عن ادلب -مقالات مختارة-
من يُطمئن الأدالبة؟/ موفق نيربية
مع تراكم السحب في المنطقة، في سماء لبنان والعراق خصوصاً، يرجو السوريون أن تكون مطيرةً تعود بالخير، لعله ينعكس عليهم خيراً، بالأمان والسلم والحل السياسي الذي ينهي عقود الاستبداد والنهب، ويضعهم على طريق مستقبل داخل العالم المعاصر. فلطالما اعتاد السوريون على التعلق بالآمال والنظر في السياسة الدولية بحثاً عما يساعدهم على أحلام اليقظة، بل قد تفاءلوا مؤخراً بسقوط موراليس في أقصى الأرض، في بوليفيا.
في أواخر عام 2011، كان عدد سكان محافظة إدلب قريباً جداً من المليون ونصف المليون. وتضاعف هذا العدد على الأقل منذ ذلك الوقت، بنزوحٍ طوعي أو قسري من غوطة دمشق وحمص وشمال حماة والرقة وغيرها، حين أصرّ الأسد والروس على تخصيص تلك المحافظة كخيار ثانٍ لكلّ من يرفض التسوية مع النظام. هؤلاء جميعاً عرضة منذ فترةٍ لخطر المجازر تحت القصف الأعمى أو الدفع في البراري بالاتجاه الذي ينفتح أمامهم.
يقول الأسد والروس إن مسألة إنهاء خروج إدلب عن طاعتهم ما هي إلا مسألة وقت، ويكررون ذلك كلّ أسبوع، فيطبع ذلك سمات الجحيم والرعب على تلك الجموع المكدسة، والذين هم في غالبيتهم الساحقة مدنيون لا حول لهم، تأسرهم تلك القوى المقاتلة بنواتها التي نشأت في أحضان “القاعدة” وقواعدها. تلك القوى هي السندان الذي يمكن أن تنطحن جموع مدنية عليه تحت ضرب الطيران الروسي والأسدي، وزحف الميليشيات العاملة على الأرض.
وحول ما اتفق عليه بوتين وإردوغان في مباحثاتهما لتسوية وضع الشمال الشرقي بعد الاتفاق الأميركي التركي، ينقل بعض الباحثين الأميركيين حدسهم بأن هنالك بنوداً غير معلنة، تتوزع من خلالها الأرباح الحرام، فتعطي إدلب للأسد، وتبقي شيئاً للكرد في المنطقة المعنية، وتأخذ تركيا منطقتها الآمنة، ويبقى لروسيا يدها العليا في المنطقة عموماً.
غونول تول باحث آخر في مؤسسة أخرى، يقول إن احتلال الأراضي من قبل إردوغان قدم لبوتين فرصة عصر التنازلات من تركيا، داعم المعارضة، التي ستكون تلك التنازلات على حسابها وحساب قضيتها بالطبع. ويشبه ذلك ما تقوله دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية أيضاً “كلما يحدث شيء من جهة تركيا، تقوم روسيا والنظام بتذكيرها بواجبها في إدلب”. وواجبها ذاك يتعلق بالطبع بما التزمت به من حل لمسألة وجود “الإرهابيين”، والذي تلكأت به تركيا لأسباب متناقضة، منها العجز ربما، أو القلق من الارتدادات اللاحقة الكريهة بالنسبة إليها، بما في ذلك الخوف من التخلص مما يمكن أن يكون “درعاً” يقيها في بعض الحالات، ويبقي في يدها أوراقاً تحتاج إليها في خدمة برنامجها الطاغي المتعلق بأمنها القومي وأولوية الحدّ من الخطر الكردي على حدودها أو في داخلها أيضاً.
ليس سهلاً قول هذا، بل ما يفعله بعضنا في مواجهة تلك الأسئلة الحارة، حين يستخلص أسباباً من تحت الأظافر تطمئن الناس في إدلب وتبعد عنهم شبح الموت والبؤس والتشرد المجهول الاتجاه. ولكن هنالك ما يعيد ذلك الشبح إلى قوة تأثيره بين أسبوعٍ وآخر، في ظل انفراد القوى المهيمنة، وملل القوى الأكبر منها من “أرض الدماء والرمال”، التي ليس فيها مطمعة ولا منفعة.
فنظام الأسد يزداداً ضعفاً يوماً بعد يوم، وتزداد كذلك مظاهر الاستغناء عنه حتى من قبل أقرب داعميه، ولا تنفع معه كلّ الأخبار عن “الانتصار” و”إعادة الإعمار” والنفخ في الرماد أو القرب المثقوبة. وهو يحتاج بين فترة وأخرى إلى صوت النفير والتهويل بالانتهاء من تحرير إدلب على هواه، فيقوم بغارات تودي بحياة مدنيين، وتزرع الرعب باستهدافها للأهداف الطبية والصحية والمعيشية. يحدث هذا أيضاً مع حاجة الروس إلى إعادة التذكير بقيادتهم، وحاجتهم إلى الإمساك بالعنان كلما اهتز مركزهم أمام الأميركيين والأوروبيين. في الوقت ذاته، أظهرت صورة الأسد في مقابلاته الأخيرة مع أجهزة إعلام روسية تهافت حالته، كما ظهر أيضاً تناقض موقف الروس منه في تعارض المقابلات وحبكتها. وتتابع الليرة السورية تراجع قيمتها، مما يعزز الإحساس بخطر المزيد من الانهيار المعيشي والاجتماعي، طالما استمر النظام حياً وسائداً.
في نظر الكثيرين، وبينهم سوريون، تستحق إدلب ما يجري، وما سيجري، طبعاً مع بعض الأسف للضحايا الأبرياء كثيراً. في رأيهم أنه لولا تركيبتها المحافظة الإسلامية، وترحيبها بالمتأسلمين جميعاً من الإخوان المسلمين إلى “القاعدة” وباقي الجهاديين، لما صار ما صار. وحين يتم حصر وتعداد القوى التي تدور أفكارها حول فكر القاعدة، يُقال إنها تعدّ عشرات الألوف بين سوري وغريب، و تبدو مدعومة بقوةٍ ما إقليمياً، أو من قبل أشباح وأيديولوجيات خانقة، بحيث تنغلق الأبواب على أي مخرج آمن وصحيح ومعاصر. ولا يفتح ثغرةً مضيئة في الجدار الأسود إلا غضب الأهالي بيأس وشجاعة مستحيلة على تلك القوى السوداء، ومظاهراتهم بين حين وآخر. ولا ترف جفون تلك القوى، ولا تتراجع عن عنادها لتلاقي المأزق بانفتاح على الحلول، بل تصرّ على خلق مقومات الكارثة، وعلى البحث عن نجاحات باتجاه تأسيس الأمارة الإسلامية أو الاقتراب منها. ويبقى أن ثورة المدنيين على المقاتلين هناك هي المخرج الأكثر نجاعة لتلك الأزمة المستعصية، حتى تتشكل ظروف أخرى.
إضافةً إلى ذلك، ما زالت الآمال معقودة على القلق التركي المؤكد من تدفق اللاجئين بموجات هائلة باتجاه الحدود مع أي تطور دراماتيكي كبير. ذلك القلق يمكن أن تزيل آلامه أو تخفف منها احتمالات آلام أو مخاطر أخرى، أو خلل في الميزان ما بين المؤتلفين. ولعل ذهاب أردوغان مع الروس بعيداً في التفاهم والترابط، يمكن أن يختل بتأثير الروابط الراسخة مع الطرف الآخر، الأميركي خصوصاً. ولم تتراجع حظوظ هذا الطرف إلى حدود حاسمة، بل أظهرت أقوال ترامب وإردوغان في خلال زيارة الأخير لواشنطن منذ أيام، أن تفاهماً منافساً قد يكون أعمق وأكبر، ربما يكون قادماً على الطريق.
لا يمكن في الحقيقة لأي شيء من هذا أن يطمئن “الأدالبة” كما يُطلق عليهم في بلادنا، ولا يقلص من قلقهم ذاك إلا استمرار حراكهم وتطويره إلى آفاق أكثر تنظيماً، وبرؤية جذرية وديناميكية، وإلا عودة المعادلة الإقليمية والدولية إلى مسار أكثر اعتدالاً وتوازناً وعقلانية، وإلا- كذلك، وربما- عودة السوريين إلى الفعل وبناء وحدتهم وتنظيمها سياسياً، لإجبار العالم على احترام هذا البلد وآلامه وآماله.
المدن
إدلب تستعدّ لاحتمالات معركة مصيرية/ عروة خليفة
يواصل الطيران الحربي الروسي ومعه مدفعية وطيران النظام السوري أعمال القصف والغارات بشكل يومي على مناطق عدة في ريف إدلب، وعلى وجه الخصوص في ريف إدلب الجنوبي. وقد أسفرت غارات يوم أمس عن قتلى وجرحى في كفرنبل وحزارين وترملا ومحيط سراقب وغيرها، وكانت الحصيلة الأعلى في قرية الملاجة بريف إدلب الجنوبي، التي شهدت سقوط خمس ضحايا من المدنيين وعدد من الجرحى، حسبما نقلت صحيفة عنب بلدي عن الناطق باسم الدفاع المدني.
وأول أمس السبت استهدفت غارة بالبراميل المتفجرة مشفى شام 4 قرب كفرنبل ما أدى إلى إخراجه عن الخدمة، وتأتي غارات الطيران تلك ضمن موجة تصعيد منذ بداية الأسبوع الماضي، شملت غارات على المنشآت المدنية مثل المشافي والنقاط الطبية ومراكز الدفاع المدني، بالإضافة إلى استهداف المدنيين بشكل مباشر. وقال بيان صادر عن فريق منسقو الاستجابة صباح اليوم الإثنين إن موجة التصعيد الأخيرة تسببت بنزوح أكثر من أربعين ألف نسمة من المدنيين، وهو رقم يعكس ضراوة عمليات القصف على ريف إدلب.
بالتزامن مع حملات القصف، قام النظام خلال الأيام الماضية بعدة محاولات اقتحام على جبهتين رئيسيتين، الأولى في ريف إدلب الجنوبي الشرقي والثانية هي جبهة الكبانة بريف اللاذقية الشرقي؛ وقد حاولت قوات النظام التقدم على محور تل دم بريف إدلب الجنوبي الشرقي بهدف كسر دفاعات فصائل المعارضة هناك، وتحقيق تقدم إضافي بعد التقدم الذي أحرزته الأسبوع الماضي على هذه الجبهة، إلا أن الفصائل نجحت في التصدي لقوات النظام هناك. وفي الوقت نفسه تستمر الاشتباكات العنيفة على محور الكبانة بريف اللاذقية بالتزامن مع قصف بالبراميل المتفجرة، إلا أن طبيعة المنطقة الجبلية وقدوم فصل الشتاء يصعّبان من عملية اقتحام هذا المحور الحيوي، الذي يتمتع بأهمية حاسمة في حال أراد النظام التقدم باتجاه مدينة جسر الشغور غرب إدلب.
محور ثالث من المتوقع أن يتم فتحه خلال الأيام القادمة، هو محور ريف حماة الغربي، إذ رصد تقرير لموقع المدن حشوداً للنظام على تلك الجبهة الهامة، بالقرب من معسكر جورين في منطقة الغاب، وهو ما يعطي مؤشرات على اقتراب فتح جبهة كبيرة في المنطقة التي تريد موسكو احتلالها لتأمين عمق واسع لقاعدة حميميم في اللاذقية، يحميها من القصف بصواريخ الغراد أو التعرض لغارات الدرون.
تعطي كل هذه التطورات أدلة على نية النظام بدء معركة برية جديدة على إدلب، يبدو أنها في حال انطلاقها ستكون المعركة الفاصلة، ذلك أن النظام، وعلى الرغم من نجاحه في المعركة السابقة بالسيطرة على ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون جنوبي إدلب، إلا أنه لم يحرز تقدماً حاسماً يمكّنه من السيطرة على جميع المواقع الاستراتيجية والطرقات الرئيسية، ولم يتمكن من إخراج فصائل المعارضة من المشهد تماماً. ويبدو أن المعركة في هذه المرة ستشمل القتال على عدد أكبر من المحاور، وبينما لا يبدو واضحاً حتى اللحظة مصير جبهة ريف إدلب الشرقي ومحور مطار أبو ضهور، إلا أن النظام يمتلك فرصة فتح تلك الجبهة التي تتميز بتضاريس سهلية تعطي تفوقاً حاسماً لمن يمتلك سلاح الطيران، وهو الأمر الذي يعني حصوله فتح معركة كبرى من أربعة محاور، سيكون الهدف منها إنهاء كل فعالية لفصائل المعارضة، كما ستكون بمثابة إعلان حرب إبادة وتهجير جديدة على السكان، الذين لا يملكون ملجأً من القصف والمعارك بعد اكتظاظ ريف إدلب القريب من الحدود التركية بمئات آلاف النازحين.
يبدو مصير إدلب اليوم متروكاً للقرار السياسي الذي ستتخذه القوى الدولية والإقليمية، إذ أن انضواء «الجبهة الوطنية للتحرير» ضمن ما يعرف بـ«الجيش الوطني» التابع لأنقرة، سيقيد حركة فصائل الجبهة ضمن الهامش المسموح به من تركيا، التي تمتلك وسائل ضغط رئيسية أهمها التسليح وإمساك خطوط الإمداد الخلفية، كما أن تحركات «هيئة تحرير الشام» الأخيرة تعطي مؤشراً على أنها مهتمة بالترتيبات التي ستحكم المنطقة التي تعتقد أنها ستبقى من إدلب، أكثر من اهتمامها بمواجهة النظام للدفاع عن مناطق قد يكون الاحتفاظ بها مستيحلاً دون قرار تركي واضح، وهو ما يجعل تركيزها اليوم منصباً على ضمان موقعها في الترتيبات المقبلة من الناحية الاقتصادية والأمنية. وهكذا يبدو أن مئات الآلاف من السكان متروكون لمصيرهم في مواجهة قوات النظام، التي تستعد لغزو مساحات واسعة جديدة من إدلب بدعم جوي من موسكو.
يبدو اليوم أن أنقرة أقرب للموافقة على عملية للنظام بدعم روسي، يمكن أن تؤدي إلى سيطرة قوات النظام على مدن رئيسية وطرق دولية تمرّ عبرها، مع ترك الأجزاء الشمالية الغربية من إدلب، القريبة من الحدود التركية، لتستقبل عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من النازحين والسكان الذين يرفضون العيش تحت حكم نظام الأسد، وهو ما سيعني كارثة إنسانية جديدة بعد أشهر قليلة فقط من أكبر موجة نزوج شهدتها إدلب وسوريا، فيما ستقف القدرات المحدودة أصلاً للمنظمات الإنسانية عاجزة عن مواجهة هذا التحدي الهائل.
الحل ليس في يد المنظمات الإنسانية، ولا في يد أهالي إدلب، ولا في يد الفصائل التي فقدت كل استقلاليتها نتيجة سياستها الكارثية وصراعها على السيطرة والنفوذ؛ الحل فقط في يد القوى الدولية والإقليمية، القادرة على الضغط لوقف هذا المصير المأساوي في منطقة تصم أكثر من ثلاثة ملايين إنسان نصفهم من النازحين والمهجرين.
لكن لا يبدو حتى الآن أن أحداً مهتمٌ فعلاً بوقف هذه المأساة.
موقع الجمهورية
متظاهرو إدلب في مواجهة مناورات الهيئة/ مصطفى أبو شمس
وافقَ ثلثا أعضاء «مجلس الشورى العام» في إدلب، خلال جلسته الطارئة التي عُقدت صباح أمس الإثنين الثامن عشر من تشرين الثاني 2019، على تكليف المهندس علي عبد الرحمن كِده بتشكيل مجلس الوزراء الجديد في حكومة الإنقاذ، الذراع المدني لهيئة تحرير الشام في مناطق سيطرتها في إدلب والأرياف المحيطة بها. وعلي عبد الرحمن كده من مواليد بلدة حربنوش بريف إدلب، وهو مهندس إلكترون وخريج الأكاديمية العسكرية السورية، وجاء اختياره لرئاسة مجلس وزراء حكومة الإنقاذ خلفاً للدكتور فواز هلال بعد قبول مجلس الشورى الاستقالة التي تقدمت بها حكومة الأخير يوم السبت الماضي، فاتحة الباب أمام تكهنات سياسية متعددة؛ تراوحت بين القول إن الأمر لا يعدو كونه نتيجة لنهاية ولاية الحكومة السابقة؛ والقول إن هذه الاستقالة جاءت استجابة لمطالب المتظاهرين الذين دعوا مؤخراً لإسقاطها؛ والقول إنها مناورة سياسية من قبل هيئة تحرير الشام بوصفها الحاكم الفعلي في المنطقة، بهدف التخفيف من حدة الاحتقان الشعبي المتصاعد في إدلب، وإيصال رسالة للمجتمع الدولي والدول الفاعلة في الشأن السوري حول طبيعة وهيكلية الحياة السياسية في المنطقة.
حكومة الأمر الواقع؛ استقالة أم إقالة؟
منذ الإعلان عن تشكيل حكومة الإنقاذ في الثاني من تشرين الثاني (أكتوبر) عام 2017، تحددت ولاية كل تشكيلة حكومية بعام كامل، وهو ما تم تنفيذه أول مرة بعد استقالة الحكومة الأولى نهاية العام 2018، وتسلم حكومة جديدة لمهامها حتى تقديمها استقالتها قبل أيام. ويبدو أن هذا الشكل من العمل يهدف إلى الإيحاء بوجود دورة سياسية «ديمقراطية» في المنطقة، إلّا أن الإعلان في كل مرة تنتهي فيها المدة الزمنية لأعمال الحكومة عن «استقالتها»، يفتح الباب دائماً على البحث في الآلية التي يتم تشكيل هذه الحكومات من خلالها، والهيكلية الإدارية والقانونية لعملها.
يرى محمد، وهو حقوقي وناشط مدني محليّ تم إخفاء كنيته لأسباب أمنية، أن الـ«استقالة» تكون احتجاجاً على أوضاع معينة أو على تدخلات في عمل الحكومة، أو استجابة لمطالب السكان أو نتيجة تقصير في أداء المهام، لكنهم استخدموا كلمة «استقالة» للإيحاء بأن الأمر تم استجابة لمطالب شعبية، وهو ما تمت الإشارة له بشكل موارب في موقع «أنباء الشام» التابع لحكومة الإنقاذ، وعلى لسان نائب رئيس مجلس الوزراء لؤي الحسين، الذي قال إن الاستقالة جاءت «بعد انتهاء ولاية المجلس الحالية، لإفساح المجال لأصحاب الخبرة في المناطق المحررة لتقديم ما لديهم والارتقاء بواقع المنطقة».
يبدو الأمر إذن كما لو أن هناك تعمداً للخلط بين فكرة انتهاء ولاية الحكومة وفقاً لأنظمتها الداخلية، وبين فكرة استقالتها استجابة لمتطلبات أو مطالبات معينة. يضيف محمد في هذا السياق أنه لا يمكن لحكومة أن تؤدي مهامها وتتابع مشاريعها خلال عام واحد، مؤكداً أن هذه الحكومات ما هي إلا «واجهات مدنية وشمّاعات لتعليق أخطاء الحكّام الفعليين، ووسيلة لفرض قرارات ووضعها حيّز التنفيذ دون التمكن من محاسبة أصحابها الفعليين».
لا يعفي محمد الوزراء من المسؤولية عن هذه القرارات، ولا ينفي وجوب محاسبتهم عليها، إلّا أنه يرى أن الحكومة مفروضة بقوة سلاح هيئة تحرير الشام التي يتحكم «أمراؤها» بالحياة العامة السياسية والاقتصادية في المنطقة، وكعادة التنظيمات «الجهادية التي تتصف بعدم الشفافية والكتمان، يبقى دور حكومة الإنقاذ محصوراً في أن تكون جهة تنفيذية تختص بالجباية وتنفيذ الأوامر، دون أن يكون لها أي دور في التخطيط ودراسة الواقع الحياتي والخدمي في المنطقة».
من جهة أخرى يتساءل الناشط المدني مصطفى السعيد عن تزامن هذه الاستقالة مع الاحتجاجات الأخيرة التي تشهدها المنطقة منذ أيلول الماضي، قائلاً إن الحكومة المستقيلة كان يجب أن تنتهي أعمالها في الواقع منذ آذار الماضي، ولم يكن يفترض أن تتابع عملها حتى انتهاء ولايتها، وذلك لأن مجلس الشورى العام كان قد تشكّل في آذار الماضي، ووضع أعضاؤه على عاتقهم مهمة العمل كسلطة «تشريعية وبرلمانية»، من مهماتها تشكيل الحكومة ومحاسبتها وعزلها أو حلهّا وحجب الثقة عنها.
ويضمّ مجلس الشورى هذا 107 أشخاص، يمثلون سائر المناطق الجغرافية التي تتواجد فيها هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى ممثلين عن المُهجَّرين والوافدين والنقابات. ويقول السعيد إن مجلس الشورى، شأنه شأن الحكومة، لا يملك أي قرار، واصفاً ما يحدث بـ «المسرحية الشكلية»، فمعظم الأشخاص المنضوين في مجلس الشورى هم من التابعين لهيئة تحرير الشام أو الموالين لها أو المقربين منها، والاستمرار بعمل الحكومة السابقة رغم تشكيله جاء بحسب ما قال أعضاءٌ في المجلس وقتها نتيجة «الحملة العسكرية الأخيرة التي تشنها قوات الأسد وروسيا على المنطقة»، متسائلاً مرة أخرى عمّا إذا كانت هذه الحملة قد توقفت لتُقدِّمَ الحكومة استقالتها؟! معتبراً ذلك دليلاً على أن استقالتها اليوم ليست إلا مناورة سياسية للتحايل على الاحتقان الشعبي والاحتجاجات المتصاعدة.
يخلص السعيد إذن إلى أن الاستقالة جاءت بطلب من هيئة تحرير الشام، لامتصاص غضب الشارع المحتقن بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، خاصة ما حدث في كفرتخاريم من اقتحام الهيئة للبلدة، والمظاهرات التي طالبت بإقالة حكومة الإنقاذ، ثم رفعت سقف مطالبها إلى حدّ مطالبة هيئة تحرير الشام ورأسها أبو محمد الجولاني بالرحيل عن مدن وبلدات المنطقة.
المظاهرات ضد الهيئة أم ضد الحكومة؟
يؤكد علي (ناشط مدني من كفرتخاريم) على أن المظاهرات ستستمرّ حتى بعد استقالة الحكومة الحالية واستبدالها بحكومة جديدة، ويقول إن «أشخاصها» لن يكونوا أفضل حالاً من سابقيهم، فالحكومة ليست «أشخاصاً» باستقالتهم سيتغير واقع الحال، وإنما هناك ربط لكافة الكوادر والمؤسسات والمجالس المحلية بهيئة تحرير الشام وقراراتها، ومن الضروري أن يتم إسقاط حكومة الإنقاذ لا وزرائها، وهو ما يعني إسقاط سلطة العسكرة والسلاح التي تفرضها هيئة تحرير الشام بالقوة على الجميع في إدلب، والتحول إلى حكومة مدنية منتخبة يكون عملها متابعة حياة السكان لا «نهبهم وسرقتهم».
ويرى علي أن أهالي المنطقة محتقنون وغاضبون، ولا يمكن تهدئتهم، خاصة مع اجتماع الظروف المعيشية السيئة التي زاد من تفاقمها القرارات غير الصائبة بفرض الضرائب والأتاوات على الأساسيات الحياتية كالخبز والوقود والمواسم الزراعية والكهرباء والمياه والسيارات، مع التقهقر العسكري على الجبهات وخسارة مناطق واسعة لصالح قوات الأسد، «البعبع الذي تخيفنا الهيئة من تقدمه دائماً»، والذي لم تستطع إيقاف تقدمه أو مواجهته، بل تكتفي في كل مرة بما تسميه «الانحياز عن المناطق»، لتنتقل مع عناصرها إلى خطوط خلفية تاركة الأهالي لمصيرهم في الموت والقصف والاعتقال والنزوح.
يضيف علي إن ما حدث في كفرتخاريم كان مثالاً واضحاً عن تحكم الهيئة بمفاصل الحياة العامة؛ «أين حكومة الإنقاذ من الشهداء الذين سقطوا في غزوة “الزيت” الأخيرة؟ ومن الاستدعاءات الأمنية التي يتم توجيهها للناشطين والمتظاهرين؟». و«غزوة الزيت» هو الاسم الساخر الذي يطلقه كثير من الأهالي في إدلب على هجوم هيئة تحرير الشام الأخير على مدينة كفرتخاريم، بعد رفض أهلها دفع الضرائب التي فرضتها حكومة الإنقاذ على محصول زيت الزيتون لهذا العام.
يتساءل علي: «إذا كان هناك وزارة للعدل في حكومة الإنقاذ فعلاً، فلماذا تتم الاعتقالات والملاحقات الأمنية بواسطة عناصر الهيئة، الذين أعلن أحدهم منذ فترة وجوب قتل كل من يتظاهر ضد حكمها أو يطالب بإسقاط الجولاني أو رحيله؟». وكان تسجيل صوتي لأحد الأمنيين في الهيئة، اسمه أبو اليمان الحمصي، قد شاع مؤخراً، وفيه يعتبر هذا الأمني أن من يتظاهر ضد الهيئة إنما يتظاهر ضد الإسلام، وإنه يجب قتل جميع المتظاهرين ضد الهيئة.
من جهة أخرى، يقول الحقوقي والناشط المدني محمد إن عائدات المنطقة تذهب بمجملها إلى جيوب أمراء الهيئة، وهي مبالغ كبيرة تقدر بملايين الدولارات شهرياً، دون أن يتم مساءلتهم من قبل الحكومة التي لم تستطع تنفيذ أي مشروع خدمي في المنطقة. ويشرح محمد أن سعر الوقود ارتفع إلى الضعف خلال الأشهر الأخيرة ومع دخول فصل الشتاء، كذلك الطرق المحفرة وربطة الخبز التي انخفضت أعداد أرغفتها بنسبة 20%، كذلك التعليم الذي توقف في المنطقة، ناهيك عن ضعف الاستجابة في المخيمات، إذ لم تقدم إدارة المهجرين أي مساعدة لنحو مليون شخص نزحوا في الآونة الأخيرة، بل عمدت إلى فرض أتاوة على عمل المنظمات بأخذ قسم من المواد لصالحها، وكذلك تأجير الأراضي العشوائية لسكان المخيمات بدلاً من تقديم الخدمات لهم، أما التجار وأصحاب المولدات فهم واجهات مدنية لأشخاص متنفذين في الهيئة يفرضون الأسعار التي يريدونها دون رقابة أو محاسبة، وبالتعاون مع المجالس المحلية التي هي في الأصل بـ «لا حول ولا قوة» بعد تشكيل معظمها من الموالين للهيئة أيضاً.
ويكمل محمد أن الجولاني زعيم الهيئة، وبعضاً من المقربين من دائرته، يتمثلون المقولة «أينما أمطرت فخراجها لي»، دون الوقوف على أحوال السكان، تاركين لـ «حكومة الإنقاذ» تلقي الصفعات عنهم، واصفاً الوزراء في الحكومة بـ «وجه المقابحة» الذي يتم الاستغناء عنه في كل مرة يحتجّ السكان فيها، ليتم تحميلهم مسؤولية فساده وتجاوزاته.
مظاهرات شعبية منظمة
يقول علي إن المظاهرات لا تتبع لأي أجندة خارجية ولا لأي تيار سياسي أو عسكري، إلّا أنها ليست عفوية أيضاً، إذ لا يمكن الدعوة للاحتجاج دون تنسيق، وهو ما يتم بالفعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغرف الواتس آب بالدعوة للمظاهرات من قبل ناشطين وفعاليات مدنية وثورية، تقوم بتجهيز اللافتات وساحات التظاهر والأمور اللوجستية، والاتفاق مع الفعاليات في مناطق أخرى للخروج في مظاهرات موحدة وبمطالب تعبر عن السكان ومعاناتهم.
كما يتم استغلال مظاهرات يوم الجمعة للحديث عن تجاوزات الحكومة والهيئة، التي لا تقل أهمية عن المطالبة بإسقاط النظام وجرائمه. يقول أحمد (أحد منسقي المظاهرات) إن اللافتات المكتوبة والهتافات التي يطلقها المتظاهرون عفوية، هي تعبر عما في داخلهم في ظل سياسة الخوف. يتابع: «في البداية سمحت الهيئة بهذه المظاهرات في الأسابيع الأولى وكان هناك تواجد لبعض عناصرها، خاصة حين كان الأمر يتعلق بانتقاد أداء حكومة الإنقاذ، ومع ارتفاع سقف المطالب ليطال الهيئة ورجالاتها بدأت الهيئة بالتضييق على الناشطين واستدعائهم وملاحقته أمنياً، ما أدى إلى تراجع قسم من الأهالي عن الحضور، وخفت حدة هذه المظاهرات خوفاً من الاعتقال».
يرى أحمد أن السماح بالمظاهرات لم يكن في البداية سوى لاستدراج المتظاهرين ومعرفة أسماء ناشطي الحراك لتتم معاقبتهم واعتقالهم لاحقاً، محملاً المسؤولية للهيئة عن اختفاء أو اعتقال المتظاهرين الذين خرجوا بوجوه مكشوفة وبأسماء معروفة، وتم تصويرهم وتداول الفيديوهات التي يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي.
تحاول هيئة تحرير الشام التغيير من سياستها، وتمارس لعبة سياسية تبدو «مكشوفة» للشارع السوري الذي لم «يعد لديه ما يخسره»، بعد أن تسبب حكمها العسكري وواجهته المدنية بإفقار السكان والتحكم بمصيرهم ومواردهم وخسارة لمساحات واسعة من المناطق لصالح النظام. ويرى السعيد أن المنطقة ستشهد مظاهرات كبيرة في المستقبل القريب، لأن استبدال «هلال بـ كِده» لا يغير من حقيقة الأمر، وإنما هو «إبرة مخدر» لن تنفع، فـ كِده كان معاوناً لوزير الداخلية في الحكومة السابقة، وشيوع الحديث عن تبعيته لفصيل فيلق الشام المقرّب من تركيا ما هو إلّا خلطُ أوراق من قبل الهيئة، لتصدير واجهات جديدة تبعد المسؤولية عنها، فيمت تبقى في يدها السيطرة على أمور الحياة كافة.
موقع الجمهورية
لحظة إدلب/ سمير صالحة
المجازر التي ارتكبت قبل أيام في منطقة إدلب وعلى مسافة مئات الكيلومترات من الحدود التركية السورية عبر قصف مخيمات اللاجئين السوريين في بلدة قاح لا يمكن التعامل معها كحادث منفرد يقع في إطار استفزازات النظام وحلفائه الإيرانيين والروس التقليدية لتركيا والفصائل في محاولة لفتح الطريق أمام توسيع رقعة الانتشار العسكري والميداني هناك.
التصعيد في إدلب هو محاولة للضغط على تركيا باتجاه الإسراع في تنفيذ تفاهمات سوتشي أستانة في الشق المتعلق بحسم ملف النصرة ، لكن القصف والهجمات تتم أولا داخل مناطق تخفيض التوتر المشمولة بالتفاهمات الثنائية والثلاثية تحت سقف الأستانة وسوتشي.
والمستهدف ثانيا بهذه الوحشية المقصودة هم المدنيون الأبرياء في مخيماتهم عبر استخدام صواريخ عنقودية من السهل تحديد نوعيتها ومصدر انطلاقها وهذا ما كشفت عنه الكثير من التقارير الأمنية محملة النظام والإيرانيين المسؤولية الأولى المباشرة .
وهذا التصعيد لا يمكن فصله ثالثا عن محاولة إيران توجيه رسائل تهديدية لأنقرة بشكل مباشر أو عبر النظام بعد كثرة الحديث عن تفاهمات تركية أمريكية على إضعاف الدور والنفوذ الإيراني في سوريا ومحاصرة التمدد الإيراني في الشمال عبر فتح الطريق أمام انتشار عسكري تركي بالتنسيق مع الفصائل السورية وتسهيل عودة الآلاف من اللاجئين من أبناء هذه المناطق إلى أراضيهم .
للتذكير فقط وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو هو الذي أشار قبل أسابيع إلى وجود خطة أميركية ” تهدف لمنع إقامة ممر إيراني في سوريا، سنرى ماذا ستفعل الولايات المتحدة “، وهو ما اعتبر في تركيا أيضا على أنه حلقة من التفاهمات التركية الأميركية التي ترجمت بشكل عملي عشية انطلاق عملية ” نبع السلام ” . اللافت هنا هو تراجع أرقام شراء الغاز الإيراني من قبل أنقرة في الأشهر الأخيرة مما فسر أيضا على أنه جزء من التفاهمات بين تركيا وأميركا بمعرفة روسية.
الاعتداءات الأخيرة تطال مباشرة خطة تركيا في موضوع اللجوء وتتركها أمام مسؤولية سياسية وإنسانية لا يمكن الهروب منها طالما أنها تدعو السوريين للعودة إلى أراضيهم وأن هذه العودة تتم داخل مناطق وجود القوات التركية والفصائل والجيش الوطني السوري . لذلك فالرد التركي لا مهرب منه.
حمل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قوات النظام في سوريا مسؤولية قتل المدنيين و قصف المدارس والمستشفيات والأسواق بشكل متعمد. لكن اللافت أيضا هو عودة الغارات الروسية في استهداف مناطق “خفض التصعيد” في محافظة إدلب بشكل مكثف.
ما ستقوله أنقرة لموسكو شبه معلن، إذا كانت هذه الاعتداءات ضد المدنيين تتم دون معرفة موسكو وبتنسيق مباشر بين النظام وطهران فلا بد أن ترد هي الأخرى عليها حتما لأنها تطال التفاهمات التركية الروسية في سوتشي والتفاهمات المعقودة في الشهر المنصرم بعد انطلاق العملية العسكرية التركية. الصمت أو التجاهل الروسي سيعني العكس بالنسبة لأنقرة وهو الذي سيدفعها للبحث عن بدائل وخيارات توقف هذه الهجمات وهي متنوعة وكثيرة وسبق اختبارها ميدانيا وعسكريا في شمال غرب سوريا ، خصوصا وأن البعض يتحدث عن إطلاق موسكو ليد إيران في مناطق شمال غرب سوريا بعد فشلها في قلب المعادلات هناك.
لا يمكن قبول حالة التناقض الواضح هذه. استمرار هذه الاعتداءات الوحشية ضد المدنيين في مخيمات اللجوء القريبة من الحدود التركية السورية في إدلب والإعلان في أنقرة عن بدء عودة السوريين الطوعية إلى ديارهم في تل أبيض وريف الرقة الشمالي ورأس العين. من الذي يضمن أن ما يفعله النظام في شمال غرب سوريا في مناطق “درع الفرات ” و”غصن الزيتون ” لن يكرره في مناطق ” نبع السلام ” ؟ ما يرتكب من جرائم هناك لا يختلف كثيرا عن الهجمات الإرهابية التي تنفذها مجموعات “قسد” في المناطق المحررة من وجود ونفوذ هذه المجموعات.
لن يستغرب أحد قيام المقاتلات الأميركية باستهداف مواقع جديدة للنظام وحلفائه الإيرانيين في شمال سوريا نفسها ردا على استهداف النازحين هناك خصوصا إذا ما تأخرت وترددت أنقرة في حسم الموقف ومنع تكراره وحيث سارعت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية لإدانة “الهجمات الوحشية التي قام بها نظام الأسد يوم الأربعاء على مخيم قاح للنازحين والذي يمثل انتهاكا للقانون الدولي ويقوض العملية السياسية المحددة في قرار مجلس الأمن رقم 2254” . وأن “هذا الحادث المروع يتبع نمطا موثقا جيدا من الهجمات الشرسة على المدنيين والبنية التحتية من قبل نظام الأسد، بدعم روسي وإيراني”.
آثار الصاروخ الباليستي ما زالت موجودة في مخيم قاح والتقارير الأمنية تحمل النظام وإيران المسؤولية المباشرة عن هذه المجزرة . الوزير شاووش أوغلو يقول إن أميركا وروسيا لم تقوما بما يلزم بموجب الاتفاقات حول شمالي سوريا، مؤكداً أنه في حال عدم الحصول على نتيجة بخصوص انسحاب ” قسد “، فإن تركيا ستقوم بما يلزم مجدداً. الرد التركي على مجازر إدلب الأخيرة ينبغي أن لا يقل عن أهمية التلويح بمواصلة عملية “نبع السلام “.
سارعت دمشق وطهران لاستخدام حق الرد على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ولكن باتجاه الشمال السوري والمناطق القريبة من الحدود التركية السورية . فتح الحدود لنقل الجرحى والمصابين مسؤولية إنسانية أخلاقية مهمة وهذا ما جرى لكن المسؤولية السياسية الأمنية هي التي ستناقش بعد الآن مع من قدم التعهدات وشارك في التفاهمات تحت سقف الأستانة وسوتشي.
قبل أيام اكتفت الخارجية الروسية بوصف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السوري بأنها تتعارض مع القانون الدولي وأن موسكو ستستفسر حول ظروف ما وقع. في موضوع مخيم قاح كان موقفها أدنى من ذلك بكثير . تجاهل ما جرى من قبل أنقرة والفصائل وتركه دون رد سيدفع النظام وطهران وموسكو لمواصلة سياسة الأرض المحروقة دون رادع.
قبل أسابيع كان الدبلوماسي الأميركي جيمس جيفري يردد أن بلاده وروسيا يختبران إمكانية فرص التعاون بينهما حول الملف السوري، وإنه إذا ما نجحت البداية في موضوع وقف إطلاق النار في إدلب، فستبدأ مرحلة اتخاذ القرارات الصعبة. القرارات الصعبة قد تعني مصيدة أمريكية روسية جديدة للأتراك إذا لم يتعاملوا سريعا مع اعتداءات وخروقات يومية تستهدفهم هم وحلفاءهم في سوريا.
تعقيدات المشهد في محافظة إدلب، لا بد أن تدفع أنقرة نحو الخيارات الصعبة كي لا تقع في مطب الخيارات الأصعب. قلناها أكثر من مرة وهي طبقت في ” نبع السلام ” لكن لحظة إدلب لا بد أن تكون اقتربت أيضا. وإلا فما هي مهمة أكبر كيان عسكري يضم نحو 100 ألف مقاتل تحت مسمى “الجبهة الوطنية للتحرير” بدعم من تركيا؟