عن أمل عرفة الممثلة الكيماوية -مقالات مختارة-
أمل عرفة نموذجاً/ عمر قدور
في عام 1990 كانت أمل عرفة، برفقة جوليا بطرس وسوسن الحمامي، تغني أغنية “وين الملايين”، في حفلة في طرابلس الليبية. الأغنية تتساءل: وين الملايين؟ الشعب العربي وين؟ والمقصود طبعاً استنهاض الشعب العربي “المتخاذل” نصرة للقضية الفلسطينية، ويمكن “باسترجاع ذلك التسجيل” رؤية المغنيات الثلاث يتبارين في إظهار انفعالاتهن، ومن ذلك أن ترفع أمل عرفة قبضتها أثناء الغناء بنوع من الحماس الفائض. تلك لم تكن المناسبة الأولى لأمل عرفة في ليبيا، فقد شاركت من قبل بإحياء حفلات ضمن ما كان يُعرف باحتفالات ذكرى الفاتح من أيلول، الاحتفالات التي كان يُصرف عليها وعلى ضيوفها ببذخ شديد، وقد تفاجئنا العودة إلى أرشيف التلفزيون الليبي برهط الفنانين العرب الذين كانوا ضمن قائمة المشاركين، على الرغم من سمعة القذافي التي ربما كان أفضل ما فيها شهرته كمهرج دون أن يقصد.
رغم صغر سنها، كانت أمل عرفة قد اعتادت الظهور الإعلامي، بالأحرى كانت طفلة في أول مشاركة تلفزيونية غنائية لها بعنوان “حمام القدس-1982″، أي من البوابة الفلسطينية نفسها، ثم لن تتأخر في تسجيل أول أغنية، بمشاركة فهد يكن وبعنوان “صباح الخير يا وطناً”، من ألحان أبيها سهيل عرفة. الأب تعرفه أجيال من السوريين لكثرة ظهوره على التلفزيون السوري، وهو قد تدرّج مع مزاج السلطة، بدءاً من تلحين أغنيات تمتدح البعث، مروراً بأغنيات تحتفي بالحركة التصحيحية، وصولاً إلى أغنيات تمجد حافظ الأسد. الأرشيف القديم للرجل لا يخلو من ألحان جيدة، ومن ألحان قليلة جداً غناها مطربون عرب مثل وديع الصافي وشادية إلا أنها ليست في قائمة أغانيهم المشهورة، ولعل الأكثر توفيقاً بينها كانت أغنية “عالبساطة” لصباح. على أية حال، لا بسبب تلك الألحان منح بشار الأسد الملحن الراحل وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة عام 2007، وهو ظل حتى وفاته مخلصاً لمواقفه، بما فيها إشادته بقوات الأسد التي كانت قد بدأت إبادة السوريين بعد اندلاع الثورة.
لم يُعرف عن أمل عرفة موقف سياسي يخالف مواقف والدها، ونستطيع القول أنها بقيت وفية لمسارها الشخصي والعائلي، وتداخلهما معاً فضلاً عن اشتباكهما العريق والمتواصل بأهم أدوات الأسدية، أي الإعلام. على ذلك يبدو من المبالغة شعور الصدمة الذي أحدثه ظهورها مؤخراً في مسلسل يسخر من ضحايا هجمات قوات الأسد بالسلاح الكيماوي، أو يمكننا وصف ما حدث بأنه نتيجة سوء فهم لا تتحمل هي مسؤوليته، طالما لم تدّعِ يوماً وقوفها في الجهة التي وضعها فيها قسم من الجمهور السوري بلا دراية منها.
لأسباب غير فنية يمكن التنويه بالمستوى الفني الرديء جداً للمشاهد التي أثارت الضجة، وكأنما لا يستوي أن تأتي السخرية الوقحة من آلام الضحايا “والأطفال تحديداً” إلا بمستوى فني هابط. بل لا نغامر إذا ذهبنا أبعد من ذلك بالقول أن الهبوط الفني هو على مثال هبوط الأسدية، إذ لا يستقيم النطق باسمها من دون مجاراتها في ما آلت إليه من انحطاط.
ينطلق الذين صُدموا بسخرية الكيماوي من دوافع ذاتية نبيلة مفارقة للواقع، وبعضهم غير متطلِّب، بمعنى أنه لا يطالب أمل عرفة وأمثالها بمواقف سياسية أو أخلاقية تتعدى عدم الاستهانة بأرواح الضحايا. المشكلة في سقف التوقعات هذا مخالفته لطبيعة الأسدية، فالأخيرة لا تقبل من مواليها إلا الرضوخ والتماهي التامّين معها، بما في ذلك الاستهتار بكافة القيم الإنسانية. إن وجد تفريق بين الرضوخ والتماهي، فالأول يتخذ صفة الإرغام لدى شريحة صامتة لا حول ولا قوة لها، أما “الشريحة الناطقة” فلا يُسمح بوجودها أصلاً إلا على شاكلة الأسدية، ولو كانت الأخيرة تقبل أقل أشكال التمايز عنها لما أوصلت البلاد إلى الوضع الذي نعرفه.
لن تكون مصادفة أن تنشر أمل عرفة ما يشبه اعتذاراً عن سخرية الكيماوي، فيه من الركاكة ما يوازي دورها في المهزلة. تكتب عرفة: لو أننا كممثلين عرفنا كيف سيتم مونتاج هذه اللوحة، وربط الأحداث ببعضها سيكون على هذا الشكل، لكنا طالبنا بعدم عرضها من الأساس. إذا أخذنا هذا الكلام على علاته فنحن أمام نوع من الإنتاج الفني غير موجود سوى في مزرعة الأسد، نوع يصور فيه الممثلون أدواراً بدون دراية بالنص الذي يمثلونه والحبكة التي ستُقدّم من خلالها أدوارهم، وكأنهم مجرد قطع ميكانيكية في آلة ضخمة للإنتاج. معرفتنا بصناعة الدراما السورية، وكيف تسيطر عليها شركات إنتاج مملوكة لأثرياء السلطة، أو كيف أصبحت صناعة الدراما بديلاً عن فنون مثل السينما والمسرح، هذه المعرفة كلها لا تبيح لنا توقع ما تكشفه أمل عرفة عن التصوير بالقطعة!
تؤكد عرفة مرتين على أنها تكتب “اعتذارها” من دمشق وليس خارجها، لتؤكد على قدرتها على القول أنها لا تستهين بأوجاع الآخرين من قلب دمشق، وتلك إما شجاعة ينبغي أن تُحسب لها، أو دلالة على هامش من الديموقراطية ينبغي أن يُحسب لسلطة الأسد! لكن الأسدية تطل من خلال التأكيد كأنما لتقول أن من غادروا سوريا غادروها بمحض مزاجهم ورغباتهم، بمن فيهم زملاؤها من الفنانات والفنانين، على قلة من اتخذ منهم موقفاً معارضاً. بعد الاستهتار بضحايا الكيماوي، تستكمل عرفة في سياق اعتذارها المزعوم ما لا تستطيع أن تحيد عنه بحكم موقعها فتستهتر ضمناً بمعاناة أولئك الذين اضطروا إلى اللجوء، ليصبح نزوحهم تمثيلية تشبه ترويج أخبار “كاذبة” عن استخدام الأسد السلاح الكيماوي. إننا، في صلب مشهد التهريج الكيماوي الذي أدته، لا نجد حتى دعاية تخدم الأسد بقدر ما نجد التشفي بالضحايا، وبقدر ما يُثبت المشاركون في العمل أنهم ليسوا أقل استعداداً لارتكاب المجزرة من أولئك الذين أطلقوا الصواريخ المحملة بالكيماوي.
نفترض أن أمل عرفة كانت قادرة على الاعتذار عن المشاركة في التنكيل بضحايا الكيماوي، وأنها قبل ذلك “تجنباً لأية ضغوط” كانت قادرة على الابتعاد جغرافياً عن العصابة، ولو من باب الحفاظ على إنسانيتها بدون تسجيل أي موقف سياسي، بدل المتاجرة ببقائها لا في دمشق وإنما في ظل عصابة الحكم. لكنها بإرادتها شاءت أن تقدم لنا نموذجاً منسجماً مع ذاته عن الموالي، فكانت وفية حقاً لما نشأت عليه، بما في ذلك عدم تذكر الشعوب إلا لتقريعها في معرض المتاجرة بقضية فلسطين. قد تستنكر أمل عرفة الانتقادات الموجهة إليها، وقد تلعب دور المظلومة، بل قد يكون إحساسها صادقاً جداً طالما أنها تنظر إلى نفسها في المرآة ذاتها، مرآة الأسدية.
المدن
كونتاك: عطر امرأة/ أحمد عمر
وقع بالأمس “كونتاك” في صفحات التواصل، يعني ماس كهربائي؛ وهو تعبير غزلي معقم، وطاهر مطهّر، من المقاومة والممانعة، اخترعه إعلام النظام للغارات الإسرائيلية اللذيذة، فضرب الحبيب زبيب كهربائي. امتلأت الصفحات بشتائم “لبهيرة”، التي عادت، وحمُلت أوزاراً من زينة القوم، ولم يحمل معها الوزر من منتجي المسلسل سواها، لأنها أشهر الممثلين في المسلسل، ونسي القوم تعزيتها بمي سكاف، التي اعتبرت تعزيةً شجاعة في أرض النظام، ونسي الناس لها بطولة أخرى هي التوقيع على بيان الحليب، وهو أقصى ما يمكن أن تجترحه البطولة السورية في أرض النظام، أرض الشرّ المطلق والمسلسلات العظيمة.
“فضة” عاشقة غجرية أدت أمل عرفه شخصيتها في مسلسل سوري، وغنّت لحبيبها محسن، وصارت نجمة معروفة، يهتدي بها الشعب في ظلمات البر والبحر. المهم إنه بعد ثماني سنوات عاد كونتاك إلى حكاية استديوهات قطر وإن لم يذكر اسم قطر، فقد تطورت المعارضة، وهم بالملايين في الخيام، وأسست – وهي لا تجد الطعام – كل هذه الخبرات في التمثيل، عادت إلى قصص “الفبركة”، فسوريا الأسد مدينة فاضلة، وكل هذا الخراب والحرق والضحايا تمثيل واختلاق. إنّ هذا لشي عجاب. وكان فيلم “الخوذ البيض” الوثائقي قد نال الأوسكار، وهذا ليس مدحاً لأوسكار، لكن بهيرة ترى بعينيها الجميلتين، الموت الكيماوي تمثيلاً. “فيه أمل” كان اسم برنامج لها، وأمل لقب للرئيس ذي الطول، الذي لا يزول ولا يحول.
عادت حكاية الكاوبوي الأبيض والهنود الحمر بنسخة سورية. فالهندي هو الشرير في الفيلم الأمريكي، يخطف النساء الشقراوات، ويهاجم القوافل، ويصيح صيحات بنات آوى، متوحش، لا يعرف سوى الحرب مثلهم مثل الخوذ البيض.
” كنا عايشين”، وكان الممثلون السوريون، هم إحدى طبقات المجتمع السوري المترفة، مثل طبقة الكاشتريا الهندية، يؤدون أحسن الأدوار، الزير سالم، والشيخ جنزير قدس الله سره، وصلاح الدين الأيوبي، وأبو عصام بطل “ملحمة” باب الحارة، وعبد الرحمن الداخل، الممثل ينطق أحسن النطق، ويلفظ أحسن الكلام، وينصر الحق، و”يعبط” من الحور العين في الدنيا ما لا يعبطه الناس إلا في الجنة، إذاً هو يستحق كل هذه البطولة.
رأينا أمس سخطاً على بهيرة لم نره يلحق بدريد لحام صاحب صيحة “بدنا شوية كرامة”، الذي مثّل دور غوار وأضحكنا وأحببناه لأنه الوحيد الذي ينتقد المخابرات التي أذلّت السوريين. مرةً، شاهد كاتب السطور مقابلة مع نجمٍ سوري، وقد اصطلح لقب النجم على الممثل الذي كان أول ظهوره “مشخصاتياً”، وهو وصف فيه من الحط والازدراء والهجاء الكثير، لأنه يتكسب بالكذب، كان النجم السوري يحسد النجم الهندي، الذي تُشادُ له المعابد، ويتحول إلى ملياردير من فيلم واحد، وتحلم الجميلات بلمسة من لمساته، ويغشى عليهن من رؤيته، وهو ما لم يحدث ليوسف عليه السلام الذي أوتي شطر الحسن. السخط الذي انتشر في وسائل التواصل يقول إن الدراما التلفزيونية مؤثرة، وقد مثلت بهيرة دور أم تندب ولدها في حرب كيماوية ملفقة، الجيش السوري من إحدى أهم “الجهات المختصة”، ثيابهم بيضاء، عاشقون، يكتبون في الجبهة رسائل غرام لحبيباتهم، لا ينتعلون الشحاطات كما نسخر نحن منهم وقد أدينا الخدمة العسكرية في بيوت الضباط، وشُتمنا شتماً مهنياً، وكنا نسميها خدمة العلم، وصارت صورة الرئيس على العلم بدلاً من النجوم، الجهات المختصة ملائكة يأكلون الطعام في المواعيد، يسهرون على راحة الوطن، يدافعون عن الحدود عند الأوامر، صحيح أن إسرائيل تقوم بعمل ماسات كهربائية في الأستوديو، لإفساد صناعتنا الثقيلة وهي الدراما، وليست القنبلة النووية، ولا نرد، وما ذلك إلا لأنَّ جيشنا حليم، يلجأ إلى القانون الدولي، فيسطر شكاوى إلى الأمم المتحدة، أو أنه يلتزم بأوامر رؤسائه، فالأوامر هي الصبر، أو لأننا لن نجرُّ إلى معركة في الزمان والمكان غير المناسبين، سنختار نحن زمان الماس الكهربائي، ذات يوم.
وكان لدينا سلاح كيماوي، من أجل التوازن الاستراتيجي مع العدو، وقد ضحينا به ليس للحفاظ على كرسي الرئيس، وإنما لأنه سلاح محرم فقهياً، أو لأنه سيرد العدوان الأمريكي، وكان أوباما أرسل أساطيله وهدد بالقصف؛ فإما السلاح الكيماوي وإما الكرسي.
وقد أحصت الأمم المتحدة ما يربو عن مئة اعتداء كيماوي، مؤكد أنه ليست كلها للمعارضة، فلا يعقل أن تقع كل هذ الأسلحة غنائم في يد المعارضة، ولا يعقل أن تكون الأسلحة الكيماوية بهذا الرخص والشيوع، ثم لا يعقل أن تقصف المعارضة نفسها وشعبها حتى تستدر عطف العالم، والعطف لم يقع، ولم يجدِ، فكلما هددت الدول الغربية النظام بلعته في اليوم التالي. بهيرة تزعم في مسلسل كونتاك، والكهرباء في سورية شحيحة، أنها فبركة، مجرد بودرة ورغوة صابون، وكان يمكن أن نضحك كما ضحكنا يوم زعمت الممثلة المصرية إلهام شاهين، أن القنبلة الكيماوية عاصفة غبارية، فهي مصرية، ومكلومة، فقد طعنتها بعض شخصيات الثورة بأعز ما تفخر به المرأة في الشرق والغرب وهو الشرف، بسبب مشاهدها “الساخنة” في أفلامها، فلم تجد سبيلاً للدفاع عن شرفها سوى الوقوف مع النظام الذي كان يصون أفلامها.. وشرفها.
المهم أيها السادة الناجون من الكيماوي والبراميل، أنّ النظام أراد سورية بوجهين، صورة رائعة في التلفزيون، الصورة الرائعة: شعب طيب، غير طائفي، لا يسأل عن الطوائف أبداً، مثل وادي المسك في الحلقة الأولى، الناس تصطاف على البحر في الصيف، وأعضاء البرلمان يجتمعون ويقررون نيابة عن الشعب الذي انتخبهم في انتخابات ديمقراطية، والرئيس في كل انتخاب يدخل الغرفة السرية ” المحرّمة” وينتخب، هو الوحيد الذي يجرؤ على دخولها، و بهيرة تجهل هذا، لكنها تدرك أن المعارضة لها قدرات خيالية لم تحظ بها هوليود بإمكاناتها على تمثيل المعركة الكيماوية، وقد تعبنا ونحن نقول ونعجب من تفريق الغرب بين القتلين؛ الكيماوي والبراميل مثلاً، والبراميل أسوأ، فهي تدمر البنية البشرية والبنية الحجرية، ويحافظ السلاح الكيماوي على جسد الضحية سليماً، يمكن لأم الضحية إن نجت أن تبكي عليه، وأن تدفنه أيضاً، وقد عزَّ الدفن بعد أن هربت الأرض.
اعتذرت النجمة، ثم اختفى الاعتذار، وكان أحد تلفزيونات مصر قد بادر إلى نجدة رانيا يوسف بعد موقعة سقوط فستانها من غير غزو كما سقط الباستيل، فندب التلفزيون أكبر المذيعين لإنقاذ سمعتها، وقالت يومئذ باكية لعمرو أديب: الفستان كان له بطانة ياعمرو
افتعل عمرو أديب الدهشة، وهو ممثل جيد، وقال يؤازرها ويسعفها: هو كان ليه بطانة؟
قالت باكية: أيوا يا عمرو.. وقعت على السلم.
لكن السخرية من ضحايا الكيماوي، ليست كفستان رانيا الذي كان يمكن لها أن تقول: انا أحبُّ إغواء الرجال، وقد زعمت فضة أن المشكلة كانت في المونتاج، كأنها توحي أنها مثلت لوحة للتعاطف مع ضحايا الكيماوي لولا أن السماء امطرت خوذات بيضاء على رؤوس رجال الإطفاء، وسقطت البطانة.
لم نرَ في مشهد الكيماوي، علامات صليبية كالتي حملها قاتل مسجد نيوزيلاند على مخزن سلاحه، ولا شعارات داعش أيضاً، لكن، مؤكد أن عطر السارين سيفوح من الممثلة المحبوبة، وسيشمّه الناس طويلاً.
ومن نكد الدنيا أنّ أبطالنا جميعاً من الفنانين، لَعَمْري – نصف قرن مخابرات- إنه لأمر محزن حقاً أن نموت بالكيماوي ويعيش آخرون بالكيماوي
المدن
أمل عرفة تعتذر عن الحلقة الكيماوية.. وتؤيد حذفها
اعتذرت الممثلة السورية، أمل عرفة، عن السخرية من ضحايا الهجمات الكيماوية، خلال مسلسل “كونتاك”، الذي تؤدّي فيه دور البطولة، ويُبث عبر قناة “لنا” الفضائية السورية.
وقالت عرفة، في تعليق نشرته اليوم الخميس في حساباتها الاجتماعية، إنها تعتذر لأي سوري “فتحنا له جرحاً أو ألماً بحلقة كونتاك (..) وأكرر اعتذاري وأعيد قدم أصغر طفل سوري بسياسات الكون”. وأوضحت أنه “عند تصوير اللوحة كان المقصود بها، البعض ممن تلاعبوا في تزييف الحقائق وليس الاستهزاء لثانية من الموت أو من الفواجع التي ألمت بالكثيرين”.
وأضافت أن “الممثلين لو كانوا يعرفون كيف سيتم مونتاج اللوحة، وربط الأحداث ببعضها سيكون على هذا الشكل، لكنا طالبنا بعدم عرضها من الأساس”، لافتة إلى أنه “كان علينا أن نتروى أكثر، قبل أن نقوم بتصويرها”، وأنه “من حق كل سوري بمختلف مواقفه أن تحذف اللوحة جملة وتفصيلاً حفاظاً على مشاعره”.
وكانت الحلقة التي عرضت الثلاثاء، بعنوان “حالات خاصة”، من بطولة أمل عرفة، وحسام تحسين بك، وغادة بشور، ومحمد حداقي وآخرين، قد صوّرت الهجمات الكيماوية التي قام بها النظام السوري ضد المدنيين في مناطق مختلفة طوال سنوات الحرب في البلاد، والتي تم توثيقها من جهات متعددة بشكل لا يقبل الشك، على أنها “مسرحيات” تفبركها منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”.
وتدور الأحداث حول احتجاز “مسلحين” لركاب حافلة مدنيين واقتيادهم إلى مبنى قيد الإنشاء، ومن ثمّ قيام عناصر “الخوذ البيضاء” بتصوريهم كضحايا مجزرة كيماوي مفترضة، بينما يهددون أولئك المدنيين من أجل الصراخ والبكاء والتظاهر بالموت، خلال التظاهر بانتشال الجثث من تحت الأنقاض.
كما تناولت لوحة منفصلة في الحلقة نفسها، لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة الخاصة بالأسلحة الكيماوية في سوريا، حيث تمّ تقديم اللجنة على أنها آتية بغرض التحقيق في تصنيع الجماعات المسلحة والإرهابيين الإسلاميين لأسلحة دمار شامل، فيما يتحدث المسؤولون الرسميون على أن ذلك جزء من المؤامرة الكونية ضد سوريا.
هل من قانون للسوريين؟/ سلام الكواكبي
أصدر المُشرّع الفرنسي سنة 1990 قانوناً يُجَرّم معاداة السامية، كما معاداة الأجانب والعنصرية، وعُرف أكثر بجانبه المرتبط بمعاداة السامية ونفي وقوع المحرقة. فقد خص بالذكر من ينفي وقوع الهولوكوست، أو يُشكّك بمعاناة اليهود في أثناء الحكم النازي، الذي حمل معه مشروع “الحل النهائي” للتخلّص من مجمل يهود أوروبا، وأودى بحياة ما يُقارب ستة ملايين منهم. حمل القانون اسم من اقترحه، وكان حينذاك وزير النقل المنتمي للحزب الشيوعي، جان كلود غيسّو. ومنذ صدوره، يعتبر قانونيون كثيرون أن نصاً يحمل مثل هذه المضامين يمكن له، إن أُسيء استعماله أو تفسيره، أن يُشكل قيوداً على حرية التعبير. ويستند هذا التخوّف المشروع على إيمان مطلق بمسألة الحرية، يُميّز نسبةً لا بأس بها من العاملين في الشأن الحقوقي. واعتبر هؤلاء أن حماية حقوق التعبير، لا تتعارض مع الحفاظ على القيم الجمهورية والعلمانية والأخلاقية. إلا أن مناصري القانون، وكانوا سياسيين في غالبيتهم العظمى، ذكّروا بتاريخ فرنسا غير المشرّف فعلاً في عملية التعاون مع الحكم النازي إبّان حكم الماريشال فيليب بيتان (1940 ـ 1944)، الذي تجسّد خصوصاً باعتقال السلطات الفرنسية حينذاك اليهود الفرنسيين، وإرسالهم إلى المعتقلات النازية، ليلقوا حتفهم.
صار اللجوء إلى هذا القانون الذي يستمر العمل به، على الرغم من تشكيك حقوقيين كثيرين به، حجّة في القليل من الأحيان لانتهاكات غير ذات أهمية لحرية التعبير لدى بعضهم، ولكن تطبيقه كان محصوراً فعلاً بالنفي أو بالتشكيك. كما تم الخلط بين مسعاه ومسعى تعميم تهمة “معاداة السامية”، التي جرى ويجري استخدامها من دون رويّةٍ في كل مناسبة، إلى درجة أوقعت المسؤولين الحكوميين، وفي مقدمتهم إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية، في فخ الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
اقترح الرئيس الفرنسي قبل أسابيع تعديل القانون، ليضم إلى جانب مساءلة من ينفي وقوع
الهولوكوست، محاسبة من ينفي وقوع المجازر بحق أرمن الأناضول. وقد ترافق هذا الإعلان، الذي أثار غضب الحكومة التركية، مع ذكرى وقوع هذه المجازر في بداية القرن، التي ترفض الدولة التركية الحديثة، غير المسؤولة نظرياً عنها، التصالح مع تاريخٍ ليس ببعيد، والاعتراف بمسؤولية الدولة العثمانية التي ورثتها عن هذه المجازر التي جرى توثيقها بتفاصيلها المؤلمة. ويغيب طبعاً عن المشرّعين الغربيين، وخصوصاً في الدول التي شهد تاريخ استعمارها بعض بقاع الأرض، مجازر وانتهاكات ممنهجة عديدة، كما في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي مثلاً، أو التي شهدت حكوماتها المعاصرة على مظاهر دعم لأنظمة نفّذت المجازر بحق بعض مكوناتها، كما حال فرنسا مع المسألة الرواندية في تسعينيات القرن الماضي. كل ما سبق وسواه، لم يتم التعامل معه بالروحية نفسها التي ألزمت المشرّع بإصدار قانون غيسّو.
مناسبة هذه الإشارة التاريخية هو ما فجّرته مشاهد أنتجتها الدراما السورية أخيراً، وأثارت غضب سوريين عديدين، وفيها تهكم واضح على موتى السوريين، وتشويه للحقيقة ونفي واضح لوقوع انتهاكات ومجازر واعتداءات بالسلاح الكيميائي على المدنيين.
من الهامّ الإشارة إلى أن الدراما السورية كانت دائماً مطيّة للسلطة السياسية، لتشويه التاريخ القريب كالبعيد. كما تم استخدامها لإرسال رسائل سياسية إلى أطراف عدة. وعلى سبيل المثال، في مرحلة تحسّن العلاقات مع فرنسا، استعرضت الدراما مرحلة الانتداب بطريقةٍ أكثر من محابية. وحينما تسوء، يصبح الجندي الفرنسي أسوأ من عسس هولاكو. كما في مراجعة الحقبة العثمانية، فحين تكون العلاقات مع تركيا حسنة، ويقضي قادة البلدين إجازاتهم العائلية تناوباً لدى بعضهم البعض، كان مطلوباً من الدراما أن تقدم المرحلة العثمانية مرحلة ازدهار وثراء للمنطقة عموماً، ولسورية خصوصاً، والعكس صحيح.
إذا لا غرابة في وجود الاستخدام السياسي الرخيص للدراما، لكنه في المرحلة الحالية تخلى عن
أي لغة مواربة، وأضحت الدراما أداة في يد أجهزة أمنية متنوعة، هي مصدر فخر بعض عامليها. فالمشهد المُدان، كما العمل الذي احتواه، ليس هو إلا تتويجاً لخواء فكري وأخلاقي. ولن يتوقف الأمر عند هذا الفعل الشنيع، والذي تجسّد في التهكم على موت جزءٍ من السوريين، بل سيستمر وستستمر الأكاذيب، ما دامت فئة من الرأي العام المحلي تصدقها، وفئة كبيرة من الرأي العام العربي التي تخلّت عن اتخاذ أي موقف إنساني، والباحثة عن تبريرٍ ما، تصدّقها ايضاً نتيجة تقهقر الثقافة والمعرفة، كما الحسّ النقدي. في المقابل، ينقص الطرف الناقد أو المندّد بهذا الانفلات الأخلاقي التنظيم، والعمل بموضوعية بعيداً عن المبالغة والاختلاق اللذين يسيئان لأيّ قضية، مهما كانت عادلة.
هل سيخطُّ السوريون يوماً قانوناً لكي يدينوا، أخلاقياً على الأقل، من ينفي وقوع الفظائع، ويتهكم على الضحايا من أيّ فئة أو جهة كانوا؟ ومهما كان الطهرانيون من المشرّعين معادين لقانونٍ كهذا سيحدّ من بعض الحريات ربما، إلا أنه سيكون ضرورياً في مرحلة إعادة البناء الأخلاقي التي ربما يسعى إليها بعضهم.
العربي الجديد
سوريا: الممثلة الكيميائية والنظام البريء!
رأي القدس
في الوقت الذي تتابع فيه قوات النظام السوري والجيش الروسي هجماتها على أرياف حلب وحماه واللاذقية، وتقصف مدن محافظة إدلب بالبراميل المتفجرة ويضطر أكثر من ربع مليون شخص للنزوح نحو الحدود التركيّة، بثت قناة تلفزيونية يملكها ملياردير يعتبر الواجهة الماليّة للنظام السوري مسلسلا «كوميديا» بعنوان «كونتاك» ظهرت فيه الممثلة المعروفة أمل عرفة بدور يظهر فيه عناصر من منظمة «الخوذ البيضاء» الإسعافية يحملون كاميرات تصوير ويقومون بتمثيل مشاهد الاختناق من المواد الكيميائية ضمن فيلم يجري التحضير له ويطالبونها بحمل طفل للادعاء بأنه أصيب بالتسمم. حسب نصّ الحلقة فإن أمل عرفة ترد عليهم بأن هؤلاء الأولاد ليسوا لها وأنها غير متزوجة.
الرسائل التي أراد الكاتب والمخرج والممثلون، والنظام من ورائهم، توصيلها عديدة وأهمها أن الهجمات الكيميائية لم تحصل، وهذا أمر لا يمكن إنكاره لأن الهجوم الشهير على الغوطة بغاز السارين في 21 آب/أغسطس 2013 وقتل فيه 1429 شخصا وثقه تقرير للأمم المتحدة ودول عديدة وكذلك منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش»، ورغم اعتبار النظام مسؤوليته «ادعاءات كاذبة»، ومساندته من قبل روسيا، فإنهما لم ينكرا حصول الهجوم، ورغم اتفاق أمريكي ـ روسي على تسليم النظام ترسانته العسكرية الكيميائية، فإن الهجمات الكيميائية تكررت عام 2015 على إدلب، و2017 على بلدة خان شيخون، و2018 على دوما.
إذن، حتى لو قبلنا سرديّة النظام وروسيا في أن المعارضة السورية هي التي كانت، على مدار السنوات، تملك السلاح الكيميائي وأدوات استخدامه كالطائرات الحربية والمروحيات والصواريخ والسفن المقاتلة، وأنها قامت بقصف المناطق التي تتواجد فيها واستهدفت المدنيين الذين هم أهل وأقارب لعناصر هذه المعارضة، فإن السخرية من موت المدنيين السوريين، الذين يدّعي النظام وممثلوه «الكوميديون» أنهم مواطنوهم وأهلهم، هي دليل على انعدام الحس الإنساني، بل هي مشاركة فعليّة في إنكار موت الضحايا، والتضليل لصالح القاتل، والإسهام الفعلي في جرائم الحرب المستمرة.
أثار بث الحلقة موجة من الغضب الشديد لدى السوريين ومناصري قضيتهم فالنظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون يحاولون حالياً احتلال آخر معاقل المعارضة متابعين الأسلوب الهمجيّ نفسه في استهداف المدنيين والمشافي والمرافق العامّة، كما أنهم حاولوا، حسب مصادر المعارضة، استخدام السلاح الكيميائي مجددا في ريف اللاذقية بسبب المقاومة العنيفة التي يلاقونها هناك، ورغم بعض التصريحات الغربية، والجلسات الفاشلة لمجلس الأمن، فإن الوضع السوري لم يعد يشغل أحدا في العالم، إلى درجة أن السوريين صاروا يقارنون أنفسهم بسكان هيروشيما وناغازاكي واليهود الذين قضوا في محارق النازيّة باستثناء أنهم صاروا يؤمنون أن لا أحد في العالم مهتمّا بمصيرهم، أو راغبا في أن يدافع عنهم، فقد حوصروا تحت راية «مكافحة الإرهاب»، أو صاروا اسم علم للاجئين الذين يجب التخلّص منهم بأي طريقة.
بعد الحملة الكبيرة عليها اضطرّت الممثلة «الكوميدية» إلى تقديم ما يشبه التراجع عما قالته من دون أن تعتذر من الضحايا، ولا من عناصر منظمة «الخوذ البيضاء» الذين قضى العشرات منهم في القصف خلال محاولات إنقاذ الآخرين، إضافة إلى قيامها بتحقير مبطّن للسوريين الهاربين من الموت بأنها ما زالت في سوريا، كما لو أن الأمر خيار لمن تقصف بيوتهم وتجتاح قراهم ومدنهم.
الرسالة الأهم التي قدّمتها الممثلة هي أن النظام بريء وأن السوريين مجرمون يستحقون الموت.
القدس العربي
لسان المجتمع المتجانس/ راشد عيسى
أمل عرفة ليست وحدها في تلك المسخرة التلفزيونية عن ضحايا مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق الشرقية. المسخرة، التي اتخذت شكل لوحة كوميدية تحت عنوان “يا غافل إلك الله”، لها مؤلف، مؤلفها هو شادي كيوان. ولها معدّ ومشرف هو رانيا الجبّان. أما مخرجها فهو حسام الرنتيسي. كذلك فإن اللوحة لم تكن لتنجز لولا جهود فريق كبير من الممثلين الزملاء، محمد حداقي، حسام تحسين بيك، آمال سعد الدين، جمال العلي، حسين عباس، محمد زرزور،..
اللوحة التي تزعم أن المجزرة مزوّرة، وبالذات من قبل أصحاب “الخوذ البيضاء”، هي جزء من مسلسل “كونتاك” تنتجه شركة “إيمار الشام” التي تديرها الناقدة ديانا جبور، وهي واحدة من المجلس الاستشاري النسائي الذي شكله ديمستورا، وما زال معارضون كثر يحلفون برأسها، علماً أنها كانت مديرة للتلفزيون السوري الناطق باسم النظام، في عزّ التزوير الإعلامي على مدار سنوات الحرب، ثم مديرة مؤسسة الإنتاج التلفزيوني التابعة للنظام.
عرفة ليست وحدها، ولا كذلك جبور أو زرزور. قبل هؤلاء سخر شعراء وأدباء ومقاومون مزعومون من كل المقتلة السورية، من “الخوذ البيضاء”، ومن ضحايا الكيماوي.
إنهم جميعاً جزء من جماعة متجانسة، وتلك هي المصيبة. فالمجرم لا يستطيع أن يكون مجرماً، أو يستمر في إجرامه، لولا أن هناك حشداً من المجرمين السافرين أو المتسترين يدافعون عنه ويحمون ظهره ويقدمون له المسوغات اللازمة.
المجرم لا يستطيع أن يكون مجرماً، أو يستمر في إجرامه، لولا أن هناك حشداً من المجرمين السافرين أو المتسترين يدافعون عنه ويحمون ظهره ويقدمون له المسوغات اللازمة.
في آخر اللوحة/ المسخرة يظهر خبر يقول إن “فيلم الكيماوي” ذاك قد حاز الأوسكار. إثر الخبر تدهم أجهزة الأمن الأشخاص الذين قاموا بالتمثيلية. يقسم هؤلاء بأنهم أجبروا عليها، فيأتي جواب رجل الأمن “الآن في الفرع ستشاهدون فيلماً آخر اسمه “نجوم الظهر”.
هل بإمكان مجتمع الأسد المتجانس إنكار هذا الفيلم أيضاً!
القدس العربي