سياسة

كي تكون اللجنة دستورية/ ميشيل كيلو

في لقاء أنقرة الذي جمعه، يوم 16 سبتمبر/ أيلول، مع الرئيسين الإيراني روحاني والروسي بوتين، أعلن الرئيس التركي أردوغان أنه تم الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية (السورية)، وصار باستطاعتها مباشرة عملها.

بعد نحو عامين من مماطلة روسية/ أسدية، تم أخيرا بلوغ هذه النتيجة التي يشك سوريون كثيرون في أهليتها لبدء العمل، لأسبابٍ تتصل بالتطورات الميدانية التي تواكبها، واحتمال حسم الأوضاع في إدلب ومحيطها، بالافادة من موقف جبهة النصرة بمسمّياتها المختلفة، وما تبنّته من سياساتٍ أسدية عبرت عن نفسها بشعار “النصرة إلى آخر سوري”، وبتمسّكها بتنظيمها وسيطرته على إدلب، على الرغم من عجزها الفاضح عن حمايتها، وتخليها، من دون قتال، عن بعض مناطقها، ووجود قرار دولي بالتخلص منها بوصفها تنظيما إرهابيا، أصر بوتين، في لقاء أنقرة، على تنفيذه، وأعلن أن وجود جبهة النصرة يعتبر مصدر قلق لروسيا، بينما أعلن أردوغان الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية التي ستبدأ عملها في أجواء التعهد الروسي بشن حرب يستعيد فيها الأسد إدلب أو مناطق واسعة حولها. لذلك يمكن القول إن هيئة التفاوض ستذهب إليه، وهي في حال غير مسبوقة من الضعف، فكأن التلازم بين المعركتين، العسكرية والدستورية، مقصودٌ ومبيّت، بما أن نجاح التفاوض يتوقف على قوة الأطراف المنخرطة فيه، والهيئة لن تجد ما تستند إليه من قوة، في حال شنت روسيا هجومها الجديد، أو واصلت جهودها لمنع تطبيق القرارات الدولية، وخصوصا منها الداعمة مطالب السوريين في التغيير الديمقراطي، علما أنها ستحاول ترجمة النتائج العسكرية، المترتبة على ما أحرزه جيشها من غلبة ميدانية، إلى حل دستوري يثبت رئاسة ربيبها بشار الأسد، ويحافظ على نظامه في أقرب الصور إلى وضعه الحالي.

سيجعل الوضع القائم مهمة الهيئة صعبة، فبينما تقول القرارات الدولية بالانتقال الديمقراطي مرجعية للحل السياسي، يقاتل الروس والإيرانيون لمنع اعتماده تفاوضيا، لأن ذلك سيطيح الأسدية ونظامها، ويرجح أن ينجح سعيهم، لافتقار الهيئة إلى قوة الضغط الضرورية لإقرار الانتقال الديمقراطي في الدستور، وانتقال مركز ثقل الصراع على المنطقة إلى الخليج، حيث يُرجح أن لا تسمح واشنطن بتهديد مصالحها، بينما تتأزم العلاقات التركية الأميركية بسبب منطقة شرق الفرات التي أعلن أردوغان أن أميركا إما أن توافق، خلال خمسة عشر يوما، على انفراد جيشه بالإشراف عليها، أو تعاون مع روسيا وإيران.

ستضعف هاتان الأزمتان الاهتمامين، الأميركي والتركي، باللجنة الدستورية، والدعم المفترض لهيئة التفاوض. وفي المقابل، يرجح أن تضغط روسيا لإنهاء عملها في أقرب وقت، بقبول الحل الذي تريده، لوضع واشنطن أمام أمر واقع، وتحويل الحل إلى أداة ضغط على وجودها العسكري في منطقة شرق الفرات، بالتعاون مع تركيا.

بتلازم هذه التطورات مع الإعلان عن إقرار اللجنة الدستورية، سيغدو الانتقال الديمقراطي كمرجعية للحل السياسي محل صراع تفاوضي بالغ الصعوبة، وستواجه هيئة التفاوض ضغوطا ستكون بدائلها أشد سوءا منها، وستفرض نتائج الحرب نتائج التفاوض، ما لم يقدّم السوريون، حيثما وجدوا، دعما ملموسا، شعبيا وسلميا، لها، ويعزّزوه بمذكراتٍ رسمية، ترسلها الدول المناصرة لحقوقهم، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى مبعوث الأمم المتحدة، بيدرسون، وأمين عام الأمم المتحدة، مساندة لتنفيذ القرارات الدولية المؤيدة لحقهم في بناء نظام ديمقراطي/ تعدّدي.

سيحدّد الدستور نمط الحل السياسي في سورية، وهوية الدولة القادمة ونظامها، وبالتالي هوية المنتصر والمهزوم، ونمط التسويات المحتملة بينهما، إن كان هناك تسويات. لذلك، يجب مواكبة مفاوضات “اللجنة” بأعلى قدر من التصميم والوحدة، لمنع الالتفاف على القرارات الدولية، وضمان مشاركة فاعلة للأمم المتحدة في إقرار دستور ديمقراطي، ثم انتخاب رئيس، اختياره آخر خطوة في إجرائيات الحل التي إما أن يفيها السوريون حقها من الاهتمام، أو أن تكون تتويجا نهائيا لهزيمتهم.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى