"خلينا متفائلين"/ رشا عمران
منذ خروجنا من سورية، أختي وابنتي وأنا، ومع نهاية كل سنة وبداية سنة جديدة، تتابع أمي كل ما تقوله الأبراج، ثم تتصل بنا واحدةً واحدةً، لتخبرنا عمّا يخبئه لنا الفلك في العام الجديد، نبرة الفرح في صوتها تنبئنا أن الفلك سوف يقف هذا العام مع الأبراج التي ننتمي لها. أخبرتني أمي، أول من أمس، أن الفلكية اللبنانية الشهيرة، ماغي فرح، والتي تثق بأقوالها، قالت إن حظ برج الثور، البرج الذي أنتمي له، سوف يكون حظّاً جيداً جداً، وسوف يحقّق المولود فيه ما كان يتمنّاه طوال حياته. كان صوت أمي في غاية السعادة وهي تنقل إلي هذا الكلام عبر الهاتف، من طرطوس إلى القاهرة، ثم أخبرتني، بالسعادة نفسها، أن برج الحوت، وابنتي منه، سوف يلي برج الثور بالحظ السعيد. وكانت قد اتصلت بابنتي وأخبرتها عن حظها الفلكي. ولكن نبرة صوتها صارت أقل فرحا، وهي تخبرنا أن حظ برج الدلو، برج شقيقتي، جيد، لكنه ليس بحظ الثور والحوت. لم تؤثر قلة حظ الدلو عليها كثيرا، إذ هي تدرك جيدا أن الحظ الجيد لإحدانا سوف يكون جيدا لابنتيها وحفيدتها، ولها هي بطبيعة الحال.
يُطلق المنجّمون على أنفسهم لقب علماء الفلك، وهو يطلق لإضافة المصداقية على ما يقولونه ويتوقعونه، غير أن علم الفلك شيء آخر تماما، هو الاختصاص العلمي في دراسة الأجرام السماوية والظواهر التي تحدث خارج نطاق الغلاف الجوي، هو علم قديم جدا يتعلق بفيزياء الكون، وما تنتجه من تطور في الأجرام السماوية وخصائصها الكيميائية، وعلاقة ذلك كله بالطبيعة وظواهرها العديدة التي تفسّر تفسيرا علميا دقيقا. ولهذا العلم اختصاصات متنوعة، مثل القياسات الفلكية والملاحة الفضائية. وعم الفلك النسبي ووضع التقاويم، أي ما يسمّى علم الفيزياء الفلكي، علم التنجيم، جزء بسيط من هذه الاختصاصات. ولا يطلق، عادة، لقب عالم فلك على المنجم، على الرغم من استخدامه للتقويم الفلكي في قياساته للشؤون الإنسانية. ولكن لا بأس، فليكونوا علماء فلك، هو لقب مثل ألقاب كثيرة يخترعها البشر لإضفاء بعض الأهمية على شخصياتهم، أو على ما يقومون بفعله؛ ما دام لقبٌ كهذا يمكنه أن يمنح بعض الطمأنينة لأمٍّ يتفرق أبناؤها في أنحاء الأرض، وهي تسمع أن الأبراج التي ينتمون لها بالولادة سوف تكون ذات حظ سعيد.. هل من شيء أكثر نبلا من التسامح مع وجود لقب كهذا يمكنه أن يسعد قلب أم؟
أتابع، أحيانا، ما يقوله المنجمّون عن حظ الأبراج في السنة الجديدة. ولا أخفيكم أنني قد أتفاعل مع ما يقولونه، وأنني قد أتأثر، حزنا أو فرحا، بتوقعاتهم لبرج الثور، أو لبرج الحوت، فأنا مثل أمي، في لحظة ما، أريد أن أطمئن على ابنتي التي تعيش بعيدا عني، على الرغم من يقيني أن ما يقال مجرّد خزعبلاتٍ لا معنى لها. قلت لأمي أول من أمس، وهي تخبرني عن الحظ الاستثنائي لبرج الثور، حسب ماغي فرح: هل حظ مراهق برج الثور الذي يعيش في مخيمٍ من مخيمات السوريين هو نفسُه حظ مراهق برج الثور الذي يعيش في سويسرا؟ صمتت أمي قليلا، ثم قالت: معك حق طبعا، ولكن “خلينا متفائلين، ما ضل شي نتفاءل فيه غير الأبراج”.
يميل البشر عموما إلى ما يطمئنهم إلى حياتهم القادمة، وإلى معرفة الغيب، وهو توقٌ بشري قديم جدا، بدأ مع وعي الإنسان بثنائية الحياة والموت والخوف من المجهول، القادم بعد لحظة أو غدا أو بعد سنة وسنوات، وهو ما جعل من التنجيم، وعلاقة الفلك بدورة الحياة البشرية، وعلم الأرقام والحساب، وقراءة الكفّ وقراءة الفنجان والتاروت، وكثير من أشكال التنجيم والتوقعات ظواهر منتشرة بكثرة في المجتمعات البشرية، ومنذ قديم الزمان، ولدى جميع شرائح البشر وطبقاتهم، بمن فيهم الكتاب والموسيقيون وعلماء النفس، حيث يقال إن شكسبير استخدم الرموز الفلكية في أثناء كتابته لشخوص مسرحياته، ابتغاء الدقة في وصف دوافعها وتطوّرها الدرامي. وآمن عالم النفس، كارل يونغ، بالقوة الوصفية لعلم التنجيم، في تحديد ماهية العقل البشري، حتى في الموسيقا تم استخدام الأبراج الفلكية وعلم الأرقام في التوزيع الأوركسترالي.
أفكّر أحيانا بقطّتي: هل يخطر للقطط، ذات الميل الفضولي، أن تسعى إلى معرفة ما ستكون عليه حياتها في القادم؟ وهل المعرفة مختصّة فقط بالجنس البشري؟ ألا تملك باقي الكائنات الحية إدراكها الخاص الذي لا نعرفه نحن البشر؟ ومَنِ الأكثر طمأنينةً، نحن البشر، أم باقي الكائنات الحية؟
العربي الجديد