام” التابعة التابع لتنظيم القاعدة، لا تهم إلا الأشخاص الذين أطلقوا عليها اسم وطنهم ذات مرة والأشخاص الذين يريدون المغادرة بسلام. لم تعد مهمة بالنسبة لتركيا طالما أنها لا تخلق تدفقاً جديداً للاجئين. بالنسبة للأميركيين، إنها ليست مشكلة كبيرة على كامل الصحن الذي يشمل الحروب التجارية مع الصين ومشكلتي فنزويلا وكوريا الشمالية. لقد أثبت الروس مرات أنهم لا يمانعون الوضع الحالي في إدلب ولكنهم يرغبون في الاحتفاظ بها كمفتاح لمنع أو تحرير العناصر الفاعلة الأخرى متى رغبوا في ذلك. بالنسبة للنظام السوري، إنه طموح أعمى، ولإيران إنه جزء مهم نسبياً في أحجية الألغاز الكبيرة.
على الرغم من أن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار طلب من الروس اتخاذ تدابير فعالة وحاسمة لمنع الهجمات على إدلب، إلا أن لدينا بعض الأسباب للشك في أن الهجمات الأخيرة وقعت بالتنسيق مع تركيا.
بدأ الهجوم بعد أيام فقط من اختتام محادثات السلام السورية في كازاخستان بين تركيا وروسيا وإيران. كان موضوع الاجتماع وعوداً غير مطبقة: كان يفترض بتركيا تطهير المنطقة من المتطرفين المزعومين بجعلهم يذوبون في المعتدلين المزعومين، وسيمتنع النظام عن التصعيد وسيعمل الجميع على حل سياسي.
وسائل الإعلام الموالية للحكومة في تركيا لا تصرخ كثيراً حول إدلب على الرغم من حقيقة أن المواقع العسكرية التركية تتعرض للهجوم أو تحت تهديد الهجوم. إنهم هادئون، ربما لأنهم منشغلون للغاية بإعادة إجراء الانتخابات في اسطنبول أو ربما يشعرون بالارتياح لسماع رئيس الهلال الأحمر التركي عن أن جميع الاستعدادات لاستيعاب تدفقات اللاجئين الجديدة في سوريا قد تمت.
ولكن إذا كان هناك تنسيق بين روسيا وتركيا في ما يتعلق بهجوم إدلب، فيجب أن يكون هناك اتفاق، وإذا كان مثل هذا الاتفاق موجوداً، فلن يكون مفاجئًا أن نسمع أن تل رفعت سيتم وضعها تحت السيطرة التركية. تحتل هذه المنطقة وحدات حماية الشعب الكردية. ذات مرة، وعدت موسكو بإزالتها من هذا الموقع. أو ربما يكون هناك صفقة أكبر؛ بطريقة أو بأخرى لقبول السيطرة على إدلب أو جزء كبير منها من قبل النظام، بالطبع إذا كان سيكون قادراً على الاستيلاء عليها، وفي المقابل تحصل تركيا على ضوء أخضر لتدمير سيطرة وحدات حماية الشعب شمال شرق سوريا، إذا كان الأميركيون سوف يتركون ذلك يحدث.
لكن إذا لم يكن هناك اتفاق وإذا لم يكن هناك تنسيق بين روسيا وتركيا، فقد يكون لهذا معاني عديدة أيضاً.
تركيا أعلنت أنه على الرغم من تهديدات العقوبات الأميركية، فإنها ستشتري صواريخ “إس-400” الروسية وهذا أمر له أهمية استراتيجية بعيدة المدى بالنسبة لروسيا، التي تفضل عدم جعل تركيا منزعجة. إذا كان هذا هو الحال ، يمكننا أن نعتبر أن الهجوم سيكون محدوداً.
أو ربما تخلت تركيا عن صفقة “إس-400” أو أجلتها كما تزعم بعض الشائعات (لكن تركيا تنفي ذلك) لذا أرادت موسكو إظهار تكلفة الاستسلام.
قد يكون هناك سبب آخر إذا لم يكن هناك تنسيق بين تركيا وروسيا حول إدلب؛ ربما تكون تركيا على وشك التوصل إلى اتفاق مع الأميركيين بشأن المنطقة الآمنة المرغوبة في شمال شرق سوريا. هناك شائعات تشير إلى ذلك، خاصة بعد أن قال زعيم حزب “العمال” الكردستاني عبد الله أوجلان علناً إن قواته في سوريا يجب أن تأخذ في الاعتبار الحساسيات التركية.
ولكن كما قلت في البداية، لن نعرف نوع اللعبة التي لعبت على دمائنا، إلا عندما يفوت الأوان على البعض منا.
في الوقت الحالي، يمكننا أن نأمل أن أنقرة تعلمت أن اللعب المميت في الشرق الأوسط مثل المشي على حبل مشدود. إذا لم تكن قادراً على الحفاظ على ثباتك بنفسك، فيجب ألا تكون الأوزان التي تستخدمها لضمان استقرار المسير، من جانب واحد، كما فعلت تركيا مؤخراً عن طريق الثقة بروسيا أكثر من اللازم.
المدن
إدلب: خط المعركة
استطاعت قوات النظام السيطرة يوم أمس على كفرنبودة في ريف حماة الشمالي، بعد معارك دامت ليومين على أطراف البلدة التي تعد أحد المعاقل الرئيسية للفصائل المقاتلة في المنطقة وعلى رأسها جيش العزّة. وقد أعلنت فصائل المعارضة انسحابها من البلدة بعد اشتباكات عنيفة في محيطها، نتيجة القصف الكبير الذي تعرضت له.
وكانت قوات النظام قد سيطرت قبل ثلاثة أيام على قرية الجنابرة وتل عثمان الاستراتيجي جنوب غرب بلدة كفرنبودة، ما أعطاها تفوقاً على الأرض نتيجة أهمية تلك المواقع، وعلى وجه الخصوص تل عثمان الذي يمكن من خلاله رصد محيط المنطقة التي تضم طرقاً حيوية تصل ريف حماة الشمالي بالغربي. ونفذت قوات النظام عمليات قصف مدفعي وجوي عنيفة جداً لتأمين تقدمها، الذي تمت مواجهته بمقاومة شرسة من الفصائل المنتشرة في المنطقة، إلا أن كثافة النيران أجبرتها في النهاية على الانسحاب من بلدة كفرنبودة إلى محيطها الشرقي.
وقد شاركت هيئة تحرير الشام في المعارك ضد قوات النظام، غير أنها لم تدخل بكامل ثقلها في المعركة البرية، التي تدور فصولها حتى الآن في مناطق تتواجد فيها فصائل الجبهة الوطنية للتحرير وجيش العزة بشكل رئيسي. وربما يرجع ذلك إلى تركيز الهيئة على تحصين مواقعها في جبهات أكثر أهمية بالنسبة لها، خاصة في ريف اللاذقية حيث حصلت محاولات اقتحام محدودة من قبل قوات النظام، وفي جبهة جسر الشغور التي تحمي معاقل الهيئة الرئيسية في الريف الغربي لإدلب.
بالتزامن مع العمليات البرية على محور الاشتباك، استمر القصف العنيف على مختلف قرى وبلدات ريف حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي والغربي، وقد تعرضت مدينة خان شيخون جنوب إدلب إلى قصف مكثف استخدمت فيه المدفعية والصواريخ، كما قامت طائرات روسية وأخرى تابعة للنظام بالإغارة بشكل مستمر يوم أمس على المدينة. وقال الدفاع المدني إنه يحاول إخلاء سكان خان شيخون إلى مناطق أكثر أمناً بعد أن أصبحت المدينة جحيماً نتيجة القصف، ونشرت وكالة سمارت تقريراً قالت فيه أن أربعة وعشرين مدنياً استشهدوا أو أصيبوا نتيجة القصف يوم أمس فقط معظمهم في بلدة خان شيخون، بينما قال فريق منسقو الاستجابة بأن قوات النظام والطيران الروسي استهدفوا 44 مدرسة ومجمعاً تعليمياً في إدلب خلال الأسبوع الماضي فقط.
وقالت مصادر دبلوماسية تركية لصحيفة الشرق الأوسط أول أمس الثلاثاء إن «تصعيد النظام السوري وحلفائه للهجوم على إدلب يهدف إلى تمكين النظام من توسيع مناطق سيطرته (…) وإن تركيا مستمرة في اتصالاتها مع موسكو وطهران من أجل الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار وخفض التصعيد».
وأكد وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هَنت، إدانته لعمليات القصف التي يقوم بها النظام بمساعدة روسيّة على مدن وبلدات محافظة إدلب، وأضاف في بيان نشرته وزارة الخارجية البريطانية: «النظام السوري، وروسيا انتهكا بالغارات الأخيرة اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين أنقرة وموسكو»، قائلاً إن «الوضع الإنساني في المنطقة ازداد سوءاً بشكل مفزع».
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتحييد المدنيين خلال المعارك الجارية في إدلب، فيما يعقد مجلس الأمن يوم غد الجمعة جلسة طارئة لمناقشة وضع محافظة إدلب وشمال غرب سوريا بناءً على طلب كل من بلجيكا ألمانيا والكويت.
في الأثناء تحاول قوات النظام تكثيف القصف على كل من بلدة الهبيط بريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون جنوب إدلب، فيما يبدو أنه تمهيد للتقدم باتجاه المنطقتين اللتين تقعان على خط يمتد من بلدة كفرنبودة ويتجه إلى الشمال الشرقي منها حتى طريق دمشق-حلب الدولي. ويُظهر هذا السيناريو الذي ترجحه عمليات القصف وتحركات قوات النظام، أن تلك القوات تحاول الوصول إلى داخل الحدود الإدارية لمحافظة إدلب والسيطرة على مدينة مهمة فيها هي خان شيخون، دون الاصطدام بنقطتي المراقبة التركية اللتين تقعان على جانبي محور التقدم، حيث تتواجد الأولى إلى الجنوب من خان شيخون قرب بلدة مورك، بينما تقع الثانية غرب بلدة كفرنبودة في منطقة شير مغار في سهل الغاب، مباشرة إلى شمال قلعة المضيق.
وإذا ما تمكنت قوات النظام بدعم روسي من تحقيق هذا التقدم، فإنها ستكون قد وضعت الضامن التركي في موقف حرج جداً، وسيكون بإمكانها أيضاً محاصرة فصائل ريف حماة الشمالي إذا تقدمت من المحاور الأخرى شرق خان شيخون، كما أن هذا التقدم سيحقق للنظام السيطرة على جزء من طريق دمشق-حلب الدولي (M5) في محافظة إدلب.
وُيظهر تركيز قوات النظام على محور بري واحد بشكل رئيسي حتى اللحظة، أن هدف العمليات في المرحلة الحالية هو الوصول إلى مدينة خان شيخون، في محاولة للضغط على أنقرة وإجبارها على التفاوض، بعد أن ظهر تقارب جدّي بين تركيا والولايات المتحدة خلال الأسابيع الماضية، الذي تشك موسكو بأنه قد يهدد تفاهمات أستانا. فيما سيكون بإمكان النظام وروسيا في مرحلة لاحقة التقدم من محور السكيك جنوب شرق خان شيخون، ما سيعني إحكام السيطرة على المدينة وعزل ريف حماة الشمالي، ومن ثم إجبار تركيا وفصائل المعارضة على تقديم مزيد من التنازلات.
يعيش سكان ريفي حماة وإدلب جحيم القصف المستمر، وتظهر تسجيلات مصورة بثها ناشطون محليون والدفاع المدني في المنطقة، النتائج الكارثية لقصف النظام على المدن والبلدات، والأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان في ظل تلك الظروف، بينما يغيب أي أفق للتهدئة، خاصةً أن المواقف الدولية والإقليمية لم تشكّل أي ضغط يذكر حتى الآن على روسيا، التي تضع كامل ثقلها في المعركة، حتى أن تسجيلاً مصوراً تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر وجود مقاتلين روس في كفرنبودة بعد احتلالها من قبل قوات النظام.
موقع الجمهورية
اجتياح إدلب و«تعفيش» الذاكرة السورية/ صبحي حديدي
«التعفيش»، كما بات معروفاً، هو ترخيص النظام لقطعانه من وحدات عسكرية نظامية أو ميليشيات أو قوى حليفة، باستباحة أملاك المواطنين وكلّ ما يندرج تحت مفردة «العفش»، في القرى والبلدات والمدن التي يدخلها. وهو سلوك لا يتوخى إباحة السلب على سبيل مكافأة الغزاة وفق مبدأ الغنائم العتيق، فحسب؛ بل هو منهج مبيّت عن سابق قصد، يتعمد إذلال السكان المدنيين وإهانتهم وإنزال العقاب بهم لأنهم، بين أسباب أخرى، تمسكوا ببيوتهم ولم يهجروها إلى أربع رياح الأرض.
لكنّ التعفيش الراهن في مناطق إدلب يحمل خطورة خاصة إضافية، لا تشبه في شيء نهب البرّاد أو الغسالة أو جهاز التلفزة، أو حتى اقتلاع بلاط الأرضيات وأخشاب الأبواب والنوافذ؛ إذْ يمكن أن يطال كنوزاً آثارية لا تُقدّر بثمن، ولا تُعوّض أصلاً، ولا يعرف أية قيمة لها أولئك الهمج من ضباط النظام وأفراد قوّاته وميليشياته. هنا أيضاَ لا تغيب القصدية المنهجية الخبيئة في مهانة المواطن من الجانب الذي يخصّ علاقته بالتاريخ السوري القديم، وبالمكوّنات الحضارية العابرة للعصور والأجيال والأديان، وفصم العرى الوثيقة مع الذاكرة في قرونها الماضية وعقودها الراهنة.
«التعفيش»، بذلك، يمكن أن ينقلب إلى تنقيب عشوائي بحثاً عن الكنوز، إذا عزّ على هذا العنصر أو ذاك أن يجاري قائده في نهب الأوابد، سواء كانت قائمة في مواقعها الطبيعية، أو كانت محفوظة في المتاحف؛ فالمثوبات هنا أغلى ثمناً من أن تُقارن بأيّ عفش يمكن أن يسيل له لعاب الغزاة/ اللصوص. وهذا، غنيّ عن القول، طراز من الإجرام بحقّ التاريخ السوري يفوق بكثير، بعد أن يستكمل، الهمجية الأخرى التي مارستها الفصائل الجهادية المتشددة؛ ليس ضدّ «الأنصاب» و»الأوثان» كما زعمت رطانتهم البائسة، بل كذلك ضدّ فصول وضاءة في تاريخ المنطقة الإسلامي كما تجلت عند أمثال أبي العلاء المعرّي.
وإذا جاز الافتراض بأنّ لا جديد في الهمجيتين، النظام اليوم والجهاديون قبله ومعه، إذْ لا ينتظر المرء من الطرفين أداءً أقلّ بربرية لجهة تثمين التاريخ واحترام الذاكرة؛ فإنّ الغازي الإيراني يتستر تحت لافتات محاربة «التكفير» لكي يشارك في تقويض رموز حضارية كانت لها فصول ومجلدات في مقاومة غزوات الماضي الفارسية، بحيث تبدو الأحقاد الراهنة ضدّ تراب إدلب العائم على محيط من الآثار، بمثابة ثارات بمفعول رجعي لهزائم الإمبراطورية الفارسية في المنطقة. ليس أدنى وقاحة، وهمجية أيضاً بالطبع، تلك القاذفات الروسية التي تقصف اليوم 760 موقعاً أثرياً و40 قرية أثرية و50 %من تلال سوريا الأثرية؛ وكانت، قبل أشهر، قد احتفلت بـ»تحرير» تدمر عن طريق إحضار أوركسترا ماريينسكي لإقامة حفل موسيقي على مسرح المدينة الأثري.
وليس هذا «التعفيش» لتاريخ سوريا وذاكرتها الحضارية طارئاً على النظام وحلفائه، فعلى امتداد سنوات الانتفاضة سُجّلت عشرات الوقائع في هذا الصدد. مبكراً، في درعا، قُصف الجامع العمري (الذي أمر ببنائه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، عند مروره في حوران)، مرّة بعد مرّة. وفي معرّة النعمان وسائر جبل الزاوية، حيث مملكة إيبلا وتل مرديخ (الألف الرابع قبل المسيح)، ودير سنبل البيزنطي، ودير سيتا الروماني؛ فإنّ «التشبيح» الآثاري سبق «التعفيش» الراهن. وفي منطقة الجزيرة شمال شرقي سوريا، كان النبش اللصوصي العشوائي قد طال تل حموقار، حيث تقع مدينة تعود إلى 3500 سنة قبل الميلاد، ويتفق الآثاريون على أنها واحدة من أقدم مراكز العمران البشري.
وثمة، لا ريب، فارق في نوعية الألم بين سقوط عشرات الشهداء تحت القصف البربري، أو تقويض آلهة آرامية هنا ورقيم سومري هناك؛ رغم أنّ جوهر انتهاك سوريا يظلّ واحداً، يتبارى فيه مجرمو الحرب والقتلة، مع لصوص البرادات والأوابد.
القدس العربي
أهداف روسيا من التصعيد الأخير في إدلب/ رانيا مصطفى
تستمر الحملة العسكرية لقوات النظام وحلفائه الروس على ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، بالقصف الجوي الكثيف، ومؤخرا بهجوم بري من عدّة محاور، تمكنت فيها قوات النظام، المدعومة من روسيا، من السيطرة على بلدة كفرنبودة الاستراتيجية (شمال غربي حماة بـ50 كيلومترا) بعد قتال عنيف من جيش النصر بمساندة مقاتلين محليين لا ينتمون لأي فصيل، ومحاولات منهم لاسترجاعها. وسيطر (جيش النصر) على بلدة قلعة المضيق في سهل الغاب، دون قتال، بسبب تمركز قوات النظام مسبقا في القلعة الأثرية المرتفعة، التي كان يستخدمها للرصد والاستطلاع، مع شكوك حول انسحاب الفصائل، حيث كانت تسيطر عليها هيئة تحرير الشام التي ترفض المشاركة في القتال إلى الآن، إلى جانب فصائل الجبهة الوطنية. ومنذ شهر، كان النظام قد تقدّم في ريف معرة النعمان الشرقي، شرقي الطريق الدولي دمشق- حلب. فيما لم يتمكن النظام وحلفاؤه من التقدم في محور جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وخسر عددا من عناصره أثناء محاولة للتسلل.
تهدف الحملة الأخيرة إلى تحقيق جملة من الأهداف تخصّ المصالح الروسية؛ حيث لا تشارك فيها الميليشيات المدعومة من إيران، أو الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، وإنما تتولى ميليشيات تابعة للعقيد سهيل الحسن، وهي أفواج “الطرماح” و“الحسام”، مهمة الهجوم ويدعمها الفيلق الخامس، الأقل كفاءة، للتمركز في المواقع الجديدة. وهي كلها قوات مدعومة من روسيا، وتعتمد على عناصر محلية من سهل الغاب، حيث فتحت باب التطويع، وأخضعت العناصر لمعسكرات مغلقة بإشراف مدرّبين روس، في معسكرات روسية متمركزة في المنطقة.
أما جملة الأهداف الروسية؛ فأولها هدف استراتيجي، يتعلّق بتطبيق اتفاق سوتشي، وتسيير دوريات روسية – تركية مشتركة بالقوة، بسبب إحجام تركيا عن فرض ضغوط حقيقية على هيئة تحرير الشام والفصائل الرافضة للانسحاب. وبعد اتفاق 17 سبتمبر الماضي في سوتشي، والذي يخص المنطقة منزوعة السلاح، والخالية من الجهاديين بعمق 15 إلى 20 كيلومترا، حصل العكس، حيث تمددت هيئة تحرير الشام، وسيطرت على معظم محافظة إدلب، ولم تلق الفصائل التي قاتلتها الدعم من الفصائل المحسوبة على تركيا.
روسيا تريد من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي منطقة نفوذ لها، هذا إضافة إلى ريف اللاذقية الشمالي وجسر الشغور، تضيفها إلى مناطق سيطرة النظام المحاذية، والتي عملت على ضبطها بعد طرد الميليشيات التابعة لإيران والفرقة الرابعة، وذلك لقرب تلك المناطق من قاعدتها الجوية في حميميم.
وثانيا، هدف ميداني، حيث تعتمد الخطة الروسية على تقطيع أوصال المنطقة الأخيرة التي تسيطر عليها المعارضة، ليسهل إجبارها على التسليم، كما حصل في الغوطة الشرقية؛ فالاستيلاء على كفرنبودة يفتح الطريق باتجاه بلدة الهبيط بريف إدلب، حيث تجري المعارك الآن، ثم باتجاه خان شيخون، التي يجري قصفها، ما يعني تضييق الخناق على كفرزيتا واللطامنة ومورك بريف حماة الشمالي، وإجبار جيش العزة المتمركز فيها على الانسحاب شمالا، وكذلك يفتح الطريق للسيطرة على جبل شحشبو الاستراتيجي في ريف حماة، والذي يعد امتدادا لجبل الزاوية شمالي غربي حماة، والذي سيعني إسقاط منطقة سهل الغاب ناريا.
أما بلدة قلعة المضيق، فهي بوابة سهل الغاب، وإحدى خواصر جبل شحشبو، وتعتبر معبرا جنوبيا مع مناطق النظام.
في حين أن الهجمات في محور الكبانة بريف اللاذقية لا تزال في إطار التسلل واستطلاع القوة، مع استمرار القصف الجوي والمدفعي الكثيف. والسيطرة على طريق اللاذقية- أورم الجوز- سراقب- حلب وعلى جبل الزاوية وجبل شحشبو وسهل الغاب والروج وشرق معرة النعمان، سيعني خسارة المعارضة قرابة 35 بالمئة من مناطق سيطرتها.
ملف إدلب، وما تضمه من جهاديين، هو بالنسبة لتركيا ورقة مساومة، وليس أولويةملف إدلب، وما تضمه من جهاديين، هو بالنسبة لتركيا ورقة مساومة، وليس أولوية
وإذا تمكن الروس من السيطرة على خطوط في المنطقة العازلة وعلى محور جسر الشغور، هذا سيعني فصل مناطق ريف حماة الشمالي عن عمق إدلب، عن شمال اللاذقية، عدا عن مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، وبالتالي سهولة استعادتها.
لكن تحقيق تقدم كبير للنظام وروسيا ليس بالأمر السهل، بسبب المقاومة الشرسة للفصائل، رغم أنها تعاني من صعوبة تشكيل غرفة عمليات مشتركة، بسبب شروط هيئة تحرير الشام؛ فهي تريد أن تكون الغرفة بإمارتها، وأن تكون الفصائل الأخرى على الجبهات الأمامية، وألا تدخل إدلب عناصر من درع الفرات. الهيئة لا تريد القتال، بل تستثمر في التصعيد الأخير، وتريد استنزاف الفصائل القوية، خاصة جيش العزة والجبهة الوطنية.
وثالثا، تريد روسيا فتح الطرق الدولية وتأمينها من أجل إعادة الحياة الاقتصادية إلى حلب، والأمر الذي تعرقله هيئة تحرير الشام التي تشترط أن تكون لها حصة اقتصادية من فتح الطرق، بوصفها المفاوض الوحيد للمناطق المحررة.
ورابعا، هدف سياسي يتعلق بتوقيت التصعيد، كرد فعل روسي على التقارب التركي – الأميركي في المنطقة الأمنية شرقي الفرات، واقتراب تسيير دوريات تركية، ربما بمشاركة من التحالف، وذلك لخلق إرباك لتركيا.
تحشد تركيا الفصائل التابعة لها من أجل الاستيلاء على تل رفعت، وإخلائها من وحدات حماية الشعب الكردية، وعلى الحدود الجنوبية لها مع سوريا لتطبيق المنطقة الأمنية المتفق عليها، لكنها لا تقدّم الدعم للفصائل في ما يتعلق بإدلب، وتصمت في محاولة منها للتهدئة.
ويبدو أن ملف إدلب، وما تضمه من جهاديين، هو بالنسبة لتركيا ورقة مساومة، وليس أولوية، مقابل اهتمامها بأمنها القومي، ما يفسّر تلكؤها في تطبيق اتفاق سوتشي مع روسيا، وما يعني استثمارها في ملف الجهادية.
وحديث الغارديان عن صفقة روسية – تركية بشأن مقايضة تل رفعت بريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي يبرّر البرودة التركية في ما يحصل في إدلب. ويبدو أن الاتفاقات والصفقات التي عقدت بين روسيا وتركيا ستظل ناقصة، وتتحمل الاختراقات، وستبقى أوراقا للضغط بين الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، إلى أن يتم تثبيت الحصص النهائية لهذه الأطراف، والاتفاق على الحل السياسي.
كما أن تقليص مناطق نفوذ المعارضة، والتهديد بحدوث كارثة إنسانية وأزمة نزوح سيشكل ضغطا على كل من تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وسيزعج أميركا، وذلك لدفع هذه الأطراف للقبول بمسار اللجنة الدستورية الذي فرضته روسيا في مؤتمر سوتشي “للحوار الوطني” مطلع 2018، من أجل حل ملف اللاجئين، والسماح بتدفق أموال إعادة الإعمار.
كاتبة سورية
العربي
سوريا: جولة جديدة من حرب السيطرة على الشمال/ سلام السعدي
بلغت الحملة العسكرية التي أطلقها النظام السوري وحلفاؤه في ريف مدينتي حماة وإدلب ذروتها خلال الأسبوع المنقضي. فالحملة التي بدأت منذ 26 أبريل الماضي بقصف مكثف بكافة أنواع الأسلحة تطورت خلال الأسبوع الماضي إلى هجوم عسكري لا يزال مستمرا، وقد نجح في انتزاع السيطرة على بلدات رئيسية تقع ضمن ما يعرف بمنطقتي “خفض التصعيد” و”المنطقة منزوعة السلاح”.
يعتبر الهجوم البري أحد مؤشرات اندفاع النظام السوري وحلفائه لتضييق الخناق على مدينة إدلب، وصولاً إلى استرجاعها بعمل عسكري ستكون له تبعات إنسانية مرعبة. ويضاف إلى ذلك مؤشران آخران، أولهما مشاركة القوات الروسية بشكل مباشر وفعال، سواء في عمليات القصف الجوي أو بالهجوم البري، وهو ما لم يحدث منذ توقيع اتفاقيات التهدئة في شهر سبتمبر الماضي. والثاني هو اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في موسكو في سياق توسيع الحملة العسكرية ومواجهة الضغوط الدولية المتوقعة جراء تزايد أعداد النازحين وارتفاع الخسائر في صفوف المدنيين في الأسابيع القادمة.
اللافت أن ما يحدث يأتي بعد أسابيع قليلة على إعلان وزير الخارجية الروسي أن الهجوم العسكري على مدينة إدلب ومحيطها غير ممكن في الوقت الحالي، مشدداً على الاتفاقات مع الجانب التركي. ورغم أن ما يحدث هو خرق واضح لتلك الاتفاقات، بقيت أنقرة صامتة في ما بدا أنه موافقة على الهجوم الحاصل.
أطلق الصمت التركي تكهنات بشأن “صفقة” مع روسيا تسمح بموجبها الأخيرة لأنقرة بالتوغل في مدينة تل رفعت التي تسيطر عليها القوات الكردية مقابل تغاضي أنقرة على التحركات الروسية في ريفي حماة وإدلب. ولكن الأرجح أن موسكو متحررة من أي تعهدات تركية، وهي تتحرك بفعل فشل تركيا في إنهاء سيطرة جبهة النصرة على مدينة إدلب ومناطق واسعة من شمال سوريا حسب ما جرى الاتفاق عليه في سوتشي بين الجانبين.
النظام وحلفاؤه سيعملون كل ما بوسعهم لمنع تثبيت الوضع القائمالنظام وحلفاؤه سيعملون كل ما بوسعهم لمنع تثبيت الوضع القائم
الأرجح أيضا أن تركيا غير متمسكة بتلك المناطق وقد وافقت بأنها على المدى البعيد، ستؤول لحليف روسيا، أي للنظام السوري. هكذا يمكن تفسير الصمت التركي رغم تكثيف قوات النظام السوري هجماتها الجوية والصاروخية حتى على محيط نقاط المراقبة التركية، وهو ما أدى لوقوع عدد من الإصابات بين الجنود الأتراك الأسبوع الماضي.
لكن القرار بإطلاق الحملة العسكرية يرتبط أيضاً بالتطورات السياسية والعسكرية للمشروع الكردي- الأميركي في مناطق شمال وشرق البلاد خلال الأشهر الماضية. إذ أعاد تراجع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن سحب قواته من سوريا الحياة لذلك المشروع، وقرع أجراس الإنذار لدى موسكو وطهران وأنقرة. فبعد إعلان ترامب عن “انسحاب سريع″ للقوات الأميركية من سوريا مطلع العام الحالي، فضّل حلفاء النظام السوري انتظار تحقق ذلك، وبالتالي تجنب التصعيد العسكري خشية أن يؤخر ذلك عملية الانسحاب.
ولكن خلال الأشهر الماضية، قررت الإدارة الأميركية الإبقاء على جزء من قواتها دون تحديد مدة زمنية لذلك، كما طلبت من حلفائها الأوروبيين مشاركتها في حماية المنطقة على المدى الطويل. وفضلاً عن ذلك أبدت الإدارة الأميركية رغبة في توسيع الدور العربي في تلك المناطق. ويشمل ذلك دعم المكونات العربية المحلية لتحقيق الاستقرار وتخفيف الآثار السلبية للحكم السلطوي الذي تفرضه القوات الكردية.
كما شجعت واشنطن مشاركة دول عربية، وخصوصا كل من السعودية والإمارات، في عمليات تثبيت استقرار طويل الأمد في مناطق شرق الفرات حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية. الأخيرة بدورها تعرضت لضغوط أميركية لتوسيع المشاركة السياسية وتجنب كل ما يمكن أن يؤدي لانفجار أمني في المنطقة. وفي هذا السياق، جاء “ملتقى العشائر السورية” الذي نظمته قوات قسد في مدنية عين عيسى شمالي الرقة قبل نحو أسبوعين.
أثار المؤتمر غضب النظام السوري الذي وصفه بـ”الخيانة الوطنية”. وإذا كان موقف النظام السوري مفهوماً ومتوقعاً، فقد جاء الموقف الروسي حاداً بشكل غير مألوف. إذ خصصت وزارة الخارجية الروسية بياناً للحديث عن الملتقى، معتبرة أنه يهدف إلى تقويض جهود التسوية ومسار أستانة من جهة، وإلى إتاحة المجال للولايات المتحدة لكي تحافظ على “وجود طويل الأمد” في سوريا من جهة أخرى. كما اتهمت موسكو واشنطن بتقديم “الرشوة” لمن حضروا وتجنيد مشاركين لا يتمتعون بحيثية اجتماعية أو قبلية، ما يوضح حجم التوتر الروسي الذي كان قد بدأ يتصاعد مع الحديث عن اتفاق أميركي- تركي حول منطقة عازلة في شمال البلاد محاذية للحدود التركية.
ولم يكد الحاضرون يختتمون أعمال الملتقى حتى أعطت روسيا كل من النظام السوري والميليشيات الطائفية المساندة له الضوء الأخضر لتكثيف الحملة العسكرية وتوسيعها لهجوم بري، موفرة التغطية الجوية الضرورية لنجاحها. سوف يعمل النظام وحلفاؤه كل ما بوسعهم لمنع تثبيت الوضع القائم باعتباره “حلاً فعلياً” طويل الأمد. ويبدو أن السيطرة على “مناطق خفض التصعيد” من المعارضة السورية تقع في صلب ذلك في الفترة القادمة.
كاتب فلسطيني سوري
العرب
الحرب في وقتها تماماً/ عمر قدور
بينما تحشد الإدارة الأمريكية مزيداً من قواتها وأسلحتها في المنطقة، تحسباً لتهديدات إيرانية، تهاجم قوات الأسد التي تطغى عليها القيادة الروسية ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي. كنا شهدنا في التوقيت ذاته تصعيداً في غزة أيضاً، وهو ما لا ينبغي فصله عن التفاصيل الأخرى للوحة وإن توقف التصعيد بفضل وساطات متعددة. ما لا تُعرف حدودها بعد هي الحرب الدائرة الآن في سوريا، وهل هي “معركة الحسم” كما يروّج إعلام الأسد، علماً بأن الأسد نفسه ليس صاحب قرار فيها؟ أم أنها ستتوقف عند ابتلاع مساحة كافية ضمن الحسابات الروسية الحالية؟
قبل أسابيع كان كل الاهتمام مركزاً على موضوع تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وقد ترافق معه ظهور أزمة معيشية غير مسبوقة في مناطق سيطرة الأسد، بل بدا كأن تلك الأزمة سيكون لها ارتدادات غير محسوبة جراء عجز وفشل الأسد في معالجتها. التصعيد الحالي أتى في توقيت مناسب جداً لطي الحديث عن الأزمة، وبدل الحديث عن الفشل هناك اليوم حديث آخر عن الانتصار، خاصة عندما يُفهم الانتصار كأنه تغلب على “العدو” التركي وعلى أردوغان شخصياً. الأهم ربما كون الحرب وسيلة تقليدية للهروب إلى الأمام، ولطالما كانت أداة للتخلص من الأسئلة الملحة داخلياً وصرف الانتباه نحو الخارج.
وجود قوتين عظميين في المنطقة أمر لا يستدعي الترقب، فهما موجودتان لسنوات خلت في مساحة ضيقة من سوريا ضمن قواعد مُتفق عليها بصرامة. على هذا الصعيد يمكن القول بوجود تكامل أو تنسيق بين الطرفين، قد يأتي على انفراد أو عبر تنسيق كل منهما مع تل أبيب. أكثر من ذلك، نستطيع القول بتوازي الضغط الأمريكي على إيران مع الضغط الروسي على أنقرة من البوابة السورية، من دون رصد رد فعل أمريكي يوحي بعدم الرضا عن السلوك الروسي الحالي.
وجود تفاهم أمريكي-روسي ضمني لا يعفي حكم أردوغان من المسؤولية التامة عن سياساته، وعن الانقلاب الذي نراه اليوم إذ يتعرض للضغط من الحليف القديم والجديد معاً. هذا الموقع يخالف التوقعات القديمة حول قدرة أنقرة على اللعب بين واشنطن وموسكو، بموجب موقعها الجيوسياسي، فتركيا لم تحقق استفادة معتبرة بقدر ما تصاغرت الفائدة إلى مستوى الحساسية المعتادة إزاء الملف الكردي. لنا أن نقارن مثلاً بين الطموحات الإيرانية أو الإسرائيلية بالمقارنة مع نظيرتها التركية، وأن نهمل في المقابل اللغو الدارج عن طموحات سلطانية لأردوغان ليس هناك في الواقع ما يؤشر إليها سوى خطاب شعبوي بائس، وفي كل الأحوال المسألة تتعلق بحسابات وصراعات النفوذ لا بالمؤامرة على إسلامية أردوغان وحزبه كما يواظب الإسلاميون على الإيحاء بذلك.
مع الهجوم الحالي “الروسي في المقام الأول” على ريفي حماة وإدلب، أعلنت أنقرة عن تقدم في المفاوضات حول “المنطقة الآمنة” التي يُفترض إقامتها على أراض تسيطر عليها الميليشيات الكردية، بينما لم يصدر أي تأكيد رسمي أمريكي ما يترك الإعلان التركي موجهاً للاستهلاك المحلي. أيضاً، وزيادة في توضيح المغزى، كانت قوات ما يُسمى “الجيش الوطني” التابعة لأنقرة قد هاجمت الميليشيات الكردية في “تل رفعت”، قبل عودتها بتعليمات تركية مفادها خضوع المنطقة لتفاهمات ما تزال سارية مع موسكو. بعبارة أوضح، لن تحصل أنقرة على ثمن لقاء المناطق التي ستذهب إلى سيطرة الأسد وحلفائه، أو بالأحرى لقاء تمريغ صورتها كضامن لأمن تلك المناطق المكتظة بسكانها وبالنازحين إليها.
نضيف إلى ما سبق أزمة أردوغان الداخلية المتمثلة بخسارة الانتخابات البلدية، وصولاً إلى قرار إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول وانعكاساته، مع ما يعنيه كل هذا من زيادة ارتهانه للتحالف مع التيار القومي المتشدد. أي أن حكم أردوغان هو في أضعف حالاته منذ فشل محاولة الانقلاب، أو منذ تبديد الرصيد الذي ناله بسبب تلك المحاولة. الهجوم على ريفي حماة وإدلب في هذا التوقيت يستبطن عجز أردوغان عن إبداء أي رد فعل، وعجزه عن التلويح بالانعطاف نحو واشنطن التي تدرك مأزقه أيضاً، وليست في وارد مدّ يد العون بخاصة بعد أزمة صفقة صواريخ S400 العالقة بين الطرفين حتى الآن.
ربما تتحفظ واشنطن على هجوم شامل يخلق أزمة إنسانية فاضحة، ويتطلب إجابة سريعة عن مصير الجهاديين المصنفين على لائحة الإرهاب الدولية. هذا قد يتقاطع أيضاً مع رغبة موسكو التي لا تستعجل حسماً نهائياً يختتم ما تسوّقه كانتصارات عظمى، وربما ترجّح عليه التقدم بإيقاع تُقبل وحشيته من الغرب، ولا يتسبب سريعاً بانهيار مسار أستانة، فضلاً عن أن الاحتفاظ بورقة يمكن التهديد والتكسب بها قد يكون خياراً مجزياً أكثر من اجتياح بري واسع لا بأس بتأجيله. وكما نعلم فإن حصر المعركة الأخيرة بما سيتبقى من إدلب تكتيك تكاد تكون نتائجه مضمونة، فإذا كان من السهل القضاء على التنظيمات التي طالما صُنٍّفت معتدلة فإن الهجوم على تنظيمات مصنفة إرهابية لن يلقى معارضة أو استنكاراً دوليين، وما يُحكى عن الكلفة البشرية لهكذا معركة لم تثبت صحته سوى في ما يخص الضحايا المدنيين، وتجربة المقاومة الهزيلة لداعش مع تبخر كوادره فيها ما فيها من دروس.
أن نشير إلى هول المذبحة الحالية والمؤجلة فهذا لن يستثير ضمائر المعنيين باستمرارها، وإذا كان لنا تقسيم مراحل الصراع فقد نكون اليوم أمام معارك الإقصاء الأخيرة التي لن تقل شراسة عن سابقاتها. لقد عشنا من قبل إقصاء القضية السورية بفتح الساحة أمام الميليشيات الشيعية ونظيراتها السنية، بهدف إنهاك الطرفين، ثم عشنا مرحلة ضبط فوضى السلاح بطرد اللاعبين الصغار خارج الحلبة، بما في ذلك طرد داعميهم العرب. الآن ربما حان دور القوتين الإقليميتين المتبقيتين “إيران وتركيا”، ولعل إبرام صفقة روسية-أمريكية تخص سوريا متوقف على الانتهاء من هذه المهمة وقدرة الروسي على تأدية القسط الأكبر منها.
المدن
معركة ريف حماة/ ميشيل كيلو
بدأت روسيا ما تعتقد أنه آخر معاركها السورية التي نجمت عن تعقيداتٍ وأوضاع كانت تعتقد أنها لم تعد عقبة في طريق الحل، بعد عودة الأسدية إلى ثلاث من مناطق خفض التصعيد، وتسليم موسكو وطهران بأولوية الدور والحضور التركي في المنطقة الرابعة، منطقة حماة التي تدور الحرب في أطرافها اليوم.
من الصعب اعتبار ما يجري حلقةً أخيرةً في الحرب التي سيمهد انتهاؤها لـ”جنيف”، ولتطبيق القرارات الدولية، وصولا إلى الحل الدولي الذي ينتظره السوريون منذ ثمانية أعوام. والمرجّح أن تهدد الحرب الروسية الراهنة، في حال كان هدفها إعادة إدلب ومنطقتها إلى النظام، بقلب العلاقات والتحالفات القائمة بين تركيا وروسيا، وتبدّل علاقات بدت تحالفيةً، وتستعيد تحالفاتٍ بدت منتهية، ولا يستبعد اصطدام موسكو بأنقرة، إن نقض عمل روسيا العسكري اتفاق سوتشي حول أولوية حضورها في المنطقة، لأن ذلك سيعني تقليص دور أنقرة في سورية تمهيدا لتقليص حصتها من الحل أو حذفها، بينما كان يبدو أن إيران، وليس تركيا، هي التي يُراد لها أن تخرج صفر اليدين من الصراع. ولأن تركيا لن تقبل أن تتعرض لهزيمة بهذا الحجم، وهي مكتوفة اليدين، فالمرجح أن يكون هناك اتفاق بين الدولتين بشأن دخول روسي محدود أرضيا إلى ريف حماة الشمالي، لأهميته بالنسبة لدور قوات موسكو في سورية، ولهز إصبعها في وجه جبهة النصرة التي لم تشارك في القتال أو تتعرض للضرب. لم تدخل موسكو لتقوّض نفوذ تركيا في المنطقة، أو حصتها من الحل الدولي، أو لتغيير وضع أطراف تفاهمات سوتشي وعلاقاتهم، أو مصير منطقة إدلب، ولو كان هدف موسكو تقويض حضور تركيا ودورها، لشاركت هيئة تحرير الشام في القتال، ولصدرت عن قواتها تحذيراتٌ عسكرية ما، في عموم منطقة إدلب، وليس فقط على خط المواجهة، ولتعرّضت قاعدة حميميم لعمليات قصفٍ بمئات الصواريخ يوميا. لم يحدث هذا، لأن موسكو تريد تحاشي وقوع أية متاعب جدية في علاقاتها مع أنقرة التي يرجّح أن تقوم، في حال شعرت بالاستهداف، بما يشكل خطورة بالنسبة لموسكو: عبر عودتها إلى حليفها الأميركي، وفق صيغة تعاونٍ جديدة على الأرجح، قد تكون محل بحثٍ في أيامنا، تعزّز التزام حلف شمال الأطلسي بالدفاع عنها، وحمايتها من جلافة الرئيس الروسي بوتين وعدوانيته. وهناك إشارات إلى تقارب أميركي/ تركي في الآونة الأخيرة، كالتفاهم على المنطقة الأمنية شرق الفرات، وصفقة طائرات إف 35، وصواريخ الباتريوت، وإس 400، وما يعنيه ذلك من تخلٍّ تركي عن المقترح الروسي بشأن منطقةٍ آمنة تنجز بالتفاهم مع الأسد، ووفق صيغة أضنة الأمنية، فضلا عن إمكانية وضع منطقة إدلب تحت حماية أميركية، أسوة بشرق الفرات، في حال ساء الوضع مع روسيا وعادت مياه الأطلسي الأميركية إلى الجريان في أنهار السياسة التركية.
ستواجه موسكو مشكلات صعبة مع أنقرة، إذا لم تكن حربها الراهنة محدودة في المكان والزمان، وكان هدفها المس بإشراف تركيا على منطقة إدلب، وعائدها دفع إسطنبول إلى أحضان واشنطن، في ظل احتمالاتٍ مقلقةٍ تلوح في أفق السياسة الدولية والمحلية، منها الهجمة الأميركية على إيران التي تضفي الجدية علي احتمال إخراجها من سورية، وانهيار النظام الأسدي الذي إن حدث أو خرجت طهران من المشرق، رفع الغطاء الإقليمي والمحلي عن موسكو، في لحظةٍ مفصليةٍ تتسم بالتوتر الشديد في علاقات العملاقين، الروسي والأميركي، قد يجد بوتين نفسه، في حال أغضب تركيا، وعجز عن دعم إيران، وإنقاذ الأسد، مكشوفا، وفي حالة دفاع عن دورٍ لن يجلب له غير المصاعب التي تتحدّى قدراته.
العربي الجديد
روسيا تسوّي خلافاتها مع أنقرة بالتصعيد في إدلب/ رانيا مصطفى
بدأت قوات النظام السوري، مدعومة بغطاء جوي روسي، حملة عسكرية عنيفة في إدلب، وُصفت بالمحدودة، كونها تطال مناطق في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، أي المناطق المشمولة باتفاق المنطقة منزوعة السلاح، الذي عقد في سبتمبر الماضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي. وذلك وسط صمت تركي، ومخاوف أوروبية، وتحذيرات أميركية لروسيا من حصول كارثة إنسانية في إدلب، بعد تهجير قرابة 200 ألف مدني وقتل وجرح أكثر من 350، خلال ثلاثة أشهر من الحملة الأخيرة.
لا يزال حل ملف الجهادية معقّدا، خاصة على الطرف التركي المعني به؛ فطرد قرابة 15 ألفا من الأجانب المتشددين هو أكبر تلك التعقيدات، مع رفض دولهم استقبالهم، كما تفعل مع مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم المحتجزة لدى قوات سوريا الديمقراطية. وتطويع تنظيم هيئة تحرير الشام أيضا من الملفات الشائكة، كونها مسيطرة على 90 بالمئة من المنطقة، وتشترط الإشراف على الدوريات الروسية – التركية المشتركة، الأمر المرفوض كليّا من روسيا.
لكن تركيا بدورها لم تقم بخطوات عملية في حلّ ملف الفصائل، وتطبيق اتفاق سوتشي حول إخلاء المنطقة العازلة من السلاح الثقيل والجهاديين؛ فهو ليس من الملفات الملحّة بالنسبة إليها، كما حال روسيا. وبالعكس، بعد عقد الاتفاق في سبتمبر الماضي، سمحت أنقرة لهيئة تحرير الشام بالسيطرة شبه الكاملة، مما عقّد الوضع، في خطوة منها لتشكيل ورقة ضغط على روسيا تستخدمها في ملفات أكثر أهمية بالنسبة إليها من إدلب؛ وهو ما تفعله اليوم بخصوص تل رفعت، لدفع موسكو إلى القبول بتسيير دوريات مشتركة فيها.
بقاءُ الجهاديين في المنطقة العازلة شكّل حجة لروسيا لفرض بنود الاتفاق بالقوة. لكن موسكو مقيّدة في حملتها هذه: بحدود المنطقة العازلة، وبرفض أميركي وأوروبي مساند للموقف التركي، وبتأمين حشد بري يقتصر على الفيلق الخامس وقوات النمر، لمواجهة أكثر من 30 ألف مقاتل من المعارضة، من المتوقع توحدها (المعارضة) ضد أي هجوم بري، خاصة مع تململ الحاضنة الشعبية للنظام بسبب سوء الوضع المعيشي، وعدم استعدادها لتقديم المزيد من الضحايا، ومصلحة الاحتلال الروسي. وكذلك رفضت إيران الطلب الروسي بمشاركة ميليشياتها، حيث لم تعد لطهران مكاسب في إدلب، بعد أن أقصتها روسيا عن مناطق الغاب وريف حماة، وسيقتصر دورها على المراقبة.
وبذلك اقتصرت الحملة، التي تزامنت مع عقد جلسة جديدة من مؤتمر أستانة، على الضربات الجوية، واستهدفت بشكل مكثف المدارس والمنشآت الصحية والمناطق السكنية، لتشكيل ضغط من الحاضنة الشعبية على الفصائل الرافضة لمشاركة روسيا في الدوريات المشتركة مع تركيا، تنفيذا لاتفاق سوتشي، بإخلاء المنطقة العازلة، وبعمق 15-20 كم، من السلاح، ومن الفصائل، وتفضّل روسيا خلوّها من السكان أيضا.
روسيا تريد منطقة ريف حماة الشمالي والشرقي والغربي وريف إدلب الجنوبي خالية من الفصائل غير المنضبطة، وغير الخاضعة لإمرة تركيا، لتأمين محيط قاعدة حميميم من استهدافات المعارضة المتكررة؛ وذلك استكمالا لما قامت به في ريف حماة الشرقي ومنطقة الغاب، في مناطق سيطرة النظام، بجعلها مناطق نفوذ خالصة لها، وخالية من التواجد الإيراني، حيث تقيم فيها معسكراتها، وقد طردت سكان قريتي بريديج والجرنية، لإقامة قاعدة عسكرية لها تدعم الخطوط الأمامية.
وإضافة إلى هيئة تحرير الشام، هناك جيش العزة، العامل في إدلب، والمدعوم أميركيا، يعلن رفضَه تسيير دوريات روسية- تركية في المنطقة العازلة، في موقف يبدو أنه إرباك أميركي إضافي لروسيا في تحقيق مكاسب ميدانية، وتعزيز مواقعها العسكرية.
هذا عدا الإرباك الأكبر بتراجع الولايات المتحدة عن الانسحاب الكلي من شرق الفرات، وتريد روسيا أن يستعيده النظام، للاستفادة من ثرواته، ومن الاستثمارات وعملية إعادة الإعمار.
وفوق ذلك أوشك الطرفان التركي والأميركي على التوصل إلى اتفاق بشأن المنطقة الأمنية شمالي شرقي سوريا، بعد لقاء خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي مع جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، والذي من المتوقع الإعلان عنه فصوله بعد شهر، حيث يجري التوافق على العمق الذي ترغب تركيا في التوغل به. الأمر الذي يزعج روسيا ويحفّزها على الضغط على تركيا لتحصيل مكاسب روسية شرقي الفرات.
الولايات المتحدة دعمت، من الخلف، اتفاق المنطقة منزوعة السلاح، ودعمت المشاركة الأوروبية في قمة إسطنبول الرباعية بين تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، لتثبيت الاتفاق. وبالتالي بات الاتفاق دوليا، ما يعني التزام الطرفين الروسي والتركي به.
أما الفصائل الرافضة لتسيير دوريات روسية في المنطقة، أي هيئة تحرير الشام وجيش العزة، عدا حراس الدين والحزب التركستاني، وحتى الفصائل الموافقة والتابعة لتركيا، من الجيش الوطني والجبهة الوطنية، فكلها لا تأمَن الجانب الروسي، ولا تريد حصرها في منطقة ضيقة شمالا، لأن ذلك سيهدد تحصيناتها التي بنتها خلال أشهر.
كما أن المضي في تنفيذ البند المتعلق بتسيير دوريات روسية- تركية في المنطقة منزوعة السلاح، سيعني الانتقال إلى الخطوة اللاحقة، وهي فتح الطرق الدولية. فتح طريق دمشق- حلب لا يشكل خطرا كبيرا على الفصائل، بعد سيطرة الروس على شرقي السكة في 2016، بعد اتفاق أستانة 4؛ لكن الخطورة تكمن في فتح طريق اللاذقية حلب، فهو سيعني سيطرة روسيا على منطقة جسر الشغور، وبالتالي محاصرة مناطق المعارضة في جيب صغير يسهل اقتحامه.
يظلّ ملف إدلب الأكثر تعقيدا في سوريا؛ ورغم أنها (إدلب) لا تشكّل مطمعا كبيرا للأطراف الفاعلة، كونها لا تحوي ثروات نفطية، وليست ثقلا في ملف إعادة الإعمار، لكن تجميع مقاتلي المعارضة على اختلاف أجنداتهم، ووجود متشددين أجانب، واحتوائها على قرابة 4 مليون مدني بينهم نازحون من مختلف المناطق السورية التي سلمت للروس والنظام، كلها عوامل تجعلها منطقة لتسوية الصراعات وتشكيل ضغوط متبادلة بين الأطراف الفاعلة في الساحة السورية، لتحصيل مكاسب في ملفات أخرى، بحيث يبدو أن حسم مصير إدلب النهائي مرتبط بالوصول إلى تسوية سياسية نهائية، تحدّ من الصراعات الدولية والإقليمية على الأراضي السورية.
وحتى الوصول إلى تلك التسوية سيظل السوريون في إدلب يدفعون باهظا، ثمن رغبة الفصائل الجهادية وغيرها في فرض أجنداتها بالقوة، وثمن الطريق الوعر للوصول إلى تسويات دولية بشأن سوريا.
كاتبة سورية
العرب
بعد الانتصار الكبير في سوريا… بوتين يواجه حقل ألغام دبلوماسياً
بعد أن نقل السيطرة على معظم أراضي سوريا إلى بشار الأسد، كان بإمكان الرئيس الروسي بوتين، بدرجة كبيرة من الصدق، أن يسجل لنفسه إنجازاً عسكرياً مهماً، إلا أن الإنجاز لم يشكل انتصاراً بعد، ففي اليوم التالي تبين له أنه أمام حقل إلغام سياسي، يضع أمامه تحديات جديدة غير مخططة من شأنها أن تقضم من إنجازاته العسكرية.
الخطة السياسية التي رسمتها موسكو ظهرت وكأنها عملية مرتبة ومعقولة: روسيا كان عليها أن تبدأ بسحب جزء من قواتها من سوريا؛ وحل مسألة تفكيك قوات المتمردين في محافظة إدلب بطرق دبلوماسية، بالأساس بواسطة تركيا؛ وتشكيل لجنة لصياغة الدستور الذي سبق لمبادئه أن كتبت بأيدي المستشارين الروس؛ وتحديد موعد للانتخابات والبدء بإعادة إعمار الدولة. بدايات الفصول تم الاتفاق عليها في لقاء القمة الذي عقد في أيلول 2018 بين إيران وتركيا وروسيا، وقبلها بشار الأسد وعدد من منظمات المتمردين.
ولكن في كانون الأول الماضي بدأت الأمور تتشوش: الرئيس دونالد ترامب أعلن عن نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو قرار لم يطبق بعد. بين ترامب وتركيا حدث شرخ عميق في موضوع الدفاع عن القوات الكردية التي تحميها القوات الأمريكية. وافق ترامب على إقامة قطاع أمني في المناطق الكردية في شمال سوريا، بعمق 32 كم، لكنه طلب أن تقوم قوات أوروبية بالإشراف عليه والقيام بأعمال الدورية في المنطقة، في حين أن تركيا طلبت أن تكون قواتها هي المسؤولة عن ذلك. وطالما لم يتم الاتفاق على هذا الموضوع فإن الانسحاب سيتأجل. وفي هذه الأثناء يبحث الطرفان عن تسوية تناسب الأكراد أيضاً.
روسيا وسوريا تعارضان أيضاً سيطرة تركيا في شمال سوريا، لكن في الوقت نفسه تطلبان من تركيا تطبيق الاتفاق حول حل المليشيات المسلحة التي تتركز في محافظة إدلب، وبالأساس قوات جبهة النصرة (أو جبهة احتلال الشام، الاسم الجديد لها). هذا الاتفاق استهدف منع هجوم عسكري روسي ـ سوري كبير على الإقليم، حسب طلب تركيا. ولكن في الوقت الحالي لا تفي تركيا بتعهدها لحل المليشيات. وبدأت روسيا بالتهديد بأن صبرها آخذ في النفاد. إن معركة على إقليم إدلب، الذي يعيش فيه 3 ملايين مواطن تقريباً مع 50 ألف مقاتل من المليشيات المسلحة، يعني موجة جديدة من اللاجئين الذين سيهربون إلى تركيا، التي تستضيف الآن أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري. بدون حل مشكلة إدلب سيتأخر أيضاً استكمال سيطرة النظام على كل أرجاء الدولة ومعه أيضاً باقي الخطوات السياسية التي خططتها روسيا.
لغم آخر يكمن في غياب اتفاق على تعيين لجنة للدستور التي يجب عليها العمل برعاية الأمم المتحدة. في يوم الجمعة الماضي انتهت الجولة 12 من محادثات الأستانة (أو باسمها الجديد نور الدين)، في عاصمة كازاخستان، بدون أي نتائج. أساس الخلاف يتركز حول تشكيل الطواقم التي ستعمل على صياغة الدستور. روسيا معنية بتمثيل كبير بقدر الإمكان لقوى المعارضة إلى جانب ممثلي النظام، تركيا تعارض إشراك الأكراد، والأسد يعارض مشاركة عدد من منظمات المعارضة. إيران من ناحيتها تريد الحفاظ على نفوذها في سوريا إزاء السيطرة الاقتصادية لروسيا على مواردها مثل حقول النفط والغاز التي أعطيت حقوق تطويرها لشركات روسية، إلى جانب تأجير ميناء طرطوس لروسيا مدة 49 سنة.
هذا الصراع الاقتصادي تعاظم إلى جانب ما تسميه إيران تعاوناً بين روسيا وإسرائيل، في مؤامرة لطردها من سوريا. محللون إيرانيون يشيرون إلى عدد من «الدلائل»: إعطاء الضوء الأخضر لمهاجمة أهداف إيرانية؛ وضبط النفس الروسي بشأن قرار ترامب الاعتراف بهضبة الجولان كجزء من دولة إسرائيل؛ ومؤخراً إطلاق سراح أسيرين سوريين مقابل جثمان زخاريا باومل. كل ذلك يعتبر خطوات تدل على وجود «تحالف» روسي ـ إسرائيلي موجه ضد طهران. هذا التفسير الإيراني ـ الذي يجد له مؤيدين أيضاً في الحكومة التركية ـ يخدم في الحقيقة إسرائيل التي تبدو كمن تستطيع التأثير على سياسة روسيا في الشرق الأوسط (إلى جانب السياسة الأمريكية). ولكن ليس مؤكداً أن روسيا راضية عن هذا التشبيه، لا سيما عندما تكون موجودة ضمن ضفيرة من الخطوات السياسية في سوريا، التي من الأفضل لها ألا تظهر كمن تعمل حسب أجندة إسرائيل.
روسيا تسيطر على ما يبدو على احتكار إدارة العمليات السياسية، ولكن هذا الاحتكار الذي يقتضي صيانة ومرونة تجاه المنافسين الآخرين من أجل أن يتمكن من التحقق. في هذه الأثناء يبدو أن ملايين المهجرين واللاجئين السوريين، وكذلك الأفكار والمخططات لإعادة إعمار سوريا، ستضطر إلى الانتظار. لأنه طالما لم يشكل هناك نظام ثابت ومتفق عليه، لن تكون هناك دولة مانحة مهمة ستوافق على ضخ الأموال الطائلة المطلوبة لإعادة الإعمار.
تسفي برئيل
هآرتس 30/4/2019
القدس العربي
غضب عابر من أجل إدلب/ عمر قدور
تنتشر مشاعر الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل سوريي الثورة، الغضب الذي ينبغي أن يشعر به أي إنسان يرى تلك المشاهد الفظيعة لأناس ناجين من القصف الوحشي أو مقتولين به. وكما نعلم لا يحظى القصف الحالي على ريفي حماة وإدلب بتغطية إعلامية، ولا باهتمام دولي، وكأن هناك اتفاقاً على تمرير المقتلة الجديدة كتفصيل لا قيمة له في مقتلة أكبر مرّت بتسامح قلّ نظيره.
لا جديد أو غير متوقع في ما يحصل، وحتى هذا القول لا جديد فيه، بحيث يبدو الصمت مغرياً ومشرّفاً أكثر من فائض المرارة والثرثرة اللتين لا تقدّمان ولو عزاء بسيطاً لأحد. الغضب الذي نراه اليوم سبق أن عشناه من قبل عندما مارست قوات الأسد وحلفاؤها من إيرانيين وروس أقصى درجات الوحشية، في حلب وفي الغوطة وقبلهما في حمص والقصير ويبرود… إلخ. كان الغضب في كل مرة يخمد في انتظار مناسبة مشابهة، ليتجدد وكأنه يشتعل لأول مرة، وكأننا لأول مرة أمام خذلان المجتمع الدولي أو خذلان داعم أو ضامن.
من فائض الثرثرة أيضاً القولُ اليوم أن الغضب من أجل إدلب عابر، إذ نعلم بحكم التجربة أننا اعتدنا على تقبّل الهزائم كقدر. سوف يؤجج غضبنا، ويساعد على إخماده لاحقاً، ما في جعبتنا من أسباب الهزيمة، فنحن شبه عزّل في مواجهة عدو متوحش امتلك لعقود مقدرات البلد، وأتته نجدة الخارج بعد الثورة كلما لاح ضعفه أو لوّح به. عندما يجتمع الغضب واليأس معاً فهذه وصفة شافية للعجز، ولإعلان الإفلاس التام وتبرئة النفس من المسؤولية سابقاً ولاحقاً. ثمة بيننا من يرمي المسؤولية كاملة على الظروف الخارجية التي كانت ضدنا، وثمة من يرمي المسؤولية على سوريين وقفوا ضد الثورة، وثمة أيضاً من يرميها على معارضة كانت أشد بؤساً من المقتلة.
من بين شقوق مجمل الظروف، ثمة مساحات كافية ليلقي كل طرف مسؤولية الهزيمة عنه، ولم نشهد حتى الآن شخصاً واحداً يستقيل معترفاً بمسؤوليته ولو بنسبة ضئيلة من الخطأ البشري المعتاد. لم تصل الواقعية بأحد إلى إعلان انسحابه بداعي التقاعد كما يحدث في كل التجارب المحترمة، وخلال ثماني سنوات من التقلبات والتغيرات لم يعلن مسؤول أو هيئة انقضاء مرحلة بما لها وعليها واستهلال أخرى بسياسات واستراتيجيات ملائمة لها.
إذا كانت المظلومية وصفة سحرية للتقاعس فهي بلا شك ناجعة تماماً لدينا، وهي ما يجعل من كل غضب رافداً جديداً لها، لتتضخم على حساب الإحساس بالمسؤولية. الآلاف، على سبيل المثال، يكررون منذ سنوات القول بأن هذه المعارضة غير جديرة بتمثيل الثورة، وخلال تلك السنوات لم يفعل أولئك الآلاف شيئاً سوى تكرار أقوالهم، وكأنهم ينتظرون معجزة من السماء تُسقط هيئات معارضة ومعارضين أفضل مما هو موجود. خيار حرب المدن ظهرت كلفته الباهظة منذ رفض الخارج، بما فيها دول ممولة له، منح الفصائل وسائط دفاع جوي. مع ذلك لم تحدث مراجعة له لاختيار سبل مواجهة أنجع، بما فيها المواجهة العسكرية، واقتصر السجال على فولكلور رافضي العسكرة الذين ليس لديهم بديل واقعي لحماية الثورة ومؤيديها غير المؤثرين فيها أو في مساراتها.
أحياناً كان الصمت والسلبية بذريعة الحفاظ على وحدة صفٍّ لم يكن موحداً أصلاً، فلا الفصائل العسكرية موحدة بهياكلها أو مشاربها، ولا هيئات المعارضة موحدة خلف رؤية سياسية. تلك الحقائق، بل أكثر منها كان معروفاً بدقة أشد مما نعرفه لدى الخارج الذي لا يُراد إضعاف المعارضة أمامه، وكأنما لم يكن له يد في تشكيلها على هذا النحو، وفي إضعافها على نحو متواصل.
إذا كان واحداً من أهم أهداف الثورة امتلاك السياسة التي حُرم منها السوريون طوال حكم البعث والأسدية فإن السياسة لم تُمارس قطعاً بالمعنى المطلوب بعد القضاء على طور المظاهرات، إلا إذا اعتبرنا خروج ما كان يُقال في الغرف المغلقة إلى العلن على وسائل التواصل الاجتماعي نوعاً من السياسة. لا شك في أننا تعرضنا إلى عملية تحطيم فظيعة جداً بالمعنى المكاني والاجتماعي، الأمر الذي يغفر للشرائح الأضعف والأكثر تضرراً، لكنه لا يعفي شرائح أخرى من المسؤولية الفردية والجماعية، ولا يعفي خاصة أحداً من الذين يرون مشروع إسقاط الأسدية مستمراً رغم تراكم الهزائم.
نعم، لقد تعرضنا لأسوأ ما يمكن تخيله في القرن الحادي والعشرين، من صدمة بالإنسانية جمعاء، ومن صدمات بسوريين شاركوا وحرضوا على الإبادة، ومن تحويل سوريا بأكملها إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية. لقد أُصبنا بكل ما كنا نتوقع أن البشرية تجاوزته، وظننا باستحالة تكراره، إلا أن توقعاتنا لا يجوز أن تخيب الآن “في إدلب مثلاً” بعدما خابت مرات ومرات. لا ينبغي على الأقل أن نكون مغفّلين مراراً وتكراراً، القليل من الإحساس بالمسؤولية مشرّف أكثر من غفلة الذين انتظروا حدوث معجزة لم تحدث من قبل.
من حق الضحايا الذين لا قوة لهم على الإطلاق أن يغضبوا ذلك الغضب المجرد الذي لا ينتقص من كراماتهم، وأن يصبوه على العالم أجمع. أما الغضب الأوسع بمعناه النبيل فيقتضي إحساساً عالياً بالمسؤولية، إحساساً فردياً وجماعياً، يستطيع فيه الغاضب أن يحدق بعينين لا بعين واحدة، وإذا قال بالأولى: يا لعار البشرية. أن ينظر بالثانية إلى المرآة ويقول: يا لعارنا نحن؛ نحن الذين لم نفعل أفضل ما في وسعنا. ربما أيضاً نحتاج عيناً ثالثة بصيرة تقول: يا لعارنا جميعاً وأفراداً، ويا لغضبنا الكاذب والمنافق، إذا لم نفعل.
المدن
إدلب في جحيم الصراعات الدولية/ عروة خليفة
تواصل قوات النظام السوري مدعومة بالطيران الحربي الروسي تصعيدها العسكري بالغ العنف على ريفي حماة الشمالي والغربي وريفي إدلب الجنوبي والغربي، حيث شملت أعمال القصف المدفعي والغارات الجوية، المستمرة لليوم الثامن على التوالي، أكثر من تسعين نقطة في هذه المناطق. وتتحدث جميع الشهادات الواردة من مناطق التصعيد عن كثافة غير مسبوقة في أعمال القصف، حتى أن سكاناً تحدثوا عن قيام سبع مروحيات تابعة للنظام بالتناوب على قصف بلدة واحدة في أكثر من حالة.
وتستخدم قوات النظام وسلاح الجو الروسي مختلف صنوف الذخائر في قصفها، بما يشمل البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، وهو ما أدى إلى تهجير آلاف السكان من قرى وبلدات المناطق المستهدفة نحو المزارع والبساتين المحيطة بالقرى أو شمالاً نحو مناطق أكثر أمناً. وقد قالت مصادر محلية للجمهورية إن عدداً من البلدات الواقعة على خطوط التماس، من بينها قلعة المضيق بريف حماة الغربي، فرغت تقريباً من سكانها.
وقال فريق منسقو الاستجابة في بيان له صباح اليوم إن أعداد النازحين، نتيجة الهجمات التي شنتها قوات النظام خلال الأيام الماضية، قد بلغت أكثر من 100 ألف نازح حتى الآن، يضافون إلى أكثر من 200 ألف نازح لم يعودوا إلى بلداتهم حتى اللحظة منذ حملة القصف السابقة في شهر شباط/فبراير الماضي، فيما وصلت أعداد الشهداء في أرياف إدلب وحماة وحلب منذ شباط الماضي 364 مدنياً، منهم أكثر من 50 مدنياً استشهدوا في حملة التصعيد الراهنة. وتتركز معظم عمليات القصف الحالية على بلدات لم تشهد نزوحاً في الحملة الماضية، ويُظهرُ رصد مواقع القصف أن النسبة العظمى منه استهدفت مناطق إلى الغرب من طريق حلب دمشق الدولي «M5»، وإلى الجنوب من طريق حلب اللاذقية الذي يمر وسط مناطق سيطرة فصائل المعارضة بمحافظة إدلب.
وبالإضافة إلى الأبنية في القرى والبلدات، استهدف القصف أيضاً سبع منشآت طبية، ونقطتين للدفاع المدني، وخمس مدارس، ومخيمين للنازحين في المنطقة. فيما قال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية بانوس مومسيس لوكالة رويترز: «لدينا معلومات بأن منشآت تعليمية ومنشآت صحية ومناطق سكنية تتعرض للقصف من طائرات هليكوبتر ومقاتلات… القصف بالبراميل هو أسوأ ما شهدناه منذ 15 شهرا على الأقل».
وقد ترافق تصعيد القصف مع محاولة تقدم بري لقوات النظام على جبهة قلعة المضيق يوم السبت الفائت، وقال ناجي مصطفى الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير لوكالة رويترز إن مقاتلي الجبهة تصدوا لمحاولة التقدم تلك، فيما ذكرت مصادر محلية أن الجبهة استطاعت أيضاً صد محاولة اقتحام من محور قرية المغير باتجاه قرية كفرنبودة بريف حماة الشمالي. كذلك ردت فصائل معارضة عدة على هجمات النظام بقذائف مدفعية وصاروخية على مواقعه القريبة، فيما أعلنت هيئة تحرير الشام (تحالف يضم جبهة النصرة) قصف قاعدة حميميم في اللاذقية بصواريخ الغراد يوم الخميس الفائت، رداً على القصف الذي يستهدف أرياف إدلب وحماة.
وجاء هذا التصعيد بالتزامن مع عملية عسكرية بريف حلب الشمالي، قامت بها قوات «الجيش الوطني» المدعومة من تركيا، وسيطرت خلالها على قرى مرعناز والمالكية وشوارغة بالقرب من مدينة تل رفعت التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية منذ عام 2016، وهو ما أوحى بارتباط بين المعركتين، إلا أن قوات «الجيش الوطني» عادت وانسحبت لاحقاً من تلك المواقع، ما يشير إلى أن العملية كانت لتأمين طريق إعزاز فقط، بعد أن تعرضت قوات تركية تمر عبره للاستهداف من قوات سوريا الديمقراطية أكثر من مرة خلال الأيام الماضية.
تتزاحم العديد من العوامل الإقليمية والدولية لتشكل مشهد الدمار الرهيب في إدلب وحماة، وفي القلب منها ما يبدو أنه وصول مسار أستانا إلى طريق مسدود، ذلك أن فشله المستمر بالوصول إلى اتفاق حول اللجنة الدستورية يعكس الاستعصاء الذي وصلت إليه العلاقة بين رعاة هذا المؤتمر في الشأن السوري. وعلى عكس ما قد يبدو من أن التصعيد العسكري جاء نتيجة لفشل أستانا، فإن الأرجح أن فشل أستانا والتصعيد العسكري معاً، هما نتيجة لتحولات أخرى في العلاقات بين الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، وتحديداً تركيا وروسيا.
وفي هذا السياق تأتي تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري غير الحذرة، على عكس المألوف من الرجل، فقد قال في لقاء مع قناة الحرة إن مسار أستانا قد فشل، وإن على الضامنين الذهاب إلى جنيف للتحدث مع الأمم المتحدة بدلاً من عقد اللقاءات في وسط آسيا. وتؤكد هذه التصريحات على أمرين؛ الأول هو أن واشنطن لم تعد تريد إعطاء مزيد من الفرص لأستانا، لا في ملف اللجنة الدستورية ولا في غيره؛ أما الأمر الثاني فهو أن التجاهل التركي لهذه التصريحات، وعدم الرد عليها، قد يكون أحد بوادر تخلي تركيا عن مسار أستانا، خاصةً إذا ما قارنا هذا الموقف بانتقادات سابقة وجهها جيفري لمسار أستانا، استدعت احتجاجاً تركياً دفعه للتراجع عنها، ليبدو التجاهل التركي الأخير موافقةً ضمنيةً على كلام جيفري القاسي تجاه أستانا.
وتشكّل هذه التطورات جزءاً من التقارب التركي-الأميركي، الذي بدا أنه قد قطع أشواط كبيرة، خاصةً وأن الطرفين يبعثان برسائل إيجابية حول الاتفاق على ملف شرق الفرات، الذي أصبحت ترتيباته شبه مكتملة، سواء من حيث الاتفاق على تولي قوات عربية بقيادة أحمد الجربا أمن المناطق الحدودية مع تركيا، أو من حيث الاتفاق على بقاء القوات الأمريكية في المنطقة، وحتى الحديث عن قبول واشنطن دخول قوات تركية إلى شرق الفرات، الأمر الذي سيعزز عودة العلاقات بين واشنطن وأنقرة.
وبناء على ما تقدم، فإن من المرجّح أن يكون هذا التصعيد ضغطاً روسياً على تركيا بهدف قطع الطريق على تقاربها مع واشنطن، ورغبةً منها في حماية مواقعها في ريف حماة وقاعدة حميميم، بعد أن كان التوافق مع أنقرة منذ اتفاق سوتشي في شهر أيلول/سبتمبر الفائت قد أمّن هذه الحماية دون أن تحتاج موسكو لعمل عسكري. أما اليوم، وأمام احتمالات التراجع في توافقاتها مع تركيا، يبدو أن موسكو تمهد الأوضاع الميدانية اللازمة للتقدم البري بما يؤمن حماية تلك المواقع بصرف النظر عن أي تحولات سياسية قادمة. ومما يرّجح هذا الاحتمال، قصف قوات النظام لنقطة مراقبة تركية بالمدفعية الثقيلة أول أمس السبت في بلدة شير مغار بريف حماة الشمالي الغربي، ما تسبب بسقوط جرحى من عناصر نقطة المراقبة الأتراك، وهو ما يمكن تفسيره بأنه ضغط على النقطة التركية بهدف إجبار أنقرة على سحبها تمهيداً لأي تقدم بري محتمل في المنطقة.
تخلق بوادر التقارب الأمريكي-التركي أوضاعاً حرجة جديدة في التوازنات التي حكمت الملف السوري خلال السنتين الماضيتين، وبما أن منطق التحولات الراهنة يقود إلى احتمال عودة أنقرة إلى تحالفاتها الاستراتيجية القديمة مع واشنطن، فإن التطورات المرتقبة واحتمال انهيار مسار أستانا نهائياً سيزعزع الاستقرار الذي سمح بإظهار نظام بشار الأسد طوال الفترة الماضية كمنتصر، بعد أن ساعدته موسكو على إعادة احتلال معظم أنحاء البلاد. وتعني خسارة هذا الاستقرار عودة الحديث الدولي مجدداً عن النظام ومستقبله، إلا أن الذي يدفع الفاتورة الحقيقية لهذه التحولات، سواء أسفرت عن نتائج سياسية أم لا، وسواء نتجت عنها عمليات عسكرية برية فعلاً أم لا، هم أهل إدلب وحماة، الذين يتعرضون اليوم لواحدة من أقسى حملات القصف الجوي والبري في تاريخ سوريا، تسببت خلال أيام قصيرة بدمار هائل لا يمكن حصره في قراهم في وبلداتهم.
موقع الجمهورية
إدلب.. تصعيد سياسي أيضاً/ حسين عبد العزيز
ما الذي دفع الروس إلى رفع وتيرة التصعيد العسكري في منطقة إدلب في شمال سورية بطريقةٍ لم تشهدها الأشهر السابقة منذ توقيع اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة؟ لا يتعلق الأمر بالساحة الداخلية لإدلب بالتأكيد، حيث لم تحدُث أية تطورات عسكرية أو إدارية ـ تنظيمية، تبرّر هذا التصعيد، في وقت ظل الخطاب السياسي الروسي على حاله، في ما يتعلق بتطبيق تركيا بنود الاتفاق.
يجب ربط فهم ما يجري في إدلب بالضرورة بالتطورات السياسية التي حصلت خلال الأسبوعين الماضيين:
ـ فشل اجتماع أستانة فشلاً ذريعاً، خصوصاً في ما يتعلق باللجنة الدستورية. وقد جعل هذا الفشل الروس مستائين من الأتراك، لعدم ممارستهم الضغوط الكافية على المعارضة السورية، في ما تبدو موسكو حريصةً على إحداث اختراق في جدار هذا الملف، مع قرب ترتيب المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، أوراقه التفاوضية لبدء جولة جديدة في جنيف، بعدما تبين له عجز الروس في الإمساك بهذا الملف.
ـ التصريحات التركية ـ الأميركية المشتركة التي أكدت على اقتراب الطرفين من الاتفاق على شكل المنطقة الأمنية في شمال شرقي سورية، بعد محادثاتٍ أجراها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، مع الأتراك والأكراد.
ومن شأن أي تفاهم تركي ـ أميركي في شرق سورية أن ينعكس سلباً على الدور الروسي الذي يعمل جاهدا من أجل أن يكون له دور في هذه المنطقة، فضلا عن أن حصول تركيا على بقعة جغرافية جديدة في سورية من خارج البوابة الروسية يسمح لأنقرة بدور أكبر في عموم المنطقة الشمالية، الأمر الذي يمنحها قدرةً أكبر على الموازنة بين القوتين الروسية والأميركية.
ـ إعلان قيادي في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أنها تجري مفاوضات غير مباشرة مع تركيا، مع إبداء الاستعداد لحل كل المشكلات العالقة بين الطرفين. وتشكل هذه المفاوضات التي تجري بوساطة أميركية تطوراً مهماً جداً، يشكل قطيعة سياسية مع المرحلة السابقة.
ومع أن الشروط التركية والشروط الكردية المضادة تجعل من الصعب توصل الطرفين إلى
تفاهم بشكل سريع، إلا أن لهذه المفاوضات أبعاداً استراتيجية على الصعيدين، المحلي والإقليمي، فبالنسبة لـ “قسد”، سيعني ذلك أنها تمتلك خيارات عدة لترتيب أوراقها، وليس خياراً واحداً هو النظام السوري. وبالنسبة لتركيا، ستعني هذه المفاوضات، إذا ما نجحت، تغيير الترتيبات والتحالفات في الشمال السوري، سيكون بالضرورة على حساب موسكو ودمشق.
تلعب تركيا في هذه التطورات الثلاثة السابقة دوراً رئيسياً، ما يعني أن كلاً من موسكو وواشنطن بحاجة إليها بشدة لتمتين حضورهما وأوراقهما في هذه المنطقة الواسعة. ومن هنا، يمكن فهم التصعيد العسكري الروسي على إدلب، والحديث عن احتمالين لا ثالث لهما:
أولاً، يندرج التصعيد العسكري الروسي ضمن عملية ابتزاز وضغط سياسي على أنقرة، لمنعها من إجراء أية تفاهمات سياسية أو عسكرية مع واشنطن، لا تأخذ المصالح الروسية بالاعتبار. وما يدعم هذا الخيار أن تصريحات الكرملين والخارجية الروسية، وحتى وزارة الدفاع، لم تشر إلى وجود عملية عسكرية في إدلب، باستثناء تصريحاتٍ عامة قديمة بشأن محاربة الإرهاب، ولعل تصريح الرئيس بوتين يحمل دلالة، حين أكد أخيرا أن الوقت غير ملائم لعملية عسكرية واسعة في إدلب.
ثانياً، شن النظام السوري، مدعوماً من روسيا، عمليات عسكرية محدودة في ريفي حماة اللاذقية الشماليين، وربما في ريف إدلب الجنوبي، من أجل إبعاد الفصائل العسكرية عن مناطق التماس الحالية، أو لإجبارها على القبول بتسيير دوريات روسية ـ تركية مشتركة، اتفق عليها في اجتماع أستانا أخيراً.
من غير المعروف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه روسيا عسكريا في هذه المرحلة، خصوصا مع وجود تفاهمات أميركية ـ تركية، ذلك أن أي ضغط عسكري لتغيير الخريطة الجغرافية العسكرية في منطقة إدلب، قد يدفع تركيا أكثر نحو الولايات المتحدة، وهذا ما لا ترغب به روسيا. كما أن هذه العملية العسكرية البرية، إن جرت، ستضعف من قدرة أنقرة على ضبط الفصائل العسكرية وتوجيهها. والنتيجة، وضع اتفاق سوتشي أمام حافة الهاوية، وهذا ما لا يقبل به راعيا هذا الاتفاق.
ستبقى الاحتمالات في منطقة إدلب مفتوحة، طالما بقيت المباحثات التركية ـ الأميركية ـ الكردية، هي الأخرى، مفتوحة على الاحتمالات كافة.
العربي الجديد
من يشعل برميل البارود الموقوت في إدلب؟
لليوم الثامن على التوالي تواصل روسيا والنظام السوري شن غارات وحشية ضد مناطق واسعة في المحيط الجنوبي لمحافظة إدلب، استهدفت مدناً وبلدات عديدة كثيفة السكان مثل خان شیخون ومعرة النعمان وسراقب، إلى جانب مناطق أخرى في سهل الغاب شمال غرب محافظة حماة. ويستخدم الطيران الحربي الروسي قذائف عالية التدمير وخارقة للتحصينات، كما تعمد الحوامات التابعة للنظام السوري إلى إلقاء البراميل المتفجرة والألغام البحرية، مما تسبب في استشهاد عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال، كما أخرج القصف من الخدمة عدداً من النقاط الطبية.
وإذا كان هذا السلوك غير مستغرب من النظام السوري الذي عاث تخريباً في طول البلاد وعرضها ولم يراع حرمة نفس بشرية أو مشفى أو مخبز أو دار عبادة، فإن انخراط موسكو في حملة القصف بهذه الشراسة يثير عدداً من الأسئلة رغم أنه لا يخالف كثيراً السلوك الإجمالي للقوات الروسية في سوريا منذ تدخلها المباشر والواسع في أيلول/ سبتمبر 2015. فمن حيث المبدأ تبدو المشاركة الروسية وكأنها تدق مسماراً إضافياً في نعش اتفاقيات أستانة وسوتشي، التي احتضنتها موسكو وأبرمتها مع أنقرة وطهران بصدد منطقة خفض التصعيد في إدلب تحديداً.
صحيح أن عمليات القصف الراهنة تخدم موسكو على أكثر من صعيد تكتيكي، كأنْ تتيح لما يسمى «قوات النمر»، التي ترعاها موسكو وتزرعها في قلب ما تبقى من قوام عسكري للنظام السوري، أن تقضم مساحة إضافية في ريف حماة ومحيط إدلب، أو أن تقضي على مزيد من مقاتلي القوقاز الجهاديين وعناصر الحزب الإسلامي التركستاني، أو أن تمارس المزيد من الضغوط على أنقرة بهدف دفعها إلى تقديم تنازلات جديدة في المفاوضات المفتوحة حول الشمال السوري عموماً. ولكن من الصحيح في المقابل أن موسكو تجازف بخسران ما كسبته من زخم دولي في أعقاب قمة اسطنبول الرباعية التي جمعت تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، والتي بدا أنها خطوة أولى على طريق مباركة الاستثمار الروسي لمشاريع الإعمار المستقبلية في سوريا، ولكنها أيضاً قمة شددت على «وقف إطلاق نار طويل الأمد» في إدلب.
وصحيح أيضاً أن تفاهمات أستانة وسوتشي أوكلت إلى أنقرة مهمة نزع الأسلحة الثقيلة من أيدي الجهاديين في مناطق واسعة جنوب محافظة إدلب، وكذلك ضبط حركة فصائل «تحرير الشام» عبر تسيير دوريات تركية، وتمكين التحالف المدعوم من تركيا المعروف باسم «الجبهة الوطنية للتحرير» والذي يشمل معظم فصائل المعارضة غير الجهادية. ولكن التقاعس التركي عن الوفاء بهذه الالتزامات لا يبرر نقض موسكو لسلسلة التوافقات التي توصلت إليها مع أنقرة، سواء بخصوص الملف السوري من جانب أول، أو لجهة حرص الكرملين على تغذية التناقضات بين تركيا والولايات المتحدة وتعميقها من جانب ثان.
وهكذا فإن المنطق السياسي والعسكري السليم يشير إلى أن عملية إدلب الكبرى لن تُفتح على وسعها في هذه الجولة، فالمحافظة التي يقطنها ثلاثة ملايين نسمة نصفهم من غير سكانها، وتمّ ترحيل آلاف الجهاديين إليها، ليست آخر حصون معارضة النظام السوري فقط، بل إن النيران التي يمكن أن تضرم فيها سوف تعبر الحدود بالضرورة، وتنسف التوافقات، وتشعل برميل البارود الموقوت.
القدس العربي
إدلب: متى تبدأ المعركة البرية؟/ خالد الخطيب
واصلت الطائرات الروسية شن غاراتها الجوية، ليل الأحد/الاثنين، مستهدفة ريفي حماة وإدلب، وسط استقدام مليشيات النظام لمزيد من التعزيزات العسكرية إلى الجبهات مع مناطق المعارضة المسلحة. ويبدو أن التمهيد الناري للمعركة المفترضة بات في مراحله الأخيرة، بعدما هُجّرَ السكان، ودُمّرت غالبية المرافق الخدمية، وأهمها المشافي والنقاط الطبية.
التطورات الميدانية
المقاتلات الحربية الروسية تناوبت على قصف بلدات جبل الزاوية، وتعرضت بلدة شنان لغارات جوية بالصواريخ الفراغية. وفي ريف ادلب الجنوبي طال القصف الجوي أكثر من 20 قرية وبلدة، ما تسبب بمقتل 5 مدنيين بينهم طفلة من عائلة واحدة في قرية ربع الجوز أثناء سحور اليوم الأول من رمضان.
وقتل 25 مدنياً، خلال الساعات الـ24 الماضية، في أعلى حصيلة قتلى منذ بدء العدوان الروسي. إذ قتل مدني في جسر الشغور، وامرأة في قرية سطوح الدوير، وامرأة في قرية دير سنبل، وثلاثة أشخاص بينهم مسعف في مدينة كفرنبل، و3 في ترملا، و4 في أرينبة و3 في الهبيط، وامرأة في حاس، وطفلة في أرنبة، وطفلة في بسقلا.
وكانت مقاتلات الاحتلال الروسي قد استهدفت، الأحد، بالصواريخ الفراغية مشفى كفرنبل ما أدى لتدميره، وهو النقطة الطبية الرابعة التي تتعرض للقصف الروسي. وسبق ذلك قصف استهدف مشفى ترملا للنساء والأطفال، ومشفى نبض الحياة قرب بلدة حاس، ومشفى المغارة بكفرزيتا شمالي حماة.
مليشيات النظام تعزز مواقعها
يستمر إرسال تعزيزات مليشيات النظام إلى الجبهات. ونفذت أفواج “الشواهين” و”الهواشم” و”الحوارث” ومجموعات “وعد مخلوف” التابعة لـ”مليشيا النمر”، عمليات إعادة انتشار على خطوط التماس مع المعارضة. وتركز انتشارها إلى جانب “الفيلق الخامس” في تل الزعتر في ريف حماة الشمالي الشرقي، باتجاه الغرب في معان والكبارية وصولاً إلى القطاع الأعلى من سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي.
ولا تشمل التعزيزات أسلحة ثقيلة، وهي في الغالب من قوات المشاة. وتتولى قواعد الصواريخ والمدفعية داخل نقاط المراقبة والمعسكرات الروسية عمليات القصف البري المركز. ومعظم الطلعات الجوية التي نفذها مروحي البراميل خلال الأيام القليلة الماضية، كانت من مهبط المروحيات في جب رملة شمال غربي حماة. ويحوي المهبط على مستودعات براميل متفجرة. وقد استهدفته “تحرير الشام”، الأحد، بصواريخ غراد، وقالت إنها أوقعت إصابات فيه وتسببت بتعطيل العمل فيه لساعات.
التعزيزات وصلت أيضاً الى الجبهات الشرقية في حماة وادلب، رغم أنها جبهات هادئة نسبياً. فريف المعرة الشرقي وشرقي الطريق الدولي دمشق-حلب، كانت قد تعرضت للقصف قبل 8 نيسان/أبريل ما تسبب بإخلائها من السكان. وعدم تعرضها حالياً للقصف لا يعني أنها خارجة من حسابات المعركة. وقد انتشرت فيها مليشيا “لواء القدس” التي قدمت من حلب خلال اليومين الماضيين. وعلى الأغلب، فالقوات المنتشرة هي من الدورات المتخرجة حديثاً من معسكر حندرات شمالي حلب. وانتشرت تعزيزات “لواء القدس” في البلدات والقرى غربي مطار أبو ضهور العسكري.
ولم يسجل مشاركة كبيرة للمليشيات المدعومة من إيران في عمليات القصف، خلال اليومين الماضيين. لكن المليشيات الإيرانية نفّذت عمليات إعادة انتشار ودعم لمواقعها، الأحد، في جبهات ريف حلب الجنوبي ومنطقة الضواحي الغربية لحلب، تحسباً لأي هجوم للمعارضة بهدف الإشغال والتخفيف من الضغط جنوبي ادلب وريف حماة.
توسع القصف على مراحل
تطور القصف الجوي والبري على مراحل، واستهدف في المرحلة الأولى قرى وبلدات ريف حماة الشمالي وسهل الغاب القريبة من خطوط التماس، ما تسبب بنزوح أكثر من 70% من سكانها. وفي المرحلة الثانية توسع القصف ليشمل مناطق ريف ادلب الجنوبي؛ ريفي كفرنبل وخان شيخون وريف المعرة الغربي، وهي مناطق ذات كثافة سكانية متوسطة. وفي المرحلة الثالثة امتد القصف إلى جبل الزاوية ومحيط أريحا، وهي أكثر المناطق المكتظة بالسكان. ولم يتوسع القصف حتى الآن ليشمل كامل قرى وبلدات جبل الزاوية، لذا لم ينزح الأهالي بالكامل عن منازلهم.
وجميع الأهداف التي تم استهدافها في المراحل الثلاث، هي أهداف مدنية، من منازل ومرافق حيوية، ومشافٍ ومدارس ومباني المجالس المحلية، وأهداف في المحيط القريب للقرى والبلدات المستهدفة بهدف منع الأهالي من البقاء في البساتين المجاورة وإجبارهم على النزوح شمالاً. وفي حال أرادت مليشيات النظام فتح معركة بالفعل فلا بد أن تواصل قصفها.
والمرحلة الرابعة المفترضة من القصف، قبل الاجتياح البري، قد تستهدف قدرات المعارضة العسكرية، ومواقعها المتقدمة وأرتالها العسكرية، ومستودعات أسلحتها، والأسلحة الثقيلة وقواعد الصواريخ التي يتم رصدها عن طريق طيران الاستطلاع.
المحاور المتوقع إشغالها
القائد العسكري في “جيش العزة” العقيد مصطفى بكور، أكد لـ”المدن”، أن مليشيات النظام باتت جاهزة بالفعل لشن معركة، ومستعدة لها من حيث الإمكانات النارية والمدرعات ومجموعات المشاة التي تم حشدها خلال الأسبوع الماضي.
وتُرجّح المعارضة المسلحة أن يتم إشغال محورين رئيسيين من قبل مليشيات النظام في حال قررت الهجوم البري؛ المحور الأول يبدأ من ريف حماة الشمالي الغربي، انطلاقاً من كرناز مروراً بكفر نبودة والهبيط وكفرعين وتل عاس وخان شيخون، والمحور الثاني انطلاقاً من أبو دالي في ريف ادلب الشرقي باتجاه الخوين الكبير والتمانعة، وصولاً إلى خان شيخون، حيث يُفترض أن يلتقي المحوران.
وتحقق مليشيات النظام من خلال تقدمها على هذين المحورين، فصل ريف حماة الشمالي بالكامل عن إدلب الجنوبي، ومحاصرة اللطامنة ومورك وكفر زيتا والزكاة والصياد وسكيك والأربعين، أي سقوط مناطق سيطرة “جيش العزة” بالكامل، وإجباره على الانسحاب نحو الشمال.
كما يمكن لمليشيات النظام التقدم في سهل الغاب وجسر الشغور، في المراحل اللاحقة عبر فتح جبهات عريضة مع المعارضة وقضم مناطقها تباعاً. وبدأت المواقع الإعلامية الموالية تتحدث عن تحضيرات وحشود عسكرية للمعارضة في سهل الغاب وجسر الشغور وريف حماة، وتعتبرها مقدمة لعمل عسكري عدائي تحضر له المعارضة ضدها في المنطقة، وعليه لا بد من اتخاذ إجراءات رادعة، ويبدو أن هذه الاتهامات تأتي في إطار التبرير للمعركة المفترضة التي ستشنها المليشيات.
قطع المساعدات عن إدلب قد يكون الاختيار السهل للمانحين الغربيين، لكنه ليس الاختيار الصحيح/ حايد حايد
إن الهيمنة المتزايدة لهيئة تحرير الشام على آخر جيوب المتمردين في شمال غرب سوريا يعيق بشدة الحكم الرشيد. كما أن المخاوف من أن يتم تحويل أموال المساعدات إلى هيئة تحرير الشام، والتي يصنفها معظم دول العالم كجماعة إرهابية، دفعت المانحين الغربيين إلى قطع التمويل عن جميع المشاريع غير الإنسانية المتعلقة بأعمال الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك مشاريع التعليم والصحة.
كما لو أن الأشخاص الذين يعيشون في إدلب، والذين يقترب عددهم حاليًا من “4” ملايين نسمة، لم يعانوا بما فيه الكفاية. والأسوأ من ذلك، أن هذا التحول السياسي لن يفشل فقط في الحد من سيطرة هيئة تحرير الشام على ما تسميه الهيئة أعمال الإغاثة “المسموح بها”، بل إنه يساعد الهيئة فعليًا على تشديد قبضتها على جميع المهام المدنية، وبالتالي تعزيز مطلب الهيئة المتعلق بشرعيتها.
ولما كانت هيئة تحرير الشام ناجحة على المستوى العسكري، وذلك من خلال سيطرتها على مساحات شاسعة في إدلب الكبرى منذ بداية العام، إلا أن محاولات هيئة تحرير الشام للتفوق في إدارة الشؤون المدنية أثبتت أنها الأمر أكثر صعوبة، فالعديد من المجالس والمجتمعات المحلية لا تثق في الهيئة.
ومنذ عدة أشهر، قامت هيئة تحرير الشام بتنفيذ ما يمكن أن يُعتبر هجومًا ساحرًا من خلال إدراج نفسها ضمن الهياكل المحلية، ومغازلة مجموعات المتمردين الأخرى بهدف – ظاهريًا – تقاسم السلطة في الإدارة المدنية الجديدة، وتحمل مسؤولية استعادة الخدمات العامة. وهذا ما يفسر ولو جزئيًا السبب الذي بدت فيه هيئة تحرير الشام مرحبة بالمنظمات الإنسانية التي تقدم المساعدات في المناطق التي تسيطر عليها.
بيد أن الأمر لن ينطلي إلا على القليل – ولسبب وجيه. ففي الانتخابات الأخيرة المقامة لتشكيل مجلس شورى جديد، كان لهيئة تحرير الشام تأثيرًا كبيرًا على كلٍ من اختيار المرشحين ونتيجة الانتخابات، فضلاً عن التأثير على تقديم الخدمات، والتي لم تكن أمرًا قابلاً للتنفيذ قبل ذلك. وببساطة، لا تمتلك هيئة تحرير الشام الموارد اللازمة، على الرغم من أن ذلك لم يمنعها من إعلان مسؤوليتها عن تنظيم عملية توزيع المساعدات الدولية.
وبالنسبة للمنظمات المدنية المعنية بالأنشطة غير الإنسانية، فإن أسوأ ما يمكنها فعله في الوقت الحالي هو تعليق أنشطتها.وتتضمن الجهود الدولية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في سوريا أكثر بكثير من مجرد توزيع الغذاء والدواء، حيث تركز المجموعات العاملة هناك أيضًا تركيزًا كبيرًا على بناء مؤسسات مدنية شرعية، وتعزيز الحكم الرشيد. وعلى سبيل المثال، هناك برامج سرية للتشجيع على المساواة بين الجنسين، والنشاط المجتمعي، وحقوق الإنسان. (تلجأ هذه المجموعات إلى العمل بطريقة غير ملحوظة لحماية موظفيها والأشخاص المستفيدين من الخدمات.)وفي ظل غياب الخيار العسكري المناسب ضد هيئة تحرير الشام، يبدو أن المقاومة المدنية هي الخيار الأفضل المتاح. وتمارس جماعات المجتمع المدني حتى الآن دورًا حاسمًا في منع هيئة تحرير الشام من السيطرة على مقاليد الأمور، ذلك أن المساعدات الموجهة إلى مجموعات المجتمع المدني قد مكنتها من احتواء هيئة تحرير الشام، وإضعاف شرعيتها وتقويض قاعدة الداعمين لها. وبينما لا ترضى هيئة تحرير الشام عن كل ما تفعله منظمات المجتمع المدني، الا انها لم تحظر نشاطاتهم بشكل جاد.ولكن بدون دعم الوكالات الدولية، ستضطر الجماعات المدنية وأجهزة الحكم المحلي إلى تعليق أنشطتها، وبالتالي خلق فراغ يمكن لهيئة تحرير الشام أن تملئه، ولا يمكن السماح بحدوث هذا الفراغ.إن ديناميات الوضع في إدلب معقدة بشكل لا يمكن إنكاره. فهناك مناطق بأكملها خاضعة لإدارة هيئة تحرير الشام والشركات التابعة لها؛ وفي مناطق أخرى، حققت هيئة تحرير الشام تقدما بسيطًا، بفضل المقاومة المحلية. ولكن بدون دعم المانحين، لا يمكن لهذه المقاومة أن تصمد.لذا، وبدلاً من الانسحاب، وترك المجال سهلاً أمام هيئة تحرير الشام، يجب على منظمات المجتمع المدني، المحلية منها أو الدولية، والجهات المانحة الغربية العمل معًا لتفويت هذه الفرصة على هيئة تحرير الشام، ويجب أن يحدث التعاون في الوقت الراهن، ذلك أن هيئة تحرير الشام لم تتمكن حتى الآن من تعزيز قوتها في إدلب بشكل كامل.ويجب على منظمات المجتمع المدني والجهات الغربية المناحة اختراق مناطق هيئة تحرير الشام لتحديد نقاط المقاومة المحتملة. هذا وقد عرفت بعض من تلك المجموعات بنفسها من خلال البيانات المنشورة على الإنترنت والتي ترفض خلالها سيطرة هيئة تحرير الشام، ولهذا يجب تشجيع تلك المجموعات ودعمها. ويجب أن تتضمن الإرشادات التشغيلية معايير واضحة لتنظيم عمل تلك المجموعات، فضلاً عن وجود آليات قائمة لضمان الامتثال لتلك المعايير، وأيضًا مراقبة المقاومة وإعداد تقرير عنها.ويجب أن تضمن تلك الإرشادات أيضًا عدم وصول، صدفة أو عمدًا، أي أموال إلى أيدي أي مجموعة محظورة. ومن المجموعات التي عرفت بنفسها، المنظمات الإنسانية التي ترفض دفع الضريبة (الاتاوة) التي تحاول هيئة تحرير الشام فرضها على جميع وكالات الإغاثة العاملة داخل المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام أو تمر خلالها، حتى لو أدى هذا الرفض إلى اضطرار تلك المجموعات إلى تعليق نشاطها. إن الحالة التي عليها هيئة تحرير الشام لا تسمح لها بسد الفجوة، وسيصل الضغط المجتمعي إلى مستوى يجعل مجموعات الإغاثة قادرة إلى على استئناف عملها دون أي التزام بدفع الضريبة.وهناك ما يكفي من الأمثلة في إدلب الكبرى للإشارة إلى جدوى تلك الخطط. وهنا نشير إلى إحدى هذه الأمثلة: فقد تعرضت إحدى المنظمات غير الحكومية العاملة في أحد مشروعات الإغاثة في شمال سوريا إلى ضغوط من أجل إيقاف تعاونها مع المجلس المحلي، والتعاون مع جمعية خيرية تابعة لهيئة تحرير الشام، غير أن المنظمة غير الحكومية رفضت هذا الأمر، وتعرضت للتهديد بإنهاء مشروع الإغاثة، وإغلاق مكتبها في مدينة إدلب. وعندما انتشر هذا الخبر، نظمت جماعات مدنية محلية ونشطاء مظاهرات احتجاج أدت إلى تراجع هيئة تحرير الشام عن قرارها. وبالتالي، تمكنت المنظمة غير الحكومية من مواصلة أعمال الإغاثة دون عوائق.إن تطوير البروتوكولات الجديدة للحكم الرشيد وتنفيذها لن تكون بالأمر السهل. غير أن قرار الغرب بإنهاء جميع أشكال المساعدات باستثناء المساعدة الإنسانية لن يؤدي إلى تقويض سلطة هيئة تحرير الشام أو كبح نفوذها. وفي الواقع، سيؤدي هذا القرار إلى نتائج معاكسة تمامًا، وستكون عواقبه وخيمة بالفعل.
سورية.. مصير اتفاق سوتشي ومسؤولية الفصائل/ عمار ديوب
صعّدت روسيا والنظام السوري قصفهما على ريفي حماة الشمالي والغربي وجنوب إدلب، وكأنهما يريدان استباحة إدلب بأكملها، وقصفا منشآت طبية وتعليمية وقرى وبلدات، وطاول التهجير مئات ألوف الناس. جاء هذا الجديد على أثر تسريباتٍ وصفقاتٍ بين روسيا وتركيا، فالأخيرة تأخذ تل رفعت وقرىً تسيطر عليها الوحدات الكردية، وروسيا تتوسع في المناطق منزوعة السلاح وفق اتفاق سوتشي، فتصبح منزوعة السكان، ومناطق عسكرية خالصة لصالح الروس، وتسيّر فيها الدوريات.
لتركيا التي هي أحد الضامنين لاتفاق سوتشي 2018، حساباتها في عدم تصفية الفصائل الرافضة هذا الاتفاق، مثل هيئة تحرير الشام وجيش العزة، ولكن لروسيا مصلحة في ضبط كل العمل العسكري في إدلب؛ أي على حدود المناطق التي تسيطر عليها روسيا، وللأخيرة مطارات وثكنات وجنود ومرافئ، وبالتالي تريد تنفيذ اتفاق سوتشي كاملاً، ولو أدى الأمر إلى إنهائه وليس تطبيقه، واحتلال إدلب أيضاً. ما تمنع روسيا عن إنهائه، كما حال اتفاقيات خفض التصعيد في درعا وغوطة دمشق وحمص الشمالية، والاكتفاء بتطبيقه، ويؤكد أن العملية لن تكون واسعة، شروطٌ دوليةٌ تخص إدلب، إذ هناك رفض دولي لاجتياح كامل. وقد أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً رافضاً لها؛ فسوف يفضي إلى موجةٍ جديدة من التهجير، وستطاول ملايين السوريين، وهذه لا تحتملها لا تركيا ولا أوروبا، وهناك أيضاً عدم جاهزية روسيا لحرب استنزافٍ طويلة، سيما أن الخلافات بينها وبين إيران تتصاعد، وهي تسعى إلى فرض سيطرة كاملة على شمال حماة وجنوب إدلب، وإخراج إيران نهائياً من تلك المنطقة. وبالتالي، ليس هناك قوات برية تابعة للروس، وتكون قادرةً على حرب طويلة وصعبة، حيث
هناك عشرات الألوف من المقاتلين في إدلب. والآن يثير التصعيد التحشيد العسكري، وستتشكل بالضرورة غرف عمليات قوية. وهذا ما سيوحد الفصائل المختلفة في إدلب (هيئة تحرير الشام، الجبهة الوطنية، الجيش الوطني، جيش العزة، وربما حراس الدين والجهاديين الأجانب). لهذا لن تصعد روسيا من معركتها الحالية. تريد تطبيق اتفاق سوتشي، وإجبار جيش العزة، وهيئة تحرير الشام، على الموافقة عليه، والسماح بتسيير دوريات روسية تركية مشتركة. يرفض “العزة” بشكل قطعي ذلك، وتطلب “تحرير الشام” أن تسير الدوريات برعايتها! طبعاً يستهدف اتفاق سوتشي إنهاء “تحرير الشام”، وتصفية جيش العزة، وهناك بديل تركي عنهما، الجيش الوطني، والجبهة الوطنية.
ويعود تأخر تركيا في الحسم إلى أسباب متعددة، منها كما جاء أعلاه الخلافات عن الحصص في تل رفعت، وأيضاً صعوبة الحسم ضد هيئة تحرير الشام خصوصا، وهناك عدم الاتفاق الكامل بخصوص شرقي الفرات، والتي تتكثف النقاشات التركية الأميركية حولها، وبما ينشئ منطقة آمنة بإشراف تركي، وهذا أيضاً عنصر خلاف بين روسيا وتركيا، فروسيا تريد السيطرة على شرق سورية، حيث ثروات سورية النفطية والزراعية والمائية. وبالتالي هناك أسباب متعددة للتصعيد الروسي، وبما يُجبر تركيا على مزيد من التوافق مع روسيا، بخصوص تطبيق اتفاق سوتشي والمنطقة الآمنة في شرق سورية، وبخصوص اتفاقيات تركيا مع أميركا، والتي تشهد تقارباً، وعلى أكثر من صعيد. رفض تركيا التصعيد الأميركي ضد إيران لا يعتد به كثيراً.
تذهب كل مقاربةٍ للتصعيد الأخير نحو المقارنة مع مناطق خفض التصعيد الأخرى، والتي استُخدمت الاتفاقيات تلك فيها لإنهاء “تحرّرها” من النظام، وبالتالي عادت إلى سيطرته. الوضع في إدلب خطير للغاية، وهنا على الفصائل الموجودة هناك الارتقاء إلى مستوى المشكلة، فإدلب حاضرة على طاولة البحث بين كل من تركيا وروسيا وإيران وأميركا، وهي لن تُترك “مستقلة”، بل ستفرض عليها اتفاقيات أخرى، وليس فقط اتفاق سوتشي. الآن وكما الحال مع فصائل درعا والغوطة وحلب وحمص، تتحمل فصائل إدلب المسؤولية. يقع على جيش
العزة بالتحديد احترام اتفاق سوتشي، وهنا تكمن مشكلة، فهذا الجيش مدعوم أميركياً، وتشدده يجد تفسيره انطلاقاً من “إزعاج” أميركي للروس، ولكن موقفه أوجد حجةً للروس لذلك التصعيد، وتهجير كل السكان من مناطق القتال. وبتصعيدها، لا تكتفي روسيا بأن تُهجر سكان قرى كثيرة، وهي تهجر سكان بلداتٍ خاضعة للنظام في المنطقة ذاتها، بقصد بناء منطقة عسكرية جديدة لها في شمال حماة، وبالتالي لن تصمت أبداً عن أي فصائل عسكرية خارجة عن السيطرة التركية. جيش العزة وهيئة تحرير الشام، خارجان عن ذلك، ويرفضان الدوريات المشتركة، ويرفضان إخلاء بعض القرى المشمولة باتفاق سوتشي. تعني هذه الأفعال حرباً قوية من الروس وحلفائهم في تلك المنطقة، وبالتالي تتحمّل الفصائل مسؤولية كبيرة في مواقفها تلك، وهذا ما يدفع إلى القول إن روسيا لا تحتاج إلى حجة للتصعيد، وهي تسمح لقوات النظام بتكرار ذلك.
وباعتبار أن الفصائل تدعي أن مواقفها تنطلق من الدفاع عن حقوق الناس، فإن الموافقة الكاملة على اتفاق سوتشي، بين الرئيسين التركي أردوغان والروسي بوتين، أكثر من ضرورية في هذه المرحلة، وطبعاً كان يجب تنفيذ بنوده منذ لحظة توقيعه، في 2018. هيئة تحرير الشام وجيش العزة يتحملان مسؤولية إذاً، وهناك قضايا أخرى، يقع على الهيئة بالتحديد إنجازها، وتتصل بتسليم كل الجوانب الخدمية لحكومة ومجالس محلية منتخبة وممثلة للسكان، ومحاربة كل أشكال الجهادية المتبقية في المدينة، وتنظيف نفسها من العناصر والكتل الجهادية. ستجدد هذه النقطة التصعيد، في حال توقف التصعيد الحالي، ولم يصل إلى طرح مصير الجهاديين في إدلب من حراس الدين وسواهم وهيئة التحرير نفسها.
قصدت من التحليل أعلاه أن الفصائل المعارضة لروسيا وللنظام معنية بنزع كل حجة تنهي اتفاق سوتشي، وتؤدي إلى كوارث طالما فعلتها روسيا وحلفاؤها في كل سورية، وهذا ما يطرح مصير هيئة تحرير الشام نفسها. إذاً للتصعيد الحالي أسبابه، وسيكون هناك تصعيدٌ آخر، وسيشمل مصير الهيئة، فهل تعي الأخيرة مسؤولياتها الراهنة والمستقبلية وتحلُّ نفسها؟
العربي الجديد
هل بدأت روسيا معركة تأمين الخواصر الرخوة شمال غرب سوريا؟/ منهل باريش
صعّدت موسكو من قصفها الجوي العشوائي على منطقة خفض التصعيد الرابعة شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها المعارضة السورية. وتركز القصف بداية على قرى وبلدات ريف حماة الشمالي الممتدة من مدينة مورك شرقاً وصولا إلى قلعة المضيق غرباً. وتوسعت دائرة القصف لتشمل بلدات ريف إدلب الجنوبي ومن ثم قرى جبل الزاوية التي قصفت بعشرات البراميل المتفجرة.
وعلمت “القدس العربي” أن ضباطا روس حَمّلوا نظراءهم الأتراك عدم ضبط منطقة خفض التصعيد وخصوصا مسألة استهداف القاعدة الجوية الروسية التي تتخذ من مطار حميميم العسكري مقرا لها.
وتتذرع موسكو بسيطرة هيئة “تحرير الشام” وفشل الدوريات المشتركة وعدم التزامها بتطبيق اتفاق سوتشي الموقع بين الجانبين في أيلول/ سبتمبر الماضي في الضغط على أنقرة بخصوص ملف المنطقة.
أهداف الهجوم
مهدت عدة تطورات إلى صعوبة الاستقرار طويل الأمد في إدلب، أبرزها:
رفض الروس إنشاء نقاط مراقبة تركية متقاربة في ريف حماة الشمالي وسهل الغاب، ما أدى إلى بعد المسافة بين نقطتي المراقبة في مورك وشير مغار شمال قلعة المضيق، وبقيت المنطقة خالية من التواجد التركي. ويضاف إلى ذلك تمركز نقطة شير مغار بعيدا عن سهل الغاب، وعدم تواجد أي نقطة تركية في سهل الغاب مطلقاً.
الرغبة الإيرانية بتكثيف تواجدها في مناطق نهر العاصي المقابلة والمتداخلة مع منطقة اللطامنة، تحديداً في معر زاف والأراضي الزراعية غربها، حيث تسللت الميليشيات التابعة لها إلى إحدى نقاط “جيش العزة” واستهدفت 19 مقاتلاً في عملية شكلت خرقاً أمنياً كبيراً لأقوى فصائل المعارضة السورية والأكثر تمرسا وتدريبا وجاهزية قتالية، اخترقت خلالها وحدة مهام خاصة مشتركة من القوات الإيرانية وحزب الله منطقة الزلاقيات قرب اللطامنة.
وتضاف القدرة النارية لفصائل المعارضة للوصول إلى المخافر الروسية الصغيرة قرب محردة والسقيلبة واعتبار موسكو أن حماية القرى المسيحية وتأمين سلامتها هو من أولويات دورها في سوريا.
ويعتبر تهديد مطار حميميم العسكري واحداً من أبرز تلك الإشكاليات بين روسيا وتركيا، فرغم نجاح أنقرة بمنع استهداف المطار بطائرات الدرون الموجهة التي كانت تطلقها هيئة تحرير الشام بشكل منتظم، إلا انه سجلت عدة هجمات بتلك الطائرات فيما يعد استهدافاً للمطار من قبل “حراس الدين” و”تحرير الشام” خلال جولة أستانة 12. والخميس الماضي حصلت أكبر عملية قصف على مطار حميميم منذ توقيع اتفاق سوتشي حتى اللحظة حيث استخدمت صواريخ غراد 40 كم لقصفه وأطلقت من قرى جسر الشغور الغربية الأقرب للقاعدة الروسية.
وتعتبر الهجمات الخاطفة على خطوط جبهة جورين وريف حلب الجنوبي أيضا سببا للتصعيد الحاصل والذي جاء كرد فعل على قصف النظام.
وتدفع الاعتبارات الواردة أعلاه إلى ترجيح قيام موسكو بعملية عسكرية محدودة لتأمين تلك المناطق والتي أصبحت خواصر رخوة ويمكن تلخصيها بأربع رئيسية ستتحرك روسيا من أجل إبعاد المعارضة عنها بشكل نهائي وهي: جورين والقرى العلوية القريبة، السقيليبة وجوارها، مدينة محردة إضافة إلى مطار حميميم.
وفي غياب التوصل إلى حلول وتجاهل التعهدات التركية في ضبط الخروقات، أصبح من الواضح أن روسيا تستعد لتحرك يبعد نيران مدفعية المعارضة وصواريخ الراجمات إلى نحو 25 كم وهذا عملياً يعني الرغبة الروسية بالسيطرة على كامل ريف حماة الشمالي من مدينة مورك شرقا إلى اللطامنة وكفر نبودة وهو المحور الأقرب إلى مدينة محردة، فيما تشكل قلعة المضيق وريفيها الشرقي والغربي الخطر الأكبر لمدينة السقيليبة.
ولتأمين القرى العلوية في سهل الغاب على روسيا إبعاد المعارضة منه إلى حدود جبل الزاوية الغربية المطلة على سهل الغاب، فيما تعتبر السيطرة على جسر الشغور وريفها الغربي وتضييق سيطرة المعارضة قرب الحدود السورية التركية أكثر الأهداف استراتيجية لتصفية سماء مطار حميميم أمام قاذفاتها الاستراتيجية المتمركزة هناك.
اتفاق سوتشي
من المرجح أن روسيا ستحاول الموازنة بين العملية العسكرية المحدودة هذه وبين علاقتها مع تركيا، وهذا ما قد يدفع موسكو إلى عملية عسكرية دقيقة وليس اجتياحا بريا كبيرا غير متفق عليه، كما فعلت عندما أخلت باتفاق شرق السكة (سكة قطار الحجاز) وتقدمت غرب سكة القطار إلى مسافة وصلت إلى 15 كم في بعض المناطق في ريفي إدلب وحماة الشرقيين.
ليس الحفاظ على العلاقة مع تركيا هو ما سيحدد الهدف الروسي من حجم العملية العسكرية، وإنما الاعتبارات الروسية نفسها للحفاظ على مسار أستانة والتقدم في اللجنة الدستورية والنية المعلنة لعودة اللاجئين. فعملية عسكرية غير دقيقة ومنضبطة ستدفع مئات الآلاف من السوريين في تلك المناطق إلى النزوح شمالا إلى عفرين وريف حلب الشمالي، أي حصول موجة تشريد وتهجير قسري جديدة بحق المدنيين.
من جهة أخرى، فان تركيا اعتادت المفاوضات على حافة الهاوية بشكل دائم وهذا ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة طهران على الهواء مباشرة في أيلول/سبتمبر الماضي.
وهنا، تدرك أنقرة أن تجنيب إدلب عملية عسكرية ووقف القصف العشوائي ونزع الذراع الروسية وتحقيق ما تسعى له موسكو من العملية العسكرية بالطرق الدبلوماسية، أي تأمين الخواصر الرخوة بشكل نهائي يتطلب إيجاد آليات جديدة في منطقة اللطامنة وقلعة المضيق وإبعاد “تحرير الشام” وباقي التنظيمات المعتبرة إرهابية في اتفاق سوتشي من خطوط المواجهة مع النظام في جسر الشغور وسهل الغاب وريف حلب الجنوبي ووقف استهداف مطار حميميم بشكل حازم ونهائي.
دون تغيير تركيا لاستراتيجيتها في التعامل مع “تحرير الشام” وتطبيق اتفاق سوتشي الذي تأخرت فيه فإن منطقة شمال غرب سوريا ستبقى عرضة للخطر المستمر ومهددة بعدم الاستقرار دائماً وعلى فصائل المعارضة أن تدرك أن المواجهة مع روسيا هي ضرب من المستحيل وأن إعمال العقل أجدى من الشعر والخطابة.
القدس العربي
سورية.. وفد أستانة في ثوب الملك العاري/ سميرة المسالمة
توافق “المعارضة” السورية، ممثلة بوجوهٍ عيّنتها الأنظمة التي تستثمر وجودها في أستانة وسوتشي وحتى في جنيف، على خطط التصعيد ضد سكان مناطق سوريةٍ، لا تزال الخلافات حول تبعيتها قائمة بين الدول الثلاث الضامنة لاستمرار الصراع في سورية وعليها، وهي وفود المعارضة إلى أستانة بحضورها المتكرر، أو حتى تكليف من ينوب عنها في المشاركات الدبلوماسية أو العسكرية، توقِّع على قرار إعدامات كل ضحايا الحرب السوريين، ليس فقط ضحايا خلافات الدول الضامنة (روسيا، إيران، تركيا) حول طاولة مفاوضات أستانة، وحواراتها المسلحة خارجها، بل منذ تأسيس تلك الفصائل، ذات الأجندات والطموحات غير السورية، وتصدير قادتها، أو ممثلين عنهم، إلى الجلوس مفاوضين عن الشعب السوري، وحتى آخر ضحية لاقت المصير نفسه، بعد قصف استمد شرعيته من اجتماعات “أستانة 12” الذي اختتم الأسبوع الماضي ببيان “ترفيهي” على صوت قرع طبول الحرب “المؤجّلة” في حلب ومناطق في إدلب.
منذ بدء العملية السياسية، مارست الوجوه نفسها (يجلس معظمها اليوم مقابل وفد النظام والداعمين له في أستانة) عملية تعطيل ممنهجة لأي مسار تفاوضي منذ عام 2013. وكانت هذه الأسماء الرائجة اليوم، والتي تحتل شاشات معظم الفضائيات للحديث عن نجاحات التفاوض “الوهمية” التي تجري في أستانة، قد عملت سابقاً على تجريم كل الراغبين بفتح أبواب الحل السياسي آنذاك، وأصدرت بحقهم بيانات التخوين، وفتاوى قتل من يحضر المفاوضات أو يروّجها، على الرغم من أن العملية السياسية بدأت معالمها في التبلور اعتماداً على نجاحات الجيش الحر (2012-2013) في صد هجوم قوات النظام عن مناطق كثيرة، وإبعاد خطر أن تداهمها القوات الأمنية، ما وضع الأمم المتحدة ودولا كثيرة أمام استحقاقات وجوب السعي إلى الحل السياسي، إما لتجنب سخط شعوب العالم المتعاطفة مع ثورة السوريين آنذاك، أو لإنقاذ دور النظام في المنطقة. وفي الحالتين، كان للشعب السوري مصلحة في الذهاب بطريق الحل السياسي الضامن لحقوقه، في وقت انكسرت فيه، بعد ما يزيد عن أربعين عاماً، صورة هيبة النظام داخل مخيلة السوريين، وضمن مسار وقائع الأحداث. ففي البيان المشترك للفصائل المنضوية تحت الجبهة الإسلامية (تم حلها لاحقاً)، والتي تشكلت بهدف إطاحة النظام السوري، وإقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية، وينضوي كل من جيش الإسلام وأحرار الشام تحتها كأكبر فصيلين إسلاميين، والمشاركين في اجتماعات أستانة الآن، إلى جانب فصائل وشخصيات وظيفية من أشباههم في الأيديولوجيا والهدف، إذ اعتبرت الفصائل الموقعة على البيان في (27 أكتوبر/ تشرين الأول 2013): “مؤتمر جنيف 2 حلقة في سلسلة مؤامرات الالتفاف على ثورة الشعب في سورية وإجهاضها”. وأكدت الجبهة أن اندماج فصائلها هدفه “التأثير في القرار السياسي للثورة، وامتلاك موقع متميز يمكنها من التحكّم بمسارات التسوية المحتملة”. أي أن الهدف الأساسي كان هو ذاته ما وصلت إليه اليوم في أنها، كحركات إيديولوجية متحكمة بمسار التسوية، سواء عبر ممثلين لها في المفاوضات العسكرية التي تجري في أستانة، أو المشاركين في وفود التفاوض السياسي بعد أن استولت على قرار الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أيضاً، في نسخته الحالية غير السورية، والذي لم ينتج سوى بيانات خطابية أكثر رداءةً من بيانات النظام الشعاراتية لمؤيديه حول أن الحرب “خلصت”، بينما خلصت قدرتهم على تأمين فرصة العيش بأبسط ظروف الحياة.
ومن هنا، يكمن حجم الدهشة في أن تكون الجهات التي ترى في “جنيف 2” مؤامرة هي نفسها من تتولى عملية التفاوض مع الجهات المتآمرة على السوريين في ثورتهم السلمية (إيران وروسيا)، للوصول إلى ما طرحته مباحثات جنيف 2 في حدّها الأدنى الذي تحاول مداولات أستانة وسوتشي إلغاء مفاعيل ايجابياته لمصلحة تسوياتٍ شكليةٍ، يحظى فيها الجالسون على مقاعد المفاوضات “بجوائز ترضية رخيصة”.
ولعل هذا ما يسوّغ السؤال عن هذه التسوية التي تعمل عليها إيران وروسيا، وإلى جانبهما تركيا؛ فهل هي التسوية التي لا تلتف على ثورة السوريين وتُجهضها، حسب معتقدات من طرح بيانات التخوين سابقاً لكل من يقبل التفاوض مع النظام، وهم من يتولى تقديم التنازلات اليوم؟ أم أنها التسوية التي زرعت من أجلها كل تلك التنظيمات المسلحة، بمرجعياتها غير السورية، في قلب الثورة السلمية، فكانت أن أنجزت اتفاقات التسويات المجحفة والمدن الأربع وتهجير سكانها، ومناطق خفض التصعيد التي انتهت بتسليم المناطق إلى النظام، وأبرزها و”أبشعها” تسليم الغوطة، بعد معركةٍ وهميةٍ هدفت إلى خروج قادة الفصائل، بما يحملون من تجارة الحرب وأنفاقها من غنائم؟
التوغل في العمل المسلح من النظام السوري أتى أكله معه، على الرغم من حجم الدمار
وفظاعة الجرائم التي ارتكبها بحق مواطنيه، إلا أنه حقق الغاية التي ابتغاها منه، وهو إبعاد مخاطر الحل السياسي العادل الذي كان يهدّد استبداديته وفردانيته ثمانية أعوام متتالية، وبالتالي غيّر هذا الخيار الأمني العسكري للنظام مواقع بعض الدول من المواجهة إلى التقارب، والتفاوض، وحتى التفاهم، بطريقة مباشرة، أو عبر شريكيه في قتل السوريين روسيا وإيران. إلا أن العمل المسلح نفسه تحت عنوان “المعارضة” أوصلنا إلى ما عبر عنه بيان الفصائل الإسلامية (2013) برغبتها الهيمنة على القرار السياسي، وأخذوا بذلك سورية إلى سوريات كثيرة بعدد الفصائل. وأنتجت فصلنة الثورة طبقةً من أمراء الحرب، استطاعت انتزاع أحلام السوريين في دولة ديمقراطية مدنية، تتساوى فيها حقوق المواطنة على اختلاف القوميات والديانات، وهو ما سهل عملية تمزيق سوريات الفصائل “المشتتة” أمام سورية النظام المدعوم من شركائه، وفق خطة واحدة ممنهجة، أنتجت في النهاية مؤتمرات أستانة من 1 حتى 12، والمزيد قادم بانتظار بياناتٍ ترفيهيةٍ، تبرّر سياحة الوفود المشاركة فيها بمضامين لا طعم لها ولا لون، كحال ما ورد في البيان الذي صدر أخيرا، المكرر بعباراته وقلة حيلته، لإنجاز أي خطوة باتجاه الحل الضامن لسلامة السوريين، وضمان وحدة أراضيهم، على الرغم من تكرار التأكيد على ذلك، من بداية انطلاقة البيانات حتى رقمها 12 في أستانة ومعها سوتشي، هي على الأكثر لتبرّر للضامنين خطواتهم العسكرية على دروب الدم السوري، بينما يهلل وفد المعارضة لمنجزات وهمية ومتخيلة، يسيرون بها في فضائياتٍ تمنحهم من وقتنا ودمنا فرصة السير بيننا، كالملك العاري الموهوم بثوبٍ لم يره ولن يراه غير المزاودين والمنافقين.
العربي الجديد
12 جولة من مسار أستانة.. وماذا بعد؟/ ماجد كيالي
لم تلق الجولة الـ12 من مفاوضات أستانة السورية، التي انعقدت يومي 25 و26 أفريل الجاري، نفس القدر من الاهتمام الإقليمي والدولي، السياسي والإعلامي، الذي لقيته الجولات السابقة، لأسباب عديدة، ضمنها أولاً انحسار مستوى الصراع المسلح بين النظام والفصائل العسكرية المعارضة، لاسيما بعد أفول هذه الفصائل واستعادة النظام السيطرة على معظم المناطق التي كانت تخضع لها، خلال العامين الماضيين.
ثانياً وصول الأطراف الثلاثة المنخرطة في هذا المسار، أي روسيا وإيران وتركيا، إلى نوع من التفاهم على وجودها في الأرض السورية، رغم التباينات، في ما يشبه التوافق على توزيع “الكعكة” على الأقل في المرحلة الحالية.
ثالثاً، رفض الولايات المتحدة، ومعها الدول الأوروبية، منح أي تغطية أو دعم لمسار أستانة، بل إنها مانعت ذلك برفضها تطبيع العلاقات مع النظام، أو الانخراط في عملية إعادة الإعمار، أو إعادة اللاجئين، معتبرة أن كل ذلك يجب أن يحصل في خضم عملية الانتقال السياسي وفقا لمنطوق القرار الدولي 2254، أي ليس قبل ذلك، وليس وفقاً لمعايير مختلفة عن ذلك.
وربما يفسّر ذلك حقيقة أن البيان الختامي الذي صدر بعد انتهاء تلك الجولة، كان مجرد تكرار للإنشاءات البديهية، التي لا خلاف عليها بين النظام والمعارضة، والتي ظلت بمثابة لازمة لكل البيانات التي صدرت سابقا، مثل الالتزام بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وعدم وجود حل عسكري للصراع السوري، وضرورة الإفراج عن المعتقلين، وحل القضايا الإنسانية، وضمنها عودة المهجرين.
مع ذلك فإن البيان لم يخلُ من إيحاءات جديدة لعل أهمها يكمن في جانبين، أولهما، أن الأطراف التي تتقاسم الجغرافيا والنفوذ في سوريا (روسيا وإيران وتركيا)، أدانت الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، باعتباره انتهاكا للقانون الدولي، وتهديدا للسلام والأمن في الشرق الأوسط.
وثانيهما أن تلك الأطراف بالذات، التي تحاول خلق وقائع سياسية وأمنية وديمغرافية جديدة في سوريا، عبرت عن رفضها كل “المحاولات لخلق حقائق جديدة على أرض الواقع بذریعة مكافحة الإرهاب… والوقوف ضد المخططات الانفصالیة التي تهدف إلى تقويض سیادة سوریا وسلامة أراضيها وكذلك الأمن القومي للدول المجاورة” في إشارة واضحة إلى التواجد الأميركي في شرقي الفرات، والذي يدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الوطني الكردي.
طبعا، تبقت نقطتان أساسيتان شكلتا محور الاجتماع. تتعلق الأولى بالوضع في شمالي غرب سوريا، أو في منطقة إدلب وريفي حلب وحماه، لاسيما مع وجود جبهة النصرة في تلك المناطق، وبالنتيجة فقد تم التوافق على تعويم هذه المسألة، بعبارة تتعلق بسيادة سوريا وسلامة أراضيها، واستعادة الاستقرار، و”تسییر الدوریات المنسقة والأداء الفعال لمركز التنسیق الإيراني الروسي التركي المشترك”، وهذا أمر جديد، إذ كان الحديث في السابق عن دوريات مشتركة روسية – تركية فقط.
وطبعا فإن البيان لم ينس تأكيد التعاون من أجل القضاء على الكيانات المرتبطة بالقاعدة وداعش والقصد جبهة النصرة، لكن من دون تصريح بكيفية القيام بذلك؛ أي أن هذه النقطة ما زالت مثار خلاف بين الأطراف المذكورة، لاسيما مع استئناف القصف على هذه المناطق عشية انتهاء اجتماع أستانة من قبل النظام والطيران الروسي.
أما النقطة الثانية، المتعلقة باللجنة الدستورية، فقد تم تأجيل البتّ فيها إلى اجتماع يعقد في جنيف لاحقا، بسبب الخلاف حول تركيبتها، ومحاولات النظام الدؤوبة للتملص من هذا الاستحقاق، وأيضاً بسبب عدم نضوج الظرف لتشكيل هكذا لجنة، لاسيما بسبب عدم وجود غطاء أميركي لها، في الظروف الراهنة.
معلوم أن مفاوضات أستانة المستمرة منذ عامين، والتي أريد لها أن تكون بديلا لمفاوضات جنيف، ومحاولة التفافية على القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، كانت في حقيقتها تجري بين ممثلين عن الدول الثلاث، بمعنى أن حضور الطرفين السوريين، أي النظام والمعارضة، كان شكليا، ولأغراض البروتوكول أو الصورة، وأن 12 جولة من المفاوضات لم ينتج عنها أي شيء، ولا على صعيد أي ملف مثل وقف القتال، أو تشكيل لجنة دستورية، أو حل القضايا الإنسانية. أما الملف المتعلق بمكافحة الإرهاب، فإن القوات الأميركية، مع قوات “قسد”، في شرقي الفرات، هي التي لعبت الدور الأساسي في ذلك، في حين بقيت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)على انتشارها في منطقة إدلب.
وربما يفيد التذكير، أيضاً، بأنه في العام 2017 تم عقد ثماني جولات، وفي العام 2018 تم عقد ثلاث جولات (في أشهر مايو ويوليو ونوفمبر)، وأنه خلال ذلك تم التوافق على أربع مناطق “خفض تصعيد”، في الجنوب والوسط وفي حلب وإدلب (في الجولة الرابعة مايو 2017)، كما تم عقد مؤتمر سوتشي للحوار السوري بغرض تشكيل لجنة دستورية (يناير 2018).
لذا، فبالنسبة لمناطق “خفض التصعيد “فهي لم تكن كذلك حقاً، لأن النظام وحليفيه الروسي والإيراني اشتغلوا على الضغط بكل الوسائل وضمنها القصف، لإنهاء فصائل المعارضة المسلحة، وهو ما حصل. أما في شأن تشكيل اللجنة الدستورية فهذا لم يحصل، بسبب عدم توافق الأطراف الثلاثة، وبسبب رفض النظام، وأيضا لأن هذا التشكيل لم يحظ بقوة الدفع الدولية اللازمة لإنضاجه. إذن إلى الجولة الـ13 لمسار أستانة التفاوضي في العاصمة الكازاخية، التي بات اسمها “نور سلطان”، في يوليو القادم.
كاتب سياسي فلسطيني
العرب
بعد “النصر”… بوتين يدخل حقل الألغام السوريّ
يستطيع الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بالفعل أن ينسب لنفسه إنجازاً عسكريّاً مهمّاً بعد نقل السيطرة على معظم الأراضي السوريّة إلى نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد؛ ولكن يبدو أنّ حقل الألغام الدبلوماسيّ هذا يمثّل تحدّياتٍ جديدة وغير متوقّعة لديه، بإمكانها أن تؤدّي إلى تآكُل الإنجازات العسكريّة.
تبدو الخطّة الدبلوماسيّة التي رسمتها روسيا، للوهلة الأولى، منهجيّة ومنطقيّة. فبحسب الخطّة، كان مخطّطاً بالفعل أن تسحب روسيا بعضَ قوّاتها من سوريا؛ وأن تحلّ معضلة تفكيك قوّات المتمرّدين في محافظة إدلب عبر الوسائل الدبلوماسيّة، بواسطة تركيا بصورة أساسيّة؛ وأن تعقد لجنةً لصياغة دستور كُتبَت بالفعل مبادؤه مِن قِبَل مستشارين روس؛ وأن تحدِّد موعداً لعقد انتخابات والبدء في إعادة ترميم وتأهيل البلاد للعودة إلى طبيعتها. وقد توافقت بالفعل على عناصر تلك المسوّدة كلٌّ من إيران وتركيا وروسيا أثناء قمّة عُقِدت في سبتمبر/أيلول الماضي، ووافق عليها الأسد وبعض من الجماعات المتمرّدة.
إلّا أنّ الأمور بدأت تنحرف عن مسارها حين أعلن الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنّه عازم على سحب قوّاته من سوريا، ولكنه لم ينفّذ ذلك القرار فيما بعد. ظهرت فجوة عميقة بين ترامب وتركيا حول حماية القوّات الكرديّة المدعومة من الولايات المتّحدة. رغم أنّ ترامب وافق على إنشاء منطقة أمنيّة في النطاق الكرديّ شمال سوريا، بعمق 32 كيلومتراً على ما يبدو، إلّا أنّه طلب أن تقوم قوّات أوروبيّة بالإشراف على المنطقة وحراستها، فيما أصرّت تركيا على أنّ تقوم قوّاتها بتلك المهمّة. لحين حلّ تلك الإشكاليّة، فإنّ انسحابَ القوّات الأمريكيّة مؤجّل. ما زال الطرفان يحاولان الوصول إلى تسوية يقبلها الأكراد.
تعترض كلٌّ من روسيا وسوريا على إعطاء تركيا فرصة التحكم في شمال سورية، ولكن في نفس الوقت يطالبون أن تنفّذ تركيا الاتفاقَ حول نزع سلاح الميليشيات المسلّحة في محافظة إدلب، وتحديداً سلاح قوّات جبهة النصرة (التي تسمّى الآن هيئة تحرير الشام). كان يُفترَض أن يمنع هذا الاتفاق هجوماً روسيّاً-سوريّاً على المحافظة، بما يتماشى مع المطالِب التركية. غير أنّ تركيا لم تلتزم بتعهّدها بتفكيك الميليشيات، فيما حذّرت روسيا من أنّ صبرها قد بدأ ينفد.
أي معركة حول محافظة إدلب، وهي موطن 3 ملايين من المدنيّين وحوالي 50 ألفاً من المسلّحين، قد تعني موجة جديدة من اللاجئين الفارّين إلى تركيا التي تستضيف بالفعل أكثر من 3 ملايين ونصف المليون من اللاجئين. بدون حلّ لقضيّة إدلب، فإنّ نظام الأسد لن يكون بمقدوره استعادة سيطرته على كامل التراب السوريّ، وسيجري أيضاً تأجيل جميع خطوات روسيا الدبلوماسيّة المخطّط لها.
هناك معضلة أخرى هي عدم وجود اتّفاق حول تشكيل لجنة دستوريّة يُفترَض أن تعمل تحت إشراف هيئة الأمم المتّحدة. مطلع الشهر انتهت الجولة الثانية عشرة من المحادثات في العاصمة الكازاخيّة آستانا (التي تُعرَف الآن باسم نور-سلطان) دون أيّ نتائج. نقطة الخلاف المحوريّة هي كيفية تشكيل الفِرَق التي ستتولّى صياغة الدستور؛ إذ إنّ روسيا مهتمّة بأكبر تمثيل ممكن للمعارَضة إلى جانب ممثّلين عن نظام الأسد، فيما تُعارِض تركيا المشارَكة الكرديّة، ويرفض الأسد بعض جماعات المعارضة.
تسعى إيران، من جانبها، إلى الحفاظ على تأثيرها في الساحة السوريّة بعد أن أحكمَت روسيا الآن سيطرتها اقتصاديّاً على موارد البلاد، مثل حقول النفط والغاز التي بِيعت حقوق تطويرها لشركات روسيّة، فيما تم تأجير ميناء طرطوس لروسيا لمدّة 49 عاماً. ازدادت حدّة هذا الصراع الاقتصاديّ نظراً لما تسمّيه إيران بالخطّة الروسيّة-الإسرائيليّة لطرد إيران من سورية. يشير المحلّلون الإيرانيّون إلى إعطاء روسيا إسرائيلَ الضوءَ الأخضر لمهاجمة أهداف إيرانيّة وإلى الصمت الروسيّ بعد اعتراف ترامب بمرتفعات الجولان جزءاً من إسرائيل، وإطلاق سراح سجينَين سوريَّين مؤخّراً في مقابل جثّة الرقيب الإسرائيليّ زخاري باوميل كدليل على التحالف الإسرائيليّ-الروسيّ الذي يستهدف إيران.
إنّ هذا التفسير الإيرانيّ للأحداث (الذي يحظى بتأييد البعض في النظام التركيّ أيضاً) يصبّ -رغماً عن إيران- في صالح إسرائيل، التي تبدو كما لو أنّها تستطيع التأثير في السياسات الروسيّة تجاه الشرق الأوسط، لا في السياسات الأمريكيّة وحدها تجاه المنطقة. إلّا أنّه من غير الواضح أنّ موسكو راضية عن هذا الانطباع، خاصّة حين يأتي أثناء تحرّكات دبلوماسيّة في سوريا حيث لا يُحبَّذ أن تبدو روسيا وكأنّها تتبع أجندة إسرائيليّة.
تبدو روسيا ظاهريّاً وكأنها تحتكر إدارة العمليّة الدبلوماسيّة، لكنّه احتكارٌ بحاجة إلى الحفاظِ عليه وإلى مرونةٍ تجاه اللاعبين الآخرين حتى يتحقّق. في الوقت الراهن يبدو أنّ ملايين النازحين واللاجئين السوريّين سيتوجّب عليهم الانتظار، تماماً مثل خطط إعادة إعمار سوريا. حتى يكون هناك نظام ثابت ومتوافق عليه في دمشق، فلن تكون هناك دولة بارزة من الدول المانحة على استعداد لضخّ رأس المال الضخم اللازم لإعادة تأهيل سوريا.
هذا المقال مترجم عن Haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي.
درج
أردوغان والمقايضة بالدم السوري/ عديد نصار
خلال كلمته في اجتماع مجلس حلف شمال الأطلسي الاثنين قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “أعدنا الهدوء إلى إدلب، وبذلك منعنا مقتل مئات الآلاف من الأبرياء، وقطعنا الطريق أمام موجة هجرة كانت ستهز أوروبا”.
كلام أردوغان، الذي توجه به إلى الأوروبيين خصوصا، في استمرار لعملية الابتزاز التي دأب عليها حيالهم في موضوع أزمة اللاجئين، لم تكن له أي دلائل عملية حقيقية على الأرض السورية. فقذائف الطائرات الروسية وبراميل طائرات النظام جنبا إلى جنب مع القصف المدفعي والصاروخي استمرت بالانهمار على قرى وبلدات ريفي إدلب الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي، وكذلك على ريف اللاذقية الشرقي وقرى وبلدات جبل الزاوية وسراقب وكفرنبل، لتضيف إلى قوائم الضحايا والمصابين والنازحين الذين لا يجدون مكانا يأوون إليه سوى بساتين الزيتون.
وكالمعتاد، تستهدف قوات النظام وطائراته وكذلك الطائرات الحربية الروسية النقاط الطبية والمستشفيات ومراكز وسيارات الدفاع المدني لتمنع إمكانية إسعاف المصابين ولتزيد من حجم الخسائر البشرية.
لقد مر على المنطقة المشمولة باتفاق “خفض التصعيد” والتي يضمنها الرئيسان أردوغان وفلاديمير بوتين من خلال اتفاق سوتشي الذي عقداه حول إدلب في شهر سبتمبر 2018، أسبوع من التصعيد لم تشهده من قبل أدى إلى مقتل المئات من المدنيين وجرح الآلاف وتشريد مئات الآلاف، ولم يحرك الضامن التركي ساكنا. وحين تكلم أردوغان في اجتماع الحلف الأطلسي تكلم كذبا.
لقد اعتدنا على سياسة أردوغان القائمة على المقايضة بالدم السوري منذ بداية الثورة السورية في عام 2011. حينها حاول التفاهم مع نظام الأسد الذي كانت تربطه معه اتفاقيات استراتيجية على صعد الاقتصاد والتجارة والتنسيق الأمني، وذلك خوفا على المكاسب الكبرى التي تحققها له تلك الاتفاقيات.
وحين فشل في إقناع بشار الأسد بالتعامل الإيجابي مع الحراك السلمي وقتها، شارك مع القوى الدولية والإقليمية في تطويق الثورة السورية وتفخيخها بالجهاديين الذين فتح لهم الحدود العريضة للتوغل إلى المناطق التي باتت خارج سيطرة النظام، وسهل لهم الحصول على الأموال والعتاد ليكونوا الخنجر الذي يطعن الشعب السوري الثائر من الخلف، وليلتحقوا بالإرهابيين الذين أطلقهم بشار الأسد من معتقلاته ليشكلوا معا الفصائل الجهادية المسلحة: جبهة النصرة وتنظيم داعش وأحرار الشام وسواها من المسميات التي عمل أردوغان على الاستثمار فيها والمقايضة بها حيث يجد ذلك مفيدا لمد نفوذه على الساحة السورية.
يمكن ملاحظة النفس الطويل الذي اتبعه أردوغان في سياسته السورية خصوصا بعد إسقاط قواته للطائرة الروسية فوق الحدود التركية – السورية، حيث لمس بوضوح أن الوجود الروسي في سوريا ليس مؤقتا ولكنه يتمتع بقوة التوافق مع الولايات المتحدة. لذلك رأيناه يذهب بنفسه إلى سان بطرسبورغ لملاقاة الرئيس الروسي بعد أن اعتذر له عن إسقاط الطائرة الروسية.
ومنذ ذلك التاريخ برزت بوضوح سياسة المقايضة التي انتهجها أردوغان في سوريا، فقد ترافق سقوط مدينة حلب مع توغل الجيش التركي في الشمال السوري ودخوله مدينة جرابلس في إطار عملية ما سمي بدرع الفرات، وكانت عملية غصن الزيتون واجتياح عفرين مع سيطرة النظام على الغوطة وريف حمص الشمالي، واليوم تحاول قوات النظام بدعم الطيران الحربي الروسي قضم المنطقة منزوعة السلاح المشار إليها في اتفاق سوتشي، في حين تحاول تركيا، الضامنة الصامتة عما يدور في إدلب، قضم منطقة تل رفعت.
لا يا سيد أردوغان. لم يعد الهدوء إلى إدلب، ولا تزال مجازر النظام الأسدي والحليف الروسي متواصلة هناك، وما زال مئات الآلاف من السوريين ينزحون إلى مناطق في العراء قد يرونها أكثر أمنا، وما زال الدم السوري الذي تقايض به يسفك والضحايا قد لا يجدون من يواريهم.
في الليالي الماضية لم ينم السوريون في إدلب لينهضوا إلى سحورهم كما باقي الناس، وقد وصلنا من أصدقاء مقيمين في سراقب خبر عن مجزرة ارتكبها الطيران الروسي في إحدى القرى المجاورة. والضامن التركي ينام قرير العين، ففي الأفق الكثير من المقايضات على ما يبدو.
كاتب لبناني
العرب
إدلب والحرب بالوكالة في سوريا/ بهاء العوام
ما يحدث في مدينة إدلب وريفها اليوم، أسقط ورقة التوت الأخيرة عن الحرب السورية. الحرب التي تخوضها أربع دول عبر وكلاء محليين، تواجهوا بعد أن حطت الحرب على الإرهاب رحاها في البلاد، وانحصر دورهم في حماية غنائم ومناطق المحتل الذي يمثلونه ويضربون بسيفه.
أربع دول تحتل سوريا وتحلم بالتنسيق في ما بينها من أجل تثبيت مصالحها هناك إلى الأبد، فتصبح الدولة السورية واحدة نظريا، ومقسمة واقعيا. لكل محتل ذراع عسكرية يضرب بها عندما يتحدث مع الآخرين بالسلاح، وأبواق تنطق بلسانه زمن السلم في المحافل الدولية والدبلوماسية.
ما يثير الدهشة في وكلاء المحتلين الأربعة، العسكريين منهم والسياسيين، هو معرفتهم بنوايا من يمثلون، وإدراكهم حقيقة أنه لا يكترث لمستقبل البلاد إلا بما يحفظ مصالحه. وعلى الرغم من ذلك يواصلون خديعة أتباعهم والترويج لضرورة تأييد هذا المحتل بحجة قضية بلادهم.
كل وكيل محتل إن جاز التعبير، يقول إن مصلحة سوريا هي ما يشغله، والحقيقة أن ثمن ولائه للمحتل هو المال أو السلاح أو المواقف المؤيدة لقضيته الخاصة. وسواء حصل عليها كلها أو بعضها، فإن إطالة أمد الأزمة في البلاد هي السبيل الوحيد لضمان استمرار تدفق المكاسب عليه.
قد تبدو مساءلة أي من الوكلاء مبالغة في وطنية لم يعرفها السوريون منذ تسلم حزب البعث للسلطة في العام 1963، ولكن بمنطق الواقعية السياسية لا بد أن يتنبه الوكلاء لحقيقة أن مصالحهم لن تسير توازيا مع مصالح المحتلين إلى الأبد، وسيأتي يوم يقامر المحتل على مصلحة حلفائه.
لقد عاش الأكراد في الشمال هذه التجربة عندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا قبل أشهر، فسارعوا إلى دول وعواصم العالم يستجدون حماية بعد رحيل الأميركيين. صحيح أن ترامب تراجع عن قراره وأبقى على بضع مئات من جنوده هناك، ولكن دوام الحال من المحال.
قبل الأكراد اختبرت فصائل المعارضة في غوطة دمشق ودرعا والقلمون، كيف يبيع المحتلون حلفاءهم على الأرض، وها هي التجربة تتكرر اليوم في إدلب وريفها، فأنقرة تعيد تقسيم مناطق النفوذ بينها وبين موسكو هناك، ولا يوجد أمام “الجيش التركي الحر” سوى القبول أو الموت بنيران الروس.
على الضفة المقابلة باع النظام جميع خياراته للروس والإيرانيين مقابل الحصول على دعم الدولتين في قمعه للثورة الشعبية، وهو اليوم يبيع الأراضي والبنية التحتية وشبكات النقل ومصادر الطاقة والجيش والأمن. لن يتوقف الأمر هنا وإذا لم تحل الأزمة في البلاد سيبيع الوزارات ودوائر الدولة.
استغلال المحتلين لوكلائهم في سوريا لن ينتهي، فهم يدركون ضعف الوكلاء وقدرتهم المستمرة على التنازل، إما حرصا على مكاسب فردية، وإما انطلاقا من خوف الجماعات من العودة إلى أوضاع ما قبل الثورة السورية عام 2011، فيفقد الأكراد شبه دولتهم شرق الفرات، وتخسر جبهة النصرة شبه إمارتها في غربه.
بات للحرب السورية اليوم تعريف واحد فقط، هو حرب المحتلين عبر وكلائهم. لم تعد حربا عالمية على الإرهاب، ولا حربا بين الحكومة والمعارضة. ولكن الإيجابي في الأمر، أن السوريين، المؤيدين منهم والمعارضين، قد استفاقوا من وهم نصرة قادتهم والولاء لهم “ظالمين كانوا أم مظلومين”.
اليوم، عندما تقرأ في تعليقات ومقالات أبناء إدلب قبل غيرهم من السوريين، تجد نقدا مباشرا لجبهة النصرة والفصائل السورية التابعة لتركيا في الشمال، وتدرك كم تكشف من عري الحرب التي جلبها النظام إلى البلاد، وباعت المعارضة في مزاداتها أحلام الملايين من السوريين باسترداد حق لا يموت.
صحافي سوري
العرب
لماذا لا تنسف تركيا مسار أستانا؟/ إسماعيل كايا
تتصاعد انتهاكات النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين للاتفاقيات الموقعة مع تركيا بصفتها الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانا، وتتصاعد مع ذلك أصوات المعارضة السورية وسكان الشمال السوري المُطالبة لأنقرة بنسف مسار أستانا طالما أن الاتفاق الأساسي المتعلق بـ”وقف التصعيد” لم يحقق الغاية الأساسية منه بوقف التصعيد والقتل والدمار.
هذه المطالب تبدو محقة جداً، فالنظام يواصل هجماته بدعم من المليشيات الإيرانية وبغطاء جوي روسي على مناطق مختلفة مصنفة “منطقة خفض تصعيد” في محافظة إدلب ومحيطها
وأرياف اللاذقية وحماة وحلب، ومناطق أخرى مشمولة بـ “المنطقة منزوعة السلاح” التي جرى الاتفاق عليها مؤخراً بين تركيا وروسيا ولم يتم الالتزام بها إلى درجة كبيرة.
التصعيد في “مناطق خفض التصعيد” وصل ذروته في الأيام الأخيرة بالتزامن مع فشل الجولة الثانية عشر من اجتماعات أستانا في التوصل لتفاهمات واضحة حول الوضع العسكري في الشمال السوري أو المسار السياسي المتمثل في الاتفاق على تشكيل لجنة إعادة صياغة الدستور، حيث تكثفت الغارات الجوية والهجمات الصاروخية وبالتالي هجمات المعارضة المضادة، كل ذلك عقب تصريح مفاجئ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلوح فيه مجدداً بالخيار العسكري الشامل في إدلب، والغضب الروسي من الحديث عن إمكانية التوصل لاتفاق بين واشنطن وأنقرة حول إقامة المنطقة الآمنة شرقي نهر الفرات بدون التنسيق مع موسكو.
كل ذلك من الطبيعي أن يدفع للغضب والمطالبة بإنهاء مسار أستانا عقب التساؤل عن قيمة الاتفاقيات طالما لم تتمكن من حماية المدنيين ووقف الهجمات. لكن وبعيداً عن ردود الفعل المتسرعة والغاضبة، تجري الحسابات السياسية لدى المعارضة السورية والقيادة التركية على مستوى أعقد وبواقعية أكبر تفرضها المعادلة العسكرية والسياسة الصعبة في الشمال السوري، ولا سيما موازين القوى على الأرض.
فعلى الرغم من تواصل الانتهاكات فإن الاتفاقيات التي توصلت لها تركيا مع روسيا في أستانا هي من تمنع حتى اليوم النظام وروسيا من شن هجوم عسكري واسع وشامل على إدلب وما تبقى من أرياف اللاذقية وحماة وحلب وهو ما يعني فعلياً سيطرة النظام السوري على كامل الأراضي السورية، وإنهاء فصائل المعارضة العسكرية عملياً على الأرض.
فالواقعية تقول إن الطرف الآخر هو الأقوى عسكرياً وبفارق هائل، فلا مجال للمقارنة بين القدرات الجوية والبرية التي تمتلكها روسيا وإيران والنظام بما تمتلكه فصائل المعارضة السورية في إدلب ومحيطها عقب تجفيف أغلب الدعم العسكري والمالي لها، وبالتالي فإن انهيار الاتفاقيات السياسية التي تضبط التحرك العسكري الواسع في تلك المنطقة يعني تحول المعادلة إلى موازين قوى عسكرية تميل بشكل كبير لصالح النظام وحلفاؤه.
ما يجري فعلياً هو معركة عض أصابيع بين روسيا وتركيا، فروسيا حاولت على الدوام إنهاء القدرة العسكرية للمعارضة السورية بشكل تام قبيل الدخول في المسار السياسي لكي تفاوض المعارضة بدون أي أوراق قوة، بينما عملت تركيا ولا زالت من أجل تحقيق اختراق حقيقي في المسار السياسي قبيل الحديث عن المصير النهائي لإدلب وسلاح المعارضة السورية.
فطوال الأشهر الماضية ضغطت موسكو بكافة الطرق السياسية والعسكرية على أنقرة لإدخالها في مواجهة عسكرية مباشرة مع هيئة تحرير الشام
وهو ما رفضته الأخيرة على الإطلاق وسعت إلى تأجيل هذا الاستحقاق رغم تصنيفها للهيئة على أنها (منظمة إرهابية) وذلك لاعتقادها الراسخ أن روسيا تريد توريطها في مهمة ليس لها فيها ناقة ولا جمل وتخدم النظام بدرجة أساسية.
ولتأجيل حسم مصير إدلب، ماطلت تركيا مرارا مع روسيا، وانتقلت من اتفاق مناطق خفض التصعيد إلى اتفاق المنطقة منزوعة السلاح ولاحقاً لتسيير الدوريات، وغيرها من التوافقات المرحلية لهدف أساسي يتمثل في تحقيق تقدم بالمسار السياسي قبل فقدان المعارضة السورية أبرز أوراق القوة المتبقية في يديها.
في هذا السياق، وبعد أن فشلت روسيا في استفزاز المعارضة لنسف التفاهمات القائمة، اتجهت في الأيام الأخيرة للتحرش بتركيا عسكرياً لدفعها للتراجع من تصدر المشهد في إدلب ومحيطها، فكثف الهجمات الجوية بالقرب من نقاط المراقبة التركية، وحركت النظام لمهاجمة نقطة مراقبة تركية، وأوعزت إلى الوحدات الكردية لتكثيف هجماتها على الجيش التركي انطلاقاً من تل رفعت.
لكن الرد التركي كان مفاجئاً لروسيا على ما يبدو، حيث نفذ الجيش التركي عملية عسكرية خاطفة في تل رفعت وضرب الوحدات الكردية هناك، كما لم تقم أنقرة بأي جهد للحد من رد المعارضة السورية على الانتهاكات المتصاعدة، ونفذت المعارضة هجمات قوية على نقاط النظام والمليشيات الإيرانية والقواعد الروسية، ما يعني أن التفاهمات التركية الروسية لا تمنع المعارضة على الإطلاق من الدفاع عن مواقعها أو الرد على الهجمات.
وبناء على كافة المعطيات السابقة، وغيرها الكثير، لا يبدو من الصواب على الإطلاق ولا من مصلحة المعارضة السورية وأهالي إدلب أن تقوم تركيا بالانسحاب من الاتفاقيات الموقعة مع روسيا حول إدلب وهو ما يعني فعلياً نسف مسار أستانا، لأن ذلك سيكون إلى حد كبير بمثابة هدية لروسيا التي لن تتردد في توفير الدعم الكامل للنظام لشن هجوم عسكري واسع سيتمكن في نهايته من السيطرة على ما تبقى من أراضي محررة بيد المعارضة، مستفيداً من حجة “محاربة الإرهاب”، وانعدام المواقف الدولية القادرة على لجم النظام وداعميه.
تلفزيون سوريا
جحيم إدلب.. هل تآمرت تركيا حقا على السوريين؟/ د. محمد العمر
تشكل محافظة إدلب مع ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وجزء صغير من ريف اللاذقية الشمالي منطقة خفض تصعيد وفقا لاتفاق تم توقيعه في سبتمبر أيلول من العام 2017 بين كل من تركيا وروسيا وإيران، في العاصمة الكازاخية استأنه (نور سلطان حاليا). وفي سبتمبر/أيلول من العام 2018، أبرمت كل من تركيا وروسيا اتفاق “سوتشي” بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في منطقة «خفض التصعيد» تلك. وفقا لهذا الاتفاق قامت المعارضة السورية بسحب أسلحتها الثقيلة من المنطقة التي شملها الاتفاق في شهر أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام. ساد الهدوء الحذر منطقة خفض التصعيد من وجود خروقات متفرقة على مدار الشهور الماضية قبل أن تنفجر الأمور من جديد في حملة شرسة بدأها النظام مع حلفائه الروس والإيرانيين على إدلب ومحيطها قبل عدة أيام وخلفت مئات القتلى والجرحى وعشرات آلاف المشردين في العراء ناهيك عن الدمار الهائل.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا متعلق بشكل أساسي بالموقف التركي الذي يبدو غير مفهوم لكثير من السوريين. فبينما تتوالى الصور والمشاهد القاسية والغير إنسانية من إدلب، تبدو تركيا، بوصفها أحد الضامنين لاتفاقيات وقف التصعيد في إدلب، متراخية في الوقوف أمام هذا الهجوم الشرس. فما هي خلفيات الموقف التركي من الهجوم على إدلب وهل حقا باعت تركيا السوريين هناك مقابل صفقات أخرى؟ ولماذا تحركت روسيا في إدلب في هذا التوقيت؟
في الحقيقة، بعد توقيع اتفاق سوتشي الروسي التركي، لم يكن عسيرا على أي مراقب لمجريات الصراع في سوريا وما افرزه من توازنات دولية وإقليمية معقدة من أن يتنبأ بأن الاستقرار في إدلب لن يكون طويل الأمد وبأن المحافظة ستعود إلى واجهة العنف مجددا في وقت ليس بالبعيد. هذا بالضبط ما أشرنا اليه في مقالتنا المنشورة بتاريخ الخامس والعشرين من شهر سبتمبر أيلول الماضي تحت عنوان “اتفاقية ادلب…استراحة محارب أم مقدمة لعودة الاستقرار؟”.
قلنا وقتها أن الاتفاق الروسي التركي في إدلب لن يرسم خطوطا مستدامة لحدود الصراع على سوريا. فبينما يكمن عامل التثبيت الأقوى وشبه الوحيد في الإرادة التركية التي تستهدف الحفاظ على هذا الاتفاق، إلا أنه لدينا مجموعة متكاملة من العوامل والظروف التي يمكن أن تؤدي إلى انهياره في أي وقت.
فالروس ليسوا أهلا للثقة في الحفاظ على تعهداتهم والتزاماتهم من جانب. كما أنهم بارعون للغاية في اختلاق الذرائع حال أرادوا تغيير موقفهم. أضف إلى ذلك عدم وضوح معالم الصفقة، أو بصيغة أدق، الثمن الذي دفعه الأتراك للروس ليقتنصوا منهم اتفاق سوتشي في الوقت الذي كانت فيه جحافل النظام وحلفائه تتجهز لاقتحام إدلب اسوة ببقية المحافظات السورية. هذا الغموض، إضافة إلى عدم وجود أي شيء ينبئ بوجود اتفاق متكافئ بين البلدين، يجعنا نرجح افتراض أن روسيا اختارت تأجيل المعركة في ذلك الوقت مرحليا بسبب تهديدات غربية وخاصة أمريكية محذرة من اقتحام ادلب، فقامت وقتها بالاستجابة للرغبة التركية بتجنب اقتحام إدلب وذلك لتحقيق مكاسب تكتيكية في جذب انقرة إلى جانبها وربما قبض ثمن ذلك.
أضف إلى كل ذلك بأن تركيا لا تمثل مركز قوة كبيرة في سياق الحالة السورية على الرغم من تواجدها العسكري في بعض المناطق. فالوجود التركي إنما كان نتيجة لاتفاقيات تم توقيعها مع روسيا التي تمثل فعليا مركز الثقل الرئيسي على الأرض السورية. لولا هذه الاتفاقيات ما كانت تركيا تستطيع أن تتدخل عسكريا في سوريا، لا في درع الفرات ولا في غصن الزيتون. كذلك لم تكن تركيا قادرة عسكريا على حماية إدلب لو لم تقتنص دبلوماسيا اتفاقية سوتشي من الروس، هذه الاتفاقية التي يبدو لنا بان الظروف الدولية وقتها إضافة إلى الإصرار التركي الكبير لعبا دورا كبيرا في تمريرها لدى الروس.
لماذا تحرك الروس في إدلب؟
نعتقد بأن التحرك العسكري الروسي السوري الأخير في إدلب جاء كنتيجة لانزعاج روسيا بسبب فشل النسخة الثانية عشرة من محادثات استانه. فبينما كانت تسعى روسيا لتحقيق انجاز سياسي، فإن تركيا لم تستجب لرغبتها فيما يتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية. من جهة أخرى فإن الأنباء الواردة عن تفاهمات تركية أمريكية بشأن إقامة منطقة آمنة شرق الفرات قد أزعجت الروس بشدة. فالمنطقة الآمنة التي يتم الحديث عنها والتي من المفترض أن تمتد من جرابلس غربا إلى عين ديوار شرقا على امتداد الحدود التركية السورية سيتم فرض حظر طيران فيها ومنع تقدم النظام السوري وحلفائه من الروس والايرانيين اليها. وهو ما يشكل ضربة لمخططات روسيا بالتقدم إلى هذه المناطق حال الانسحاب الأمريكي من سوريا.
هل تركيا متآمرة مع روسيا في إدلب؟
في الحقيقة، وبعيدا عن الكلام العاطفي الذي قد تفرضه المناظر المؤلمة لأهلنا في إدلب، والرغبة في رؤية دور تركي أكثر فاعلية للجم هذا التغول الروسي، فإننا لا نعتقد بأن تركيا متورطة في أي صفقة مع الروس خلف ما يجري في المحافظة المنكوبة اليوم وذلك لعدة أسباب منطقية:
نعتقد بأن تركيا وقعت مجددا في فخ التوازنات الأمريكية الروسية في سوريا ولا نعتقد بانها متآمرة بأي شكل من الأشكال لما يجري في إدلب من فظائع، إلا أنها للأسف مقيدة اليدين سياسيا وميدانيا
أولا: تركيا كانت الدولة الوحيدة التي بذلك جهود مشهودة وجبارة ووقفت بقوة ضد اقتحام إدلب أواخر العام الماضي واستطاعت أن تقتنص اتفاقية سوتشي مع الروس والتي جنبت المحافظة بالفعل مصيرا أسود.
ثانيا: أن المراقب للوضع الميداني سيجد بوضوح بأن تركيا نفسها مستهدفة منه. فهناك تعمد في قصف محيط نقاط المراقبة التركية المنتشرة في المنطقة، كما أن إحدى هذه النقاط قد تعرضت بالفعل لقصف مدفعي مباشر خلف إصابات في صفوف الجنود الأتراك مما أجبرهم على توفير غطاء جوي لإخلاء الجرحى. أضف إلى ذلك قيام النظام السوري لأول مرة باستهداف قرية مريمين التابعة لعفرين والتي يسيطر عليها الجيش التركي إضافة إلى استهداف الأكراد للجيش التركي وفصائل المعارضة المتحالفة معه انطلاقا من تل رفعت مما تسبب في مقتل عدد من الجنود الاتراك.
قام الجيش التركي بالرد على هذه العمليات وتقدم في تل رفعت على الرغم من وجود تفاهمات مع روسيا تمنع ذلك. فسر البعض التقدم التركي هذا في تل رفعت كصفقة بين تركيا وروسيا بحيث تتقدم الأخيرة في إدلب مقابل تقدم تركيا في ريف حلب، وهذا ما يتنافى مع المنطق السليم وسياق الاحداث.
ثالثا: تشتت وضع المعارضة السورية في إدلب وتناحرها إضافة إلى تصنيف بعض فصائلها على لوائح الإرهاب الدولية، كلها أمور تصعب المهمة التركية وتعيق صانع القرار التركي الذي بات حذرا وكأنه يمشي في حقل للألغام. وعلى الرغم من أن تركيا متحالفة مع بعض الفصائل المقاتلة من المعارضة السورية والتي أظهرت قدرا لا بأس به من الانضباط للتوجيهات التركية، إلا أن تركيا لا تستطيع توجيه هذه الفصائل لقتال النظام السوري أو روسيا.
هذه النقطة معقدة للغاية، فنحن الآن في سياق عملياتي لا يمكن معه المجازفة، فلو وجهت تركيا فصائل المعارضة المحسوبة عليها لقتال الروس أو النظام السوري فسيقود ذلك حتما إلى مواجهة مباشرة مع الجيش التركي الذي سيكون ملزما بدعم هذه الفصائل، وهذا ما سيدخل تركيا في وضع صعب على كل المستويات السياسية والعسكرية، بل يمكننا القول بأن هذا السيناريو هو ما يبحث عنه أعداء تركيا لتوريطها في وضع غير قانوني واتهامها بالوقوف إلى جانب مجموعات إرهابية في إدلب.
في المحصلة، نعتقد بأن تركيا وقعت مجددا في فخ التوازنات الأمريكية الروسية في سوريا ولا نعتقد بانها متآمرة بأي شكل من الأشكال لما يجري في إدلب من فظائع، إلا أنها للأسف مقيدة اليدين سياسيا وميدانيا وغير قادرة فعليا على تقديم الكثير.
معارك تفاهمات أستانة في إدلب/ عمر كوش
ما إن انتهت جولة أستانة الثانية عشرة، في 26 إبريل/ نيسان المنصرم، حتى بدأ مسؤولون كبار في النظام الروسي يتوعدون مناطق محافظة إدلب السورية بشن عمليات عسكرية ضد “التنظيمات الإرهابية”، وتذكير سكانها بمصيرٍ مشابه لمصير غوطة دمشق الشرقية والجبهة الجنوبية في درعا، وقبلهما مصير أحياء حلب الشرقية، بوصفها المحطة المفصلية المدشنة مسار أستانة برمته، والذي نهض على مبدأ الاستفراد عسكرياً بمناطق المعارضة، بغية قضمها والسيطرة عليها واحدةً بعد الأخرى، وبُني وفق تفاهمات المصالح والنفوذ بين رعاته الثلاثة، الروس والأتراك والإيرانيين، ودُشنت بدايته على أنقاض أحياء حلب الشرقية، بعد قصف همجي روسي، واجتياحها من مليشيات النظام الروسية ومليشيات نظام الملالي الإيراني الطائفية، وتهجير من تبقوا من سكانها ومقاتليها تهجيراً قسرياً إلى مناطق في إدلب وريف حلب الشمالي.
وعلى الرغم من تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقب انتهاء جولة أستانة أخيرا، والذي أكد فيه أن “هجوماً شاملاً في إدلب ليس بالأمر العملي في الوقت الراهن”، إلا أن الإصرار الروسي على ذريعة القضاء على “الجماعات الإرهابية” يجعل من الصعب إيجاد ما يؤكد كلامه على الأرض، وأن كابوس الكارثة الإنسانية الذي كان يخيم فوق رؤوس مدنيي إدلب ومحيطها، منذ بداية مسار أستانة، ليس مستبعداً، خصوصا أن بوتين دعا، في أكثر من مناسبة، إلى “إبادة كاملة لجميع الإرهابيين في سورية”، الأمر الذي يبقي احتمال العمل العسكري الكارثي قائماً، ويجعل من اتفاق سوتشي في سبتمبر/ أيلول الماضي بين الرئيسين، التركي أردوغان والروسي بويتن، مجرد تأجيل مؤقت له، وحان وقت تنفيذه، حيث تشير الهجمات العسكرية التي تقودها مليشيات النظام الروسي، إلى أنها تتبع، في هجماتها الحالية، خطة مشابهة للتي شنتها عام 2018 في مناطق ريفي حماة وإدلب المعروفة بمناطق “شرقي السكة”، من حيث القصف الجوي العنيف والتقدم البطيء، بغية قضم المنطقة، ولكن اللافت أن “هيئة تحرير الشام” التي يتخذ الساسة الروس من محاربتها، وضرورة القضاء عليها، ذريعة لشن هجماتهم في ريف حماة الشمالي وسواه، لم تدخل في مواجهة عسكرية حقيقية معهم، بل تبدو وكأنها مرتاحة لاستنزاف ما تبقى من فصائل الجيش الحر، المدافعة عن المنطقة، مثل “جيش العزة” و”الجبهة الوطنية للتحرير”، ويتشرّط قادة الهيئة كثيراً على فصائل المعارضة للدخول جدياً في معركة ريف حماة الشمالي، إضافة إلى منعهم استقدام أي تعزيزاتٍ من فصائل “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، الأمر الذي يشي بأن الهجمات الروسية الحالية ليست موجهة، مثلما يدّعي الساسة الروس، ضد جبهة النصرة والفصائل المصنفة إرهابية، بل ضد ما تبقى من فصائل الجيش الحر في ريف حماة وجنوبي إدلب وسواهما.
ويشير الصمت التركي حيال ما يجري من عمليات عسكرية في ريف حماة وجنوبي إدلب، وحديث الخارجية الروسية عن التنسيق مع الأتراك، إلى ترتيبات وتفاهمات لتقاسم النفوذ بين رعاة أستانة، وتدعم ذلك تصريحات نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكتاي، أخيرا، واعتبر فيها أن تل رفعت أصبحت مرة أخرى نصب أعين القادة العسكريين الأتراك، مبرّراً ذلك بالقول إن “الاتفاق بالنسبة لنا هو التوقف هناك (أي عند تل رفعت)، ولكن في حال استمرار تلك الهجمات، فقد يتخذ ذلك شكلاً آخر، وإننا نناقش ذلك مع روسيا”، ما يعني أن اتفاق روسيا وتركيا بشأن الوضع في إدلب وجوارها يجسّده تقاطع المصالح بين البلدين في سورية، واستفادة كل طرف منه.
وعلى الرغم من أن هجمات القوات الروسية ومليشات النظام قد بدأت، منذ أكثر من أسبوعين،
وأسفرت عن تدمير معظم المراكز الصحية، ونزوح أكثر من 200 ألف مدني، وسيطرت فيها على قرى وبلدات عديدة، أهمها كفرنبودة وقلعة المضيق، إلا أنها لن تصل إلى حدّ الاجتياح الكامل لإدلب وجوارها، حسبما كشف المبعوث الرئاسي الأميركي في التحالف الدولي ضد “داعش” وفي الملف السوري، جيمس جيفري، ما يعني أنها ستقف عند حدود جرى التفاهم عليها مسبقاً، وفق مخرجات مسار أستانة بين الروس والأتراك والإيرانيين، وبعلم الأميركيين، وبما يجعل لمليشيات النظام الروسية موطئ قدم في إدلب ومحيطها، مقابل السماح لتركيا بتوسيع منطقة نفوذها الحالية أكثر باتجاه تل رفعت وما بعدها، لكن فتح معركة إدلب ومحيطها على مصراعيها سيشكل مهمة صعبة بالنسبة للروس، ولحليفَيهم نظامَي الأسد والملالي الإيراني.
استجرت تفاهمات محور أستانة الويلات على السوريين، وخصوصا على مناطق المعارضة، وما يجري في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي هو استكمال تنفيذ تلك التفاهمات، في غياب أي موقف دولي رافض. وبالتالي، يريد الساسة الروس الذين فضلوا التوافق مع الساسة الأتراك، حيال الوضع في إدلب ومحيطها، من هجماتهم الحالية، تأمين قواعدهم العسكرية في مطار حميميم وسواه من أي أخطار، مقابل إرضاء هواجس الطرف التركي الأمنية، حيال الوجود الكردي، الممثل في مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في تل رفعت وجوارها، ما يعني إعادة ترسيم حدود مؤقت بين المعارضة ونظام الأسد، وبين النفوذين الروسي والتركي، وذلك على حساب السوريين، بوصفهم الخاسر الأكبر.
العربي الجديد
النظام وحلفاؤه يخوضون حربا ضارية في الشمال السوري/ منهل باريش
صرح القائد العام لـ»جيش العزة» الرائد جميل الصالح لـ»القدس العربي» أن فصائل المعارضة امتصت صدمة الخرق الذي حصل في قلعة المضيق وكفرنبودة وأنها تعمل من أجل استعادة المناطق التي تقدمت فيها قوات النظام. وأكد فشل النظام في التقدم باتجاه بلدة الهبيط رغم مئات الغارات الجوية والقصف المدفعي، ونوه إلى تدارك الفصائل الخطأ الذي وقعت فيه من خلال الاستكانة إلى الاتفاقيات، وأدرك قادة الفصائل اليوم أن الضامن الوحيد هو الاستعداد والجاهزية العسكرية العالية.
وأشار قائد جيش العزة إلى استعداد فصيله لحملة جوية روسية وبرية طويلة جداً من خلال التحصينات العسكرية التي بناها مقاتلو الجيش خلال عدة سنوات.
ووافق على أن قوات النظام حاولت الإلتفاف على الجيب المتقدم في مناطق (اللطامنة كفرزيتا مورك) والذي يسيطر عليه جيش العزة وشدد على فشل المخطط الروسي بمحاصرة مناطقه.
واعتبر الصالح الذي هاجم مسار أستانة باكراً، طريقا لتصفية الثورة، أن بندقية السوريين هي خيارهم الوحيد وعليهم الابتعاد عن ما يؤدي إلى بيعها أو تأجيرها، وعليهم التعلم من مصير درعا والغوطة وريف حمص الشمالي.
وتعرضت مناطق ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي القريبة من خطوط الجبهات بين المعارضة والنظام إلى أكثر من 2500 غارة جوية حسب ناشطين محليين، اتبع خلاها الروس سياسة الأرض المحروقة عبر ضرب البنى التحتية والمراكز الحيوية والمشافي وأخرجت جميعها عن الخدمة. وبث ناشطون صورا لمرضى يفرون من غرف العمليات والانعاش في مستشفى اورينت في مدينة كفرنبل قرب معرة النعمان في محافظة إدلب.
وأحصى فريق «منسقو استجابة سوريا» المدارس التي تعرضت إلى قصف مدفعي أو جوي في محافظة إدلب وحدها بـ44 مدرسة، فيما قال تقرير نشره الفريق يوم الجمعة وتلقت «القدس العربي» نسخة منه أن أكثر 537 ألف نسمة نزحوا بسبب القصف منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وخلال الفترة الممتدة من 29 نيسان/ابريل إلى 9 أيار/مايو الجاري نزح أكثر 228 ألف نسمة. فيما شهد يوم الخميس/الجمعة وحده نزوح أكثر من 16 ألفا.
فيما قال اتحاد المنظمات الإغاثية والراعية الطبية «اوسوم» أن «13 منشأة طبية تم استهدافها وخرجت عن الخدمة وإن ثمان منشآت أخرى علقت عملها بسبب القصف والغارات الجوية».
وتعرض القطاع الزراعي لخسائر فادحة للغاية، فبعد الضرر الكبير الذي حصل بسبب الأمطار الأخيرة، دمرت عشرات الآلاف من الهكتارات المزروعة بالقمح والشعير والحبوب والتي يبدأ موسم حصادها في حزيران/يوينو المقبل. وأشار رئيس المكتب الخدمي في المجلس المحلي لمدينة كفرزيتا ميلاد العثمان إلى أن الفلاحين «نزحوا شمالا وتركوا المواسم دون رعاية» مضيفا في اتصال مع «القدس العربي» أن «أكثر من 110 آلاف دونم من أشجار الفستق الحلبي في منطقة مورك واللطامنة وكفرزيتا فقط بحاجة ماسة للوقاية من الحشرات واستمرار عمليات القصف الجوي يعني القضاء على الموسم بشكل كامل إضافة إلى الأضرار التي ستلحق بالأشجار بسبب القصف، عدا عن منطقة خان شيخون وكفرنبودة». ونوه إلى أن أكثر من 9 في المئة من الأراضي مزروعة بطاطا في كفرزيتا ولطمين واللطامنة والزكاة بمساحة تقارب 8400 دونم وهي بحاجة إلى سقاية والتأخر سيعرضها للعفن الكامل». ولا تقتصر خسائر القطاع الزراعي على المحاصيل فقط وانما شملت خطوط الري ومضخات المياه ومولدات الكهرباء والمعدات الزراعية.
ميدانيا
بعد أشهر من المسح الجوي والاستطلاع الروسي، حدد النظام السوري الجبهة الضعيفة في ريف حماة الشمالي بدقة كبيرة، وهي منطقة كفرنبودة التي يتقاسم نقاط جبهتها مع النظام عدة فصائل هي جيش العزة وهيئة «تحرير الشام» من الشرق وفصائل جش الأحرار وأحرار الشام والجيش الثاني وجيش النخبة وجيش النصر في النقاط الغربية. وبدأ الهجوم بهدف السيطرة على تل الجنابرة وتل عثمان. فمع السيطرة على الأول قطع الطريق بين كفرنبودة شرقا وقلعة المضيق غربا، ومنع حركة المقاتلين على الطريق وتحرك المؤازرات العسكرية، وهو ما سهل التقدم والسيطرة على تل عثمان أعلى الطريق وشكل محورا جديدا باتجاه كفرنبودة إضافة إلى المحور المنطلق من كرناز باتجاهها والذي شكل خط الهجوم الأساسي عليها بسبب عدم مقدرة «قوات النمر» توسيع عملياتها من الجنوب الشرقي في منطقة تل الصخر التابعة للقطاع الغربي الذي يسيطر عليه جيش العزة.
وتقدمت قوات النمر التي يقودها العميد سهيل الحسن لتبسط سيطرتها على كفرنبودة بعد انهيار التحصينات البسيطة مع قصف جوي روسي ونيران المدفعية المتواصلة.
في اليوم الثاني لسقوط كفرنبودة بيد النظام ركزت قوات النمر هجومها على محور قلعة المضيق غربا والتي دخلتها دون عناء بسبب انهيار المعنويات والتقدم من أكثر من محور باتجاهها واتجاه التوينة في سهل الغاب، واستمرت لتسيطر على الكركات المرتفعة شمال قلعة المضيق.
وتشير محاولة التقدم من كفرنبودة إلى الهبيط شرقا إلى خطة معدة للنظام من أجل الالتفاف على كفرزيتا واللطامنة من الخلف، وتجنب مواجهة مكلفة مع جيش العزة أكبر فصائل الجيش الحر الذي يسيطر على كامل المنطقة هناك والذي اشتهر بتحصينات هندسية عالية خلال السنوات الأخيرة خصوصا مع بدء التدخل الروسي والقصف الجوي، وصعوبة اقتحام المناطق المحاذية لجيش العزة ستدفع النظام بكل تأكيد إلى تركيز قواه للتقدم إلى خان شيخون شرقا بهدف إطباق الحصار على منطقة اللطامنة وكفرزيتا ومورك وإجبار جيش العزة على الانسحاب شرقا من الممر الذي سيبقى له بين خان شيخون ومورك مع الضغط عليه من كافة المحاور وتحديدا منطقة الهبيط.
وفي السياق، ومع صعوبة تحقيق اختراق حالي، سيفضل النظام التقدم في منطقة سهل الغاب كونها تشكو من نقص في أعداد مقاتلي أحرار الشام الإسلامية بعد هزيمتهم أمام هيئة «تحرير الشام» وسحب سلاحهم الثقيل في كانون الثاني/يناير الماضي وتفضيل عدد كبير منهم الرحيل إلى منطقة عفرين.
ودفعت تطورات الأوضاع الفصائل إلى تشكيل غرفة عمليات عسكرية لوقف تقدم النظام. وقال الناطق الرسمي في «الجبهة الوطنية» النقيب ناجي مصطفى لـ»لقدس العربي»: «شكلنا غرفة عمليات من أجل صد هجوم قوات النظام والميليشيات الإيرانية ووقف تقدمها بعد الخرق الذي حصل في جبهة كفرنبودة وقلعة المضيق. وبدأنا بهجوم معاكس واستعدنا باب الطاقة والشريعة قرب قلعة المضيق. ودمرنا 6 أهداف هي عربات بي ام بي، والهجوم ما زال مستمرا في محور كفرنبودة».
ومن اللافت غياب الدور الإيراني والذي أدى إلى عدم مقدرة حسم المعركة البرية أو امكانية إحداث خرق كبير رغم التمهيد الجوي الروسي، وهو ما سيعطل حصول تفوق عسكري ملحوظ أو سريع تتمناه روسيا لمحور النظام.
تحرير الشام
أثار موقف هيئة تحرير الشام سخطا واسعا في صفوف المدنيين وتعرضت إلى موجة سخرية وهجوم لاذع من قبل النشطاء والمقاتلين السابقين الذين اعتدت عليهم وجردتهم سلاحهم. وحاولت الهيئة تدارك الأمر على مستويين، أولهما إعلامي حيث دعت عددا كبيرا من الإعلاميين للقاء أحد قادتها في مدينة إدلب، وهنا تفاجئ الإعلاميون أن القائد هو أبو محمد الجولاني قائد تحرير الشام في حركة غريبة وشجاعة غير مسبوقة. لكن الترتيبات الأمنية منعت حصول أي خرق، فقد جرد المدعوون من هواتفهم ومعداتهم قبل الدخول إلى قاعة الاجتماع وسط حراسة مشددة مدروسة بحيث لا تثير الشكوك أو تلفت الأنظار حسب أحد النشطاء الذين حضر اللقاء. وأكد الجولاني خلال اللقاء عدم وجود أي تسليم للمناطق أو صفقة وأن التحضير يجري لاستعادة المناطق التي خسرتها الفصائل وأن غرفة العمليات أصبحت جاهزة.
ثانيا من خلال تشكيل غرفة «عمليات الشمال المحرر» التي تقودها تحرير الشام بمشاركة كامل الفصائل، ويبدو أنها وضعت عدة شروط قبل دخولها في تل المعركة والدفع بمقاتليها، كقيادة العمليات العسكرية واحتكار الإعلام وأن تكون حصتها المعدات والآليات الثقيلة في حال السيطرة عليها.
وتحفظ قادة فصائل الجبهة الوطنية في التعليق لـ»القدس العربي» على شروط تحرير الشام أو على مشاركتهم معها في غرفة عمليات واحدة، إلا أن أحد القادة العسكريين أكد ذلك مع رغبة الجبهة الوطنية على عدم الإعلان عن ذلك أو التصريح بأي علاقة مباشرة في العمليات مع تحرير الشام وحراس الدين والحزب الإسلامي التركستاني رغم أن إعلان غرفة العمليات على تطبيق تلغرام أدرج أسماء الفصائل كلها ضمن الغرفة.
في سياق متصل اشتكى أحد قادة فصائل الجبهة الوطنية من «عدم وجود تذخير كاف للمعركة وأن الجبهة الوطنية لم ترسل مؤازرات من فصائل الشمال إلى ريف حماة الشمالي ولم تمد المقاتلين على الجبهات برصاصة واحدة».
وفشلت «تحرير الشام» بالهجوم المعاكس الذي شنته مع حراس الدين لاستعادة السيطرة على مدينة كفرنبودة وأعلنت عبر غرفة العمليات انسحابها من محور الهجوم بسبب كثافة الغارات الجوية للطيران الروسي.
على الصعيد السياسي، أوحى الصمت التركي خلال الأسبوعين الأخيرين وغياب تواصل أنقرة مع الفصائل أن صفقة تركية – روسية متعلقة في منطقة خفض التصعيد الرابعة قد تمت، إلا أن بعض أطراف المعارضة السورية وعلى رأسهم رئيس الهيئة العليا للتفاوض نفى حصول صفقة بين الجانبين حسب قوله في اجتماع في غازي عنتاب التركية، بناء على معلومات من الجانب التركي. في حين فضل وفد قوى الثورة العسكري المعروف بـ»وفد أستانة» تجنب الحديث عن الهجوم في انتظار معلومات أو إخطار من الضامن التركي، وامتنع الدكتور أحمد طعمة رئيس الوفد عن التعليق لوسائل الإعلام عن تطورات الأحداث.
الغريب في ردة فعل المعارضة السياسية ليس فقط صمتها على انتقاد دور الضامن التركي وانما أخذت على كاهلها حملة التصدي للمنتقدين. غرابة الموقف لا تقتصر على المعارضة السياسية، وإنما على أداء «الوطنية للتحرير» وفصائل «الجيش الوطني» التي تصر أن تثبت للمشكين – أن بقي منهم – أن قرارها بات في يد تركيا بشكل نهائي وأنها لا تتحرك إلا بأوامر، والأوامر لم تأت بعد.
إدلب وحماة من مناطق خفض تصعيد إلى ساحة حرب/ حسام محمد
لم يتوقف النظام السوري وحليفاه الروسي والإيراني عن استهداف مواقع المعارضة السورية والأحياء السكنية وأسواق وسط وشمال سوريا منذ دخولها اتفاق خفض التصعيد وخلال جولاتها التفاوضية، فيما يبدو أن حرمان المنطقة من الاستقرار العسكري كان أبرز أهداف الدول المساندة للأسد.
ففي الحملة الأخيرة نجح جيش النظام السوري والميليشيات الإيرانية بغطاء جوي روسي في قضم مدن وبلدات في أرياف حماة وإدلب، الحدث الذي رأى فيه مراقبون للشأن السوري بوادر خلافات حادة بين الأطراف الضامنة لمسار أستانة، وعودة للحل العسكري ضمن المساعي الروسية لتحجيم آخر مناطق خفض التصعيد على غرار ما فعلت من قبل في بقية المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية.
التقدم العسكري على الأرض للنظام وحلفاؤه، انعكس بانتقاد محلي سوري على الصمت التركي وعدم تحرك نقاط مراقبة جبشها لإيقاف الهجمات، فيما رأى مركز «عمران للدراسات الاستراتيجية» أن تركيا رفعت «الفيتو» عن المعركة، معتبراً وجود تغير في أولويات أنقرة بعد التقارب مع واشنطن حول المنطقة الآمنة، باتجاه تأمين الشريط الحدودي مع سوريا بدون الحاجة للتوغل في العمق.
لا يشير الصمت التركي عن التصعيد العسكري الأخير لروسيا والنظام وفق مركز الدراسات إلى وجود صفقة مقايضة (منطقة مقابل منطقة) بقدر ما يشير إلى رفع الفيتو التركي (غض طرف) عن عمل عسكري روسي يحقق ما لم تنجزه أنقرة على عدة مستويات، أما المعارضة التي لا تزال تخوض معارك لصد الهجمات، فقد بدت التطورات بأنها ليست جزءاً من التفاهم التركي الروسي، فيما يبدو موقف هيئة «تحرير الشام» القوة الأكبر غامضاً حتى الساعة.
المعارضة السياسية السورية، وموقفها من الحملة العسكرية على ريفي إدلب وحماة بقيادة روسية، جسده المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض بالقول: «الحل العسكري هو منهجية أساسية لروسيا والنظام السوري، وحتى المناكفات السياسية تنفذها موسكو بأدوات عسكرية، رغبة منها في تطويل أمد الأزمة، لتحقيق أهدافهم الأوسع من سوريا والتي تحمل طابعا خلافيا مع المجتمع الدولي».
علاوة على مساعي روسيا لتقديم أوراق الاعتماد للغرب بشقيه الأوروبي والأمريكي، وحتى أن السياسة الروسية استخدمت الممر الإسرائيلي لكسب الاعتماد المطلوب.
استغلال الوقت والتوقيت
وقال د. يحيى العريضي: المنهجية العسكرية للروس اليوم هدفها كسب آخر جرعة قوة ميدانية ميليشياوية على الأرض لقضم المزيد من الجغرافية السورية عبر الميليشيات الإيرانية التي تعتقد بإزاحتها من سوريا مستقبلاً، وهو غير كاره لزوالها كونها تحولت إلى منافس لمصالحه في المنطقة.
أما بشار الأسد الذي يعاني أزمات معيشية واقتصادية علاوة على الأخلاقية، فلا يوجد أمامه سوى الاستمرار بالتوتر والحل العسكري، محاولا رد الاعتبار بعد قرار ترامب بضم الجولان السوري لإسرائيل، وقانون سيزر، والعقوبات، فيسلك الخط العسكري للتهرب من الحالة المزرية التي آلت إليها مناطقه، ضارباً بعرض الحائط أي قيمة إنسانية أو أي احترام لسوريا وإنسانها وأرضها وقيمها، متخذا منحى وسلوك العصابات.
وقال المسؤول المعارض لـ «القدس العربي»: أما على صعيد الأطراف الضامنة لاتفاق أستانة، فكل دولة منها ترمي اللوم على الآخر، وخاصة في اتفاق سوتشي وما سبقه من منطقة منزوعة الأسلحة الثقيلة، وما يسمى «إنهاء مسألة الإرهاب» وهنا المقصود حالة «جبهة النصرة» إذ ترى موسكو عدم تلبية أنقرة لهذا الملف، ولكن طبيعة هذا الكلام جائر وكذب، وكلما صرح لافروف أكثر يكذب أكثر.
البدعة الروسية
كما اتهم المسؤول المعارض، روسيا بعرقلة ولادة اللجنة الدستورية، وهم من اخترعوا هذه «البدعة» رغم وجودها بالقرار الدولي، فهم يرمون من ذلك لمحاولة إجهاض القرار الدولي المتوافق عليه في 2254 والقرارات السابقة له، من خلال اجتزاء مضمونه الحقيقي، ومن هنا قاموا بوقف إطلاق النار المتفق عليه بشكل أساسي في القرار الدولي، ومن ثم تحويلها إلى أستانة وبعد ذلك دهسوها دون أي مراعاة لها.
وما يجري اليوم في إدلب، يكن اعتباره مزيجاً بين عدة مسائل اقتصادية والضغط وإعادة تأهيل الأسد، ولكن المفارقة العجيبة في السياسة الروسية، أن موسكو تدعو السوريين للعودة، وفي ذات الوقت تقوم طائراتها بتهجير عشرات آلاف المدنيين منهم في الشمال السوري اليوم.
أكبر من جغرافيا
العريضي اعتبر أن المسألة اليوم ليست قضية جغرافية، فالنظام كانت في يده كل سوريا، ولم تكن سوريا للسوريين، بل كانت سوريا الأسد، والآن لم تعد سوريا للأسد، هي ليست للسوريين اليوم نعم بسبب ما جلبه من احتلالات ولكنها أيضا لم تعد له، ونحن في طريق اشتداد للأزمة أكثر، ولكن مهما حاول بوتين فلن ينجح في إعادة تأهيل هذا النظام، ولن يفلح في إبقاء حالة التوتر على هذا الشكل.
كما اعتبر، أن الأتراك ليسوا بضعفاء في الملف السوري، فتحالفهم التاريخي مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفهم الحديث مع روسيا يحمل الصفة الاضطرارية، ولكن الأكثر اضطراريا هو مع موسكو، والمستجدات في الموضوع التركي هو تحمسهم اتجاه إيران، وتصريحاتهم الأخيرة تصب بهذا الاتجاه. صحيح أن لكل دول مصالح مشتركة، ولكن هذه الدولة هي المسؤولة عن تقويض الاستقرار في سوريا.
لم يعد خافيا على المتابعين والمهتمين بالشأن السوري الأسلوب الروسي في التعاطي مع الأطراف والضغوط الدولية، وذلك من خلال اللعب على أوتار الحل في القضية السورية، تارة من خلال الهرولة السياسية وأخرى من خلال التصعيد العسكري.
النغمة القديمة
وقال القيادي في المعارضة السورية المسلحة، العقيد فاتح حسون لـ «القدس العربي»: بعد تعثر المفاوضات السياسة في اجتماع أستانة الأخير مع الجانب التركي والتي تكللت بتعثر الحل باتجاه الاتفاق على أعضاء اللجنة الدستورية، وسبق ذلك ظهور ملامح توافق تركي أمريكي على مسألة شرق الفرات وعدة مسائل أخرى، بدأ الروس باستخدام الحجة المعتادة، والتي تقول بأن الأتراك لم ينجحوا في الالتزام بتنفيذ تفاهمات قمة سوتشي حول إدلب، وعاد الروس للحديث عن هيئة تحرير الشام وخطرها المحدق، ليتذرعوا بها للقيام بحملة عسكرية برية وجوية على عدة مناطق في الشمال السوري، والتي أخذت على الأرض طابع الكر والفر، في محاولة لتشكيل ضغط على المجتمع الدولي عامة وتركيا خاصة.
وفي محاولة للمحافظة على الشريك الإيراني وكسبه من جديد من خلال التصريحات المعارضة للعقوبات الأمريكية، كونه يشكل الثقل العسكري على الأرض من خلال الميليشيات الطائفية التي يدعمها، وذلك بالرغم من تنازع السلطة بينهما في الملف السوري.
التمسك بالأرض
يحاول الروس، وفق حسون الاستمرار في سياسة القضم للمناطق بالتزامن مع استمرار المسار السياسي المنفصل تماما بوعوده ومقرراته عما يجري على الأرض، فيما استطاع الجيش السوري الحر خلال الهجمة الشرسة الجوية والبرية المحافظة على ترتيب الدفاع لديه، ورغم خسارة بعض المناطق الجغرافية في بداية المعركة إلا انه استعاد بعضها التي خسرها خلال اليومين الماضيين.
الأمر الذي يعكس جاهزية الفصائل العاملة في الجيش الحر على إدارة المعركة وقدرتها على الحسم أيضا والمعركة لا تزال في بدايتها، وتأخذ طابع عدم الثبات الجغرافي، وحاليا لا نزال في طور المعركة الدفاعية وفي حال استمرت هذه الهجمة لن يبقى الجيش الحر في هذه الوضعية، بل سيكون هناك ترتيب آخر، ولا خيار للجيش الحر سوى التمسك بالأرض.
من ناحية أخرى تطمح روسيا في الوصول للطرق الرئيسية في محاولة لفتحها إذ من شأنها أن تخفف من العبء الاقتصادي وتكسر العقوبات الأمريكية والحصار الشبه مطبق على النظام وموارده، الأمر الذي أصبح ثقلا مضاعفا على الروس المطالبين بإدارة الحرب في سوريا وتحمل التكاليف المادية، وهي تعلم حقيقة أن استمرار المعركة ليس في صالحها، فلا مكان بعد إدلب لمن حمل السلاح، إلا ضمن أراضيه.
بالتالي سيعني هذا فتح جبهات جديدة مهما كان الثمن، ولا مكان للنازحين بعد إدلب ما يعني موجات نزوح جديدة تستهدف أوروبا، ولا مكان للمعتدلين بعد إدلب، فبعدها سينتشر خطر التطرف الذي يصنعه الظلم الروسي في كل مكان.
فإن كان المجتمع الدولي لا يريد مزيدا من الحرب وموجات اللجوء والتطرف فعليه لجم روسيا وأذنابها، الجيش الحر هو التشكيل الأساسي الذي ينفذ الأعمال القتالية الدفاعية والهجومية في أرياف حماة، وفصائله ضمن الجبهة الوطنية للتحرير لا تدخر جهدا في ذلك، وفي الوقت نفسه فهو موجود ضمن الجيش الوطني الذي ينسق مع الجبهة الوطنية في كافة أعمالها. وفق القيادي في المعارضة المسلحة.
ملفات غير محسومة
لا يمكن التكهن بمستقبل الشمال السوري، فهناك سيولة كبيرة ويومية في الأحداث، لكن ما يمكن قوله إن لا شيء محسوما حول مصيره ولا يوجد حتى يومنا هذا ما يدل على وجود اتفاق دولي حوله.
وقال الباحث المعارض فراس فحام نلاحظ اليوم أن واشنطن دخلت على خط الضغط على روسيا وبدأت تطالبها بوقف الحملة، بينما في الأمس كانت تبدو الأمور وكأنها محسومة.
مستبعداً أن مطلب الثوار بسوريا حرة قد انتهى، وفكرة تجمعهم في إدلب جاءت نتيجة التدخل الروسي، وروسيا هي دولة كبرى ولها ثقل سياسي وعسكري كبير أدى للنتائج الحالية، لكن في اعتقادي أن التغيير قد حصل منذ خروج المتظاهرين للشوارع قبل 8 أعوام ولا يمكن إعادة عقارب الساعة للخلف، والثورة السورية قد غيرت الكثير من المعطيات على الصعيدين الدولي والمحلي.
لا يوجد طرح محدد حاليا يدل على مسألة قبول المعارضة بالاندماج مع النظام، والأخير لا يقبل أيضا إلا بما يسميه تسوية وضع والعودة لطاعته، وعلينا التفريق بين المعارضة وبين الثوار، فهناك من يندرج تحت مسمى المعارضة وسقفه مختلف عن مطالب الشارع.
جهاديو تحرير الشام يتعرضون للانتقاد من إعلام الفصائل في إدلب
كان ملفتا الهجوم الإعلامي الذي تعرضت له «هيئة تحرير الشام» من قبل مناصري الفصائل الموجودة في إدلب كأحرار الشام وفيلق الشام، واتهامهم لها بالتخاذل عن مواجهة النظام في بلدتي كفرنبودة وقلعة المضيق جنوبي إدلب، فيما يعرف بسهل الغاب.
الجولاني عقد مؤتمرا لعشرات الناشطين وبرر سقوط تلك المناطق بيد النظام ‘انها لم تكن تحكمها تحرير الشام وان الثوار في تلك المناطق لم يقوموا بالتحصين الجديد حيث ان تحرير الشام حاولت ان تحصن تلك المناطق لكنها قوبلت بفرض من الأهالي والفصائل وتوعد ان تحرير الشام ستواجه النظام في باقي المناطق».
لكن تبريرات الجولاني لم تقنع الناشط خالد سفيان وهو من الذين التقوا بقائد تحرير الشام أبو محمد الجولاني، ويقول سفيان «كون تحرير الشام هي القوى والأكبر في إدلب وتمتلك كل السلاح وهي من أخرجت الفصائل وسحبت سلاحها لكي تحمي المنطقة على حد قولها، كما أنها أخرجت أحرار الشام من سهل الغاب وكانوا يقومون بالرباط على نقاط النظام وسحبت سلاحهم الثقيل والمتوسط حيث أخذت تحرير الشام من الأحرار عددا من الدبابات والرشاشات الثقيلة».
ويضيف لـ «القدس العربي» كل «الفصائل لم تخض المعركة جيدا، لكن اللوم الأكبر يقع على عاتق تحرير الشام فلا يمكن تبرير ضعف مشاركتها وهي تتذرع بوجود الفصائل» ولكن الناشط المعارض للهيئة يقر بان تلك المنطقة تواجدت فيها عناصر لفصائل غير تحرير الشام إذ يقول «صحيح ان الفصائل مثل جيش النصر والأحرار وجيش إدلب هم من كان مسيطرا لكن هذا لا يعفي تحرير الشام من مسؤولياتها فهي كانت تتحكم بكل تلك الفصائل وتستطيع ان تفعل ما تريده».
القيادي الميداني في تحرير الشام أبو العباس الشامي نفى لـ «القدس العربي» ان تكون تحرير الشام تباطأت في معركة كفرنبودة أو تكون تحرير الشام سحبت كل السلاح الثقيل من أحرار الشام وغيرها من الفصائل المتاخمة للنظام في قلعة المضيق وكفرنبودة وسهل الغاب .
وقال القيادي لـ «القدس العربي»: «تحرير الشام لم تكن مسيطرة على هذه المناطق التي سقطت بيد النظام فهي مناطق تابعة للفصائل التي كانت تمنعنا وترفض ان نقوم بتحصينها، وكانت تقول نحن نحصن ونحمي تلك المناطق، وبالرغم من هذا الحال شاركت تحرير الشام بقوة في صد النظام وراح لها عدد من المقاتلين وفجرت عربة مفخخة في كفرنبودة، كما اننا قمنا بالهجوم على قوات النظام في كفرنبودة ثم بالانسحاب لظروف عسكرية، ونحن لم نأخذ كل سلاح الفصائل سواء في سهل الغاب أو في قلعة المضيق. ففي سهل الغاب بقي أكثر من 1000 عنصر لأحرار الشام وتركنا لهم سلاحهم الذي يرابطون به على نقاط النظام، وما يقال عن أخذنا سلاح الفصائل في هذه المناطق هو تشويه لتحرير الشام يراد منه تصفية حسابات فصائلية لا أكثر، والكل يعلم أننا ارجعنا ما أخذناه لأحرار الشام في سهل الغاب لكي تقاتل النظام، وهناك محاكمات بيننا وبين الأحرار حول ما تبقى من السلاح فهناك أمور متداخلة، كما أن قسما من الأحرار انضم لنا».
الناشط قيس محمد وهو من سهل الغاب، نفى ما يقوله القيادي من هيئة تحرير الشام موضحا «هيئة تحرير الشام سيطرت على مناطق سهل الغاب بعد ما جاءت بأرتال ضخمة استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة، بدأ ذلك بالسيطرة على قسطون ومناطق حولها في سهل الغاب الشمالي بعد مشكلة بينها وبين الأحرار بشأن قرية تسمى جدرايا، وقتها اعتقلت وأخذت كل شخص أو سلاح يخص الفصائل ومنعتها من انشاء أي مقر في المنطقة، ثم بعد ذلك سيطرت على بقية مناطق سهل الغاب حتى قلعة المضيق وهجرت الكثير من العناصر إلى مناطق غصن الزيتون، وأخذت الأسلحة والعتاد والسيارات التي تخص كل الفصائل ما عدا فيلق الشام، ومن بينها أحرار الشام وجيش النصر ومن بين السلاح الذي سيطرت عليه أعداد كبيرة من الصواريخ بالإضافة لعدد من المضادات والدبابات، وإلى اليوم أمنيو هيئة تحرير الشام يلاحقون كل شخص من الأحرار أو الفصائل يسمعون أن لديه سلاح، ومنذ فترة قريبة داهمت هيئة تحرير الشام، مقرات وبيوت في قرية قسطون وأخذت منها أسلحة تتبع لمركزية في القوات الخاصة التابعة لقطاع الغاب في أحرار الشام، طبعا هناك أمثلة كثيرة، أما عن إرجاع أحرار الشام إلى سهل الغاب فهذه مجرد كذبة على الإعلام لم يتحقق أي شيء منها، وكثير من حوادث سلب السلاح حدثت بعد الاتفاق الذي حصل حول ارجاع مقر للأحرار في سهل الغاب، طبعا أحد شروط الاتفاق ان من يريد الرجوع من أحرار الشام إلى سهل الغاب، ممنوع أن يرابط في سهل الغاب، الهيئة تجعله يرابط في أحد النقاط البعيدة 3 شهور ثم يعود لسهل الغاب». لكن قيس يعود للتأكيد على أن فصيل أحرار الشام موجودين حاليا في سهل الغاب، وكذلك جيش النصر وغيرهم، «الأحرار جاء بتعزيزات من مناطق غصن الزيتون إلى سهل الغاب».
القيادي المقرب من الجهادين الاسيف عبد الرحمن يرى ان أحرار الشام لم تشارك بدور فعال، وأن معارك الفصائل ضد النظام هي استنزاف للفصائل فالنظام يقوم بفتح الجبهات والفصائل تستجيب ومن المفترض ان تفتح الفصائل محاور خاصة بها. وقال القيادي لـ «القدس العربي» خسارة كفرنبودة كبيرة فهي تعتبر خط الدفاع الأول عن إدلب والنظام سيتجه للهبيط وخان شيخون، أما تحرير الشام فلم تشارك بكل قوتها في عملية الدفاع فكانت مشاركة خجولة أما عن السبب فلا نعلم به».
وضمن هذا الموضوع يؤكد القيادي في جيش العزة العقيد مصطفى بكور أن هناك بوادر تفاهم روسي تركي فيما يجري حيث أن تركيا تعلم بكل ما يتم على الأرض من خلال قنواتها. ويقول بكور لـ «القدس العربي» تم تشكيل غرفة عمليات موحدة ضمت جميع الفصائل والأمور تجري للأحسن فهناك يقين لدينا ان النظام لن يتوقف عن مهاجمة مناطقنا ونحن تناسينا كل خلافاتنا لأن الخطر واحد ومحدق بالجميع، ونحن أستعدنا المبادرة وتم اليوم الهجوم على النظام بغية استنزافه وكل الفصائل صارت جاهزة للمعركة الكبرى».
موسكو تدعو للتريث ودمشق تستعجل عملية واسعة النطاق في إدلب/ فالح الحمـراني
يرصد المراقبون في روسيا وجود اختلاف في مقاربات موسكو والنظام السوري في الرؤية للتعامل مع ملف إدلب الذي شهد في الآونة الأخيرة تصعيدا خطيرا، بعد هدوء نسبي شهدته في الأشهر العشرة الماضية. ففيما يحث النظام السوري حلفاءه على التعجيل في الشروع في عملية واسعة النطاق في منطقة إدلب لتخفيف التصعيد، لإخراج كافة التشكيلات المسلحة غير النظامية من المحافظة، وتصفية التواجد التركي هناك، فإن موسكو تقف في المرحلة الحالية ضد إجراء مثل هذه العملية، لأنها كما يرى مراقبون، محفوفة بعواقب وخيمة ونتائج ستكون مأساوية من جانبها الإنساني والسياسي فضلا عن أنها تهدد مصالحها.
وطرحت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في مؤتمرها الصحافي الأسبوعي الأربعاء الماضي بيانات تعكس قلق موسكو من التطورات حول إدلب، وقالت إن المعارك مع المتشددين بالقرب من المحافظة، أسفرت عن مقتل أكثر من 30 عسكريا من القوات الحكومية، وهناك ضحايا بين المدنيين. وحسب معطياتها فإن المسلحين يخططون لشن هجوم على محافظتي حماة وحلب. أما بالنسبة لوزارة الدفاع الروسية فقد أعربت عن قلقها إزاء تطور الوضع في منطقة تخفيف التصعيد في إدلب، وعلى وفق تقديراتها فإن من وصفتهم بالإرهابيين لا يكتفون بالاستمرار بشن الهجمات، وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، بل ويستعملون الطائرات بدون طيار أيضا لتوجيه إطلاق النار. وسجل الجانب الروسي هجمات من قبل المقاتلين في إدلب على القاعدة الجوية في حميميم، من دون أن تسفر عن خسائر.
ويرى تقرير لمعهد الشرق الأوسط في موسكو: «إن المشكلة الرئيسية التي تمنع قيام القوات الروسية بعملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب تكمن في إنها ستدفع موسكو إلى إعادة النظر في مجمل استراتيجيتها على المسار السوري، والقائمة على إعادة اللاجئين بصورة جماعية إلى أماكن إقامتهم الدائمة، وبمجمل العلاقات المتبادلة مع أنقرة، وإيصال صفقة تصدير صواريخ أس ـ 400 إلى تركيا حتى نهايتها المنطقية، على خلفية الضغوط الأمريكية على أنقرة، وتجاهل المجتمع الدولي وبالدرجة الأولى الأوروبي والدول العربية المتمكنة، دعوات موسكو بتقديم المساعدة للنظام السوري في عمليات إعادة الأعمار. ويضاف إلى ذلك عقد اجتماع اللجنة الدستورية، وإجراء انتخابات عامة. بمعنى تغيير مجمل مقاربة موسكو الحالية للمشكلة السورية، التي تروج لها الآن وزارة الخارجية الروسية».
ويشير المراقبون إلى إن التصريحات من وزارة الدفاع الروسية التي دعمت تحركات قوات النظام المحدودة، تدلل فقط على إن موسكو باتت تميل إلى إجراء عملية قتالية موضعية في هذه المنطقة. وينم بيان وزارة خارجية النظام السوري وتحرك سلاح الجو عن إن دمشق تشعر بخيبة أمل شديدة من نتائج الاجتماع الأخير في صيغة «أستانا» في كازاخستان، حيث جرت دعوة بضرورة تطهير إدلب.
وفي رأي مختلف القراءات إن موسكو غير مستعدة الآن للتحرك وفق هذا السيناريو. وبهذا الصدد يشيرون إلى بيان فلاديمير بوتين. فالرئيس الروسي لم يستبعد القيام بعملية واسعة النطاق ضد الإرهابيين في إدلب، بيد انه يعتقد بأنه ينبغي موازنة جميع المخاطر. وقال بوتين في مؤتمر صحافي في 27 نيسان/أبريل: «سنحتاج إلى مقارنة ما يحدث للسكان المحليين الواقعين تحت نير المنظمات الإرهابية في هذه المنطقة (إدلب) مع العواقب المحتملة الناجمة عن الفعاليات القتالية النشطة». وأضاف «من حيث المبدأ، لا أستبعد هذا (إمكانية مثل هذه العمليات) ولكن اليوم نحن مع الأصدقاء السوريين نعتقد أن هذا غير مناسب بسبب العنصر الإنساني».
المراقبون يرون أن دمشق وعلى خلاف الموقف المعلن لموسكو تصر على حل ملف إدلب فورا وبالكامل، ولكن موسكو تجنح إلى الحل التدريجي. ففي حديثه عن الوضع في إدلب شدد الزعيم الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة مكافحة الإرهابيين، ومعظمهم متواجدين في هذه المنطقة «إذا قاموا بالهجمات، التي تحدث بين فينة وأخرى من هناك، فسوف يتلقون ضربة انتقامية من جانبنا» معربا عن قناعته «بأنهم شعروا بذلك» في إشارة على ما يبدو إلى الغارات الجوية الكثيفة التي شنتها القوات الجوية الروسية، وسلاح الجو السوري.
وفي تقدير بعض الخبراء إن هذا البيان يحدد بدقة متناهية سقف جميع عمليات قوات النظام السوري المحتملة المدعومة من القوات الجوية الروسية. وبعبارة أخرى فإن الكلام يدور عن الضغط بأقصى حد على الجماعات الإسلامية في منطقة تقاطع إدلب وحلب، وفي الوقت نفسه لا يدور الكلام من حيث المبدأ عن القيام بعملية واسعة النطاق داخل إدلب. ويقول تعليق لمعهد الشرق الأوسط «إذا أخذنا خطة العمل هذه كأساس، يصبح من الواضح أن الكرملين يحاول تحقيق توازن بين علاقاته مع دمشق وأنقرة» ويضيف «ومثل هذه التكتيكات تعني فقط مسار التحرك وفق ما يسمى بالمبدأ الكرواتي»: أي الضغط الموضعي التدريجي على المسلحين لإخراجهم من المناطق المرابطين فيها. ونقلت وكالة «تاس» عن الممثل الرسمي للرئيس الروسي بشأن التسوية السورية الكسندر لافرينتوف قوله بصدد نتائج مباحثات المشاركين في «أستانا» في 25 و26 نيسان/أبريل الماضي «أننا في هذه المرحلة نقف ضد أي عملية واسعة النطاق ولا نرحب بها، فالمقاتلون يمكن يستخدموا هناك عددا كبيرا من المدنيين كدروع بشرية، ولا يجوز في أي حال من الأحوال السماح بذلك». وأشار لافرينتوف إلى أن «هيئة تحرير الشام تسيطر الآن على 90 في المئة من إدلب» وأضاف «فأي عمل علينا القيام لتصفية وجودهم في المنطقة؟» واعترف «هناك 35 ألف مقاتل، يتمسك عدد غفير منهم بوجهات النظر الإرهابية، وبينهم عدد كبير من أعضاء داعش السابقين، بما في ذلك الذين تغلغلوا إلى إدلب بعد انتهاء العملية القتالية في شرق الفرات، حينما هُزمت القوى الأساسية لداعش بمساعدة قوات الدفاع الذاتي الكردية». وحسب المعطيات الروسية هناك حوالي 3000 من المقاتلين يسيطرون على الوضع في إدلب. وعلى حد قول لافرينتوف «لا أحد معني في أن تتحول منطقة إدلب إلى منطقة آمنة للإرهابين» في إشارة إلى أن روسيا معنية في ظروف مناسبة بإخراج المتشددين من إدلب سلما أم بالطرق العسكرية.
التصعيد في إدلب ومحيطها: اتفاق تبادل أراض أم تفاوض بالنار بين روسيا وتركيا؟/ إسماعيل جمال
إسطنبول ـ «القدس العربي»: وصل هجوم النظام وروسيا على إدلب ومحيطها إلى ذروته مع الانتقال من الهجمات المدفعية والجوية إلى الهجوم البري وتغيير خريطة مناطق السيطرة في المنطقة، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول حقيقة وجود اتفاق تركي روسي على تبادل مناطق السيطرة، الأمر الذي يستبعده الكثيرون ويعتبرون ما يجري تفاوض بالنار وصل ذروته بين أنقرة وموسكو مع اتساع رقعة الخلافات بين البلدين الضامنين لاتفاق أستانة المُنظم الأبرز للخريطة السياسية والعسكرية في الملف السوري.
التصعيد الأخير جاء بدرجة أساسية عقب فشل الجولة الثانية عشرة من مباحثات أستانة ورفض تركيا البدء بعمل عسكري ضد هيئة تحرير الشام في إدلب، وعدم قبولها بدوريات روسية في المنطقة منزوعة السلاح، وإعاقتها أي تقدم في ملف الإعلان عن لجنة إعادة صياغة الدستور حسب الرؤية الروسية، بالتزامن مع الحديث عن قرب توصل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لاتفاق حول إنشاء منطقة آمنة شرقي نهر الفرات بدون التنسيق مع موسكو، وهي جميعها مؤشرات على حجم الخلافات التي وصلت إليها العلاقات بين تركيا وروسيا حول الملف السوري.
في المقابل، تحركت روسيا الغاضبة من التعنت التركي الذي منعها من تحقيق أي تقدم عسكري أو سياسي على الأرض كانت في أشد الحاجة إليه، تحركت ضد تركيا في أكثر من اتجاه، حيث حركت حلفاءها على الأرض للضغط على تركيا عسكرياً في مناطق سيطرتها شمالي سوريا.
وفي هذا الإطار، كثفت روسيا قصفها الجوي على إدلب، ضاربة بعرض الحائط كافة الاتفاقيات الموقعة معها، بالتزامن مع ضربات النظام الجوية والمدفعية على المحافظة ومحيطها وتعمدت استهداف محيط نقاط المراقبة التركية، كما هاجم النظام مناطق تخضع للسيطرة التركية في محيط عفرين، بالتزامن مع تكثيف الوحدات الكردية لهجماتها ضد تركيا وحلفائها انطلاقاً مع منطقة تل رفعت.
ورداً على هذه الهجمات، نفذ الجيش التركي عملية برية خاطفة في مناطق داخل تل رفعت، فبعد قصف مكثف من المدفعية التركية، سيطرت قوات المعارضة السورية على مناطق من تل رفعت، لكنها انسحبت عقب ساعات، وسط حديث عن استعدادات مكثفة للجيش التركي والمعارضة السورية لتنفيذ عملية عسكرية واسعة للسيطرة على كامل تل رفعت.
يستند الكثيرون من أصحاب نظرية «اتفاق التسليم وتبادل الأراضي بين تركيا وروسيا» إلى أن روسيا تسعى عسكرياً للسيطرة على ريف حماة والمناطق الجنوبية من إدلب بما يشمل الطرق الدولية وتأمين قاعدة حميميم، مقابل السماح لتركيا بالسيطرة على منطقة تل رفعت وهو ما تطالب به أنقرة منذ أكثر من عام.
وبينما يرفض النظام السوري تسليم أي منطقة لتركيا، تجد روسيا أيضاً صعوبة في القبول بذلك لأنه ينسف نظريتها الأساسية التي تقوم على ضرورة سيطرة النظام على كافة أراضي سوريا.
وعلى الرغم من صعوبة نفي هذه النظرية بشكل مطلق وحاسم، إلا أن الكثير من التطورات على الأرض لا تدعم ذلك، فتركيا لم تبرر الهجوم الروسي على الإطلاق، واعتبرته انتهاكاً كبيراً لتفاهمات أستانة والمنطقة منزوعة السلاح، والأهم أن أنقرة لم تعمل أي شيء من أجل وقف هجمات المعارضة الانتقامية، بل تحدثت بعض أطراف المعارضة السورية عن دعم تركي خفي مكن المعارضة من توجيه ضربات موجعة للنظام السوري مع استمرار الهجمات على قاعدة حميميم الروسية.
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي زار الحدود السورية برفقة كبار قادة الجيش طالب روسيا باتخاذ تدابير فاعلة وحازمة من أجل إنهاء هجمات النظام على جنوبي محافظة إدلaب السورية، مشدداً على أن بلاده تنتظر من روسيا أن تقوم بهذا الدور، وبينما أشار أكار إلى أن هجمات النظام تحولت إلى عملية برية منذ السادس من الشهر الجاري، لفت إلى أن «النظام يسعى لتوسعة مناطق سيطرته جنوبي إدلب على نحو ينتهك اتفاق أستانا» معتبراً أن تلك الهجمات تشكل خطرا على أمن نقاط المراقبة التركية، وتسبب تعطيل دوريات القوات المسلحة التركية وتنقلاتها مطالباً بعودة قوات النظام السوري لمواقعها السابقة.
كما جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف أكدا فيه على أهمية تطبيق اتفاق التسوية في إدلب، وشددا على «أهمية تنسيق جهود البلدين بهدف تطبيق مذكرة إرساء الاستقرار في إدلب» وعقب ساعات من الاتصال أكد لافروف في تصريحات أخرى عزم بلاده مواصلة «توجيه ضرباتها للإرهابيين في إدلب» مشدداً على «ضرورة استئصال هذا الوكر الإرهابي».
وكتب العديد من الخبراء والمحللين الروس مقالات أكدوا فيها أن الحديث لا يدور في هذه المرحلة عن هجوم شامل على إدلب، بقدر ما هو هجوم يهدف إلى قضم جزء من أراضي جنوب إدلب وهو ما قد يترتب عليه سحب الجيش التركي لنقاط المراقبة المتقدمة التابعة له في تلك المناطق، وهو الهدف الذي فشلت روسيا في اقناع تركيا به طوال الأشهر الماضية، ويبدو أنها لجأت لتحقيقه عسكرياً على الأرض.
كل التطورات السابقة، لا تشير إلى وجود «صفقة» أو تنسيق وتوافق تركي روسي على ما يجري، بقدر ما تشير بقوة إلى صراع قوة وتفاوض بالنار في حدود مقيدة بين البلدين يسعى كل طرف من خلالها لتحسين شروطه وفرض رؤيته على شكل المرحلة المقبلة عسكرياً وسياسياً، وهي مناورة قد تنتج عنها تفاهمات وخريطة سيطرة جديدة أو تنزلق لتقود إلى نتائج خطيرة لا يستطيع الطرفان تحديد شكلها النهائي.
الرهانات على إدلب: تبادل أراض مع تركيا وفتح طرق وصمت أمريكي واضح/ إبراهيم درويش
بعد ثمانية أشهر من الهدوء النسبي الذي عاشته محافظة إدلب، شمال- غرب سوريا، عادت القنابل والبراميل المتفجرة إلى حياة المدنيين وتحولت إلى ميدان حرب دموية يسعى فيها نظام بشار الأسد بدعم من روسي لتوسيع الحملة العسكرية والتقدم في المنطقة الأخيرة التي يسيطر عليها المعارضون لنظامه. ويهدد العنف الذي تكثف الأسبوع الماضي بانهيار اتفاق وقف النار المتداعي أصلا والذي توصلت إليه تركيا مع روسيا في منتجع سوتشي على البحر المتوسط والذي تم فيه تجنيب المحافظة عملية مدمرة خاصة أنها تحولت في السنوات الماضية لمكان أرسل إليه النظام المقاتلون الرافضين العيش في مناطقه ضمن ما أطلق عليها عمليات «المصالحة» وزاد عدد السكان إلى ثلاثة ملايين وعدد كبير منهم يعيش في الخيام وبظروف صعبة. وأدى الوضع في إدلب وتشكيلاتها القتالية التي باتت تتحكم فيها الجماعات الجهادية بعد هزيمة المعارضة الموالية لتركيا بداية العام الحالي، لجعلها في مرمى الهدف الروسي، فلطالما تذمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من غياب التقدم على الجبهة في المحافظة وعدم وفاء تركيا بتعهداتها لنزع سلاح الجماعات المسلحة التي تعتبرها روسيا والنظام «إرهابية».
خيارات مرة
ورغم حرص النظام على طي صفحة المعارضة وبالتالي وضع حد للحرب الأهلية التي اندلعت قبل ثمانية أعوام، إلا أن الخيارات تظل قاتمة في المحافظة. وتوصلت مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل في تقرير لها نشرته شهر آذار (مارس) 2019 إلى هذه النتيجة «لا خيارات جيدة في إدلب». وحلل التقرير السبب الذي جعل المحافظة تعيش وعبر السنوات الماضية تحت وطأة العنف المتقطع والهدوء الحذر. وبالنسبة لنظام الأسد فالوصول إلى إدلب يعني في النهاية تحقيق وعده بالسيطرة على كل المناطق التي خسرها منذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011. ولأن الأسد واثق بالدعم الروسي له فالسيطرة على إدلب ستكون بمثابة هزيمة مهمة للمعارضة التي سيطرت مرة على نصف البلاد وكادت أن تطيح بالنظام. وتظل إدلب معضلة له ولداعميه الروس والإيرانيين الذين يعانون من ضغوط أمريكية وتهديدات بالمواجهة على خلفية التأثير الذي باتت تمارسه طهران على المنطقة عبر الجماعات الوكيلة ومنها تلك التي استخدمها الإيرانيون لتقوية نظام الأسد والدفاع عنه. وهي معركة مكلفة بالنسبة للنظام، ليس لأنه سيواجه مقاومة من مقاتلين أشداء لا يجدون مهربا إلا بالقتال حتى اللحظة الأخيرة ولكنها مدمرة على المدنيين الأبرياء، بشكل سيفتح المجال أمام الشجب الدولي في وقت يحاول نظام الأسد الخروج من عزلته. وبدا هذا بشكل واضح من إعادة دول عربية فتح سفاراتها في دمشق ومحاولات إعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية. وبعيدا عن الرمزية في هزيمة المعارضة، فإدلب تقع ضمن ما وصفها بشار الأسد مرة بـ «سوريا المفيدة»، خاصة أن السيطرة عليها تعني فتح الطرق السريعة حولها وتفعيل الحركة الاقتصادية التي تأتي معها. والمنطقة ليست مهمة للنظام السوري بل لتركيا التي تحتفظ بنقاط رقابة ضمن الترتيبات السابقة وتسيطر هي والجماعات المعارضة السابقة التي دمجتها ضمن جيش واحد على مناطق كان آخرها السيطرة على بلدة عفرين في محاولة من أنقرة لمنع ظهور كيان كردي معارض على حدودها والحد من موجة لاجئين إلى أراضيها خاصة أن لديها أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري فروا إليها منذ بداية الحرب. ويهدف نظام الأسد في الوقت الحالي لفتح طريقين رئيسيين يمران من مناطق المعارضة والمفترض فتحمها في نهاية عام 2018، وهما «أم فور» و «أم فايف» بشكل يفتح الطريق أمام مدينة اللاذقية على البحر المتوسط، معقل الحكومة القوي ومقر قاعدة جوية روسية. ويتوقع المراقبون أن يكون الهجوم الحالي محدودا بفتح المعبرين ولهذا سيطر النظام في الفترة الماضية على القرى والبلدات القريبة منهما، متهما الجماعات الجهادية ببدء الهجمات وقتل 22 من جنود النظام في حلب. ويبدو أن الروس والجيش التابع للنظام يقومان بالضغط بعد فشل المفاوضات لتأمين الطريقين وحماية المنطقة حيث القاعدتين الروسيتين البحرية والجوية.
تصفية الجهاديين
ومن هنا فالتصعيد من أي طرف كفيل بفتح الباب أمام معركة طاحنة للمدنيين. وسيجد كل طرف المبرر لبدء المعركة، نظرا لوجود الجماعات الجهادية وسيطرة «هيئة تحرير الشام» على معظم المحافظة. وفي عام 2017 وصف المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة» المحافظة بقوله «أكبر ملجأ آمن للقاعدة منذ 9/11». وكما ورد في تقرير مجموعة الأزمات الدولية «فاستمرار الوضع القائم ليس لصالح إدلب وكذا الحلول العسكرية» و «لا طريقة لتصفية الجهاديين» في إدلب بدون خسائر بشرية فادحة. ولا أحد يجادل في أثر المعركة المقبلة على حياة المدنيين الذين على خلاف الجهاديين الراغبين في القتال حتى الموت لن يجدوا مكانا للذهاب إليه لو أغلقت تركيا الحدود أمامهم.
وفي هذا السياق يشير العنف الذي اندلع حول إدلب وأدى لتهجير 200.000 مواطن وتعطيل 10 مستشفيات إلى انهيار الاتفاق الروسي- التركي في سوتشي حسبما أوردت صحيفة «واشنطن بوست» (7/5/2019) في تقرير لها. ووصف سكان في المحافظة العمليات العسكرية في المحافظة وخلو مناطق في جنوبها من السكان. وهناك توقعات بشن هجوم بري بدعم من الميليشيات الإيرانية فيما ينظر إليها انطلاقة المعركة الأخيرة للسيطرة على إدلب. وتقول صحيفة «التايمز» (8/5/2019) أن الهجوم الذي تقوده قوات النمر بقيادة سهيل الحسن يمثل تحديا لتركيا ولحلفائها الذين حاولوا الحفاظ على الهدنة.
موقف أنقرة
ويعتقد دبلوماسي بارز نقلت عنه صحيفة «الغارديان» (8/5/2019) أن الهجمات الأخيرة لا تؤشر للمعركة النهائية التي أشار إليها عدد من المراقبين، وهي محاولة النظام السيطرة على المحافظة بالكامل، بقدر ما هي محاولة من الروس والقوات السورية لتوسيع وجودهم في المنطقة مقابل تعميق المحور التركي في شمال سوريا شرقا. ولاحظت الصحيفة أن أنقرة لم تنتقد انهيار تفاهمات سوتشي ولم تسارع كما فعلت في الماضي لتأمين الوضع ومنع معركة كانت ستترك آثارها الخطيرة عليها. ويبدو أن أنقرة حسب الدبلوماسي حصلت على ضمانات مقابل تقدم القوات السورية حيث قال: «هناك مؤشرات عن اتفاق بين تركيا وروسيا والنظام يتم فيه التوسع 25 ميلا في المنطقة العازلة مقابل توسع تركيا في تل رفعت». وكانت هذه البلدة الواقعة في شمال سوريا هدفا للجيش التركي بعد طرده المقاتلين الأكراد من بلدة عفرين العام الماضي. وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، الأسبوع الماضي أن البلدة أصبحت في هدف القادة الأتراك. ورد على سؤال حول مقتل جندي تركي قريبا من المنطقة «كان الاتفاق على التوقف هناك (تل رفعت) ولكن إن استمرت الهجمات فقد تتخذ الأمور شكلا آخر، ونحن نناقش الأمر مع الروس». وقال الدبلوماسي إن «الأتراك قريبون منها، ويعرفون بالخطة الروسية». ويرى محلل آخر أن الهجوم على إدلب له أسباب أخرى غير تبادل الأراضي مع الأتراك، فحسب لبيب نحاس، الذي كان على علاقة مع قيادات الجماعات المسلحة أو الروس وصلوا عنق الزجاجة في تفاهمات أستانة «واكتشفوا أن الدينامية الحالية لن تؤدي بهم لتحقيق رؤيتهم في سوريا». وأضاف سببا آخر يتعلق هذه المرة بالنظام الذي يعيش تحت وطأة مشاكل سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية، ولهذا يحاول الروس التغطية على هذه المشاكل بشن هجوم جديد.
أين أمريكا؟
وقد يتساءل البعض عن الدور الأمريكي في كل ما يحدث في إدلب. ويرى جوش روغين في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (9/5/2019) ناقش فيه إن الرئيس دونالد ترامب وحده القادر على حماية إدلب ولكن الوقت يمضي بسرعة. وقال إن الهجوم على المحافظة بات محتوما ولن يوقفه أحد، إلا أن الأحداث الماضية كشفت عن امكانية كهذه لو تحرك ترامب. وأضاف روغين إن تغريدات الرئيس يمكن أن تنقذ حياة ناس. ولكن الوقت مهم في ظل الملفات التي تتعامل معها أمريكا من كوريا الشمالية إلى الحرب التجارية مع الصين والأزمة مع إيران ومحاولات الإطاحة بالنظام في فنزويلا. وليس مصادفة اختيار الرئيس الأسد وموسكو هذا التوقيت للهجوم على مناطق النظام مستخدمين أساليب الأرض المحروقة. وذكر الكاتب أن محافظة إدلب يعيش فيها مليون طفل وهناك صمت دولي عن المذابح الجارية هناك. ونقل عن جيمس جيفري، مبعوث الخارجية الأمريكية إلى سوريا قوله، إن واشنطن ترى تصعيدا كبيرا وتعمل عبر القنوات الدبلوماسية لخفضه. وقال «نبحث هذا على كل المستويات مع الروس» و «أي عملية في داخل إدلب ستكون تصعيدا متهورا». واتهم جيفري روسيا التي يعتمد الأسد على طيرانها بخرق اتفاقية خفض التوتر مع الأتراك. وفي الوقت الحالي تتجاهل روسيا تحذيرات جيفري أما الأتراك فهم غير قادرين أو غير مستعدين لوقف الهجوم. ويعتقد الكاتب أن ترامب لو قرر التدخل كما فعل عام 2017 فسيتراجع النظام السوري وداعميه الروس. وأضاف الكاتب أن ناشطا سوريا أخبر الرئيس أثناء حفلة جمع تبرعات من أن الهجوم سيبدأ على إدلب كتب تغريدة حذر فيها الأسد من «مهاجمة متهورة لإدلب» ودعا إيران وروسيا لعدم دعمه. ويعلق روغين أن موسكو تقوم بامتحان ترامب ولكنه صامت حتى الآن. وأثر هذا على عمل نظام الأمن القومي، ذلك أن عددا من المسؤولين العاملين على ملف سوريا ينتظرون إشارة منه للتعامل مع الوضع في إدلب. ويفهم السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام أهمية كلام ترامب حيث كتب تغريدة حث فيها الرئيس على التحدث وحماية إدلب. ويفهم الرئيس الروسي بوتين أن كلام ترامب هو ما يهم في السياسة الأمريكية المتعلقة بسوريا. وفي النهاية يتذكر السوريون كيف تخلى عنهم العالم في وقت الحاجة، وستغذي العملية الجديدة ضد إدلب التطرف وستؤثر على استقرار تركيا والشرق الأوسط وأوروبا.
قلق في واشنطن من صمت ترامب بشأن هجوم إدلب/ رائد صالحة
واشنطن ـ «القدس العربي»: هناك الكثير مما يحدث الآن في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إذ تتعامل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أزمة إيران المتصاعدة وإطلاق الصواريخ في كوريا الشمالية والمفاوضات التجارية المهزوزة مع الصين ومحاولة الإطاحة بالنظام الفنزويلي، وليس من قبيل المصادفة، وفقا لرأي العديد من المحللين الأمريكيين، أن يختار نظام بشار الأسد وموسكو هذه اللحظة لاستعادة آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في سوريا باستخدام تكتيكات الأرض المحروقة، وارتكاب أعمال وحشية على طول الطريق.
ويقول الكاتب جوش روغن في «واشنطن بوست» إن القليل يمكن أن يوقف الهجوم الوحشي الجاري في شمال غرب سوريا، حيث شنت القوات الروسية والإيرانية والسورية هجوما عسكريًا كبيرا بينما يفر ملايين المدنيين من الموت، ولكن السجل يوضح انه إذا تصرف ترامب في محاولة لوقف المذبحة، سيكون لذلك تأثير حقيقي على الأرض، بما في ذلك مجرد نشر تغريدة.
وتضم منطقة إدلب حوالي 3 ملايين من المدنيين، بمن فيهم مليون طفل، تم نقلهم من جميع أنحاء البلاد لأنهم لا يريدون الخضوع لنظام الأسد، والآن هناك صمت «يصم الآذان» من المجتمع الدولي بشأن ذبحهم الوحشي.
وقال جيمس ف جيفري، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية إلى سوريا، إن الحكومة الأمريكية ترى «تصعيدا كبيرا» من قبل النظام وحلفائه في إدلب، وأكد للكاتب روغن أنه يعمل على قنوات دبلوماسية لتهدئة القتال.
وأضاف جيفري أن الإدارة الأمريكية أثارت هذا الموضوع «على كل مستوى» مع الروس، مشيرا إلى أن أي عملية كبرى في إدلب ستكون تصعيدا طائشا للنزاع. كما أوضح المبعوث الأمريكي أن الأسد يعتمد على القوة الجوية الروسية، وهذا يعني أن موسكو تنتهك بشكل صارخ اتفاقية وقف إطلاق النار ووقف التصعيد التي وقعتها مع تركيا في العام الماضي في سوتشي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، مورغان أورجتوس «إننا ندعو جميع الأطراف، بمن فيهم روسيا والنظام السوري، إلى الالتزام بتجنب الهجمات العسكرية واسعة النطاق، والعودة إلى تصعيد العنف في المنطقة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق لمواجهة الكارثة الإنسانية الناتجة عن العنف المستمر.
هذه التصريحات جيدة، على حد تعبير العديد من المعلقين الأمريكيين، ولكنها لم تكن مدعومة بتهديد له مصداقية بالنتائج، ومن غير المرجح أن يكون لها أي تأثير.
وتجاهلت موسكو التحذيرات الأمريكية، بما في ذلك تعليقات جيفري، ويبدو أن الحكومة التركية، وفقا للعديد من المراقبين الأمريكيين، غير قادرة أو غير راغبة في وقف الهجوم، ولكن التاريخ يظهر أنه عندما يقرر ترامب التدخل في سوريا لحماية المدنيين فان موسكو تستمع، وعلى سبيل المثال، في نيسان/ابريل 2017 عندما أطلق ترامب عدة صواريخ على النظام السوري لأول مرة، كان يرد على هجوم بالأسلحة الكيميائية في إدلب، يبدو أنه كان تمهيدا للهجوم الذي نراه الآن، وقد اقنعت إجراءات ترامب الأسد وروسيا بالتراجع.
ونشر ترامب تغريدة في كانون الأول/ديسمبر الماضي حذر فيها من الهجوم ، وقال بإن الأسد «يجب ألا يهاجم إدلب بشكل متهور» وإن روسيا وإيران يجب ألا تدعما «مأساة إنسانية محتملة» وقد جاءت هذه التغريدة بعد أن أخبر ناشط سوري ترامب في تجمع انتخابي أن الهجوم على إدلب قد بدأ.
وقد تفاخر ترامب بأنه تمكن من وقف الهجوم على إدلب بهذه التغريدة في ذلك الوقت، وقال: «لن يمنحني أحد الفضل، ولكن هذا جيد، الملايين من الناس كانوا سُيقتلون، كان ذلك عارا». ولكن الهجوم عاد وترامب ما زال صامتا، وهذا له تأثير متتالي داخل نظام الأمن القومي الأمريكي، ووفقا للخبراء، ينتظر المسؤولون الأمريكيون في هذا الهيكل البيروقراطي إشارة من ترامب لتوضيح نيته قبل الانخراط في موضوع إدلب.
وطلب السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري) من ترامب التحدث وحماية إدلب، وفقا لمصادر قريبة من المشرعين الجمهوريين، هناك اعتقاد في واشنطن بان بوتين يدرك أهمية تصريحات ترامب بشأن سوريا، ولكنهم قالوا إن من غير المعروف ما الذي ناقشه ترامب مع بوتين في الأسبوع الماضي بشأن سوريا عندما تحدثا لمدة ساعة تقريبا.
وسط صمت إدارة ترامب، تستهدف الطائرات الحربية الروسية المناطق السكنية والمستشفيات، وتقتل عمال الإغاثة الذين يستجيبون لتلك الهجمات، وفقا لصحيفة «واشنطن بوست» وهناك توقعات بظهور قوافل من المهاجرين، الذين اكتشفوا أن المجتمع الدولي ليس على استعداد لفعل أي شيء للحفاظ على سلامتهم في منازلهم.
الزيارة المقررة لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى موسكو هذا الأسبوع، من المفترض أن تناقش مع الكرملين ملف الحد من التسلح والنشاط الروسي في فنزويلا وسوريا، وكذلك دور روسيا في دبلوماسية كوريا الشمالية، ولكن من غير المعروف ما الذي يمكن ان تتفق عليه واشنطن وموسكو بشأن سوريا، بما في ذلك هجوم إدلب في محاولة لتجنب كارثة إنسانية جديدة.
وتناولت صحف أمريكية على نطاق محدود هجوم إدلب، وبدلا من انتقاد موقف ترامب، تركزت الانتقادات على روسيا والنظام السوري مع الإشارة إلى الوعد الرسمي الذي تم التعهد به في الخريف الماضي بعد استهداف المدنيين في المنطقة، ولكنها قالت إنه يجب على الولايات المتحدة ممارسة أقصى الضغط لوقف ذبح محتمل للأبرياء.
وأوضحت افتتاحية صحيفة «بوست اند كارير» أن التهديد قد عاد، وسيجلب معه إمكانية حدوث المزيد من البؤس الإنساني وفيضانات جديدة للاجئين الفارين إلى تركيا وأوروبا، واستنتجت الصحيفة أن الهجمات تشير إلى نهاية التعاون الروسي – التركي للحفاظ على وقف إطلاق النار في المحافظة، إذ وافق الرئيس التركي رجب طيب اردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خطة لدوريات روسية تركية مشتركة لمنع هجمات المتمردين في إدلب.
مدير الخوذ البيضاء: وثقنا نزوح نصف مليون مدني من حماة وإدلب/ هبة محمد
تستمر الهجمات الجوية غير القانونية ضد المدنيين في إدلب وحماة والأرياف الملاصقة بهما شمال غربي سوريا، مع هجمات مماثلة من قبل الحلف الروسي – السوري على المنشآت الطبية والمدارس والمساجد، بالصواريخ الشديدة الانفجار والقنابل العنقودية والبراميل المتفجرة، منذ خمسة عشر يوما، ما أجبر مئات الآلاف من الأهالي على النزوح كضحايا حرب، لم يحظوا بالاهتمام اللائق، بعد كل هذا التنكيل الذي تلقوه.
ومع استمرار تخاذل المجتمع الدولي والعربي في لجم همجية النظامين الروسي والسوري عن ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين، الذين لم تشفع لهم مئات الصور للضحايا من الأطفال والعالقين تحت الأنقاض، والنازحين المشردين في الأحراش والبساتين، يؤكد مدير الخوذ البيضاء في إدلب مصطفى الحاج يوسف، أن الحملة الأخيرة والمستمرة، أسفرت عن تهجير نحو نصف مليون مدني وفق تقديرات الدفاع المدني في المنطقة، مضيفا لـ»القدس العربي» أن «الحملة التي بدأت مع حلول شهر شباط/فبراير ألفائت على الريف الجنوبي من محافظة إدلب، وتركزت في منطقة خان شيخون الهبيط والتمانعة، أسفرت عن تهجير 100 ألف نسمة من السكان الأصليين والنازحين إلى المنطقة، ولكن مع توسع الحملة الشرسة الأخيرة لتشمل ريف حماة الغربي والشمالي، قدرت الأمم المتحدة أعداد النازحين بما يفوق 300 ألف نسمة، أما نحن كأبناء المنطقة ومراقبين وموثقين نؤكد ان العدد أكبر بكثير وبلغ إلى الآن نصف مليون نسمة، من مدن وبلدات جبل الزاوية وريف حماة الشمالي والغربي وبلدات جبل شحشبو، وقرى وبلدات ريف معرة النعمان الجنوبي والغربي بالإضافة إلى خان شيخون وريفها بالكامل، حيث نزح السواد الأعظم من أبناء تلك المناطق باتجاه الشمال على الحدود مع تركيا، ولجأوا إلى المخيمات في البساتين أو المدارس أو توزعوا ضمن المدن».
وأمام مواصلة القوات المهاجمة في شن حملات مكثفة بالذخيرة العنقودية والصواريخ الشديدة الانفجار، على آخر معقل للمعارضة بشقيها المدني والمسلح، يتحدث الحاج مصطفى عن حجم الجرائم التي ترتكب بحق الأهالي إذ «يستعمل ولأول مرة هذا الزخم الكبير من راجمات الصواريخ على المدن المأهولة بالمدنيين، حيث يمطر النظامان الروسي والسوري المدينة الواحدة بـ120 صاروخا دفعة واحدة، علاوة على القصف براجمات شديدة الانفجار ومنها عنقودي».
ولكن أكثر ما يؤلم حسب وصف مدير الخوذ البيضاء هو «المأمن الذي كان يعيشه الأهالي مع دخول نقاط المراقبة التركية وانتشارها، إذ وجدت من أجل منع تقدم كلا الطرفين من قوات المعارضة والنظام على مناطق نفوذ الطرف الآخر، وذلك بضمانة كل من تركيا وروسيا».
إغلاق المراكز الطبية
ويتحدث نشطاء محليون ومسعفون وأطباء عن حالة النازحين التي يرثى لها، ويقول الطبيب محمد كتوب، ان أكثر من 12 مركزا طبيا استهدف خلال الحملة الأخيرة على ريفي إدلب وحماة، فيما تنتشر مئات العائلات المشردة دون مأوى في المزارع المفتوحة تحت الشجر على الحدود التركية دون خدمات أو طعام أو مياه نظيفة مع حلول شهر رمضان».
مؤكدا تعليق العمل في عدد من المركز الصحية بعد استهدافها بشكل مباشر بغارات جوية، أهمها مشافي كفرنبودة وجبل الزاوية وكفر زيتا وذلك لعدم القدرة على العمل في ظل القصف الشديد والغارات الجوية.
ومن المرافق الطبية المتضررة التي رصدتها «القدس العربي» هي «مشفى كفر زيتا المغارة، ومشفى 111، ومشفى نبض الحياة، ومركز احسم الصحي، ومركز الهبيط الصحي، ومركز ركايا الصحي، ومشفى اللطامنة، ومشفى كفرنبل الجراحي، والوحدة الجراحية في كفرنبودة ومشفى الأمل في كنصفرة».
وتحدث الخبير في العلاقات الدولية محمد العطار عن الخطأ الذي «أجهز على المعارضة» حسب وصفه بعد قبولها الضمانة الروسية، عازيا السبب إلى أن موسكو «لا يمكن أن تكون ضامنا كونها طرف لم تتوقف طائراته عن قصف المدنيين والمنشآت الطبية والتعليمية والخدمية إضافة عن استهداف فرق الدفاع المدني ومراكزه وآلياته، حيث قصف مواقعها جميعها بطيران هذا الضامن».
مئات آلاف المدنيين السوريين في منطقة «خفض التصعيد» كانوا يعيشون في مأمن تام حسب قول مدير الخوذ البيضاء لـ»القدس العربي» وذلك «لانتشار نقاط المراقبة التركية لكننا تفاجئنا ان هذه النقاط لا تستطيع ان تحمي نفسها والدليل تعرض نقطة شيرمغار التركية لقصف مباشر من قبل قوات النظام، وهذا دليل على عدم وجود رادع لتقدم النظام والتنكيل بالأهالي في أي منطقة وفي أي وقت» حسب المتحدث.
وتلقي الهجمات المستمرة منذ نحو 15 يوما بظلالها الثقيلة على المدنيين، حيث نال الأطفال والنساء الحصة الأكبر منها، ويؤكد تقرير صادر عن اللجنة الدولية للتحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا، على التخوف من وقوع كارثة إنسانية جراء الحملة العسكرية التي يشنها نظام الأسد وروسيا على المنطقة، ومقتل وجرح المئات ونزوح مئات الآلاف من قراهم وبلداتهم.
وذكر رئيس اللجنة باولو بينيرو، في مؤتمر صحافي، أن اللجنة تلّقت تقارير بشأن هجمات النظام في شمال حماة وجنوب إدلب، ما تسبب في مقتل وإصابة أعداد كبيرة من المدنيين بينهم نساء وأطفال، وتدمير البنية التحتية المدنية، بما فيها المدارس والمستشفيات. وأوضحت اللجنة أن تواصل القصف الجوي خلال الأسابيع الماضية، في ظل عدم وجود ملاجئ آمنة للمدنيين، وتهجير أكثر من 152 ألف شخص، منذ 29 نيسان/ابريل الماضي، رفع عدد النازحين إلى 290 ألف شخص خلال ثلاثة أشهر.
ودعت ثلاث دول مجلس الأمن الدولي، لعقد جلسة طارئة الجمعة، لمناقشة الوضع في محافظة إدلب التي تشهد حملة عسكرية عنيفة من قبل النظام وروسيا منذ أواخر شهر نيسان/ابريل الماضي. وقال دبلوماسيون في الأمم المتحدة، إن الكويت وألمانيا وبلجيكا، تقدموا بطلب رسمي إلى رئيس مجلس الأمن السفير الإندونيسي ديان تريانسيا دجاني، والذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لأعمال المجلس لهذا الشهر لعقد الجلسة الطارئة.
من جهتها اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أن الحملة العسكرية التي يشنها النظامان الروسي والسوري على ريفي إدلب وحماة، والتي استهدفت المدارس والمستشفيات ومنازل المدنيين «خرقاً غير مقبول للقانون الدولي».
وأردفت «يشير الاتحاد الأوروبي إلى أن روسيا وتركيا باعتبارهما ضامنين لاتفاق سوتشي، عليهما واجب ضمان تنفيذ هذا الاتفاق» الذي ينص على تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة إدلب ومحيطها.
رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عبد الرحمن مصطفى، دعا بدوره إلى إطلاق مبادرة دولية من أجل وقف جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد وحلفاؤه في ريفي إدلب وحماة، والتي أدت إلى سقوط المئات من الضحايا، إضافة إلى تدمير المدارس والمشافي والمرافق الحيوية.
وكانت الأمم المتحدة على لسان المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية دايفيد سوانسون، قد عبرت، عن مخاوفها من استمرار الحملة العسكرية، قائلة إن «الأمم المتحدة تشعر بقلق إزاء التقارير المستمرة عن الهجمات الجوية على المراكز المدنية والبنى التحتية المدنية».
كما انتقدت ممثلة الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، استهداف المدارس والمستشفيات بالبراميل المتفجرة، واعتبرت أن ذلك «ينتهك القانون الدولي».
وشددت على أن الاتحاد الأوروبي يؤكد على ضرورة معاقبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وحذرت من أن حياة نحو 3 ملايين مدني مهددة بالخطر في إدلب.
وفي إحصائية لفريق منسقي الاستجابة في سوريا، أكد ان المدارس والمنشآت التعليمية التي تعرضت للقصف من قبل قوات النظام وروسيا في إدلب وريفها، خلال خمسة أشهر ماضية، بلغ 44 مدرسة ضمن المجمعات التربوية التابعة لمديرية والتعليم في محافظة إدلب.
ولفت الفريق إلى أن المدارس التي تعرضت للقصف وخرجت عن الخدمة، توزعت على المجمعات التربوية لمدن وبلدات إدلب، وهي 25 مدرسة في مجمعة مدينة خان شيخون، و7 مدارس في مجمع مدينة كفرنبل، و5 مدارس في مجمع أريحا، و3 مدارس في مجمع جسر الشغور، و3 مدارس في مجمع إدلب التربوي، ومدرسة واحدة في مجمع مدينة معرة النعمان، موضحاً أن نسبة الأضرار تفاوتت بين 5 في المئة وصولاً إلى خروج المدرسة عن الخدمة بشكل كامل.
وناشد فريق الاستجابة جميع الجهات المعنية بالضغط على الطرف الروسي والنظام، للتوقف عن استهداف المنشآت التعليمية في المنطقة.
يأتي هذا في الوقت الذي يشن فيه نظام الأسد وحلفاؤه حملة عسكرية شرسة على إدلب وريفها، وفي هذا الإطار أكد أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية رياض الحسن، أن نظام الأسد من خلال إصراره على استهداف المنشآت الحيوية بما فيها المشافي والمدارس، يعمل على آلية تدمير البنية التحتية للبلد والمجتمع على حد سواء، وقال الحسن إن ما يقوم به النظام وحلفاؤه بحق البشر والحجر هو تجاوز صارخ لكل الأعراف والقوانين الإنسانية التي تقضي بتحييد المدنيين والمشافي والمدارس عن الاستهداف المباشر.
ماذا وراء التصعيد الروسي الأخير في إدلب؟/ محمود عثمان
مجدداً، عادت إدلب إلى دائرة الأحداث على وقع تصعيد كبير في وتيرة الضربات العسكرية من جانب الروس وقوات نظام الأسد، فقد ذكرت مصادر الدفاع المدني السوري الحر أن 12 مدنياً لقوا مصرعهم، في حين أصيب 40 آخرون، بريفَي إدلب وحماة في يوم واحد، جراء استمرار قوات النظام في تصعيدها لليوم الثامن على التوالي، مستهدفةً عشرات المدن والقرى.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان، من جانبها، وثقت مقتل (292) شخصاً في سوريا خلال شهر أبريل 2019، من بينهم (64) طفلاً و(34) سيدة و(30) شخصاً تحت التعذيب.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال قبل عدة أيام، إنه لا يستبعد شنّ عملية عسكرية شاملة على محافظة إدلب شمالي سوريا، إلا أنه أشار إلى أن هذه العملية “ليست ملائمةً الآن”.
الولايات المتحدة دعت روسيا إلى احترام التزاماتها وإنهاء “التصعيد” في منطقة إدلب، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان أورتاغوس: “ندعو جميع الأطراف، وبينهم روسيا والنظام السوري، إلى احترام التزاماتهم بتجنُّب شنّ هجمات عسكرية واسعة، والعودة إلى خفض تصعيد العنف في المنطقة”.
الاتحاد الأوروبي أيضاً حذَّر من مغبة التصعيد في محافظة إدلب وشمالي حماة، وذلك جراء تكثيف الغارات الجوية من قِبل نظام الأسد وروسيا هناك، داعياً روسيا وتركيا إلى تنفيذ التزاماتهما بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب.
بيان الاتحاد الأوروبي دعا إلى احترام اتفاق خفض التصعيد في سوتشي وأستانة، “لأن التصعيد العسكري في إدلب يُعرِّض حياة أكثر من ثلاثة ملايين مدني بالمنطقة للخطر، وهو سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية، وسيزيد من خطورة مواصلة زعزعة الاستقرار بسوريا وفي المنطقة”.
ولأن “الهجمات الأخيرة في إدلب استهدفت أحياء سكنية ومنازل ومستشفيات ومراكز لإيواء النازحين، وهو الأمر الذي نتج عنه سقوط مزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين العزّل”.
لكن جميع هذه الدعوات والتحذيرات لم تجد لها صدى لدى موسكو حتى اللحظة، بل إن المؤشرات تقول بأن المنطقة مُقبلة على تصعيد خطير، سيكون ضحيته المدنيون.
موقف الضامن التركي
علينا الإشارة مقدماً إلى أن دخول تركيا على خط مسار أستانة لم يكن بسبب تطابق الرؤى ووجهات النظر بين أنقرة وموسكو حول طريقة الحل في سوريا، ولا لقناعة أنقرة بأن موسكو لديها مفاتيح الحل في سوريا، وإنما لحاجة الطرفين الماسة للتنسيق والتعاون فيما بينهما حول الملفات الكبرى، الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
صحيح أن اتفاق سوتشي جاء ثمرة للعلاقات الشخصية الحميمة بين الرئيسين أردوغان وبوتين، ونتيجة للتواصل والتنسيق المستمر بين موسكو وأنقرة، إلا أن تطبيق هذا الاتفاق على الأرض ظل يشكِّل الامتحان الأصعب لكلا الطرفين.
من قبيل التذكير، فإن القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان بمدينة سوتشي الروسية، في سبتمبر عام 2018، أسفرت عن توقيع اتفاق بين الدولتين الضامنتين إلى جانب إيران، لما أُطلق عليها “عملية أستانة” لتسوية الأزمة السورية، ينص أحد بنوده على تمسُّك موسكو وأنقرة بالإبقاء على منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب السورية. لكن الطرف الضامن الروسي لم يلتزم يوماً واحداً هذه الاتفاقية، بل قام بخرقها وانتهاك بنودها على الدوام، بحجة الحرب على “هيئة تحرير الشام” المرتبطة بتنظيم القاعدة.
الطرف الروسي، ومِن خلفه نظام الأسد والإيرانيون، يجيدون الالتفاف على جميع ما يتم التوصل إليه من تفاهمات واتفاقات في اجتماعات أستانة وغيرها. تارة من خلال اختلاق تفسيرات مختلفة ومخالِفة لنص الاتفاق وروحه، وتارة أخرى من خلال الادعاءات الكاذبة بأن قاعدتهم في حميميم تتعرض لهجمات من طرف الإرهابيين، رغم استحالة ذلك فيزيائياً، بسبب بُعد المسافة بين “القاعدة” وإدلب، والمنطقة العازلة التي شكَّلت أساس اتفاق سوتشي.
موسكو تطالب أنقرة بالقضاء على تنظيم القاعدة وإخراج عناصره من إدلب، لكن في الوقت ذاته لا موسكو ولا غيرها يمد يد العون لتركيا بهذا الصدد. في المقابل لم تلتزم موسكو أياً من تعهداتها. أكثر من ذلك فإن الروس لا يستهدفون “هيئة تحرير الشام” في هجماتهم، كأنهم يريدون بقاء تلك العناصر الإرهابية بإدلب، لكي يستمروا في استخدامها شماعة من أجل خلط الأوراق كلما دعت الحاجة.
إشكالية الموقف الروسي
من الواضح أن سبب التصعيد الروسي الأخير في محافظة إدلب هو استشعار موسكو ملامح تفاهمات حول القضية السورية، يتم وضع لمساتها بين الولايات المتحدة وتركيا، وهذا قد يدفع روسيا إلى شن عملية واسعة في المحافظة، كما صرح بذلك الرئيس الروسي بوتين، لإعادة خلط الأوراق، رغم وجود تحذيرات دولية من مغبة اتخاذ هذه الخطوة، في ظل احتضان إدلب أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
ما يثير شكوك موسكو أكثر هو تواتر الاجتماعات وعمليات التنسيق بين تركيا والولايات المتحدة من جهة، وشخصيات من العشائر العربية في دير الزور شرقي سوريا، كانت زارت أنقرة في الأيام الماضية.
زيارة قيادات بعض العشائر السورية لتركيا ترافقت مع مظاهرات اندلعت خلال الأيام الماضية ضد وجود مليشيات سوريا الديمقراطية “قسد” في شرقي البلاد، وعمليات بيعها نفط المنطقة إلى نظام الرئيس بشار الأسد، الذي يعاني أزمة وقود خانقة بسبب الحصار الأمريكي والعقوبات المفروضة على إيران.
حضور شخصيات من العشائر العربية ضمن وفد المعارضة السورية في اجتماعات أستانة/نور سلطان الأخيرة، لا بد من أنه أعطى رسائل في أكثر من اتجاه.
زيارة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، لأنقرة في توقيت لافت، ولقاؤه ومباحثاته مع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، والتي تركزت على الملف السوري، لم يتم الإفصاح عن مخرجاتها، بل اقتصرت المعلومات التي قدمتها وكالة “الأناضول” على أن كالن وجيفري ترأَّسا اجتماعاً لوفدي البلدين، وتناولا التطورات الأخيرة في الملف السوري.
ما يؤرق المسؤولين الروس أكثر، تصريحات الطرف الأمريكي بأنه سيتم إنهاء المخاوف الأمنية لتركيا من خلال المنطقة الآمنة المزمعة إقامتها في سوريا، وسيتم تطهير تلك المنطقة من التنظيمات الإرهابية كافة. طبعاً يُقصد بذلك المليشيات الانفصالية الكردية، لأن تنظيم “داعش” لم يبقَ له وجود هناك، سوى خلايا نائمة مبعثرة في بعض المناطق.
اللقاءات بين الوفدين التركي والأمريكي سبقها اتصال هاتفي جرى بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأمريكي دونالد ترامب، شدد خلاله الطرفان على وجوب تعزيز التنسيق في الملف السوري.
لا يريد الطرف الروسي خسارة تركيا باعتبارها شريكاً اقتصادياً مهماً بالمنطقة، لكن في الوقت ذاته موسكو أمام تحدٍّ كبير، بخصوص قطف ثمار النصر العسكري المزعوم على المعارضة السورية وصرفها/تحويلها إلى مكاسب سياسية واقتصادية.
تخشى موسكو في حال الوصول إلى اتفاق كامل الجوانب بين أنقرة وواشنطن، أن تخسر جميع مكتسباتها في سوريا، خصوصاً مع الحصار الخانق الذي فرضه الأمريكان على إيران، والضربات الموجعة التي تتلقاها الأخيرة في سوريا عبر الضربات الإسرائيلية.
في واشنطن، يجري الحديث بصوت مرتفع عن ضغوط أمريكية على الحكومة اللبنانية، لجهة رفع غطائها الرسمي عن حزب الله اللبناني الذي يشكل ذراع إيران في الشرق الأوسط، وهو ما اضطر كلاً من القوات الإيرانية، ومليشيات حزب الله اللبناني إلى إجراء عملية إعادة تموضع، والانسحاب من مناطق ذات قيمة استراتيجية حساسة بالنسبة لهما في دمشق وضواحيها والجنوب السوري.
استراتيجية التوازنات التي تنتهجها تركيا تقتضي قدراً كبيراً من الحنكة والصبر وضبط النفس. هذا ما تفعله أنقرة، وهي تعمل على امتصاص رد الفعل الروسي من خلال التصعيد الأخير في إدلب وريف حماة الشمالي.
وكالة “الأناضول”
جدليّة المصالح!/ براءة الحمدو
السياسة ليست مقدّسة، فكلّ شيء يتغير حسب المصالح والظروف وتطورات الأحداث وتقلباتها، فهي لا تتقيد بقواعد وأصول ثابتة مثل الدين والأخلاق، ولا تتوقف عند نقطة واحدة معينة، بل تسير في اتجاهات عدة خلف أهداف واضحة، تضمن للدولة أو النظام القائم تحقيق مكاسب ومصالح معينة، إذن السياسة هي لعبة مصالح وليست ثارات ونزاعات عصبيّة، فضلاً عن كونها لا تعادي أي دولة (بالكامل) على أثر عاطفيّ أو صراع فكريّ، فصديق صديقي عدوي، وعدو عدوي صديقي، هكذا السياسة! والحديث عنها يطول، حيث يمكن القول: “هي الوصول للغاية بعدة وسائل وإن كانت غير مشروعة!”
ولأنّ الغاية تبرر الوسيلة، موسكو تتأهب إعلاميّاً ولوجستياً لمعركة إدلب، ومن المعروف أنّ العمل العسكري يسبقه (إرهاصات، تعزيزات وتجهيزات)، وهذا ما جاء في التقرير الاستراتيجي السوري “قيام القوات الروسية في (21 مارس 2019) بنقل مقاتلات هجومية وقطعات بحرية إلى قاعدتي حميميم وطرطوس، مما يدل على نية موسكو في شن عمليات قتالية في الأسابيع المقبلة ” ومن ضمن القطعات البحرية (غواصات حربيّة) تعمل على الكهرباء والديزل، وبالتزامن مع كلّ الحشود، قام خبراء عسكريون روس بتقديم تدريبات لقوات النظام على الأسلحة والمعدّات المتطورة كالصواريخ المضادة للدروع، كما وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن تجريب طائرة هليكوبتر من طراز( Mi-28NM) ويطلق عليها اسم صياد الليل”.
في حين بدأ القصف الجوي على مناطق خفض التصعيد أوائل أبريل / نيسان، والذي أسفر عن قتل العشرات من المدنيين، كانت الغارات الجوية بمثابة رسائل ضغط لتحوير ما نصت عليه اتفاقيات سوتشي وأستانة مع الأطراف الثلاثة (تركيا، إيران، روسيا)، وبالنسبة لرسائل الضغط فقد باتت واضحة للعيان، من خلال الضغط على الفصائل الثوريّة لأجل جرّهم في الدخول إلى مفاوضات المصالحة مع نظام الأسد وتسليم إدلب في آخر الأمر، ومن جهة أخرى الضغط على الضامن التركي بهدف سحب العملية السياسية نحو التفاوض على ملف شرق الفرات، وتتمة الإجراءات فيما يتعلق باللجنة الدستورية، عدا عن صفقة الصواريخ الروسية S400، لأنّه من الممكن أن يتراجع الأتراك عن صفقة الصواريخ تلك، كما ومحاولة الروس في توتير العلاقة بين الطرفين الأمريكي والتركي، وفي الطرف المقابل تركيا لا ترغب في تأزيم الوضع في إدلب خشية على أمنها القومي، حيث لم تعد تستوعب موجات لجوء جديدة .
ومن الواضح في نهاية الأمر روسيا لا يهمها رأس النظام السوري في أن يسترد باقي أجزاء سوريا وإخضاعها تحت سيطرته!
فهو عبارة عن نصف ورقة يستفاد منه في إطار الضغط عليه لتوقيع صفقات البيع والتنازل (التي لم تتوقف بعد) عن الأراضي السورية الغنيّة بمواردها وبمرافئها، وللإشارة بمكان _ غالباً يفكر المحتلّون والمستعمرون بعقليّة “كلما زادت الرقعة الجغرافية كلما زادت نسبة سيطرتهم عليها”، وفي سوريا من السهل تنازل الأسد عنها وبيعها بكل بساطة!
وللحديث أكثر حول التّصعيد العسكري الروسي على إدلب، يمكن القول لن تستطيع روسيا أن تحسم الأمور عسكرياً لصالح النظام السوري، لأنّ ملف إدلب يشترك فيه كافة الفواعل الدولية الحكومية وغير الحكومية، والأخيرة يقصد بها (فصائل المعارضة والثوار وهيئة تحرير الشام) لذلك تعدّ إدلب أرضاً لتصفية الحسابات وعقد البازارات فيما بينهم، وأمّا ما يصرح به في وسائل الإعلام عن محاربة المسلحين الإرهابيين (هيئة تحرير الشام/النصرة سابقاً) فمسألة تفتيتهم وزوالهم ليس صعباً لا على الولايات المتحدة ولا حتّى على الأتراك، لأنّ وجودهم في إدلب أشبه بوجود بشار الأسد في الحكم، على الرغم من اختلاف مستويات وآليات المهمة الوظيفية، وللتأكيد إنّ رأس النظام “بشار الأسد” هو موظف عند الإيرانيين والروس ولكن بصفة حاكم لبلد مستباح ومنتهك. أمّا عن الدوريات المشتركة الروسية/ التركية في المنطقة المنزوعة السلاح، كانت بناءً على قرارٍ اُتخذ في محادثات الآستانة الأخيرة، لكن تمّ رفض القرار من قِبل الفصائل الثوريّة (العسكرية) وهذا حقّ طبيعي، وبالنسبة لتركيا فهي ليست ممنونة وغير متحمسة لقرار المشاركة، والسبب متوقف على الاعتراف بالمنطقة الآمنة التي طرحتها تركيا سابقاً في مؤتمر سوتشي، وأيضاً جاء رفض تركيا للدوريات المشتركة ضمنياً _وغير معلن_ نتيجة تعطيل تقدمها من قِبل روسيا في منطقة تل رفعت بريف حلب فيما مضى والتي كان من المفترض أن تكون العملية على منوال عملية غصن الزيتون !
والسؤال المطروح هنا: هل ستنجح روسيا من خلال تصعيدها العسكري على إدلب بتحقيق غاياتها؟
تبدد الغموض حول الرئيس الروسي فهو يسعى لبناء قطب روسي ومعه أذرعه المتحكمة في الشرق والغرب، والولايات المتحدة الأمريكية متيقظة له تماماً، لذلك تلجأ الأخيرة إلى فرض عقوبات بشكل دوري والتضييق عليه اقتصادياً، لهذا كلّ غاراتها الجوية على إدلب مؤقتة، وذلك للاعتبارات التالية:
إدلب آخر منطقة من مناطق خفض التصعيد وآخر معقل للثوار وللمعارضة السورية، فرمزية الثورة تكمن فيها، كما ويقطن على أرضها قرابة أربعة ملايين سوري، فهذا العدد من السوريين يجعل تركيا متوجّسة بشأن التّخلي عن إدلب، ورغم كلّ القصف (المكثف والعنيف)، هناك تفاصيل تدعو للنّظر بعين الواقعيّة، فموسكو تسلك طريق الحرب النفسيّة والضوضاء الإعلامية، من أجل تمكين وجودها على الأرض السوريّة بعد حصولها على مرفأ طرطوس لمدة 49 عاما، وسعيها الدؤوب بانتزاع مكاسب إضافية من وراء هجومها على إدلب سواء من الضامن التركي أو قرار دولي يوقع عليه من هيئة الأمم المتحدة، مثل صفقات التّسليح، أو شيكات مفتوحة من صندوق النقد الدولي لتمويل مشاريعها الكبرى، خصوصاً مشروع حقّ التنقيب عن النفط في الجزء الشمال الشرقي من أراضيها (سيبيريا)، أخيراً لن تنسى روسيا جرحها الغائر في سقوط الإتحاد السوفيتي، لذلك نسمع اليوم عن محاولاتها في حشر أنفها في دعم “خليفة حفتر” عسكرياً في ليبيا أملاً منها في أن تكون وجهاً بوجه الولايات المتحدة الأمريكية!
تلفزيون سوريا
معركة إدلب.. أي مسار؟/ مالك ونوس
تفيد معطيات القصف التي طاولت مدينة إدلب، في الأيام الفائتة، وعمليات التحشيد العسكري حولها، بأن المعركة الحاسمة مقبلة في هذه المنطقة لإنهاء حال الاستعصاء فيها، وإعادتها إلى سيطرة النظام. وحيث تقود المصالح روسيا إلى الدفع باتجاه معركةٍ من هذا القبيل، أصبحت الضرورة الدافع الأكبر لديها، إن قلت مصالحها في عودة المنطقة إلى سيطرة النظام. ربما يفضّل النظام عدم خوضها، بسبب ما راكمه من خبرةٍ في التفاوض مع المناطق الخارجة عن سيطرته، وأثمرت إعادتها وفق سياسة المصالحات، ومن دون قتال. ولكن، يبدو أن ما توفّره هذه المعركة للروس، من ناحية بقائهم في سورية، يجعلهم يهملون تداعياتها التدميرية على المحافظة، وربما على باقي سورية.
من المحتمل أن يكون الروس هم من دفعوا إلى هذه المعركة، وتؤيد هذا الكلام وقائع تجعل الحل السياسي، أو على الأقل أسلوب التفاوض، قابلَيْن للتطبيق فيها، فللنظام مصلحة، ولا شك، في عودة المنطقة إلى سيطرته، ولكن، وبناءً على تجاربه مع المناطق الأخرى في حمص وحلب وغوطة دمشق ودرعا، وغيرها، والتي أعاد فرض سيطرته عليها وفق مبدأ المصالحات، يمكن أن ينسحب هذا الأمر على إدلب، لأن خوض أي معركةٍ فيها سيكلف الطرفين خسائر لا توصف. كما أن التداعيات المخيفة ستشمل سورية برمتها، مع احتمال أن يتسلّل المسلحون من إدلب إلى مناطق سيطرة النظام، ويسلكوا أسوب حربٍ أخرى مع قواته. وهي تأتي بعد أن ظهر أن مسار السلم أصبح سمة المرحلة في سورية، فتأتي لتقطع مع آمال السوريين في الاستقرار لتحسين أحوالهم.
وهنالك واحدة من أهم الوقائع التي تجعل الحل السياسي قابلاً للتطبيق، وهي العلاقة الجيدة بين
موسكو وأنقرة، إذ إن الأخيرة قادرة على الضغط على الفصائل التي تدعمها، للدخول في مسار الحل السلمي في إدلب. ويمكن الدخول في هذا المسار بناءً على اتفاق سوتشي الذي وقعته روسيا وأنقرة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وجاء لتجنيبها حرباً شبيهةً بالتي بدأت بوادرها من خلال التحشيدات والغارات التي طاولتها قبل أيام. ومن هنا، يأتي اليقين، أن للروس مصلحة في عملية عسكرية لإنهاء حال الاستعصاء في هذه المدينة، وليس في حل سلمي. يدفعهم إلى ذلك ما يقال عن بنائهم قاعدة شمال حماة في المنطقة المتاخمة لإدلب، وتحشُّد الفصائل المقاتلة في إدلب، يجعلهم في مرمى نيرانهم. وسيكون ذلك احتمالا قائما طوال الوقت، بالنظر إلى حقيقة الاستهداف الدائم لقاعدة حميميم الروسية، وكان جديدها الذي تعرّضت له القاعدة قبل أيام ونهاية الشهر الماضي (إبريل/ نيسان)، أي بعد بدء الغارات الروسية على إدلب، واتهمت روسيا المعارضة المسلحة بالمسؤولية عنه. ولهذا الأمرـ لن تألو روسيا جهداً في القضاء على أي جيبٍ متمردٍ يشكل تهديداً لأكبر قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها، ولوجودها الاستراتيجي في المنطقة، على السواء. كما يدفع الروس إلى القيام بعملية عسكرية ربما خوفهم من أن حلاً سياسياً وفق مبادئ جنيف قد يفقدهم ما حققوه من اتفاقياتٍ طويلة الأمد، ومنها ما هو مُجحف بحق الطرف السوري، فقد يتضمن اتفاق الحل السلمي في سورية، وفق المبادئ المذكورة، بنداً ينص على إعادة النظر في جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أبرمتها الحكومة السورية في زمن الحرب، كونها أُبرمت في ظروفٍ استثنائيةٍ، سِمَتُها النزاعات التي شملت أكثر من 75% من أراضي البلاد. وفي هذه الحال، ستعد جميع الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع الحكومة في دمشق لاغية، سيما المتعلقة بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر، علاوة على اتفاقية إدارة ميناء طرطوس، وغيره من المرافق المهمة في البلاد. وقد يدخل في هذا الإطار القواعد العسكرية الأميركية والإيرانية والتركية، وليس الروسية وحدها.
بقيت معركة إدلب تؤجل، حتى سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما أعلن مصدر عسكري سوري
عن مرحلةٍ أولى في معركة إدلب، تستهدف الأجزاء الجنوبية والغربية من المحافظة، من دون أن تطاول المدينة، وقد دعا الجيش السوري حينها المدنيين إلى الخروج منها إلى المناطق الموالية له، حفاظاً على حياتهم. وكان الغرض يومها السيطرة على طرقاتٍ مهمةٍ تؤدي إلى حلب. وبسبب وضع المدينة المعقد، نتيجة التجاذبات بين تركيا وإيران وروسيا حولها، كان إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، يومها عن وجود تفاهماتٍ بين هذه الأطراف الثلاثة بشأن التمييز بين المعارضة السورية المدنية والإرهابيين في المدينة، وكان ذلك اعترافا من الجميع بوضع المدينة المعقد. ولكن، لم تُشن الحرب يومها، ربما لهذا السبب، فتأجلت حتى هذه الأيام.
تجمع المسلحون المعارضون للنظام السوري من كل أنحاء سورية في محافظة إدلب، على مدى السنوات الأخيرة، بمقتضى اتفاقيات المصالحة التي كانوا يعقدونها مع النظام. وبات تمركزهم فيها بمثابة الملاذ الأخير لهم، لا يستطيعون الخروج منها إلى المهاجر، وتضيق المدينة بهم، وتُستنزف مواردها، وتبقى احتمالات المعارك الداخلية بينهم قائمةً، لتعدد الفصائل المعارضة المتنوعة الموجودة فيها. وعلى الرغم من ذلك، قد تقود كثافة المقاتلين إلى احتدام المعارك، كما لم تكن من قبل، وسيؤدي ذلك إلى تدمير المدينة لتلحق بالمدن المدمرة، كما سيلفّ الغموض مصير ثلاثة ملايين شخص يقطنونها، وهم سكانها والذين لجأوا إليها من المناطق الأخرى التي دمرت، أو التي أجريت فيها مصالحاتٌ نصت على خروج المسلحين وعائلاتهم، ومن أراد من الأهالي إلى إدلب.
قد يفرض احتدام المعارك في إدلب على المسلحين فيها أن يهربوا، فيتسللوا منها إلى باقي المناطق، وربما يتخذون من مناطق، كانت في يد النظام، مراكز تصبح مقرّاتٍ سريةٍ لهم لاستنزاف الجيش السوري. وفي هذا الحال، تكون البلاد قد دخلت مساراً آخر مغايراً للمسار السلمي المأمول، والذي كان السوريون، من موالين ومعارضين، يتمنون أن تدخل البلاد فيه، حفاظاً على أرواح من تبقوا من أبنائهم.
العربي الجديد