سوريا: حراك دبلوماسي وجمود سياسي وحرب في إدلب/ رانيا مصطفى
يجري حراك سياسي ودبلوماسي للدول المعنية بالحل في سوريا، في محاولات لعقد صفقات أو حصول تقارب حول بعض الملفات الجزئية، دون حسم أي منها، بانتظار الاتفاق على حل سياسي شامل للأزمة السورية، والذي بدوره يشكل ملفا ضمن جملة من الملفات الكبرى العالقة تتخذها الدول المعنية أوراقا للمساومة، بانتظار الوصول إلى لحظة تبادلها؛ فيما تمرير الوقت ينسكب نارا وقتلا وتدميرا ونزوحا على رؤوس ساكني محافظة إدلب وريف حماة الشمالي، وتصاعدا في أعداد القتلى من ميليشيات النظام ومقاتلي المعارضة على حدّ سواء.
تعمل الولايات المتحدة على ترتيب وضع شرق الفرات، قبل أن تحسم أمرها بخصوص الرحيل من سوريا؛ إذ تبحث عن آلية لإنشاء المنطقة الأمنية، بما يهدّئ من مخاوف تركيا بخصوص تواجد “وحدات الحماية” الكردية، وفي الوقت نفسه تريد واشنطن إيجاد صيغة لدمج الوحدات والمكون العربي لقوات سوريا الديمقراطية، إضافة إلى عشائر عربية، والبحث عن كيفية تقريبها من المعارضة السياسية في تركيا، وإشراكها في هيئة التفاوض. لكن واشنطن تماطل في مسألة المنطقة الأمنية، وفي تطبيق اتفاق منبج مع أنقرة، وإخراج وحدات الحماية منها، لتشكيل ضغوط على تركيا، لانتزاعها من الحضن الروسي، لاسيما أنها مضت في صفقة أس400- مع موسكو.
ويبدو أن الولايات المتحدة تميل إلى أن تكون لشرق الفرات إدارة ذاتية، تتبع سياسيا لحكم مركزي في دمشق، لكن لها استقلالها الاقتصادي؛ هذا ما تظهره السياسة الأميركية بالاستمرار في دعم قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك مباحثات جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، مع وزراء دفاع دول التحالف الدولي، التي اجتمعت في بروكسل منذ أيام، وتضم السعودية والإمارات والأردن، فقد حثّ جيفري دول الحلفاء على المساهمة في تمويل إعادة إعمار العراق وشرقي الفرات، لتحقيق الاستقرار وضمان عدم عودة تنظيم داعش.
وتريد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل من روسيا التعاون على إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وجرى اجتماع أمني لرؤساء الأمن القومي في الدول الثلاث في القدس لهذه الغاية؛ فإسرائيل معنيّة بترتيب سوري لا يهدّد أمنها، وهي مستمرّة بقصف المراكز العسكرية الإيرانية في سوريا، بموافقة روسية. فيما واشنطن تريد تقليص التواجد الإيراني في سوريا، في خطوة لتشديد الخناق على إيران، بالتوازي مع فرض حصار اقتصادي خانق عليها، وفي جوّ مشحون بالتوتر مع إيران، تشترك فيه دول خليجية، على وقع طبول الحرب معها، وذلك ضمن سياق تشكيل ضغوط لإجبار طهران على المضي في اتفاق نووي جديد.
أما روسيا، فمصالحها الاستراتيجية في سوريا تختلف عن مصالح إيران، وهناك تنافس على الاستثمارات، وعلى فرق الجيش، وكان تحالف الطرفين ميدانيا في السابق، وما يزالان حليفين في “أستانة”، إضافة إلى تركيا؛ فيما ترفض إيران مشاركة ميليشياتها في معارك ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، بعد أن طردتها موسكو من سهل الغاب القريب من محيط قاعدة حميميم في اللاذقية، وتكتفي ميليشيات إيران بالمشاركة على محور الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي.
لكن روسيا قادرة على التعايش مع التواجد الإيراني في سوريا، خاصة أن لها الغلبة مع تصاعد التهديدات التي تتعرّض لها طهران. لذلك هي تُبقي الورقة الإيرانية للمساومة على ملفات أكثر أهمية بالنسبة لها، مثل ملف شرق الفرات، الذي تريد موسكو عودته إلى سيطرة قوات الحكومة السورية، والعودة إلى العمل باتفاقية أضنة مع تركيا، مع بعض التعديلات حول عمق المنطقة العازلة؛ فمنطقة الجزيرة السورية هامّة لروسيا كونها تضم 90 بالمئة من النفط ونصف الغاز السوريين، إضافة إلى الثروات الزراعية.
مع ذلك، سبق أن أبدت روسيا استعدادها للعمل على تقليص التواجد الإيراني، حين جرى تنسيق مع دول عربية لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية، والبدء بتمويل إعادة الإعمار، لولا أن واشنطن أوقفت هذه المساعي.
يجري تعويل كبير على لقاء ترامب وبوتين على هامش قمة أوساكا اليابانية، ضمن سلسلة اجتماعات مجموعة العشرين، التي تجري حاليا، من أجل حصول تقارب حول الحل في سوريا، خاصة بعد انعقاد اجتماع القدس الثلاثي الأمني. ففي حين طلب ترامب من بوتين، منذ قمة هلسنكي الثنائية بين الرئيسين منتصف يوليو 2018، العمل على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، ألغي اللقاء الثنائي على هامش قمة العشرين في الأرجنتين، ثم عاد التقارب بعد زيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، برفقة جون بولتون، مستشار الأمن القومي، إلى روسيا ولقائه بوتين، بعد التصعيد الأميركي الأخير ضد إيران.
تلوّح الولايات المتحدة بورقة قانون قيصر، الذي وافق عليه الكونغرس وينتظر توقيع ترامب، وبقوانين أخرى لخنق النظام اقتصاديا، كما إيران؛ ورغم أن واشنطن مهتمة بتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، وتقول بالعودة إلى جنيف والقرار 2254، لكنها غير مهتمة بتغيير النظام، إلا من باب الضغط على روسيا. وروسيا وضعت كل رهاناتها على بقاء النظام، وليس لديها رؤية للحل خارج هذا الإطار، وهو ما أكده بوتين بالقول “أميركا لا تعلم ما سيحصل إذا رحل الأسد”. فيما تعوّل روسيا في اجتماع القدس الأمني على التأييد الإسرائيلي لهذه الفكرة، وقدرتها على إقناع واشنطن بالإبقاء على نظام الأسد ورفع العقوبات، والبدء في إعادة الإعمار، مقابل إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا.
وفي ظل المصالح المتعارضة والصفقات غير المنجزة بين الدول المعنية بالحل السوري، يبقى ملف إدلب ورقة مساومة دموية اللون؛ إذ تورّطت روسيا بدفع النظام لشن هجوم على المحافظة بغطاء جوي روسي دون القدرة على التقدم رغم التغييرات العسكرية التي تجريها موسكو على فرق الجيش. وتراجعها إلى اتفاق سوتشي للمنطقة منزوعة السلاح يعني تقديم تنازل كبير لتركيا والاعتراف بدور للمعارضة، وتوسيع دائرة القصف الجوي ليشمل كامل المنطقة، سيعني كارثة نزوح كبيرة تستدعي تدخلات أوروبية وتركية حقيقة لوقفها، فيما تتلكأ تركيا بحسم ملف الجهادية وتربطه باعتراف روسيا بدور للمعارضة، وبملف تل رفعت في ريف حلب.
وبالنتيجة، يسود العملية السياسية السورية جمود كبير، يتمثل في بطء تشكيل اللجنة الدستورية والذي يتولاه غير بيدرسون، المبعوث الدولي إلى سوريا، حيث يستمر الخلاف على أعضاء الفريق الثالث، فيما لم يتم تحديد مهام هذه اللجنة، وترتيب دورها في العملية السياسية.
كاتبة سورية
العرب