أبحاث

هل يمكن طرد نظام الأسد من الأمم المتحدة؟/ فراس حاج يحي

مرّ أكثر من 8 سنوات على انطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا، التي دمر فيها نظام الأسد الحجر والبشر، في ظل أرقام مرعبة عن القتلى والجرحى، ودمار هائل في البنى التحتية. هي كارثة تخطت حدود سوريا لتكون الكارثة الإنسانية الأكبر في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

وفي ظل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل الأسد والتي وثقتها وتوثقها مئات المنظمات الحقوقية الدولية وغير الحكومية، ألحّ سوريون على المطالبة برفع الشرعية عن هذا النظام في تظاهراتهم وهتافاتهم وبياناتهم.

مطالبات لاقت في السنوات الأولى للثورة بعض الحماسة من مجموعة أصدقاء الشعب السوري، ودعماً من المنظمات الإقليمية ابتداءً بالبرلمان العربي الذي علق عضوية سوريا فيه بتاريخ 20 أيلول/ سبتمبر عام 2011. تبع ذلك تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية اعتباراً من 16 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011، ولحقت بهما منظمة التعاون الإسلامي وعلقت عضوية سوريا في آب/ أغسطس 2012. وتبع ذلك الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية كممثل للشعب السوري من قبل جامعة الدول العربية بقرار مجلس الجامعة على المستوى الوزاري الصادر بتاريخ 12/11/2012 برقم /7572/ والذي ينص على “حث المنظمات الإقليمية والدولية على الاعتراف بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ممثلاً شرعياً لتطلعات الشعب السوري وتوثيق التواصل مع هذا الائتلاف باعتباره الممثل الشرعي والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية.

وبعد قرار جامعة الدول العربية توقع كثر من السوريين أن المجموعة العربية، ومجموعة أصدقاء الشعب السوري ستدفعان باتجاه رفع الشرعية عن حكومة الأسد في الأمم المتحدة. وهذا لو أنه حدث عام 2012 وقبل ظهور التنظيمات الإسلامية المتطرفة في سوريا، لكان غير الكثير من الحقائق والوقائع في القضية السورية. وربما كان ذلك كفيلاً بإنهاء نظام الأسد سياسياً مع ما كان يشهده من هزيمة عسكرية على الأرض، وحتى الآن لم يحصل نزع الشرعية هذا، ما سمح لنظام الأسد بالاستمرار في تدمير سوريا وقتل المدنيين وتهجير المواطنين. وسمح لممثله في الأمم المتحدة بشار الجعفري بتقديم عروض واستعراضات مسرحية متكررة في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن عبر مشاهد استفزازية وخطب دونكيشوتية كلامية نشهدها من حين إلى آخر، بينه وبين مندوبي دول أخرى مثل تركيا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

وهذا يدفعنا إلى سؤالين ضرورين، الأول: هل فعلاً دول مجموعة أصدقاء الشعب السوري صادقة بدعمها لمطالب السوريين وجادة في دعواتها للانتقال السياسي في سوريا؟ والثاني: ما هي الآلية القانونية التي يمكن اتباعها لتعليق عضوية نظام الأسد أو طرده من الأمم المتحدة؟

مكاسب النظام من استمرار عضويته

بلا شك شغل نظام الأسد مقعد سوريا في الأمم المتحدة يشكل ميزة كبيرة، وله قيمة رمزية لقوته في مواجهة المعارضة، ويسمح له بالحفاظ على الشعور بالشرعية الدولية بصفته الحكومة المعترف بها، إضافة إلى مزايا أخرى، مثل نشر خطابه ووجهة نظره للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ووفودها، ووسائل إعلامها والرد المباشر على المناقشات والقرارات المتعلقة بسوريا. ويسمح له بالضغط على الأمانة العامة للأمم المتحدة والدول الأعضاء على حد سواء، ويحصن ما تتخذه هذه الحكومة من قوانين وتشريعات واتفاقيات، ويكسبها الصفة الشرعية مثل الاستعانة بقوات وميليشيات أجنبية في حربها ضد الشعب السوري، أو منح روسيا وإيران عقود استثمار للموانئ والثروات الباطنية، من دون أن تتمكن المعارضة السورية من التذرع بفقدان هذه الحكومة للشرعية، وبالتالي تقييد قدرتها على أبطال هذه الاتفاقات ومفاعيلها المستقبلية.

طرائق الاعتراض الممكنة

نظرياً هناك طرائق يمكن اتباعها، لكنها كلها مرهونة بجدية المجتمع الدولي برفع الغطاء الشرعي عن حكومة الأسد، وتحتاج إلى خطة عمل قانونية ودبلوماسية محكمة تقودها المعارضة السورية، وحلفاؤها للوصول إلى ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه الطرائق بموجب ميثاقها هي:

1-  تعليق حق النظام السوري بالمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ويشمل تعليق حضور وفود وممثلي حكومة الأسد في اجتماعاتها مع حقها بالاحتفاظ ببعثة دائمة فيها، وتلقي وارسال الوثائق والحضور فيها. ويحصل ذلك بموجب توصية من مجلس الأمن عند اتخاذ تدابير وقائية أو عقوبات ضد سوريا، وبإمكان الجمعية العامة بعدها وفقاً للمادتين 5 و18 من ميثاقها التصويت بأغلبية الثلثين لتعليق هذا الحق.

2-  طرد النظام السوري من الأمم المتحدة، ما يعني إنهاء فعاليته كدولة عضو بالأمم المتحدة، وبالتالي عدم قدرته على المشاركة في أي جهاز من أجهزة الأمم المتحدة، باستثناء مجلس الأمن. ولن تكون بعثته قادرة على دخول مبنى الأمم المتحدة إلا بمرافقة دولة عضو أخرى، ويمكن لهذا أن يحصل في حال وجود توصية من مجلس الأمن بالطرد على أساس أن سوريا انتهكت باستمرار مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. بعدها يتوجب على الجمعية العامة الموافقة على هذا الطرد بالتصويت بأغلبية الثلثين وفقاً للمادتين 6 و18 من ميثاقها. وفي الطريقتين السابقتين عملياً نجد أن الوصول إليهما، أمر شبه مستحيل في ظل وجود روسيا حليفة النظام عضواً دائماً في مجلس الأمن، واستخدامها حق النقض الفيتو أكثر من 7 مرات ضد أي مشروع قرار تجاه نظام الأسد وبالتالي لن تسمح بتمرير هكذا توصيات من مجلس الأمن.

3- رفض أوراق اعتماد النظام السوري بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يعني أن النظام السوري لن يعود قادراً على شغل مقعده في فيها، وفي أجهزتها الا في مجلس الأمن. ويتم ذلك وفق مبدأ الاتحاد من أجل السلام، ولكي ينجح يجب اعتماده بقرار من طريق التصويت بالأغلبية البسيطة 50+1. ومثل هكذا قرار ستسعى روسيا ونظام الأسد حتماً إلى وقفه عبر مذكرة عدم اتخاذ أي إجراء قبل التصويت، وهذا يعني احتمال فشل القرار في حال نجحت روسيا والأسد في الحصول على غالبية بسيطة 50+1 لإنهاء القرار. وفي حال عدم نجاحهما يمكن تحويل التصويت الى سؤال مهم، عندها سيحتاج القرار لاعتماده إلى أغلبية الثلثين من الأصوات ليصار إلى تبنيه. وهذه الطريقة على رغم قابليتها للتطبيق نظرياً، إلا أنها تحتاج إلى تأييد واسع من عدد كبير من الدول لهذا القرار. وهذا غير ممكن حالياً في ظل تراجع التأييد الدولي للمعارضة السورية والخلافات البينية الكبيرة بين المعارضات ذاتها وبين الدول الرئيسية الداعمة لها، وعدم وجود رغبة دولية حقيقية لعزل النظام السوري دولياً، وبخاصة أن دولاً كثيرة باتت تعتبره شريكاً وجزءاً من الحل في سوريا.

4-  تحدي صدقية أوراق اعتماد النظام السوري في الأمم المتحدة وهذا التحرك يمكن القيام به بسبل عدة:

تقديم المعارضة السورية أوراق اعتمادها المنافسة للنظام السوري في الأمم المتحدة عبر رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تعرض فيها طلبها بمنافسة أوراق اعتماد النظام. وإذا أحال الأمين العام أوراق اعتماد المعارضة الى لجنة الوثائق، فهذا يوجب على اللجنة مراجعة أوراق اعتماد النظام السوري.

اعتراض أحد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على أوراق الاعتماد للنظام السوري في أي جلسة انعقاد للجمعية العامة. وهذا الاعتراض يجبر لجنة وثائق الاعتماد على مراجعة أوراق اعتماد النظام السوري تحديداً، ووضع الوفد السوري في وضع موقت. ويبقى هذا الوضع الموقت حتى تقرر الجمعية العامة خلاف ذلك، عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات للجمعية العامة للأمم المتحدة.

أن يشكك عضو واحد أو أكثر من أعضاء لجنة وثائق الاعتماد في الأمم المتحدة بصدقية أوراق اعتماد النظام السوري، ما يجبر اللجنة على مراجعتها.

في حالة تحقق أي من السبل الثلاثة السابقة، يمكن أن تقترح أي دولة عضو في الأمم المتحدة رفض أو تعديل تقرير لجنة وثائق الاعتماد الذي يوصي باستمرار الوضع الراهن (استمرار شغل النظام السوري للمقعد). وهنا يمكن اتخاذ قرار من الجمعية العامة تحت بند الاتحاد من أجل السلام لمنع النظام من شغر مقعد في الأمم المتحدة، إضافة إلى تدابير أخرى. ومثل هذا القرار سيتطلب الحصول على أغلبية الثلثين في التصويت.

وفي حال سلكت المعارضة السورية وسيلة تحدي صدقية أوراق اعتماد النظام (وهذا هو الطريق الأمثل في الحالة السورية) وراجعت لجنة وثائق الاعتماد ملف النظام وملف المعارضة، سيكون أمام اللجنة اتخاذ أحد القرارات التالية:

    قبول أوراق اعتماد النظام السوري ورفض أوراق اعتماد المعارضة.

    تأجيل اتخاذ القرار وإعطاء مقعد موقت للنظام السوري.

    قبول أوراق الاعتماد الخاصة بالمعارضة ورفض تلك الخاصة بالنظام.

    تأجيل اتخاذ القرار وإعطاء مقعد موقت للمعارضة السورية.

    تأجيل اتخاذ القرار وطرد النظام السوري في هذه الأثناء.

المؤكد أن ما تم عرضه في المقال ليس طريقاً سهلاً معبداً بالورود لنزع شرعية نظام الأسد دولياً، إنما معركة حقيقية ديبلوماسياً وقانونياً وسياسياً تأخرت المعارضة السورية كثيراً في إطلاقها. وفي هذا تفريط أو تقصير على أقل تقدير قد يستوجب محاسبة مستقبلية لمن تصدر المشهد السياسي، والمواقع القيادية لهذه المعارضة في العمل على سحب شرعية الأسد دولياً، من دون أن نتناسى مسؤولية المجتمع الدولي ومجموعة دول أصدقاء الشعب السوري في وضع حد لهذا النظام، ووقف المذبحة التي تعرض لها السوريون. وذلك نتيجة تقصير هذه الدول في أداء واجبها في حفظ الأمن والسلم الدوليين وحماية المدنيين في سوريا. ومع ذلك، الوقت ما زال متاحاً للقيام بهذه الخطوة في حال توافر الإرادة السياسية لدى قوى المعارضة السورية وحلفائها من الدول، مع ما تشهده سوريا من حالة اللاسلم واللاحرب حالياً، ووقوع البلاد تحت احتلالات متعددة، حالة قد تستمر لسنوات طويلة في ضوء المصالح الإقليمية المتضاربة في الشرق الأوسط، وتعنت نظام الأسد وروسيا وإيران في بدء عملية الانتقال السياسي. وقد يجد المجتمع الدولي نفسه مجبراً على الذهاب باتجاه هذه الخطوة التي لن تكون سهلة، وبخاصة في ظل هواجس دول عدة، من سابقة دولية قد تضر بدول أخرى أعضاء في الأمم المتحدة.

تبقى الكرة في ملعب المعارضة السورية لإدراك مسؤولياتها الوطنية، وواجباتها تجاه السوريين، إذ عليها في حال قررت سلك هذا الطريق إقناع لجنة وثائق الاعتماد أنها ممثل حقيقي للشعب السوري، ومنتخب ديموقراطياً، وأنها تسيطر على أراضٍ متجاورة. وهذا يضع هذه المعارضة أمام ضرورة توحيد القوى الفعلية الموجودة على الأرض في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد في شمال سوريا وشمال شرقها وشرقها، في جسم معارض واحد، وإجراء انتخابات ديموقراطية في هذه المناطق، تخرج فيها قيادة منتخبة تقود عملية سياسية لهذه القضية، عبر بناء دعم حقيقي لها داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة بمساندة من المجموعة العربية والمجموعة الإسلامية. وقبلها من الدول الحليفة للمعارضة، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، لتبني هذا التحرك والقيام بضغط مباشر لأجل ذلك.

أخيراً، هل فعلاً هناك أصدقاء للشعب السوري؟ وهل هناك فعلاً قوى معارضة سورية لنظام الأسد؟ إذا كان الجواب نعم، إذاً لماذا لم نشهد تحركاً لنزع الشرعية الدولية عن نظام الأسد حتى الآن؟

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى