الموقف الإيراني والأزمة السورية -مقالات مختارة-
صفقة ثلاثية لإخراج إيران من سوريا/ رانيا مصطفى
يجري حديث عن عقد صفقة ثلاثية روسيةـ أميركيةـ إسرائيلية لإخراج الميليشيات الإيرانية من الأراضي السورية. تعترف بموجب الصفقة تل أبيب وواشنطن بشرعية نظام الأسد، وتقلّص واشنطن من العقوبات المفروضة على سوريا، مقابل أن تعمل روسيا على الحدّ من النفوذ الإيراني في سوريا.
الصفقة استدعت أن يُعقد لها مؤتمر أمني روسي- أميركي- إسرائيلي، الشهر الجاري، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين في الدول الثلاث. فتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا هو مطلب أمني إسرائيلي أساسي بالدرجة الأولى، ولم تتوقف الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا منذ 2012، وآخرها كان الأسبوع الماضي، ضربات في الكسوة جنوب دمشق، ومطار “تي فور” في تدمر شرقي حمص.
وسبق أن عزز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من صداقته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خاصة بعد طي صفحة حادثة إسقاط الطائرة الروسية في ريف اللاذقية. ويبدو أن نتنياهو هو عرّاب التقارب الأميركي- الروسي، والهدف وضع حدّ للتمدد الإيراني في سوريا ولبنان.
الإدارة الأميركية تريد تشديد الحصار على إيران، وقصقصة أذرعها وأدوات نفوذها في المنطقة، ضمن حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضدّ طهران وبرنامجها النووي. لكنّ خروج إيران من سوريا ليس بهذه الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة، لولا أهميته بالنسبة لإسرائيل، ولكونه مطلبا لحلفاء أميركا من العرب، إذ لا خطط أميركية واضحة بهذا الخصوص؛ فواشنطن راضية عن دور طهران المبكر والفاعل في مساندة نظام الأسد في إنهاء الثورة الشعبية، وجرّ الصراع، في سوريا والعراق، إلى المستنقع المذهبي، وتحويله كليا إلى صراع دموي، بما يكفل منع انتشار الثورات في الدول الأخرى.
وبالنسبة لروسيا، كانت إيران حليفا ميدانيا لها وللنظام، بما تقدمه من عنصر بشري عبر ميليشياتها غير السورية، العراقية واللبنانية والأفغانية، تتبع للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وحزب الله، عدا تمويلها للميليشيات المحلية، ومساعدتها اللوجستية والاستخباراتية للنظام.
وأشركت روسيا إيران في حلف أستانة مع تركيا، وعبر المصالحات تمكّنت من إحكام سيطرة النظام على 60 بالمئة بعد أن كان يسيطر على 15 بالمئة من مساحة سوريا (186 كيلومترا مربعا). وهنا تلتقي مصلحتا موسكو وطهران في الإبقاء على نظام الأسد.
لكنّ هناك تناقضا في المصالح بين الحليفين الروسي والإيراني؛ فهما غير متوافقين على ملفات خارج سوريا، كبحر قزوين، وفي سوريا بات هناك صراع وتنافس للسيطرة على الجيش وقيادة الأركان، وعلى الموارد والمرافق الاقتصادية الحيوية، وجني ثمار التدخل ودعمهما للنظام.
ترغب روسيا في تحجيم النفوذ الإيراني، لكنها أبقت على تحالفها مع طهران كورقة تفاوض لجذب الأطراف الأميركية والإسرائيلية والعربية إلى التقارب معها، واكتفت بالتغاضي عن الغارات الإسرائيلية على مواقع إيران في سوريا، وبحرب باردة للسيطرة على فرق الجيش ودوائر القرار. وبرز التنافس الروسي الإيراني في اقتتال سوري- سوري في أكثر من مكان بين فرق في الجيش النظامي تتبع لكل منهما، انتهى بريف حماة الشمالي بطرد الفرقة الرابعة والميليشيات المدعومة من إيران؛ ولم تشرك موسكو ميليشيات طهران في الحرب على إدلب، رغم صعوبتها بريا وحاجتها إلى العنصر البشري لمواجهة فصائل المعارضة المتمرسة وصاحبة الأرض.
وبرز التنافس بين الطرفين في ريف حلب الشمالي، حيث كانت روسيا قد وعدت تركيا بتسليمها تل رفعت مقابل فتح الطريقين الدوليين، لكن إيران أوقفت الصفقة لوجود نبل والزهراء الشيعيتين، كمركزين مذهبيين هامّين للنفوذ الإيراني.
بات من مصلحة روسيا إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وهنا أتت زيارة بومبيو إلى روسيا مطلع الشهر الماضي، وهناك القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين على هامش قمة العشرين، وقبل ذلك كانت خلاصة قمة هلسنكي بين الرئيسين ترامب وبوتين هي الاتفاق على تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا.
وخروج إيران من سوريا سيوقف مسلسل الغارات الإسرائيلية، وسيعطي لروسيا فرصة الحديث عن سوريا آمنة، وتصبح سيطرة موسكو على حكومة دمشق كلية، ويمكنها فرض إجراءات عليها، كالقبول بحل سياسي يشرك المعارضة في الحكم، وإصدار عفو عام، والتوقف عن الاعتقال على خلفيات سياسية، وتوفير الأرضية اللازمة لعودة اللاجئين، وبالتالي إقناع المجتمع الدولي بالمشاركة في إعادة الإعمار، وهو الهدف الأهم لروسيا.
وغير ذلك سيزيد خروج إيران من سوريا فرصة الانسحاب الأميركي من شرق سوريا، حيث تتركز الموارد الاقتصادية الأساسية، وتركه لروسيا.
لكنّ إخراج الميليشيات الإيرانية ليس بالمهمة السهلة على روسيا، لسببين: الأول تغلغلها الاجتماعي والمذهبي في الداخل السوري؛ ويبدو أن الكفة ترجح لمصلحة إيران من حيث التواجد على الأرض، عبر التمويل، فلإيران قرابة 40 جمعية مدنية تدعمها في سوريا، عدا عن نفوذها في دمشق ومنطقة السيدة زينب، وفي محيط التنف على الحدود العراقية، وفي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي. وبدا واضحا في الأيام الأخيرة تصاعد عمليات التجنيد في البوكمال والميادين شرقا، وفي إزرع جنوبا، مستغلة انشغال الروس في الشمال السوري وعجزهم عن التقدم بريا.
ولإيران قواعد عسكرية منتشرة على الأراضي السورية، أبرزها في مطار دمشق الدولي، وفي الكسوة بريف دمشق، وفي جبل عزان بريف حلب الشمالي، ومطار السين العسكري، ومطاري الـ”تي فور” والشعيرات شرقي حمص، وقاعدة إزرع في الجنوب السوري. وهي تريد من سوريا ونظام الأسد معبرا باتجاه البحر المتوسط ولبنان.
أمّا السبب الثاني فهو سياسي، يتعلق بوحدة المصير الوجودي لنظام الأسد وللتواجد الإيراني في سوريا. فالمطروح أميركيا وإسرائيليا هو القبول بالأسد مع مغادرة إيران؛ وإذا كانت روسيا قبلت بهذا الطرح، فهي لا تعي صعوبته، فأمامها حرب باردة طويلة الأمد لتعزيز سلطتها ضمن جيش النظام، وقد بدأتها بإجراء تغييرات في المراكز الأمنية الحساسة، حتى تتمكن في اللحظة الحاسمة من التخلي عن الأسد، مع بقائها متحكمة بالقرار السوري، ودون المساس بمصالحها وعقود استثماراتها، والأهم قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس.
ودون أن ننسى أن دور الخط الائتماني الإيراني وتوفير المشتقات النفطية للنظام في حمايته من السقوط، هذا عدا عن أنّ بنية النظام لا تسمح بإعادة هيكلته وإشراك المعارضة في الحكم، ما يدفع الأسد إلى الالتصاق بإيران كخيار وجودي وعدمي، وهو ما يمكن ترجمته في مقولة: الأسد، الذي تدعمه إيران، أو لا أحد.
كاتبة سورية
العرب
اجتماع القدس وبيع سورية لروسيا/ غازي دحمان
تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتحقيقه إنجازاً أمنياً لإسرائيل، عبر موافقة روسيا والولايات المتحدة على إرسال مستشاريهما للأمن القومي إلى القدس للتباحث حول قضايا الشرق الأوسط الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتقاطعة. وليس خافياً سر تفاخر نتنياهو، وتأكيده للجمهور الإسرائيلي أن هذه القضايا هي التي يجب أن يجري الاهتمام بها، وليس إعادة انتخابات الكنيست، يريد القول إنه استطاع وضع إسرائيل في منزلة القوى الكبرى التي تناقش مصائر الشرق الأوسط، وتحدّد مساراته في قادم الأيام والسنين، الأمر الذي لفت انتباه إعلام موسكو، وغمزت صحافتها من حماسة نتنياهو الزائدة، على اعتبار أن إسرائيل ليست أكثر من قناة لعقد اللقاء، وليست شريكاً في صنع القرارات التي ستصدر عنه.
وبعيداً عن مدى دقّة كلام الإعلام الروسي، ليس سراً أن المؤتمر الذي سيحضره كل من جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، ونيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، ومئير بن شابات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، سيركز، بالدرجة الأولى، على مصير سورية. وعلى الرغم من العنوان الفضفاض الذي تم الإعلان عنه، مناقشة قضايا الأمن في الشرق الأوسط، التي تتشعب لتطاول “أكثر من نصف” جدول يوميات السياسة الدولية، حسب وصف صحيفة الكرملين، فإن الأمر لا يعدو سوى عنوان فضفاض، على اعتبار أن روسيا لا تهتم كثيراً بقضية صفقة القرن التي تعتبر أهم قضايا الشرق الأوسط في هذه المرحلة، كما أن واشنطن وتل أبيب لا تبغيان من موسكو في هذه القضية سوى عدم الرفض العلني لها.
وفي البحث عن مصير سورية، يجري الحديث عن دور إيران ووجودها ونفوذها الضارب،
وفي خروج إيران من سورية مصلحة لكل سوري، كونها قامت بأعمال مدمّرة في سورية بشنها حرب إبادة معلنة ضد الأكثرية السورية، كما أنها سعت إلى إلغاء الهوية السورية لجميع السوريين، وتحويلهم إلى أتباع بهوية مذهبية وجنود في مشروعها الفارسي الطامح للسيطرة على الشرق الأوسط. ولكن ليس من مصلحة السوريين أن يتم تجيير طرد إيران من سورية لخدمة المشروع الجيوسياسي الروسي، ولا أن تصبّ فوائد إخراج إيران في أرصدة روسيا على حساب دماء مئات آلاف السوريين وآلام الملايين الذين تم تشريدهم، والذين ساهمت روسيا بحصةٍ وازنةٍ في عملية قتلهم وتشريدهم وإفقارهم!
لم توافق روسيا على هذا الاجتماع وتتحمّس له، لو لم تكن لديها تأكيداتٌ بأنها ستنال مقايضة دسمة في ما يخص وجودها في سورية، وروسيا على علمٍ بالوعود الدولية الكريمة لها في حال نجاحها في إخراج إيران، ولديها وعودٌ بتطويب سورية ملكاً لها، ومنحها رخصة تشكيل النظام السياسي والتحكّم بالحياة السياسية، بل وبإعطائها حصصاً معتبرة من عائدات عملية إعادة الإعمار في سورية، وذلك كله في مقابل الحفاظ على أمن إسرائيل. وبهذا تستبدل سورية “الأسد” وظيفتها من ممرّ للسلاح الإيراني إلى حزب الله إلى قاعدة روسية لحماية أمن إسرائيل، وكأنه مكتوبٌ على شعب سورية أن يبقى صفراً في المعادلات السياسية الإقليمية ثمناً لحكم آل الأسد.
ليست روسيا أكثر رحمة من إيران على السوريين، وتكريس وجودها في سورية ينطوي على خطر وجودي على الأكثرية؛ بالنظر إلى العداء الذي تكنه تجاههم، ولم تُحرج عن إعلانه في أكثر من مناسبة، كما لم يُخف إعلامها عداءه للسوريين، وتشويه صورتهم وملاحقتهم إلى بلاد اللجوء، والتحريض عليهم عبر وصفهم برابرة. وفضلاً عن احتكارها مصادر الثروة في سورية لعقود مقبلة، ما يعني أن السوريين طوال مرحلة إقامة روسيا في ديارهم لن يحلموا بأكثر من عيش الكفاف.
وبموازاة ذلك، ستقوي روسيا حكم الأوليغارشية لخمسين سنة مقبلة في سورية، وبما أنها في الأصل نظام مافيوي، فإنها ستعمل على دعم (وتقوية) النخب التي تشبهها، وقد بدأت بنسج
علاقات مع رجالات اقتصاد الحرب في سورية، الذين صنعوا رؤوس أموالهم من تجارة الحرب السوداء، كما أسّست طبقةً سياسية، غالبية عناصرها من الشخصيات التي أعلنت عداءها لثورة السوريين، ووقفت ضد طموحاتهم في الحرية والكرامة. وقد ينتهي بها الأمر إلى فصل الساحل السوري نهائياً، وضمه للاتحاد الروسي. وفي النهاية، روسيا دولة احتلال، وستعمل بأدوات الاحتلال واستراتيجياته في سورية.
اجتماع القدس خطير جداً بالنسبة لسورية، لأنه سيطلق ورشةً من المتغيرات، وسيشرعن الاحتلال الروسي، ويمنح عميله الأسد شرعية الحكم، وسورية مقبلة على مرحلة خطيرة في ظل معادلة مقايضة الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية الاحتلال الإيراني بالاحتلال الروسي. ولكن من قال إن روسيا، وبعد أن تأخذ شرعية من العرب والعالم بحكم سورية، وتتدفق عليها الأموال بذريعة تمويل عملية البناء، لن تسحق السوريين الذي يدورون خارج فلكها، وهم كثيرون، ويمثلون أكثر من ثلاثة أرباع السوريين؟
من حق نتنياهو أن يزهو بنفسه أمام الإسرائيليين، ما دام يشتري لهم مصالح استراتيجية يدفع ثمنها الضحايا، وتقطف إسرائيل ثمار تضحيات الشعوب العربية، أما العرب فلا عزاء لهم، ما دامت نخب الحكم البائسة تسيطر على مصائرهم.
العربي الجديد
سوريا خارج المعادلة الايرانية/ حسن فحص
يعرف الايرانيون ان الدخول الروسي على خط الازمة السورية عسكريا في صيف عام 2015 لم يكن نتيجة لمساعي قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في اقناع القيادة الروسية وخاصة الرئيس فلاديمير بوتن باهمية هذا التدخل استراتيجياً، بل يمكن القول انه جاء نتيجة لمسار سياسي طويل تبلور منذ بداية الازمة السورية عام 2011 من خلال استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الامن لتعطيل كل القرارات الدولية التي اقترحتها العواصم الكبرى والمجموعة العربية حول هذه الازمة، وبالتالي مهدت الارضية لتخاطب العالم من بوابة مصالحها الاستراتيجية في هذا البلد.
الجانب الروسي، لم يمارس الخداع مع الحليف الايراني في الازمة السورية حول رؤيته لابعاد واهداف تدخله، الاستراتيجية منها والامنية والعسكرية وحتى في مستقبل العمل على تقاسم النفوذ وتوزيع الحصص بعد الانتهاء من الجانب الامني ووضع الازمة السورية على سكة الحل السياسي.
ولعل النقطة الاهم او الهاجس الابرز الذي توقف عنده الجانب الروسي في مفاوضاته مع القيادة الايرانية، ما يتعلق بالموضوع الاسرائيلي ومستقبل الوجود الايراني وحليفه حزب الله على الارض السورية ومدى تأثيره على أمن وإستقرار تل ابيب ومصالحها الاستراتيجية ومخاوفها من تحويل مناطق الجنوب السوري ومرتفعات الجولان الى نقطة إرتكاز لقوات حرس الثورة وعناصر حزب الله على طول هذه الحدود وبالتالي تحويلها الى نقطة ارتكاز لاي عمل عسكري في المستقبل في حال نشوب اي مواجهة بين الطرفين.
الموقف الروسي كان واضحا، وقد قام موفدو الكرملين الى لبنان ولقاءاتهم بقيادات حزب الله وحتى الامين العام حسن نصرالله بتوضيح هذا الموقف من دون مواربة او مراعاة، من خلال التأكيد على “تحالف مصالح” بين روسيا وايران وحزب الله في الابقاء على النظام والحفاظ على وحدة الاراضي السورية وعدم اشتراط رحيل الرئيس بشار الاسد من الرئاسة الا من خلال انتخابات تجري بعد اقرار دستور جديد وانتهاء ولايته الحالية. والتفاهم على رعاية المصالح الاسترتيجية لكل طرف من دون التداخل او التصادم.
في المقابل، فان القيادة الروسية التي اتفقت مع طهران وحزب الله على حماية النظام ومنع سقوطه، عملت على طمأنة الجانب الاسرائيلي الذي أبدى مستوى عالياً من القلق بسبب تزايد النفوذ الايراني وانتشار عناصر الحزب على طول الجبهة الاسرائيلية والعمق السوري، الامر الذي يسمح له بتحويل هذا الانتشار الى عامل تهديد لتل ابيب في حال اندلاع اي مواجهة بين اسرائيل والحزب. وكان السقف الذي وضعته موسكو للاعمال العسكرية الاسرائيلية في الاراضي السورية يتلخص في عدم السماح لتل ابيب بأي عمل عسكري قد يؤدي الى قلب المعادلة في الداخل السوري من خلال استهداف رأس النظام (الاسد) او ضربة عسكرية تستهدف العمود الفقري للقوات المسلحة للنظام تساعد على إنهياره.
وقد اثبتت هذه الاستراتيجية الروسية في التعامل مع الانتشار الايراني وحلفائه في سوريا مصداقية لدى الاسرائيلي الذي عمل على إستهداف هذا الانتشار وقواعده من دون اعتراض روسي، باستثناء ما حدث في إسقاط طائرة الاستطلاع الذي تسبب في حصول توتر في العلاقة بين الجانبين بسبب عدم التزام تل ابيب بقواعد التنسيق بينهما، وسمح لموسكو بغض الطرف عن ردة الفعل السورية – الايرانية التي ترجمتها الصواريخ التي سقطت على مراكز اسرائيلية في هضبة الجولان وإسقاط مقاتلة اسرائيلية باستخدام منظومة S 200. وكان الهدف من ذلك اعادة الجانب الاسرائيلي للالتزام بالاطار الذي حددته التفاهمات السابقة للتعاون والتنسيق.
موسكو لا تخفي قلقها ورفضها لأي حرب قد تندلع في الجنوب السوري وتمتد الى الجنوب اللبناني بين حزب الله واسرائيل، وهي تعتقد بان أي حرب قادمة ستشهد هجرة معاكسة اسرائيلية الى الخارج، ما يعني امكانية عودة الملايين من اليهود الروس الى بلادهم الاصلية، اضافة الى ان الثقل الروسي في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية على مستوى الجنود والضباط المقاتلين يبدو كبيرا، لذلك تعتبر نفسها معنية بعدم سقوط خسائر بشرية بين ابناء المكون الروسي في المجتمع الاسرائيلي، وعليه فانها أبلغت كل الاطراف المعنية بإلتزامها الكامل بالامن الاسرائيلي وعدم وقوع مواجهات عسكرية على الاقل من داخل الاراضي السورية.
اضافة الى هذه المعطيات، فان موسكو ترى ان الساحة السورية قد تشكل مساحة اشتباك او مساحة تفاهم مع الادارة الامريكية، خصوصا في ما يتعلق بالبعد الاستراتيجي للوجود الروسي في سوريا، اضافة الى إمكانية التفاهم مع واشنطن على مستقبل سوريا وإستخدامها كمنطلق لتفاهمات أوسع على ساحات اخرى تبدأ من القرم ولا تنتهي في فنزويلا.
اذا ما كانت موسكو تبذل جهوداً لقطع الطريق على وصول الامور بين طهران وواشنطن الى مرحلة المواجهة العسكرية، فان هذه الجهود تترافق ايضا مع اخرى تبذلها موسكو من أجل تحييد الساحة السورية خصوصا، لانه في حال استطاعت طهران تحويل الساحة السورية الى منصة لتوجيه ضربات الى إسرائيل في اطار ردها على أي عملية عسكرية ضدها، فان هذا يعني خسارة روسيا لهذه الساحة وعدم قدرتها على ضبط حدود النفوذ وتقاسمه بينها وبين طهران، وهو ما لا تريده او ترغب به، لانه يعيد خلط اوراقها ليست فقط في الحوار مع واشنطن حول الشرق الاوسط، بل سيطال ايضا الملفات الاخرى التي تشكل نقاط تماس بينهما.
من هنا، يبدو ان المصلحة الروسية الدفع باتجاه حصول تفاهم بين طهران وواشنطن والعودة الى مسار الحل السياسي والتفاوض لحل الازمة بينهما، وان تلعب موسكو دوراً ايجابياً في هذا الاطار من خلال تسهيل التواصل والتوصل الى حلول وسطية بحيث لا تشعر طهران بالهزيمة ولا واشنطن بالتنازل، بما يحفظ لها دورها في المنطقة وسوريا ولا يزعزع المستوى الذي وصلت اليها العلاقة بينها وبين طهران ونظام المصالح الذي يربط بينهما.
ولعل المصلحة الروسية الأبرز في هذا السياق، العمل على تحييد الساحة السورية عن تداعيات أي مواجهة بين طهران وحلفائها من جهة وواشنطن وحليفها الاسرائيلي من جهة اخرى، ما يعني ان موسكو ستبذل جهوداً كبيرة وواسعة من اجل قطع الطريق على تحويل الاراضي السورية الى جبهة عسكرية وبالتالي اخراجها من معادلة الرد والردع الايراني. واذا ما استطاعت موسكو من فرض هذه المعادلة، وفي حال اشتعال الحرب، تكون طهران قد خسرت امكانية تهديد الامن الاسرائيلي، وهي إحدى اهم الاوراق الايرانية التي تشكل مصدر قلق لواشنطن.
المدن
إيران خارج سوريا: الصفقة المقبلة/ محمد قواص
فجأة يُعلَن عن اجتماع أمني أميركي روسي إسرائيلي رفيع المستوى يبحث في مستقبل الوجود الإيراني في سوريا. فجأة يُكشف عن ورشة كبرى تفتح ملف التسوية السورية من بوابة النفوذ الإيراني في هذا البلد. فجأة بدا أن أحد مفاتيح الحلّ للأزمة الراهنة بين إيران والولايات المتحدة يكمن عمليا في تحقيق تقدم على طريق ضبط وتقليص حضور طهران داخل الساحة السورية.
بدت التسريبات حول مقايضة مقبلة همسا يؤسس لخارطة طريق يخطها أصحاب الشأن من أجل تحقيق مصالح تتقاطع في هذه اللحظة النادرة. ولئن تُرسمُ تلك الخارطة باجتماع يضم روسا وأميركيين في ضيافة إسرائيليين أواخر هذا الشهر، فذلك أن قماشة تلك الورشة تقوم على حرص موسكو وواشنطن على وضع استراتيجية عمادها الأول حماية إسرائيل.
بات الأمر معلنا في واشنطن كما في موسكو. الاجتماع سيعقد في القدس الغربية، يضم رؤساء مجلس الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ونظيريه الروسي نيكولاي باتروشيف والإسرائيلي مئير بن شبات. وأن يحضر بولتون، الذي يقود التيار الصقوري المعادي لإيران داخل الإدارة الأميركية هذا الاجتماع مشاركا في وضع ما يراد له من ترتيبات في سوريا، فذلك يعني أن شرط تقييد نفوذ إيران في المنطقة، وفي سوريا خصوصا، بات قيد الإعداد والترتيب، بالشراكة الكاملة مع روسيا المفترض أنها حليف استراتيجي لدمشق.
الإعلان عن اجتماع كان بالإمكان، بسبب طابعه الأمني، أن يبقى طي الكتمان، هدفه إبلاغ طهران بشكل مباشر وجلي، أن العالم، بما في ذلك حليفها، ذاهب بجدية للتعامل مع السلوك الشاذ لإيران في العالم. ولئن تحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، صاحب الشروط الـ12 الشهيرة، قبل أيام، عن استعداد بلاده للتفاوض مع طهران “دون شروط مسبقة” إذا ما قررت إيران أن تكون “دولة عادية”، فذلك أن نفوذ إيران خارج حدودها بات متقادما بعد أربعة عقود من حكم بمنطق الثورة بما يتناقض مع منطق الدولة.
أمر تلك الورشة الثلاثية يقلق إيران. أولا لأن الأمر يأتي تنفيذا لتفاهمات جرت على مستوى الرئيسين، الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي، دونالد ترامب، خلال اجتماعهما الشهير في هلسنكي (يوليو 2018). وثانيا لأن عنوان وقاعدة وأعمدة هذا الاجتماع تتأسس على كيفية العمل على ضمان أمن إسرائيل، بما يخصّب الاجتماع بجدية مستوحاة مما أبداه الروس والأميركيون، على الرغم من خلافاتهما الكبرى في ملفات دولية أخرى، من حرص على عدم التهاون بما من شأنه تهديد إسرائيل وما تراه من ضرورات لحماية أمنها.
لا تستجيب موسكو وواشنطن لمزاج عربي لطالما كرر المطالبة بخروج إيران من سوريا، بل لمزاج إسرائيل، وهنا قلق طهران.
يتأسس ذلك القلق على حقيقة أن روسيا لم تقارب الوضع السوري بالنسخة التي بدأت عسكريا (سبتمبر 2015) إلا بعد تفاهمات جرت بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. صحيح أن الجنرال قاسم سليماني هو من أبلغ موسكو بخطورة ما يتهدد نظام دمشق مناشدا الروس التدخل، وفق ما بات معروفا، إلا أن بوتين الذي التقط تلك اللحظة الدراماتيكية التي يعاني منها تحالف دمشق- طهران، لم يلتق آنذاك بنظيره الأميركي باراك أوباما في نيويورك لأخذ “بركة” واشنطن لخططه في سوريا، إلا بعدما نال مسعاه “بركة” إسرائيل قبل ذلك.
تراقب طهران الورشة الأميركية الروسية الإسرائيلية هذه الأيام، وهي التي راقبت بألم ذلك التواطؤ الروسي العلني الذي وفّر بيئة حاضنة للعمليات العسكرية الإسرائيلية، التي لا تنتهي، ضد مواقع إيران وميليشياتها في سوريا، كما ضد مواقع لنظام دمشق، كلما ارتأت تل أبيب أنها تمثل خطرا على أمن إسرائيل. لم توقف موسكو تلك الرعاية على الرغم من الأزمة الخطيرة في أعقاب حادثة إسقاط طائرة عسكرية روسية (سبتمبر 2018) بسبب مناورة خاطئة قامت بها المقاتلات الإسرائيلية في سماء السواحل السورية.
ضبط النفوذ الإيراني في سوريا هو مطلب إسرائيلي بامتياز، لكنه أيضا مطلب عربي، لطالما عبرت عنه منابر خليجية، سعودية خصوصا، كشرط من شروط الانخراط في ورشة التسوية السورية. والمطلب أميركي أوروبي أيضا قبل البدء في تعامل العالم الغربي مع مفردات انتهاء الحرب والشروع بعمليات إعادة الإعمار. لكن الأدهى أن ذلك المطلب هو روسي لم توار موسكو الجهر به كمقدمة لإنجاح المسعى الروسي في رعاية تسوية سياسية تحظى بدعم عربي وإقليمي ودولي.
في مايو من العام الماضي وفي أعقاب محادثات أجراها بوتين مع بشار الأسد في سوتشي، قال الرئيس الروسي “إننا ننطلق من أن الانتصارات الملموسة ونجاح الجيش السوري في محاربة الإرهاب وانطلاق المرحلة النشطة من العملية السياسية سيليها بدء انسحاب القوات المسلحة الأجنبية من الأراضي السورية”.
ولمن لم يفهم هذه الرسالة أوعز بوتين إلى مبعوثه إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، أن يعطي تفسيرات لمن لم يستطع أن يقرأها جيدا. قال الأخير إن المقصود هو القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله والقوات التركية والأميركية. قرأت إيران ذلك جيدا، ولاحظت كيف أن بوتين قد وضع وجودها، المفروض أنه شرعي بموجب اتفاق مع نظام دمشق، في نفس السلة مع وجود قوى أخرى، يفترض أن وجودها غير شرعي ولا يمر عبر البوابات الدمشقية.
ورغم رسائل بوتين الواضحة، إلا أنه لا يريد التفريط بالورقة الإيرانية مجانا. لوّح بشكل عام بضرورة خروج إيران ونفوذها، لكنه عاد لاحقا (أكتوبر 2018) ليؤكد أن بلاده “ليست مسؤولة عن إخراج القوات الإيرانية من سوريا”. فهم أولي الأمر أن روسيا لن تنخرط في جهد علني مباشر ضد الحضور الإيراني في سوريا دون أن يحصل بوتين بالمقابل على ما يطالب به في ملفات أخرى.
تسريبات الاجتماع الثلاثي الأميركي الروسي الإسرائيلي تحدثت عن خارطة طريق يتم من خلالها تعامل الغرب مع المقاربة الروسية لمستقبل سوريا، بما في ذلك التعامل مع نظام دمشق وفق صيغة للحل تكون المعارضة جزءا منها، والانخراط بالجهد المالي المطلوب لإعادة الإعمار، مقابل أن تقوم روسيا بالإشراف على عملية تؤدي إلى ضبط الوجود الإيراني من سوريا.
وعلى الرغم من أنه لم يتمّ الإفصاح عن حجم هذا الضبط، وما إذا كان يعني خروجا للنفوذ الإيراني من البلد، إلا أن العرض الذي تقدمه واشنطن يكسر محرما ويفصح عن استراتيجية أميركية – أوروبية عمادها الاعتراف بالدور الروسي في المستقبل السوري، وهو أمر لا يمكن إلا أن يرسم ابتسامة انتصار على وجه زعيم الكرملين.
ينفي الكرملين ما يشاع عن هذه المقايضة. بالمقابل ينقل عن مسؤول في البيت الأبيض في هذا الصدد أن “لا مستقبل للأسد في سوريا ولن يكون شريكا لإعادة إعمار يستفيد منها نظامه”. ومن الآن وحتى عقد اجتماع القدس الثلاثي ستكثر المواقف الممهدة للصفقة المتوخاة.
هل تملك موسكو القدرة على ضبط نفوذ إيران في سوريا؟ نعم، وتحركاتها في سوريا ضد تشكيلات العسكر والأمن الموالية لطهران باتت حديثا يوميا هناك. لكن السؤال هل تريد موسكو ذلك؟ الأمر تقرره طبيعة الصفقة المقبلة وما ستناله روسيا بالمقابل. وإذا ما قررت موسكو مباشرة ورشة ضبط إيران في سوريا، فيجب ألا ننسى أن بوتين ليس وحده وهو يستفيد جدا من ضغوط واشنطن- التي يعاندها العالم- ضد إيران، وأنه قد يحصد في الحقل السوري ثمار ما تواطأ العالم على فلاحته.
صحافي وكاتب سياسي لبناني
العرب
«الحرس الثوري ليس جمعية خيرية».. هكذا يسدد الأسد فاتورة حرب إيران لصالحه؟/ أحمد طلب
لا يخفى على أحد الدور الإيراني في سوريا خلال السنوات الماضية منذ بداية الحرب وحتى الآن، هذا الدور الذي لعبته طهران من أجل بقاء الأسد كانت كلفته باهظة وربما على حساب المواطن الإيراني نفسه، لكن بعد أن هدأت الأوضاع وبات هناك شبه استقرار في سوريا، يسعى الإيرانيون لتحصيل فاتورة هذه الحرب على عدة اتجاهات، تضمن من خلالها تحقيق فوائد اقتصادية ليس الآن فقط، ولكن على المدى الطويل.
ونحاول خلال هذا التقرير الوصول إلى أرقام تقريبه للفاتورة التي يدفعها الأسد الآن لمصلحة إيران، وذلك عن طريق مناقشة أبرز ما حصلت عليه إيران من مكاسب اقتصادية وعقود مستقبلية تستحوذ بها على كثير من ثروات السوريين، بعيدًا عن أنها الشريك التجاري الأول لسوريا، وتعد دمشق سوقًا كبيرة للمنتجات الإيرانية منذ وقت مبكر في الحرب عندما تم العمل باتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وذلك في أبريل (نيسان) 2012.
كم أنفقت إيران على الحرب في سوريا؟
يمكن مناقشة الإنفاق الإيراني في سوريا خلال سنوات الحرب على جانبين، الجانب الأول هو القروض والمساعدات المالية التي حصل عليها الأسد، والجانب الثاني هو الإنفاق العسكري الإيراني من خلال التدخل المباشر أو الدعم لقوات الأسد، وأما الأول فهو معلوم إلى حدٍ كبير، بينما الثاني تتباين التقديرات حوله، وهو بالفعل أمر يصعب تقديره في ظل طول مدة الحرب والتوغل الإيراني الكبير في الداخل السوري.
بنسبة كبيرة يعود صمود النظام المالي في سوريا و عدم الانهيار التام، إلى ما قدمته إيران من قروض منذ اندلاع الحرب، وحتى الآن، إذ تشير التقديرات إلى أن طهران قدمت أكثر من 7 مليارات دولار إلى سوريا، بينما تشير تقديرات للأمم المتحدة، إلى أن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنويًا، أي أنه في حال انتظام هذا الإنفاق قد تتجاوز التكلفة مستوى الـ40 مليار دولار منذ بداية الحرب وحتى الآن.
إلا أن الباحث في الشأن السوري، نديم شحادة، قدر ما تحملته إيران خلال 2012 و 2013 بما بين 14 إلى 15 مليار دولار، بعد أن فقدت حكومة بشار الأسد جميع إيراداتها، هذا التقدير الذي قاله شحادة لموقع «بي بي سي» الفارسي، ذكر أنه مبني على الأدلة التي تؤكد دخول العديد من المجموعات الممولة من قبل الحرس الثوري الإيراني من بينها مجموعات من العراق وأفغانستان، لكنه يؤكد أن معرفة إنفاق إيران في سنوات ما بعد 2013 صعب جدًا.
ويرى مناف قومان، الكاتب والباحث السوري، الحاصل على ماجستير الاقتصاد السياسي، أن فاتورة إيران في تدخلها العسكري في سوريا، غير معروفة، لكن بغض النظر عن الكلفة، فالموارد التي حصلت عليها في قطاعات الطاقة والاتصالات والزراعة والتجارة والصناعة والخدمات كفيلة بالحصول على إيرادات كبيرة، فلا توجد دولة تعطي عقودًا واتفاقات لدولة أخرى بالطريقة والسخاء الذي يقدمه الأسد لإيران.
ويؤكد قومان خلال حديثه لـ«ساسة بوست»، «إن كل ما حصلت (إيران) عليه مهم، وإن كان ولا بد من المفاضلة فأعتقد أن شراء الأصول المالية من عقارات وأراضٍ بأذرع محلية تتبع لها، يحمل بعدًا خطيرًا على المدى البعيد، فالعقود بصيغها يمكن العمل على تفنيدها ومواجهة إيران بها في المستقبل، ربما يتم إبطال العقد أو تعديل بنوده أو وضع عراقيل تحول دون استفادة إيران من المورد».
وتابع: «أما بالنسبة لتلك الأصول فقد عمدت إيران إلى امتلاك آلاف الهكتارات والعقارات وغيرها عن طريق إيرانيين تم تجنيسهم بالجنسية السورية أو سوريين تابعين لإيران، أعتقد أن هذا الأمر له بعد خطير في التغيير الديمغرافي ومحاولة لتثبيت نفوذها في سورية مهما حدث».
المواني والفوسفات والكهرباء.. إلى أين وصلت سيطرة إيران على دمشق؟
وبعيدًا عن الإنفاق الإيراني، فالسؤال الأهم الآن هو عما حصلت عليه إيران فعلا حتى الآن، ووفق ما هو معلن فإن العقود التي وقعتها إيران مع نظام الأسد حتى الآن، وصلت إلى معظم قطاعات الاقتصاد، بداية من قطاع الطاقة، مرورًا بالقطاع المالي، بالإضافة إلى القطاعات الصناعية والتجارية والعقارية والنقل، وصولاً إلى قطاع الاتصالات، ناهيك عن الاتفاق على إنشاء بنك مشترك بين البلدين مقرة دمشق، وهو ما يشير إلى علاقات مصرفية قوية.
ذكرنا أن إيران هي الشريك التجاري لسوريا، لكن هذا ليس جديدًا، الجديد هو العقد الذي أقره مجلس الشعب السوري، في يونيو (حزيران) 2018، والموقع بين الحكومة السورية وإيران بشأن الاستفادة والاستثمار في مناجم الفوسفات في تدمر، وقد أصبح قانونا بمدة عقد تبلغ 50 عامًا، بينما تسعى إيران لإتمام خطتها بشأن خط سكك حديد يمتد من طهران حتى دمشق، وقد أعلنت خلال الأشهر القليلة الماضية أنها استأنفت خطتها لإنشاء خط سككٍ حديدية يمتد من طهران إلى دمشق، مرورًا بالعراق.
على الجانب الآخر، قررت الحكومة السورية تأجير ميناء ساحلها الغربي في اللاذقية، بدايةً من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019، استجابةً لطلب إيراني رسمي، بينما تشير توقعات إلى أن إيران تقترب من الحصول على حق إدارة ميناء بانياس السوري، وهو ما يعني سيطرة كبيرة لإيران وستتمكن من خلالها من إدارة اثنين من المواني على المتوسط من أصل ثلاثة مواني فقط في سوريا هي: اللاذقية، بانياس، طرطوس.
أيضًا فقد وقعت إيران عدة اتفاقيات تعاون خلال الأشهر القليلة الماضية، ومُنِح الإيرانيون بموجبها حق استخدام 50 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الزراعية، وحق الانتفاع بمناجم الفوسفات في جنوب تدمر، وحق التحكم في تراخيص مشغلي الهواتف المحمولة، بالإضافة إلى أن إيران خلال السنوات الماضية هي التي توفر أغلب احتياجات سوريا من الغاز والنفط، كل ما ذكرناه من هذه الاتفاقات تدر مليارات على إيران، ولكن هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟
إعمار سوريا.. باب طهران الخلفي لتحصيل فاتورة الحرب
بالطبع لن تقف العلاقة الاقتصادية الإيرانية في سوريا عن هذا الحد، فبالرغم من الحجم الضخم للصفقات الموقعة بين إيران والأسد، يظل ملف الإعمار بمثابة الباب الخلفي لتحصيل الفاتورة الحقيقية للحرب، ففي خطوة وصفتها دمشق بالتاريخية، وقعت سوريا وإيران، اتفاقًا حول التعاون الاقتصادي الاستراتيجي بعيد الأمد بين البلدين، وذلك في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.
الاتفاق يجعل الأولوية في إعمار سوريا للشركات الإيرانية، وتم من خلاله إبرام تسعة مذكرات تفاهم في مجالات عدة بينها سكك الحديد وبناء المنازل والاستثمار ومكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، بالإضافة إلى التعليم والثقافة، وكذلك توقيع عقود لإصلاح عدة محطات كهربائية في البلاد، بينما تؤكد طهران على أن «الشركات الإيرانية مستعدة للتعاون اقتصاديًا مع سوريا خلال مرحلة إعادة الإعمار».
لكن يعتقد قومان أن عقود إعادة الإعمار الإيرانية الموقعة مع الأسد مؤجلة بظرف سياسي يحتم على أطراف الصراع حل عقده، ولن يكون لإيران قسمة في هذا الجانب في ظل العقوبات واسعة الطيف المفروضة على النظام لمنعه ومنع من يساعده في إعادة الإعمار.
وأضاف: «أما على الصعيد الصناعي فإيران تعاني من أزمات وعقوبات وهو بلد نامٍ غير قادر على النهوض بصناعة خارج حدوده، أما عقود الطاقة فهناك تنافس محتدم مع روسيا في هذا القطاع، وفي التجارة فالتبادل التجاري بين البلدين قبل الثورة حمل أرقامًا خجولة على الرغم من التقارب السياسي والعسكري الكبير، واستمر كذلك الأمر بعد الثورة».
العقوبات الأمريكية والسيطرة الروسية.. عوامل قد تقوض مكاسب إيران
ربما هدأت الصراعات العسكرية لكن هذا الهدوء أشعل صراع المصالح الاقتصادية، فروسيا لا تريد التفريط في أي سنت قد تحصل عليه من سوريا وهو ما يضر بالمصالح الإيرانية، التي تجد شريكًا أكثر جاهزيه منها في العمل في سوريا، وذلك في ظل الضغط الكبير التي تعيشه البلاد بسبب العقوبات الأمريكية.
ختامًا يؤكد قومان أن مشروع الهيمنة الإيراني على الاقتصاد السوري سيكون في مأمن فقط إذا قادت الهندسة الروسية لسوريا عسكريًا وسياسيًا، إلى حل يضمن بقاء الأسد، ومع ذلك فإن إيران ستواجه منافسة كبيرة من روسيا، كما أن أي حل سياسي لا يوافق المجتمع الدولي عليه سيبقي سوريا معزولة دوليًا ومحرومة من الأموال والعائدات، وهذا ما يفرغ حصص إيران الاقتصادية من مضمونها.
أما لو تمخضت الأحداث عن الذهاب إلى حلول سياسية تبعد الأسد عن السلطة فستكون إيران بمواجهة المعارضة الرافضة لها جملة وتفصيلًا إذ سيتم وضع عراقيل تشريعية وتنفيذية لإلغاء عقودها أو للتخفيف من أضرارها على الاقتصاد السوري بالحد الأدنى.
ساسة بوست