تداعيات النزاع الخليجي – الخليجي في سوريا/ حسن النيفي
مرةً أخرى، تُطرحُ مسألة الحضور العربي (الخليجي) في القضية السورية، وتحت شعارات قد لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، إلّا أن هذه الشعارات أو الذرائع لم تكن يوماً ما، هي الوازع الحقيقي لنفوذ دول الخليج في سوريا. لقد لاقت الثورة السورية إبان انطلاقتها في آذار 2011، دعماً إعلامياً خليجياً كبيراً، سرعان ما تطور إلى دعم مالي ولوجستي، ثم تحوّل إلى إمداد عسكري بالسلاح والمال، حين دخلت الثورة في طورها المسلّح، ثم انتهى هذا التدخّل إلى التحكّم في إنشاء البنى والكيانات السياسية والعسكرية، إذ صدر في العام 2012 تفويض عربي وغربي لقطر بتشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وفي موازاة ذلك تم إنشاء كيانات عسكرية كبيرة على الأرض السورية، كجيش الإسلام في الغوطة، برعاية ودعم سعودي، وكذلك فيلق الرحمن في ذات المنطقة، ولكن بدعم ورعاية قطرية، بالإضافة إلى العديد من التشكيلات العسكرية الأخرى، ذات الميول السلفية، بدعم من بعض الرجالات و الهيئات الكويتية، وبعيداً عن التفاصيل الهائلة لتداعيات النفوذ الخليجي عسكرياً ومالياً على الأرض السورية، فإن جميع أشكال هذا الدعم كانت تتم بمباركة أمريكية، طالما أن واشنطن استمرّت حتى نهاية العام 2017 ، في تقديم الدعم لبعض الفصائل، فضلاً عن أشكال أخرى من الدعم كانت تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لبعض المنظمات العاملة في الشأن السوري.
وغنيٌّ عن البيان، أن ما يريده الخليجيون من سوريا، ليس هو ما يريده السوريون، ولئن جسّدت الثورة السورية رغبة عارمة بالتغيير أو الانتقال من الحكم الاستبدادي إلى دولة القانون والديمقراطية، فإن ما هو مؤكد أن أيّا من دول الخليج لم تكن معنية بتسلط آل الأسد على مدى عقود من الزمن، ما لم نقل أن نظام الأسد، الأب والابن، حظيا بدعم ومباركة لم يتعكّر صفوها، على الرغم من الفجوة بين السعودية ونظام الأسد عام 2006، على خلفية حرب حزب الله مع إسرائيل، وعلى إثر وصف بشار الأسد لبعض قادة الخليج بعبارة (أنصاف الرجال)، إذ سرعان ما تم تلافي (سوء الفهم) ليعود الأسد طفلاً مرعياًّ من السعودية.
انطلاقة الحراك الثوري السوري ضد نظام الأسد، ضمن سياق ثورات الربيع العربي، وحيازة هذا الحراك على تعاطف غربي أمريكي، على المستوى الإعلامي، واليقين الذي تسرّب إلى أذهان الأكثرية آنذاك، باقتراب زوال الأسد من السلطة، كما زال نظام بن علي في تونس ، وحسني مبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، كل ذلك كان حافزاً لدول الخليج للتدخل في سوريا، بل كان فرصة مناسبة لقطع الطريق أمام الخطر الإيراني الزاحف، والمؤرق للخليجيين، الذين يهمهم جداً أن يسهموا في هندسة شكل التغيير الذي سيحصل في سوريا، ولم يكن هذا الأمر يثير كثيراً حساسية السوريين المتلهفين إلى الخلاص من نظام الأسد بأية طريقة كانت.
إلّا أن التفاهمات الدولية، وبالتحديد بين واشنطن وموسكو، التي أفضت إلى تفويض الروس عسكرياً وميدانياً في سوريا، كما أفضت إلى زوال مسألة الإطاحة بنظام الأسد عن أولويات المجتمع الدولي، جعلت – آلياً – الموقف الخليجي يستدير هو الآخر، فكان مؤتمر الرياض 2 ، في شهر نوفمبر 2017 ، تحت رعاية المملكة العربية السعودية، وقد أتاح المؤتمر المذكور بدخول منصتي موسكو والقاهرة إلى هيئة المفاوضات، وبموازاة ذلك تم التخلّي السعودي القطري عن جيش الإسلام وفيلق الرحمن اللذين تم ترحيلهما إبان اجتياح الغوطة إلى الشمال السوري.
اليوم مطلوب من دول الخليج التدخل من جديد في سوريا، ولكن بطرق وأهداف جديدة، وكما كان التدخّل في بداية الثورة محكوماً بالتوجهات العامة لواشنطن، وليس نابعاً من مصلحة قومية أو حاجة خليجية وطنية، أو دافع حقيقي لمساعدة السوريين للإطاحة بنظام الأسد، فكذلك – اليوم – نشهد حضوراً سعودياً في مناطق شرق الفرات، تجسّد بالزيارة التي قام بها ثامر السبهان، وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية، بتاريخ 14 – 6 – 2019 ، بصحبة معاون وزير الخارجية الأمريكي، إلى محافظة دير الزور، حيث التقيا في حقل العمر النفطي ممثلين عن عشائر عربية، ورئيس المجلس المحلي بدير الزور، وجدير بالذكر أن هذه الزيارة قد سبقتها زيارات سابقة لثامر السبهان نفسه إلى ريف الرقة الشمالي في شهر تشرين الأول 2017 ، وكذلك الزيارة التي قام بها عسكريون من السعودية والإمارات والأردن في أيار 2018، زاروا خلالها قاعدة عسكرية في مدينة كوباني شمال شرق سوريا.
ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية من السعودية هو الضغط على العشائر العربية في دير الزور لانتزاع حساسية المكوّن العربي تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ، مقابل دعم مالي وخدماتي وشراء ولاءات بعض رؤوس العشائر، خاصة أن الفترة السابقة شهدت درجة عالية من التوتر بين قوات قسد وسكان المنطقة، إذ تدرك واشنطن أن تجسير الهوّة بين سلطة الأمر الواقع وسكان تلك المنطقة بات صعباً، ولا بدّ من البحث عن عوامل تجسير أخرى، وليس صحيحاً القول بأن هدف واشنطن من وراء إشراك السعودية هو إيجاد مكوّن أو حليف جديد يكون بديلاً عن قسد.
لعله من الواضح أن واشنطن لا تخفي ما تريد إعطاءه، وما تريد أن تأخذه، إذ إن حاجتها إلى قوات قسد – كحليف تنفيذي – مازالت قائمة، بل إن كل ما تقوله أمريكا بصدد السعي حول عدم عودة داعش، أو محاربة النفوذ الإيراني في شرق سوريا، أو الاستمرار في وضع اليد على شرق البلاد، وعدم السماح للروس بالاستفراد بالتسوية السياسية في سوريا، هو في غاية الوضوح، وكذلك لا تخفي واشنطن رغبتها وسعيها في الحفاظ – ميدانياً وسياسياً – على القوة والنفوذ الذي يمتلكه حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة، بل تسعى لشرعنة هذا النفوذ من خلال مطالبتها بإشراك قسد في المفاوضات التي تجري بين المعارضة السورية ونظام الأسد، من خلال إيجاد منصة ربما تكون شبيهة بمنصتي موسكو والقاهرة، يشاطرها في هذا المسعى رغبة أوربية، وخاصة من جهة فرنسا، التي تبذل جهداً واضحاً لإجراء مصالحة كردية – كردية، بين حزب الاتحاد الديمقراطي من جهة، وبين المجلس الوطني الكردي من جهة أخرى، بل إنها ربطت استمرار دعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي بنجاح تلك المصالحة.
لعلّ الأمر الذي لا تريد قوله واشنطن على العلن، وفي الوقت ذاته يلقى قبولاً، بل ترحيباً سعودياً وإماراتياً معاً، هو أن الحضور العربي – الخليجي – في شرق الفرات، قد يسهم في قطع الطريق على التدخل التركي الرافض لنفوذ قسد، في تلك المنطقة، وهو ما يعطي الأمريكان ورقة ضغط إضافية على أنقرة، قد ترغمها على القبول بمفاوضة قسد.
توظيف الولايات المتحدة الأمريكية للنزاع القطري – الخليجي، واستثمار هذا النزاع لخدمة مصالحها في سوريا، هو الذي يحدّد سمات وأهداف الحضور الخليجي في شرق سوريا، وليس المصالح الخليجية، أما المصلحة الوطنية السورية، فهي بمنأى عن أولويات الطرفين معاً.
تلفزيون سوريا