مقالات وتحليلات مختارة تناولت تشكيل اللجنة الدستورية
الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية السورية
يشرفني أن أشير إلى قرار مجلس الأمن 2254 للعام 2015، وكذلك إلى ملاحظاتي للصحافة في 23 أيلول/سبتمبر، بشأن الجمهورية العربية السورية، وأن أوجه انتباهكم إلى “الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة دستورية ذات مصداقية، متوازنة وشاملة للجميع، بقيادة وملكية سورية وبتيسر من الأمم المتحدة في جنيف”، وقد وافقت على الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية حكومة الجمهورية العربية السورية ولجنة المفاوضات السورية بتيسير من مبعوثي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن.
انطوان غوتيريش
المرفق:
الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة دستورية ذات مصداقية، متوازنة وشاملة للجميع، بقيادة وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة في جنيف.
1 – إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، إذ يتصرف وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئه ومقاصده وكل ما اتخذه مجلس الأمن بشأن سوريا من قرارات ذات صلة واستناداً إلى الالتزام القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها؛
2 – وتنفيذاً منه للولاية المسندة إليه بموجب قرار مجلس الأمن 2254/2015، بما في ذلك تسهيل المفاوضات السورية-السورية، ومنها وضع مسار دستوري لصياغ دستور جديد تجري، استنادا إليه، انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لذلك القرار؛ ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية لسوريا؛
3 – وإذ يذكر بالمبادئ الاثني عشر الحية السورية-السورية الأساسية التي أفرزها مسار جنيف؛
4 – وتفعيلاً للبيان الختامي لمؤتمر سوتشي كإسهام في مسار جنيف، بدعم من الدول الداعية لمؤتمر سوتشي؛
5 – وإذ يؤكد أهمية أن يدفع المسار السياسي الأشمل نحو بناء الثق وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254/2015؛
6 – يتطلع إلى دعوة وتسهيل لجنة دستورية ذات مصداقية، متوازنة وشاملة، بقيادة وملكية سورية، للاجتماع في جنيف، بتاري 30 تشرين الأول/أكتوبر 2019، تحت رعاية الأمم المتحدة، تعمل وفقا للاختصاصات وعناصر اللائحة الداخلية الأساسية التالية:
المادة 1 : الولاية
7 – تقوم اللجنة الدستورية، في سياق مسار جنيف الميسر من طرف الأمم المتحدة، بإعداد وصياغة إصلاح دستوري يطرح للموافقة العمومية، كإسهام في التسوية السياسية في سوريا وفي تطبيق قرار مجلس الأمن 2254/2015. ويقوم الإصلاح الدستوري من بين أمور أخرى بتجسيد المبادئ الاثني عشر الحية السورية-السورية الأساسية نصاً وروحاً في الدستور السوري والممارسات الدستورية السورية.
8 – للجن الدستوري أن تراجع دستور 2012 بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد.
المادة 2 : التشكيل والهيكل
9 – للجنة الدستورية هيئتان مصغرة وموسعة.
10 – تضم الهيئة الموسعة 150 رجلاً وامرأة: 50 مرشحاً من طرف الحكومة؛ 50 مرشحاً من طرف هيئة المفاوضات السورية؛ و50 مرشحاً من المجتمع المدني.
11 – تضم الهيئة المصغرة للجنة الدستورية 45 رجلاً وامرأة: 15 مرشحاً من بين مرشحي الحكومة الخمسين؛ 15 مرشحاً من بين مرشحي هيئة المفاوضات السورية الخمسين؛ و15 من بين مرشحي المجتمع المدني الخمسين.
12 – تقوم الهيئة المصغرة بإعداد وصياغ المقترحات الدستورية وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها. ويمكن عقد الهيئة الموسعة بشكل دوري أو مواز في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة المصغرة أعمالها، وذلك لمناقشة وإقرار المقترحات.
المادة 3 : اتخاذ القرارات
13 – ينبغي أن يحكم عمل اللجنة الدستورية التوافق والانخراط البناء بغية تحقيق الاتفاق العام لأعضائها الأمر الذي سيمكن مخرجاتها من التمتع بأوسع قبول ممكن من طرف الشعب السوري، وتحقيقا لهذا الغرض، تمارس اللجنة، بهيئتيها المصغرة والموسعة، عملها وتعتمد قراراتها بالتوافق كلما أمكن وإلا فبتصويت 75 في المائة على الأقل من الأعضاء في الهيئة المعنية (أي 113 عضواً حاضراً ومدلياً بصوته في الهيئة الموسعة، و34 عضواً حاضراً ومدلياً بصوته في الهيئة المصغرة). وتكون نسبة الـ75 في المائة نسبة ثابتة.
المادة 4 : الرئاسة
14 – تتمتع اللجنة الدستورية بترتيب متوازن لرئاستها مع رئيسين مشتركين أحدهما مرشح من قبل حكومة سوريا والآخر من قبل هيئة المفاوضات السورية.
15 – يعمل الرئيسان بالتوافق في رئاستهما للهيئتين الموسعة والمصغرة.
16 – يمارس الرئيسان، بالتوافق، الصلاحيات الضروري لضمان احترام اللائحة الداخلية والسير المنتظم للجنة الدستورية. ويمكن أن تشمل وظائفهما:
– رئاسة وإدارة الاجتماعات والدورات؛
– اقتراح وضمان احترام اللائحة الداخلية؛
– تسهيل واقتراح جدول أعمال وخطط عمل تمكن من تناول كل المسائل ولا تجعل تناول مسألة ما متوقفاً على الاتفاق حول مسائل أخرى؛
– تسجيل المتحدثين ودعوتهم لإلقاء مداخلاتهم؛
– تعزيز مشارك المرأة؛
– تلقي واقتراح أفكار حول عمل اللجنة اذا ما اقتضت الحاجة؛
– التنسيق مع المبعوث الخاص لضمان أن يكون تيسيره متاحاً لضمان قيامهم بمهامهم.
المادة 5 : التيسير
17 – يقوم المبعوث الخاص بتيسير عمل اللجنة الدستورية بقيادة وملكية سورية، بما في ذلك من خلال مساعدة الرئيسين المشتركين للتوصل إلى توافق وتقريب وجهات النظر بين الأعضاء من خلال بذل مساعيه الحميدة عند الحاجة.
18 – يقوم المبعوث الخاص، بشكل منتظم، بمراجع ما تم إحرازه من تقدم من خلال إحاطته لمجلس الأمن.
المادة 6 : بناء الثقة وضمان أمن وسلامة أعضاء اللجنة الدستورية
19 – هنالك التزام مشترك وقوي ببناء الثقة بدءاً بضمان عدم خضوع أعضاء اللجنة الدستورية، وأقاربهم والمنظمات السياسية أو منظمات المجتمع المدني أو الكيانات التي ينتمون إليها، للتهديد أو المضايقات ضد الأشخاص أو القيام بأي أعمال ضد الممتلكات، بسبب يرتبط مباشرة بعملهم في اللجنة الدستورية، وكذلك التزام بمعالجة وحل أي وقائع أو شواغل في حال وقوعها.
المادة 7 : أحكام إضافية
20 – تماشياً مع هذه الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية التي تحظى بقبول الأطراف السورية، للجنة الدستورية الاتفاق على قواعد إضافية للائحة الداخلية في إطار اللجنة الدستورية لضمان عمل فعال ومستديم حول كافة المسائل دون شروط مسبقة.
21 – تتفق الأطراف السورية على أن تعمل اللجنة الدستورية، خدمة لمصاح الشعب السوري وحده، بشكل سريع ومتواصل بهدف تحقيق نتائج وتقدم مستمر بدون تدخل خارجي أو أطر زمنية مفروضة من الخارج.
22 – للجنة الدستورية أن تتفق خلال المسار على أي تعديلات قد تكون ضرورية في هذه الاختصاصات والعناصر الأساسية من اللائحة الداخلية لتمكين اللجنة الدستورية من التقدم في عملها، وقد تستعين في ذلك بالمساعي الحميدة للمبعوث الخاص إذا ما اقتضت الحاجة.
23 – تتفق اللجنة الدستورية على وسائل الموافقة العمومية وتضمين الإصلاح الدستوري المُقر من قبل اللجنة الدستورية في النظام القانوني السوري، ولها أن تستعين في ذلك بالمساعي الحميدة للمبعوث الخاص إذا ما اقتضت الحاجة.
أعضاء اللجنة الدستورية
لائحة المجتمع المدني:
1- عصام التكروري
2- حلا نعوم نهمة
3 – هادية قاوقجي
4- دحام أحمد الهادي
5- عصام الزيبق
6 – إيمان شحود
7 – حازم فصيح العشي
8- دورسين حسين الأوسكان
9- انصاف حمد
10- انعام ابراهيم نيوف
11- جافية علي
12- ابراهيم الدراجي
13- بهجت حجار
14- جورج إلياس شمعون
15 هيثم محمد محروس حسن
16 عبود السراج
17- أحمد طالب الكردي
18- عبد الأحد سمعان خاجو
19- ربا عبد المسيح ميرزا
20 علي محمد أسعد
21- علي أحمد عباس
22- أنس غسان زريع
23- صابر علي بلول
24- جمانة قدور
25- خالد عدوان الحلو
26 – محمد غسان القلاع
27- محمد ماهر قباقيبي
28- سليمان عبد الله القرفان
29- ميس نايف الكريدي
30- سميرة مبيض
31- سونيا محمد سعيد الحلبي
32- سومر منير صالح
33- سمر جورج الديوب
34- رئيفة سميع
35 عمر عبد العزيز الحلاج
36- رغداء زيدان
37- صباح الحلاق
38- رشا يونس لحلح
39- موسى خليل متري
40- نائل جرجس
41- منى جندي
42- منى فضل الله عبيد
43- منى اسبيرو سلوم
44- ممدوح الطحان
45- منى خيتي
46- مازن غريبة
47- مازن درويش
48- إيلاف ياسين
49- محمد خير أيوب
50- فائق حويجة
لائحة المعارضة:
1- إبراهيم الجباوي
2- أحمد الأحمر
3- أحمد العسراوي
4- أحمد خضر
5- إدوار حشوة
6- أليس مفرج
7- أنس العبدة
8- بدر جاموس
9- بسمة القضماني
10- بشار الحاج علي
11- بشار الزعبي
12- كبرييل كورية
13- جمال سليمان
14- حسن الحريري
15- حسن عبيد
16- حواس سعدون
17- ديما موسى
18- رياض الحسن
19- سامي بيتنجانة
20- صفوان عكاش
21- طارق الكردي
22- عبد الأحد اسطيفو
23- عبد الباسط عبد اللطيف
24- عبد المجيد عبد المجيد
25- عروب المصري
26- عشتار محمود
27- عمار النحاس
28- عوض العلي
29- فراس الخالدي
30- قاسم الدرويش
31- كاميران حاجو
32- محمد رشيد
33- محمد علي الصايغ
34- محمد نوري أحمد
35- محمد ياسر دلوان
36- محمد السعدي
37- محمود عطور
38- مرح البقاعي
39- مهند دليقان
40- نبراس الفاضل
41- هادي البحرة
42- هشام مروة
43- هنادي أبو عرب
44- هيثم رحمة
45- ياسر الخميس
46- ياسر الفرحان
47- يحيى العريضي
48- يحيى عزيز
49- يوسف سلمان
50- يوسف قدورة
لائحة النظام:
1- امل فؤاد يازجي
2- إيمان يحيى حمدان
3- إيهاب شبلي حامد
4- أحمد فارق محمد عرنوس
5- أحمد نبيل محمد رفيق كزبري
6- أشواق أيوب عباس
7- أمجد ياسين عيسى
8- أنيسة إبراهيم عبود
9- أيهم عبد الرحمن الحوراني
10- بشير سليمان الحلبوني
11- تركي عزيز حسن
12- جازية الشيخ علي
13- جانسيت عدنان قازان
14- جمال عبد الرازق قادري
15- جميلة مسلم الشربجي
16- حسن عبد الله الأطرش
17- حسين فوزي فرحو
18- خالد خزعل خزعل
19- خالد موسى العبود
20- دارين عبد السلام سليمان
21- رائدة ياسين وقاف
22- رضوان إبراهيم مصطفى
23- رياض علي طاووز
24- ريمون صبرة هلال
25- سعيد عبد الواحد نحيلي
26- شيرين عبد العزيز اليوسف
27- صفوان محمد القربي
28- طالب محمد قاضي أمين
29- طريف عبد المجيد قوطرش
30- عبد القادر عمر قبلان
31- عبد القادر محمد شعبان عزوز
32- عبد الله محمد السيد
33- عيسى مد الله المخول
34- غسان سليمان عباس
35- فهد أحمد العدوي
36- محمد أكرم محمد تيسير العجلاني
37- محمد براء أحمد رشدي القاطرجي
38- محمد خير أحمد العكام
39- محمد خير فارس كنيهر
40- محمد عصام أحمد هزيمي
41- محمد علاء محمد محجوب التيناوي
42- محمد ماهر عبد الله العلبي
43- محمد ماهر محمود قباقبي
44- مهى محمد علي العجيلي
45- موسى اليان عبد النور
46- موعد محمد ناصر
47- نزار صادق صدقني
48- نزار علي سكيف
49- نورا مارديروس اريسيان
50- هيثم حسن الطاس
لا يكفي أن يكون الحق في جانبنا لننتصر/ برهان غليون
بالرغم من أنني لم أكن أرى في اللجنة الدستورية سوى وسيلة لكسب الوقت، بانتظار حسم المعركة العسكرية (في سورية)، إلا أنني لم أفاجأ أيضا بالإعلان عن تشكيلها بعد سنتين من الصراع على تحديد قائمة أعضائها. فمن الصعب تصوّر شروط لتشكيل لجنة صياغة دستور، وهيئة ذات أهلية وتمثيلية لوضع ميثاق وطني، يساعد على الخروج من الحرب، وإرساء أسس السلطة الشرعية، التي لا يقوم من دونها نظام سياسي، أسوأ من التي رافقت ولادة هذه اللجنة. ومن الصعب أيضا أن يتصوّر المرء أن هيئةً على هذه الدرجة من عدم التجانس وتنازع الرؤى والأهواء والمواقف، مع غياب الخبرة القانونية والسياسية، وانتفاء التفاهم والافتقار لأي تكليف أو تأييد شعبي، وبالتالي لأي نوعٍ من الشرعية، وافتقار معظم أعضائها، أكثر من ذلك، للشعور بالمسؤولية، كما يدل على ذلك قبولهم العمل بهذه الشروط، قادرة فعلا على تحقيق مثل هذا الإنجاز.
(1)
لكن من الواضح أن الهدف من هذه اللجنة لم يكن صياغة دستور يعيد توحيد السوريين المتنازعين، ولا إعادة بناء سورية التي لا تزال تمزّقها الحرب، الداخلية والخارجية، وإنما التغطية على غياب الدستور، بالتوافق مع الهدف الأول لرعاة إنشائها، وهو إعادة تاهيل النظام القائم والحيلولة دون التغيير السياسي المنشود. ومن الطبيعي في هذه الحالة ألا تحتاج صياغة الدستور “الجديد” والعاملين به للأهلية القانونية والسياسية ولا للتمثيلية من أي نوع. المطلوب هو لجنة شكلية توحي بانتهاء حقبة الحرب والدخول في حقبة السلام الذي يحتاج الروس القائمون على الأمر السوري إلى تأكيدهما من أجل تكريس مكاسبها والحصول إذا أمكن على إجازة إعادة الإعمار من الدول الممولة، ومن وراء ذلك شرعنة النظام الجديد الذي أنتجته الحرب، والذي يجمع بين مصالح البيرقراطية العسكرية والأمنية والمليشيات المحلية والأجنبية ومصالح الانتداب الأجنبي، الروسي والإيراني، والضامن لمصالح أطراف دولية مشاركة في ترتيب دعم المشروع الجديد وتمويله.
لذلك، كل ما وجهه الناشطون من انتقاداتٍ إلى اللجنة وطريقة تشكيلها واستحالة أن يصدر عنها دستور يلبي الحد الأدنى من مطالب التغيير صحيح، لكنه لا يضير صانعيها بشيء، فهذا هو المقصود بالضبط. وهو ما يؤكد عليه ممثلو النظام، عندما يصرّون على أن هذا الأخير لن يقبل بأكثر من تعديلاتٍ طفيفة على الدستور الحالي، لا تمس المقدّسات، وأولها مركز الأسد. وهم يعتقدون أن ذلك مضمون سلفا لما يملكه النظام داخل اللجنة العتيدة من أغلبية مضمونة تحرم المحسوبين على المعارضة من تحقيق أي تعديل لا يوافق عليه النظام. كما أن الروس الذين يقفون وراء هذه اللجنة وتشكيلها لا يخفون هدفهم في تثبيت النظام القائم وعدم المساس به، مع فتح إمكانية مشاركة محدودة للمعارضة، تعادل انعدام وزنها العسكري والسياسي المتزايد، في مؤسساته لا تهدّد استمراره. وليس لدى الغرب اليوم، على الرغم من حديثه الشكلي عن ضرورة الانتقال السياسي، مطامح أو تطلعات أو سيناريوهات أخرى لاحتواء الوضع السوري سوى التي يعرضها الروس، ولا يقوم الخلاف إلا على الثمن الذي يريد هؤلاء تدفيعه للغرب لقاء حصارهم النار السورية. فالهدف المشترك اليوم للروس والغربيين معا هو النظام، بمعنى السيطرة على الوضع، أي وجود جهاز حكومي وأمني وعسكري قادر على ضبط المجتمع، وعلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والسياسية الدولية في مكافحة الإرهاب الذي أصبح اليوم البند الأول في جدول أعمال السياسة الدولية. وليس في جدول الأعمال هذا أي بند يتعلق بإزالة الغبن عن الشعب السوري، والحد من تغييبه الكامل عن قراره ومصيره، فما بالك بمساعدته على تأسيس حياة ديمقراطية جديدة، وتمكينه من تحقيق تطلعاته الإنسانية. وبالمثل، ربما ساعد الإعلان عن تشكيل هذه اللجنة، بصرف النظر عن مآلات أعمالها وقدراتها، منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي تعمل، بالتنسيق معها، على تجاوز الشعور بالذنب، نتيجة فشلها الذريع في الاستجابة للكارثة، ومناسبة للتخفيف من الانتقادات المتزايدة الموجهة لمبعوثيها لإخفاقهم المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات، ومن الاتهامات الموجهة لها بالشلل والعطل وانعدام الصدقية.
ليس الهدف من تخفيض مستوى توقعاتنا من تشكيل هذه اللجنة على مسار الخروج من الكارثة زرع اليأس بين ظهرانينا، وإنما بالعكس التأكيد على أننا لا ينبغي أن نأمل كثيرا من المسارات الدولية المتعلقة بإحلال السلام، بعد أن أذاقتنا السنوات الثماني الماضية طعم العلقم نتيجة خيباتنا المتتالية. وعلينا بالتالي الكف عن طلب الحل، كما لا يزال شائعا في كتاباتنا وانتقاداتنا وتعليقاتنا في الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي، من الدول الكبرى الصديقة وغير الصديقة، والتي أصبحت ترى فينا حصانا خاسرا لا يستحق أن يوضع عليه أي رهان، أو من الأمم المتحدة. وكذلك التوقف عن رهن مصيرنا لإرادة القوى الدولية، بذريعة أننا أصحاب حق، من واجب المجتمع الدولي أن يدعمنا، والعودة في المقابل إلى بديهيات السياسة وقوانينها. وهذا يعني الاعتماد بشكل أكبر على الذات، والمراهنة على استعادة روح المسؤولية لدى ناشطينا وسياسيينا ومثقفينا، والتعويل أكثر فأكثر على مبادراتنا، والعمل على تطوير خططنا وتوسيع خياراتنا السياسية. وفي السياق ذاته، لم يعد من المجدي والمفيد التخفي وراء إصبعنا ورمي مسؤولية الفشل على المعارضة السياسية الممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وقيادات الفصائل العسكرية وهيئة التفاوض، التي هي ثمرة إخفاقنا في التفاهم فيما بيننا على قواعد عمل واضحة وثابتة، لتبوّء مركز القيادة ومعايير حمل المسؤولية. وهذا ما لا نزال نعيش آثاره القاتلة. وبالمثل، لا جدوى من الاستمرار في إلقاء اللوم على قيادة هيئة المفاوضات، أو على الشخصيات السورية التي قبلت عضوية لجنة الدستور التي لا تعكس إلا الحالة المزرية التي وصلت إليها قوى الثورة والمعارضة، بسبب انعدام التنظيم وقلة الاحترام المتبادل والنزعة الفردية وسيطرة مشاعر الغيرة، والتناحر، والحسد، وحب الوجاهة، وانعدام النيات الطيبة والروح الجماعية.
ليست انحرافات مؤسسات المعارضة وتهلهل مواقفها سوى الانعكاس المباشر للتدهور الكبير الذي أصاب قوى المقاومة الشعبية السياسية والمسلحة وانحلال عزيمتها، وهو الذي أدى إلى استسلام بعضها والتحاق بعضها الآخر بالدول الراعية لمسار أستانة وسوتشي وحميميم وموسكو والقاهرة وغيرها. وهذا يعني أنه، في ما وراء المعارضة وتنظيماتها المتراجعة، ينبغي توجيه اللوم أيضا وأولا إلى أنفسنا، نحن نشطاء الثورة والمعارضة الذين نشكل الكتلة الاكبر من الجمهور المناصر لقضية الحرية، وأن نسأل أنفسنا، كل واحد منا، عما فعلناه من أجل مواجهة الكارثة، وماذا كان دورنا ومساهمتنا للخروج منها، ولاستكمال مهام الثورة التي ألهبنا مشاعر الشعب للمشاركة فيها. فما نحصده اليوم على مستوى أداء المعارضة السيئ ومؤسساتها ليس منفصلا عن ثقافتنا السياسية البائسة وسلوكنا، أفرادا أو جماعات، وعن أسلوب عملنا وتفكيرنا ونوعية مشاركتنا في الصراع السلمي أو العسكري، خلال السنوات الطويلة الماضية، والذي غلبت عليه الانفعالية والمشاعر السلبية. لقد كان ضعف المعارضة وتفككها وانعدام صدقية الشخصيات التي تصدرت قيادتها الثمرة الطبيعية للعدمية السياسية التي طبعت الكثير من مواقفنا وسلوكاتنا والتي درجت على تحطيم أي رمزية وتشويه سمعة أي شخصية بارزة أو لديها فرص البروز والقيادة، وزرع الحزازات والضغائن لدى النشطاء فيما بينهم، وتأليب بعضهم على بعضهم الآخر، وضرب الثقة المتبادلة بين أبناء المؤسسة أو الحزب أو الفريق الواحد، والتشكيك في صدق أي رواية وإدانة أي متطوع للقيادة، حتى أجبر المخلصون على الانكفاء وأصبحت الساحة فارغة والطريق سالكا أمام المتسلقين وأصحاب الأطماع والمصالح الشخصية المستعدين للتعاون مع من يقدّم لهم الوعود ويبرزهم، من منظمات وحكومات، على حساب المصالح الوطنية والنضالية.
(2)
ما العمل؟ لا يرتبط الانتقال السياسي بتشكيل أي لجنة دستورية، وإنما بدرجة حضور الشعب والجمهور المعني بالانتقال في الميدان. ومن هنا، يبدأ الرد على تشكيل لجنة تزوير الدستور، لا وضعه أو صياغته، أعني من التفكير في تشكيل القوة السياسية التي تؤسس لهذا الحضور، والعمل على ذلك، وتبني وسائل الفعل الحر والمستقل. وإذا كان هناك درس كبير
قوة قضيته وأحقيته في التضامن والدعم. وأن دعم الأصدقاء لا ينفي الحاجة إلى الاعتماد على القوة الذاتية، بل يؤكدها. فمن الممكن لأصدقائنا أن يتحوّلوا إلى أصدقاء لخصومنا، إذا تأكدوا من ضعفنا واضطرتهم الظروف، أو وجدوا في تخليهم عنا مصلحة لهم، سواء تعلق الأمر بقوى سياسية أو حكومات، وأن ضعاف النفوس يزدادون قوة وشراسة واستعدادا للتسلق على أي قضية عامة وعادلة، إذا ما خلت لهم الساحة، ووجدوا المجال مفتوحا أمامهم للسيطرة على مواقع القيادة والمسؤولية لخدمة مصالحهم الخاصة، من دون أن يسألوا أنفسهم عمّا إذا كانوا يستحقونها أم لا. ويمكن للجنة هزيلة كتلك التي شكلت في الأيام الماضية أن تتحوّل إلى لجنة أكثر تماسكا في وجه التلاعب الخارجي، إذا وجدت في مواجهتها، أو بموازاتها، أو وراءها، قوة سياسية منظمة وقادرة على مراقبتها ومحاسبتها. وهذه هي القوة التي لا نزال نراهن على تكوينها منذ سنوات، ولا أمل لنا بتحقيق أي تقدّم على أي صعيد، وفي أي ميدان، ما لم ننجح في توليدها. وهذا هو أيضا التحدّي الذي يواجه المعارضين الديمقراطيين اليوم، وينبغي أن يكون أيضا قاعدة الرد على فضيحة مشروع شرعنة نظام حرب الإبادة الجماعية والاحتلال.
ففي ما وراء معركة اللجنة الدستورية الكاذبة، هناك المعركة الأكبر والأطول لتقويض المشروع الرئيسي الذي تسعى هذه اللجنة إلى تمريره، مشروع إعادة إنتاج نظام الإكراه والوصاية والقمع، مع الأسد أو من دونه. وفي مواجهته والصراع لإفشاله، يمكن لهذه القوة السياسية المستقلة والحرّة التي تحمل بذور الانتقال والتغيير السياسي أن تتخلق وتنمو. والمنطلق توجه النخب السورية الضائعة والمضيعة، أو التي فرضت على نفسها الحصار داخل فضاء وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضي، العودة إلى الميدان السياسي والعمل مع الجمهور الشعبي على تنظيم شؤون الأحياء والقرى والنواحي ومخيمات اللجوء وساحات الهجرة والاغتراب، وصولا إلى بناء القوى السياسية الفاعلة على الساحة الوطنية. ففي التفاعل مع الشعب، ونسج العلاقة الايجابية معه، ومن خلال مساعدته على حل أموره اليومية والأساسية، تتكوّن النخب الوطنية التي يقع عليها عبء قيادة المجتمع في العقود المقبلة، وإرساء أسس الدولة الديمقراطية المنشودة، فالدولة قبل أن تكون مؤسسة وأجهزة هي مشروع سياسي يبنى بالشعب ومع الشعب ومن أجله. وهذا هو أيضا أساس القيادة وجوهر السياسة.
والنتيجة، لا يكفي أن يكون الحق في جانبنا حتى تتحقق العدالة. ينبغي أن تكون لدينا أيضا القوة التي تكفل انتصار الحق.
العربي الجديد
أسئلة برسم لجنة الدستور/ عمر قدور
في تصريح لجريدة “المدن” غداة إعلان اللجنة الدستورية، اعتبر رئيس هيئة التفاوض نصر الحريري تشكيلها انتصاراً للشعب السوري. ذلك يعاكس تماماً ردود أفعال مناصري الثورة على وسائل التواصل الاجتماعي، والانتقادات الوجيهة التي قدّمها هؤلاء، وفي مقدمها أن اللجنة هي فعلياً قلبٌ لطاولة جنيف إذ تبدأ بسلة اللجنة الدستورية مع توقف نهائي لسلة انتقال السلطة، حيث كان يُفترض في الأصل تشكيل اللجنة وقيادتها سورياً بعد تشكيل هيئة حكم انتقالي. ذلك فضلاً عما بات معروفاً لجهة قواعد التصويت في اللجنة، وهي تمنح وفد الأسد إمكانية إسقاط أي اقتراح حتى لو نال موافقة ممثلي المعارضة وممثلي المجتمع المدني، من دون أن ننسى وجود موالين صريحين للأسد في وفد المجتمع المدني.
كان الأمر مفهوماً ومنطقياً أكثر لو أن هذه اللجنة سُمّيت هيئة تأسيسية، بصرف النظر عن الاعتراضات عليها. الهيئة التأسيسية عادة تضع التوافقات السياسية، ليتولى خبراء حقوقيون تحويل تلك التوافقات إلى نصوص دستورية. بمعنى أن تشكيل اللجنة بشكلها الحالي لا يقلب طاولة مسار جنيف فقط، وإنما يقلب المعايير كلها، فيوكل للجنة القيام بمهمة قائمة على فراغ هو غياب التفاهمات السياسية، فوق كونها لجنة غير متخصصة على الصعيد القانوني.
لكن نعرف جميعاً أن كافة الاعتراضات لن تثني وفد المعارضة عن المشاركة، وما دام الحريري قد اعتبره نصراً فهذا كافٍ من وجهة نظر المعارضة، وعلينا الاقتناع بذاك النصر مثلما على جمهور الممانعة الاقتناع بالانتصارات الإلهية التي يحققها قادته. ربما علينا أيضاً التحلي بحسن الظن، واعتبار وفد المعارضة واعياً للعبة كلها، وهو ذاهب لتسجيل نقاط سياسية في مرمى الأسد على مرأى من العالم أكثر من قناعته بجدوى العملية كلها.
الاعتبار الأخير يجعلنا نركز على وفد المعارضة نفسه، وعلى قدرته على تقديم عرض مقنع يتفوق فيه بالنقاط على وفد الأسد، على افتراض أنه ليس لدى المعارضة ما تخسره بمشاركتها. فكما نعلم، من خلال تفحص الأسماء الموجودة في الوفد، هناك ميول ومشارب مختلفة لديها، ومن الصعب القول بأن هذه الأسماء التي تمثل كتلاً متباينة وأفراداً غير منسجمين لها تطلعات مشتركة فيما يخص الدستور الجديد، مرة أخرى بصرف النظر عن كفاءاتها الحقوقية أو السياسية. بينما على مقلب وفد النظام ثمة مركزية قرار لا شك فيها، وهذه المرجعية ستكون حاضرة طوال الوقت لتوجيه الوفد وإظهار وحدته، ولا ننسى أعضاء في قائمة المجتمع المدني يخضعون لتوجيهات المرجعية ذاتها، أي أن نصف أعضاء اللجنة تقريباً خاضعون لقرار موحد. بل سيكون من صالح وفد المعارضة، في عملية غايتها الأصلية هي المماطلة والتسويف، أن إقرار أي اقتراح يتطلب موافقة 75% من الأعضاء، فلو كان إقرار الاقتراحات على قاعدة النصف زائد واحد من المرجح أن ينجح وفد الأسد بتمرير كل ما يريد.
استباقاً لتشكيل اللجنة كانت سلطة الأسد قد فرضت شرطين يتضح أن المبعوث الأممي قد وافق عليها، أولهما عدم وضع إطار زمني لعمل اللجنة، ما يعني إبقاء الزمن مفتوحاً للمماطلة، وإذا كان تشكيلها قد استغرق قرابة سنة ونصف السنة فإن جلساتها قد تستغرق أضعاف تلك المدة. أيضاً وافق المبعوث الدولي على قيادة سورية للعملية، تم إخراجها شكلياً برئاسة مشتركة للجنة، بحيث يستطيع وفد الأسد التملص من أي تدخل دولي حقيقي لدفع عملها، أو من أي مشورة دولية حقوقية.
شرط عمل اللجنة تحت السيادة السورية لا يتعلق فحسب بجلساتها، بل يتعلق بالإجراءات اللاحقة لإقرار نتائجها وهذا ما لا تملكه سوى سلطة الأسد وفق موافقة الأمم المتحدة. إلا أنه فوق كل ذلك شرط على نص الدستور القادم، وقد يبدو في مرتبة البديهيات أن ينص أي دستور على مبدأ السيادة وعلى وحدة وسلامة أراضي البلد. في حالتنا هذه إشارة سياسية، ولا ننسى تأكيد ثلاثي أستانة عليها، وهي موجهة للأكراد تحديداً، ولا نكشف سراً بالقول أن وفد الأسد ووفد المعارضة متفقان عليها. المشكلة تحت هذا المبدأ، إذ بسببه وبسبب المخاوف المتعلقة به ستُستبعد نهائياً إمكانية إقرار حكم لامركزي، وسيُستعاض عنه بتوسيع الإدارة المحلية الحالية “الشكلية أصلاً”، وهذا التوسيع مقترح إيراني قديم.
من هذا المدخل، وبذريعة التخوف من انفصال كردي، سيُعاد تدوير الحكم المركزي بما عناه دائماً وما سيعنيه لاحقاً من إعادة تدوير الاستبداد. وبذريعة التخوف من التقسيم ستُحرم غالبية السوريين من حقها في المشاركة المباشرة في السلطة، ليبقى شكل الأخيرة هرمياً مركزياً لا ينتج الاستبداد وحده، وإنما مبدأ اللاعدالة بين مختلف المناطق السورية بصرف النظر عن توزعاتها الإثنية أو الاجتماعية. المشكلة ليست في سعي وفد الأسد إلى إنتاج النظام القديم، هي في أن المعارضة لم تقدّم من قبل تصوراً لنظام جديد، في حال لم نأخذ في الحسبان وقوع قسم معتبر منها تحت التوجهات والهواجس التركية المتعلقة بالملف الكردي.
حتى على صعيد قمة الهرم، لم تقدّم المعارضة من قبل تصوراً لنظام مختلف، وليكن التحول من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني. وقد رأينا طوال عقود مساوئ النظام الرئاسي، في حين أن الثقافة السائدة إلى الآن تحمّل رأسه مسؤولية فردية مفادها أنه فوق الدستور، ورأينا معارضين لا يرون المشكلة حتى في دستور الأسد نفسه، وإنما في وجود قوى فوق الدستور. هذه الثقافة المشتركة بين هيئات المعارضة وقسم من جمهور الثورة لا تساعد على الانتقال إلى أطروحات دستورية جديدة من شأنها إقامة نظام يمتلك في الأصل آليات لتوزيع السلطة، فلا يُنتظر من مالكها الحصري حسن التصرف بها.
في موضوع متصل بالقوى الخارجة عن الدستور، لا معنى لأي تغيير أو تعديل لا يلحظ وضعية الجيش، ومن المؤكد أن وفد الأسد سيتمسك تحت العديد من الشعارات بحساسية هذا الملف واتصاله بالدفاع عن البلاد. مثلما سيتمسك وفد الأسد بالحكم المركزي سيتمسك بمركزية السيطرة على الجيش، والعبرة هي في وجود معارضة شجاعة متخلصة من حساسية الموضوع، وقادرة على المطالبة بإعادة هيكلة كاملة لقوات الجيش، من دون الوقوع تحت ابتزازات من نوع وجود جيش قوي بذريعة الجولان المحتل والتصدي لإسرائيل فقد شاهدنا التنفيذ العملي لهذه الشعارات خلال السنوات الماضية.
من المتوقع مثلاً أن يزايد وفد الأسد على وفد المعارضة في قضايا هامشية من نوع الفقرة التي تخص اعتماد الإسلام كأحد مصادر التشريع، رغم أن الأسد الأب والابن قد اعتمدا هذه الفقرة في دستوريهما. الغاية من اللعب على هذا التفصيل وتفاصيل مشابهة إظهار سلطة الأسد علمانية مقابل معارضة إسلامية، مع ترجيح وقوع وفد المعارضة في مثل هذه المطبات تحت ضغط إسلاميين موجودين في الوفد.
يمكننا طرح أمثلة مغايرة، من نوع قدرة المعارضة على الإصرار على منع بشار من الترشح وفق الدستور الجديد، بالإصرار على عدم أهلية كل الذين وُجهت لهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب من قبل منظمات حقوقية دولية، سواء أكانوا ضمن سلطة الأسد أو من مختلف الفصائل والميليشيات الأخرى قبل خضوعهم للمحاكمة، مع معرفتنا المسبقة بأن مثل هذا الاقتراح سيسقط بالتصويت، ولن ينال رضا الدول الراعية للعملية كلها. يمكننا أيضاً طرح قيام وفد المعارضة، مع استشارة قانونيين مختصين، بإعداد مسودة دستور عصري قائم على المساواة واحترام لا لبس فيه لحقوق الأفراد والجماعات، مع المعرفة المسبقة بعدم موافقة الأسد عليه.
خلاصة القول أن المعارضة ذاهبة إلى جلسات اللجنة الدستورية رغماً عن اعتراضات غالبية المؤيدين للثورة والتغيير، وبحكم هذا الواقع تملك فرصة تقديم عرض مشرّف تستغل به المناسبة التي يُراد بها فوق التسويف إظهار تهافتها. مع أن الدقة تقتضي منا عدم الجزم بامتلاكها خيارين، إذ ربما كان مجرد القبول بالذهاب دلالة على التهافت.
المدن
لجنة لصياغة دستور لن يطبقه أحد/ صادق عبد الرحمن
في لقاء له مع جريدة المدن الالكترونية، قال الدكتور نصر الحريري، رئيس هيئة التفاوض للمعارضة السورية، إن تشكيل اللجنة الدستورية «انتصارٌ للشعب السوري»، وإنها «إنجازٌ حقيقي، وجزءٌ من القرار 2254، ولا أحد يستطيع أن يُنكر ذلك». يعرف السيد الحريري أن كلامه ليس صحيحاً دون شك، فتأسيس هذه اللجنة كان أصلاً قراراً روسياً-تركياً تم اتخاذه دون حضور المعارضة في مؤتمر سوتشي مطلع 2018؛ وهذه اللجنة ليست إنجازاً يعتدّ به، ذلك أن التوافق على أسماء أعضائها فقط تطلب أكثر من عشرين شهراً، ارتكب النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون خلالها عشرات المذابح، وهجروا مئات آلاف السوريين من ريف دمشق وريف حمص ودرعا ومناطق في أرياف إدلب وحماة.
يعلم السيد الحريري أيضاً أن الذكر المتكرر للقرار 2245 في كل حديث عن مسار الحل السياسي، لم يعد يتجاوز كونه رطانة خالية من المعنى، وأنه ليس أكثر من اعتراف لفظي بدور الأمم المتحدة والدول الغربية، ذلك أن قبول المعارضة تحت الضغط التركي بالذهاب مباشرة نحو العملية الدستورية ينطوي على خروج لا لبس فيه عن مضمون القرار 2245، الذي تحدَّثَ عن أن هدف العملية السياسية هو «انتقال سياسي في سوريا»، وتحدَّثَ عن تأييده لبيان جنيف 2012 كـ«أساس» لهذا الانتقال السياسي، وهو البيان الذي جاء فيه حرفياً، وتحت عنوان «خطوات في العملية الانتقالية»:
– إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكَّل على أساس الموافقة المتبادلة.
– الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلد. ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته في الجمهورية العربية السورية من المشاركة في عملية الحوار الوطني. ويجب ألا تكون هذه العملية شاملة للجميع فحسب، بل يجب أيضاً أن تكون مُجدية، أي أن من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسية.
– على هذا الأساس، يمكن أن يُعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام.
– بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة.
– من الواجب أن تُمثَّلَ المرأة تمثيلاً كاملاً في جميع جوانب العملية الانتقالية.
إذن، يتفق بيان جنيف مع ما يقتضيه المنطق السليم، وهو أن الدخول في عملية دستورية ثم انتخابات، في وقت لا تزال فيه السلطة التنفيذية ومؤسساتها بيد نظام الحكم نفسه منفرداً، لا يمكن أن يؤدي إلى «انتقال سياسيّ»، لأن السلطات التي ستشرف على تنفيذ الدستور هي السلطات نفسها التي تطمح العملية الانتقالية إلى تغييرها أصلاً، ما سيحوّلُ العملية برمتها إلى مهزلة لا معنى لها ولا فائدة من هدر الوقت والجهد بشأنها.
ولأن روسيا والنظام السوري يريدان بالضبط أن تكون العملية برمتها مهزلة لا معنى لها ولا فائدة من هدر الوقت والجهد بشأنها، لذلك انصبَّ جهدهما على تجاوز مسألة هيئة الحكم الانتقالي؛ ولمّا كانت روسيا تعرف أنه لا مجال لتجاوز هذه المسألة إلّا بموافقة المعارضة، فقد اتجهت إلى التفاهم مع تركيا، وتقديم مكاسب لها في صراعها مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، في مقابل قيام أنقرة بإجبار المعارضة السورية على القفز إلى الفقرة الثالثة من «خطوات في العملية الانتقالية»، التي تتحدث عن الدستور.
وغنيٌ عن القول طبعاً إن هذا ما كان ليحدث لولا تخلي القوى الغربية عن دعم المعارضة، ولولا قبول المجتمع الدولي بتوكيل روسيا إدارة الملف السوري، ولولا التفويض الدولي غير المعلن لأجهزة النظام السوري الأمنية وللآلة الحربية الروسية والإيرانية في ارتكاب أعمال التغييب والتعذيب والقتل والتهجير، على نحو يحطّم كل أمل ورجاء لدى السوريين المناهضين لنظام الأسد.
لقد وافقت هيئات المعارضة السورية قبل أكثر من عام ونصف على الدخول في عملية دستورية بالشراكة مع النظام، دون أن يكون مطلوباً من الأخير القيام بأي شيء بما في ذلك إيقاف القتل تحت التعذيب في سجونه، ولم يحصل السوريون المناهضون للنظام على أي شيء في مقابل هذه الموافقة، بما في ذلك صيانة دمائهم ودماء أطفالهم.
وإذا كان صحيحاً أن الأمم المتحدة تتصرف كشاهد زور على تصفية المسألة السورية سياسياً، وتشرف بنفسها على مسار يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الذي هو مؤسستها الرئيسية، فإنه لا بد من القول أيضاً إنها ما كانت لتستطيع تبني أعمال اللجنة الدستورية والاحتفاء بها على هذا النحو، لولا أن هيئات المعارضة المعترف بها دولياً شريكةٌ في هذا المسار، ولولا أن المعارضة السورية نفسها قد تخلّت عن حقها في أن تكون نقطة البداية للعملية السياسية هي تأسيس هيئة حكم انتقالي.
لقد تم انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بحق السوريين في هيئة حكم انتقالي بتضحيات السوريين ودمائهم، وذلك عندما كانت قوى الثورة والمعارضة في أوج صعودها عام 2012، وهو المكسب الي تم إجبار هيئات المعارضة السورية على التنازل عنه لاحقاً بالنار والدم، وتحت ضغوط الحلفاء، وأولهم الحليف التركي الذي لم يفعل شيئاً سوى استخدام المعارضة في حروبه من أجل «أمنه القومي». وإذا كان يمكن لنا أن نجد عذراً لمن أهدروا هذا الحق، من خلال القول بأنهم اعتقدوا أن الضمانات التركية أفضل من غياب أي ضمانات تماماً، فإن ما يبدو واضحاً اليوم هو أن هذا الاعتقاد لم يكن في محلّه.
وبعد، يبدو أن المعارضة السورية باتت مجبرة على خوض معركة اللجنة الدستورية اليوم، وثمة أدوات بين يديها يمكن أن تساعدها على خوضها، وأولها قرارات مجلس الأمن التي يمكن الاعتصام بها في كل وقت؛ نحاول أن نقول هذا لأنه لا فائدة من الركون إلى العدمية واليأس المطلق، ولأن آخر ما يمكن فعله وفاءً لتضحيات السوريين ودمائهم هو محاولة عرقلة عملية إعادة تأهيل النظام بكل السبل الممكنة، والاستمرار في خوض كل مواجهة ممكنة معه وعلى كل صعيد، بانتظار أن تتغير المعطيات والموازين ومن أجل المساهمة في تغيير هذه المعطيات والموازين.
وأول فصول المرحلة القادمة من المعركة الدستورية هو أن النظام مصرٌّ على الاستناد إلى هذه العبارة من بيان جنيف، «يمكن أن يُعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية»، للقول إن مهمة اللجنة الدستورية هي البحث في تعديلات محتملة على الدستور الحالي، في حين أنه يمكن للمعارضة السورية أن تواصل التمسّك بعبارة أخرى من البيان نفسه، «بعد إقامة النظام الدستوري الجديد»، للقول إن مهمة اللجنة هي صياغة دستور جديد. كذلك يمكن للمعارضة الاستفادة في كل وقت من العبارات التي يتضمنها قرار مجلس الأمن الدولي 2254 حول ضرورة ضمان بيئة ملائمة للانتقال السياسي، بما يشمل الإفراج عن المعتقلين وإطلاق الحريات العامة ووقف القصف والعنف. تكفل القرارات الدولية للمعارضة أن ترفض نقاش حرف واحد في الدستور قبل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المغيبين وإبلاغ من تتم محاكتمهم بتهمهم والسماح لهم بتوكيل محامين، هذا مثالٌ واحدٌ فقط عمّا يمكن فعله لو امتلك المعارضون الحاضرون الإرادة والاستقلالية اللازمة.
إذا لم تنتهِ الشراكة الروسية التركية في الملف السوري لأسباب تتعلق بالصراعات الدولية، فإن تركيا ستمارس دون شك شتى أنواع الضغوط على المعارضة لإجبارها على مواصلة الشراكة في المهزلة الدستورية، التي يمكن للمعارضة إنهاؤها في كل وقت. وإذا كانت المعارضة تخشى خسارة حليفها التركي في حال رفضت توجيهاته، فإن هذه الخشية مخادعةٌ دون ريب، وهي أقرب لأن تكون خشية من شخصيات الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات على مكاسبهم الشخصية من الإقامة في تركيا وحرية التنقل فيها، ذلك أن مجريات المعارك الأخيرة في إدلب، والأوضاع الراهنة في مناطق سيطرة الجيش التركي في شمال حلب وعفرين، تقول بوضوح إنه لم يعد لدى هذا الحليف ما يقدمه، هذا إذا كان يريد تقديم شيء أصلاً.
إذا كان الهدف من المشاركة في اللجنة الدستورية هو صياغة دستور جديد، وتنفيذ مقتضياته تحت حكم أجهزة نظام الأسد نفسه، فإنها بلا شك عمليةٌ لصياغة دستور لن يقوم بتطبيقه أحد، حاله كحال الدستور الحالي الذي لا يطبقه أحد، وهي أيضاً عملية لن تفيد سوى في تعويم النظام وترميم شرعيته. لكن يبقى أن هناك متسعاً لتحويلها إلى عملية تساهم في عرقلة جهود تعويم النظام على الساحة الدولية، وفي استعادة القضية السورية من براثن عمليات التزوير الدموية المستمرة، هذا فقط إذا امتلكت الشخصيات المعارضة الحاضرة في اللجنة حداً أدنى من الاستقلالية والكرامة والوفاء للدماء السورية العزيزة التي تُسفك دون هوادة منذ ما يقترب من تسع سنوات.
موقع الجمهورية
اللجنة الدستورية متاهة أم جسر للسوريين/ ماجد كيالي
يطرح موضوع تشكيل اللجنة الدستورية العديد من التساؤلات أو الملاحظات الجوهرية، والمتباينة، المتعلقة بالقضية السورية، بغضّ النظر عن المشكلات التي تعتري تشكيلة هذه اللجنة، أو المتعلقة بأهلية المشاركين فيها، ومشروعية تركيبتها الثلاثية (نظام ومعارضة ومجتمع مدني).
ويمكن إيجاز بعض أهم تلك التساؤلات والملاحظات في الآتي:
أولا هل بات الصراع السوري إزاء حقبة جديدة، أم إزاء “لعبة” جديدة، تتمثل في اختزاله في مجرد تشكيل لجنة دستورية، ذلك أن التجربة الطويلة والمريرة، بحسب مساري التفاوض في جنيف ثم في أستانة، تثير المخاوف بشأن أن الأمر ليس أكثر من مجرد تقطيع للوقت، ونوع من عملية علاقات عامة، علما وأنه لم تجر أي مفاوضات حقيقية بين النظام والمعارضة، خلال 13 جولة تفاوضية على المسارين، رغم أن مسار جنيف له سبعة أعوام (منذ 2012) ومسار أستانة له ثلاثة أعوام (منذ مطلع 2017)؟
ثانيا، هل يعني تشكيل تلك اللجنة بأننا قد نشهد في المرحلة المقبلة نوعا من التجاذب أو التصادم، حول الكلمات والمصطلحات والقيم والمعايير والمرجعيات الدستورية، وضمن ذلك التباين بشأن تفسير منطوق القرار 2254 (عام 2015)، على غرار ما جرى بخصوص تفسير بيان جنيف 1 الذي صدر في يونيو 2012، أو بيان فيينا في أواخر 2015، ومن ثم التملص من “السلال الأربع” لستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، التي طرحها في الجولة الرابعة من مسار جنيف عام 2017، والمتعلقة بإيجاد حكومة انتقالية وصوغ الدستور وإجراء الانتخابات ومكافحة الإرهاب، لنصبح فقط أمام عملية شكلية تتعلق بالصراع على هذه النقطة أو تلك في الدستور؟
ثالثا، ما الذي سيجعل النظام، الذي شعاره “سوريا الأسد إلى الأبد”، والذي انتهج الحل الأمني المطلق، ومكّن إيران وروسيا من التدخل عسكريا إلى جانبه للحفاظ على حكمه، في مواجهته حراكات الشعب السوري، من أجل الحرية والديمقراطية والتغيير السياسي، يقبل وهو في ظروف أفضل التنازل للجنة دستورية، وهو لم يفعل ذلك في ظروف أصعب؟
رابعا، هل بات ثمة قرار دولي، ولاسيما أميركي، بشأن إيجاد حل للصراع السوري، يتأسس على وقف الصراع المسلح، والتحول نحو التحول السياسي بالطرق السلمية، ويضمن تمرير مخرجات اللجنة الدستورية، وجعلها معبرا أو جسرا نحو الاستقرار والتغيير السياسيين في سوريا؟
خامسا، ماذا بشأن واقع المعارضة السورية، في هذه المرحلة، وهي ليست في أحسن أحوالها، بل إنها باتت منهكة ومستنزفة، خصوصا نتيجة ضعف مكانة الائتلاف الوطني، وعدم قدرته على التحول إلى كيان سياسي جمعي للسوريين، ونتيجة انحسار مكانة فصائل المعارضة المسلحة، وانحسار رقعة المناطق التي كانت تسيطر عليها، نتيجة التدخل العسكري الروسي، ونتيجة اتفاقات “خفض التصعيد”، التي فرضها تحالف أستانة الثلاثي (روسيا وتركيا وإيران)؟ فهل هذا الواقع يمكن أن يمكّن المعارضة من فرض حقوق الشعب السوري، أو الذود عن حقه في التطلع نحن التغيير، ونيل حقوقه المنشودة؟
سادسا، في الواقع ومن خلال كل ما تقدم، يتبيّن أن المعارضة السورية، نتيجة خلافاتها وتخبط خطاباتها، ونتيجة ضعفها وارتهانها الخارجي، باتت تفتقد لأوراق القوة اللازمة لفرض وجهة نظرها، لاسيما وأن الحديث يتعلق بتركيبة ثلاثية، يبدو النظام فيها أكثر قوة ووحدة، وربما أكثر اختراقا للفريقين الآخرين أو تأثيرا فيهما، أيضا؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن خلافات المعارضة، وانزياح معظمها نحو خطابات الفصائل الدينية والمتطرفة، تجعلها غير قادرة على طرح وجهة نظر ناضجة وواضحة بشأن فرض قيم الحرية والكرامة والمواطنة في مواد الدستور المقترح، والتي تكون كفيلة بترسيخ انتقال الدولة السورية من نظام سياسي استبدادي إلى نظام سياسي ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، في دولة مؤسسات وقانون ومواطنين متساوين. دولة تقوم على الفصل بين السلطات وعلى تداول السلطة، بواسطة انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة.
بديهي أن تلك الأسئلة والملاحظات تشي بالخشية من إمكان أخذ الصراع السوري إلى ملهاة جديدة، بعد ملهاة التفاوض، وبعد التلاعب بالقرارات الدولية، من قبل الأطراف الخارجية المعنية بالصراع السوري، لأسباب متعددة ومختلفة، يفاقمها تراجع دور السوريين إزاء دور الفاعلين الخارجيين (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل)، ويفاقمها أن الولايات المتحدة لا يبدو أنها معنية بالحسم بشأن وقف الصراع الدائر في هذا البلد الذي شبع قتلا وتهجيرا وتدميرا.
كاتب سياسي فلسطيني
اللجنة الدستورية السورية… هل من أجلها ثار السوريون؟/ فراس حاج يحي
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وفي تصريح له لوكالة “فرانس برس” قال: “أعتقد بشدة أن تشكيل لجنة دستورية يتولى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها، يمكن أن يكون بداية طريق سياسي نحو حل”.
هل فعلاً تمثل هذه اللجنة الفرصة الأخيرة للحل السياسي في سوريا، وتحقق تطلعات السوريين وآمالهم، أم تم اختصار تضحياتهم في تعديلات دستورية أو دستور جديد؟ وهل كانت ثورة السوريين وتضحياتهم فقط لإقرار إصلاحات دستورية، أم للانتقال إلى دولة وطنية ديموقراطية قائمة على العدالة والمساواة والمواطنة؟
نشأة اللجنة الدستورية
تعود نشأتها إلى مؤتمر الحوار السوري – السوري الذي نظمته روسيا في مدينة سوتشي أواخر كانون الثاني/ يناير عام 2018، وهو مؤتمر حضره قرابة 1500 شخص معظمهم من سوريا، وقاطعته قوى الثورة والمعارضة السورية، وأبرزها الائتلاف وهيئة التفاوض المعارضة. وحضره عدد محدود من وفد المعارضة السورية في آستانا، إضافة إلى شخصيات مستقلة.
تعتبر اللجنة الدستورية من أهم إضافات المبعوث الأممي السابق للقضية السورية ستيفان دي مستورا، وقد ألحقها وقدمها ضمن السلال الأربع التي تضمنها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015، وتم الإعلان عن هذه السلال في جولة جنيف الرابعة للمفاوضات بين النظام والمعارضة عام 2016، وهي:
– السلة الأولى: القضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، مع الأمل بالاتفاق على ذلك خلال 6 أشهر.
– السلة الثانية: القضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، مع الأمل بأن تتحقق في 6 أشهر.
– السلة الثالثة: كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور، وذلك خلال 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل السوريين خارج بلادهم.
– السلة الرابعة: استراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، وبناء إجراءات لثقة متوسطة الأمد.
تشكيل اللجنة ومرجعيتها
تتكون اللجنة الدستورية من 150 عضواً، وقسمت إلى ثلاث حصص أو أقسام رئيسية متساوية، وهي 50 عضواً من النظام و50 من المعارضة و50 عضواً ضمن قائمة مستقلة من المجتمع المدني ترشحهم الأمم المتحدة، على أن يكون على رأس اللجنة مشتركة شخص من النظام وآخر من المعارضة. وتتخذ اللجنة قراراتها بالتصويت وبأغلبية لم يتم تحديدها بعد، واستغرق الاتفاق على هذه الأسماء سنة كاملة من المباحثات بين المبعوث الأممي ونظام الأسد ودول محور آستانا.
أما مرجعية اللجنة الدستورية فهي موضوع خلافي، قانونياً ودستورياً وأيضاً سياسياً، بين النظام والمعارضة والأمم المتحدة. وتعتبر أبرز النقاط الخلافية في المرحلة المقبلة بينهم، فالنظام يعتبرها لجنة إصلاح دستوري لدستور عام 2012 وما تقدمه مجرد توصيات تقدم إلى مجلس الشعب السوري الحالي لإقرارها من قبله، أما المعارضة فتعتبرها جزءاً من عملية الانتقال السياسي وقرارات مجلس الأمن، وبخاصة القرار رقم 2254، فيما المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا غير بيدرسن رأى أن آلية عمل اللجنة وطريقة اتخاذ القرار فيها، جزء من التفاوض غير المباشر الذي يقوده بين المعارضة والنظام، مشيراً إلى أن اللجنة الدستورية والسلال الأربع للقرار الأممي 2254 جزء من حل سياسي يعمل على تحقيق بنوده بصورة متوازية.
أبرز المخالفات التي رافقت انطلاق عمل اللجنة
من المعلوم أن دساتير الدول توضع وتنشأ في أوقات الاستقرار لتحقق أعلى مستوى من المشاركة العامّة لضمان إصدار دستور توافقي يحظى بقبول مختلف فئات الشعب، ويُطرح لحوار واسع في المجتمع وفق الضوابط المعمول بها في الديموقراطيات الحديثة، ومنها إقرار مشروع الدستور بأغلبية خاصة لا تقل عن ثلثي عدد المقترعين في استفتاء لا يكون صحيحاً إلا بمشاركة نصف العدد الإجمالي للهيئة الناخبة فيه.
وفي الحالة السورية بعد الانتفاضة الشعبية عام 2011 وما نتج عنها من نزاع مسلح وتهجير ونزوح لنصف الشعب السوري، اتجهت المفاوضات السورية لتأخذ شكل التسوية الدستورية في عمليّة أكثر إحكاماً ومحدودية، مع قدر محدود من المشاورات العامّة، أو ربما من دونها على الإطلاق، لتأخذ منحى سرياً بين أعضائها وتخضع لمصالح ممثلي النظام والمعارضة وأهوائهم وتوافقاتهم، وبتدخل دولي كبير، بعيداً من أي دور ومشاركة فعلية للسوريين أنفسهم.
ولعل أبرز المخالفات الدستورية التي رافقت إطلاق هذه اللجنة هو الإطار والمرجعية القانونية والدستورية لعملها، فالقرار الأممي رقم 2254 وبيان جنيف 1، نصّا على عملية الانتقال السياسي بترتيب قانوني محدد. وجاء في المقدمة تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، ومن ثم جاءت السلل الأخرى من دستور وانتخابات، واتجاه الأمم المتحدة إلى سلَّة الدستور فقط، هو إلغاء قانوني وعملي لهيئة الحكم الانتقالي، لأنها قانوناً ومنطقياً تعتبر الجهة المنوط بها وضع الدستور، وإجراء الانتخابات والقيام بكل العمليات القانونية لها.
وبالتالي، مع إلغاء التسلسل المنطقي للعملية السياسية التي يجب أن تبدأ بهيئة الحكم الانتقالي، والقفز مباشرة إلى الدستور، من سيعلن قانوناً عن قيام اللجنة الدستورية؟ ومن سيعلن قانوناً عن أعضائها؟ ومن سيعلن قانوناً عن آليات عملها القانونية في إقرار للمواد والفقرات، وما آلية التصويت فيها، والنسب المقررة للإقرار؟ ومن سيعلن قانوناً عن انتهاء عملها؟ ومن سيعلن قانوناً عن الدعوة للاستفتاء على الدستور؟ ومن سيقره قانوناً رسمياً بعد الاستفتاء عليه؟ وفي النهاية، من سيعمل على تطبيقه قانوناً؟
وهذه النقطة المتمثلة بمرجعية اللجنة ومشروعيتها وأطرها التشريعية والدستورية والقانونية، تشكل قنبلة موقوتة تهدد اللجنة بالانفجار في أي وقت، وإذا علمنا أنه وفقاً لقاعدة قانونية أصولية، صاحب الحق بالتعيين هو نفسه صاحب الحق بالعزل، وهذا ما يلحق بالقرار، أي صاحب الحق بإصدار القرار هو نفسه صاحب الحق بإلغائه، ومع سحب هذه الصلاحية من هيئة الحكم الانتقالي التي لم تشكل بعد، نكون أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن النظام هو من سيمنح هذه المشروعية للأمم المتحدة في تشكيل هذه اللجنة، وهذا اعتراف قانوني كامل من المعارضة السورية ومن المجتمع الدولي بشرعية نظام الأسد وتأكيد لها، ليغدو النظام قادراً على تعطيل أي إجراء فيها لأنه هو المرجع القانوني. وهو ما صرح به مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري رافضاً ونافياً أن يكون لدي مستورا (المبعوث الأممي السابق) تفويض بأي تشكيل عبر تأكيده أن عملية وضع دستور لسوريا، هو من ضمن أعمال سيادة الدولة، وبذلك تكون المعارضة والأمم المتحدة قد سلمت قضية الشعب السوري ومطالبه التي بذل في سبيلها تضحيات كبيرة، لنظام الأسد.
الخيار الثاني أن تكون المرجعية هي الأمم المتحدة عبر إصدار قرار من مجلس الأمن يتضمن الاعتراف بهذه اللجنة، وتحديد مهماتها وصلاحياتها والجدول الزمني لعملها وتطبيق قراراتها وما ينتج عنها. وهذا يعني بالنتيجة أن سوريا أصبحت تحت الوصاية الأممية، وهذا لن تقبله روسيا ونظام الأسد فالذي لم يخسروه في الحرب، لن يقبلوا أن يخسروه في المفاوضات، فنظام الأسد طوال 8 سنوات لم يقدم أي تنازل سياسي أو قانوني أو شعبي للسوريين، ودمر نصف البلاد وهجر نصف شعبها للبقاء في السلطة، وروسيا لن تقوم بأي ضغط حقيقي على الأسد لتقديم أي تنازل سياسي أو قانوني فعلي لمصلحة الشعب السوري فبينهما اتحاد مطلق بالمصالح ، وأي تنازل روسي ضد مصلحة النظام هو تنازل عن مصالح روسيا التي لا تبخل باستخدام “الفيتو” في مجلس الأمن لمصلحة الأسد ونظامه.
أوساط النخب السورية ترفض؟
رافق الإعلان عن اللجنة الدستورية السورية وقبلها بأيام حالة رفض عام للجنة، وما سيصدر عنها وطعن بدستوريتها ومشروعيتها ومن بين أبرز الرافضين لها المحامي أنور البني، الذي كتب على صفحته على موقع “فايسبوك”: “رجال دول “كبرى” بوتين – روحاني – أردوغان يلعبون ويلتهون بدمية صغيرة “اللجنة الدستورية” يتقاذفونها ويطلقون بها في الهواء ويتلقفونها بحركات بهلوانية، وفي ظنهم أن هذا اللعب سيجذب اهتمام العالم لصرف النظر عما يجري على الأرض في سوريا، مما يساعدهم على متابعة جرائمهم وهم آمنون، اللجنة الدستورية خيانة كاملة لآمال وتطلعات الشعب السوري. ومحاولة التفاف كاملة على المرحلة الانتقالية المنصوص عنها بالقرار 2254 وبيان جنيف، وتغييب لقضية المعتقلين والمختفين قسراً وتغطية للجرائم وحماية للمجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب، كفاكم لعباً، وآن للدمى المتحركة أن تهترئ، لن نتجاوز العدالة والقصاص من كل المجرمين. ستبقى العدالة منارتنا الوحيدة لحل الوضع السوري وبناء سوريا الجديدة التي لن تكون إلا خالية من المجرمين”.
وكتب الوزير السوري السابق الدكتور نضال الشعار على “فايسبوك” رأيه بتشكيل اللجنة الدستورية معدداً مخالفات حصلت في تشكيلها وهي:
“مخالفة دستورية (1): لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني في تاريخ سوريا يسمح بتشكيل أي لجنة أو هيئة لوضع الدستور من دون إجماع وتشريع وقرار.
مخالفة دستورية (2): لا يمكن لمخرجات هذه الهيئة الدستورية أن تحظى بقبول الشعب وأغلبه مشتت ونازح وجائع.
مخالفة ديموقراطية: لا يمكن أي من الديموقراطيات أن تسمح بتشكيل هيئة لوضع الدستور من دون موافقة الشعب.
مخالفة سيادية: لا يمكن أي دولة صاحبة سيادة أن تقبل بتشكيل هيئة دستورية مختارة من قبل الأجنبي.
مخالفة مهنية: لا يمكن أي هيئة دستورية أن تحتوي أشخاصاً جهلة لم (ولن) تكون لهم المقدرة المعرفية والمهنية لوضع نهج البلاد.
مخالفة جغرافية وسيادية: لا يمكن أن يتم تشكيل هيئة دستورية خارج البلد بغض النظر عن ظروف هذا البلد.
جريمة أخلاقية (1): لا يمكن أي هيئة دستورية أن تتشكل من دون إرادة الشعب ورغباته.
جريمة أخلاقية (2): لا يمكن أي هيئة دستورية أن تعمل بنزاهة وهناك أطراف أجنبية تسيطر عليها.
جريمة أخلاقية (3): لا يمكن أي مواطن شريف أن يقتنع بأن المشكلة في سوريا هي مشكلة دستور.
مخالفة إنسانية: لا يمكن أي هيئة دستورية أن تعمل بفاعلية وأغلب أعضائها بعيد من البلد ولا يلامس الجوع والفقر والحاجة ومعاناة الأغلبية في الداخل والخارج”.
وأعلن المبعوث الأممي عن إطلاق اللجنة الدستورية السورية، التي ستضع دستوراً جديداً، وهو اختصار للقضية السورية، والانتفاضة الشعبية بدستور مكتوب على الورق، وكأن مشكلة السوريين وثورتهم كانت لأجل تعديل الدستور من دون تطبيقه، وليتم إقراره من شخصيات من النظام والمعارضة والمجتمع المدني، وجميعهم تم فرضهم بقرارات تعيين من الجهات التي يتبعون لها سواء كيانات معارضة أو نظام أو أمم متحدة. 150 شخصية سورية تمت تسميتهم بالتعيين من دون أن يكون لأي مواطن سوري في كوكب الأرض الحق في اختيارهم ممثلين له، ومن دون معرفة كفاءاتهم ومقدراتهم العلمية والقانونية، ومن دون معرفة السيرة الذاتية حتى لكثيرين منهم، علماً أنه وفي الحالة السورية تحديداً على الدستور أن يشكل عقداً اجتماعياً بين أطياف الشعب، يضمن قطيعة تامة مع الحقبة الدامية الماضية تأسيساً لدولة جديدة. وهي عملية يكون فيها للمواطنين السوريين الحق في المشاركة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر ممثليهم الشرعيين المنتخبين ديموقراطياً لضمان احترام هذا الدستور من قبلهم، وإحساسهم بأنهم شاركوا في وضعه إيذاناً ببدء مرحلة جديدة تنهي الصراع وتضمن الولوج في عملية إعادة الإعمار والبناء، وعودة اللاجئين والمهجرين إلى بيوتهم، لا أن يتم فرض هذه الأسماء عليهم من قبل أطراف خارجية أو أشخاص يعملون لمصلحة دول وأجندات إقليمية ودولية، فهناك فرق كبير بين دولة فيها دستور، ودولة دستورية. فالدولة السورية الجديدة لن تكون دولة دستورية، إلا إذا كان دستورها معبراً عن توافق وطني يحظى برضا عام في المجتمع، وتستمد السلطة التنفيذية فيها شرعيتها من الشعب ويكون القانون سيداً لها وليس عبداً تفعل به ما تشاء، بلا رقابة أو مساءلة أو محاسبة. وفي هذا المقام لم ينسَ السوريون بعد كيف تم تعديل الدستور السوري عام 2000 في ساعات، ليصبح على مقاس بشار، ليخلف والده في رئاسة سوريا.
درج
ما البديل عن اللجنة الدستورية/ عقيل حسين
ما إن تم الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية يوم الإثنين، حتى تفجر جدل واسع في أوساط الثورة والمعارضة السورية حول هذا التطور، الذي رأى فيه القليلون خطوة إيجابية، بينما كانت وجهة نظر الأغلبية عكس ذلك.
يقدم أصحاب كل رأي ما يعتبرونه دليلاً على صحة رأيه، وهذا ما ظهر في المقالات والمداخلات التلفزيونية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بينما كان يدور داخل الغرف المغلقة نقاش موازٍ، لا يقل سخونة عن الجدل العام، ويتركز حول الأسباب التي أدت بنا إلى الوصول لهذه النقطة.
لا يقدم المشاركون في هذه الحوارات، ومعظمهم من قادة العمل الثوري العسكري والسياسي، كثيرَ جديدٍ سوى بعض الشهادات عن أحداث وتفاصيل كانوا جزءاً منها أو مطلعين عليها، إلا أنها في النهاية لا تشكل فارقاً يمكن أن يجعلنا نعيد النظر في تقييم أسباب هزائمنا.
وكالعادة في هذه النقاشات، يظهر مستوى كبير من اليأس والاستسلام، ونادراً ما يتطرق المشاركون إلى المستقبل وكيف يمكن مواجهة هذا الواقع البائس الذي حشرنا فيه، وهو ما تكرر بعد الإعلان عن اللجنة الدستورية !
وعلى أهمية وضرورة بعض الشهادات، إلا أنها طالما بقيت في سياقها الروتيني هذا، فإن شيئاً مفيداً لا يمكن أن ينتظر منها، فقد بات الجميع يدرك ومنذ سقوط حلب وتثبيت مساري سوتشي وأستانا، أننا فقدنا تقريباً كل الأوراق التي كانت تعتمد عليها الثورة عسكرياً وسياسياً، وقبل ذلك حتماً، أسهب الجميع في تفصيل الأسباب التي أدت إلى هذه الخسائر، إلا أنه نادراً ما يتم الحديث عن سبل علاج الأزمات أو التخفيف من آثارها.
لا يمكن بأي حال النظر إلى خطوة اللجنة الدستورية بإيجابية، وبغض النظر عما إذا كانت تمثل بداية إعادة الشرعية للنظام كما يرى المعترضون، أو أنها تمثل أول تنازل من هذا النظام كما يرى المتحمسون لها، إلا أنها في النهاية تعتبر قلباً لمسار جنيف وتفريغاً لمضمونه، والأهم أنها خطوة تقفز على محددات كان يجب أن تسبقها، وفي مقدمتها وقف العمليات العسكرية وإطلاق سراح المعتقلين، وتشكيل هيئة حكم انتقالي.
لكنها اليوم، ومثل كل الكوارث التي حلت بنا تباعاً، أصبحت اللجنة الدستورية أمراً واقعاً لا يمكن الهروب منه أو تجاهله، بل يفترض على القوى الرافضة مواجهته والإجابة بقوة عن سؤال الكثيرين: ما البديل.
لا يمكن بأي حال الاكتفاء بإظهار مخاطر هذا التطور على مصير الثورة والوطن، وإذا كان مهماً أن يكشف المتخصصون في القانون إشكالات الإعلان عن اللجنة من الناحية التقنية، وأن يشرح السياسيون مخاطر انطلاقها في هذا التوقيت ووفق هذه الآليات، فإن الأهم طبعاً هو التحول إلى الفعل وإظهار القدرة على المجابهة.
لماذا لا تتحول هذه اللحظة إلى فرصة من أجل إعادة تجميع قوى الثورة والشخصيات الوطنية في مشروع سياسي يستلهم هذا الرفض الشعبي ويستثمر حالة الغضب من فشل مؤسسات المعارضة التي تهيمن على قرار الثورة اليوم، بدل الاكتفاء بمهاجمة هذه المؤسسات وشتم القائمين عليها ؟!
يتذرع أغلبنا ومنذ ثلاث سنوات على الأقل أنه لم يعد هناك ما يمكن القيام به نظراً إلى خروج قرار السوريين من أيديهم وانتقاله بالكامل إلى أيدي الآخرين، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا نلوم هيئة التفاوض التي يمكنها أن تردد نفس الذريعة إذاً، بل وتزاود على الجميع بأنها تحاول فعل شيء ما وسط كل هذه المصاعب ؟!
لم يعد مقبولاً الاكتفاء بالتباكي على رأس المريض مع الاستمرار بتركه ينزف، والشيء الوحيد الذي يمكن أن تقبله الحاضنة الشعبية هو مشروع إنقاذ واضح يقدم استراتيجية عامة ورؤية موضوعية يمكن أن تعتبر بديلاً حتى وإن كان بالحد الأدنى، لما هو سائد حالياً، وهذا ما أعتقد أنه ممكن جداً بالنظر إلى قيمة ووزن وأهمية الأشخاص، وحجم واتساع القاعدة الشعبية التي تتبنى هذا الموقف والتي تنتظر منذ ثلاث سنوات على الأقل من يستعيد زمام المبادرة ويقودها.
تلفزيون سوريا
الهزيمة اللقيطة واللجنة الدستورية/ هنادي الخطيب
هزيمة الثورة السورية أو الطفل اللقيط السوري، لا يجد أي أب شرعي أو غير شرعي لتبنيه، لتتحول الهزيمة المدوية الواضحة التفاصيل والمعالم والأسباب إلى نصر ضوضائي، لن يكتبه التاريخ قط.
لسنا بصدد تعداد أسباب الهزيمة، لأنها أصبحت أكثر وضوحاً من أن يتم تفنيدها، ولكن ربما يكون الأجدى محاولة الاعتراف، على أمل وضع حد للإغراق في الانفصال عن الواقع الذي تعيشه الثورة السورية، وبدلاً من التمسك بخطابية إنشائية تشبه خطابية النظام في أوائل أيام الثورة، ربما يستطيع الاعتراف مراعاة الحدود الدنيا من التوازنات المجتمعية على أرض الواقع.
في هذه الأيام ينشغل السوريون بما أطلق عليه نصر الحريري “نصر للشعب السوري” وما أطلق عليه ناشطون “خيانة للدم السوري”، وهو الاتفاق على أسماء اللجنة الدستورية، وإعلان تاريخ بدء اجتماعاتها، ليدخل الجميع في نفق من رمي الاتهامات والتحليلات الحقوقية وغير الحقوقية، بدون أن يستطيع أياً من الطرفين إمساك أساس الفكرة، التي يمكن تلخيصها بأن الهزيمة اللقيطة لا تحتاج فقط لأب يتبناها ويشرعنها، وإنما تحتاج لنقاش حقيقي من جانب المعارضة، ولماذا يجب أن تذهب المعارضة إلى اللجنة الدستورية، أو، لماذا عليها أن ترفض؟ ماهي هذه اللجنة؟ وتحت أي مظلة؟ وماذا يمكن أن يستفيد منها السوريون؟ والأهم، هل يدرك كلا الطرفين الموافق والمعارض في أي مرحلة تاريخية وصلت إليها سوريا المدمرة اليوم؟
أعضاء ما يسمى اللجنة الدستورية السورية الـ 150، انقسموا ما بين ً 50 اسم تحت صفة معارضة، و50 اختارتهم الأمم المتحدة، و50 تحت صفة النظام، وإذا ما ابتعدنا عن نقاش الأسماء التي اختارها النظام لتمثله، فإن بقية المئة اسم تكاد تكون في ثلثيها قريبة من النظام وأفكاره وممارساته، وربما يبقى ثلث فقط قريب من أفكار المعارضة السورية، وهذا أمر إن تجاهله وفد المعارضة أو تعامى عنه، فإن ذهابه وعدمه سيان في النتيجة، لأنه سيخرج خالي الوفاض.
سياسياً، إما أن تقبل المعارضة الدخول ضمن تركيبة اللجنة الدستورية، أو لا تقبل، علماً أن رحلات ونقاشات تشكيل هذه اللجنة، استهلكت حوالي العام و9 أشهر، منذ إطلاق تلك التسمية عليها في مؤتمر سوتشي كانون الثاني من العام الماضي، وأن اللجنة هي واحد من 4 سلال في قرار مجلس الأمن 2254، بشأن الحل في سوريا، والسلال الأربعة التي يشكل وضع دستور لسوريا من بينها تم الإعلان عنها بداية 2016، وجاء إلى جانب الدستور، مباحثات بين المعارضة والنظام لما لا يقل عن 18 شهر ينتج عنها هيئة حكم انتقالي وانتخابات برعاية أممية، ويضاف لذلك البدء بإجراءات بناء الثقة بين الطرفين، وهذه النقطة الأخيرة تحوّلت بعد مباحثات بين الجانبين لسلة مكافحة الإرهاب بناء على طلب النظام السوري، فهل يمكن الإجابة عن بضعة أسئلة تبدو بديهية، كالمظلة الراعية الحقيقية للجنة، هل هي الأمم المتحدة، أم روسيا؟ وهل ستحمل قرارات اللجنة صفة الإلزام للنظام؟ وما هي أساس نقاش الدستور الذي ستتم كتابته أو الاتفاق عليه؟ ما بين الديني والشرعي والعلماني والمدني؟ وهل البدء باجتماعات اللجنة يعني متابعة تنفيذ بقية السلال التي أقرتها الأمم المتحدة في قرار مجلس الأمن 2254؟
وفي الحالة الثانية، إن قررت المعارضة رفض المشاركة، وضمن معطيات الواقع المعاش السوري، الذي وصلت فيه الثورة السورية إلى جدار صلب لا أمل في اختراقه باستخدام الشعارات والشتائم، ولا بتسويق حرمة الدم، وأعداد اليتامى، فإن اللجنة ستبدأ اجتماعاتها بمن حضر والدليل أن النظام أعلن موافقته فور علمه أن وقت التلاعب بهذا الشأن انتهى، وأنه إن رفض فسيكون مجرد طرف يتم رميه خارج العملية السياسية، وغني عن القول أنه لو امتلك “أي النظام” أي أدوات تمكنه من الاستمرار بتدمير وقتل سوريا والسوريين تحت مظلة تحميه، فإنه سيكون أول الرافضين وليس آخرهم، ورفض المعارضة لن يكون أفضل حالاً لجهة التعامل معه من النظام.
الواضح والأكيد أن الحل السياسي هو الحل الوحيد على الساحة السورية، وبعيداً عن الكلام الإعلامي الإنشائي حول هذا الحل وأهميته، فإن المعارضة السورية باختلاف وتناقض آراءها وأهدافها أحياناً، ربما تستطيع أن تربط بين بدء العملية السياسية المتمثلة باللجنة الدستورية وبين وقف إطلاق نار حقيقي، فيكون في هذه الحالة ثمة إيجابية واضحة المعالم من الاشتراك بالاجتماعات، خصوصاً مع بيان غوتيرش الذي قال إنّ مهمة اللجنة هي “إعادة صياغة الدستور السوري ضمن عملية انتقال سياسي”، والذي شدد على دور الأمم المتحدة في “جمع الطرفين للدخول في مفاوضات، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي، بهدف إجراء تحول سياسي.
التفنيد السابق لا يعني دعم أو رفض المشاركة في اجتماعات اللجنة الدستورية، أو أي حل سياسي يتم تبنيه أممياً، ولكن وضمن عدم وجود أياً من نقاط القوة لدى المعارضة وأياً من أدوات التفاوض مع خسارتها شبه الكاملة للأرض، وخسارة الناس في المناطق المستهدفة سابقاً وحالياً وغالبا لاحقاً، خسارته لحياته وأرضه، وخسارة أي اتفاق ضمن صفوف المعارضة ذاتها ما بين العسكر والمدنيين وبقية التيارات السياسية، وعدم وجود أي ورقة يمكن استخدامها للضغط على الطرف الثاني المتمثل بالنظام والداعم الأقوى روسيا، لا يمكن إيجاد سبباً منطقياً للصوت العالي بالتخوين والشتم، فيما عدا حراسة الشعارات.
الاعتراضات على طريقة تشكيل اللجنة أكثر من أن يتم تلخيصها، واتهام روسيا والنظام بقتل السوريين أكثر بديهية من التذكير فيها، وتسليم العالم الملف السوري بكل الظلم الذي وقع خلاله على مدى 9 سنوات لروسيا أصبح أمر واقع لا مجال لنكرانه، يبقى أن يتحمل وفد المعارضة بعض المسؤولية الحقيقية بعيداً عن إعلانه النصر لمجرد الاتفاق على انطلاق اللجنة واجتماعاتها، والتخلي قليلاً عن المراهقة السياسية التي مارسها على مدى السنوات، والدخول في إطار هذه العملية حاملاً مطالب واقعية، للوصول إلى بداية حل لأزمة بدأت تظهر أنها لا نهاية لها، والأهم الشفافية مع الناس فيما يتعلق بما يحدث في اجتماعات اللجنة، وكيف يتم النقاش والتصويت.
الانتصار اليوم هو أقرب للوهم، تتم صناعته بالميديا فقط وإعلانه على صفحات السوشيال ميديا، أما في الواقع، فحسابات الربح والخسارة تختلف، لدى كلا الطرفين، ومن يملك الأرض والسلاح والداعم الدولي القوي يفرض سياسة الأمر الواقع، فإن كانت الأمم المتحدة ستدخل ضمن المحادثات حقيقة وليس إعلامياً فقط، لربما يستطيع الطرف الآخر الحصول على حد أدنى من احتياجات السوريين العالقين اليوم بين الحياة والموت واللجوء والتشرد والفقر والجوع.
قال إدموند بيرك “الشيء الوحيد الذي يجعل الشر ينتصر هو أن يظل الخير ساكناً لا يفعل شيئاً”، والفعل هنا ليس البكاء والعويل والشتم، ربما يكون الفعل المتاح الوحيد اليوم هو التمسك بعباءة الأمم المتحدة بدلاً عن التمسك بعباءة روسيا وتركيا وإيران في اجتماعات ومشاورات أثبتت على مدى جولاتها الكثيرة في أستانا أنها ليست أكثر من محطات إضافية للتغطية على القتل اليومي في سوريا.
بروكار برس
اللجنة الدستورية كمؤشر اضافي على موت القرار 2254/ معن طلّاع
مع اعلان تشكيل اللجنة الدستورية عاد النقاش المحلي مرة أخرى حول الموقف العام ومساحات الفعل المطلوبة؛ لذا من الأهمية بمكان استعراض الحركية السياسية التي جُعِلَ فيها الحل السياسي مختصراً بلجنة دستورية، فهي ستوفر لنا معرفة على أي أرض تقف المعارضة وقوى الثورة وإلى أين تمضي العملية السياسية؟
كشفت مجريات الأحداث في المشهد السوري منذ نهاية أيلول 2015 (تاريخ التدخل الروسي في سورية) عن استراتيجية موسكو وحلفائها الدبلوماسية في في التعاطي مع المحددات الناظمة للعملية السياسية؛ والتي قامت ولا تزال تقوم على الالتفاف التدريجي على التوافقات الدولية المنجزة، وتطويع جملة المصالح المتشابكة في المسرح السوري لخدمة إعادة تعريف العملية السياسية بشكل دوري ودائم، وبما ينسجم مع موازين القوى العسكرية وطموحات الحل الصفري، وترك الفتات كمحل نقاش وتفاوض؛ فخلال أقل من شهرين من تدخلها العسكري ولتوفير دفع سياسي دولي يتوافق مع حجم المتغير الجديد (التدخل) دفعت الدبلوماسية الروسية باتجاه عقد مؤتمري فيينا في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2015 و14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 (تحت اسم محادثات فيينا للسلام)، والذي كان له دور مهم في دفع العجلة باتجاه استصدار القرار 2254، وهو ما اعتبر قفزة نوعية أفرزت تعريفاً تنفيذياً لبيان جنيف، والذي استطاع تغييب نص” تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحية كاملة” عن صيغة القرار الجديد.
كما أفرز المؤتمران توكيلاً للأردن في إعداد قائمة للتنظيمات الإرهابية والتي استخدمت كسيف مسلط على رقاب المعارضة المسلحة، لاجبارها على التماهي مع المناخ السياسي المتشكل، وتوكيلاً للمملكة العربية السعودية لتوحيد المعارضة بغية ضمان تكسير بعض الاذرع الصلبة ضمنها وتطعيمها بأجسام مرنة، ليغدو المنتج جسماً مليء بالتناقضات البنوية وفيه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فكانت اجتماعات الرياض (1)، يومي 8-9 ديسمبر/كانون الأول 2015، والتي أفرزت “الهيئة العليا للمفاوضات” (كمرجعية سياسية)، والهيئة بدورها شكَّلت منها وفد التفاوض (كفريق تفاوض).
وخلال عام 2016 استطاع الروس أن يغيروا موازين الصراع بعد إخراج حلب الشرقية من معادلات التأثير العسكري؛ وُبعيد ذلك سارعت موسكو لتكوين منصة استانة استثماراً لتثبيت المكتسب العسكري، وتمهيداً منها لإعادة التعريف مرة أخرى، فمنذ الجولة الاولى لمفاوضات أستانة طرحت مسودة الدستور؛ وعلى الرغم من أن السمة العامة للمسار تتبلور في البعد الأمني؛ إلا أنها -أستانة- حاولت سحب بعض الوظائف السياسية المنوطة بمسار جنيف، واستطاعت بعد مؤتمر سوتشي مطلع عام 2018 أن تصدر مخرج اللجنة الدستورية، لتتلقفه الأمم المتحدة وتتشارك مع استانة مرجعية العملية السياسية، بعد أن كانت وحيدة، وبذلك ضمنت موسكو أستنة جنيف.
أمنت سياسات القفزات تلك تغيير تموضع الدستور في المستندات الدولية، فبعد أن كانت قضية الدستور في بيان جنيف مبلورة بعبارة “إعادة نظر” وفي القرار 2254 متموضعة كخطوة لاحقة لـ”عملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، في غضون ستة أشهر، حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية” فها هو الدستور بات مدخلاً “وحيداً” للحل السياسي، والمهم هنا أنه يتم -بكل سلاسة- تجاوز التسلسل الزمني لل2254؛ أي القفز فوق أي حديث حول حكم انتقالي أو أي حكم، وحصر الاستحقاقات التي يتضمنها الجدول الزمني المذكور بالقرار ضمن خانة “تحديات حكومية”.
إذاً؛ وبصمت دولي مقصود؛ بات تعريف العملية السياسية محصوراً بدستور وتصريحات بروتوكولية حيال السلل المتبقية؛ لتنطلق بعدها مارثونات دبلوماسية تتحدث وتتباحث حول اللجنة بينما السيطرة العسكرية للنظام تتسع وتتنامى؛ خاصة بعدما أمنت له الاستانة تثبياً للصراع ومن ثم قضماً ممنهجاَ لمنطقة تلو أخرى بسياقات سياسية متباينة وتصدير كافة التحديات إلى ادلب، التي باتت اشكالاتها البنيوية فوق طاقة أحد، وليعود الروس ليفرضوا شروطاً جديدة على هذه اللجنة واضعة العصى تلو العصى في العجلة الأممية، وليستغرق الاعلان عن تشكيل اللجنة قرابة العامين، استطاع النظام والروس من خلالها الدخول في أدق التفاصيل وتحويلها لشد وجذب بغية اتمام المشهد محلياً بما ينسجم مع زاويتي النظر الخاصة بالنظام، الأولى الزاوية التنموية (طرق الامداد الدولية وما تعنيه من انفراجات وتنفيذاً لاستحقاقات النظام التنموية بعد الحرب) وهذا ما حاول ابتداءاً تحصيله “سلماً” من اتفاق سوتشي في الجولة التاسعة من مسار أستانة إلا أن تعثر تنفيذ الاتفاق جعل النظام والروس يمضون في تطبيقه عنوة، مما أسفر عن خسارة جيب بالغ الأهمية والمتمثل في مناطق ريف حماه الشمالي وجنوب ادلب، لتبدو سيناريوهات تحصيل الطرق الدولية أسهلها.
أما الزاوية الثانية فاهتمت بقضايا “تثبيت الشرعية” وذلك عبر استغلال الالتفافة الواضحة لبعض الدول العربية من جهة، واستثمار عبء اللاجئين على القارة العجوز لتقديم صفقة إعادة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار من جهة أخرى.
مع كل قفزة؛ تدخل المعارضة ذات الأحجية لتركن إلى تبرير خاص يتكئ على فهم مجتزئ للواقعية السياسية، ويتمثل هذا التبرير بأن “الواقعية تتطلب منا الانخراط” وإدعاءات “مقارعة النظام” و”عدم ترك هذا المقعد شاغراً” وبـ”أن المساحة المتبقية كفيلة بتحقيق الانتقال” …إلخ؛ ورغم إدراك صعوبة الخيارات وتقلب الموازين واختلاف العناصر المكونة للمشهد والتحولات الكبرى في مواقف الدول، فإن هذا لا يعفي المعارضة من تخليها التدريجي عن أوراق القوة التي تمتلكها قبل أن تصبح بقايا ورقة تطير كيفما هبت الرياح الاقليمية والدولية.
لكن القفزة الأكبر (الحاسمة والمتوقعة)، ستتمثل في تجاوز اللجنة الدستورية، والتي ستبقى أسيرة الاستعصاء ومتاهات التفاصيل وكثرة النقاشات والاستعراضات وكثرة الاجتماعات، وسيعمل النظام صاحب الكتلة المتماسكة في هذه اللجنة على مسارين؛ الأول فرض محدداته والمتمثلة بمناقشة الدستور وليس تعديله أو تغييره، أي بمعنى آخر توصيات دستورية ناهيك عن تثبيت “الدولة الدسورية”كمرجعية قانونية ودستورية للجنة ومخرجاتها، والمسار الثاني فهو ما يعرف باسم “متاهة التفاصيل” بغية كسب الوقت وتزمين الاستعصاء؛ ليلتقي المسارين في عام 2021 ليصبح الحديث أكثر “واقعية” آنذاك حول الانتخابات باعتبارها ستكون “أمراً واقعاً”.
وبذلك يكون قد اختُبِرت كل عناصر القرار 2254 وتم تجاوزها بنداً بنداً وفترةً فترة، وبحجة “عدم الصلاحية” تتحول الاستحقاقات الكبرى في المشهد السوري إلى أجندة غير ملزمة وغير مستعجلة في جدول أعمال النظام.
نعم مشهد قاتم؛ لكن السياسة ميدان الفعل بكافة الظروف، ولتحسين الشروط الوطنية أمام ضائقة الخيارات وللانتقال من دائرة المفعول به إلى الفاعل ينبغي أولاً الانتباه أن يكون الدستور تفصيلياً يضيق مساحات المشرع وتفسيرات السلطة التنفيذية، وأن يكون مرناً حتى لايغدو اتفاق دايتون السوري، وأن تبنى لبنات الدستور على اللامركزية، التي تضمن انهاء تغول السلطة المركزية وتدخلها المباح في المحليات، واستحداث هيئات قضائية مستقلة، وتثبيت عملية إعادة الهيكلة واستراتيجيات DDR، وأن يكون دستوراً مؤكداً على تنفيذ استحقاقات العودة الكريمة والآمنة وما تستلزمه من سياسات وحقوق وشروط وطنية.
والأمر الثاني التحضير من الآن للقفزة المتوقعة والاستعداد لمواجهة استحقاق الانتخابات وضرورة امتلاك القدرة على اتخاذ رؤية واضحة وحاسمة وموحدة تجاه مستوياتها الثلاثة الرئاسية والبرلمانية والمحلية.
وبموازة ذلك هناك العديد من التحديات سواء الحقوقية أو الانسانية أو المتعلقة باللاجئين والنازحين، والتحدي الأبرز في ظل المشهد الاخير ومقولاته هو تحدي داخلي سواء غرب الفرات أو شرقه وبكليهما معاً، والمتمثل بنفس مظلات التدخل الأجنبي والمتمثلةPYD وهيئة تحرير الشام، فلا مجال للفشل في تحديات الحكم المحلي ولا مجال أمام جعلهما مبرراً للتدمير، وهذا يستوجب مجتمعياً تظافر الجهود على طرفي النهر وانجاز إطار قانوني وقضائي موحد، وتصدير تجربة حكم محلية رشيدة.
كما أن الأمر الأكثر نتاجاً على المستوى الاستراتيجي، فهو الانتقال نحو العمل السياسي المنظم، فخلق جبهات مجتمعية متماسكة محلياً وخارجياً فإنه من شأنه فرض نفسه لاعباً مؤثراً بامتلاك قدرة الرفض والمقاومة على أقل تقدير.
حكماً؛ ووفقاً لنتائج المشهد الذي لاكته المعادلات الأمنية ومزقته موسكو قبل أن تعيد هندسته بما ينسجم واطروحات التسيد والحل الصفري؛ فإن القرار 2254 صار خارج السياق وأضحى عبئاً على الدول؛ فقفزهم عليه أضحى ديدن وسنة، لدرجة ماعاد يُرى أويلحظ؛ وهو ليس بجديد على منظومة الامم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، فيكفي أن نذكر القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية لنعرف أنها لم تساوي ثمن الحبر التي كتبت به، وما هي إلا برتوكول لإدارة الأزمة واحتوائها، ومخدراً ريثما يتم القص والتفتيت، قرارات تغطي عجز المنظومة واستسلامها لمنطق “الكبار”. وبهذا عبرة للمعارضة بألا تضع كل البيض بتلك السلة المهترأة،
معن طلّاع
باحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
اللجنة الدستورية والفهم الأعور للواقعية السياسية/ نادر جبلي
لم أفهم كل هذا الصخب الذي انطلق بُعيد إعلان تشكيل اللجنة الدستورية المُولَّجة بكتابة دستور جديد للبلاد، بحسب رواية المعارضة، أو تعديل الدستور القائم، بحسب رواية النظام. وكأن الحدث كان غريبًا ومفاجِئًا.
الواقع أن إعلان تشكيل اللجنة ليس إلا محطة جديدة من محطات هذا القطار المنطلق بثبات، منذ سنوات، نحو الهاوية؛ منذ أن بدأ ممثلو المعارضة السورية بتقديم التنازلات واحدًا تلو الآخر، تحت ذريعة الواقعية السياسية، التي يجري التعبير عنها بمقولات مثل: حقن الدماء، عدم ترك الساحة للآخرين، تجنُّب ما هو أسوأ، لا يوجد خيار أفضل، السياسة فنّ الممكن… حتى وصلنا إلى هذا الدرك: اللجنة الدستورية.
محطات كثيرة مرّ بها هذا القطار، مدفوعًا بضغوط حلف المنتصرين (النظام وروسيا وإيران)، وتخلِّي الآخرين، وتنازلات المعارضين. ومع كل محطة/ تنازل كانت المعارضة تفقد بعضًا من أوراقها، وبعضًا من مكانتها، وبعضًا من شرعيتها. ومع كل محطة، كانت حظوظ السوريين بالخلاص تبتعد.
ألم تكن مشاركة المعارضة المسلحة بمسار أستانا خطيئة قاتلة، كسرت ظهر المعارضة السياسية بانتزاع ورقة الفصائل المقاتلة من يدها، وأضعفت مسار جنيف التفاوضي بنقل قيادة العملية السياسية، من يد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى يد روسيا، وسمحت للنظام وحلفائه باستفراد مناطق المعارضة واحدة تلو الأخرى، والسيطرة عليها عبر اختراع مناطق خفض التصعيد وما تلاها من ضغط فـ (مصالحات) فتهجير..؟ ومقابل ماذا؟ هل تمكن أبطال أستانا، عبر 13 جولة محادثات، من إخراج معتقل واحد من سجون النظام، أو إيقاف سقوط برميل واحد على رؤوس الناس، أو ضمان أمن أو حياة شخص واحد، أو إدخال علبة حليب لطفل جائع في منطقة محاصرة؟. ثم ألم تكن جلسة واحدة أو جلستان كافيتين لاتضاح الصورة، على فرض أنها لم تكن واضحة؟ أم إنه ضغط الضامن التركي الذي لا يُرد؟ أم إنه حبّ التفرد والقيادة والظهور، مرض السوريين العام؟ أم كلاهما؟
ألم يكن القبول بإعادة تشكيل هيئة التفاوض، وإبعاد العناصر الصلبة منها، وإضافة منصتي موسكو والقاهرة وهيئة التنسيق إليها، على قدم المساواة، سقطةً كبرى، زادت الهيئة ضعفًا وتشتتًا وهشاشة، وأضعفت قدرتها على التفاهم فيما بينها، وفخختها بعناصر من صنع النظام وحلفائه؟ (أقصد منصة موسكو تحديدًا).
وماذا عن السير في لعبة دي ميستورا، لتفريغ القرارات الدولية من مضمونها بتوجيه من موسكو، بدءًا بلعبة السلال الأربع وصولًا إلى تغليب السلة الدستورية وتجاهل ما عداها؟ ألم تكن سقطة مهولة أيضًا؟
قبول المعارضة بالانخراط في العملية الدستورية حصرًا كمدخل وحيد للحل السياسي، وتجاهل كل ما يتعلق بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي كمقدمة لتوفير مقومات الانتقال السياسي، ومنها الدستور، على ما جاء في القرار الأممي 2254، أفقد المعارضة ورقة القوة الوحيدة التي تملكها، والتي كان من المفترض أن تعضَّ عليها بالنواجذ. وقدّم لروسيا ولتحالف الأعداء فرصة ذهبية لدفن ذلك القرار الوحيد والثمين الذي يعترف للسوريين بشيء من حقوقهم التي دفعوا من أجلها كل هذه الأثمان. ورفع الحرج عن كاهل المجتمع الدولي الذي كان، قبل قبول المعارضة بالعملية الدستورية، ملزمًا، نظريًا وأدبيًا، بمتابعة تطبيق قراراته وفرض احترامها..
ما نحن فيه الآن، أي اختزال القضية/ المأساة السورية بمجرد دستور ولجنة دستورية، ما هو إلا نتيجة، تحصيل حاصل، لكل هذه المسيرة المخزية لمعارضة بائسة، لم تستطع يومًا تجاوز أمراضها، ولا خلافاتها، ولم تستطع تمييز الهدف والطريق. وسرعان ما تاهت تحت ضغط الظروف وتعقيدات الواقع، وسرعان ما ارتهنت لقوى خارجية لم تتردد في استثمارها وتوظيفها في أجنداتها الخاصة، البعيدة كل البعد من هموم السوريين ومصالحهم.
عندما سألت أحد الائتلافيين ذات يوم عن سبب قبولهم بخالد خوجا رئيسًا للائتلاف، قال: “نحن مجبرون، تركيا فرضته علينا”. قلت: وماذا لو رفضتم؟ قال: “سنُطرد من تركيا، ونصبح بلا دعم ولا مأوى”. قلتُ له أوليس ذلك أفضل لكم، وأحفظ لكرامتكم، ولاستقلالية قراركم، ولمكانتكم بين السوريين، ولقيمتكم بين الدول؟!
أعطَينا الانطباعَ منذ اللحظة الأولى أننا قابلون للضغط وجاهزون لتقديم التنازلات، حتى دون أي مقابل. ودائمًا الذريعة إياها، الواقعية السياسية..
نعم للواقعية السياسية، فتجاهلها يعني الانتحار، لكن ثمة فرق كبير يجب إدراكه بين الواقعية السياسية والتفريط والتنازل المجاني.. فعندما يصبح واضحًا للأعمى أن النظام وحلفاءه لم ولن يغيّروا شعرة من سلوكهم وبرامجهم، مهما قدمت لهم من تنازلات، فعلامَ التنازلات إذن؟
اليوم، نحن أمام مشهد حزين.. لجنة دستورية، هي كل ما تبقى من العملية السياسية، يُراد منها دفن فكرة الانتقال السياسي، الذي هو أمل السوريين الوحيد ورجاؤهم. يتحكم فيها الروسي، حليف النظام وشريكه حتى النهاية في قتل السوريين ووأد ثورتهم. يتفاوض فيها فريقان: نظام دموي يرى نفسه منتصرًا، وهو الذي لم يقدّم أي تنازل عندما كان في أسوأ لحظاته. ومعارضة ضعيفة مشتتة مخترقة مرتهنة لا تملك من أمرها شيئًا. ومجتمع دولي ناءٍ بنفسه، مُسَلِّمٌ بالقيادة الروسية للمسألة السورية ضمن تفاهمات معينة. فماذا نتوقع من مشهد كهذا؟
شخصيًا، ليس عندي أيّ وهم حول جدوى عمل اللجنة، وما يمكن أن تجود به، فهي ضمن هذه البيئة وموازين القوى المشار إليها، ليست إلا أداة لتصفية الحراك الثوري، ودفن أحلام السوريين بالتغيير، وإعادة تأهيل وشرعنة النظام، ربما مع بعض الرتوش، والعودة إلى ما قبل آذار 2011 وكأن شيئًا لم يكن..
سيُغرق النظام اللجنة بالتفاصيل والمشاكل، وما أكثرها في مسألة معقدة كالدستور، وما أسهل المهمة على خبير محنّك كالنظام! وسيدور الجميع في حلقة مفرغة لسنوات، مع الطنين والضجيج الذي يوحي للسوريين وللعالم بأن عملًا ما يحدث. إلى أن ينتهي النظام وحلفاؤه من حسم الأمور على الأرض، واستعادة السيطرة على المناطق، وإيجاد التسويات اللازمة لإعادة تأهيل النظام. وعندها سيأتي من سيدفن هذه اللجنة بكلمة واحدة.
الاختراق غير ممكن، واللعبة ممسوكة بقوة، والطنين والضجيج هو المُنتج الوحيد المطلوب من هذه اللجنة، هذا بالتحديد ما يحتاجه تحالف النظام لاستكمال مهماته الحقيقية، وهذا بالتحديد ما يحتاجه الغرب لإراحة ضميره وتبرير تخليه، وربما هذا ما تحتاجه بعض المعارضة لإثبات أنها ما زالت تتنفس… ولو كانت هناك إرادة دولية حقيقية لفعل شيء؛ لما سُمح للروس بتمرير هذا الاختراع السام المسمى باللجنة الدستورية على جثة القرارات الدولية والانتقال السياسي.
هل ثمة ما يمكن عمله الآن؟
يبدو لي أن أفضل ما يمكن لوفد المعارضة عمله الآن هو التوافق على بعض المبادئ التي لا يجوز التخلي عنها، أو عن أي جزء منها تحت أي ظرف، والتي تمثل الحد الأدنى لما يجب التمسك به، ولما يعتبر التخلي عنه تفريطًا بكل تضحيات السوريين وطموحاتهم. من هذه المبادئ، وعلى رأسها، عدم القبول بترشُّح الأسد أو أي من أركان نظامه لأي استحقاقات سياسية قادمة. (سأقترح بعض هذه المبادئ في دراسة قريبة لي عن اللجنة الدستورية)
التوافق “الصلب” على هذه المبادئ من قبل عدد كبير من أعضاء فريق المعارضة، وربما عدد من أعضاء الفريق المحايد، (فريق الأمم المتحدة)، والإعلان عنها، يؤدي، بحسب اعتقادي، غير فائدة في غير اتجاه، فهو يُطمئن السوريين أولًا إلى أن الحد الأدنى من حقوقهم وطموحهم سيكون مصانًا، وهو يمنحهم معيارًا للرقابة على أداء الفريق المعارض، وبالتالي مقدارًا من الثقة به، يتعزز ويكبر مع الأداء الملتزم. وهو يُرسل رسالة قوية، إلى الرُعاة والمجتمع الدولي، مفادُها أن ثمة سقفًا للتنازلات لن يتم تجاوزه تحت أي ضغط، وأن عليها الضغط على الطرف الآخر، إذا أرادت لهذه اللجنة الاستمرار أو الإنجاز. وهو أخيرًا يمنح الفريق المعارض مقدارًا من الوزن والقيمة هو بأمس الحاجة إليه، سواء لدى السوريين أو لدى الخصوم أو لدى المجتمع الدولي..
صحيح أن وزن المعارضة، بجناحيها السياسي والعسكري، أصبح صفرًا في معادلات القوة، إلا أن ثمة وزنًا محفوظًا لها بحكم الحاجة إلى توقيعها وموافقتها على تمرير التسويات، وهذا ما لا يمكن تجاوزه، ويجب وعيه والتعويل عليه. ويبقى رضى الناس هو الوزن الحقيقي الذي يغير المعادلات.
جيرون
إنهم يكتبون دستورنا!/ خضر الآغا
منذ أن أعلنت الأمم المتحدة رسميًا الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة كتابة دستور لسوريا، وتم نشر قائمة الأسماء النهائية المعتمدة حتى ضج سوريون بالخبر. الكثير من المقالات والتغريدات والبوستات، والكثير من البيانات والوسومات والهاشتاغات أطلقها سوريون تعبيرًا عن رفضهم الذي ظهر قاطعًا ونهائيًا لهذه اللجنة.
كانت أكثر التعابير تلقائية هو أن السوريين لم يثوروا ويضحوا على هذا النحو غير المسبوق بسبب الدستور، وأن أكثر الدساتير العالمية تقدمًا وعدالة لن تفيد بشيء طالما أن هذا النظام/ نظام البراميل هو المعني بتطبيقها، فالسوريون يعرفون أن الأسد -أبًا وابنًا- لم يحكم وفق آليات دستورية ولم يحتكم للدستور ولا مرة واحدة، خاصة أن وصول الأسد الابن للسلطة تم عبر تعديل الدستور الذي وضعه الأسد الأب ذاته خلال ربع ساعة ليكون على مقاس الأسد الابن.
إلا أن الموضوع الأكثر أهمية هو أن تشكيل لجنة دستورية لكتابة دستور، وقد حدث ما حدث في سوريا، هو انتهاك صفيق للقرار الدولي 2254 الذي أكد على ضرورة تطبيق بيان جنيف 2012. نص القرار الأممي على تشكيل هيئة حكم انتقالية بعد مفاوضات محددة المدة تستمر لستة أشهر، ثم تتم كتابة دستور جديد للبلد، وتمهد الهيئة الانتقالية لانتخابات تشريعية ورئاسية وفق الدستور الجديد خلال ثمانية عشر شهرًا. ولم ينص القرار على أي إشارة لتشكيل هذه اللجنة قبل تشكيل هيئة الحكم المذكورة.
الأمر الذي يعني أن الشرعية التي فقدها النظام داخليًا وعربيًا ودوليًا منذ 2011 سيستعيدها عبر هذه اللجنة التي سوف تُظهره بأنه يسير بالحل السياسي الأممي وفق الآليات القانونية التي صاغتها الأمم المتحدة ذاتها. هذه الشرعية هي ما أرادته روسيا، حرفيًا، منذ أن أعلنت عام 2017 أن الحل السياسي في سوريا يبدأ بصياغة دستور جديد وقد أعلن حينها لافروف أن “الحرب انتهت”، انتهاء الحرب يعني، قانونيًا وسياسيًا، بدء الحل السياسي، وقد وافقت حينها الأمم المتحدة على ذلك على خلفية فشلها المرة تلو المرة في إيجاد حل ما لأية قضية طارئة على الحدث السوري حتى على مستوى قضية تقديم مساعدات إنسانية للمتضررين السوريين وللمحاصرين في مدن وبلدات عديدة، فكان المقترح الروسي بدستور جديد تبدأ العملية السياسية به بمثابة المخرج العريض لأزمة الأمم المتحدة في سوريا. ضمن هذه الظروف المشبوهة والتي فرضتها روسيا بالقوة العسكرية جرى تقديم مقترح الدستور.
يرى خبراء قانونيون أن الدستور الجديد (إن كان سيكتب من جديد، أو سيعدل دستور النظام الحالي الذي وضعه 2012، إذ من غير المعروف لحد هذا التاريخ أي الصيغتين سيتم العمل بها) ينطوي على العديد من المشاكل الإجرائية. فسوف يتم التصويت على مواده بعدد 113 صوتًا من مجموع أعضاء اللجنة البالغة 150 عضوًا والموزعة بنسب: 50 عضوًا يمثلون النظام، و50 عضوًا يمثلون المعارضة،و50 عضوًا يمثلون المجتمع المدني. وهذه القائمة الأخيرة هي التي فشلت في إعدادها أيضًا الأمم المتحدة فسلمتها لأستانة: روسيا، تركيا، إيران، وقد انتهت بضمان أن غالبية أعضائها هم مؤيدون لنظام الأسد، وهذا الأمر الأخير هو الذي جعل النظام يوافق على اللجنة أصلًا، أي ضمن، بواسطة روسيا، أغلبية أعضاء اللجنة الدستورية.
كما يعني أيضًا أنه هو الذي سيكتب الدستور أو سيعدله. فبحساب بسيط نرى أن حصول المعارضة على الأغلبية يبدو مستحيلًا! وأن اللجنة حتى لو توافقت على الكثير من المواد (المحايدة/ أو العامة) فإنها لن تتوافق على مواد صلبة ومهمة مثل صلاحيات الرئيس، وهذا ما نعرفه كسوريين من خبرتنا الطويلة والمريرة معه، لا سيما خبرتنا معه خلال الثورة ورفضه التام لكل مقترحات العالم بتسوية يمكن أن تفضي إلى مشاركته الحكم، ولو شكليًا، من قبل بعض المعارضين.
ومن المشاكل الإجرائية أيضًا أنه سيتم عرض الدستور على الاستفتاء العام ما يعني أنه لن يكون دستورًا رسميًا قبل الاستفتاء، وأنه لن تتم الدعوة للاستفتاء العام بموجبه بل بموجب دستور النظام الحالي (دستور 2012)، ما يعني أيضًا أن بشار الأسد هو الذي سيدعو للاستفتاء، وهذا ما يضفي المشروعية على حكمه وعلى سياساته وممارساته منذ أن انتزعت منه الشرعية في العام 2011! وهذا بدوره قد يعفيه من المساءلات القانونية المحلية والدولية بسبب ارتكابه جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق السوريين، ذلك أن شرعيته تحميه وتجعله يبدو وكأنه تصرف طيلة تلك الفترة وفق القانون ووفق مبدأ سيادة الدول! وإن لم تعفه منها، فسوف تمنحه الكثير من المبررات التي يمكن أن تفضي إلى عدم محاكمته أو إلى عدم مسؤوليته… الأمر الذي يهدر حقوق السوريين.
إضافة إلى ذلك فإن مشاركة النظام كتابة دستور تجعل النظام مجرد طرف من أطراف النزاع وليس مسببًا له، وتجعل الصراع يبدو وكأن السوريين قد يقبلون النظام الذي فعل ما فعل بهم بعد (حل) المشكلة القانونية/ الدستورية، وهذا تمييع لما حدث وتحريف له وتزييف من أنه ثورة ضد نظام بهدف الإطاحة به إلى مجرد صراع لمشاركته السلطة (قانونيًا).
أيضًا، وحيث أن سوريا بلد محتل من أكثر من دولة وميليشيا وأن السوريين مبعدين عن اقتراح حلول فعلية لمأساتهم والمشاركة فيها فإننا نعلم أن الحل، ضمن هذه الظروف، دولي أولًا ومرهون باتفاق وتوافق دولي ما يعني أن اللجنة الدستورية: مؤيدين ومعارضين ومجتمع مدني سيكون عملها مجرد تنفيذ لإرادات دولية، وتحديدًا لإرادة الأقوى التي هي هنا روسيا.
غالبًا فالدستور لن يكتب خلال فترة معلومة، وأن عبارة وليد المعلم “سنغرقكم بالتفاصيل” هي المعمول بها خلال عمل هذه اللجنة، وأن الدستور سوف يرى النور في الوقت الذي تحتاج روسيا أن يرى النور، في وقت انتخابات الرئيس عام 2021 مثلاً!
مع ذلك، وبالإضافة إلى كل أسباب رفض هذه العملية، وعدم أهمية البحث في أسماء المشاركين، فإن اللجنة بلوائحها الثلاثة تبدو فقيرة إلى حد يثير الاشمئزاز إلى خبراء قانونيين ودستوريين، وهذا لا يسبب مشكلة للنظام لأن تعليماته للجنته جاهزة، فالقرار واحد ومركزي، أما بالنسبة للأسماء المعارضة سواء بقائمة المعارضة أو بقائمة المجتمع المدني فقد بدت، في قسم منها، مجهولة على نحو مريب أو لا سابق لها بعمل قانوني أو حتى مدني ولا حتى سياسي: أسماء قابلة للتداول والتبادل والارتهان وتنفيذ المطلوب، وقد وافق النظام، مقدمًا، على أغلبها.
اللجنة الدستورية هي لجنة إضفاء الشرعية على نظام قاتل، هي لجنة وظيفية يبدو أن لا مهمة أخرى لها، ولا وظيفة. وبالتالي فإن مجرد المشاركة بهذه المهزلة يحمّل المشاركين مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقانونية أمام السوريين.
ربما أن الثورة، في عرف اللجنة وفي عرف آخرين، هُزمت، لكن السوريين يعرفون أنهم ناضلوا بكافة أشكال النضال وطرقه ومسالكه، وضحّوا على نحو يعرفه العالم بأسره كي تنتصر ثورتهم، أما وأنها، كما يمكن أن يقال، هُزمت، فقد هُزمت مكللة بالشرف، هزيمة مشرفة بالمعاني الإنسانية والأخلاقية والتاريخية التي تعنيها الهزيمة المشرفة، أما هذه اللجنة فتريد أن تنزع هذا الشرف التي يكلل جبين الثورة، وإن رفض سوريين كثيرين لهذه اللجنة والتبرؤ منها يعني، على نحو ما، أو بشكل حاسم، أن روح مقاومة الهزيمة لم تزل متقدة عندهم.
الترا صوت
اللجنة الدستورية: بين خديعة الانتقال السياسي وإعادة انتخاب بشار الأسد/ منهل باريش
رحب رئيس هيئة التفاوض المعارضة، نصر الحريري، بتشكيل اللجنة الدستورية واعتبره “انتصارا للشعب السوري، وجزءا من القرار 2254 ولا يستطيع أن ينكر أحد ذلك”. وفي تسجيل صوتي لنائب رئيس “هيئة التفاوض” جمال سليمان، حصلت “القدس العربي” على نسخة منه، وصف الممثل السوري إعلان الأمين الأمم المتحدة غوتيرش عن التوصل لتشكيل اللجنة الدستورية أنه “نقلة كبيرة جداً. وثمرة كفاح طويل وعمل دؤوب وصبر بلا حدود” شاكياً مهاجمة المعارضة والناس للهيئة أكثر من هجوم النظام عليها، مشيراً إلى أن “هذا انتصار للثورة السورية وتحول كبير جداً لم تشهده سوريا بتاريخها الحديث” قائلاُ: “المعارضة والنظام سيكتبان دستور لسوريا واللجنة سيدة نفسها” لاغيا دور مجلس الشعب ومشددا على أن “المنتجات لا تحتاج إلى موافقة بشار الأسد. تحتاج إلى موافقة الشعب السوري. باستفتاء حر ومستقل تحت إشراف الأمم المتحدة”.
فيما كان العميد إبراهيم الجباوي أكثر تحمساً لتشكيل اللجنة بسبب “موافقة النظام على كافة شروط الهيئة ومطالبها ورفض بيدرسون كافة الاشتراطات التي وضعها النظام” حسب تعبيره، وأضاف عضو الهيئة العليا للتفاوض وأحد أعضاء اللجنة الدستورية أن النظام “انصاع لكافة اشتراطات الهيئة وهي الرعاية الأممية والاجتماعات في جنيف. وستحظى المخرجات باستفتاء شعبي، فيما ستكون المعارضة نداً للنظام من خلال الرئاسة المشتركة”. ولخص عدم إمكانية النظام بتمرير أي قرار حتى لو ضمن الثلث الثالث كاملاً، في إشارة منه إلى ثلث المجتمع المدني الذي سماه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن.
وختم الجباوي في تسجيل صوتي نشر على غرف تطبيق واتساب التي تنشط المعارضة السورية باستخدامه “توفرت الإرادة- قليلا- لدى المجتمع الدولي لإحضار النظام إلى طاولة المفاوضات” مشدداُ على حصول الهيئة على “ضمانة من المجتمع الدولي أن اللجنة الدستورية ستكون مفتاحاً للحل وليس الحل، وهي مفتاح لمناقشة باقي السلال وعلى رأسها الانتقال السياسي. لن نضع دستورا للأسد ونرفض مناقشة دستور 2012 ونعمل على صياغة دستور جديد يلبي طموحات الشعب السوري الثائر الذي ينادي بالحرية والكرامة”. وفضلت منصة موسكو التي يرأسها قدري جميل الصمت وعدم التعليق حول إعلان غوتيرش تشيكل اللجنة الدستورية والذي استبق جلسة الجمعية للأمم المتحدة في دورتها الـ 74.
ويُصّر النظام السوري وحليفته روسيا على تسمية اللجنة الدستورية بلجنة “مناقشة الدستور” أي دستور عام 2012 الذي رفض العميد الجباوي مناقشته.
واستغرق مارثون تثبيت أسماء اللجنة الدستورية عامين كاملين، وكلف تغيير المبعوث الأممي السابق استيفان ديمستورا بالمبعوث الجديد غير بيدرسون. وفي النظر إلى استراتيجية المماطلة التي يتبعها النظام، فإن اللجنة لن تتمكن من عقد اجتماعها الأول في موعده المحدد نهاية تشرين الأول (أكتوبر) وإن عقد فإن اجتماعاتها الدورية لن تنطلق قبيل العام المقبل. والواقعية تؤكد أن اللجنة التي احتاج تشكيلها عامين، من دون اجتماع النظام والمعارضة فإن إنتاجها سيستغرق سنوات طوال، وسيضرب كل شهر من شهور عملية الانتقال السياسي بسنة على الأقل، ما يعني أن النظام سيكفل عملية إعادة انتخاب بشار الأسد مرة جديدة في انتخابات عام 2021 بينما المعارضة غارقة في مناقشة الدستور في ملعب النظام، إن لم يضمن الأسد دورة جديدة في انتخابات عام 2028 أيضاً.
وتوضح القواعد الإجرائية، الهوامش التي تركت الباب مشرعا على مصراعيه لتمرير رؤية النظام وترك المجال له للمناورة فيها من خلال طرح “إعداد وصياغة إصلاح دستوري يُطرح لاستفتاء شعبي كإسهام في التسوية السياسية وتطبيق القرار 2254 على أن يقوم الإصلاح الدستوري من بين أمور أخرى بتجسيد المبادئ الاثني عشر السورية – السورية الأساسية نصاً وروحاً في الدستور السوري والممارسات الدستورية”. وتنفي القواعد الإجرائية ما تحدث عنه أعضاء هيئة التفاوض فيما يتعلق بكتابة دستور جديد، فهي تحدد ما يتعلق بدستور عام 2012 بالتالي تستطيع اللجنة الدستورية أن تراجع دستور 2012 وسياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وتقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد”. وهو ما يعطي النظام فرصة الضغط على المعارضة من أجل فرض أولوية نقاش دستوره على كتابة دستور جديد.
لجوء بيدرسن إلى التوجه من أجل تشكيل هيئة مصغرة تضم 45 عضوا من أصل 150 وهم الأعضاء الأساسيين، سيعقد المسألة على المعارضة والمجتمع المدني أيضاً وسيدخلان في سجالات تستهلك زمنا طويلا من أجل اختيار ممثلين عنهما للهيئة المصغرة. وتدخل آلية إحالة ما يتم التوافق عليه في “الهيئة المصغرة” إلى الهيئة الموسعة في إطار التعقيد وليس السهولة والرشاقة وهي بيروقراطية وطريق طويل يزيد من خسارة الوقت، وهو ما يشتريه النظام ولا تلتفت له المعارضة المقسمة أساساً.
وتعتبر نسبة التصويت بـ 75 في المئة التي نظر لها رئيس الهيئة العليا للتفاوض ونائبه وآخرون من المعارضة، واحدة من أكبر الطعوم التي ابتلعتها المعارضة على الإطلاق. فالعميد الجباوي قال بصعوبة تمرير أي قرار للنظام حتى لو ضمن الثلث الثالث كله (ثلث المجتمع المدني) وكأنه أساساً قد ضمن ثلث المعارضة التي هو عضو فيها. ناهيك عن انتقاصه من أعضاء المجتمع المدني، فبعضهم من المناضلين المعروفين الذين قدموا تضحيات كبيرة في وجه النظام فيما يرضى بشراكة أعضاء من مخابرات النظام في الهيئة العليا للتفاوض ومنصة موسكو التي تعتبر يد روسيا الطولى داخل الهيئة العليا للتفاوض.
إن الطرح الذي يروجه أعضاء “هيئة التفاوض” حول تماسك كتلة المعارضة هو مدعاة للسخرية بكل تأكيد. فالنظام السوري الذي وضع فيتوات على أسماء محددة لم يسمح بتمريرها وقام بحسابات دقيقة لناتج التصويت تجعله يضمن تمرير ما يريد وفي أسوأ الأحوال فإن نسبة الـ 75 في المئة لحسم القرارات ستوقع المعارضة في حرج في أول اختبار. فهي والمجتمع المدني ان صوتوا جميعا على رفض دستور عام 2012 الذي سيطرح حسب القواعد الإجرائية، فانهم لن يحصلوا على النسبة المطلوبة والتي هي 113 صوتا من أصل 150. وهنا ستقع المعارضة في أول الأفخاخ وسينقسم موقفها تحت ذريعة “دعونا نناقش دستور 2012 ونغير صلاحيات الرئيس” على طريقة الواقعية السياسية التي اتبعتها المعارضة منذ انقلابها على مؤتمر الرياض 1. وستكتسف المعارضة ونصف المجتمع المدني “المحسوب” على الثورة أنهم غير قادرين على تجميع النسبة الكافية لتغيير أي فقرة أو مادة من مواد دستور 2012.
مسار العاجزين هذا، سيدفع أصحاب “الواقعية السياسية” إلى التسليم بمسألة عدم جدوى تغيير الدستور وسياسهم بتمزيق المعارضة الهشة والمنخورة بمعارضين لا يتجرأون على وصف الأسد بالمجرم أو القاتل. فيصبح القفز إلى سلة الانتخابات هو الحل. ولا غرابة في ذلك أبدا، فنائب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، الممثل جمال سليمان بدأ بتسويق نفسه للترشح ضد بشار الأسد في انتخابات عام 2021 ظنا منه أن اللجنة الدستورية ستنهي عملها خلال ستة أشهر تسمح له بالترشح بضمانات ورعاية أممية.
إن تجاوز تشكيل هيئة الحكم الانتقالي بوصفها مرجعية عمل اللجنة الدستورية نفسها، أصبح عمليا تخليا عن عملية “الانتقال السياسي” الحقيقي، وبات مجرد شعار يمارسه المعارضون من أجل تضليل السوريين، خصوصاً وأن المعارضة لم تتمسك بوقف إطلاق النار الشامل، وتخلت عن قضية إطلاق سراح المعتقلين وجلاء مصير المفقودين وعودة المهجرين والنازحين باعتبارها إجراءات “بناء الثقة”.
القدس العربي
اللجنة الدستورية وإرادة السوريين/ فاطمة ياسين
انتهى الإعلام من تداول قضية بلدة خان شيخون السورية التي دخلتها قوات النظام بعد تدمير بيوتها وتهجير أهلها. وقضمت مناطق ريف حماه الشمالي، ومعظم الريف الجنوبي لإدلب، ثم بدأت التحرّكات السياسية بالقمة الثلاثية في إسطنبول منتصف سبتمبر/ أيلول الحالي بين الرؤساء الروسي بوتين والإيراني روحاني والتركي أردوغان، ثم اجتماعات الأمم المتحدة التي تستقطب عادة كثيرين من قادة الدول، ويجري الحديث بينهم عن الأوضاع المتدهورة في سورية، من دون أن تتوقف الهجمات الجوية على مناطق المعارضة في الشمال، والتي تشي بنوايا النظام في اجتياح مزيدٍ من المساحات، فهو يركّز على الريف الشرقي للاذقية ومحور جسر الشغور، ويتابع توجيه براميله المتفجرة إلى الريف الجنوبي لإدلب، وعينه على معرّة النعمان وما يحيط بها، وهو يرغب بالتقدّم وصولاً إلى جسر الشغور، لتأمين ثغور حاضنته الطبيعية في اللاذقية.
لم تسعف قمة اسطنبول بتأشير إلى ما يمكن أن يحدث، فتكرّرت فيها تأكيداتٌ سابقة عن وحدة سورية والحل السياسي. أما اجتماعات الأمم المتحدة فطغى عليها ملف العلاقات الإيرانية الأميركية، ولكنها حملت إعلاناً عاماً، بالاتفاق النهائي على تشكيل اللجنة الدستورية، بحيث يختم هذا الإعلان مخاضاً طويلاً، وهو الخطوة الأولى المفترضة للحل السياسي السوري المنشود.
في شوارع دمشق هناك ما هو أهم من أخبار اللجنة الدستورية، فلدى مواطن مناطق النظام هواجس بشأن قيمة العملة التي يسجل انخفاضها أرقاماً قياسية، حتى تجاوز سعر الدولار في بعض النشرات ستمائة ليرة سورية. ويتابع السوريون مسرحيات اعتادوا عليها، وهي حملات مكافحة الفساد، وقد حملت الحملة أخيرا عناوين شائقة باعتقال أسماء تُعتبر من عظام رقبة النظام، أو الحجر عليها، ولكن هذه الأخبار لم تُحسن أسعار الصرف المرتبطة فيما يبدو بأحداث اقتصادية وعسكرية تتجاوز توقيف ابن خال الرئيس أو ابن عمته. والمواطن الغارق في متابعة هذه الأخبار عبر وسائله الخاصة، وليس عبر وسائل إعلام النظام، همّه الأساسي، وقد بدأت مقدّمات الشتاء، تأمين الوقود ومستلزمات البرد في ظل فقدان أساسياتٍ كثيرة، وخبر تشكيل اللجنة الدستورية، سيمر عليه بسرعة من دون أن ينشئ موقفاً محدّداً لديه.
أما السوري الآخر الموجود خلف الحدود في مخيم ما، أو يصارع سلطات الهجرة ليضمن لنفسه مكاناً دائماً، آمناً ودافئاً، فحين يقرأ خبر الإعلان عن اتفاق تشكيل اللجنة الدستورية، ويسمع الأمم المتحدة تردّد أن هذه اللحظة السورية حاسمة بتسمية اللجنة، ورضى الجميع عنها، يمكن أن يتذكّر مشقة هجرته، وسلسلة معاناته الطويلة. ولكنه سيفضل بالتأكيد أن يتابع الركض هنا وهناك، ليضمن مكاناً له في أوروبا، أو ليؤمن رقعة أكثر تحصيناً في أحد المخيمات التي يقطنها، ويبقى خبر تشكيل اللجنة مجرّد كلام ينفع لتلوكه الإذاعات، وتعرضه الشاشات.
لا بد أن المجتمع الدولي الآن يشعر براحةٍ ما، وقد أزاح عن ضميره بعض العذاب، وهو يعلن أن اللجنة الدستورية أصبحت حقيقة واقعة بأسماء أفرادها المائة والخمسين. وقد يزيح القضية السورية لتصبح ثالثة أو رابعة في سلم أولياته، فاللجنة، أو العصا السحرية، ستقوم بعملها الآن، وستصدر الوثيقة القانونية المرجعية التي ستحكُم علاقات الشعب وسلطاته، وستبين كيفية انتقاء هذه السلطات، وسيذهب المواطن المفترض إلى أقرب صندوق ليدلي بأحلامه الوردية التي ستتحقق سريعاً. أما في الواقع، فالسوريون الذين داهمهم هذا الخبر يعرفون جيداً أن اللجنة الدستورية واجتماعاتها لن تغير شيئاً، والمواطن الآن بحاجة إلى ما هو أكثر إلحاحاً من كلام سياسي غير فعَّال. ولدى المهتمين من السوريين ملاحظات على اللجنة وعلى أشخاصها وعلى طريقة اجتماعاتها ورئاستها، ولدى آخرين هواجس المعارك القادمة في الشمال وفي الشرق. ولدى الكثيرين، وهمُ آلاف المعتقلين المنتظرين في السجون، ولدى الغالبية، خوف كبير وحقيقي من أن تتحول قضيتهم إلى بندٍ لتسوية حساباتٍ أخرى.
العربي الجديد
“التشبيح” والدستور السوري/ بسام يوسف
يمكن تعريف التشبيح بأنه سلب حقوق الآخرين بالقوة، مهما تكن هذه الحقوق، وتجاهل كل الأنظمة والقوانين التي وضعت لحماية هذه الحقوق، والدعس على رجالها المخولين بالدفاع عنها، أي أجهزة الشرطة والأمن والقانون.
ليست ظاهرة التشبيح ظاهرة عابرة في سوريا، وليست محض حوادث، قد وقعت هنا وهناك، قام بها أفراد طائشون، استغلوا قرابتهم لرئيس البلاد؛ فارتكبوا أفعالهم المشينة على الملأ، وأمام أعين رجال الأمن والشرطة في وضح النهار.
إن حافظ الأسد، وشقيقه رفعت، هم من أسسوا ظاهرة التشبيح، ودعموها، واستغلوها، فجعلوا منها كابوساً، يرزح مواطنو سوريا تحته. وإن من مارس فعل التشبيح علانية- في البداية- هو: رفعت الأسد، هذا “الغضنفر” الذي وجد نفسه قادراً على استباحة من يريد، وما يريد في سوريا، بكل سهولة وبلا أية مساءلة، متكئاً على سلطة أخيه، التي هي سلطته، متوهماً أن سوريا أرض صفصف، وأنه وأخاه بناتها وقادتها، وأن من حقه بالتالي: أن يجيّر ما يراه مفيداً لسلطته الثورية التي تحكم سوريا لمصلحته. وعليه، فقد صادر رفعت الأسد أملاك الدمشقيين وغيرهم، واستولى على الأرض التي يشاء، واستباح آثار سوريا، وجعل سرايا الدفاع ميليشياه الخاصة، وأدارها إدارة لا تنضوي تحت نظام الجيش السوري، فوضعها فوق المحاسبة، وفوق القوانين التي تنظم علاقة الجيش بالمجتمع. ثم، على غرار رفعت أنشأ أفراد العائلة عصاباتهم الخاصة. وهكذا عرفت اللاذقية أولاً بدايات هذه الظاهرة، وعرفت بشاعاتها واستهتارها. وقد كان السوريون يتساءلون ببساطة شديدة: لماذا لا يضع الرئيس حداً لهم؟.
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، في حادثة من حوادث التشبيح الكثيرة، حُكي في اللاذقية: إن مواطناً تعرضت ابنته للاختطاف من أحد شبيحة آل الأسد، تمت عملية الاختطاف نهارا وأمام أعين مئات المشاهدين وعلى باب المدرسة الثانوية التي تدرس فيها.
احتجزت الفتاة عدة أيام، وتم اغتصابها، ثم أطلق سراحها. كانت صدمة العائلة كبيرة، وكان القهر والعجز ينيخان على البيت المنكوب، وكان الأب المحاصر بعجزه، لا يعرف كيف يرد الإهانة البالغة التي لحقت به وبعائلته. وقد كانت المقولة التي انتشرت في سوريا، وازدهرت – ولا تزال- فيها، بما هي مقولة غير قابلة للنقاش، والتي يمكن اختصارها: إن الرئيس وأفراد عائلته الصغرى، لا يقبلون ممارسات كهذه، وإنها عائلة نبيلة، لكن الأقرباء سيئون، ويستغلون اسم العائلة. وعليه، لم يكن أمام الأب المنتهك سوى هذه المقولة؛ ليسند عجزه إليها، فلا قضاء يمكنه أن يفعل شيئاً، ولا طاقة له كفرد على مواجهة مغتصب مدجج بأسلحته ومرافقته وسطوته، فراح الأب يحاول مقابلة حافظ؛ كي يخبره بما حدث؛ ليقتص الرئيس العادل من الغاصب المستهتر. وقد كان أن شاءت الأقدار موت قريب- من الدرجة الأولى- لأنيسة مخلوف زوجة الرئيس. وتوقع الرجل أن: لابد أن يحضر حافظ الأسد التعزية. فقام الرجل بالتوجه إلى قرية آل مخلوف “بستان الباشا”، وانتظر هناك عله يحظى بمقابلته. وقد حضر حافظ الأسد فعلاً؛ فاندفع الرجل لمقابلته، وكان عناده وإصراره كافيان؛ لأن يتمكن من إيصال طلبه؛ فسمح له بالمقابلة، وما إن وصل الرجل إلى المكان الذي يجلس فيه حافظ الأسد حتى أجهش بالبكاء، وبعد أن فاض ضعفه وقلة حيلته بكلمات المديح، قدم شكواه منفعلاً: إن مجرماً من عائلة الأسد، اختطف ابنته، واغتصبها. وبعد، لم يهتم حافظ الأسد لاغتصاب الفتاة، ولا لقهر أبيها المفجوع؛ لأن ما استفزه، وأغضبه، هو: وصف الرجل أحد أفراد العائلة بالمجرم!! يومها، كان رده الوحيد للرجل: إن اغتصاب أحد أفراد العائلة لابنتك، هو شرف لك ولعائلتك. ولم يكن أمام الرجل سوى الصمت، فصمت.
تلخص الحكاية بتكثيف شديد: كيف اشتغل حافظ الأسد على نشوء ظاهرة الشبيحة، وكيف رعاها لهدفين:
الأول- هو ترويع الناس وزجهم بمواجهة أفراد منفلتين وعارين من أي ضمير، ومن أي قيم، ومن أي رادع، وعجز القانون عن محاسبتهم أو التصدي لهم.
الثاني- هو حصر إمكانية التصدي لهذه العصابات المنفلتة به وبابنه باسل، الأمر الذي يمنحه وابنه صفتين أساسيتين، هما: القوة، والخير. فيعزز المقولة السائدة: إن العائلة الصغرى، هي المنقذة، وهي الساعية إلى تحقيق الحق والعدالة.
كانت منطقة الساحل من حين إلى آخر- بعد أن يضج الناس بتجاوزات عصابات الشبيحة- تشهد مسرحية تافهة، يسبقها إشاعات كثيرة، تتولى أجهزة المخابرات إشاعتها: عن قدوم المخلص باسل الأسد لمحاسبة هذه العصابات وإيقافها عند حدها. كما لو أننا في فيلم هوليودي متقن الإخراج، وتبدأ العملية، وتنقل تفاصيلها بإثارة بالغة، وتزداد أسطورة الباسل وعظمته ومكانته داخل المجتمع. لكن أحداً لم يكن يتوقف عند الظاهرة الملازمة، وهي: أن القانون لم يتدخل، وأن أجهزة الأمن لم تتحرك لمنع هذه الظاهرة، ولم يكن أحد يسأل علانية: لماذا لا يحاكم هؤلاء في المحاكم؟ ولم يكن أحد يفسر: لماذا تعود هذه العصابات دائماً- بعد فترة قصيرة- إلى سابق عهدها وقوتها واستباحتها. فقط، كان هناك ضحايا في كل فصل من فصول مسرحية العبث هذه، لكن أحداً لم يكن يهتم لمصير هؤلاء المساكين، الذين قد يقتلون في مواجهات الوهم مع عصابات الشبيحة التي يقودها البطل ابن البطل. وقد كان أولئك البسيطون الذين كانوا يتوهمون، أنهم وبحكم وظيفتهم، ولأنهم في بلد يحكمه رجل حكيم عادل، ولأن الباسل ضد الشبيحة، وقد عاقبهم؛ فإنهم قادرون على التصدي لبعض ممارسات هؤلاء الشبيحة، وقد يتوهم شرطي سير، لم يفهم اللعبة جيداً، أنه يستطيع توقيف سيارة تسير بسرعة كبيرة في اتجاه معاكس، أو أن يتوهم عنصر جمارك، أنه أصبح قادراً- بعد ملحمة الباسل المغوار- على منع شحنة التهريب الكبيرة التي تمر أمامه، أو أخذ رشوة كبيرة مقابل تمريرها… هؤلاء البسطاء كانوا يقتلون، أو يسرحون، أو يتعرضون لضرب مبرح.
ما حكم سوريا طوال حكم عائلة الأسد، هو: التشبيح. أما ما حصل تجاهله، وعده غير ذي أهمية، هو: أن التشبيح لم يبق مقتصراً على التهريب، ولا على استباحة أملاك الغير؛ لأنه تمدد حتى صار ظاهرة تتحكم بسوريا كلها: من أروقة المحاكم والقضاء، إلى استباحة الجامعات والتعليم، إلى التغلغل في باقي أقسام الجيش والمخابرات والشرطة…حتى البرلمان والسياسة.
عندما انفجرت الثورة السورية، سارع بشار الأسد إلى إطلاق يد عصابات التشبيح، بعد أن وسّعها، ونظّمها، وجعل منها أداته الموثوقة، وجعل من ضباطه المخلصين مشرفين عليها، ثم وجدت هذه العصابات فرصتها في أن تستثمر قوتها لصالح جهات أخرى، فارتبط قسم منها بإيران الأغنى والأقوى، واشترت روسيا بعضها.
يظن بشار الأسد أنه قادر الآن على أن يلعب دور باسل الأسد المخاتل في لجم هذه العصابات، لكنه واهم، لقد أصبحت هذه العصابات أكبر منه. وهكذا، فالشبيحة قادمون إذاً، مدججون بماضيهم، وبعلاقاتهم التي امتدت خارج سوريا، وها هم يتحضرون؛ ليلبسوا ثوب الدستور الجديد.
تلفزيون سوريا
ما بعد تشكيل اللجنة الدستورية/ عمر كوش
أخيراً، وبعد مخاض طويل، دام حوالى عشرين شهراً، وشهد مماحكات وتجاذبات، وعقد قمم ثلاثية وثنائية بين رعاة محور آستانة، ولدت اللجنة الدستورية التي كانت أحد أهم مخرجات “مؤتمر سوتشي للحوار السوري” الذي دعا إليه ورعاه ساسة الكرملين، ومن ثم؛ فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: ماذا بعد تشكيل اللجنة الدستورية؟
يستدعي السؤال جملة من الأحداث والوقائع التي اعترت القضية السورية، إذ إنها في الجوهر، هي ثورة شعب خرج إلى الساحات والشوارع والأزقة، طلباً لنيل حريته والخلاص من الاستبداد، ولاسترجاع كرامته المهدورة، ثم حولتها القوى الإقليمية والدولية التي خاضت في الدم السوري، إلى صراع مسلح في سوريا وعليها، وذلك بعد أن شن نظام الأسد حرباً دموية ضد الثائرين وحاضنتهم الاجتماعية، أسفرت عن مئات آلاف الضحايا والمعتقلين، وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا من أماكن عيشهم، وتدمير بلداتهم وقراهم ومدنهم.
إذاً؛ لم يخرج السوريون من أجل تشكيل لجنة دستورية، سواء لتعديل الدستور الحالي أم لإعادة كتابته ووضع دستور جديد، ما يعني ببساطة أن القضية السورية ليست قضية دستورية، بل قضية سياسية، أساسها التغيير السياسي، بما يفضي الانتقال إلى نظام سياسي مغاير تماماً للنظام الأسدي.
غير أن تخاذل المجتمع الدولي، وعدم وضع القضية السورية بين أولويات كل من الولايات المتحدة ودول الغرب، منح النظام الروسي الضوء الأخضر، كي يتدخل عسكرياً وبشكل مباشر لصالح نظام الأسد، إلى جانب تدخل نظام الملالي الإيراني المباشر، والمتعدد الأشكال. ووجد ساسة الكرملين في الوضع السوري فرصة لتحقيق مصالحهم، ولمناكفة مواقف دول الغرب والثأر منها، وراحوا يسوقون الخطط والحلول التي يجترحونها، فعملوا على ضرب مسار جنيف الأممي التفاوضي، واجترحوا بدلاً منه منذ بداية 2017 مسار آستانة الذي زاد من الويلات التي ألمت بالشعب السوري، ثم عقدوا، في 30 يناير/ كانون الثاني 2018، مؤتمر سوتشي، ومنه تمخضت اللجنة الدستورية.
وعلى الرغم من أن اللجنة الدستورية قد شكلت، بعد توافق رعاة آستانة الذين أعلنوا عنها في قمة أنقرة الثلاثية في 16 من الشهر الجاري، إلا أن الأهم هو ما بعدها، إذ سيبدأ مخاض عسير من التزييف والتعطيل الذي اعتاد عليه نظام الأسد، والمماطلة واللعب على الوقت، من خلال الإغراق بالتفاصيل.
ولا يندرج تشكيل اللجنة أو عملها، الذي ربما سيبدأ بعد أسابيع قليلة، ضمن مخرجات القرار الأممي 2245، بحسب ما يزعم رعاة محور آستانة، ويتواطأ معهم بعض المعارضين السوريين، إذ إن هذا القرار ينص على عملية انتقال سياسي، غايتها تطبيق بيان جنيف-1 في حزيران/ يوينو 2012، وذلك عبر خطة مكونة من مرحلتين، الأولى تفاوضية مدتها ستة أشهر، وتنهتي بتشكيل هيئة حكم انتقالي شامل، وغير طائفي، وتنقل إليها كافة السلطات التنفيذية في سوريا، والثانية انتقالية، مدتها 18 شهراً، يوضع في خلالها دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية.
ومن المخجل أن بعض المعارضين، من هيئة الرياض 2 التفاوضية، ومن الائتلاف السوري المعارض وسواه، يحاول تصوير تشكيل اللجنة الدستورية انتصاراً للشعب السوري، وكأنها أعلنت نهاية نظام الأسد، أو على الأقل تحقق بعضاً من تطلعات الشعب السوري ومطالبه المعروفة لديهم ولدى غيرهم، بينما، على العكس تماماً، يشي السير في خيار اللعبة الدستورية بالتخلي تماماً عن جوهر القرار 2254 وبيان جنيف 1 وسواهما من القرارات الأممية بشأن الانتقال السياسي في سوريا، لأن الإقرار بأن المشكلة في سوريا ذات أولوية دستورية، يعني إدارة الظهر لعملية الانتقال السياسي ولهيئة الحكم الانتقالي التي من المفترض أن تتولى المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بحسب ما أوضح نص القرار 2254. والأخطر من ذلك أن مخرجات اللجنة الدستورية ستعرض على الاستفتاء الشعبي، في ظل استمرار حكم بشار الأسد ونظامه، ما يعني الإقرار بشرعيه المفقودة منذ بداية الثورة السورية، وربما سيعترف أعضاء اللجنة بحقه في الترشح للانتخابات المقبلة عام 2021، فهل هذا هو الانتصار الذي يتحدث عنه بعض المعارضين السوريين، الذين فقدوا حتى حس الحياء من دماء السوريين وتضحياتهم؟
إذا، ما بعد اللجنة الدستورية سيكون خطراً على تطلعات أغلب الشعب السوري، إذ إن وفد النظام الأسدي سيلجأ إلى الاستعراض وتسجيل النقاط والخداع، بحيث لن يمسح بكتابة دستور جديد، بل محض توصيات بتعديلات دستورية، لذلك فإن أقصى ما يمكن أن تتوصل إليه اللجنة، هو بعض تعديلات لدستور 2012، الذي سبق وأن أشاد به بعض المحسوبين على المعارضة السورية في هيئة الرياض 2، وسواهم، ومن ثم، فإن اللجنة الدستورية إما أن تُعطّل فور بدء أعمالها، أو ستخرج بتوصيات هزيلة، وبخاصة أن أي مخرج من مخرجاتها يجب أن يحصل على موافقة ثلثي أعضاء اللجنة، خصوصا أن الكفة تميل نحو طرف النظام بالنظر إلى تركيبة اللجنة الدستورية، حيث إن أي توصية أو بند دستوري يجب أن يحظى بموافقة 75% من اعضائها، أي 113 من أصل 150، أو 34 من أصل 45 في اللجنة المصغرة. وهذا يعني، تصويت كتلتين كاملتين، إضافة إلى 13 عضواً من الكتلة الثالثة، لاتخاذ أي قرار أو تعديل.
ويبدو أن ساسة الكرملين يجيدون اللعب على الوقت، وعلى أشياء كثيرة أخرى. وحين يتحدثون عن حلّ سياسي، فهو بالتأكيد الحل الذي يبقي ربيبهم الأسد في السلطة إلى أطول مدّة ممكنة، وقد عرفوا كيف يميعون مواقف المعارضة السورية، حيث وجدوا معارضة طيعة لا تعارض أجندتهم، بل إن بعضهم أشاد بدورهم في سوريا. ونجحوا في إدخال أعضاء من منصة موسكو في هيئة الرياض 2 التفاوضية، وهم أشخاص معروفون بالولاء لما تمليه موسكو عليهم، بعيداً عن هموم السوريين، كونهم لا يعترفون بثورتهم ولا بتطلعاتهم المشروعة. ثم اجترح الروس اللجنة الدستورية في اجتماع سوتشي الذي شكلوه من مجموعة أشخاص موالين للنظام، وآخرون بعيدون عن مطالب أغلب السوريين. وكانوا يرمون من تدخلهم السافر إلى جانب نظام الأسد، تحويل القضية السورية برمتها وتمييعها، والأهم هو ضرب هيئة الحكم الانتقالي التي من المفترض أن تتولى مهمة كتابة دستور جديد، وليس اللجنة الدستورية المسخ، المشكلة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية الخائضة في الدم السوري، وأغلبها يهمها مصالحها التي ترى في نظام الأسد ضامناً وحيداً لها.
بروكار برس
أسئلة بشأن اللجنة الدستورية السورية/ سوسن جميل حسن
قد يكون قريبًا من الحقيقة القول إن السوريين لم يعودوا يعرفون ماذا يريدون، وإن تطلعاتهم بغد أرحم وأكثر رأفة وإنسانية وحياة تليق بمواطنين يعيشون في دولة حديثة يحمي دستورها الحقوق ويضمن بناء الدولة، صارت، على الأقل في هذه المرحلة بعد سنوات الجحيم، حلمًا من الماضي، أو إنها غادرت من جديد إلى ظلام نفوسهم كرغبات حارقة جرّت الويلات عليهم، على الرغم من شرعيتها وقدسيتها لدى الشعوب الكريمة. لذلك، فإن طرح الدستور باعتباره حاجة ملحة وأولوية بالنسبة لحل الأزمة السورية، وما انبثق عنه من تشكيل لجنة برعاية الأمم المتحدة، وافق عليها طرفا النزاع، لاقته نسبة كبيرة من الشعب بالقبول واللهفة، آملين أن يغلق بوابات الجحيم ويطفئ نار جهنم التي التهمت ماضيه وحاضره ومستقبله، وخصوصا لأن هذا الطرح نجم عن توافق واتفاق بين أطراف أساسية، استلمت تقرير مصير سورية، أطراف تفاهمات أستانة، وراحت تقرّر مستقبل السوريين بدلاً منهم، مثلما لو أنهم، السوريين، فاقدو الأهلية الحقوقية، والوصاية أكثر ما يحتاجون إليه، كالأبناء القصّر.
تعب السوريون، فلا يحق لأحد أن يلومهم، كما لا يحق لأحدٍ أن ينهال على الآخر فيقصيه ويجرّده من سوريته، إذا كان موقفه من قضية الدستور لا يعجبه، أو لا يوافق موقفه. فهل في الإمكان أفضل مما كان بعد سنوات تسع من الدمار والقتل والتشريد والتجويع والإفقار؟ أم إن المقامرة بمن بقي من الشعب وبحياته وأمنه ومستقبل أطفاله أمر مقبول وشرعي، إذا ما قيست الأمور بمقياس الحياة التي هي حق لا منة لأحد على أحدٍ به، وهي عزيزة فوق التصوّر بالنسبة للشعوب التي تنعم بالعيش في دول متحضرة مستقرّة قوية؟
باسترجاع السنوات الثماني الماضية وتقويمها، بطريقة نقدية موضوعية من دون تعصب أو مقاربة إيديولوجية أو منحازة لسياسة ما أو طرف ما، يتبدّى أن السمة الدامغة لها كانت العنف بكل أشكاله، العنف بوسائل القتل المنوعة، العنف بالتعذيب، العنف بالحصار والتجويع، العنف اللفظي، إلى ما هنالك من طرقٍ لا يجدي عدّها، وكل هذا العنف كان مقرونًا برفض الحوار، بل وانعدام الاعتراف بضرورته، والأكثر ألمًا انعدام مقوماته وحيازتها بحدها الأدنى، على الرغم من تبجح كل الأطراف بأنهم جاهزون للحوار “لكن الطرف الآخر يعرقله”، فالحوار حتى ينهض ويسود الموقف يجب أن تكون لدى كل طرف النية بقبول الطرف الآخر والإقرار بأن لديه الحق في أن يمتلك رأيًا وموقفًا تجاه القضية المطروحة للحوار، حق يساوي حقه تمامًا، وأن الحوار يفرض عليه أن يأخذ رأيه بجدّية واهتمام، وأن يحترمه ويصغي إليه. كذلك يتطلب الحوار أن يتوفر حد ما من الثقة بين المتحاورين، الثقة التي تمنح كل طرف الشجاعة بأن يطرح رأيه من دون خشيةٍ أو خوف، معتبرًا أن كلامه مهم للطرف الآخر، وأن الآخر يصغي إليه باهتمام.
لكن، وهذه حقيقة مرّة، كان الحوار أبعد شيء عن السوريين، كان في مجرّة أخرى، بل وكان مجرّد فكرة طرحه للتداول يقابل بالرفض، والجلسات التي قادها مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، في جنيف، دليل دامغ، عندما كان يقوم بدور الوسيط بين طرفي الصراع السوري اللذين لم يمتلكا النيات على الجلوس إلى طاولة حوار واحدة، وإدارة النقاش فيما بينهم، مع أن القضية المطروحة والمتنازع عليها تخصّهم جميعًا، إنها قضية وطن اسمه سورية. ومنذ بداية الحراك في سورية، انقسم السوريون إلى فريقين أو معسكرين، باعتبار أن العسكرة صارت باكرًا هي البوصلة وهي الحكم، معسكر ما زال يرى الأجنبي المسؤول عمّا حلّ بنا، وأن المؤامرة الكبيرة على سورية ما زالت تحاك بعزم وصلابة، وأن من وقفوا بجانب الحراك وشجعوه عملاء ومرتبطون ولا ينتمون إلى الوطن. بينما رأى المعسكر الآخر باكرًا أن طموح الشعب السوري وتحقيق أحلامه وانتصار “ثورته” لا يصح من دون تدخل أجنبي، وكان الرهان على الأجنبي باكرًا أيضًا، وتوزّع هذا الطرف بين ولاءات عديدة بدّدت الزخم الشعبي وحرفته عن أهدافه. وراحت الاتهامات تتوالى، وتتصاعد نبرتها بتصاعد العنف على الأرض، وتدفق دماء السوريين بلا رحمة.
في الحالتين، يُدار الصراع حول قضية واحدة، والكل يتحدث باسم الشعب السوري. وفي الحالتين أيضًا، كانت الإرادة الذاتية تذوي وتتلاشى والثقة بالنفس والاعتماد على النيات الذاتية تنعدم، والاتكاء على الأجنبي يزداد، حتى صار الأجنبي المقرّر الوحيد لمصير السوريين، والدليل اليوم أنه من يقرّر أن حل الأزمة السورية يكون بتشكيل لجنة دستورية أعلنها أخيرا الأمين العام للأمم المتحدة، ووافق عليها النظام. هذه الحالة سبب أساسي يقف وراء موقف غالبية السوريين من تشكيل اللجنة، الموقف اليائس الذي تباين بين الرفض من دون مبرّرات أو حجج منطقية، أو التهليل المستبشر من دون حجة أيضًا، والدافع في الحالتين هو الرغبة في الخلاص من الواقع المأساوي الذي ألمّ بالبلاد، وما زال ينهش بمفاصل الحياة كلها ويقضمها.
حتى الرغبة في الخلاص لا تعني الرضا الحقيقي الصادق، فالسوري يائسٌ من إمكانية اتفاق أعضاء اللجنة، لأن تسع سنين من الحرب ترافقت مع عملية سياسية عرجاء وعاجزة لم يعرف السوريون خلالها فهم ما حدث ويحدث ومناقشته، كي يتم حفر ثغرة في الجدار الأصم الذي يفصل بين واقع السوريين ومستقبلهم، لأن كل طرفٍ كان متمسّكًا بالأفكار والأحلام والهواجس التي تستولي عليه. ويعمّق الخلاف بذلك حول النتائج المنتظرة التي يعتبرها حقيقة واقعة. عجز السوريون عن فهم واقعهم لأسباب كثيرة لا يمكن حصرها هنا، وكان عجزهم نتيجة طبيعية لانعدام الثقة فيما بينهم وانعدام النية أو القدرة على الإصغاء إلى بعضهم بعضا.
انطلاقًا من هذه الحقيقة، كيف يمكن انتظار حل يأتي من لجنة دستورية لم ينتخبها الشعب، ولا يعلم الشعب أيضًا شيئا عن كفاءتها وقدرتها على صياغة دستور يمثل إرادته؟ عندما صمتت الحرب العالمية الثانية، عمل حكام الأقاليم الغربية من دول الحلفاء على منح رؤساء الوزراء الألمان في الغرب صلاحياتٍ تتضمن مهمات محدّدة اشتهرت باسم “وثائق فرانكفورت”، من أجل الإسراع في تأسيس دولةٍ في القسم الغربي من ألمانيا، حيث كان القسم الشرقي تحت نفوذ الاتحاد السوفييتي. وقد نصت الوثيقة الأولى على تنظيم اجتماعٍ يدعو إلى وضع دستور فدرالي ديموقراطي، تلقَّى رؤساء وزراء الولايات الإحدى عشرة تكليفاً بدعوة جمعية تشريعية إلى الاجتماع. توجب على هذه الجمعية إعداد دستور ديمقراطي، يضمن الحقوق الأساسية، ويصوغ بناء الدولة الفيدرالية. ولكن رؤساء وزراء الولايات الاتحادية كانوا يخشون أن يؤدي سريان الدستور على دولة ألمانية غربية فقط إلى إِحْكام تقسيم ألمانيا. ولذلك دعا رؤساء وزراء الولايات الاتحادية إلى “مجلس برلماني” بدلاً من جمعية تشريعية، عليه صياغة دستور مؤقت سمّي “القانون الأساسي”، وهو الاسم الذي ما زال يُطلق على الدستور الألماني. ضم المجلس البرلماني 65 عضوًا، كان من بينهم 33 خبيرًا.
لا نعلم كم خبيرًا تضم اللجنة الدستورية السورية التي أعلن عنها، إنما يمكن القول إن عددهم قليل جدًا. ولكن إذا كانت هي الاتفاق الوحيد الذي أجمعت عليه كل الأطراف الضالعة في الشأن السوري، فهل ستمتلك القدرة على وضع “قانون أساسي” كما فعل الألمان، يقوم على ضمان الحقوق الأساسية يكون بمثابة القاعدة التي يُبنى عليها دستورٌ ينظّم بناء الدولة السورية من جديد؟ أسئلة قلقة ومريرة في الوقت نفسه، بالنسبة إلى السوري الذي شهد على دمار وطنه وخراب دولته ومجتمعه، وشهد أيضًا على عدم توفر القدرة أو النية بين أطراف الصراع في بلاده على الإصغاء والحوار.
العربي الجديد
بيدرسن: في سوريا 5 جيوش تهدد سيادتها واستقلالها
قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، إنه قلق من وجود 5 جيوش مختلفة في سوريا، معتبراً أنه تهديد لسيادتها واستقلالها ووحدة راضيها، وشدد على ضرورة أن تكون الأراضي السورية كلها تحت سيطرة الحكومة.
وفي مقابلة مع وكالة “نوفوستي”، قال بيدرسن إنه سيلتقي مع الرؤساء المشاركين باللجنة الدستورية السورية لمناقشة العمل اللاحق للجنة. وقال إنه اتفق مع وزير الخارجية السورية وليد المعلم، ورئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة نصر الحريري على كيفية عمل اللجنة.
وأشار إلى أنه سيلتقي في البداية مع الرئيس المشارك للجنة عن الحكومة السورية، ومن ثم مع نظيره عن المعارضة، وأكد أن السوريين أنفسهم، سيحددون جدول أعمال أول لقاء للجنة.
ولفت إلى أنه سيعلن قريبا أسماء الرؤساء المشاركين للجنة، مؤكدا أن تحديد الأسماء بات في مرحلته النهائية. وذكر أنه سيطلع مجلس الأمن الدولي، الاثنين، بشكل مفصل على نشاط اللجنة الدستورية.
وقال، إن الأمم المتحدة ستلعب دور الوسيط بين الجانبين “ولن يقوم بهذا الواجب أي طرف آخر”. وأضاف أن اللقاء الأول للجنة، قد يعقد بحضور ممثلين أجانب، لكن حتى الآن لم توجه الدعوة لأحد.
من جهة ثانية، قال بيدرسن إنه يأمل في إقامة “تعاون أوثق” بين أطراف “صيغة أستانة” ودول “المجموعة المصغرة” بشأن التسوية السورية. وأكد أن كلا من “ثلاثي أستانة” روسيا، وإيران وتركيا، و”المجموعة المصغرة” المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن، إضافة إلى مجلس الأمن الدولي، قد أبدوا تأييدهم للجنة الدستورية السورية المشكلة حديثاً.
وقال: “في ما يتعلق باللجنة الدستورية، فلدينا إجماع دولي، حيث يؤيدها جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي، والشركاء في أستانة والمجموعة المصغرة. خلال لقاءات ثنائية أجريتها الأسبوع الماضي (على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك) مع أطراف أستانة والمجموعة المصغرة، أشار جميعهم بكل وضوح إلى تأييدهم لإطلاق اللجنة الدستورية”.
المدن
«الدستورية» أداة لتثبيت «انتصار» الاسد/ عبد الوهاب بدرخان
الاستعداد لإطلاق العمل في اللجنة الدستورية السورية إقرار أممي بأن “الانتقال السياسي” (نص عليه القرار 2254) قد طوي. الخطوة التالية في الادارة التركية لهزائم المعارضة أن تُلزَم اللجنة باعتماد “دستور الاسد” مع شيء من التعديل، علماً بأن الاسد لم يطبّقه ولا طبّق ما كان قبله. أي تقويم لتشكيل اللجنة الدستورية السورية، وأي تحليل لمسارها ومآلها المتوقّعين، لا يمكن أن يخلص الى أنها آلية حل للأزمة، أو أنها تمهّد لـ “انتقال سياسي”، أو أنها يمكن أن تحقّق طموحات شعب يتعرّض لمأساة هي الأكبر في هذا العصر ولأفظع ظلم وخذلان دوليين. وما قيل مع بدء الحديث عن اللجنة، قبل نحو عامين، لا يزال هو الأدقّ: لجنة دستورية للشكل، أما الحلّ فسيُصنع، حين يحين أوانه، في مكان آخر وعلى مستوى آخر، أي عندما يتفاهم الروس والأميركيون. ولدت اللجنة يوم صارت حاجة للأمم المتحدة لتُظهر عدم فشلها واستمرار دورها، ويوم صارت حاجة لروسيا لتؤكّد أن “الحرب انتهت” (لافروف) وأنها باشرت صنع الحل السياسي، كذلك يوم صدرت أوامر روسية لبشار الأسد كي يوافق على تركيبتها بعدما ضمنت موسكو وجود اختراق روسي – أسدي للائحة الثالثة (المجتمع المدني) التي تتبنّاها الأمم المتحدة. وفيما شُكّلت لائحة النظام على نمط وفده الى ما سمّي “مؤتمر الحوار الوطني” في سوتشي (ك2/ يناير 2018)، أي مجموعة صغيرة من المختصّين المعروفين الى جانب من هبّ ودبّ ممن لا علاقة لهم بشيء اسمه كتابة دستور، فإن لائحة المعارضة استُبعد منها عمداً أو قسراً العديد من ألمع الأسماء المشهود لأصحابها بالكفاءة في الشأن الدستوري، وثمّة في لائحة المجتمع المدني أشخاص يمكن التعويل على جدّيتهم وإن كان الروس والنظام أقحموا فيها العديد عضواً في “مجلس الشعب” وبعثيين معلنين وأشباه معارضين. هذه التوليفة التي استغرق طبخها ما يقرب من عامين، وأُعدّ لها نظام عمل انطوى تقريباً على كل شروط النظام. صحيح أن المعارضة استطاعت إدخال بعض التعديلات إلا أنها احتاجت لتركيا والمبعوث الأممي لتمريرها. في تجارب سابقة لكتابة الدساتير كانت يمكن وصف هذه التوليفة بأنها تتيح حواراً مفتوحاً بحثاً عن توافقات مجتمعية يعكسها الدستور، غير أنها في التجربة السورية الراهنة ترمي مسبقاً الى ترجيح موقف النظام وتفتقد الى ممثلين يتمتعون بمشروعية من جانب مكوّناتهم. من شأن أنطونيو غوتيريش أن يحتفل بـ “اللجنة” التي توصّل إليها مبعوثه غير بيدرسون، والترويج بأنها “ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة ومملوكة لسورية وبقيادة سورية وتسيير أممي”، لكن كلاً من هذه التوصيفات يحتاج الى تدقيق شديد ولن يتأكّد إلا بعد أن تغوص اللجنة في العمل. وعندما قال أن اللجنة استيفاء لأحد بنود القرار 2254 كان حريّاً بالأمين العام أن يعتذر للسوريين وللعالم عن عجز الأمم المتحدة عن فرض أو تطبيق أيٍّ من البنود الأساسية في هذا القرار، ليكون مبرّراً اليوم القفز الى الدستور. ليس مألوفاً في المنظمة الدولية أن يُجهر باعتذار أو أسف، فعذرها الدائم أنها تعمل بما يُتاح لها من توافق دولي. كان القرار 2254 بني على مفهوم “الانتقال السياسي” الذي رُسمت له مراحل: وقف شامل لإطلاق النار، إجراءات لبناء الثقة (أهمها إطلاق المعتقلين وجلاء مصير المفقودين وعودة المهجّرين والنازحين)، هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة… كلّ ذلك أمكن للروس أن يتلاعبوا به عبر جولات التفاوض في جنيف ثم أفشلوه بالحل العسكري وجعلوه نسياً منسيّاً، الى شطبوا “الانتقال السياسي” وفرضوا الانتقال الى مرحلة الدستور مبدّدين عامين لتشكيل لجنتها. وللجميع أن يتخيّلوا الآن بأي طريقة سيُدار العمل في هذه اللجنة. في لقائه مع وفد إيراني قال الاسد إن التنسيق السوري – الإيراني – الروسي أنجز لجنة “مناقشة الدستور” وربط نجاحها فقط بـ “عدم تدخّل الأطراف الخارجية”، مشيراً خصوصاً الى الولايات المتحدة والغرب. وإذ يعتبر الأسد أن اللجنة باتت أداة لتثبيت نظامه وعنواناً لـ “انتصاره” فإنه عندما يتحدّث عن “مناقشة الدستور” يعني تحديداً “دستوره” (2012) الذي لا يحترم أي كلمة فيه وفي ذلك الذي سبقه، مع أنه فبرك برلماناً لاعتماده واستفتاءً للمصادقة عليه كما يفبرك إعادة انتخابه، “دستوره” الذي لم يطبّقه ألا في إدارة التوحّش على الشعب قبل 2011 وبعده، بل لم يتردّد في تبرير مجازر نظامه والعمليات المشتركة مع الايرانيين للتطهير والتغيير الديموغرافيين كي يحصل على “مجتمع متجانس” يتغنّى به في احتقارٍ خالصٍ لمن يفترض أنه شعبه. ليس هناك دستور في العالم يجيز للحاكم أن يعتنق الإبادة الجماعية ويعمل للتخلص من أكثر من نصف شعبه، وإنما هناك حكامٌ يكون أوّلَ ما يفعلونه رمي الدستور في القمامة. فور الإعلان عن اتفاق بيدرسون مع الوزير وليد المعلم على اللجنة الدستورية كان هناك شبه اجماع على التذكير بعبارة لهذا الوزير: “سنغرقهم في التفاصيل”… دلّ ذلك الى توقعات متواضعة لفاعلية المسار الدستوري، فضلاً عن خبرة في العقلية العفنة التي يشغلها بقاء النظام أكثر مما تهتمّ بمستقبل سورية. ليس واضحاً بعد كيف سيدور العمل في اللجنة، وكيف ستعمل رئاستها “المزدوجة”، وهل سيُصار الى الشروع في كتابة دستور جديد أم أنه سيُفسح في المجال لطرح ما يمكن اعتماده من دساتير سابقة. لا شك أن هذه المقدمات ستستغرق وقتاً، وقد لا يستقيم العمل في اللجنة قبل مرور سنة ولن يجد النظام مشكلة في المماطلة واضاعة الوقت لتحلّ 2021 فيعيد مسرحية الانتخابات الرئاسية ويُجَدّد للأسد لسبع سنوات أخرى، ولتستمر لعبة الدستور الى ما لا نهاية. لا شيء غير واقعي في ما ورد، إذ سبق أن جُرّب النظام والروس في استحقاقات سابقة، وكان الإيرانيون دائماً في خلفية الصورة حيث يراقبون أداء الروس لمنعهم من الاستئثار بالنظام أو التفرد في تحديد مصير الأسد. فالمعلوم أنه إذا كان هناك محك في مسألة الدستور فهو “صلاحيات الرئيس”، وإذا كان من جديد يُفترض ترقّبه فهو كيفية تركيز السلطة لدى رئيس الوزراء. لكن قبل الوصول الى المحك الملتهب سيحرص الأسد وحليفاه على أن تبقى الصلاحيات على حالها، فأي نقاش لنزعها من يد الرئيس كفيلٌ بنسف اللجنة الدستورية وعملها. ولاستباق ذلك تأخرت ولادة اللجنة بسبب تهديدات وضغوط تعرّض لها مرشحون لعضويتها، حتى للذين رشّحهم النظام للائحته وامتنعوا عن المشاركة فيها، بالإضافة الى مَن رشّحوا للائحة المجتمع المدني. ولذلك هناك تكهنات بأن اللجنة قد تشهد لاحقاً انسحابات أعضاء فيها كلما توغّلت في صلب الموضوع. إقرأ أيضاً: النازحون السوريون وحذاء الاسد! لاحظت تقارير إعلامية أن تشكيل اللجنة الدستورية وضع النظام على قدر المساواة مع المعارضة، ومن دون التقليل من هذه المعادلة فإن أهميتها الشكلية ينبغي أن تترجم بفاعليتها. ذاك أن الحل العسكري الذي ينتزع السيطرة على الأرض من المعارضة كان ولا يزال يُترجم بانتزاع أوراق من الحل السياسي لتغيير وجهته. وقد تحوّل “ثلاثي استانا” (أو رباعيّها إذا أضيف النظام)، بفضل تركيا، الى محفل لإدارة تراجعات المعارضة وهزائمها، إذ تمكّن من سحب “الانتقال السياسي” و”هيئة الحكم الانتقالي” من التداول، وتلاعب بملف المعتقلين والمغيّبين الى حدّ طمسه. من هنا أن معادلة اللجنة الدستورية ليست سوى تعويض موقّت عن الخسائر، وقد تتغيّر في ضوء استعادة النظام السيطرة على محافظة إدلب.
اللجنة الدستورية السورية ومتاهات التفاصيل/ رياض علي
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش منذ أيام تشكيل اللجنة الدستورية السورية، بعد أن تمكن مبعوثه الخاص غير بيدرسون من تجاوز العقبات التي وُضِعتْ في طريقها، وفي اليوم التالي أشار السيد بيدرسون من نيويورك إلى أنه التقى وزير خارجية النظام في سوريا وليد المعلم وأعلمه بأنه قد تم التوصل إلى “الاتفاق على تشكيل اللجنة” وإعلانها، وبعد ذلك مباشرة هاتف رئيس هيئة التفاوض الدكتور نصر الحريري ليخبره بأنه “سعيد للتوصل إلى هذا الاتفاق”، وأكمل حديثه بأن تشكيل اللجنة الدستورية “يتوافق مع القرار الأممي رقم 2254 لعام 2015″، مكرراً ما ذكره الأمين العام بأن “الاتفاق على اللجنة جاء وفقا للقرار المذكور وأن تشكيلها سيكون بداية المسار السياسي للخروج من المأساة التي يعيشها السوريون”، وسرعان ما وصف رئيس هيئة التفاوض السورية تشكيل اللجنة الدستورية بأنه “إنجاز حقيقي وانتصار للشعب السوري وجزء من القرار 2254”.
والحقيقة أن هذا الكلام يجانب الصواب لأن تشكيل هذه اللجنة يخالف ما ورد في القرار المذكور نصا وحرفا، إذ إنه (القرار) أكد في الفقرة الخامسة من ديباجته على “أنه ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سوريا إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف لعام 2012 وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالي جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة..” وأعرب في البند الرابع عن “دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في مدة ستة أشهر حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تُجرى عملا بالدستور الجديد في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة…”، وهنا نجد أنه قد تم تجاوز المدد والمهل المحددة في القرار المذكور، إضافة إلى تجاوز التسلسل العملياتي الوارد بشكل مفصل، حيث كان من المفترض إنشاء هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة ومن ثم الذهاب إلى صياغة دستور جديد، وما يؤيد هذا الكلام هو ما ورد في بيان جنيف حزيران 2012 الذي ذكر هذه الخطوات بالتسلسل تحت عنوان “خطوات واضحة في العملية الانتقالية”.
وبسبب تعنت النظام في سوريا المدعوم بالفيتو والسلاح الروسيين وعدم قبوله الانخراط الفعلي في العملية السياسية، ابتكر السيد ستيفان دي مستورا، سلف السيد غير بيدرسون، في الجولة الرابعة من مباحثات جنيف مسألة السلال الأربع (الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، الإرهاب) وعلى الرغم من أن السيد دي مستورا قد أكد في أكثر من مناسبة أنه سيبحث السلال الأربع بالتوازي، إلا أن ذلك لم يتم، وتلقفت روسيا سلة الدستور وحاولت الخروج من عباءة الأمم المتحدة وتشتيت الأنظار عن مباحثات جنيف، ونظمت مؤتمرا للحوار في مدينة سوتشي الروسية، كانت فكرة تشكيل اللجنة الدستورية من مخرجاته، التي تبنتها الأمم المتحدة بشرط أن تكون تحت مظلتها ورعايتها، بعد الكثير من الشد والجذب مع الدول الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري.
وعلى الرغم من أن الكثير من ممثلي المعارضة السورية وخاصة هيئة التفاوض يعلنون بين الفترة والأخرى، بأن القبول بالسير في مسألة الدستور لا يعني تجاهل السلال الثلاث الباقية وبالأخص سلة هيئة الحكم الانتقالي، فإن ذلك ليس إلا من باب التصريحات الإعلامية ومحاولة يائسة للخروج من الموقف المحرج الذي وُضِعوا فيه، وبغض النظر عن مدى إمكانية السير بباقي السلال بالتوازي مع سلة الدستور من عدمه، فإنه كان من واجب هيئة التفاوض وقبل أن تقبل بتشكيل اللجنة الدستورية وتعتبره انتصارا للشعب السوري، أن تطلب من المبعوث الأممي والدول الثلاث الضامنة وبالأخص تركيا عدم المضي في هذا المسار قبل الاتفاق على تحديد مهام وصلاحيات اللجنة الدستورية، لأن النظام لا يزال مصرا على أن مهمة اللجنة هي النظر بتعديل بعض مواد الدستور السوري الحالي الذي تم وضعه عام 2012، بينما ترى المعارضة أن مهمة اللجنة تكمن في إعداد وصياغة دستور جديد، وعلى الرغم من وضوح النص في القرار 2254 بأن المقصود هو إعداد دستور جديد، فإن النظام في سوريا قادر على اللعب بالألفاظ والعبارات وإيجاد تفسيرات لا تأتلف مع المنطق وتنتافى مع روح النص وحرفيته، ما دام يرى أن المجتمع الدولي لا يأبه كثيرا بحال السوريين، وما دام الدب الروسي يشد من أزره ويعاونه في كل صغيرة وكبيرة.
وأعتقد أن النظام قادر في المرحلة المقبلة على فرض وجهة نظره بحصر مهام اللجنة بتعديل الدستور الحالي، ما دام أنه قد تم الاتفاق على أن آلية اتخاذ القرارات في اللجنة هو التصويت، ولتمرير أي مقترح لا بد من الحصول على موافقة 75% من أصوات اللجنة، وهذا يعني ضرورة وجود 113 صوتاً لصالح أي مقترح، وفي هذه الحالة ستكون فرصة النظام لتمرير مقترحاته أكبر بكثير، لأنه يضمن أن الخمسين عضوا الذين سماهم هو هم كتلة واحدة وصوت واحد ولا أحد منهم يستطيع أن يخالف وجهة نظره، ومَنْ خَبرَ النظام السوري يعرف هذه المسألة جيدا، ودون الخوض في تفاصيل تعيين ثلث المعارضة وثلث المجتمع المدني، الذين تم تعيينهم أو على الأقل تزكيتهم من قبل الدول الثلاث الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، وعلى فرض أن ثلثي المعارضة والمجتمع المدني سيكونون على قلب رجل واحد، فإن مجموعهم لا يشكل نسبة الـ 75% المطلوبة، ما يعني أن ممثلي النظام سيلعبون دور الثلث المعطل متى شاؤوا، وإطالة أمد عمل اللجنة وفق رغبات النظام وداعميه، وقد يدفع هذا الأمر بهيئة التفاوض إلى القبول بفكرة تعديل الدستور الحالي بدلاً من إعداد وصياغة دستور جديد، طبعاً تحت بند “الواقعية السياسية”، وبهدف “تجنيب الشعب السوري مزيداً من الويلات والكوارث”، بل ويمكن أن يطل علينا السيد نصر الحريري ويقول حينها بأن التعديل هو “انتصار للشعب السوري”.
وإذا وصل بنا الأمر إلى هذا الحال، فإننا سنكون أمام كارثة حقيقية فعلاً، لأن التعديل لا يتعلق بدستور طبيعي وُضِعَ في ظروف طبيعية، إذ إن اللجنة التي قامت بصياغة الدستور لم تكن منتخبة بل تم تعيينها من قبل رئيس الجمهورية من الأشخاص الموالين له فقط، دون أن يشارك في الإعداد والصياغة أيٌّ من القوى والشخصيات السياسية المعارضة، أي قام بإعداده فريق واحد ومن لون واحد، وتجاهل ذاك الدستور الأحداث المؤلمة التي كانت تعصف بالبلاد منذ عام 2011، وتم الاستفتاء عليه بالتوازي مع استمرار حالات القتل والتعذيب والقتل خارج القضاء والإخفاء القسري، إضافة إلى أن القبول بتعديل الدستور الحالي هو بمثابة القبول بل شرعنة كل القوانين الاستثنائية التي صدرت بعد إقراره ومنها قانون إحداث محكمة قضايا الإرهاب، وإضفاء المشروعية على كل تلك الأحكام التي صدرت عنها، بدلا من أن تتم محاسبة كل من اشترك في إصدارها، إن أبصرت العدالة الانتقالية النور في سوريا يوماً ما.
زد على ذلك فإن قبول اللجنة بمهمة تعديل الدستور الحالي معناه القبول بشرعية نظام الأسد وتعويمه، لكن هذه المرة من قبل هيئات وشخصيات معارضة وليس من قبل المجتمع الدولي والدول الداعمة له كما هو عليه الحال الآن، لأن الدستور الحالي يشترط “إقرار ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الشعب الحالي على التعديل مع ضرورة اقتران ذلك بموافقة رئيس الجمهورية” (المادة 150)، لذلك يتوجب على من ارتضوا أن يكونوا ضمن هذه اللجنة أو سعوا إلى أن يكونوا كذلك، أن يحذروا الوقوع في الفخاخ التي نصبها لهم النظام، وأن يخرجوا بسرعة وبأقل الخسائر من المتاهات والتفاصيل التي قد ترهقهم وتشل عملهم.
تلفزيون سوريا
بيدرسن:بناء الثقة باللجنة الدستورية يتطلب تبادل الأسرى
اعتبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، أنَّ على حكومة النظام السوري والمعارضة تنفيذ عمليات تبادل الأسرى على نطاق واسع بغرض بناء الثقة، قبل عقد أول جولة محادثات بينهما الشهر المقبل.
وفي حديث مع وكالة “رويترز” على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال بيدرسن، إنه “بعد ثماني سنوات ونصف من الحرب والصراع لدينا بعض الأنباء الإيجابية”.
وأضاف بيدرسن: “هذا مجتمع منقسم للغاية، هناك غياب للثقة بين الجانبين كما هو واضح لكن هناك أيضاً افتقاراً للثقة بين سوريا والمجتمع الدولي.. لذلك نأمل أن اللجنة الدستورية يمكن أن تشكل خطوة أولى في الاتجاه الصحيح”.
وتابع قائلاً: “إذا تمت عملية التبادل على نطاق واسع جنباً إلى جنب مع اللجنة الدستورية، وغير ذلك من مظاهر التغيير على الأرض في سوريا.. سيبعث ذلك برسالة مهمة مفادها أنه من الممكن أن تكون هناك بداية جديدة لسوريا”.
واعترف بيدرسن بأن جهوده ستلاقي “الكثير من التشكك”.
وقال: “سيتساءل البعض لم الأمر مختلف هذه المرة؟ لماذا لا تكون تلك مجرد جلسة مناقشات أخرى بلا جدوى في جنيف؟ لكن… هذه هي المرة الأولى التي لدينا فيها اتفاق فعلا بين الطرفين”.
وأضاف “لكنني أول من يعترف أن هذا لن يكون سهلا”.
من جهة أخرى، قال وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن قال إن على الاتحاد الأوروبي أن يقدم ضمانات تمويل إضافية، لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين في تركيا.
وأضاف إن تركيا تتحمل عبئا ثقيلا من خلال استضافتها السوريين، داعيا إلى تقديم الاتحاد الأوروبي ضمانات تمويل إضافية لتلبية احتياجاتهم.
وتابع: “هذه الأموال لن تقدم للرئيس أردوغان أو أي أحد من الحكومة، إنما ستمنح على سبيل المثال كي يستطيع أطفال اللاجئين الذهاب إلى المدارس، أو لتغطية نفقات الاحتياجات الصحية للسوريين”.
وفي السياق، بدأت مروحيات تركية وأميركية تنفيذ طلعة جوية مشتركة، هي السابعة في أجواء شمال سوريا، في إطار أنشطة المرحلة الأولى من إنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات.
وأفادت وكالة “الأناضول”، أن مركز العمليات المشتركة بخصوص المنطقة الآمنة، في قضاء أقجة قلعة، بولاية شانلي أورفة التركية، شهد السبت تحركات جوية.
وأشارت إلى إقلاع مروحيتين تابعتين للجيش التركي وإثنتين للقوات الأميركية، من أقجة قلعة، نحو الجانب السوري من الحدود.
ميدانياً، انفجرت سيارة مفخخة، السبت، في مدينة إعزاز من دون وقوع إصابات بشرية، وكذلك انفجرت سيارة أخرى في قرية كفر كلبين.
وكانت اشتباكات عنيفة قد اندلعت بين “الجيش الوطني” و”وحدات حماية الشعب” الكردية في قرية كفر خاشر بالقرب من إعزاز، وسط قصف مدفعي متبادل.
وكان مسؤولون في “الائتلاف الوطني” قد عقدوا اجتماعاً في مدينة اعزاز، مع “هيئة مهجري ديرالزور”، واستمعوا منهم لأوضاع المهجرين والنازحين في الشمال السوري، وقدموا شرحاً مفصلاً عن خطط “الحكومة السورية المؤقتة” لسد احتياجات كافة المدنيين في المناطق المحررة.
وعرض أعضاء “هيئة مهجري ديرالزور” لمحاولات إيران في فرض مناهجها الدينية على المنطقة وتغيير التركيبة الديموغرافية فيها، تمهيداً للسيطرة عليها دينياً وثقافياً واجتماعياً إلى جانب سيطرة المليشيات الطائفية.وتحدثوا عن التهميش الذي يعانون منه، والصعوبات المعيشية التي يواجهونها في مناطق التهجير سواء داخل المخيمات وخارجها، والاحتياجات الإنسانية اليومية، وطالبوا الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة والمنظمات الدولية العمل على توفير هذه الاحتياجات.
اللجنة الدستورية.. الفرصة التي قد لا تعوض/ سمير صالحة
خرج لقاء القمة الثلاثي الأخير في أنقرة بين رؤساء الدول الضامنة لمسار أستانا، روسيا وإيران وتركيا بالتفاهم حول تشكيلة اللجنة الدستورية السورية، مع الدعوة لانطلاق أعمالها بأقرب وقت.
المشكلة الأهم الآن هي تحديد أهداف اللجنة وطريقة عملها وآلية النقاشات واتخاذ القرارات وتنفيذها وهي مسائل لا نعرف الكثير عنها بعد، لكنها فرصة قد لا تعوض لتتحول أعمال اللجنة إلى آلية بحث المرحلة السياسية والدستورية الجديدة في سوريا وموضوع الانتخابات بإشراف الضامنين والأمم المتحدة.
بين ما نعرفه حتى الآن هو ما جاء في البيان الختامي لقمة أنقرة وما ردده الرؤساء الثلاثة التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني حول أن عمل اللجنة سيكون مقدمة لإطلاق عملية سلام سياسية قابلة للتطبيق في إطار حوار معتدل وبناء.
النتائج اليوم تذكر إلى حد كبير بتغريدة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أشهر “كنا نصرّ دائماً على حل سياسي يقوده ويقرره السوريون. يجب تيسير حل لا إملاؤه”. فاللجنة هي سورية دستورية موثوقة ومتزنة، وتمثل أوسع شريحة شعبية ووطنية في البلاد.
تشكيل اللجنة الدستورية مسألة مهمة لكن الأهم يبقى مساعدتها على الانطلاق والعمل وتهيئة الأجواء المناسبة لعملها واتخاذ القرارت وتنفيذها، وهذا ما تريده تركيا. اختبار سوري – سوري لا يمكن التفريط به أو تجاهل حجم المطلوب من خلال حوار مباشر بين الحكم والمعارضة بصيغة جديدة تختلف عن كل الآليات واللقاءات السابقة.
المؤكد حتى الآن هو الرغبة الإقليمية والدولية المدعومة أمميا بالوقوف إلى جانب قرارات جنيف قبل عامين وخطة السلال الأربع في إطار إعادة برمجة وجدولة جديدة لا تبتعد كثيرا عن القرار الأممي رقم 2254. إلى جانب مسألة شبه محسومة صعوبة عرقلة أعمال اللجنة بشكل منفرد للنظام أو المعارضة دون دعم القوة الثالثة أمام الطاولة منظمات المجتمع المدني وممثليها.
المؤكد أيضا هو تقدم الرغبة الدولية بدعم الحل السياسي في سوريا ومطالبة اللاعبين المحليين بعدم هدر هذه الفرصة التي قد لا تعوض وعندها ندخل في نفق المجهول بالنسبة لمثار الأزمة وعمرها وسبل الخروج.
أما الغامض فهو معرفة هل ستعد اللجنة دستوراً جديداً أم ستنقح الدستور الحالي، أم هي ستناقش مسودة دستور جاهز يقدم لها وتدرس مواده وبنوده في محاولة لتعديلها وإقرارها ؟ هل يكون بين مهام اللجنة الدستورية في حال تقدم أعمالها بشكل إيجابي تخويلها صلاحية ومهام الإعداد والإشراف على تنظيم عملية انتخابية كاملة،بدعم الدول الثلاث والأمانة العامة للأمم المتحدة؟
الغامض كذلك هو ردة الفعل الأميركية على استبعاد حلفائها المحليين من اللجنة وما الذي ستفعله واشنطن؟ هل التصعيد الأميركي الأخير ضد النظام في دمشق حول استخدامه السلاح الكيماوي محاولة لمحاصرة النظام ومنعه من الاقتراب من الطاولة الدستورية؟ أم هي للانتقام من دول اتفاقية أنقرة عبر تذكيرها بقدرتها على عرقلة أي تحرك دستوري لا يعجبها ولا يأخذ بعين الاعتبار مصالح حليفها في “قسد”؟
قرار عدم إشراك مجموعات “قسد” في اللجنة والذي كان مطلبا تركيا أساسيا دعمته المعارضة ووافق عليه النظام كون هذه الوحدات قررت الذهاب في مسار سياسي يخدم مشاريع التفتيت في سوريا. فما الذي ستفعله عند نجاح مساعي اللجنة مثلا وتتحول إلى آلية تنسيق وتعاون متعددة الأهداف والجوانب. هل تصريح المبعوث الأميركي الخاص للشؤون السورية، جيمس جيفري أن “قسد ستشارك في أعمال اللجنة الدستورية السورية ” هو متعمد أم سهوة ليس سهلا أن يرتكبها شخصية مسؤولة تتابع تفاصيل الملف السوري منذ سنوات؟
احتمال أول هو أن تكون واشنطن وصلت إلى نقطة الاستغناء عن هذه الوحدات بعد التفاهمات التركية الأميركية الواسعة في سوريا وهو الاحتمال الأقرب طالما أن هناك اصطفافاً سورياً واسعاً وراء قرار تفعيل عمل اللجنة الدستورية. واحتمال آخر هو أن تحاول الإدارة الأميركية مع “وحدات حماية الشعب” تكرار سيناريو الدستورين العراقي والكردي في شمال العراق وتشجع هذه المجموعات على إعلان دستورها الخاص بها وهي نقطة اللاعودة في سياسة أميركا السورية والخط الأحمر الذي لن يقبل به أحد في سوريا.
كيف سيكون رد واشنطن وبعض العواصم الإقليمية التي تنسق مع “وحدات حماية الشعب” على قرار الاستبعاد. هل سيكون هناك تصعيد وتحد وطرح خطة تحرك سياسي بديل لهذه القوى التي تسيطر على مساحات كبيرة من الجغرافية السورية، ولكنها تقول اليوم إنها لن تعترف بما سيصدر عن اللجنة الدستورية؟ أم أن الإدارة الأميركية ستضغط على هذه المجموعات لإعادة تعريف نفسها ومشروعها وأهدافها في سوريا لتكون جزءا من العملية السياسية والدستورية؟
قوى المعارضة والنظام، والدول الضامنة رفضت قبول هذه المجموعات بينها في اللجنة. و”قسد” تعرف أنها مستبعدة بسبب ارتباط أحد أهم مكوناتها حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي الذي يقود الإدارة الذاتية بحزب “العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب الدولية وبسبب مشروعها الانفصالي وبسبب رهانها على السلاح والتجهيز والدعم الأميركي مقابل تحقيق السياسة الأميركية في سوريا. خيارها الوحيد المتبقي هو إعادة تموضعها واصطفافها العقائدي والسياسي والعسكري بأسرع ما يكون. هل من المعقول أن تحاول هذه الوحدات قلب المعادلات التي قررت الأمم المتحدة دعمها في سوريا على طريق التسويات السياسية؟
تلفزيون سوريا
كيانات المعارضة إلى إين؟ من الائتلاف إلى هيئة التفاوض مرورا بالحكومة المؤقتة/ ماجد كيالي
تغيّر مشهد الصراع السوري كثيراً، في السنوات الثلاث الماضية، بمداخلاته وتعقيداته وتموضع الأطراف المشاركة فيه، كما بالنسبة لواقع المعارضة ذاتها، بكياناتها السياسية والعسكرية والخدمية، ويمكن تعيين السمات الأساسية لذلك المشهد على النحو الآتي:
أولاً، أضحت الأطراف الخارجية (الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل) تتحكم بمجريات الصراع في سوريا، على حساب الطرفين المعنيين (النظام والمعارضة).
ثانياً، فقدت فصائل المعارضة المسلحة، التي كانت تسيطر على مناطق واسعة من سوريا، نفوذها، منذ انخراط روسيا عسكريا في الدفاع عن النظام، قبل أربعة أعوام (سبتمبر 2015)، ما انعكس سلبا على قوتها ومكانتها إزاء النظام، الذي بات يعتبر نفسه منتصرا.
ثالثاً، تبدل تموضع تركيا، بعد أن أحضت ضمن تحالف آستانا الثلاثي مع شريكي النظام (روسيا وإيران)، منذ ثلاثة أعوام تقريبا (مطلع 2017)، وكان ذلك انقلابا سياسيا كبيرا، بالنسبة للمعارضة، وللصراع الجاري في سوريا، إذ أثر سلبا على مكانة المعارضة، وعلى كياناتها ونفوذها وصدقيتها، إزاء شعبها وفي العالم. وقد شهدنا تداعيات ذلك، بسقوط مواقع المعارضة المسلحة في حلب، نتيجة ذهاب فصائلها إلى معركة “درع الفرات” (أواخر 2016)، وصولا إلى انهيار أو اختفاء كيانات المعارضة المسلحة في الوسط والشمال والجنوب، كنتيجة لتداعيات ما يسمى “المناطق منخفضة التصعيد”، التي أضحت مناطق خالية من المعارضة، وتحت سيطرة النظام، باستثناء إدلب وما حولها.
رابعاً، باتت منطقة شرقي الفرات، وهي تشكل ثلث مساحة سوريا، تحت نفوذ الولايات المتحدة، التي تمحض دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، وهي العمود الفقري لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري)، من دون أن يكون للمعارضة السورية الرسمية، أية صلة بذلك، والتعامل مع الأمر وفقا لرؤية ومصالح ومتطلبات تركيا، بدلا من وضع مصالح شعب سوريا، وسلامة مسار ثورته في عين الاعتبار.
في مقابل كل ذلك، ماذا فعلت المعارضة إزاء كل تلك المتغيرات؟ أو ماذا فعلت لمواجهة الاستحقاقات الجديدة؟ ومثلا: هل أعادت بناء صفوفها؟ وهل عملت على توحيد خطاباتها؟ وهل قامت بتوسيع تمثيلها لاستقطاب أوسع قطاعات من السوريين؟ وبالطبع فإن الحديث هنا يتعلق بالمعارضة الرسمية، أي تلك الكيانات المتمثلة في “الإئتلاف الوطني”، و”الحكومة المؤقتة”، و”هيئة التفاوض”، ومؤخّراً أضيف ذلك الجزء (من المعارضة) المتمثل في “اللجنة الدستورية”.
واضح أن الإجابة سلبية على كل ما تقدم، مع الأسف، ذلك أن كيان “الائتلاف الوطني” بات حكرا على عشرات الأشخاص المشاركين فيه، من دون صفة تمثيلية حقيقية، أو خبرات مناسبة، ما أضعف دوره وشل فاعليته وقوض صدقيته، في حين كان يفترض به توسيع مكانته التمثيلية، والحرص على استقطاب الشخصيات الكفؤة والمؤثرة، كي يصبح حقا بمثابة الكيان الوطني الجمعي للسوريين، والمعبر عنهم، وقائد كفاحهم، والمدافع عن حقوقهم.
وبديهي أن الأمر ذاته ينطبق على “الحكومة المؤقتة”، إذ لا أحد من السوريين يعرف كيف يتم اختيار رئيسها وأعضائها، إلا من خلال تدوير المناصب بين بعض الشخصيات الموجودة، أو المهيمنة، في الإئتلاف. والأهم من ذلك لا أحد يعرف ماذا تعمل تلك الحكومة؟ أو كيف تعمل؟ وماهي الخدمات أو الإنجازات التي حققتها؟ ماهي موازنتها؟ وكيف تصرف؟
أما بخصوص “الهيئة العليا للمفاوضات”، وهي تشكلت في الرياض أواخر 2015 في نسختها الأولى برئاسة رياض حجاب، ثم في أواخر 2017 في نسختها الثانية برئاسة نصر الحريري، فهي عكست التخبّط والتشتت والمزاجية والتجريبية في المعارضة المتصدرة، فثمة ممثلون عن الائتلاف، وممثلون عن الفصائل العسكرية، ومستقلون، وممثلون عن هيئة التنسيق الوطني (دمشق)، وفي النسخة الثانية أضيف ممثلون عن المنابر الأخرى في القاهرة وموسكو، أي أن تلك الهيئة لم تعكس موقفا موحدا أو ناضجا تجاه قضايا الصراع السوري، وهو ما انعكس في تصريحات وخطابات متعارضة، أضرت بصدقيتها، وأضعفت مكانتها؛ هذا أولاً. ثانياً، في المقابل بدا وفد النظام، في مختلف الجولات التفاوضية، أكثر وحدة وتماسكا وثباتا من وفد الهيئة، أي أنه في المعركة التفاوضية فقد خسرت الهيئة العليا للمفاوضات المعركة في الصراع على الصورة، إزاء شعبها وإزاء الأطراف الدولية والإقليمية، سيما إذا علمنا أن وفد النظام كان يتألف من عدد محدود من الأشخاص، يلمون بكل الملفات، في حين كان وفد المعارضة يضم عشرات الأشخاص، من دون معايير محددة أو مناسبة. ثالثا، لم تنجح الهيئة العليا للمفاوضات في سعيها التركيز على تفعيل مفاوضات جنيف إزاء محاولات تحالف آستانا (وبينهم تركيا) خلق مسار تفاوضي جديد، أو بديل، إذ إنها لم تقاوم ذلك المسعى إلى الدرجة المناسبة، ولا حتى في خطاباتها وبياناتها، وهو ما ينطبق على الائتلاف، رغم أن الائتلاف كان صارع كثيرا من أجل الاعتراف به كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وللثورة السورية. رابعاً، طوال الجولات التفاوضية التي تم خوضها، سواء في ظل الهيئة السابقة، أو الهيئة الحالية، لم يكن هناك مفاوضات حقيقية بينها وبين النظام، إذ أن تلك الجولات اقتصرت على جلسات افتتاحية، وعلى اجتماعات مكوكية يقوم بها المبعوث الدولي بين الطرفين المعنيين (النظام والمعارضة).
القصد من كل ذلك القول إن المعارضة، وهي تقف إزاء تحديات واستحقاقات جديدة في المشهد السوري، معنية بإجراء مراجعة نقدية جدية ومسؤولة لأوضاع كياناتها، ولخطاباتها وأشكال عملها، ومعنية بتوسيع إطاراتها، ومكانتها التمثيلية، بالانفتاح على السوريين في كافة أماكن تواجدهم لاستقطاب الشخصيات الكفؤة والمؤثرة بينهم. يأتي في ذلك السعي لإعادة بناء الائتلاف الوطني، كي يصبح فعلا معبرا عن السوريين، وممثلا لقضيتهم، وضمن ذلك النظر بإيجاد آلية تضمن إيجاد تشكيلة حكومية من شخصيات فاعلة وخبيرة، وأخيرا فإن ذلك يتطلب إعادة النظر بالهيئة العليا للمفاوضات، سيما بعد مرور عامين على تشكيلها، وتجاهلها لأي تغيير في بنيتها الرئاسية، كما يفترض، بحسب نظامها الداخلي، الأمر الذي يفترض تشكيل هيئة جديدة متوازنة ومتماسكة، ومدركة لدورها ومكانتها، بعيدا عن أية حسابات أخرى.
نقول ذلك كله، أولاً، باعتبار النقد من أبجديات العمل السياسي، وباعتبار أن الثورة حالة نقدية أصلا. ثانيا، النقد السياسي هو لعملية ضرورية للمراجعة ووضع حد للأخطاء والثغرات، وللترشيد والتطوير، وللوفاء لتضحيات شعبنا. ثالثا، نقول ذلك اليوم بالتحديد مع ولادة جسم جديد، هو اللجنة الدستورية، التي يمكن أن تجبّ ما قبلها من كيانات، سيما إذا بقيت تلك الكيانات (الإئتلاف والحكومة وهيئة التفاوض) على الحال التي ذكرناها.
بروكار برس
هل تحتاج سوريا دستوراً جديداً؟/ فارس الذهبي
أعلنت الأمم المتحدة الإثنين 23 من أيلول 2019، أن المبعوث الخاص للأم المتحدة نجح في تشكيل ما تعارف عليه باسم اللجنة الدستورية، التي سيكون من مهامها -حسب بيان الأمم المتحدة- “إعادة تشكيل الدستور الحالي للجمهورية العربية السورية ، ومراجعته من أجل التوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة المشتعلة في سوريا منذ 2011”.
واللجنة الدستورية التي أثير كثير من الجدل حولها هي لجنة تتألف من 150 شخصاً ، يختار النظام منهم 50 شخصاً ، والمعارضة 50 شخصاً ، فيما يختار المبعوث الخاص إلى سوريا الـ 50 شخصية الأخيرة، لتكون هذه اللجنة هي النواة الحقيقية لبناء دستور توافقي يسير البلاد في فترة ما بعد الحرب على الشعب السوري، ولنفترض أن اللجنة الدستورية استطاعت بعد أخذ ورد وجدل طويل أن تتبنى دستوراً معاصراً حديثاً وديمقراطياً ينتمي إلى الدساتير الحديثة في العالم، فمن هو الضامن الذي سيقرر وسيجبر جميع الأطراف على تنفيذه، وخصوصاً في البنود المختلف عليها بشكل حاد منذ 2011، إن مراقبة المجتمع الدولي لمجموعة أستانا السياسية، المكونة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودولة روسيا الاتحادية والجمهورية التركية ، وتركهم يتقاسمون الحل في سوريا دون أي تدخل أو رقابة حقيقية ، هو أمر مثير للجدل، فدولتان على الأقل من الدول الثلاثة وهي إيران وروسيا لا تتبنى ديمقراطية حقيقية وليس لديها أية مصلحة في أن تتحول سوريا إلى نموذج ديمقراطي سيكونون هم أول ضحايا هذه الديمقراطية.
ولذلك فإن كل ما بني على تلك اللجنة الدستورية ليس إلا بناء وهميا رفع وبني من قبل ثلاثة أطراف متورطة في المسألة السورية ، أو بمعنى آخر ليست ذات فكر حيادي تجاه الواقع السوري ومصلحة الشعب السوري، حيث بات كل منها يسعى نحو تنفيذ أجندته السياسية المتعلقة بسوريا ضمن حد أدنى من الخسائر والتبعات الارتدادية عليها، وبالدرجة القصوى إيران التي تورطت بالاقتتال السوري إلى درجة باتت مخجلة وفضائحية، ومن ثم فإن الطرف الرابع الأساسي في المقتلة السورية ألا وهو إسرائيل +أميركا ، وهما لاعبان أساسيان في الفضاء السوري، ليسا ممثلتين بأي شكل من الأشكال في اللجنة الدستورية ،دون نسيان أن اللجنة الدستورية لا تشمل في قوائمها أي ممثل من قوات الحماية الكردية التي تعتبر حليفاً أساسياً لواشنطن على الأرض السورية، والتي بدورها اعتبرت أن استبعادها من اللجنة الدستورية هو أمر غير منصف أبداً، مع العلم أنه تم إدراج ممثلين عن الأكراد مستقلين في تلك اللجنة، و لكن كيف يمكننا أن نصدق عمل اللجنة الدستورية التي ستقوم برسم خريطة طريق سياسية للشعب السوري من أجل الخروج من كارثته، دون أن تكون اللجنة إما: ذات مصداقية في تمثيلها، حيث إن أعضاءها هم أشخاص لا يوجد تمثيل حقيقي لهم على الأرض ،ودون أية تاريخ سياسي أو قانوني أو فكري يخولهم مناقشة الدستور وتفاصيله وليس لديهم أية حرية في استقراء المشهد السياسي بعيداً عن الإرهاب الفكري والتعسفي والضغط السياسي المباشر عليهم، أو قادرة على العمل بشفافية وتحت رقابة دولية موثوقة وإشراف إعلامي محايد وحقيقي، يتم طرح كل مادة من مواد الدستور فيها للمناقشة العلنية، وربما تخضع المواد الأكثر حرجاً وخلافية للاستفتاء الشعبي، فلا أحد يقبل ونحن على مشارف 2020 أن يتم استغفال الشعب السوري مجدداً وتشكيل مستقبله في غرف سوداء مغلقة ومن ثم الخروج عليه وفرض نتائج ما جرى من مؤامرات وحسابات دولية في تلك الغرف، وربما يتفق في هذا المعارضون والموالون، القابعون في الداخل والمنتشرون في الأرض، فكيف للسوريين أن يقبلوا فرض تلك المادة الأساسية في الدستور والتي تحدد أبعاد المنصب الرئاسي، أو تلك التي تحدد المدة الرئاسية والصلاحيات الرئاسية، دون أن تخضع تلك المادة لاستفتاء شعبي ينتج عن اللجنة الدستورية العتيدة، كيف للسوريين أن يصدقوا آليات اختيار أعضاء هذه اللجنة وهم من يعلمون علم اليقين آليات تشكيل اللجان في بلدهم منذ خمسين عاماً،
اللجنة الدستورية هي أمر رائع جدا في بلدان لم تصل أزمتها لما وصلت إليه في سوريا، ولكن لا يجوز أن تكون مفروضة على السوريين فرضاً، ففي ذلك إهانة مستمرة لشعب خسر كل ما لديه في الحاضر ، بغية شراء المستقبل الأفضل، لا يجوز أن يفرض شيء على السوريين أو استغباؤهم بأي شكل من الأشكال، ربما يصبرون و يتحملون ولكنهم لن يقبلوا أي دستور يمنح العدالة للقتلة مهما كانوا، ويمنح الغفران للمحتل مهما كان، ويجعل سدة البلد بعيدة المنال عن الشعب وعن التداول السلمي المدني الهادئ، كثيرة هي بلدان العالم التي تهدمت نفسياً وعمرانياً واقتصادياً واجتماعياً، ولكن لا توجد أية تجربة في العالم خسر فيه الشعب بلده وحاضره ويراد له أن يخسر مستقبله أيضاً، فإن كانت اللجنة الدستورية مكونة حقاً من أبناء البلد الراغبين في بناء مستقبل زاهر لأبنائها، فليخرج علينا أعضاؤها وليكونوا شفافين ومنصفين في نقل مداولتهم المظلمة إلى العلن، وليكشفوا لكل الأطراف أي خلل في بناء ذلك الدستور الذي يدعي الروس أنه سيكون حلاً للشعب الذي تهدمت الدنيا على رأسه، فإن كنا منصفين في حق اللجنة الدستورية، ليخرج علينا ممثل عنهم وليطلب إجراء استفتاء شعبي على نتائج اللجنة ودستورها، فإن رفضه الشعب، فليرجعوا لكتابة دستور جديد، دون أن ننسى الوقت المكلف لكتابة الدستور ومن سيقوم بإعادة بناء الدولة، وما هو مصير انتخابات 2021، الرئاسية ومن هم المرشحون ومن هم الذين سيصوتون، وما هي آليات الترشح والانتخاب إلخ.
الأمر بسيط، في كل تجارب البلدان التي تعرضت لخراب كبير، يتم تشكيل لجنة تأسيسية، تكون مهمتها إعادة تشكيل روح الدولة وبنيتها، جمهورية ؟حكومية؟ اتحادية؟ فيدرالية؟ ومن ثم يتم تشكيل حكومة تصريف أعمال ينتج عنها لجنة لكتابة الدستور.. ومن ثم تكون الانتخابات العامة والرئاسية.. وليس العكس..
إن ما جرى في سوريا كاف لإعادة تشكيل الأمم المتحدة وليس فقط لإعادة تشكيل الجمهورية العربية السورية، ولكن هناك في هذا العالم القبيح، من يعتقد ويجزم بحرمان الشعب السوري من ديمقراطية حلم بها كثيراً وتحمل وناضل من أجلها كثيراً، ديمقراطية منصفة للجميع، تحمي مدنية الدولة وترعى حقوق الضعيف قبل القوي، وتكفل فصل الدين عن الدولة، وكل ماهنالك أن ما يجري هو فصل جديد من فصول كسب الوقت وتمريره حتى أجل مسمى.
تلفزيون سوريا
سوريا: اللجنة الدستورية محكومة بالفشل/ سلام السعدي
أثار إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تشكيل لجنة دستورية تضمّ ممثلين عن النظام السوري والمعارضة والمجتمع المدني ردودا متفائلة بإمكانية فتح مسار سياسي حقيقي لأول مرة منذ عام 2011. ولكن الحقيقة أن هذه اللجنة الدستورية، التي طال انتظارها، ليست سوى جسم جديد غير متجانس ومن دون صلاحيات، ما يجعلها غير قادرة على قيادة أي تحول سياسي في البلاد مهما تواضع حجمه.
من راقب المشاورات السياسية التي رافقت تشكيل اللجنة الدستورية لابد أن ينتابه التشاؤم بخصوص مستقبلها. إذ جاء أول اتفاق دولي حول ضرورة تشكيل اللجنة الدستورية في يناير من العام الماضي، خلال قمة ما يسمى الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة السياسي (روسيا وتركيا وإيران). أي أن فكرة اللجنة لم تكن خاضعة لضرورة الحل السياسي، بل للتوازنات بين تلك الدول، والتي استقرت في نهاية عام 2017 على شكل من التعاون تدعم خلاله كل من روسيا وإيران تركيا في معاجلة بعض هواجسها الأمنية تجاه القضية الكردية في سوريا مقابل دعم الأخيرة البلدين، ومعهما النظام السوري، في استعادة جميع المناطق الخارجة عن السيطرة.
جاءت اللجنة الدستورية نتيجة تقاسم جزئي للمصالح بين الدول الثلاث، وهو تقاسم مال بشدة نحو الجانبين الإيراني والروسي في ظل استسلام اللاعب التركي، وقصر أهدافه على التصدي للقوات الكردية على حدوده الجنوبية مع سوريا. جعل ذلك من اللجنة الدستورية مجرد غطاء سياسي يعطي الشرعية لتقاسم المصالح من جهة، ويعمل على ترويجه للمجتمع الدولي، أميركا وأوروبا على وجه التحديد، كبديل عن اتفاقيات جنيف التي طالما ركزت على ضرورة حصول “انتقال سياسي” للسلطة من جهة أخرى.
في ذلك الوقت سعت روسيا للحصول على شرعية دولية للجنة الدستورية ولمسار أستانة السياسي وذلك لفتح الباب أمام عمليات إعادة الإعمار. ليس لدى الداعمين الرئيسيين للنظام السوري ما يقدمونه على هذا الصعيد. إذ تعيش كل من روسيا وإيران أزمات اقتصادية حادة منذ عامين، بفعل العقوبات الاقتصادية وتدهور أسعار النفط. أما الصين، العملاق الاقتصادي الداعم السياسي للنظام السوري، فلا تبدو مندفعة للمساهمة في إعادة الإعمار في ظل الغموض الذي يلف مصالحها الاقتصادية في سوريا في ظل هيمنة روسيا وإيران على العقود الاقتصادية الرئيسية في الوقت الحالي.
ويبدو واضحا، من الصراعات والحروب الأهلية خلال العقود الماضية، أن الحجم الأكبر من المساعدات الدولية لإعادة الإعمار يأتي من الولايات المتحدة أولا وأوروبا ثانيا. وتكون تلك المساعدات مشروطة بإجراء تحوّل سياسي يعالج، جزئيا على الأقل، الأسباب التي قادت إلى نشوب الصراع في المقام الأول. إن إعادة الإعمار من منظور غربي هي دعم لعملية معاجلة جذور اندلاع الحرب، والعمل على منع وقوعها مجددا. وهذا ما تدركه روسيا، وهو ما دفعها للعمل على تشكيل لجنة دستورية تشرعن بعض التغييرات السياسية التي تظن أن بالإمكان إجراؤها داخل النظام السياسي السوري بصورة تحافظ على النظام ومصالحها من جهة، وتوسع المشاركة السياسية بصورة مضبوطة من جهة أخرى.
أما السبب الثاني للحماس الروسي للجنة الدستورية فيرتبط بمحاولتها دفع الولايات المتحدة لمغادرة شمال شرق سوريا. فخلال الفترة التي طرحت فيها فكرة اللجنة كان البيت الأبيض يتعامل مع الوجود الأميركي باعتباره مؤقتا. في وقت لاحق أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أمر بسحب القوات الأميركية بالفعل. اعتقدت روسيا أن تسريع مسار أستانة السياسي وإعطاءه الشرعية الدولية عبر اللجنة الدستورية ربما يشجع الولايات المتحدة على تسريع انسحابها.
ولكن التطورات على الأرض لم تسر بصورة تساعد في تأسيس اللجنة الدستورية وتحقق الأهداف المرتبطة بها من منظور روسي. إذ استقرت موازين القوى داخل المؤسسات الأميركية، البيت الأبيض والاستخبارات والدفاع، على ضرورة إبقاء وتوسيع التواجد العسكري الأميركي. كما واصلت الدول الغربية تشددها بخصوص إعادة الإعمار.
هكذا، لم نشاهد اهتماما روسيا خاصا بتسريع تشكيل اللجنة الدستورية، وهو ما انعكس بطول مدى المشاورات التي استمرت نحو عام ونصف. من هنا يجد المشككون بأهمية اللجنة الكثير من المنطق، فإذ كان تشكيل اللجنة الدستورية والاتفاق على أعضائها، رغم كونها من دون صلاحيات، تطلّب عاما ونصف، فكيف الحال بالاتفاق على مواد دستورية محددة، وخصوصا تلك التي تقترح تغييرا جوهريا في شكل النظام السياسي.
أغلب الظن أن تتعثر أعمال اللجنة وتصل إلى طريق مسدود عند أول عقبة جدية أو خلاف حقيقي. ذلك أن اللجنة بتركيبتها الحالية وفقدانها للصلاحيات وخضوعها للتوازنات الإقليمية والدولية، لم توجد من أجل تشكيل دستور جديد يكون الأساس لتحوّل سياسي ذي معنى، وإنما لترحيل الخلافات وللتغطية على غياب الاتفاق الإقليمي والدولي حول مستقبل النظام السياسي في سوريا.
كاتب فلسطي
العربي
الدساتير السورية: لبشار صلاحيات أكبر من الملك فيصل!/ وجيه حداد
منذ الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية بات الموضوع الدستوري يتصدر اهتمامات السوريين باعتباره المدخل إلى التسوية المفترضة، والمؤشر الرئيسي على التحولات الممكنة في طبيعة النظام بعد 8 أعوام من الثورة والحرب.
وان تأملنا الدساتير السورية مقارنة مع دستور 2012 الذي يصفه وزير الخارجية وليد المعلم، بأنه “أفضل دستور في المنطقة”، فإننا نجد مفارقات كبيرة فيها، ليس أقلها أن صلاحيات الرئيس فيه، تفوق بشكل هائل حتى صلاحيات الملك فيصل، كما حددها الدستور السوري الأول.
دستور الملك فيصل 1920
أول دستور سوري وهو ما أطلق عليه دستور فيصل، كتبه “المؤتمر السوري العام” المنتخب بعد خروج العثمانيين وترأسه هاشم الأتاسي، الذي ترأس أيضا لجنة خاصة لصياغة دستور “للمملكة العربية السورية” وعاصمتها دمشق ودين ملكها الإسلام.
وبموجب الدستور الذي لم يعمل به إلا 15 يوماً، بسبب إنذار الجنرال الفرنسي غورو، وما تلاه من تداعيات وخضوع سوريا للانتداب الفرنسي، فقد حاز فيصل على صلاحيات مُقيّدة جداً، ولم يكن توقيعه معتمداً ما لم يترافق مع توقيع رئيس الوزراء أو الوزير المختص. هذا بالإضافة إلى أن أعضاء المحكمة الدستورية الـ16 في دستور فيصل، كانوا يأتون بالانتخاب، لا بالتعيين من قبل الملك، على عكس الدستور الحالي الذي يُعين فيه الرئيس أعضاء المحكمة الدستورية.
وحتى العام 1930 لم تعرف سوريا أي دستور فعلي، وكان “القانون الأساسي للاتحاد السوري” الذي أعلنه غورو، بمثابة الدستور الاتحادي المعمول به في البلاد.
دستور 1930
كتبته الجمعية التأسيسية المنتخبة في العام 1928 من وحي الدستور الفرنسي، وترأس لجنة صياغة الدستور فيها ابراهيم هنانو، وعبرت فيه عن وحدة دولتي حلب ودمشق فقط، لتحدد بموجبه نظام الحكم في سوريا بجمهورية نيابية لا يحق فيها لرئيس الجمهورية تعيين رئيس الوزراء، كما لا يحق له الترشح لولاية ثانية ما لم تنقضِ خمس سنوات على خروجه من المنصب وهي مدة الرئاسة المنصوص عليها في الدستور.
التعديلات الدستورية اللاحقة التي خضع لها هذا الدستور لم تكن جوهرية، ومعظمها يتمثل في زيادة عدد المقاعد النيابية بعد انضمام الدروز والعلويين إلى الدولة السورية الموحدة عام 1936.
ورغم عصرية دستور 1930 وضمانه للحقوق والحريات العامة وتمثيل الأقليات الدينية والعرقية بشكل عادل، إلا أنه كجميع الدساتير المكتوبة تحت الانتداب، فقد تمت إضافة مادة إليه تنص على طي وتجميد المواد المتعارضة مع قوانين الانتداب حتى زواله. وبقي الدستور سارياً ومعمولاً به حتى عام 1950، عدا الفترة الممتدة من 1939 إلى 1941 التي تم تعطيله فيها بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية.
دستور 1950 أو دستور الاستقلال
هو أول دستور سوري كتب بعد الاستقلال، وتمت صياغته بعد الاطلاع على عدد كبير من الدساتير المعاصرة. وحافظ على الصفة البرلمانية للجمهورية، ووسع صلاحيات البرلمان على حساب الصلاحيات الرئاسية، واستحدث المحكمة الدستورية العليا، ووازن بين السلطات بشكل مقبول، ونص في 28 مادة منه على الحريات العامة. إلا انه، أخفق في حسم الإشكاليات التأسيسية للجمهورية، وضم في مواده مزيجاً تلفيقياً من الدساتير الغربية والشرقية بآن معاً.
ورغم تخفيف الصيغة المعتمدة في الدستور باعتبار الإسلام دين رئيس الجمهورية لا دين الدولة كما كان مطروحا، إلا أن تداعيات الصيغة أرخت بظلالها على الكثير من مواد الدستور المقيدة للحريات العامة، وانعكست على الحريات والتعليم بشكل واضح لجهة تجريم ما يتناقض معها، مؤسسة بذلك البذور الأولى للمفاهيم الشمولية، وفاتحة الطريق أمام العسكر للاستيلاء على السلطة لعدم إقرارها نصاً دستورياً يُحيَد الجيش ويضعه في إطاره المهني كما كان مطروحا آنذاك.
دستور 1953
وهو الدستور الذي اعتمده الشيشكلي بعد انقلابه الثاني، وكتب من وحي دستور 1950، وجاء التعديل الأبرز فيه لجهة اعتماد الصيغة الرئاسية بدلاً من البرلمانية. ومع انتهاء فترة الشيشكلي بعد ستة أشهر أعيد العمل بدستور 1950 من جديد، وبقي سارياً عدا فترة الوحدة 1958-1961، إلى عام 1963 مع تعديلات طفيفة.
دساتير البعث
بعد استلامه السلطة عام 1963 اصدر البعث ثلاثة دساتير مؤقتة اثنان منها في عامي 1964 1969، وهي دساتير متشابهة صاغتها القيادة القطرية، لكنها بقيت معطلة للحريات العامة والعمل السياسي، لاقترانها بقانون الطوارئ الساري في البلاد، وبموجبها تم اعتماد الاقتصاد الاشتراكي. وصيغ الدستور الثالث عام 1971 ليكون دستوراً للجمهورية في ظل اتحاد الجمهوريات العربية.
دستور 1973
وهو “دستور حافظ الأسد”، الذي تميز بانتقاله إلى الصيغة الرئاسية المطلقة وحيازته على مجموع الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية مع إبقاء هياكل تلك المؤسسات واستتباعها بالكامل لسلطة الحزب والرئيس، واعتماد المادة الثامنة من الدستور باعتبار “حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع”، واعتماد نظام الاستفتاء على الرئيس بدل الانتخاب التعددي الحر، وحصر الترشيح الرئاسي بالقيادة القطرية للبعث.
ورفع مدة الرئاسة دستوريا من خمسة أعوام إلى سبعة أعوام ميلادية، وهي غير مقيدة بعدد المرات، وحصن نفسه دستوريا بعدم المسؤولية عن نتائج أفعاله، وعدم جواز محاكمته إلا في حال الخيانة العظمى، لتتم محاكمته حينها أمام أعضاء المحكمة الدستورية التي يمتلك وحده حق تعيين أفرادها.
ورغم ورود بعض المواد المؤكدة للحقوق والحريات العامة في هذا الدستور إلا أن قانون الطوارئ وطبيعة الحكم الاستبدادي الشمولي، جعلا من تلك المواد مجرد صيغ لفظية لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع.
دستور 2012
لم يحصل تبدل يذكر في دستور 2012 عن سابقه سوى الإلغاء الشكلي للمادة الثامنة من الدستور القائلة بـ”قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع”، وإلغاء حق القيادة القطرية بترشيح الرئيس، وإحالتها بشكل غامض إلى مجلس الشعب، من خلال حصول المرشح على 35 صوتاً للسماح له بدخول السباق الرئاسي.
وأبقي بشار على جميع الصلاحيات الرئاسية الواردة في دستور حافظ، كما حافظ على المادة المحصنة للرئيس بعدم مسؤوليته عن نتائج أفعاله، واستبقى لنفسه صلاحيته الحصرية لتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا.
ورغم تشريع قانون أحزاب سابق على إعلان الدستور إلا أن مفاعيله لم تظهر دستورياً بأي من المواد، ولا قيمة دستورياً لحجم الأحزاب مهما بلغت، أو مهما حصلت على تمثيل نيابي.
من جهتها المواد الحاملة للحريات العامة لم تختلف نظرياً في دستور 2012 عن دستور الأب، وفي الواقع العملي بقيت حبرا على ورق رغم إلغاء قانون الطوارئ المعمول به في البلاد منذ نصف قرن، فيما تراجعت الحريات على الأرض بشكل مخيف.
وحرص بشار الأسد على إدراج مادة خاصة به أشارت إليه باسم رئيس الجمهورية الحالي، وهي المادة 155 وتنص حرفيا: “تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية، وله حق الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية وتسري عليه أحكام المادة 88 من هذا الدستور اعتباراً من الانتخابات الرئاسية القادمة”.
ما يعني السماح له بالترشح لولايتين قادمتين، كما رفض كل المناشدات الداخلية والخارجية بمن فيهم بعض أعضاء اللجنة الدستورية التي شكلها في حينه، لتخفيض مدة الرئاسة إلى خمسة أعوام بدلا من سبعة. ووفق هؤلاء فان بشار الأسد، زج بأسمائهم لتلميع عملية الصياغة معتمدا على اختيار ثلثي أعضاء اللجنة الدستورية من مواليه البعثيين. وكان إقرار المواد الدستورية بالتصويت ما يعني ضمانته في الحصول على دستوره المطلوب دون قدرة الرافضين لإحداث أي خرق، وهو ما سعى الى تكراره في اللجنة الدستورية العتيدة.
المادة اللافتة أيضا في دستور 2012 هي المادة 154، وتمنح مهلة ثلاث سنوات لتعديل الأطر والتشريعات النافذة سابقاً والمتعارضة مع الدستور الجديد، بما فيها مفاعيل المادة الثامنة التي تم حذفها من الدستور السابق والتي كانت تنص على قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع.
ورغم انقضاء المهلة الممنوحة دستوريا، إلا أن شيئا لم يتغير من الواقع المخالف للدستور الجديد واستمرت مفاعيلها وهيمنة هياكل البعث وامتداداته، ابتداء من المناهج الحكومية وصولا إلى إقرار السياسات الداخلية والخارجية، وعلى كامل العمل الحكومي والإداري. ما يعني مخالفة الواقع الحالي لدستور النظام نفسه.
الإشكاليات الدستورية المتنازع عليها
يؤسس الدستور للعقد الاجتماعي المتفق عليه لإنشاء الكيان السياسي والاجتماعي المطلوب، وفي الحالة السورية فإن التنازع يبدأ من الاسم بين الجمهورية السورية أو الجمهورية العربية السورية، ويمتد إلى مصادر التشريع وموضوعة دين رئيس الجمهورية، كما يمتد إلى طبيعة النظام لجهة اعتماد الشكل الرئاسي أو البرلماني ما يعني صلاحيات الرئيس، وتوازن السلطات العامة والفصل بينها.
ويمتد الخلاف إلى اعتماد الصيغ المركزية أو اللامركزية في الحكم بتعبيراتها السياسية الممتدة من الفيديرالية والكونفيديرالية إلى اللامركزية الإدارية، كل ذلك يقود إلى أن الخلاف في الرؤى الدستورية تشمل هوية الكيان وطبيعة الحكم وشكله أيضا.
أما إجرائيا وهو المستوى الأكثر إشكالية، فيشمل الخلاف شكل الانتقال وآلياته وأدواته وتدرجه الزمني للوصول من الوضع القائم إلى المقبل. ويزيد النظام من العراقيل الشكلية والجوهرية، ويلعب على التناقضات المحلية والدولية لشراء المزيد من الوقت. وفيما يأمل المتفائلون من المعارضة بإنتاج دستور يقود إلى الانتقال السياسي، يسعى النظام إلى إنتاج دستور غير قابل للتطبيق أو دستور يعيد إنتاج ذاته، وأدواته دون إحداث تغيير يذكر.
وبين الموقفين، يبقى الزمن هو الحكم الأكبر لنتائج العملية الدستورية التي استغرق الاتفاق على تسمية أعضائها قرابة السنتين، في ظل ظروف دولية ومحلية معقدة تهيمن على استمرار اللجنة أو انهيارها، وتتحكم بمخرجاتها الدستورية أيضا وفق مصالحها على الأرض السورية.
المدن
دستور الباذنجان/ أحمد عمر
نعِمّتِ البدعةُ تسمية مؤتمرات المؤامرات على الشعب السوري بأسماء الطعام والفواكه، فهي أولى من الأرقام وأكرم، وألصق بالذاكرة، مثل مؤتمر البوظة في روسيا، ومؤتمر التين في أنقرة، وهي أصوب تسميةً من تسميات المؤتمرات التسلسلية (كما في جرائم القتل التسلسلي) مثل: جنيف واحد وجنيف اثنين وجنيف ثلاثة، وأستانة واحد وأستانة اثنين، التي تحولت إلى توابع رياضية تحتاج إلى حل. الصينيون يسمّون الأعوام والسنين بأسماء الحيوانات؛ سنة النمر، سنة الأرنب، سنة التنين،… نحن نسمي بها العهود المعاصرة؛ عصر الأسد الذي طال نصف قرن، عصر الأسد الدبي، وهو نفس العهد السابق بعد ضبط المصنع.
وتواجهنا مشكلة عويصة وهي تسمية مؤتمرات السيسي الشبابية المكسيكية التي بلغ عددها ثمانية، فكلها مؤتمرات البلحة، ولا بد من الاستنجاد بالأعداد، بتسميتها، مؤتمر بلحة واحد وبلحة اثنين.. أما إذا سميت مؤتمرات الأسد بأسماء الطعام فأولى بها تسمية: مؤتمرات الشنكليش، وهو طعام سوري، ونوع من الأجبان أو الألبان المعتّقة، ويعتبر أحد أهم المقبلات السورية، يقدم بارداً بعد إضافة زيت الزيتون والبندورة والبصل إليه، قيل إنه لذيذ وبلا فائدة غذائية. والمكسيكية وصف يستلزم أمرين هما؛ الطول، وبراعة النشل.
فيديوهات محمد علي مسلسلة عندي باسم «فيديوهات البيتنجان»، وأعرف رقم حلقة مسلسله من لون قميصه، وهو لله دره يكرر لفظ البيتنجان في كل فيديو، وثمة نوع أبيض من الباذنجان أبرص، البيتنجان لفظ ساخر يطلقه محمد علي على نظام البلحة. وقد نرى فيلماً يوماً اسمه: بلحة بس بيتنجان. ألم يقل السيسي: أنا مش بتاع سياسة؟
– هو بتاع بيتنجان.
وتروى حكاية شهيرة عن الأمير بشير سنضطر إلى التذكير بها لعل الذكرى تنفع المؤمنين، وهي أنه قال لخادمه يوماً: نفسي تشتهي أكلة باذنجان، فقال الخادم: بارك الله في الباذنجان، هو سيّد المأكولات بلا منازع، لحم بلا شحم، وسمك بلا حسك، يؤكل مقلياً ومشوياً ومحشياً بالكاجو.. وراح الخادم يعدد فوائده، حتى اندهش الأمير من بطولات الباذنجان كأنه عنترة الخضار يصول في حومات المطبخ بطعمه البتار.
هذا ما كان من أمر الخادم ثكلته أمه، أما الأمير فقد دخله شرٌّ مستطير فقال للخادم الخبير: ولكني أكلت منه قبل أيام، فنالني منه ألم في معدتي، فقال الخادم: لعنة الله على الباذنجان.. إنه ثقيل، غليظ، نفّاخ، أسود الوجه، متهم بالإرهاب، إخوان مسلمين.. وهنا قال له الأمير: ويحك يا ابن اللخناء! تمدح الشيء، وتذمّه في وقت واحد؟ فقال الخادم: يا مولاي أنا خادم للأمير، ولست خادماً للباذنجان، إذا قال الأمير نعم قلت «نعم».. وإذا قال: لا.. قلت «لا»! فسُرُّ الأمير منه، فالأمراء يحبون طعم الطاعة أكثر من طعم الباذنجان.
الباذنجان لفظ فارسي، هو مهرِّج الخضروات، له ألوان أشهرها المنيّل بستين نيلة، ويأتي مزاج التهريج فيه من أمرين؛ الشكل والاسم، والمضحك في شكله أيها السادة المقيمون والنازحون، هو مصالحته الوطنية بين سواد عنترة بن شداد وضخامة إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، كما أن للباذنجان تاجاً ملكياً، فكأنه عطيل في مسرحية شكسبير، أو عنترة وقد بان في وجهه النكير.
وهو كائن شعبي في مملكة الخضار غير الاشتراكية، مرذولٌ ومباحٌ ومشاع، وخفيف الوزن، رغم كبر الحجم، ليس له محل في أطباق الزينة، ولا لوحات سيزان الصامتة؛ مثل الموز والتفاح والخيار والبندورة الحمراء، قليل السعرات الغذائية، وتتحد في نظم الباذنجان العربية السلطات الثلاث اتحاداً، فهي على معدة رجل واحد قاتله الله، والسلطة الرابعة باذنجانية مثل خادم الأمير بشير، فطعم الباذنجانة عمرو أديب لا يختلف عن طعم شريف شحادة عبر الأثير، وإن كان لعمرو أديب فضّلٌ على شحادة فهو لصناعة البابا غنوج منه، ولا يصلح الباذنجان السوري الحالي لصناعة المكدوس، لكنهم جميعاً صالحون للتجفيف والأكل في الشتاء. الباذنجان المجفّف له طعم الكاوتشوك، وأحياناً طعم الخشب.
ويستخدم الباذنجان للسخرية والاستهزاء في الأمثال الشعبية، فالباذنجان لفظه يشبه لفظ السلطان، والصولجان، والمهرجان، ولعبة الكونكان، وكان ياما كان، فهي ألفاظ بنفس قافية الشيطان، وهو أيضاً رخيص، ذليل في البلاد العربية، أما في أوروبا فالخضروات بسعر متقارب، والسبب هو أن سعرها يعتمد على أجرة نقلها لا على سُعراتها.
وهو كبير الحجم قليل الفائدة الغذائية كما أسلفنا، فليس بالباذنجان وحده تبنى الأوطان كما قال هوبز، إلا إذا حشي بالرز الخليجي واللحم الضأن ودُعم بالشرعية الدولية. ويستحق دستور سوريا الجديد، وصفاً هو «دستور الباذنجان».
لم تسفعنا الأمم المتحدة بالغذاء والدواء سوى الذي كان يذهب إلى معدة النظام والباذنجانيين والباذنجانيات من صبايا العطاء اللاتي ذكرْننا بالبغاء المقدس، ولا بالأسلحة، وبقليل من الخيام التي لا تصمد للريح، لكنها اجتهدت أحسن الاجتهاد في صنع الدستور على مقاس البطيخ أو الفليفلة، وهو طبخة الشعب، وجمعت 150 طباخاً في سيارة قلاّب، بعد مسابقات دموية. وكنا نبحث في قوائم أسماء المطلوبين لنظام الأسد الباذنجاني، فصرنا نبحث في أسماء طباخي الدستور عن خصماء نعرفهم، ليطبخوا لنا طبخة مسمومة إذا أُكلتْ أثقلت المعدة، وورمت الشفتين، وأهاجت السعال، وأصابت آكلها بالغثيان، وسببت الإسهال، بسبب احتوائها على الأوكسالات المندسّة.
فاصل ونواصل:
وجاء في ذمِّ الباذنجان، في كتاب «نثر المحاضرات»، عن أبي الحارث جمّيز أنه قال في الباذنجان: لا آكله، لون العقرب وشبه المحجمة. قيل له: فقد رأيناك تأكله على خوان فلان! قال: كان ميتةً وأنا مضطرّ.
وكان الخليفة الواثق، واسمه هارون بن محمد بن هارون، أكولاً، وكان مفتوناً بحبِّ الباذنجان، أي باذنجانيات، وكان يأكل في أكلة واحدة أربعين باذنجانة؛ فأوصى إليه أبوه، وكان وليّ عهده، أنه كان يحبُّ الباذنجان ويكثر من أكله ومعظم الرمد بالعراق من أكل الباذنجان لحرِّ الإقليم، والسوداء المتولدة من أكله، فبعث إليه أبوه المعتصم وقال له دع أكل الباذنجان واحفظ بصرك، فمتى رأيت خليفة أعمى؟ فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين إني تصدّقتُ بعيني على الباذنجان.
وفي هجائها قال الشاعر:
مُدَوّرَةُ سودَ المتونِ كأنها … خصى الزَّنج لاحت تحت فِيَش قوائمِ
فأبشارها تحكي بطون عقاربِ … وأرؤسها تحكي أنوفَ محاجمِ
وفي كتاب «الإمتاع والمؤانسة»، قال أبو سعيد الذهبيّ الطبيب: لو علم الّذي يحمل الباذنجان أنّ على ظهره باذنجاناً لصال على الثّيران.
وجاء في كتاب «نثر الدرّ في المحاضرات» في ألقاب الْأَطْعِمَة وَغَيرها على مَذْهَب الطفيليين أن لقب الباذنجان هو: قباب يَاسر وحديثاً: قصور السيسي.
وجاء في الخبر: كلوا القرع واجتنبوا الباذنجان. وقيل لأعرابي: ما تقول في الباذنجان، قال: لونه لون بطون العقارب، وأذنابه كأذناب المحاجم، وطعمه طعم الزقّوم، فقيل: إنه يحشى باللحم ويقلى بالزيت فيكون طيباً، فقال: لو حشي بالتقوى وقلي بالمغفرة وطبخته الحور العين وحملته الملائكة ما كان إلا بغيضي.
وجاء في «نهاية الأرب»: قال ابن وحشيّة في كتاب «أسرار القمر» في توليده: وإن أردتم الباذنجان فخذوا خصيتي التّيس وعروقاً من عروق الباذنجان فألقوها على الخصيتين بعد أن تجعلوا الخصيتين في الأرض، وخذوا إحدى كليتيه واجعلوها فوق العروق، واطمروا ذلك في الأرض، فإنّه بعد أربعة أسابيع تنبت منه شجرة الباذنجان، فإذا نبتت فحوّلوها إلى موضع آخر فإنّها تنمو؛ هذا ما قيل في توليده، ولم يذكر ابن وحشية كاترين أشتون، والله أعلم بالصّواب.
عودة إلى الأوتوستراد والدستور:
وقد وجدنا أنَّ الأمم المتحدة أجهضت الثورة السورية، وأرادت إنهاء الصراع قبل نهايته، فجمعت هؤلاء الباذنجانيين حتى يتفرق دم الشعب السوري بين القبائل، وعملت مكدوس الدستور محشياً بمكسرات البحص والرمل. بحثنا بين هؤلاء الباذنجانيين المائة وخمسين فوجدنا باذنجاناً أبيض اللون وأسود وأزرق وبمبي من القوارير النسويات، لكن الطعم واحد، ومنهم قشور باذنجان، ومنهم بيض عجل (نوع منفوخ من الباذنجان) ومنهم مبذّر مذاقته كطعم العلقم (باذنجان لا لحم له) وهم يستحقون شتائم محمد علي التي من أجلها أتابع فيديوهاته واحداً واحداً، فكلما شتم انتعشت روحي وزغردت نفسي، فهو يعامل السيسي بما هو أهله. وقد سعدت أمس باعتقال شخصية مصرية تحمل الدكتوراه في العلوم الباذنجانية، فلن أراه بعد اليوم على التلفزيون يقدم تحليلات سياسية بتنجانية،
لقد تداركت الباذنجانة الليبرالية نفسها وغرّدت تغريدة شجاعة وقفزت بنفسها بين الفواكه الأخوانية في معتقلات البلحة.
ومن نَوَادِر أبي الْحَارِث جمين: أنه قيل لَهُ يَوْماً: مَا تشْتَهي؟ فَقَالَ: نشيش مقلاةٍ بَين غليان قدرٍ على رَائِحَة شواءٍ. وَكَانَ لَا يَأْكُل الباذنجان، فكايده مُحَمَّد بن يحيى وَاتخذ ألوانه كلهَا باذنجان، فَجعل كلما قُدّم لون فرابه الباذنجان فِيهِ توقّاه، وَأَقْبل على الْخبز وَالْملح؛ فَلَمَّا عَطش قَالَ: يَا غُلَام، اسْقِنِي مَاء لَيْسَ فِيهِ باذنجان.
اللهم نصراً لَيْسَ فِيه باذنجان.
المدن
هل حان موعد الانتخابات في سوريا؟
طرحت فرنسا، أمام اجتماع “المجموعة المصغرة”، ما يمكن تسميته بـ”لا ورقة” حول الانتخابات السورية المقبلة، فيما أكد الجانب الأميركي على موضوع الانتخابات ما يشير إلى وجود توجه دولي لترتيب هذا الملف ودعمه.
مصادر “المدن” أشارت إلى أن موفد فرنسا ذكر في اجتماع “المجموعة المصغرة”؛ الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر، الجمعة، موضوع “لا ورقة” تُركز على كيفية وجود انتخابات حرّة ونزيهة، بإشراف الأمم المتحدة ووفق القرار 2254. كما تتضمن “اللا ورقة” تفاصيل حول دور الأمم المتحدة في العملية الانتخابية، والظروف المناسبة لعقد الانتخابات، وضمان مشاركة السوريين في الشتات.
وأشارت مصادر “المدن” إلى أن فرنسا تعمل على هذا الموضوع منذ أشهر، لكن عندما أعلنت الأمم المتحدة تشكيل اللجنة الدستورية، تشجّعت باريس أكثر في مناقشة الفكرة، خصوصاً أن “المجموعة المصغّرة” أكدت خلال لقاءها في نيويورك، على أهمية تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254 بشكل كامل.
وعدّت المصادر أن ملف الانتخابات في سوريا لم يأت على لسان الفرنسيين فحسب، بل إن الولايات المتحدة طرحت ملف الانتخابات خلال اجتماع “المصغرة” أيضاً. إذ أكد الوفد الأميركي خلال اللقاء على أن يتم التحضير لموضوع الانتخابات، وتفاصيلها، في وقت لاحق بعد تشكيل اللجنة الدستورية.
وأشارت المصادر إلى أن ما يتم التركيز عليه دولياً في الوقت الراهن، وبعد إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، هو تنفيذ كامل للقرار 2254، مشيرة إلى أن ذلك مؤشر على رغبة الدول الفاعلة اليوم في تفعيل الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة وقراراتها، وذلك من بوابة اللجنة الدستورية.
في السياق، قالت مصادر سورية معارضة، إن هيئة التفاوض كثّفت جهودها في نيويورك من أجل التأكيد على نقاط من بينها أهمية التحرك نحو حلّ ملف المعتقلين، والبيئة الآمنة “الحكم الانتقالي”، والانتخابات. وأوضحت مصادر “المدن” أن لدى “هيئة التفاوض” مخاوف من تحرك دولي لإجراء انتخابات في سوريا في ظل الوضع الراهن، إذ ترى المعارضة أن حدوث ذلك يعني عدم وجود مشاركة من الخارج، والنظام سيضغط على السوريين في الداخل. ولذلك حاولت الهيئة خلال اجتماعاتها التأكيد على أن تشكيل اللجنة الدستورية ليس كافياً، وإنما ينبغي التحرك نحو تفعيل حقيقي لقرارات الأمم المتحدة.
وأضافت مصادر “المدن” أن هيئة التفاوض ستجتمع نهاية تشرين الأول/اكتوبر، مع أعضاء اللجنة الدستورية في لائحة المعارضة، وستبحث معهم ملف تعيين رئيس اللجنة من جانب المعارضة، وانتخاب أعضاء اللائحة الصغيرة التي تتكون من 15 عضواً.
وكانت “المجموعة المصغرة” رحبت في بيانها بتشكيل اللجنة الدستورية السورية، مؤكدة على أن اللجنة “خطوة إيجابية طال انتظارها، ولكنها لا تزال تتطلب التزاماً جاداً وتعهداً بتحقيق الوعود لتنجح”، وأن “المجموعة المصغّرة” تشجع الأمم المتحدة على عقد “اجتماع للجنة الدستورية والبدء بمناقشة القضايا الجوهرية المتعلقة بولايتها، وذلك في أقرب وقت ممكن”، وشددت على ضرورة “المضي قدماً بجميع أبعاد العملية السياسية الأخرى على النحو المبين في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.
ودعت المجموعة إلى “وقف فوري وفعلي لإطلاق النار في إدلب”، وقالت إنه “لا يجوز التسامح مع أي استخدام للأسلحة الكيماوية في سوريا، ونطالب كل الأطراف بضمان اتخاذ جميع تدابير مكافحة الإرهاب، لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما فيها تلك المتخذة في محافظة إدلب”.
من جانب آخر، قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، إن تشكيل اللجنة الدستورية السورية كان سيتم في كانون الاول ديسمبر الماضي، لولا تدخلات من قبل بعض الأطراف الخارجية.
وأضاف لافروف خلال مؤتمر صحافي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الجمعة:”كانت تلك الجهود تهدف إلى إفشال أي حل في سوريا وإلى التحريض على المجابهة والتوترات والفضائح في ما يخص هذه العملية، وذلك من أجل توجيه أصابع الاتهام، وأنتم تعرفون بأنفسكم إلى من، وتبرير استخدام القوة من جديد”.
وأشار لافروف إلى أنه بحث تشكيل اللجنة الدستورية السورية مع وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الجمعة، و”يبدو لي أننا ننجح تدريجيا في صياغة فهم أفضل لكيفية مساعدة السوريين في التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل وطنهم، بحيث يحترم جميع اللاعبين الخارجيين سيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية”.
وأكد لافروف على ضرورة حل المسألة الكردية في إطار وحدة أراضي وسيادة سوريا، مضيفا: “أننا نعتقد أن ذلك يجب أن يكون موضوعا للمفاوضات بمشاركة القيادة السورية”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تقوم بإنشاء أجهزة سلطة موازية شرقي الفرات، بما في ذلك على حساب العشائر العربية.
مظاهرات إدلب: لا للجنة الدستورية!
تحت شعار “اللجنة الدستورية شرعنة للأسد وخيانة للثورة”، خرج متظاهرون في مناطق مختلفة في محافظة إدلب، بعد صلاة الجمعة، بعدما جرى التحضير لها في وقت سابق عن طريق الناشطين والفعاليات الثورية، بحسب مراسل “المدن” محمود الشمالي.
في مدينة معرة النعمان التي تتميز دائما بشعاراتها وتنظيم مظاهراتها، تظاهر سكان المدينة في ساحة المسجد الكبير، ورفع المتظاهرون لافتات عبرت عن رفضهم للجنة الدستورية في ظل “الاحتلال الاسدي والإيراني والروسي لسوريا”، وكتب على إحدى اللافتات “أعيدوها ثورة من جديد”.
احد المتظاهرين في مدينة المعرة قال لـ”المدن”، إنه خرج لرفض أي عملية لصياغة دستور جديد في ظل وجود نظام الأسد في الحكم، وقال: “مشكلتنا ليست مع الدستور، مشكلتنا مع نظام قاتل”، ورفع في المظاهرة لافتات كتب عليها “هل دستوركم سيحدد عدد البراميل المتفجرة التي سيسمح للأسد باستخدامها!”.
كما خرج متظاهرون في ساحة السبع بحرات وسط مدينة إدلب، وجددوا مطالبهم بإسقاط النظام، والتأكيد على مبادئ الثورة السورية، ورفض أي عملية سياسية ستفضي لإعادة انتاج نظام الأسد، وبالأخص اللجنة الدستورية التي شكلت في ظروف مناسبة للنظام وروسيا، فكتب أحد المتظاهرين: “اللجنة الدستورية لن تغير شيئاً فروسيا هي القاتل وهي كاتب الدستور”، واحيطت المظاهرة بحراسة امنية وقطع الطرق المؤدية إلى موقعها امام حركة السيارات.
في مدينة كفر تخاريم غربي إدلب، خرج المتظاهرون أمام الجامع العمري الكبير، بعد دعوة نشطاء المدينة أبناء المدينة والنازحين فيها وفي المناطق المجاورة للتظاهر، بحسب الناشط محمد جبس. وعمل النشطاء على تحضير الاعلام واللافتات وتنظيم المظاهرة، كما خرج متظاهرون في مدينة سرمدا ورفعوا لافتات كتب على إحداها: “لا للجنة الدستور المزيفة”، “اللجنة الدستورية لا تمثلنا”.
كما خرج متظاهرون في بلدات سراقب وكللي، ولم يتجمع المتظاهرون على خلاف الجمع السابقة في ساحة باب الهوى القديمة، ولم يحاولوا التوجه الى معبر باب الهوى كما حدث في اغلب المناطق الحدودية التي لم تشهد تظاهرات كالسابق.
تفاصيل قواعد عمل اللجنة الدستورية وصلاحياتها كاملة
حصل مراسل “بروكار برس” في موسكو على معلومات مؤكدة عن القواعد الإجرائية الناظمة لعمل اللجنة الدستورية التي يتوقع أن تعقد أولى اجتماعاتها في جنيف في نهاية الشهر المقبل أكتوبر/ تشرين الأول.
ويؤكد مشروع القواعد المرجعية والنظام الأساسي الداخلي للجنة الدستورية -بحسب المصدر- أنها “بقيادة سورية وتيسرها الأمم المتحدة “، ويؤكد مصدرنا أن عمل اللجنة يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، ويلتزم بقوة بـ “سيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها”.
وبحسب القواعد المتفق عليها فإن المرجعية الأساسية لعمل اللجنة هي قرار مجلس الأمن 2254 الصادر في 2015 القاضي بتسهيل المفاوضات السورية – السورية التي تحدد أيضا “عملية لوضع دستور جديد ، يجري بموجبه تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة”. وتشير ديباجة الاتفاق إلى الأخذ بالحسبان مبادئ عملية جنيف ببنودها ال/ 12، وكذلك مخرجات بيان سوتشي للحوار السوري الذي استضافته روسيا بوصفه “مساهمة في عملية جنيف بدعم من المشاركين في اجتماع سوتشي”.
وتؤكد الوثيقة أهمية ضمان أمن أعضاء اللجنة الدستورية وسلامتهم، وتشدد على أن “لا تخضع اللجنة أو أي من أقارب أعضائها أو منظمات المجتمع المدني وكياناتهم السياسية والكيانات التي يشكلون جزءًا منها للتهديد أو المضايقة أو الإجراءات ضد شخص أو ممتلكات مرتبطة مباشرة بعملهم في اللجنة الدستورية ومعالجة أي حوادث قد تحدث وحلها”.
ثم إن اللجنة الدستورية مخولة بإقرار الوسائل التي يجب أن تعتمد (استفتاء أو غيره) ويجب أن يبدي فيها السوريون رأيهم في الإصلاح الدستوري المعتمد من اللجنة.
وينص الاتفاق على أن اختصاص اللجنة يكمن في إعداد “مشروع للموافقة الشعبية ، أي ” استفتاء” وإصلاحه بوصفه مساهمة في التسوية السياسية. ضمن عملية جنيف وتنفيذاً للقرار 2254″ على أن “يتضمن الإصلاح الدستوري من بين جملة أمور، في الدستور والممارسات الدستورية في سوريا نص المبادئ الأساسية الإثني عشر وروحها في عملية جنيف”. ويمنح الاتفاق اللجنة الدستورية
الحق في “مراجعة دستور عام 2012 بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وتعديل الدستور الحالي أو كتابة مسودة دستور جديد”.
وإضافة إلى اللجنة الدستورية الموسعة التي حدث التوافق عليها وتضم 150 شخصية، ينبثق منها “هيئة مصغرة تضم 45 رجلا وإمرأة” تعين الحكومة السورية 15 من قائمتها، وكذلك المعارضة 15من قائمتها والأمم المتحدة 15 من قائمة المجتمع المدني.
وتكلف الهيئة المصغرة بإعداد المقترحات الدستورية وصوغها على أن تعرض على اللجنة الموسعة للمصادقة عليها. ويجري الاتفاق على آلية اجتماعات للجنة الموسعة بالتوازي مع عمل اللجنة المصغرة أو دوريا لمناقشة المقترحات واعتمادها.
وبخصوص تبني القرارات فتحض الاتفاقية على ضرورة التوصل إلى حل وسط ينطلق من المشاركة البناءة بهدف “الوصول إلى اتفاق عام بين الأعضاء” وإن لم يحدث التوافق التام فإن القرارات تتخذ بأغلبية 75 في المئة أي 113 عضوا من أصل 150 بالنسبة إلى اللجنة الموسعة، و34 عضوا حاضرا بالنسبة إلى اللجنة المصغرة”.
وبحسب الوثيقة، “يكون للجنة الدستورية رئيسان مشاركان واحد ترشحه الحكومة السورية والآخر ترشحه لجنة المفاوضات السورية”، ويعمل الرئيسان المشاركان معا من أجل “ضمان التقيد بالنظام الداخلي وحسن سير عمل اللجنة الدستورية”. وقد تتضمن مهماتهما “رئاسة الاجتماعات والدورات وتوجيهها؛ واقتراح التقيد بالنظام الداخلي وضمانه، واقتراح جدول أعمال وتسهيله وخطط عمل تمكن من النظر في جميع القضايا، إضافة إلى التنسيق مع المبعوث الخاص.
وتكمن مهمة المبعوث الخاص في تسهيل عمل اللجنة وتقريب وجهات النظر، ويرفع بانتظام تقارير إلى مجلس الأمن لعرض التقدم المنجز.
اللجنة الدستورية انتصار على من؟/ حسن النيفي
ثمة ما يوجب عودة الحديث عن تشكيل اللجنة الدستورية التي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش عن تشكيلها يوم الإثنين الفائت ( 23 – 9 – 2019 )، وتجدر الإشارة إلى أن الشروع بتكريس العمل على تشكيل هذه اللجنة قد بدأ منذ انعقاد لقاء سوتشي في 30 من كانون الثاني 2018، أي إن عملية تشكيلها استغرقت عشرين شهراً، استطاع بوتين خلال هذه الفترة تمكين نظام الأسد من استعادة السيطرة العسكرية على الغوطة ودرعا، في حين يتم – منذ منتصف نيسان الماضي – الإجهاز على إدلب وشمالي حماة، ذلك أن حرب الروس على الشعب السوري باتت ذات معالم استراتيجية واضحة، أي من الضروري – وفقاً لموسكو – أن يتوفر الغطاء السياسي لأي معركة، وقد كان مسار أستانا التفاوضي هو الغطاء الذي استثمره بوتين بالشكل المطلوب، وذلك من خلال بدعة ( مناطق خفض التصعيد) والتي انتهت ثلاث منها إلى سيطرة نظام الأسد، في حين يتم العمل على استكمال السيطرة على الرابعة، وبهذا يكون مسار أستانا قد آتى ثماره بالنسبة إلى الروس، بينما عزّز – من جانب آخر – مأساة السوريين، ليس من جانب استعادة نظام الأسد السيطرة على الأرص فحسب، بل لسقوط الآلاف من المدنيين، وحملات التهجير القسري التي اجتثت قسماً كبيراً من مواطني الغوطة ودرعا، وقذفت بهم إلى المحرقة المُنتظَرة ( إدلب).
لعلّ المفارقة الموجعة – بالنسبة إلى السوريين – هي أن تتحوّل هذه الفواجع التي كانت ثمناً لتشكيل اللجنة الدستورية، إلى مُنجز يبعث على الفخر لدى هيئة التفاوض السورية، وربما كان التعبير الأنصع عن هذه النشوة هو تصريح رئيس هيئة التفاوض السيد نصر الحريري الذي رأى في اكتمال تشكيل اللجنة الدستورية نصراً كبيراً للسوريين.
واقع الحال يشير إلى أن تصريح نصر الحريري ينطوي على مسألتين بالغتي الخطورة، وتنذران ببداية فصل جديد من طبيعة العلاقة بين مؤسسات المعارضة السورية وجمهور الثورة، لعلّ أولاهما أن تحدّي إرادة السوريين والاستهتار بتضحياتهم وتجاهل تطلعاتهم، لم يبق رهين التأويل والاستنتاج واستقراء النوايا، بل غدا سافر المعالم، واضح الغايات، مُعزِّزاً القناعة لدى معظم السوريين بأن حرص كيانات المعارضة على أن تكون أمينة في تمثيلها لمصالح أوليائها الخارجيين ومصالحها الشخصية المتواضعة، أكثر بكثير من حرصها على أن تكون ممثِّلة للمصالح الوطنية السورية، وثانيتهما تكمن في نزوعٍ مضحك نحو تحويل الإخفاقات المزرية إلى انتصارات، ولا ندري، لعلّ النصر الذي تجسّد في تشكيل اللجنة الدستورية، قد يكون حلقة في سلسلة انتصارات مشتركة للنظام والمعارضة معاً على الشعب السوري المقهور، ذلك أن نشوة الحريري في إعلانه عن الانتصار، قد شاركته بها صحيفة ( الوطن) المقرّبة من نظام الأسد، حين تحدثت في عددها الصادر يوم الثلاثاء 24 – 9 – 2019 ، عن قبول المعارضة بالعمل على تعديلات دستورية تطول الدستور الحالي ( 2012 )، وليس العمل على صياغة دستور جديد، وفقاً لما نسبته إلى المبعوث الدولي غير بيدرسون، الذي التقى وزير خارجية نظام الأسد وليد المعلم يوم 22 – 9 – 2019.
على أيّة حال، ليس من المهم – فيما أعتقد – التفكير في مجريات عمل لجنة الدستور، وآليات عملها، ومن ثم المخرجات التي تُنتَظر منها، بقدر ما ينبغي التفكير بمخاطر هذه الخطوة، سواء نجحت أم لم تنجح، لأن مجرّد إقرارها سيكون اعترافاً قانونياً بالتخلّي عن جوهر العملية السياسية، وأعني مسألة ( الانتقال السياسي)، ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن القرار الأممي ( 2254 ) لعام 2015 ، يشير بوضوح إلى أولوية إنشاء حكومة وطنية غير طائفية، كاملة الصلاحيات، تتشكل خلال ستة أشهر، ثم تعمل هذه الحكومة على تشكيل لجنة لكتابة دستور جديد للبلاد خلال ثمانية عشر شهراً، ثم تبدأ عملية الدخول في انتخابات جديدة وفقاً لما ينص عليه الدستور الجديد، وهذا يعني أن المرجعية السياسية التي تتبع لها لجنة كتابة الدستور ستكون هي الحكومة ( الوطنية غير الطائفية) أي هيئة الحكم الانتقالي، وليس حكومة بشار الأسد، أمّا شروع هيئة التفاوض بالانخراط في لجنة الدستور، متجاوزة تشكيل هيئة حكم انتقالي، فهذا سيمنح الأسد كامل الشرعية باعتباره ما يزال المرجعية السياسية للبلاد، فضلاً عن أن الإقرار بشرعية نظام الأسد – كمرجعية سيادية سياسية – سيسهم في عرقلة العديد من المساعي القانونية والحقوقية التي تحاصره وتطالب بمحاكمته، باعتباره مجرماً بحق الإنسانية، كما يمكن التأكيد على أن من التداعيات الخطيرة لمساعي اللجنة الدستورية بشكلها المنتَظر، هي أنها ستكون مناخاً ملائماً لكسر الحصار والمقاطعة الدولية لنظام الأسد، بالنسبة إلى العديد من الدول العربية وغير العربية، التي تتحيّن الفرصة لإعادة علاقاتها الطبيعية مع نظام الأسد، وقد لجم جموحها سابقاً الفيتو الأمريكي، أمّا وقد بدأت المعارضة بتدشين إعادة تعويم النظام، فحينئذ لن يكون الآخرون ملكيين أكثر من الملك.
لقد أفلح بوتين أيّما فلاح، في التعامل الانتقائي حيال تعاطيه مع القرار الدولي ( 2254 )، ولم تظهر جدّية الروس سوى في تنفيذ ما يهدفون إليه فحسب، ذلك أن القرار المذكور كان قد نصّ صراحة في بنوده ( 12 – 13 – 14 ) على وقف إطلاق النار، ولم يتحقق ذلك، كما أشار إلى فك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة و إدخال المساعدات الإنسانية إليها، وقد انتهت جميع هذه المدن والبلدات إلى سيطرة النظام، كما أكّد على الإفراج عن المعتقلين، ولم يحدث شيء من هذا، ولعل الأهم هو إفراغ هذا القرار من محتواه الجوهري، بتجاوز عملية الانتقال السياسي، فما الذي بقي من جوهر هذا القرار؟.
تلفزيون سوريا
اللجنة الدستورية.. والحذاء الأمني/ طلال المصطفى
في نهاية عقد التسعينيات، بينما كنتُ أحد المعتقلين السياسيين في سجن عدرا، جاء رئيس فرع تحقيق الأمن السياسي إلى السجن، للمرة الأولى والأخيرة، في زيارة إلى جناح السياسيين، وألحّ على الاستماع إلى رؤى ومواقف بعض السياسيين، ولم يجد تجاوبًا من أحد، فما كان منه إلا أن طلب بإلحاح من أحد الرفاق، بالاسم، أن يسمع رأيه، فأجابه: “سيادة العميد، طبّقوا الدستور علينا (المعتقلين) الذي فصّله وخاطه حافظ الأسد عام 1973 على مقاسه، كما يفصّل الخياط بدلة زبونه”، ودون انتظار أو تفكير، أجابه العميد: “أنت مخطئ، نحن نطبق الدستور بحذافيره”، مشيرًا إلى حذائه، وتابع: “كنت أعتقد أنك أذكى من أن تسأل هذا السؤال”، وكان جواب رفيقنا: “نعم، يا سيادة العميد، لقد كنتُ غبيًا اليوم بطلبي هذا، فعلًا أنتم تطبقون دستور حافظ الأسد بحذافيره”، مشيرًا إلى حذاء العميد أيضًا.
تقصدت سرد هذا الحوار المكثف، بين ممثل النظام السوري وأحد المعارضين السوريين، لوجود تشابه بين مخرجات هذا الحوار ومخرجات اللجنة الدستورية، التي بدأ البحث والتفاوض من أجل إنجازها منذ عامين، ليتم الإعلان عنها كمخرج من مخرجات القمة الثلاثية للدول الضامنة (تركيا، روسيا، إيران) على مستوى الرؤساء، في تاريخ 16/ 9/ 2019، حيث كان الخلاف على تسمية أحد الأشخاص في المجموعة المستقلة عن النظام والمعارضة، المخصص اختيارها من قبل الأمم المتحدة التي لم تستطع اختيارها، فكلفت الدول الضامنة الثلاث بتعيين الأسماء المطلوبة، ثم تبيّن من تسريب بعض الأسماء المقترحة أن بعضها أسديّة أكثر من الأسد، وهذا يؤكد أن كلّ خلاف في عمل اللجنة وإجراءات عملها يحتاج إلى قمم أخرى، وبالتالي سيبقى استمرارها أسير توافقات الدول الثلاث وغيرها أيضًا.
المعروف أن اقتراح تشكيل اللجنة الدستورية كان أحد مخرجات مؤتمر سوتشي، الذي انعقد في كانون الثاني/ يناير عام 2018، بعد أن غيّر التدخل العسكري الروسي لعام 2015 موازين النفوذ العسكري لصالح النظام السوري والميليشيات الموالية له، وبالتالي بدأ الانقلاب سياسيًا على بيان (جنيف 1) الصادر في 30 حزيران/ يونيو 2012، الذي تضمن تأسيس هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية التنفيذية، من المفترض أن تضم الأطراف السورية كافة، وأيضًا قرار مجلس الأمن (2254) لعام 2015، الذي تضمن الجدول الزمني لكل مرحلة من مراحل الحل السياسي، وفيما بعد جاءت السلال الأربع للمبعوث الأممي (دي ميستورا) في جنيف 4، لتطبيق القرار الدولي 2254، من خلال حكم انتقالي غير طائفي خلال ستة أشهر، ودستور جديد خلال ستة أشهر أيضًا، وانتخابات حرة ونزيهة تحت الإشراف الدولي، تشمل السوريين كافة حتى الذين في الخارج، والسلة الرابعة استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
بالمقابل، قفزت روسيا عن هذه القرارات باتجاه مؤتمرات أستانا وسوتشي، وما يسمى بالمصالحات لترسيخ قبضة النظام السوري بالتدريج على الأراضي السورية كافة، واكتفت بالحديث عن الدعوة لتشكيل لجنة دستورية تقوم بتعديل دستور 2012 كحلّ سياسي في المستقبل.
الحالة الطبيعية أن يكون الوصول إلى هذه النتائج السياسية، نتيجة التقدم العسكري على الأرض للقوات الروسية وميليشيات النظام السوري عسكريًا، لكن من غير الطبيعي أن تشارك بعض المعارضة السورية في هذه النتائج، من خلال المشاركة في تشكيل اللجنة الدستورية التي من خلالها سوف يتم تقديم النظام السوري للعالم كله، على أنه يشارك في صناعة دستور عصري وديمقراطي لسورية، وبالتالي ينال الشرعية الدولية التي يتطلع إليها، من خلال مشاركة بعض المعارضة السورية في اللجنة الدستورية ومخرجاتها بالمستقبل.
السؤال المطروح لبعض المعارضة السورية المتحمسين لتشكيل اللجنة الدستورية، وإمكانية انطلاقها خلال أيام قليلة بهدف إنتاج دستور جديد لسورية: هل هذا النظام السوري، الذي رفض الدعوات الإصلاحية في الأشهر الأولى لثورة 2011، التي تتضمن شيئًا من الحرية والكرامة والعدالة للشعب السوري، وجابهها بإعلان الحرب والاتهامات المسبقة بالإرهاب والخونة هادرًا دمهم في الشوارع، محولًا سورية في السنوات التي تلت الثورة إلى خرابة حقيقية، يمكنه أن يسير بالحل السياسي، الذي من المفترض أن تكون مخرجاته دولة ديمقراطية تعددية، يحصل فيها تداول للسلطة كما يحلم السوريون كافة؟!
هل طبّق هذا النظام، أو مارس بالحدود الدنيا، دستور 1973 الذي يتضمن أن الحرية مقدسة في الدستور، أو في دستور 2012، الذي يتضمن أن سورية دولة ديمقراطية… إلخ، حتى يطبق دستورًا جديدًا من المفترض أن يخرجه من الحكم في نهاية المطاف.
هل يمكن للدستور الجديد، الذي ستنتجه هذه اللجنة الدستورية التي يهيمن عليها النظام السوري وحلفاؤه، أن لا يكون مناسبًا لبقائه في السلطة إلى أجل غير مسمى؟! وبإيجاز لن يكون هناك سوى دستور (الحذاء الأمني).
والأهمّ أن صاحب القرار الأول والأخير في وضع الدستور هو الشعب السوري، من خلال هيئة مختارة من قبله، وليس عبر لجان أغلبها غير متخصصة بالقانون وصناعة الدستور، اختارتها ثلاث دول أجنبية (تركيا، روسيا، إيران)، وهي لذلك فاقدة للشرعية الشعبية السورية، خاصة أن حوالي نصف الشعب السوري مهجّر قسريًا خارج سورية.
إن كل المؤشرات السياسة الناتجة عن مخرجات اللجنة الدستورية في المستقبل وعن الدول الضامنة الثلاث، تقول إن الحل السياسي ذاهب باتجاه تأهيل النظام السياسي السوري، بعد حصولها على مصالحها الاقتصادية والأمنية للدول الثلاث في سورية.
أعتقد أن الحدود الدنيا من التفكير العقلاني الوطني، لدى المعارضة السورية المشاركة في هذه اللجنة وفي العملية السياسية التفاوضية، تؤشر إلى ضرورة الانسحاب من هذه المؤامرة السياسية على الشعب السوري، التي تحاك باسم اللجنة الدستورية وإنتاج دستور معدل أو جديد، ومن ثم سحب الشرعية الشعبية السورية والدولية عنه في المستقبل، وهذا أقلّ ما يمكن أن تفعله المعارضة السورية، إذا أرادت أن تبقى في صفوف الشعب السوري.
إن حديث بعض المعارضة السورية عن إمكانية أن تساهم اللجنة الدستورية في إنتاج دستور جديد، ومن ثَم الاتجاه نحو حل سياسي، هو حديث الواهمين بأبسط متطلبات الحل السياسي في سورية، إلا إذا كانت رؤيتهم للحل السياسي ترتبط بإعادة تأهيل الأسد ومنظومته الأمنية، والحصول على بعض الوزارات الوهمية (دون حقيبة).
أخيرًا يجب التأكيد أن الدستور الجديد في سورية لا يمكن إنجازه من دون تغيير بنية النظام السياسي السوري، من بنية أمنيّة استبدادية ذات ملامح طائفة بالممارسة، إلى بنية مؤسساتية ديمقراطية، استنادًا إلى الشرعية الدولية المتمثلة بالقرار 2245 وقرارات جنيف 1، التي تحظى بالشرعية الدولية.
تلفزيون سوريا
مزحة سمجة أخرى تحققت: اللجنة الدستورية السورية!/ بكر صدقي
أمضى النظام الكيماوي في دمشق سنتين من التلاعب والمناورات لتأخير تشكيل اللجنة الدستورية، على رغم أنها مصممة لإدامة الوضع القائم. لا نأتي بجديد إذا قلنا إن مشكلة سوريا ليست في الدستور النافذ، بل في طغمة متسلطة على الدولة تتعامل مع البلد باعتباره ملك يمينها، بما في ذلك حرية التصرف به وتدميره وتهجير سكانه ومنح سيادته لدولتين أجنبيتين هما إيران وروسيا. ليست مشكلة سوريا في نص الدستور النافذ، بل في عدم احترام الطغمة المتسلطة له. ففي سوريا، ظاهرياً، حكومة وبرلمان منتخب وقضاء مستقل وسلطات محلية وجيش وشرطة ومدارس وحياة اقتصادية ومجتمع مدني وقوانين ناظمة للتعاملات بين الأفراد والمؤسسات.. باختصار هناك دولة. لكن جميع السوريين يعرفون أن هذا هو ظاهر الأمور فقط، وأن السلطة الفعلية هي في مكان آخر. فالنظام الجمهوري المعتمد في الدولة هو نظام على الورق، مقابل سلالة وراثية تحكم «إلى الأبد»! والبرلمان موجود ومنتخب من الشعب في انتخابات دورية، لكنه قادر على تمرير توريث منصب الرئاسة بالإجماع، ويصدر القوانين التي يتم تلقينها له من السلطة التنفيذية. والسلطة التنفيذية بدورها تنتظر التعليمات «من فوق» لتقوم بمهماتها. وعلى فرض وجود بعض القضاة المحترمين في «السيستم الأسدي» فهم يتعرضون لضغوط ترغمهم على اتخاذ القرارات المطلوبة منهم. الخوف هو المفتاح السحري الذي يفسر زمن الاستقرار في نظام الأسد، حيث تبدو الدولة الظاهرة وكأنها تعمل بصورة منتظمة و«طبيعية» من غير حاجة إلى ظهور الدولة العميقة إلى العلن بكامل أنيابها. أما وقد هدم السوريون حاجز الخوف، في مارس/ آذار 2011، وبدأوا يتحدثون بلغة بشرية مفهومة، أي يستهدفون سلطات الظل بصورة مباشرة، فقد كشرت هذه عن أنيابها اضطراراً، وعملت على تطبيق شعاري «الأسد أو لا أحد!» و«الأسد أو نحرق البلد!». هذان الشعاران هما الدستور الحقيقي الذي تحكم الطغمة الكيماوية بواسطته، ورأينا نتيجتها المنطقية في بقاء الأسد وإحراق البلد.
كل ما تقدم معروف ومكرر في الأدبيات المعارضة، فلا جديد فيه، لكننا مرغمون على تكراره أمام هول المزحة السمجة التي تحاك لنا باسم «اللجنة الدستورية». القوى الدولية الفاعلة والقادرة تعرف، مثلها مثل السوريين، ما تقدم من وصف العلاقة بين الدولة الظاهرة وتلك الباطنة أو العميقة في سوريا. لكنها تتظاهر بأنها لا تعرف، ومثلها الأمم المتحدة التي «تبذل جهوداً كبيرة» لإيجاد حل سياسي، فيتنقل مندوبها الجديد بين دمشق وعواصم أخرى، بهمة ونشاط، وتثمر جهوده وجهود الدول عن «إنجاز» باهر حقاً هو تشكيل لجنة دستورية ستجتمع في جنيف للخروج بدستور متوافق عليه بين ممثلي النظام الكيماوي وممثلي المعارضة المعتمدة وممثلي المجتمع المدني. لقد تم التشكيل وفق ميزان عادل جداً بحيث يتساوى عدد كل مجموعة من المجموعات الثلاث، بلا زيادة أو محاباة لأي طرف! يا لها من عدالة رائعة!
من يمكنه الاعتراض على ذلك؟ بل إن آلية اشتغال هذه البنية هي آلية توافقية، لا يخسر فيها طرف بفارق صوت أو عدة أصوات. وإن لم يحدث توافق فنسبة التصويت المطلوبة لإقرار أي بند هي 75٪، أي ما يقارب الإجماع. يا للروعة! سوف يخرج السوريون من مناقشات اللجنة الدستورية وهم أكثر توافقاً بعد سنوات من الصراع الدامي. كأن إقرار الدستور هو هو الحل السياسي المنشود! أي عبقرية استطاعت أن تكتشف هذه الحقيقة البسيطة؟ فلا داع لمفاوضات سياسية عقيمة بين السلطة والمعارضة اتضح، بالتجربة العملية، أنها لا يمكن أن تؤدي إلى أي حل. فجاء هذا الاكتشاف لحل عقدة رفض النظام لـ«هيئة الحكم الانتقالي» التي وردت في قرار مجلس الأمن، ورفض المعارضة لبقاء رأس النظام في موقعه، باعتبار ذلك الحد الأدنى الذي يمكنها أن تقبل به. وهكذا تم ابتكار تشكيل اللجنة الدستورية لأنها أقل شيء يمكن أن يختلف عليه الطرفان، بل الثلاثة مع إضافة ممثلي المجتمع المدني بعبقرية المندوب الأممي السابق ديمستورا. نعم، قد يطالب ممثلو المعارضة مثلاً بتعديل عدد من البنود في الدستور النافذ، بخاصة تلك المتعلقة بمدة ولاية رئيس الجمهورية أو صلاحياته وعلاقته بالمؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية. ولكي يحدث التوافق، قد يقدم ممثلو النظام بعض التنازلات، مقابل تنازلات مماثلة، في بنود أخرى، من ممثلي المعارضة. وقد ترجح أصوات كتلة المجتمع المدني مطالب هذا الطرف أو ذاك. لكي نختصر، تجنباً لافتراضات متنوعة، سيتم الضغط، من قبل الأمم المتحدة والدول الضامنة (ثلاثي آستانة ـ سوتشي) ودول أخرى، على اللجنة ككل للخروج بإنجاز ما مهما كان كسيحاً أو قاصراً. من المرجح أن يعمل ممثلو النظام في اللجنة على إضاعة أكبر قدر من الوقت في مناقشات غير مجدية ومناورات وألاعيب لتأخير إصدار الدستور إلى أبعد وقت ممكن، ربما وصولاً إلى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة وفقاً للدستور النافذ. لذلك حرص الرئيس الإيراني حسن روحاني على إخبارنا بأن الانتخابات في سوريا يحتمل أن تجري بين 2021 ـ 2022. يراهن النظام، في ذلك، على الانتهاء من بسط سيطرته على كامل الأراضي السورية في غضون ذلك، بما في ذلك انسحاب الأمريكيين من شرق الفرات. وهكذا ستكون سوريا «ناضجة» تماماً لإعادة انتخاب الجزار لولاية ستحسب الأولى بعد إقرار دستور جديد أو تعديل النافذ.
الأمم المتحدة و«المجتمع الدولي» يعرفان أن الدستور، مهما بدا تقدمياً في محتواه، سيبقى مجرد كلام على ورق إذا بقي النظام بأركانه وتعاملاته. وسيجبر قسم كبير من اللاجئين السوريين على العودة إلى الأرض المحروقة المحتلة التي اسمها سوريا، بذريعة أن الحل السياسي تم، وأقر الدستور، وجرت انتخابات «نزيهة وشفافة» تحت إشراف الأمم المتحدة. هذا ما يرتضيه العالم للسوريين: عودوا إلى بلدكم لتقتلوا أو تستعبدوا. هذا ما تستحقونه.
سيقول قائل: وهل لديك بديل؟
يحتاج الجواب على هذا السؤال إلى بذاءة محمد علي ووائل غنيم. ربما لهذا السبب أحببناهما.
كاتب سوري
القدس العربي
لجنة دستورية لانتصار الأمم المتحدة../ علي سفر
واجمون، ومكفهرون، وربما غير مصدقين، هكذا بدت صورة السوريين الثائرين على نظام الأسد وهم يعاينون اللجنة الدستورية التي أعلن غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة عن تشكيلها قبل يومين! فهؤلاء وبعد سنوات من قيامهم بثورة سلمية ضد الديكتاتورية، طالبوا فيها بتغيير الدستور، وإسقاط النظام الحاكم لبلدهم منذ عشرات السنين، وجدوا أنفسهم الآن مضطرين لأن يخوضوا وبرعاية دولية، جولة حوار وعمل مع سوريين رشح أسماءهم النظام ذاته الذي يُفترض أن يفضي تغيير الدستور إلى رحيله! ويرافقهم في هذه المعمعة ثلث من السوريين قامت الأمم المتحدة بترشيح حضورهم ولكن بموافقة من النظام ومن الجهات الإقليمية والدولية التي لا يمكن للحل أن يبرم -في حال تم الوصول إليه- دون موافقتها!
“إذاً سنعلمكم اللغة كمستجدين، حتى وإن كنتم تكرهونها، ولن يكون بإمكانكم العيش سوية دون أن تتعلموها، حتى وإن باتت الألفاظ والكلمات والجمل والعبارات على الألسنة أشبه بقرقعة الطناجر والصحون في الحوار بينكم! ودون هذا لن يكون هناك سبيل للنجاة والخلاص من أزمتكم المزمنة”.
يُخاطب العالمُ السوريين هكذا، وهو يفترض أنهم كانوا ومنذ البداية في ذات المرتبة، وأن الحرب الطاحنة التي خيضت على أرضهم على شكل مجازر مروعة، كانت تقوم بين جهتين متكافئتين في القوة وفي الدعم وفي الأخلاق أيضاً! وأن هؤلاء المتحاربين يمتلكون التوصيفات ذاتها، بوصفهما جهتين تمارسان العنف بذات المستوى، ضد الطرف الآخر، حتى باتتا تمتلكان اللغة ذاتها! هل قلنا لغة؟! ربما أمست الأمم المتحدة ترى القضية
مسألة لغوية، وبذات التفاصيل التي كان النظام يتوقف عندها لجهة أن يكون الحل سورياً.. يأتي عبر إرادة سورية، رغم معرفة أركان حكمه أن مصيره بذاته لم يعد قراراً سورياً، وكذلك هذا هو رأي حليفه الروسي الذي ينهي حرب عميله على شعبه بتصريح، ويعيد إشعال نيرانها بتصريح مضاد يعيد الحديث عن وجود الإرهابيين في إدلب، أليست الألفاظ التي تجري مياهها هنا هي اللغة في مرتبتها الإيصالية الإبلاغية! ألم يحمل تصريح الأمين العام نبرة ابتهاج تحتمل الاحتفال بقدرة مبعوثه الخاص غير بيدرسون على إنجاز انتصار غير مسبوق في المشهد السوري حيث تمكن من جمع رأسي الثورين المتناطحين في رسن واحد؟! تكتمل حفلة النصر بالنسبة للمنظمة الأممية بتأكيدها عبر تفردها بإعلان الخبر أنها تحاول عدم ترك الأمر في أيدي الروس والإيرانيين والأتراك، واللجنة الدولية المصغرة، وأن العالم كله بات مشاركاً في دفع السوريين إلى الحوار!
وعودٌ على بدء؛ كيف يمكن أن يقوم الحوار بين القوم وهم كلهم فعلياً لا يمتلكون زمام لغةٍ تجمع فيما بينهم! فمن ينطق بهوى النظام، كيف يمكنه أن يتفق مع من يريد أن يطيح وعبر الدستور به؟ ومن ينطقون بهوى القوى الداعمة لهم في صفوف المعارضة، كيف لهم أن يتفقوا مع الناطقين بلغة منظمات المجتمع المدني وداعميها؟!
ألا يحتاج الجميع إلى لغة واحدة للتفاهم فيما بينهم، هنا سيبدو كل واحد من هؤلاء وكأنه سيتعلم لغةً يكرهها، لكنه لا يجد سبيلاً للانفكاك من سلسلة الدروس التي يجب أن يواظب على حضورها، كي يقتنع الآخرون بأنه يريد أن يندمج مع الناطقين بها.. لا بل إنه الأولى بالاندماج معهم كي لا يتهم بأنه لا يريد!
أي حفرة عميقة تلك التي سقط فيها السوريون على يد هذا المجتمع الدولي، وأي مصير ينتظرهم وقد باتت الحكاية كلها، بمآسيها وآلامها، مجرد لجنة، يجري تسويق تأليفها على أنه بداية الحل! هل ستستأنف الأمم المتحدة بعد اليوم تعداد القتلى الذين يسقطون يومياً بعد الانتصار اللغوي الكبير الذي تم؟ ألا تحتمل كارثتنا السورية وإن من باب حق قتلانا أن تستتبع انتصارها بآخر عددي، يرمم ما فاتها من موتنا اليومي!
تلفزيون سوريا
مهزلة “اللجنة الدستورية” مجدداً/ رضوان زيادة
بشرنا الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له بأن أعلن “موافقة حكومة الجمهورية العربية السورية وهيئة المفاوضات السورية على إنشاء لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة تسهلها الأمم المتحدة في جنيف” وأضاف “أعتقد اعتقادا راسخا أن إطلاق اللجنة الدستورية التي يقودها سوريون يمكن ويجب أن تكون بداية المسار السياسي للخروج من المأساة نحو حل يتماشى مع القرار 2254 (2015) الذي يلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين ويستند إلى التزام قوي بسيادة البلد واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه.” وفي النهاية شكر الأمين العام الشعب السوري على دعمه لهذه اللجنة.
لا أدري كيف أصبحت الشعبوية والختل جزءا ليس من قادة الدول وإنما جزء من خطابات مسؤولي الأمم المتحدة وعلى رأسهم الأمين العام، فهو يعرف أن لا قيمة لأية لجنة إذا كانت الوقائع على الأرض تخالف تماما البيانات المكتوبة وأن الصراع الذي عمره أكثر من تسع سنوات يقوم بشكل رئيسي على تدمير مصداقية أية عملية سياسية
من قبل نظام الأسد وأن المراوغة والكذب هي سمات أصيلة في بشار الأسد ونظامه، فكيف يمكن للشعب السوري المشرد واللاجئ أن يرحب بالكذبة المستمرة منذ ثلاث سنوات.
إن بيان جنيف المؤرخ في 30 من حزيران 2012 ينص صراحة على أن بيان جنيف يجب أن يكون أساس أية عملية انتقال سياسي بقيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، من أجل إنهاء النزاع وحدد قرار مجلس الأمن المذكور العملية السياسية بوصفها عبارة عن ثلاث مراحل رئيسية يجب أن تتم في فترة مدتها ستة أشهر حددها كالآتي:
حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.
حدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد.
انتخابات حرة ونزيهة تجري، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ في 14 من تشرين الثاني 2015.
فتشكيل اللجنة الدستورية لا ينسجم مع روح قرار مجلس الأمن ونصه الذي عبر بوضوح أن تشكيل هيئة حكم انتقالية يعتبر نقطة البداية لتشكيل دستور جديد ومن ثم إجراء انتخابات انتقالية، وهو ما يدركه تماما الأمين العام ومبعوثه الأممي بيدرسون لكنهم يريدون التغطية على ذلك ببيانات جوفاء لا قيمة لها ولا تعني شيئا على الأرض.
إن استخدام نظام الأسد للبراميل المتفجرة وحصار المدن لم يتوقف حتى خلال إصدار البيان ولن يتوقف بعده، ولذلك يبدو السؤال مشروعا في معنى إطلاق هذه اللجنة الدستورية التي ليس لها أية مصداقية في عيون السوريين.
إن السوريين ينظرون بعين الريبة لهذه اللجنة ولا يرحبون بتشكيلها، فالسوريون عولوا على الأمم المتحدة لكنهم وجدوا أن مطالبهم تتقلص يوما بعد يوم، فمن بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 الذي ربط بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملا ببيان جنيف لعام 2012، وبضرورة التعجيل بالدفع قدما بكلتا المبادرتين، ومن ثم البدء بالخطوات الأولى
نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا إلى بيان جنيف، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ في 14 من تشرين الثاني 2015، على أن يتم ذلك على وجه السرعة. هذا قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015 وافقت عليه روسيا والصين ودعمتاه، ورغم أنه صادر تحت الفصل السادس وليس السابع فإنه يبقى ملزما لكل الأطراف بتنفيذه وعلى رأسها روسيا.
اختصر قرار مجلس الأمن إلى لجنة دستورية ليست معروفة صلاحياتها وبنيتها والأهم كيف يمكن كتابة دستور لا نعرف شكل النظام السياسي فيه وبالتالي فاللجنة نفسها ستكون أداة للتلاعب من قبل النظام إلى ما لانهاية حتى يعيد ترتيب أوراقه داخليا والقضاء النهائي على ما بقي من جيوب المعارضة.
يجب التأكيد بصراحة أن نص قرار مجلس الأمن ركز على تشكيل حكم انتقالي قبل تشكيل لجنة دستورية وليس العكس، ولا يمكن بكل الشرائع الدستورية في كل دول العالم صياغة دستور قبل أن يتحدد شكل النظام السياسي الذي سيعبر عنه هذا الدستور.
تلفزيون سوريا
سوريا: لقاءات في نيويورك..وبشار لم يقدم تنازلات”للجنة الدستورية“
عقد المبعوث الأميركي الخاص للملف السوري السفير جيمس جيفري، لقاءً مع المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، لمناقشة آخر تطورات الوضع السوري.
وقالت صفحة السفارة الأميركية في سوريا، في “فيسبوك”: “إجتماع رائع مع المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، على هامش إنعقاد الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الجهود الأممية للدفع قدماً بالعملية السياسية السورية”.
وتابعت: “سنواصل دعمنا القوي لعمل السيد بيدرسن من أجل المضي في المسار السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254”.
كما عقد السفير جيفري، لقاء مع وفد الدفاع المدني السوري، وقالت الصفحة: “لقد سَرَّنا اللقاء مع الدفاع المدني السوري على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناقشة القضايا الإنسانية والجهود المتواصلة من اجل تخفيف معاناة الشعب السوري”.
وتابعت: “نحن فخورون بدعم أصحاب الخوذ البيضاء وعملهم البطولي المنقذ للحياة”.
وكان وفد هيئة التفاوض السورية برئاسة نصر الحريري، قد التقى في نيويورك مع بيدرسن، وتمحور اللقاء حول تشكيل اللجنة الدستورية، إذ أبدى بيدرسن تفاؤله بتحريك الملف السوري “الذي بقيّ وقت طويل فى جمود معتبراً أنه قد بدأت الخطوة الأولى بالعملية السياسية”، وقال إنه “ستتم دعوة اللجنة الدستورية قريباً إلى جنيف لمباشرة عملها تحت إشراف الأمم المتحدة لتكون بداية لعملية سياسية حقيقية”.
وأشار بيدرسن إلى أنه سيقدم احاطته في مجلس الأمن في 30 أيلول/سبتمبر.
كما التقى وفد هيئة التفاوض مع المبعوث الأميركي جيفري، ودار الحديث “حول الإعلان عن اللجنة الدستورية واستمرار العدوان على أهلنا في شمال غرب سوريا”، وأكد جيفري “الاستمرار فى دعم هيئة التفاوض والعملية السياسية وعلى أن حل القضية السورية لا يتم بدون انتقال سياسي حقيقي يضمن عودة اللاجئين، ويمنح الاستقرار والأمان للشعب السوري”.
وأضاف جيفري أن الولايات المتحدة ستعمل بكل قوتها لتحقيق الإنتقال السياسي فى سوريا.
بيدرسن، رحّب بتشكيل اللجنة الدستورية السورية كخطوة أولى نحو إحلال السلام المستدام في البلاد. وقال أثناء اجتماع خاص بالملف السوري نظمه الاتحاد الأوروبي، على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إن هذه الخطوة تفتح الباب لتنظيم انتخابات في سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة وتمهد الطريق نحو “مستقبل جديد”.
وأشار بيدرسن إلى أنه، قبل أن يحدث ذلك، “يجب بناء ما يزال غائباً تقريباً في سوريا، وهو الشعور بالثقة والإيمان بين السوريين، وبين سوريا والعالم”، مشددا على أنه “ليس هناك أي بديل عن العمل معا بغية تحديد كيفية المضي قدما بأفضل سبيل ممكن”.
وأعرب المبعوث عن اقتناعه بأن اتخاذ خطوات مناسبة وملموسة في ملف المعتقلين والمخطوفين والمفقودين يعد أمرا ملحا لأي عملية سياسية ذات مصداقية، مؤكدا أنه سيواصل العمل في هذا الاتجاه.
من جانب آخر، أكد بشار الأسد أن التنسيق السوري الإيراني الروسي، أنجز “لجنة مناقشة الدستور”، على الرغم من كل العراقيل والعقبات التي حاولت فرضها الأطراف الأخرى الداعمة للإرهاب، مشدداً على أنه ورغم ما سبق فقد تم الوصول إلى الصيغة النهائية لآلية عمل اللجنة التي يرتبط نجاحها ووصولها إلى نتائج مفيدة بعدم تدخل الأطراف الخارجية.
وقال بشار خلال استقباله، الثلاثاء، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي، إن الولايات المتحدة والغرب “فقدوا أملهم بتحقيق أهدافهم التي خططوا لها سابقاً، وما يحدث الآن هو لعبة استنزاف للموارد وهذه هي السياسة نفسها التي يتبعونها مع إيران حالياً في موضوع الاتفاق النووي”، مشيراً إلى أنه “مع كل نجاح سياسي وعسكري سيكون هناك محاولات لتعقيد الملفات، وليس الملف السوري فقط، ولكن في الوقت نفسه فنحن نزداد قوة وكفاءة”.
وكان وزير الخارجية وليد المعلم، قد قال إن “مناقشة الدستور لا تمنع النظر في وضع دستور جديد، لأنه بتعديل مادة واحدة يصبح لدينا دستور جديد، مبيناً أن أعمال التفاوض كانت تجري بمتابعة حثيثة وبأدق التفاصيل من الرئيس بشار الأسد، ولذلك لم تحدث أي أخطاء ولا تنازلات”.
وأكد “أن اللجنة هي بقيادة سورية وملكية سورية، بمعنى لا وجود للتدخل الأجنبي في شأنها، وأعضاء اللجنة هم سادة أنفسهم، والتدخل الأجنبي مرفوض، فلا قبول للإملاءات ولا قبول للأفكار الخارجية ولا قبول بجدول زمني لعمل اللجنة، وهو عمل مفتوح حتى تنتهي اللجنة من أعمالها”.
وأكد أن على اللجنة أن “تقر بكل مكوناتها بأن الجمهورية العربية السورية دولة ذات سيادة مستقلة، وأن تحرير أراضيها واجب وطني من كل الإرهاب والوجود الخارجي، مشدداً على أنه لا تدخل ولا إملاءات خارجية، ولا صيغاً تقدم لأعضاء اللجنة فهم يناقشون وهم سادة أنفسهم”.
وبخصوص دور الأمم المتحدة، بيّن المعلم أن “دورها ميسر، أي إنها تيسر عمل الأطراف ليس أكثر، ولا تتدخل في جوهر النقاش، محذراً بأنه في حال استمرار التآمر على سوريا، وقامت أنقرة بتنفيذ وعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمنطقة الجزيرة، أو لم تنفذ الولايات المتحدة ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الانسحاب من تلك المنطقة، فهذا سيؤدي لعرقلة عمل اللجنة وتقدمها”.
وتابع: “الضمان الأساسي لعدم عرقلة عمل اللجنة الدستورية هو موقف الدولة السورية، وعندما تشعر بوجود أصابع خارجية في عمل اللجنة، ستعلن ذلك وتتوقف عن الحديث”.
وشدد المعلم على أن “اللجنة محصنة بقواعد إجراءات تراعي طموحات الشعب السوري ودماء الشهداء والثوابت الوطنية”، وقال: “لا خوف من الذهاب كي نناقش الدستور، لكن لا نأخذ بالاعتبار الثقة بالطرف الآخر، لأن التجربة علمتنا أنهم مجرد أداة بيد القوى الخارجية، وموقفنا حازم ولن نسمح لأحد أن يضع كلمة واحدة بما نصوغه فيما يتعلق بالدستور”.
هل يمكن إعادة تأهيل نظام “بول بوت” سوريا؟/ انور بدر
تسعى الأمم المتحدة الآن ومعها كثير من الحكومات الغربية، والأنظمة الإقليمية، لإعادة تأهيل نظام الأسد الصغير في دمشق، بوصفه أفضل من الفوضى الراهنة، بل من البدائل المتطرفة المطروحة، من دون أن ننسى وجود كتلة داخلية داعمة لهذا الخيار، بغض النظر عن دوافعها المتعلقة بالمصالح أو الانتماءات أو الخوف من استمرار الراهن المعيش بكل مآسيه، وبغض النظر عن حجمها الحقيقي أيضا.
ومع أن هذا المسعى بُنيّ على نتائج المعارك العسكرية التي تُقرأ بوصفها انتصارا للنظام وداعميه الروس والإيرانيين في استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من الجغرافيا السورية، عبر ممارسة العنف العاري والمعمم، ويمكن قراءتها أيضاً بوصفها مؤشرا على فشل المعارضة السورية وعجزها عن تقديم بدائل مقنعة للسوريين وللعالم، إلا أن مقدمات هذا المسعى تعود أصلاً إلى تغاضي المجتمع الدولي عن كل الجرائم التي ارتكبها نظام الاستبداد السوري التي لم يعرف لها العالم مثيلاً منذ الحرب الكونية الثانية، باستثناء جرائم “الخمير الحمر” في كمبوديا، بقيادة “بول بوت” الذي حكم من عام 1975 حتى 1979، ولقب حينها بطاغية العصر.
بين تجربة “بول بوت” في سبعينات القرن الماضي وتجربة “بشار الأسد” الراهنة، كثير من المشتركات الصادمة، على الرغم من عقود أربعة تقريباً تفصل بينهما، فالأول قضى -بحسب احصاءات الأمم المتحدة ومنظمة اليونسيف- على 2،5 إلى 3 ملايين شخص من أصل 8 ملايين كمبودي بينهم 1،386،734، أُعدموا بطرائق وحشية ووزعت جثثهم على 20 ألف مقبرة جماعية، فيما قتل الأسد حتى الآن أكثر من مليون شخص لم تتمكن الجهات الحقوقية من توثيق أكثر من 511 ألف ضحية حتى نهاية العام المنصرم، مع وجود 98279 مفقود بحسب احصاءات الشبكة السورية لحقوق الانسان، وقرابة مليوني مصاب ومعوق ضحية البراميل المتفجرة والقصف العشوائي الذي يقوم به طيران النظام ومعه الطيران الروسي، ما أدى إلى تهجير 12 مليون سوري بين نازح ولاجئ.
لكن مَن يتابع المشتركات بين الطاغيتين، كقتل الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء عموما، مَن يتابع تدمير البنى التحتية وإفراغ المدن والبلدات مَن قاطنيها، من يتابع التدمير أو الاستيلاء على مراكز العبادة والصحة والتعليم وتحويلها إلى سجون ومراكز عسكرية، مَن يتابع الموت المجاني وعبثية الشعارات الثورية، سيكتشف تطابقا كبيرا بين الحالتين، على الرغم من الفوارق النسبية في الأعداد والإحصاءات، مع ملاحظة أن الطاغيتين، بول بوت والأسد الصغير، لم يرتكبا مجازرهما ضد أعداء بلدانهم، بل ضد مواطنيهم الذين يُفترض بالدولة وجيشها وأجهزتها الأمنية حمايتهم والدفاع عنهم.
على الرغم من ذلك، يبقى التشابه الأهم بين التجربتين برأيي كامناً في الموقف الدولي من الصراع في المنطقتين، فإذا استعدنا -بالنسبة إلى كمبوديا- الدور الأمريكي زمن الحرب الفيتنامية، والصراع الروسي الصيني من جهة ثانية والتحالفات الإقليمية، حتى بعد استيلاء الفيتناميين الشماليين وقسم من المعارضة المدعومة من الكرملين على العاصمة الكمبودية “بنوم بنه” عام 1979، وفرار “بول بوت” بقواته من “الخمير الحمر” إلى غرب البلاد، حيث استمرت سلطتهم على تلك المناطق بدعم من الحكومة التايلاندية المجاورة، من دون أن تخلع الأمم المتحدة شرعيتها الدولية عن هذه السلطة المجرمة بحق الكمبوديين، إذ استمر أحد أصدقاء “بول بوت” بشغل مقعد حكومة “كمبوتشيا الديمقراطية” حتى بعد توقيع اتفاقيات باريس للسلام عام 1991.
وإذا كان ذلك يجد تسويغه في توازنات الحرب الباردة وتناقضاتها لتلك الحقبة، ونتائجها الكارثية، فإن تدويل الصراع في سوريا منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة وحتى الآن هو الوحيد الذي يفسر تمسك الأمم المتحدة بشرعية نظام الفساد والاستبداد في دمشق، على الرغم من فداحة المجازر والجرائم التي ارتكبها بحق السوريين، بما فيها جرائم المنظمات الجهادية والإرهابيين الذين رعاهم وأمدهم بأسباب البقاء، وعلى الرغم من خرقه كل الخطوط الحمراء لأنظمة الديمقراطية في العالم الحر ولمنظمات حقوق الإنسان التي اكتفت جميعها بإصدار بيانات الاستنكار والإدانة.
الآن وبعد ثماني سنوات من القتل والتدمير في سوريا، يستأذن المبعوث الدولي “غير بيدرسون” النظام السوري لزيارة دمشق، حيث يؤكد على مواصلة “العمل مع المعارضة والنظام معا” من أجل الوصول إلى حل سياسي، من خلال تمكين الأمم المتحدة “من تشكيل لجنة دستورية”، بوصفها الخطوة الأولى لبناء الثقة، ومستقبل أفضل لسوريا عبر “التنفيذ التدريجي لقرار مجلس الأمن 2254″، متجاهلا أن النظام عمل في خلال سنتين على تعطل تشكيل هذه اللجنة الدستورية التي انطلقت الدعوة إليها بمبادرة روسية، وكانت وما زالت تمثل بالنسبة إليهم انقلاباً على الحل السياسي، المنصوص عليه في الفقرة الرابع من القرار 2254 الذي أقره مجلس الأمن الدولي بالإجماع في نهاية 2015، حيث تضمنت تلك الفقرة: أن الدستور والانتخابات هي خطوات تالية لتشكيل هيئة حكم انتقالي، كان يفترض أن تتشكل خلال ستة أشهر من ذلك التاريخ.
مع ذلك يمكن الجزم بالمقابل، أن السوريين أغلبهم ليسوا ضد اللجنة الدستورية، لكن المسألة تكمن في آلية إنتاج هذه اللجنة وآليات عملها أيضا، ومصير مخرجاتها على أرض الواقع، إذ يدرك الجميع أن إشكالية السوريين لم تكن في الدستور قط، على الرغم من الملاحظات الكثيرة على كل الدساتير التي أنتجها نظام الفساد والدكتاتورية، بل كانت الإشكالية في طبيعة النظام الاستبدادي الذي وضع الدستور على الرف، منذ أعلن في الثامن من آذار 1963 حالة الطوارئ، وحتى بعد إلغائها في نيسان 2012، حيث استعاض عنها مباشرة بقانون مكافحة الإرهاب، لأنه يدرك هو وداعموه أن أي تغيير في بنية هذا النظام ستؤدي إلى نهايته.
فالنظام الذي قتل السوريين وهجرهم، ودمّر العمران والاقتصاد والمجتمع السوري، وحول سوريا إلى دولة فاشلة وفق المعايير الدولية كلها، لم يعد يملك أي أهلية أخلاقية أو سياسية تمكنه من الاستمرار في حكم السوريين، إلا عبر الموقف الدولي الذي منح شرعية دولية لنظام “بول بوت” طاغية سبعينات القرن الماضي، وهو يُصرّ الآن على منح هذه الشرعية لطاغية العصر الراهن “بول بوت” سوريا.
فهل يمكن لخيارات الجنة الدستورية أو الانتخابات أن تنتج حلا سياسيا يبقي النظام من دون أي تغيير في جوهر سلطته وآليات سيطرته الاستبدادية؟ وهل يكون حلا سياسيا إذا لم يفتح أفقاً لعقد اجتماعي جديد بين النظام والشعب يقوم على غير مبدأ الإخضاع والعنف الذي ساهم بداية في اندلاع ثورات الربيع العربي، بغض النظر عن مآلاتها الراهنة؟
نجاح الأمم المتحدة في تسويق وإنجاز أي من خياراتها الافتراضية كاللجنة الدستورية أو الانتخابات، لن تغير شيئا في مستقبل سوريا والسوريين، ومن غير الممكن استمرار الحياة في دولة فاشلة تتحكم فيها كثير من الميليشيات المسلحة، ولن تكون روسيا أو إيران قادرتان في ظل أزمتهما الاقتصادية على إعادة إعمار ما دمرتاه في سوريا، من دون حل سياسي يعيد إلى السورين الحد الأدنى من الكرامة والحرية التي خرجوا إلى الشارع يطالبون بها، ومن دون حد أدنى من العدالة الانتقالية، ومن دون ذلك فإن المجتمع الدولي يساهم بطريقة أو أخرى في إنجاز الثورة المضادة في سوريا.
لكننا نعرف أن الطغاة يرحلون كما رحل “بول بوت” وخميره الحمر، وأن الشعوب هي الباقية، فلا وطن من دون مواطنة ولا حرية من دون أحرار.
بروكار برس
اللجنة الدستورية الأممية لتأهيل الأسد/ غسان ياسين
أمس أعلن الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيرش تشكيل ما سمي “اللجنة الدستورية السورية”!
اللجنة التي كان مخاضها عسيراً وأخذت كثيراً من الاجتماعات والزيارات المكوكية بين الدول الفاعلة في الملف السوري حتى وصلت إلى صيغتها الحالية، الصيغة المفخخة بأسمائها وبمسار عملها.
نبدأ مع التسمية، في تتبع مسار وظروف تشكيل اللجنة وبعد قراءة أولية لأسماء أعضائها نجد أنه لا يصح تسميتها بالسورية، هي أقرب لأن تكون لجنة أممية جاءت بعد توافق دولي وبعد ضغوط كبيرة مورست على المعارضة للقبول بها، الأسماء معظمها وُضعت من قبل الدول الفاعلة عبر تفاهمات فيما بينها. لا يوجد شيء سوري في هذه اللجنة.. لا في طريقة اختيار الأسماء ولا في خلاصة عمل اللجنة حين تنجز مهامها.
قواعد عمل اللجنة الإجرائية وحدها تحتاج إلى لجان واجتماعات لأنها تحتمل تفسيرات مختلفة بين طرفيها، فلكل طرف رؤيته وتفسيره الخاص. هل ستتم مناقشة تعديلات على دستور النظام الحالي (دستور٢٠١٢) أم ستتم كتابة دستور جديد؟
لكن ما هو أهم وأخطر من كل مما سبق والذي سيكون بمنزلة كارثة على مستقبل سوريا؟ هذا الإعلان يمثل نسفاً لبيان جنيف بالكامل ومخالفة صريحة للقرار ٢٢٥٤ وبموافقة المعارضة هذه المرة.
القرار ٢٢٥٤ ينص صراحة على مرجعية بيان جنيف للحل السياسي في سوريا، بيان جنيف عام ٢٠١٢ يتحدث عن تشكيل هيئة حكم انتقالي لديها كل السلطات التشريعية والتنفيذية (مجلس شعب وحكومة ورئاسة الجمهورية) تقوم هذه الهيئة بوضع دستور جديد لسوريا وثم تنظم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد. في حين يراد لهذه اللجنة بغض النظر عن أسماء المشاركين بها وعن نواياهم أن تعيد الشرعية للأسد الكيماوي ودستوره.
الجميع يعلم بأن الروس هم من عمل على قتل مسار جنيف وخلق مسار أستانا كبديل عنه، أستانا الذي كان نتيجة تفاهم ثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران. وعبر اختصار القضية السورية بمشكلة الدستور، وكأن مشكلتنا مع هذه الطغمة الحاكمة هي فقط في شكل الدستور!
المجتمع الدولي الذي تخلى عن دعم المعارضة في مطالبها بإسقاط الأسد الكيماوي منذ أن تخلى أوباما عن الضربة العقابية في عام ٢٠١٣، بحاجة إلى غطاء شرعي وقانوني لأجل إعادة قبول وتأهيل نظام الأسد. هذا الغطاء حيك بعناية وبصمت متواطئ من الجميع.. يريدون تنظيف يدي الأسد من دماء السوريين بماء هذه اللجنة.
تلفزيون سوريا
دستور من دم: اللجنة الدستورية ما لها وما عليها؟/ سميرة المسالمة
من المبكّر الاستنتاج بأن إعلان تشكيل اللجنة الدستورية قد يشكل حقبة جديدة في الصراع السوري، أو في الصراع من أجل التغيير السياسي والديمقراطي في سوريا، إلا أن ذلك لا يعني إنكار تحقيق خرق سياسي لجهة تعنت النظام السوري الذي ما فتئ ينكر وجود معارضة سياسية له، بل يتهم كل من ليس معه بالإرهاب والتطرف، ومع أن هذا الإعلان قد يحمل مخاوف اختزال الصراع السوري إلى محض صراع على الدستور تحت سقف النظام، أو بما يمكّن من تعويم النظام، أو إعادة إنتاجه، على نحو ما جرى طوال السنين الماضية مثلا، في الانتقال من بيان جنيف 1 (يونيو 2012) إلى القرار 2254، ومن مفاوضات جنيف إلى مفاوضات آستانة، وصولاً إلى محاولات تعويم نظام الأسد، دوليا وعربيا.
بيد أن ذلك التخوف لا يمنع من مناقشة خطوة تشكيل اللجنة الدستورية، بما لها وما عليها، من مختلف النواحي، بسلبياتها وإيجابياتها، بمخاطرها وبإشكالاتها، وذلك وفقا للجوانب المهمة الآتية:
أولا: يمكن النظر إلى موافقة النظام على تشكيل اللجنة، وحصته بنسبة الثلث، كأنها بمنزلة تراجع منه عن موقفه من عدّ سوريا حكرا له، أو بمنزلة تنازل عن احتكاره تمثيل السوريين، وهذا وذاك قد يمكن احتسابه هزيمة سياسية للنظام، بعد حرب دامية ومدمرة شنها ضد شعبه.
ثانيا: أيضا، يمكن عدّ قبول النظام بتشكيل اللجنة إقراراً منه بعدم قدرته على العودة إلى الخلف، ومن ثمّ إدراكه ضرورة الذهاب إلى تسوية مع المعارضة التي رفض في السابق أي اعتراف بمكانة تمثيلية لها.
ثالثا: بعيدا عن وجهتي نظر الهزيمة أو التسوية، يمكن القول بوجهة نظر ثالثة مفادها أن قبول النظام السوري بالمسعى الأممي، بما في ذلك سحب صلاحيات اللجنة الدستورية من مجلس الشعب، كنوع من التكتيك، أو اللعب على الوقت، وعلى التناقضات الدولية، إذ من الصعب تصور قبول النظام بالتخلي عن فكرته عن “سوريا الأسد إلى الأبد”، وتسليم السلطة إلى الشعب، أو التسليم بوصفه محض سلطة مؤقتة، سيما بعد ما حققه من نجاحات تجاه المعارضة.
الآن، وبمعزل عن الجوانب أو الاحتمالات التي طرحناها، وبمعزل عن رأينا بطبيعة أعضاء اللجنة أو تركيبتهم، من مختلف الأطراف، فثمة مسألتان أساسيتان، يفترض إدراكهما، والاشتغال على أساسهما:
الأولى، أن أوضاع المعارضة ليست على ما يرام لحمل تلك المهمة، على أفضل وجه، الأمر الذي يفترض منها إعادة بناء كيانها الوطني الجمعي، وتوحيد صفوفها وتوسيع تمثيلها، واستقطاب الشخصيات التي تتمتع بالكفاءة والخبرة والتأثير، وهذا يستلزم إعادة النظر بديمومة الأشخاص الذين نُصِّبوا (بكسر الصاد) ممثلين عن الشعب وتجديد دم الكيانات وفق ما يتناسب ومتطلبات المرحلة، وإنهاء حالة التكلس في كياناتها أو تدوير مناصبها كما يحدث في الائتلاف وغيره. ويتطلب ذلك على الجهة المقابلة للكيانات من شخصيات سورية أن تتقدم بشجاعة للمشاركة وإبداء الرأي وحتى لقلب التوازنات الإقليمية بما يتعلق بهيمنتها على تلك الكيانات ومن يتولاها، وضمن ذلك ما يكرره كل الزملاء الكتاب الغيورين على سوريا الذين يكتبون في كل المنابر الإعلامية العربية وهو: استعادة خطابات الثورة ومقاصدها الأولية، المتعلقة بالحرية والمواطنة والديمقراطية، بوصفها الشرط الأساسي لأي تغيير سياسي، وبوصفها قيماً عليا فوق دستورية، لا يمكن المساس بها.
الثانية، لا يمكن المراهنة على موقف النظام، ولا على موقف شريكته روسيا، بشأن إعطاء صلاحيات للجنة الدستورية، لذا فإن الأمر مرهون بمدى حسم المجتمع الدولي، ولا سيما مدى حسم الإدارة الأمريكية، لموقفها بشأن وقف الصراع السوري، وفقا لمنطوق القرار الدولي رقم 2254.
باختصار، فإن الخشية تكمن في أن غياب الشرطين المذكورين، قد يجعل من تشكيل اللجنة الدستورية محض إعلان، أو ملهاة جديدة، تماما كما حصل في المفاوضات، سواء في مسار جنيف أم مسار آستانة.
ومع ذلك فإن وجود قواعد إجرائية واضحة تنزع سلفاً ما قد يلجأ له النظام من مماحكات تعطيلية والعودة باللجنة الدستورية إلى مرحلة السبات من شأنه أن يخفف هول ما قد يعنيه اختصار العملية السياسية بلجنة دستورية تكتب دستورنا بحبر من دم السوريين وأرواحهم…
بروكار سوريا
اللجنة الدستورية:المعارضة بين رفض “الاستحمار السياسي”..وبداية نهاية النظام
بعد أكثر من ثماني سنوات من الثورة والحرب التي أعقبتها، من المنتظر أن تبدأ اللجنة الدستورية السورية عملها في الأسابيع المقبلة، وسط تباين كبير في وجهات نظر طرفي النزاع إزاء صلاحياتها والمنتظر منها.
ولم تنجح الأمم المتحدة التي عقدت جولات محادثات متتالية بين وفدي الحكومة والمعارضة في جنيف منذ العام 2016 في التوصل إلى تفاهم يمهّد لتسوية النزاع، جراء الخلاف على مصير الرئيس السوري بشار الأسد الذي تتمسك المعارضة بتنحيه، بينما تعتبر دمشق أن الموضوع غير مطروح للبحث.
وبدءاً من عام 2017، طغت محادثات أستانة برعاية روسيا وايران وتركيا، على مسار جنيف. وانبثق عن اجتماع عقد تحت مظلتها في منتجع سوتشي مطلع العام 2018 اقتراح روسي بتشكيل لجنة دستورية مهمتها “صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة”.
وضمن “اللجنة الدستورية” ستكون هناك لجنة مصغرة تضم 45 عضواً موزعة بين الأطراف الثلاثة السابقة بالتساوي، تقوم بإعداد وصياغة المقترحات وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها. لكن يمكن عقد الهيئة الموسعة بشكل دوري أو موازٍ في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة المصغرة أعمالها، وذلك لمناقشة وإقرار المقترحات.
وسيحكم عمل اللجنة “التوافق”، أو التصويت بـ75% أي ضرورة موافقة 113 من أعضاء اللجنة على أي قرار قبل أن يكون نافذاً. وبالنسبة للجنة المصغرة، فإن نسبة 75% تعني ضرورة الحصول على موافقة 34 عضواً من أصل 45، من أجل إقرار أي أمر إشكالي، وهو ما قد يعرقل أي قرار.
في وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت مواقف مختلفة للمعارضة السورية.
أحمد معاذ الخطيب
الرئيس الأسبق لـ”الإئتلاف الوطني” أحمد معاذ الخطيب، قال: “لسنا ضد التفاوض ولا الحل السياسي ولكننا ضد الاستحمار السياسي”. وأضاف: “سيبقى هناك مشاكل مثل الثقب الأسود لا يستطيع كل القصف والنار إيقاف تدحرجها عليهم ولا على كل الدول المتورطة بدماء السوريين وتشريدهم وعذاباتهم”. لذا، “الحل عندهم هو الامتصاص التدريجي والإلهاء والإغراق وتحويل القضية! من هيئة حكم انتقالية إلى لجنة دستورية”.
وتابع: “بموقف وطني من هيئة التفاوض، إن كانت ما تزال ترغب أن تعتبر نفسها ملتصقة بالشعب، يرفض قلب أولويات مقررات جنيف (التي يزعمون أن اللجنة الدستورية منها) ولكن هذا استغباء لنا جميعاً، فالحقيبة الأولى هي لإيجاد هيئة حكم انتقالي (وعدم توضيح ذلك هو تزوير على الشعب كله)”.
وأضاف: “لتجتمع الهيئة المحترمة لتفاوض النظام بوفد مؤهل لم تضع أي دولة خبيثة يدها غير الطاهرة فيه، (ولنعترف أن وفد النظام فيه مختصون على مستوى جيد، ووفد المعارضة بكل ألم فيه بعض الأفاضل وفيهم من هو مدحوش دحشاً قبيحاً بواسطة خفية أو علنية)”. و”ليكن عربون البدايات إطلاق سراح المعتقلين كموضوع إنساني والقتال السياسي لذلك (لا يعرف أحد أهمية ذلك للمعتقل مالم يدخل سجون النظام المتوحش ولو يوماً واحداً)”.
و”عندما سيرفض الروس والنظام ذلك فلتكن هناك مقاطعة لهم ولتبق شرعيتهم مرفوضة بالمطلق وديونهم غير معترف بها من عشرة ملايين سوري، ولترجع كل سياساتهم في تحطيم شعبنا إلى نقطة الصفر.. فحرية السوريين لامساومة فيها”.
غسان هيتو
الرئيس الأسبق لـ”الحكومة السورية المؤقتة” غسان هيتو، قال: “إن عدم وجود حل واضح يحقق أقل مايمكن تحقيقه مقابل تضحيات السوريين، لايعني بالضرورة قبول الحل الوحيد المطروح”. وتابع: “نحن لا نريد أن نرفض فقط من أجل الرفض ولكن نريد ان نعرف هل تصميم اللجنة الدستورية يعطيها الفرصة لكي تناضل من اجل: رحيل الاسد، وهل سيضعنا هذا الحل الوحيد كما ترونه او يراه اعضاء اللجنة على بداية سكة الأمن والحوكمة والتنمية؟ أو على بداية المسار الصحيح للعمل على إطلاق سراح المعتقلين؟ وهل ستصمم اللجنة الأدوات المطلوبة لمحاسبة المجرمين من كل الاطراف؟ وهل ستحارب اللجنة إرهاب دولة الأسد أم أنها ستخضع لتعريف الاٍرهاب كما يعرفه الاسد وتعرفه روسيا؟ ونحن بنظرهم ارهابيين وخاصة اذا لم تعجبهم مواقفنا. وماذا عن العودة الكريمة للاجئين؟ وهل ستفاوض اللجنة على ضمان حرية كل المواطنين بغض النظر عن مواقفهم السابقة والحالية ضد نظام الاسد؟ وماذا عن اعادة إعمار سوريا؟ وماذا عن رد المظالم والحقوق لاصحابها؟ وما الذي سنقوله للأمهات الثكالى عندما يكون الضامن لأمان اعضاء اللجنة الدستورية عند انعقادها هو القاتل نفسه؟ وهل هذا ما يريده ثوار سوريا الابطال؟ فهل خرج الشباب لتعديل الدستور فقط؟ وهل تعتبر اللجنة الدستورية أن طلبات الثوار محقة؟ ام انهم يعتبرون طلباتهم تعبر عن حلول صفرية وغير واقعية؟ وهل سيتغير سلوك الاسد الإجرامي تجاه شعبه فقط بتعديل الدستور؟”.
المرجعية
ويبدو أن المعارضة تعوّل في مشاركتها باللجنة على إن مرجعية تشكيل اللجنة هي القرار 2254، لا “مؤتمر الحوار الوطني” الذي عُقد في مدينة سوتشي الروسية، بحسب ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة.
بيان غوتيريش، قال إنّ مهمة اللجنة هي “إعادة صياغة الدستور السوري ضمن عملية انتقال سياسي”، مشدداً على دور الأمم المتحدة في “جمع الطرفين للدخول في مفاوضات، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي، بهدف إجراء تحول سياسي”.
محمد صبرا
العضو السابق في “هيئة التفاوض السورية” محمد صبرا، قال في “فيسبوك”، إنّ “المشكلة ليست بالأسماء ولا الحصص ولا رئاسة اللجنة، بل في الإطار الإجرائي الذي ستعمل فيه، والآلية القانونية التي ستنقل عملها من حيز السكون إلى حيز الفعالية، أي في تحويل مخرجات اللجنة إلى مؤسسة قانونية ملزمة للأطراف”.
وأضاف: “المشكلة ليست في الاستفتاء، بل في آلية الاستفتاء”، واستند بذلك إلى أنّ اللجنة الدستورية بحد ذاتها هي مخالفة جوهرية للقرار 2254 الذي يعتبر أساس العملية السياسية. وينص القرار 2254 على أن هدف العملية السياسية هو تطبيق بيان جنيف لعام 2012. وقد وُضعت لذلك خطة عمل تقوم على مفاوضات لمدة ستة أشهر يكون هدفها الوحيد هو تشكيل هيئة حكم انتقالي شامل وغير طائفي تتولى كل السلطات التنفيذية في الدولة، وتكون مهمتها الوحيدة بعد ذلك هي وضع دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد خلال 18 شهراً.
ورأى صبرا أنّ “الذهاب إلى خيار اللجنة الدستورية يعني التخلي عن بيان جنيف وعن المرحلة الانتقالية التي تديرها هيئة الحكم الانتقالي، كما يعني الموافقة على أن بشار الأسد هو من سيضع قطار الحل السياسي على السكة عبر الآلية القانونية لإقرار عمل اللجنة الدستورية، وهذا يعني الاعتراف بشرعية الأسد وربما لاحقاً بحقه في الدخول في الانتخابات المقبلة”.
ووفقاً لصبرا فإنّ ذهاب مخرجات اللجنة للاستفتاء يعني أنها ستقدم “مجرد مشروع دستور أو توصيات بتعديلات دستورية، ولن تكون هناك كتابة لدستور ناجز وملزم، وهذا المشروع لن يكون مصادقاً عليه من الأمم المتحدة. وعلى هذا، فإنّ اللجنة الدستورية لا تستطيع أن تدعو هي للاستفتاء على الدستور، بل لا بدّ من العودة إلى دستور بشار الأسد الحالي لتنظيم هذه العملية، باعتبار أن مخرجات اللجنة مجرد مشروع يحتاج لإقراره من قبل الشعب”.
ويسعى النظام لأن تتخذ قرارات اللجنة كتوصيات يتم تمريرها والموافقة عليها من قبل “مجلس الشعب” أو البرلمان الحالي لدى النظام، في حين تريد المعارضة أن تكون قرارات اللجنة نافذة وملزمة للأطراف، بحيث يتم اعتمادها أممياً كمسودة لدستور جديد للبلاد.
وأوضح صبرا أنه ورد في المادة 116 من دستور 2012 أنه “يحق لرئيس الجمهورية أن يستفتي الشعب في القضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة منذ تاريخ إعلانها، وينشرها رئيس الجمهورية”. وبحسب صبرا “لا يوجد في كل دستور بشار الأسد آلية أخرى لإجراء الاستفتاء”، معتبراً أنه و”بمجرد صدور مرسوم من قبل رئيس النظام بإجراء الاستفتاء يعني تشريعاً لكل مرحلته، وكل ما قام به خلال السنوات الماضية”.
سميرة المسالمة
رئيسة تحرير موقع “بروكار برس” سميرة المسالمة، قالت إنه “من المبكّر الاستنتاج بأن إعلان تشكيل اللجنة الدستورية قد يشكل حقبة جديدة في الصراع السوري، أو في الصراع من أجل التغيير السياسي والديموقراطي في سوريا، إلا أن ذلك لا يعني إنكار تحقيق خرق سياسي لجهة تعنت النظام السوري الذي ما فتئ ينكر وجود معارضة سياسية له، بل يتهم كل من ليس معه بالإرهاب والتطرف، ومع أن هذا الإعلان قد يحمل مخاوف اختزال الصراع السوري إلى محض صراع على الدستور تحت سقف النظام، أو بما يمكّن من تعويم النظام، أو إعادة إنتاجه”.
وتابعت: “يمكن النظر إلى موافقة النظام على تشكيل اللجنة، وحصته بنسبة الثلث، كأنها بمنزلة تراجع منه عن موقفه من عدّ سوريا حكرا له، أو بمنزلة تنازل عن احتكاره تمثيل السوريين، وهذا وذاك قد يمكن احتسابه هزيمة سياسية للنظام، بعد حرب دامية ومدمرة شنها ضد شعبه”.
و”يمكن عدّ قبول النظام بتشكيل اللجنة إقراراً منه بعدم قدرته على العودة إلى الخلف، ومن ثمّ إدراكه ضرورة الذهاب إلى تسوية مع المعارضة التي رفض في السابق أي اعتراف بمكانة تمثيلية لها”. و”بعيدا عن وجهتي نظر الهزيمة أو التسوية، يمكن القول بوجهة نظر ثالثة مفادها أن قبول النظام السوري بالمسعى الأممي، بما في ذلك سحب صلاحيات اللجنة الدستورية من مجلس الشعب، كنوع من التكتيك، أو اللعب على الوقت، وعلى التناقضات الدولية، إذ من الصعب تصور قبول النظام بالتخلي عن فكرته عن سوريا الأسد إلى الأبد، وتسليم السلطة إلى الشعب، أو التسليم بوصفه محض سلطة مؤقتة، سيما بعد ما حققه من نجاحات تجاه المعارضة”.
وتابعت: “ثمة مسألتان أساسيتان، يفترض إدراكهما، والاشتغال على أساسهما: الأولى، أن أوضاع المعارضة ليست على ما يرام لحمل تلك المهمة، على أفضل وجه، الأمر الذي يفترض منها إعادة بناء كيانها الوطني الجمعي، وتوحيد صفوفها وتوسيع تمثيلها، واستقطاب الشخصيات التي تتمتع بالكفاءة والخبرة والتأثير. والثانية، إنه لا يمكن المراهنة على موقف النظام، ولا على موقف شريكته روسيا، بشأن إعطاء صلاحيات للجنة الدستورية، لذا فإن الأمر مرهون بمدى حسم المجتمع الدولي، ولا سيما مدى حسم الإدارة الأميركية، لموقفها بشأن وقف الصراع السوري، وفقا لمنطوق القرار الدولي رقم 2254”.
محمد منير الفقير
الكاتب محمد منير الفقير، قال في “السورية نت”، إن “المشكلة في اللجنة الدستورية تكمن في انبثاقها عن بدعة السلل الأربعة، ثم بمنحها الأولوية في مجال عمل هذه السلل، تجاوزاً لأولويات يحددها وضوحاً بيان جنيف، من حيث المضي قدماً في تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وما يترتب على ذلك من تفاصيل مرتبطة بإصلاح الجهاز الآمني ودمج مؤسسات الدولة، والعدالة الانتقالية، والإصلاح الدستوري والقانوني، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، والافراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين”.
والمشكلة الثانية؛ أن “اللجنة ستختزل تدريجياً التمثيل السياسي لقوى المعارضة والثورة المختزل أصلاً في جسم الائتلاف، ثم مرة أخرى في جسم هيئة التفاوض، ومن دون أي مشروعية ورضى شعبي، هما أصلاً منطلق تأسيسي لطرح دستور جديد، عداك عن غياب الحد الأدنى من الحوار المجتمعي والمصالحات الوطنية الحقيقية والندية، وتوفر البيئة الآمنة التي لا يمكن قبلها الحديث عن أي دستور يستظل تحت مرجعيته كل السوريين”.
معن طلاع
الباحث معن طلاع، قال في “فيس بوك”: “أي تعويل على أن مخرجاً ما ذو أثر وقيمة يؤسس لمرحلة سياسية جديدة في سوريا ستفرزه اللجنة الدستورية؛ هو تعويل ٌغير موضوعي”، و”أي استرخاء يدفع باتجاه تطنيش هذه اللجنة واعتبارها ملهاة إنما هو عدم اعتراف بمخرجات المشهد الراهن والعناصر الجديدة المشكلة للمشهد العام. فالفعل الاستراتيجي أمام مأزق الخيارات هذا ينبغي ادراك أهمية الاتي: أولاً، تشكيل مرجعية وطنية، تؤمن بأن حق التغيير والحرية لكل السوريين والسوريات، لوفد المعارضة في اللجنة الدستورية. وثانياً، عدم تغييب شروط الفاعلية المحلية وما تستوجبه من تعزيز ثلاثية الأمن والحوكمة والتنمية. وثالثاً، اعداد استراتيجية تعاطي حيال ملفات الانتخاب واعادة الاعمار والعودة الكريمة”.
المدن
السوريون منقسمون حول تشكيل اللجنة الدستورية
محمد العويد – بروكار برس
انقسم السوريون غداة الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، واقتراب انطلاق أعمالها في جنيف , مشهدا بدا محموما بكثير من النقاشات، “عجت” به صفحات التواصل الاجتماعي، وذهب بعضها لدعوة الناس للتوقيع على عرائض رافضة، ومشككة ومتسائلة حول جديد اللجنة، ومن كلفها بتمثيل السوريين، وهل ما يجري مناورة” معدة مسبقة بعد سنوات الموت السوري، وتجاربه مع مجالس وقوى سياسية واءتلاف وهيئات تفاوض لم تنجز المطلوب.
وفي المشهد المضاد بدا ثمة حرص على آمال مستحقة، والدعوة لعدم إطلاق الأحكام المتسرعة، والقبول بالتحولات التي يراهن أصحابها على انها تسير، وان بحراك بطيء، نظرا لتشابك وتعقيدات المشهد السوري وتداخلاته الاقليمية والدولية.
وفي تصريح خاص ل”بروكار برس” قالت عضو اللجنة الدستورية ممثلة عن المجتمع المدني الدكتورة سميرة مبيض :”أنه لم يتم تحديد موعد بدء أعمال اللجنة بعد، ومن المتوقع انه سيكون خلال عدة أسابيع”.
واعتبرت مبيض :” أن اللجنة الدستورية خطوة من مسار جنيف للانتقال السياسي، فهي كسياق منفرد لا يمكن أن يؤدي إلى أي نتائج ما لم ترتبط بعملية الانتقال السياسي والتغيير الجذري الشاملة، وبالتالي لا يمكن اعتبارها التفاف عن جنيف بقدر ما هي مؤشر لانتهاء فترة من الجمود السياسي في الملف السوري والتي يتوجب على السوريين العمل حثيثا من اجل أن تكون خطوة تحقق مصالحهم بعد غيابها طيلة المراحل الماضية”.
وحول الصعوبات التي قد تعيق عمل ومسار اللجنة، أشارت عضو اللجنة الدستورية :”أن مسار اللجنة الدستورية لن يكون سهلا بل ستتخلله محاولات عرقلة عديدة من طرف النظام لتحويل المسار إلى تعديل على دستور عام ٢٠١٢ والذي تم وضع بنود تتعلق بشكل رئيسي بتمكينه من الحكم بينما المسار السليم لكي يكون عمل اللجنة فاعلا ويؤدي لنتائج مؤثرة يجب أن يتجه نحو كتابة دستور سوري جديد، ينهي حقبة الاستبداد والقمع ويبدأ بوضع حجر البناء نحو سوريا المستقبل، لبناء دولة قانون ومواطنة”.
وفي سياق متابعتها لواقع الشارع ورفضه للدستورية مسبقا اعتبرت مبيض :”أن الشارع السوري يستند في توجسه إلى أحداث المسار السياسي السابق، والتي لم تفضي لتحقيق مصالحه ومطالبه، بل على العكس تحولت مطالب الثورة المحقة إلى مسارات بعيدة عن ما انطلقت به، سواء بالنواحي العسكرية او السياسية بالإضافة إلى حالة العجز الدولي، لغاية اليوم، عن حماية المدنيين من القصف والتهجير رغم الكثير من الوعود، يضاف إلى ذلك وجود تصور بعدم وجود أي تأثير للسوريين او اهتمام بمصالحهم، لذلك تسود هذه الحالة من التشاؤم والتوجس وهي جميعها مفهومة نتيجة السياق المعقد الذي تحولت به ثورة شعب محقة إلى صراع دولي على الأراضي السورية. لكن ذلك لا يمنع ضرورة أن يعمل السوريون في كل موقع متاح للدفع برؤية سورية تعيد مطالب السوريين المحقة لمكانها في مركز اهتمام المجتمع الدولي والحلول المطروحة”.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعلن أمس الاثنين تشكيل لجنة دستورية سورية تضم ممثلين عن كل من النظام والمعارضة والمجتمع المدني بهدف مراجعة الدستور بهدف التوصل لحل سياسي.
وتضم اللجنة 150 عضوا، خمسون منهم تختارهم دمشق، وخمسون تختارهم المعارضة، وخمسون يختارهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة بهدف الأخذ في الاعتبار آراء خبراء وممثلين للمجتمع المدني.
الصحفي مصطفى السيد حث متابعيه على التفاؤل والاستثمار بالمرحلة التي تعاد فيها السلطات للشعب السوري لأول مرة منذ عقود:” لأول مرة تبدو السلطة بطريقها للعودة للشعب, وقبول نظام الاسد مكرها باللجنة الدستورية، وهو الذي لم يسبق أن اعترف بأحد غيره، مؤشر في الطريق، واللجنة برئاسة عضوين وقراراتها برعاية أممية”.
وفي إجابته حول غياب أعضاء الدستورية عن الشارع السوري وتقديم التطمينات الواجبة اعتبر السيد :” أنه ثمة غباء مشترك لدى جميع الأطراف،وواضح أن ليس لديهم أي خطة تسويق، وهذا سيضع الجميع بمواجهة الشعب،وثمة مخاوف ألا يكون بخططهم وأدبياتهم نية إعادة السلطة للشعب “.
تشير بعض المصادر المتفائلة إلى أن تفاؤلها مرده لمعلومات ليست مؤكدة أن الضغط الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا ساهم بالإسراع بتشكيل اللجنة الدستورية، منوهة انه إذا توفرت شروط استمرار ذات الضغوط فقد تتحرك السلال الأخرى في الملف السوري.
فيما نشر الصحفي إبراهيم حميدي عبر صفحته الشخصية ما اعتبره أهم القواعد الإجرائية للجنة الدستورية ” مرجعية القرار2254 والتنسيق مع المبعوث الدولي، وتقارير دورية لمجلس الأمن، و150 عضوا لجنة موسعة و45 لهيئة مصغرة، ورئاسة مشتركة، حكومة ومعارضة، وضمانات وحماية لأعضاء اللجنة، وتعديل دستور2012 أو دستور جديد، ويعرض على استفتاء عام، وجدول زمني وفق القرار2254 وتضمين النتائج بالقانون السوري، ولا تدخل خارجي بقرارات اللجنة”.
وقال عضو الهيئة العليا للمفاوضات السابق، الدكتور رياض نعسان أغا، في تصريحات إعلامية :” إنه ليس متفائلاً باللجنة الدستورية، ولكنها الباب الوحيد شبه المفتوح دوليا أمام الحل السياسي للأسف”.
معتبرا:” أن توافر وزيادة الضغوط الروسية على النظام السوري قد تدفعه للموافقة على تعديلات طفيفة على دستور 2012 وأن يربط القرار بمجلس الشعب السوري، وأن يصدر الدستور المعدل بمرسوم من رأس النظام”.
رفض اللجنة الدستورية ودعوات لمقاطعة نتائجها
ليست عموم المواقف السورية متشابهة لجهة اللجنة الدستورية، فالكثير من النخب الفكرية والصحفيين والكتاب والقوى السياسية، رفضت المشروع برمته، معتبرة أن ثمة التفاف على قرارات جنيف التي دعت لتشكيل هيئة حكم انتقالي، وحذرت شخصيات بارزة من قبول اللجنة ومشروعها، فيما ذهبت صفحات اجتماعية للدعوة لتتشكيك بهويات السوريين المشاركين فيها، ودعت متابعيها للتوقيع على عرائض رفض نتائجها القادمة.
فقد أعلنت “دائرة العلاقات الخارجية” التابعة لـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق” سوريا،:” أنها غير معنية بمخرجات تشكيل اللجنة الدستورية السورية، نظراً لإقصائها وتغييب مشاركة ممثليها”.
وأكدت الإدارة الذاتية في بيان نشر على حسابها الرسمي يوم أمس: “نُؤكد موقفنا الثابت من الحوار وضرورته للوصول إلى اتفاق وطني سوري، بمشاركة كل السوريين وضرورة وجود الإرادة السياسية بشمال وشرق سوريا التي تمثل إرادة الملايين من مختلف المكونات المتعددة”.
لكن عضو هيئة التفاوض السورية والمتحدث باسمها الدكتور يحيى العريضي فند بتصريحات صحفية ما طالبت به ” الإدارة الذاتية لجهة غياب تمثيلها، معتبرا أن ” تنظيم قسد” راهن بين المتناقضات فمرة مع الأمريكان، وأخرى حين تستشعر الخطر تغازل النظام السوري،وبالتالي هذه الحالة أفقدتها التمثيل باللجنة الدستورية إضافة لوصف مسلكياتها” بالغير محبذة ” من قبل دول وازنة في الملف السوري”.
وشدد العريضي على:” أن المجلس الوطني الكردي الممثل لقوى عديدة، حضي بالتمثيل باللجنة الدستورية من أصل كتلة المعارضة، وأيضا ممثل بالمجتمع المدني وخصص له مقاعد،وقد تكون قوى كردية ممثلة أيضا من قبل النظام السوري”.
من جانبه عبر الدكتور نضال الشعار وزير الاقتصاد والتجارة سابقا وعبر صفحته الشخصية عن مخاوف متصاعدة من تشكيل اللجنة وصلاحياتها وآليات عملها، معددا جملة من المخالفات الدستورية التي يصفها الشعار:” لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني في تاريخ سورية يسمح بتشكيل أي لجنة أو هيئة لوضع الدستور دون إجماع وتشريع وقرار، ولا يمكن لمخرجات هذه الهيئة الدستورية أن تحظى بقبول الشعب وأغلبه مشتت ونازح وجائع”.
وأعاد الشعار مخاوفه عبر تدوينة جديدة صباح اليوم، تشير بوضوح أن ثمة استقالات وانسحابات ستحضر خلال عمل اللجنة، بما يعني أن وقتا طويلا، وسياحة جديدة لاعضاءها ستستمر لوقت طويل”.
من جانبه شن الفيلسوف السوري الدكتور احمد برقاوي عبر عدة “تدوينات” هجوما لاذعا على الراكبين بقطار اللجنة الدستورية، والمراهنين على انجازها لشيء مستقبلا، واصفا إياهم” بالحمقى والسذج” وداعيا للاتعاظ بتجارب السنوات القاسية، وما تركه نظام الاسد من تهجير وقتل وتدمير في طول البلاد وعرضها”.
الصحفي محمد منصور أطلق نداءا عبر صفحته داعيا للتوقيع على ” بيان” إن اللجنة الدستورية لا تمثلنا”.
وقال منصور في بيانه :”نحن السوريين الموقعين أدناه، نعلن أن اللجنة الدستورية التي يشارك فيها ممثلون عن نظام الأسد المجرم لا تمثلنا. وأن من شاركوا فيها باسم المعارضة لا يمثلوننا ولا ينطقون باسمنا، وأنهم مجموعة من المرتزقة الذين خانوا دم الشهداء ويتوجب عزلهم ومحاكمتهم. إن اللجنة الدستورية مرفوضة من أساسها لأنها فكرة روسية هدفها شرعنة النظام، وتبرأته من المجازر والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها على مرأى ومسمع من العالم، وتصوير ما حدث بأنه مجرد خلاف سياسي يحل بوضع دستور جديد يمثل “النظام والمعارضة”. ليس المهم بالنسبة لنا ما سينتج عن هذا الدستور، ولا التفاصيل القانونية أو غير القانونية التي يصاغ من خلالها، لأن الجريمة الأساسية هي الاعتراف بأهلية النظام لوضع دستور جديد للبلاد، وهو الذي ارتكب فعل الخيانة الوطنية العظمى حين دمر عشرات القرى والمدن السورية وقصف الشعب بالطيران والكيماوي والبراميل وهجر ثمانية ملايين سوري. إن اللجنة الدستورية باطلة وكل من فيها لا يمثلنا”.
“اللجنة الدستورية”.. هل تنهي عهد بشار الأسد أم الثورة عليه؟
يبدو أن الروس وبمشاركة تركيا وإيران باعتبارهم دولاً ضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا؛ دفعوا نحو ترجمة اتفاقهم بما يخص اللجنة الدستورية خلال اجتماع أنقرة الذي عُقد في 16 سبتمبر الجاري.
وفي إطار ذلك أُعلن تشكيل اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يوم الاثنين 23 سبتمبر الجاري، على أن تبدأ عملها خلال الأسابيع القادمة.
وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة أنّ “إنشاء لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة بتسيير أممي”، بموافقة نظام بشار الأسد ولجنة المفاوضات السورية المعارضة، دون الحديث عن العرقلة التي تسبب بها النظام السوري مدعوماً من روسيا من خلال الفريق الأممي بمتاهة التفاصيل كسباً للوقت؛ في محاولة للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض السورية تساعده لفرض حل سياسي على قياسه.
وقال “غوتيريش” إن لجنة إعداد الدستور ستعقد أولى اجتماعاتها خلال الأسابيع المقبلة، موضحاً: “أعتقد اعتقاداً راسخاً أن إطلاق اللجنة الدستورية بتنظيم وقيادة سورية يمكن ويجب أن يكون بداية المسار السياسي للخروج من المأساة، وهو الحل الذي يتماشى مع القرار 2254 (2015)، الذي يلبي التطلعات المشروعة لجميع السوريين، ويستند إلى التزام قوي بسيادة البلد واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه”.
ولم يُعلن غوتيريش أثناء حديثه عن اللجنة الدستورية أن النظام السوري يُصر على تعديلات دستورية فقط، في الوقت الذي تتحدث المعارضة السورية عن وضع دستور جديد للبلاد.
ورغم اختلاف التفاصيل وعدم وضوحها في طريقة عمل اللجنة الدستورية المُشكلة، فإن الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة اعتبرت أنّ “اللجنة ستساعد في تطبيق التفاصيل المتعلقة بالقرارات الأممية، وفي مقدمتها الإفراج عن المعتقلين، وتشكيل هيئة حكم انتقالي قادرة على توفير البيئة الآمنة والمحايدة من أجل الانتقال بسوريا إلى مستقبل واعد”.
وقالت الهيئة، في بيان لها يوم الثلاثاء (24 سبتمبر الجاري)، إنها “غير غافلة عن أي عراقيل قد يضعها النظام السوري لإعاقة عمل اللجنة”، لافتةً إلى أن “الطريق وعرة وغاية في الصعوبة”.
بدوره أشاد نصر الحريري، رئيس هيئة التفاوض، بخطوة إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، واصفاً إياها بـ “الإنجاز الحقيقي”.
وقال الحريري، في تصريح لصحيفة المدن اللبنانية: إن “إعلان تشكيل اللجنة الدستورية هو انتصار للشعب السوري”، مؤكداً أن “أي محاولة لحرف هذا المسار سترفضه المعارضة”.
ولفت إلى أنه “ستجري انتخابات حرة وشفافة وديمقراطية برعاية الأمم المتحدة”، مشدداً على أن “هذا الأمر حتماً لن يتم إلا بتوفير بيئة آمنة وصفها بيان جنيف، وحدد المسؤول عن تشكيلها؛ وهي هيئة الحكم الانتقالي”.
المعارضة وقعت في الفخ
الباحث السياسي السوري عبد الرحمن الحاج اعتبر أنّ “روسيا نجحت جزئياً، ومعها إيران، في تغيير مسار الحل السياسي، لكن من المبكر جداً القول إنهما نجحتا في فرض رؤيتهما السياسية، فإن لدى اللجنة عمل كثير، ونقاش كثير عن مخرجاتها وتنفيذها”.
وقال الحاج، في حديث خاص مع موقع “الخليج أونلاين”: إن “أطرافاً من المعارضة، مدعومة إقليمياً، اعتقدت أن التنازل سيساعد على توريط نظام الأسد في الدخول في الحل السياسي فعلياً، وبرر هؤلاء تنازلهم بأنه تعاطٍ واقعي مع التطورات التي حدثت نتيجة التدخل الروسي ومخرجات سوتشي”.
وأضاف الحاج: “انطلاقاً مما سبق؛ جرى انقلاب على الهيئة العليا للتفاوض بهدف الإطاحة بالخط المتمسك بقرار جنيف١، الذي لم يقبل التنازل بل كان أكثر تشدداً وتمسكاً بـ (هيئة الحكم الانتقالي) التي ينص عليها بيان جنيف ١ والتي يناط بها إدارة المرحلة الانتقالية والتحول نحو نظام ديمقراطي جديد”.
ولفت إلى أنّ “الدول الغربية وجدت في أطراف من المعارضة قابلية لتكون بمنزلة تبرئة لذمتها، فهي لم تفعل شيئاً للسوريين واكتفت بالكلام، ومن ثم وجدت ضالتها في بعض أطراف المعارضة الذين جاء بهم مؤتمر (الرياض 2)، بحيث يمكن أن تغطي على تخليها وفشلها في تقديم أي شيء يوقف المذبحة في سوريا”.
وأشار الباحث السوري إلى أن “هيئة (الرياض2) ضمت معارضة تتبع للنظام وروسيا بين صفوفها، في سابقة تاريخية لا تصدق، وقد قبلت طروحات المبعوث السابق استافان دي مستورا (بوحي من الروس) بالعمل بالتدريج وتجزئة الحل إلى أربع سلال متوازية واحدة منها الدستور”.
ويرى الحاج أنّ المعارضة “انزلقت نحو النقاش في السلال ونسيان القرار 2254 وبيان جنيف1، لكن دي مستورا عاد مرة أخرى وقلص النقاش إلى (سلة الانتخابات)؛ بحجة أن هذا قد يمنح فرصة لتوريط النظام بالدخول في العملية السياسية، فقبلت هيئة رياض2 مرة أخرى”.
ولفت إلى أن دي مستورا “عاد وقلص النقاش إلى إنشاء لجنة دستورية للبدء بنقطة عملية، وبالطبع قبلت المعارضة رغم أنها أبدت تحفظات شاركتها فيها دول أخرى من دول أصدقاء سوريا، بالإضافة إلى إصرار الأمم المتحدة، ما جعل اللجنة تكون تحت إشرافها لا ضمن عملية أستانة”.
ما دور الأسد؟
وكان نظام الأسد قد سرب، عبر صحيفة “الوطن” المقربة منه، يوم الاثنين (23 سبتمبر الجاري)، أن المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسن تجاوز الشروط التي وضعها الائتلاف السوري المعارض، وسيمضي في تشكيل اللجنة وفقاً للقرار 2254.
ونقلت الصحيفة عن مصادر (لم تسمها) قولها: إن “بيدرسن جاء من أجل إطلاع قيادة النظام على الإجراءات والآليات التي ينوي اتباعها من أجل الحصول على موافقتها”.
وأضافت أن “بيدرسن سوف يبحث في الإجراءات وآلية عمل اللجنة الدستورية، بعد الاتفاق على أسماء هذه اللجنة كاملة”، مشيرة إلى أن النظام ظل متمسكاً بلائحة الأسماء التي قدّمها، رافضاً إجراء أي تغيير عليها.
يشار إلى أن الائتلاف السوري طالب أثناء محادثات العمل لأجل اللجنة الدستورية بعدم حصر عملها في إدخال تعديلات على الدستور الحالي فقط، وأن تعمل على وضع دستور جديد يقلّص صلاحيات رئيس الجمهورية، لتُوزَّع السلطات على الرئيس والبرلمان ومجلس الوزراء.
عبد الرحمن الحاج رجح، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أن يحصل الأسد “على اعتراف بشرعية جديدة، لأنه سيكون هو من يوقع قرار الاستفتاء على مخرجات اللجنة”.
لكنه قال متوقعاً: إنّ “اللجنة ستتعثر في عملها لوقت طويل، وسيكون من الصعب عليها اتخاذ قرارات بأغلبية 75% من الأصوات”، مضيفاً: “صحيح أن نظام الأسد سيحظى بأغلبية الأصوات، لكنها أغلبية لا تصل إلى النسبة اللازمة للتحكم باللجنة، حيث يصعب تحديد النتائج كاملة، لكن من المؤكد أن الأسد حصد مكاسب بمجرد إعلان اللجنة”، فيما استبعد أن يكون الكاسب الأكبر من ذلك.
الرفض مصلحة ثورية
وحول إجراء انتخابات في سوريا قال الحاج لـ”الخليج أونلاين”: إنّه “من المحتمل أن تشارك أطراف رخوة في المعارضة بانتخابات رئاسية يشارك فيها بشار الأسد، لكن الجزء الرئيس من المعارضة سيكون معارضاً بشدة”.
وأردف أن “انتخابات يشارك بها بشار الأسد بدون تفكيك أجهزته الأمنية وتغيير بنية الجيش وإعادة التوازن الطائفي لقيادته سيكون بمنزلة إهداء انتصار تاريخي له، فمن المحتم أنه سيفوز برعاية مخابراته”.
وشدد الأكاديمي السوري على أن “مصلحة الثورة في رفض اللجنة؛ لأنه يكمن برفض منح الشرعية على حل يضمن لبشار الأسد العودة للسلطة، ورفض فرض دستور دائم على السوريين من أشخاص فرضتهم دول ولم يُنتخبوا بشكل شرعي”.
وقال ختاماً: إنّ “رفض اللجنة هو رفض لتجاوز العدالة الانتقالية ومحاسبة مجرمي الحرب كما ينص القرار الأممي 2254”.
جديرٌ ذكره أن القرار “2254” الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2015؛ ينص على إعادة صياغة الدستور السوري، ضمن عملية انتقال سياسي، وطالب جميع الأطراف بالتوقف الفوري عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، وحث الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي على دعم جهود وقف إطلاق النار.
وطلب القرار أيضاً من الأمم المتحدة أن تجمع الطرفين للدخول في مفاوضات، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف أممي، بهدف إجراء تحول سياسي.
غوتيريش يعلن ولادة اللجنة الدستورية… ومعارضون يشككون بآلية اتخاذ قراراتها/ هبة محمد ووائل عصام وإسماعيل جمال
عواصم ـ «القدس العربي»: في وقت تستمر آلة قتل النظام السوري للمدنيين والمؤسسات المدنية في محافظة إدلب ومحيطها، حيث يسيطر الروس على قواعد اللعبة، ويتغلغل الإيرانيون في النسيج المجتمعي والأمني في سوريا، بينما يتركز اهتمام الأتراك على الأكراد وإعادة اللاجئين، وثوار إدلب محاصرون، ومذكرة «سوتشي» قد لا تتحقق بتفاصيلها، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش تشكيل اللجنة الدستورية السورية، في أعقاب اجتماع عقده المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، الإثنين، مع وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، بشأن وضع اللمسات الأخيرة على اللجنة الدستورية.
وقال غوتيريش في تصريحات حول سوريا، من نيويورك «يسعدني أن أعلن موافقة حكومة الجمهورية العربية السورية وهيئة التفاوض السورية على إنشاء لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة تيسر عملها الأمم المتحدة في جنيف، كما رحب بالتقدم الذي أحرزه النظام والمعارضة»، بينما يرى الكثير من المعارضين والمحللين أن الشيطان يكمن في التفاصيل وآلية عمل اللجنة ورئاستها وكيفية اتخاذ قراراتها.
وذكرت مصادر دبلوماسية سورية لـ «القدس العربي» إن اجتماع وزير الخارجية السوري وليد المعلم بالمبعوث الأممي غير بيدرسون، في دمشق أمس الإثنين، تمخض عنه اتفاق نهائي بين دمشق والأمم المتحدة حول التشكيلة النهائية للجنة الدستورية، وكذلك على آلية عملها.
وحسب المصادر لـ«القدس العربي» من دمشق فإن المعلم وبيدرسون اتفقا على أن تُعلِن الأمم المتحدة عن هذا الأمر وعن تفاصيل أخرى تخص اللجنة ومسؤولياتها واختصاصاتها بشكل رسمي من نيويورك اليوم الثلاثاء.
وكان المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون وصل إلى دمشق يوم الأحد، لمناقشة قضية اللجنة الدستورية، التي تعد أهم القضايا الخلافية بين الحكومة السورية والمعارضة.
وتتكون اللجنة الدستورية من ثلاث قوائم تضم كل منها 50 عضواً، وتتوزع اثنتان على كل من المعارضة السورية والنظام، والثالثة شكلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة من المجتمع المدني، حيث أعلن اكتمال اعضائها بعد خلاف معقد بين النظام والأمم المتحدة حول تعيين بعض الأسماء.
ورغم تشكيك الكثير من المعارضين بآلية عمل اللجنة الدستورية وتمرير قراراتها، أوضح عضو اللجنة الدستورية، وهيئة التفاوض السورية، هادي البحرة، أنه لتمرير أي قرار من قبل المعارضة او النظام يقتضي ثلاثة شروط، موافقة كامل الخمسين عضواً للكتلة المتقدمة باقتراح القرار، وموافقة كامل الخمسين عضواً من الكتلة الثالثة أي كتلة المجتمع المدني، وموافقة 13 عضواً من كتلة المعارضة او كتلة النظام وفق من هو المتقدم بمشروع القرار، لافتاً إلى أنه في حال تقدمت الكتلة الثالثة (المجتمع المدني) بمقترح قرار، تطبق عليها المعادلة نفسها، إذ تتوجب موافقة 113 عضواً من أعضاء اللجنة.
وأكد البحرة على وجود آليات ومرجعيات ضمن هيئة التفاوض تكفل وحدة القرار وعدم إمكانية تجييره او السيطرة عليه «قرار هيئة التفاوض مجتمعة وفق آليات اتخاذ قرارها هو القرار الذي تتبناه وتدافع عنه كتلة الخمسين عضواً في اللجنة الدستورية».
عضو اللجنة الدستورية المعارض إبراهيم الجباوي قال إنه «تمت موافقة النظام على شروط هيئة التفاوض المعارضة كافة، وهي الرعاية الأممية للجنة والاجتماعات تتم في جنيف حصراً والرئاسة مشتركة بين المعارضة والنظام، لذا فالمعارضة ند للنظام والتصويت سيتم بنسبة 75٪ ولا يستطيع النظام حتى لو ضمن الثلث الثالث كاملاً أن يخرج بقرار لا تريده المعارضة». وقال إن «المجتمع الدولي يعمل على أن اللجنة الدستورية ستكون مفتاحاً للحل». وأضاف الجباوي «الدستور لن يوضع على مقاس النظام، بل نعمل على صياغة دستور يلبي طموحات الشعب السوري الثائر».
من جهة أخرى نفذت طائرات حربية تركية، من طراز F-16 الإثنين، طلعات جوية استمرت لمدة ساعتين في الأجواء السورية، وذلك لأول مرة منذ أشهر، في خطوة غامضة وغير واضحة المعالم، وسط توقعات بأن تكون رسالة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجانب الأمريكي من أجل تطبيق تفاهمات المنطقة الآمنة أو إطلاق عملية عسكرية.
وفي بيان مقتضب، خلا من أي تفاصيل عن السياق العام لهذه المهمة، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن تحليق مقاتلتين تركيتين من طراز F-16 في الأجواء السورية، في إطار عملية العزم الصلب للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، موضحةً أن المقاتلتين حلقتا بين الساعة 10:00 صباحاً و12:00 ظهر الإثنين، في المجال الجوي السوري.
نصر الحريري لـ”المدن”: “الدستورية” نصر للشعب السوري..والمعركة طويلة
قال رئيس هيئة التفاوض السورية نصر الحريري، إن إعلان تشكيل اللجنة الدستورية هو “انتصار للشعب السوري”، ووصفه بأنه “إنجاز حقيقي، وجزء من القرار 2254، ولا أحد يستطيع أن يُنكر ذلك”، مؤكداً أن “المعركة ما تزال أمامنا طويلة”، وأن “إمكانية التعطيل من قبل النظام قائمة”.
وأضاف الحريري، لـ”المدن”، أن “ما حققناه حتى اللحظة هو أننا اتفقنا على أن تكون بوابة القرار 2254 هي بوابة الدستورية، لا بوابة عسكرية، أو بوابة تدخل خارجي”، وهذه البوابة هي “الدخول نحو تطبيق كامل للقرار المذكور”، وشدد على أن “أي محاولة لحرف هذا المسار سترفضها المعارضة”.
وحول معايير اللجنة، قال الحريري إن “المعايير التي تم الاتفاق عليها: أولاً هي برعاية الأمم المتحدة، مقر عملها جنيف، وفي إطار التطبيق الكامل للقرار 2254، وبالتفويض الممنوح للمبعوث الدولي حتى يبدأ مفاوضات سورية-سورية، تتضمن التوصل لعملية وجدول زمني لصياغة دستور جديد للبلاد”.
وبناء على هذا الدستور الجديد “ستجري انتخابات حرة وشفافة وديموقراطية برعاية الأمم المتحدة”، ولفت إلى أن “هذا الأمر حتمًا لن يتم إلا بتوفير بيئة آمنة وصفها بيان جنيف وحدد المسؤول عن تشكيلها وهي هيئة الحكم الانتقالي”.
وأكد أن النظام وافق على تشكيل اللجنة بالمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة، فاللجنة “ستحتوي على 50 ممثلاً من المعارضة، ومثلهم من النظام، كما يوجد 50 ممثلاً للمجتمع المدني عملنا عليهم كثيراً كي يكونوا متوازيين، بمعنى أن لا يكونوا محسوبين على طرف ما أكثر من آخر”.
وأضاف أن “آلية القرار بقيت كما طرحتها الأمم المتحدة، بحيث يحتاج اتخاذ أي قرار إلى الحصول على موافقة 75% من الأصوات، فلا يكون هناك طرف متفرد باتخاذ القرار، كما يوجد تطور مهم هو وجود الرئاسة المشتركة للجنة، واحد من النظام وواحد من الهيئة، سيقوم كل طرف بترشيح ممثله في وقت لاحق”.
وأشار الحريري إلى أن “اللجنة الدستورية ستضع مسودة الدستور الجديد، وهي التي ستحدد طريق التوافق الشعبي”، موضحاً: “ثبتنا أن المسودة بحاجة إلى توافق شعبي تحدد طريقته اللجان الدستورية”، وستناقش اللجنة أيضاً “السلطة التنفيذية وتفصيلاتها، السلطة التشريعية، السلطة القضائية، الحقوق والحريات، المبادئ العامة، رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة، طرق الانتخاب، وقضايا أخرى كثيرة”.
ورأى الحريري أنه “نحن بصدد الدخول في نظام سياسي جديد، وهذا النظام لا يكفيه أن يكون موجوداً على الورق، فهو بحاجة أن تعالج بجانبه السلال الأولى والثالثة، بما فيها الجيش والأمن والقضاء، والقوى الأمنية الموجودة في سوريا، والفلتان، والجانب الاقتصادي، وعودة اللاجئين، ومحاربة الإرهاب”.
وحول الأسماء التي تم الاتفاق عليها، قال الحريري: “عموماً تم اختيارها وفق معايير الأمم المتحدة، وبالتالي عندما تصدر قائمة الأسماء سنرى أنه لا يمكن القول إن طرفاً تغلب على آخر، هي متوازنة، وتتضمن عدداً كبيراً من الأخوة الأكراد، إذ هناك أشخاص في اللجنة يعيشون في مناطق شرق سوريا الآن”.
وتابع: “التطور المهم أيضاً هو إعلان اللجنة الدستورية من قبل الأمم المتحدة، وهذا له رمزية كبيرة، لذلك نحن نتحدث عن عملية أممية”، موضحاً أن “ما يلزمنا وجود نوايا صادقة لدى كل الأطراف للوصول إلى حل سياسي، وذلك بالإضافة إلى وجود دعم دولي حقيقي”، وعقّب: “إذا أصرّ النظام على التعطيل، نحن نكون قد قدمنا ما يمليه علينا ضميرنا وواجبنا، ما يهمنا أن يكون هذا الحدث في مصلحة سوريا والسوريين، ونحن نبذل جهدنا في سبيل إحلال السلام عبر انتقال سياسي حقيقي”.
وقال أيضاً: “المعركة ما تزال أمامنا طويلة، نحن نعمل مع الأمم المتحدة والأطراف الدولية على البدء بإجراءات بناء الثقة بعد اللجنة الدستورية، لم يعد هناك مبرر للتأخر بملف المعتقلين، والذهاب إلى القضايا الأخرى الموجودة في القرار 2254، وعلى قاعدة أنه لن يتم الاتفاق على شيء قبل الاتفاق على كل شيء”.
وبخصوص دور الأمم المتحدة، أكد الحريري أن “العملية ستكون سورية-سورية، بتيسير الأمم المتحدة، كما أن الانتخابات اللاحقة ستكون بإشراف الأمم المتحدة أيضاً، ويوجد فقرة خاصة بخصوص ضمان سلامة المشاركين في اللجنة، خصوصاً أننا سمعنا عن تعرض البعض لتهديدات”.
وعدّ أن “اللجنة الدستورية ليست نتاجاً لمسار سوتشي، اللجنة طُرحت في جنيف من قبل الأمم المتحدة هي والمبادئ الإثني عشر، وكان للآلية التي عملت بها الدول الثلاث في سوتشي (تركيا، روسيا، وإيران) الفضل في الحصول على موافقة النظام على المبادئ واللجنة”.
وإذا ما نجحت اللجنة الدستورية في عملها، يرى الحريري أنه “نحن سنكون أمام تأسيس نظام سياسي جديد”، والمهم في ذلك أن “اللجنة الدستورية ستعكس نصاً وروحاً المبادئ الـ12 والتي تم الاتفاق عليها في جنيف، وهذه بمثابة مبادئ عامة أو إعلان دستوري عام يحدد هوية وشكل ونظام الدولة المستقبلية في سوريا”.
وختم الحريري بالقول إنه “من المهم أن تستعيد الأمم المتحدة زمام المبادرة، وتتخذ خطوات جادة من أجل تفعيل أكثر للعملية السياسية، لأن الفرح بإطلاق اللجنة الدستورية فحسب والركون إلى هذا الإنجاز لوحده لا يكفي، لا بد أن يكون الجدول الزمني مُلتَزم به حسب القرار 2254، ولا بد من الذهاب إلى القضايا الأخرى”.