الأسد الذليل -مقالات مختارة –
في قابلية السوريين للاحتلال/ عمر قدور
صار مألوفاً مشهد بشار الأسد الذليل أمام بوتين، ومعه ترتفع عن حق أصوات بعض المعارضين لتسخر من السيادة الوطنية التي يتشدق بها أنصاره. وصار من مألوف الحالة السورية أن ترتفع أصوات الأسديين بالحديث عن السيادة مع كل تصعيد عسكري جديد إزاء المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، وأن تختفي أصواتهم أيضاً مع كل تفاهم روسي-تركي على التهدئة. الاعتراف بإدارة موسكو معارك قوات الأسد، إذا أتى، يأتي مقروناً بالإشارة إليها كحليف، مع إدراك الجميع أن علاقة التحالف مختلفة جداً عن علاقة التبعية. ذلك أيضاً يصحّ على مجمل الفصائل الخاضعة للنفوذ التركي، والتي لا تمتلك قرارها الخاص بالقتال أو عدم القتال، ولا تمتلك خطوط الإمداد أو العتاد الضروريين ليُبنى عليهما قرار مستقل.
لقد اعتدنا على مقولة إفلات السوريين قرارهم المستقل لصالح قوى الخارج المتنفذة في الشأن السوري، وأخطر ما في الاعتياد التسليم بأن هذه الوضعية غير قابلة للتغيير، ولا أمل من محاولة التفكير في تغييرها. انصياع السوريين للاحتلال، كلٌّ في موقعه الذي يفرض عليه قوة خارجية ما، أمر قد يثير الاستغراب، ما يُفهم معطوفاً على عقود من الانصياع للاستبداد الأسدي، ثم الفشل في إسقاطه. المقاربة التي نفتقد الاتفاق عليها هي أن الاستبداد، كسلطة إكراه لإرادات الشعب، هو بمثابة احتلال داخلي لا يستجلب نظيره الخارجي بفعل ضعفه فحسب، وإنما يستدعيه أيضاً بفعل القرابة اللصيقة بينهما.
لقد بدأت بعد التدخل العسكري الروسي تلك المقارنة التي تمنحه أرجحية إزاء نظيره الإيراني فأنصار الأسد بحسب غالبية ما يُشاع يفضّلون الاحتلال الروسي على نظيره الإيراني، هذا هو فحوى المقارنة. الإيرانيون يعتمدون على الميليشيات بينما تفضّل موسكو اعتماد الجيوش النظامية؛ هذا وجه أخر لا يتوانى، ولو مواربة، عن إبراز الجانب “الحميد” من الاحتلال الروسي مقارنة بنظيره الروسي.
هناك في أماكن سيطرة الأسد من يفضّلون إمساك موسكو مباشرة بمفاصل السلطة حتى على إمساك الأسد بها، وهناك في مناطق سيطرة الفصائل التابعة لأنقرة من يتمنون إمساك الأخيرة بالسلطة بدل وكلائها، وهناك أيضاً من تمنوا ويتمنون سيطرة أمريكية مباشرة بدل الاعتماد على ميليشيات قسد. اشتهاء الاحتلال، بدل تسلط أدواته المحلية، هو جانب آخر يجدر أخذه في الحسبان، فالسوري يملك من المبررات والدوافع ما يجعله عديم الثقة تماماً بسلطات الأمر الواقع المحلية، ويفضّل عليها سلطات أمر واقع خارجية.
نعلم أيضاً أن الاتجاه السائد، لدى الموالين والمعارضين وما بينهما، هو انتظار تفاهمات مختلف قوات الاحتلال على تقاسم النفوذ في ما بينها، أو على تسوية تلحظ في الدرجة الأولى مصالح تلك القوى. الاستقالة من الحديث عن أي قرار سوري مستقل مفهومة بدورها على خلفية التحطيم الذي تعرضت له إرادة التغيير أولاً، ثم التحطيم الذي تعرضت له إرادات عموم السوريين. إقامة التفاضل بين قوى الاحتلال واختيار كل طرف ما يناسبه منها يعكسان أبلغ ما يمكن أن يصله شعب من فقدان الثقة بكافة تمثيلاته المحلية المفترضة. لو أخذنا تجربة الحرب الأهلية اللبنانية مثالاً، لن نجد ذلك الانعدام المطلق للثقة، على رغم من بروز أمراء حرب، وعلى الرغم من ارتهان قادة الحرب لأجندات خارجية متضاربة، مع ضرورة الانتباه إلى عمق الانقسام اللبناني زمنياً قياساً إلى نظيره السوري.
ليس الاستبداد “بوصفه احتلالاً داخلياً” وحده ما يمنح شقيقه الخارجي مشروعية، ويمهد السبيل أمامه. ثمة أيضاً الحرب الأهلية التي تجعل لكل طرف فيها مصالحه وتوجهاته الخارجية المغايرة لخصومه، وقد رأينا لزمن طويل هذا التضارب في التوجهات الخارجية لدى مختلف القوى والطوائف اللبنانية، بحيث يصعب اتفاق الداخل اللبناني من دون اتفاق القوى الإقليمية والدولية الراعية لأفرقائه.
عشية انطلاق الثورة، نستطيع الزعم بأن نسبة غالبة من السوريين لم يكن لديها خلاف جوهري مع السياسة الخارجية لسلطة الأسد، والخلاف برز أولاً مع تدخل حزب الله وإيران ضد الثورة، وصار استدعاء تحالفات خارجية من قبل المعارضة بمثابة ضرورة للمواجهة، بخاصة مع غياب الحماية الأممية ممثلة بالأمم المتحدة. بتوالي الزمن والأحداث، سيكون لهذا الافتراق شأن آخر، وسينعكس بمراجعة تلك النسبة لمواقفها السابقة من السياسة الخارجية للأسد، وأيضاً بمراجعة ما كان يُعدّ جزءاً من وجدانها. هكذا مثلاً تراجع العداء التقليدي السابق للغرب بين المعارضين مع صعود النزوع الليبرالي على حساب تجارب القدماء منهم التي غلب عليها طابع اليسار، ورغم كل مآخذهم على ما يعتبرونه تخاذلاً للغرب إزاء الثورة. الرؤية السابقة للصراع مع إسرائيل تغيرت، لا فقط بسبب استثمار المحور الإيراني فيها، ولا فقط بسبب المواقف السلبية للقيادات الفلسطينية من الثورة السورية، إنما أيضاً بسبب تقدم قضية الحرية التي كانت مغيَّبة لصالح مزاعم التحرر الوطني والتحرير.
إن تقبّل فكرة الاحتلالات لا ينم فحسب عن فقدان الثقة بالنفس والآخر، بل ينم أيضاً عن الانهيار الداخلي للصراع، فالمسألة لم تعد صراعاً سورياً هيمن عليه صراع خارجي. الصراع السوري نفسه أصبح مركّباً، وبات من ماضيه ذلك الانقسام الأول بين موالاة وثورة. الانقسام تفاقم خلال سنوات، ليصبح له مستوياته الداخلية والخارجية، والتحالفات المبنية على الانقسام غير مؤقتة أو عابرة. على الأقل، لن تكون كذلك طالما أن وجود رواية سورية مشتركة لما حدث أمر شبه مستحيل.
صور الإذلال الذي يقبل به بشار مقابل الإذلال الذي يقبل به معارضون، وألا يخدش هذا الإذلال المزدوج حياء المعنيين به خلف هؤلاء الأشخاص وألا تظهر قوى ترفضه بقوة، أمر ينبغي التوقف عنده لأنه سيؤسس لشبكات القوة وعلاقات المصالح المستقبلية ضمن المستقبل السوري المنظور. قد يُستبدل بشار ببشار آخر مطواع على شاكلته أو أكثر، وقد تُستبدل وجوه المعارضة بوجوه أخرى تزيدها تهافتاً، ولا يُستبعد أن تقوم التسوية الخارجية على ذلك الخليط من البدلاء بالاستناد إلى تقبّل عام لفكرة التبعية. هي إهانة للنفس أن يُنظر إلى بشار كممثل للسيادة المنتهكة، وحتى أن يُنظر إلى بعض المعارضين كممثلين لقرار وطني يُنتهك، فالأصل أن تكون السيادة لأولئك الذين يسخرون ممن لا يستحق تمثيلها على الجانبين.
المدن
—————————————–
الطقم الضئيل لبشار الأسد/ عمر قدور
هناك طرفة كانت تُروى عن ديكتاتور رومانيا نيكولاي تشاوشيسكو مفادها: أنه في زيارة له إلى الكرملين أُبدى إعجاباً شديداً بطقم الديكتاتور السوفيتي بريجنيف، فأمر الأخير بجلب خيّاطه الخاص ليخيط طقماً مماثلاً لضيفه. كان الخياط ماهراً جداً، فأنجز الطقم بإتقان وسرعة قياسية، ليظهر به تشاوشيسكو في اليوم التالي لزيارته. الأهم بالنسبة للأخير كان أن يرتدي ذلك الطقم البريجنيفي متباهياً أمام جماهير المغلوبين في بلده، والمفاجأة أنه عندما حاول ارتداءه في قصره في بوخارست لم يتمكن من ذلك بسبب ضآلة الطقم. بُهت تشاوشيسكو أمام الطقم السحري، وراح يؤكد لزوجته “إلينا” أنه ارتداه وخرج به إلى جانب بريجنيف في موسكو كما تُظهر الصور، وكان على مقاسه تماماً. ضحكت إلينا، التي لم تكن سمعتها بين الشعب الروماني أقل سوءاً من سمعة زوجها، وقالت: لا يوجد سحر في الأمر والخياط ماهر حقاً، هذا الطقم الضئيل هو مقاسك الفعلي عندما تنكمش وتتصاغر أمام بريجنيف.
لدينا عربياً هتاف يعادل النكتة الرومانية، فاللبنانيون رفعوا أيام الوصاية الأسدية هتاف “أسد على لبنان.. أرنب في الجولان”، قبل أن ينتشر بصيغة معدّلة بين السوريين بعد اندلاع الثورة. مع ذلك تبقى النكتة الرومانية متميزة على صعيد المبالغة، ولها أرجحية رصد أثر ذلك التصاغر على فيزيك المعني به، ومن المناسب استرجاعها مع صور اللقاء الأخير لبوتين ببشار الأسد في دمشق، والانتباه إلى ملامح الأخير المرتبكة الباهتة، والتي تُظهره ضئيلاً إزاء صاحب الضيافة “بوتين” على الرغم من طول القامة الذي يبقى شكلياً.
إمعاناً في إذلاله، تنشر موسكو صور اللقاء على دفعات، هكذا أتت متأخرة عن قصد صورة بوتين وهو يستقبل بشار عند باب القاعة، لا عند المدخل الرئيسي للمقر الذي تحتله قواته. أما غياب أي رمز من رموز السيادة المزعومة لبشار فقد أصبح تقليداً، رأيناه من قبل في اللقاء بين الاثنين وأيضاً في لقاء بشار بخامنئي. ثم إن التعريض ببشار، على خلفية هذه الشكليات، بات نوعاً من التسلية والتفكّه ليس إلا، لأن من استدعى قوى الاحتلال وأصبحت هي الآمرة الناهية في البلد لن تضيره إهانة من هذا القبيل. أيضاً لدينا في موروثنا أمثولة مفادها أن الضفدع لا يتأذى ببصقة.
سلوك بوتين المهين لبشار هو سلوك نموذجي، فاللقاء به هو لا يتعدى كونه لقاء مجاملة، ولا بأس في إحضاره كضيف يرى جانباً “من المؤكد أنه الجانب الذي لا يحتوي أسراراً” من عرض لإنجازات قوات الاحتلال الروسية في سوريا. زيارة بوتين هي في الأصل زيارة بروتوكولية لقواته عشية عيد الميلاد بحسب التقويم الأرثوذكسي، وبها يقوم بوتين بتقليد غربي معروف، حيث يعايد الرؤساء قواتهم التي تكون في حالة حرب خارج الحدود. هكذا، كي لا نعطي بشار الأسد أكثر من حقه، كان استدعاؤه للقاء بوتين تفصيلاً عرضياً ضمن زيارة تخص البيت الداخلي الروسي، وكذلك هي إهانته التي يمكن اعتبارها تفصيلاً صغيرة من تفاصيل المناسبة ذاتها.
لكن، في سياق ما أصبح معتاداً، ينبغي لنا الانتباه إلى الإصرار الروسي على تأكيد إهانة بشار مع كل مناسبة. قد نحيل جانباً من التأكيد إلى الطبيعة الشخصية لبوتين نفسه، فهو لا يوفر فرصة في بلاده لإهانة خصومه، ولا بد أن متصاغراً مثل بشار يُعدّ فريسة مناسبة يرضي بها نرجسيته. إلا أن الطبيعة الشخصية لبشار تفسّر لنا الجانب الآخر، وهي لا تتوقف عند استعداده للرضوخ أمام حاميه. ما يفهمه بوتين جيداً هو ذلك الجانب المتذاكي في شخصية بشار، الجانب المتلازم مع الاعتياد على الكذب، فوفق التذاكي الذي يمارسه بشار يظن نفسه لعوباً قادراً على القفز على حبال قوتي الاحتلال الروسية والإيرانية، والاستفادة من تناقضاتهما وتنافسهما.
لا يُستبعد أن يكون بشار سعيداً حتى بتناوب موسكو وطهران على توجيه الإهانات له، فالتناوب يضمر تنافسهما على السيطرة التامة عليه، ويمنحه الأمل بالنجاة من بين شقوق هذا التنافس يوماً ما. ربما يكون للإهانة الروسية الأخيرة مغزى إضافياً، إذا أردنا تحميلها ذلك، وهو مجيئها بعد اغتيال قاسم سليماني الذي كان عرّاب الاحتلال الإيراني بعد انطلاق الثورة، وحتى عرّاب تبني بقاء بشار في السلطة، يشاركه في ذلك رجل خامنئي الآخر حسن نصر الله. من المتوقع أن يكون بوتين مسروراً باغتيال سليماني، وبأية ضربة أمريكية تضعف حليفه الإيراني، لأنها ستقلل من قدرة طهران على التنافس وتجعلها بحاجة أشد إلى التحالف مع موسكو. لا يريد بوتين مواجهة مع طهران في سوريا، وهذا مطلوب منه أمريكياً وإسرائيلياً، أما إذا تولى الجانبان المهمة فسيكون مسروراً، وسيتلذذ حينها بإهانة بشار بلا منازع.
ربما أخبر بوتين تابعه ببعض الجوانب التي تتعلق بلقائه اللاحق بأردوغان، لكن يبقى الأقرب إلى التصور الواقعي أن يرسل له التعليمات كي يلتزم بها بعد انفضاض اللقاء مع الجانب التركي. تتالي الحدثين لا مغزى له باستثناء ترتيبات السفر الخاصة ببوتين، وهو بالتأكيد لا يكترث بأنصار أردوغان من السوريين الذين سيقارنون بين الظهور الذليل لبشار والظهور البروتوكولي لأردوغان كأي رئيس إلى جانب بوتين، للتأكيد “الذي أصبح معتاداً أيضاً” على الفارق النوعي بين معبودهم ومعبود خصومهم، وكأن ضآلة بشار أصبحت معياراً يُقاس عليه القادة الآخرون.
بالعودة إلى النكتة الرومانية، من المفيد التذكير بأن تشاوشيسكو، الضخم على شعبه والقزم أمام بريجنيف، كان أقرب أصدقاء حافظ الأسد من ضمن المنظومة السوفيتية البائدة. سمعة تشاوشيسكو ضمن المعسكر السوفيتي نفسه لم تكن جيدة، فهو كان أقسى القادة وأكثرهم توحشاً إزاء شعبه، وهو الوحيد الذي لاقى مصيراً عنيفاً وقت انهيار المنظومة السوفيتية، إذ حُكم هو وزوجته بالإعدام خلال محاكمة استمرت ساعة، ونُفّذ الحكم رمياً بالرصاص على عجل. لم يكن لدى تشاوشيسكو تميز يُعجب به حافظ الأسد سوى قمعه الشديد للشعب الروماني، فهو مثلاً استورد فكرة الطلائع من كوريا الشمالية وفكرة الشبيبة من الاتحاد السوفيتي، ولا ندري ما إذا كان تشاوشيسكو قد أسرّ له بفكرة حيازة أطقم بقياسات مختلفة يناسب كل منها حجمه بالمقارنة مع القادة الذين يلتقيهم. ما هو مؤكد أن طقماً من أصغر قياس صار فضفاضاً على الوريث، الوريث الذي لا تتعدى قيمته، لو ذهب إلى تشييع سليماني، أن يكون بين عشرات لا نعرف أسماءهم أودى بهم التدافع الذي حصل أثناء الجنازة.
بروكار برس
————————————–
بوتين في دمشق: شتان بين شمعة الكنيسة وخطّ الغاز!/ صبحي حديدي
التمثيلات المسيحية الأرثوذكسية، التي رافقت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة السورية دمشق، لم تكن زخرفة عابرة تتوازى مع، أو حتى تستكمل، ملاطفة المسلمين عبر الجولة في الجامع الأموي؛ ويصعب أن تكون عابرة بروتوكولية، أو رمزية فقط، ما دامت قد اقترنت بيوم الميلاد الأرثوذكسي تحديداً، وزيارة الكاتدرائية المريمية حيث مقرّ كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس (قرابة 12 مليون من الرعايا، بين سوريا ولبنان والعالم). ذلك لأنّ بركة البطريركية الأرثوذكسية الروسية كانت في عداد أبرز العناصر الداخلية التي يسّرت صعود بوتين في هرم السلطة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وسرعان ما انقلبت العلاقة إلى حال من التحالف الوطيد، اتخذ لاحقاً صفة جيو ــ سياسية كونية حين تلازمت عودة الكرملين إلى استئناف قطبية الحرب الباردة، مع ترقية دراماتيكية لدور البطريركية الموسكوفية على نطاق العالم المسيحي.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2018 كان هذا الحلف قد تلقى ضربة قاصمة حين أحرزت الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا استقلالها عن البطريركية الروسية، التي ظلت الأمّ منذ سنة 1686 بموجب مرسوم أصدره زعيم الكنائس الأرثوذكسية البطريرك المسكوني برثولوميو، وشهدت تسليمه كاتدرائية سان جورج في اسطنبول؛ ليس من دون مغزى بيزنطي عميق يخصّ المكان، غنيّ عن القول. ويومذاك استدعى بوتين مجلس الأمن القومي الروسي في منتصف الليل لمناقشة الخطوة، التي لم يتردد في التحذير من أنها «يمكن أن تريق الدماء»، وترقى إلى مستوى الانشقاق العظيم الذي وقع سنة 1054 وأسفر عن انقسام المسيحية إلى كنيسة غربية وأخرى شرقية. ولا غرابة في هذا، بالطبع، لأنّ روسيا تعدّ ثلث الـ300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم الراهن؛ ومنذ سنة 988، حين اعتنق فلاديمير الأعظم العقيدة، ظلت الكنيسة الروسية تطمح إلى موقع «روما الثالثة»، بعد روما والقسطنطينية، فلماذا يتلكأ في متابعة المهمة فلاديمير هذه الأيام، بوتين، وهو السعيد بلقب «قيصر روسيا» المعاصر؟
غير أنّ حكاية التمثيلات الأرثوذكسية التي اقترنت بزيارة بوتين إنما تكتسب أكثر من بُعد واحد، سوريّ محليّ هذه المرّة؛ يتجاوز انحياز كنيسة أنطاكية التاريخي للنظام عموماً، ولآل الأسد خصوصاً؛ ويتصل بخيارات موسكو في السياسة الإقليمية، على نطاق أعرض،؛ وطبائع العلاقات مع نظام بشار الأسد، وشخصه، منذ التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا، خريف 2015. ثمة، أوّلاً، حقيقة إحصائية أولى تشير إلى أنّ بوتين لم يسبق له أن قام بزيارة إلى العاصمة السورية منذ أن تبوأ موقع الرئاسة في روسيا، مقابل زيارات عديدة قام بها إلى دول المنطقة، ودولة الاحتلال الإسرائيلي على وجه التحديد. زيارته اليتيمة السابقة كانت إلى مطار حميميم، قبل ثلاث سنوات، لتفقد القوات الروسية التي حوّلت الموقع إلى قاعدة روسية، ويومها سرّب الكرملين ذلك الشريط المهين الذي يصوّر حرس بوتين وهم يمنعون الأسد من مرافقته أثناء المراسم؛ كما سُرّبت فقرات من ترحيب الرئيس الروسي بالضابط في جيش النظام سهيل الحسن، الملقب بـ«النمر»، على نحو تضمّن مهانة جلية واستهانة بشخص الأسد.
وأمّا الزيارة الرئاسية الروسية، الوحيدة السابقة، فقد قام بها ديمتري مدفيديف، صيف 2010، وكانت الأولى لأيّ رئيس في عهد الاتحاد الروسي. يومها شدد الزائر على «تفعيل الحوار السياسي المتعدد الأبعاد»، و«إقامة نظام عالمي عادل يقوم على سيادة القانون الدولي، ومساواة كل الدول ـ أكانت كبرى أم صغرى ـ والتعامل بينها من أجل حلّ القضايا العالمية، بما فيها التحديات والمخاطر الجديدة التي نواجهها في القرن الحادي والعشرين». كان لافتاً، كذلك، تذكيره (خلال مؤتمر صحافي مع الأسد) على أنّ العالم بأجمعه قدّر «القرار البعيد النظر» الذي اتخذه حافظ الأسد في «خياره الستراتيجي لمصلحة التسوية السلمية في الشرق الأوسط»؛ منوّهاً بأنّ الأسد الابن إنما «يتابع مسيرة والده، فيما يتعلق بالتقدّم نحو هذا الهدف». ولم يفوّت مدفيديف فرصة التأكيد على دور روسيا، بصفتها العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي وعضو «الرباعية» الشرق الأوسطية، في بذل «جهودها الجادّة من أجل المساعدة على إعادة إطلاق الحوار العربي ـ الإسرائيلي».
وهذا تفصيل يحيل إلى الفوارق في السياسات الروسية الإقليمية، بين علاقة موسكو مع النظام السوري، من جهة أولى لا تخفى فيها أنساق اختلال التوازنات من حيث تبعية النظام التي تزداد وتضطرد؛ وعلاقات موسكو مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في عهد بنيامين نتنياهو، حيث لا تخفى أيضاً أنساق التفاهم والشراكة، من جهة ثانية؛ وعلاقات موسكو مع تركيا، في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خاصة، حيث تفاهمات الشراكة أعلى بكثير من خلافات الافتراق، من جهة ثالثة. هذا إذا وضع المرء جانباً علاقات موسكو مع المملكة العربية السعودية، كما تنامت على نحو دراماتيكي خلال زيارة بوتين إلى الرياض في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حيث لم يفت سيّد الكرملين التذكير بعلاقات روسية ــ سعودية عمرها 90 سنة، وأنّ التبادل التجاري بين البلدين ارتفع بمعدل 15٪ خلال العام. وبينما أشعل شمعة في الكاتدرائية المريمية في دمشق، ثمّ بدا أشبه بقيصر يتفقد قواته على أصقاع نائية بعيداً عن مركز الإمبراطورية؛ فإنّ بوتين، في محطته التالية اسطنبول، دشّن خطّ الغاز «ترك ستريم» الذي يربط بين روسيا وتركيا؛ وشتان بين شمعة روحية هناك، وأنبوب طاقة ستراتيجي هناك!
وكانت محقة انتباهة كثير من السوريين، في أوساط الموالاة قبل المعارضة، إلى هذه الجولة الجديدة من امتهان الرئيس الروسي لرموز «السيادة الوطنية» السورية؛ مستذكرين تلك الجولة الأولى في مطار حميميم، حين استُدعي الأسد إلى القاعدة الروسية على عجل، ومن دون إخطار مسبق تقتضيه أبسط الأعراف الدبلوماسية. في دمشق تمّ الاستدعاء إلى ما سُمّي بـ«مقرّ فريق القوات المسلحة الروسية في سوريا»، الذي غاب عن جنباته أيّ رمز يدلّ على وجوده في سوريا، وليس صور «القائد إلى الأبد حافظ الأسد» وحدها، ولا صورة نجلَيْه باسل الأسد وبشار الأسد أيضاً، بل غاب حتى علم النظام أو بيارق ما تبقى من جيشه. ويصعب، إلا عند المطبّلين للنظام، أن يكون الأمر إهمالاً من جانب الفريق الروسي، أو سهواً عن تدابير بروتوكولية بسيطة ولكنها حاسمة؛ فالأمر ببساطة، هنا كما كان في حميميم، تذكير صريح بأنّ هذه على وجه الدقة هي طبيعة العلاقة بين نظام تابع وقوّة عظمى محتلة تعهدت إنقاذه وتتولى اليوم تسييره.
يصعب، كذلك، إهمال حقيقة أخرى بسيطة تفيد بأنّ بوتين لم يكن قادماً إلى دمشق أصلاً، عن سابق قصد وتصميم، بل كانت اسطنبول هي محطته الكبرى الأهمّ، لافتتاح خطّ الغاز؛ فلم يجد ضرراً (فما بالك أن يرى مانعاً!) في أن يعرّج على جيشه وضباطه المرابطين في سوريا، أهمّ معاقله الشرق ــ أوسطية حتى إشعار آخر، فيكرّم من خلالهم بطريركية موسكو وسائر الأرثوذكس. وما دامت المصادفة شاءت أن تترافق زيارته مع التسخين الأمريكي ــ الإيراني، وحديث العالم عن مخافر الوليّ الفقيه في العراق ولبنان وسوريا واليمن؛ فلِمَ لا يذكّر بوتين العالم إياه بأنّ المخفر هنا، في سوريا، روسي أوّلاً، وأنه السيّد فيه، والوليّ الآمر، ومالك الأوراق الأكثر تأثيراً على الطاولة؟ وكيف، بالفعل، لا يتذكر جميع المعنيين بالمنطقة، إقليمياً وعالمياً، بأنّ «القيصر» بارع في الجمع بين سوريا وتركيا وليبيا، علانية؛ مع مصادقة، ضمنية أو علنية، من واشنطن وتل أبيب؟
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
————————————
رسائل بوتين الجدّية من دمشق/ مصعب النميري
تتجه عيون المراقبين هذه الأيام، بحذر، إلى المنطقة، في محاولة لاستقراء المشهد الذي يُعاد تشكيله من جديد، على ضوء الضربة العنيفة التي تعرضت لها إيران بمقتل سليماني وعدد من قادة الميلشيات الإيرانية، قبل أيام، بغارة أميركية في العراق.
وقد أحدثت هذه الضربة خضّة كبيرة، إذ أنها جاءت مفاجئة للجميع، وتضمنت لهجة تصعيدية واضحة، وأكدت أن العقوبات لم تعد السلاح الأوحد الذي تستخدمه الولايات المتحدة ضد إيران. ذلك أن سليماني هو «رأس الأفعى» الإيرانية، الذي قطفته واشنطن بغتة، دافعةً طهران وبعض حلفائها إلى التهديد بـ«الرد القاسي» و«الحرب الكبرى»، تاركةً حليفها السوري نهباً لمخاوف من انكشاف الظهر أمام السكين مع احتمالات سقوط الدرع الإيراني.
بوتين في دمشق للمرة الأولى منذ 2011، في زيارة أُجريت يوم أمس، وجاءت مفاجئة بالاتساق مع الحدث الساخن، والتقى فيها بوتين بالأسد في العاصمة السورية، للمرة الأولى أيضاً، بعد أن كانت زياراته السابقة تقتصر على قاعدة حميميم العسكرية، هذا إذا لم يكتف بإرسال مندوب عنه إلى دمشق، وهي زيارات لم تَخلُ أيٌّ منها من إشارات إلى مدى الاستهانة التي يُبديها زعيم الكرملين بالأسد شخصياً.
وتأتي هذه الزيارة الخاطفة قبل أخرى لبوتين إلى تركيا، ويبدو أنها زيارة شخص أراد أن «يخطف رجله» استدراكاً وتوخياً لبلوى مُحتملة. وقد أعلن الكرملين، أن بوتين «التقى بنظيره الأسد، خلال زيارة إلى العاصمة، في مركز القيادة في دمشق، واستمعا إلى تقارير عسكرية حول الوضع في البلاد، بعد متابعة عرض عسكري». وأشار موقع المدن إلى أن اللقاء «تم في مقر الأركان القديم بالقرب من وكالة سانا، والذي بات مقراً لإدارة العمليات الروسية في سوريا»، تزامناً مع استنفار أمني شديد في عدة مناطق. ونشرت صفحات موالية للنظام صوراً لزيارة بوتين إلى الجامع الأموي وضريح القديس يوحنا المعمدان، فيما أفاد شهود بأنه «تجول في أحياء دمشق القديمة».
النظام السوري هو الحليف الأبرز لإيران، الذي صمد بعد أن كان على وشك السقوط بسبب دعم طهران وسليماني شخصياً، والدعم الروسي لاحقاً. وهو الحليف الذي يترقب اليوم بعيون ذاهلة علامات تصدع جسر الإمداد الإيراني، بعد مقتل مهندسه.
في العام 2005، كان النظام السوري على أبواب أزمة كبيرة بعد احتلال العراق، واغتيال الحريري، وصدور تقرير ميليس الذي يتهم الحكومة السورية بالمسؤولية عن الاغتيال. شعر النظام حينذاك بالخناق يضيق عليه، ودفع بملايين الطلاب والموظفين إلى شوارع العاصمة لإبداء التضامن الشعبي معه، في حملات تصدرتها عبارات «سوريا الله حاميها»، التي نطقها بشار الأسد بصوته المرتجف أثناء خطاب له في مجلس الشعب.
ولكن يبدو أنه لم يعد هناك مجال لشعارات واستعراضات مشابهة، ذلك أن طاغية دمشق يحتاج إلى من يطمئنه اليوم، وهو الأمر الذي تتكفّل به زيارة بوتين، بعد مقتل سليماني الذي كان مُتكفّلاً بمسألة رفع معنويات الحليف الضعيف، والتربيت على كتفه وإخباره أن كل شيء تحت السيطرة. وهي زيارة تفتح باب التأويلات على مصراعيه فيما يخص مستقبل سوريا، وسط احتمال تضعضع دور الحليف الإيراني، أو عدم تمكنه من الاضطلاع بالدور الذي كان يؤديه خلال الأعوام الماضية، وذلك بسبب الضائقة الاقتصادية الكبرى التي خلقتها العقوبات الأميركية، والاحتجاجات المتصاعدة في العراق ولبنان ضد النفوذ الإيراني، فضلاً عن مقتل الجنرال وتصاعد احتمالات المواجهة.
يُضاف إلى هذه العوامل كلها، الأحاديث العشوائية عن «تضارب المصالح الإيرانية-الروسية» في سوريا، والتأكيدات على أن هذا التضارب سيطفو على السطح يوماً ما، بسبب الاستراتيجيات المختلفة للوصيّين في إدارة المناطق الواسعة التي تمت السيطرة عليها.
تفيض زيارة بوتين، من حيث التوقيت والشكل، بالإشارات الجدية، الموجهة إلى من يهمه الأمر. يتجول شخصياً في دمشق، بعد مقتل الجنرال الذي أمّن القصر لساكنه، وبعد تصاعُد إشارات الاستفهام حول مصائر كل من/ما له علاقة بإيران في المنطقة المُشتعلة. وإذا كان الرد الإيراني الذي جاء فجر اليوم، بعد ساعات من زيارة بوتين إلى دمشق، رداً استعراضياً تسعى من خلاله إيران إلى حفظ ماء وجهها دون التورط في مواجهة شاملة، فإن الاتجاه العام للأحداث لا يزال يسير باتجاه تقلّص نفوذ إيران وتراجع فعاليتها خارج حدودها.
العبارة الضمنية التي يقولها بوتين في هذه الزيارة للجميع هي: «أنا هنا»، استباقاً لسيناريوهات قد يُستهدف بها النظام أميركياً إن كانت سوريا مسرحاً لمحاربة إيران، وهي سيناريوهات قد يسقط فيها النظام عن طريق الخطأ. ولكن ما لا يمكن البت به حتى الآن، هو ما إذا كانت روسيا ترى في الظروف الراهنة فرصة مواتية لسحب الملف السوري من يد إيران الغارقة في مشاكلها، ورسم ملامح المرحلة الجديدة مستغلّة انشغال الأنداد بحرائقهم.
موقع الجمهورية
——————————-
الجامع الأموي بين طهران وموسكو وأنقرة/ بكر صدقي
من المحتمل أن زيارة بوتين المفاجئة إلى دمشق، يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن مدرجة على جدول أعماله، بل تم اقحامها قبيل زيارته المعلنة إلى إسطنبول، في اليوم التالي، بعد التطورات التي شهدها خط التوتر العالي بين واشنطن وطهران منذ اغتيال قاسم سليماني ومهدي المهندس وصحبهما قرب مطار بغداد صباح الثالث من الشهر الجاري.
يمكن فهم الرسالة الموجهة إلى طهران، بواسطة زيارة دمشق الاستعراضية، من خلال ردة الفعل الإيرانية الغاضبة التي جاءت على لسان عضو مجلس الشورى علي مطهري الذي قال: “سلوك الرئيس بوتين في زيارته إلى سوريا كان مهيناً مثل زيارتي ترامب إلى كل من أفغانستان والعراق. فبدلاً من زيارة الأسد في مقر إقامته، جلس بوتين في القاعدة العسكرية الروسية في سوريا كي يلتقيه. قدم الآخرون الشهداء، وروسيا المستفيدة”.
أفترض أن مطهري أراد بهذا الكلام أن يغطي على السبب الحقيقي لامتعاض القيادة الإيرانية من الزيارة. فما همّ إيران من الطريقة المهينة التي عامل بها بوتين تابعه الأسد باستدعائه إلى القاعدة الروسية؟ أما استفادة روسيا من “تضحيات” إيران أو “شهدائها” فهي صيغة متفق عليها سلفاً حين ذهب قاسم سليماني شخصياً إلى موسكو، في 2015، طالباً من بوتين التدخل من أجل إنقاذ نظام بشار الكيماوي بعدما فشلت إيران بمفردها في هذه المهمة. فكانت الصيغة المتفق عليها هي مشاركة روسيا جوياً والميليشيات الإيرانية براً. فلا جديد إذن في استفادة روسيا مقابل استشهاد “الآخرين” كما قال مطهري.
أما الجديد الذي أثار الامتعاض فهو إجراء هذه الزيارة غير المسبوقة، بعد أيام قليلة على اغتيال قاسم سليماني، وكأن بوتين مستعجل على وضع اليد على تركة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، مستثمراً في العملية الأميركية لاغتياله أكثر من استثماره في “دماء الشهداء” المزعومين. فقد سبق لبوتين أن زار سوريا مرة واحدة، في العام 2017 وبالطريقة المهينة نفسها لبشار الكيماوي، ولكن في قاعدة حميميم العسكرية الروسية قرب اللاذقية، وليس في العاصمة دمشق. أما هذه فقد كانت حكراً على قاسم سليماني الذي كان يمر بها كلما احتاج الأمر، فيعطي تعليماته السياسية والعسكرية لبشار ويتابع طريقه إلى بيروت أو بغداد أو طهران.
إذن يبدو المشهد بكل عريه أمام الإيرانيين على النحو التالي: لم يكد بوتين يصدق مقتل سليماني حتى قرر زيارة دمشق التي يتوق إليها منذ سنوات! فالعقبة تمت إزالتها من قبل أحمق واشنطن الذي هاجت عليه المؤسسة الحاكمة وحاصرته وكالة الاستخبارات الأميركية، بسبب قرار تصفية سليماني، وسحب منه مجلس النواب صلاحية إعلان الحرب! في حين هبط بوتين بسلاسة في دمشق واستدعى بشاراً ليرافقه في زيارته إلى المسجد الأموي نكايةً بولي الفقيه!
وكانت الرسالة الثانية إلى أنقرة. قدم الصحافي مراد يتكين قراءة لافتة لزيارة بوتين إلى دمشق، حملت هذا العنوان المثير: “لم يتمكن أردوغان من زيارة الجامع الأموي، بوتين فعلها!” في إحالة إلى توعد أردوغان، في العام 2012، وكان رئيساً للوزراء، بالصلاة في المسجد الأموي في دمشق، بعد سقوط نظام بشار طبعاً. واستعاد يتكين كلام أردوغان في اجتماع عقد في مقر قيادة حزب العدالة والتنمية، في 5 أيلول 2012، وضم المجموعة البرلمانية الموسعة لنواب الحزب، حيث قال: “هناك وفد من حزب الشعب الجمهوري سيزور دمشق غداً، سوف ترون أنه لن يلقى الترحيب هناك. أما نحن، فسوف نزور دمشق في أقرب وقت حيث سنتعانق مع إخوتنا هناك. إنه يوم قريب إن شاء الله. سوف نقرأ الفاتحة عند ضريح صلاح الدين الأيوبي، ونؤدي صلاتنا في المسجد الأموي. وسندعو لإخوّتنا بحرية عند أضرحة بلال الحبشي وابن عربي، وفي المدرسة السليمانية ومحطة الحجاز”
يشير يتكين إلى أن وزير الخارجية آنذاك أحمد داوود أوغلو (رئيس حزب المستقبل الآن) كان قد زار دمشق والتقى ببشار الأسد، في تموز 2011، وعرض عليه إدخال عدد من أركان جماعة الإخوان المسلمين وزراء في الحكومة، بهدف إنهاء “الأزمة”. وإذ رفض الأسد هذا الاقتراح، توقع داوود أوغلو أن يسقط النظام خلال ستة أشهر كحد أقصى.
“الواقع أن نظام بشار بقي ولم يسقط، على رغم دمار البلد ومقتل مئات آلاف السوريين وفرار الملايين إلى الدول المجاورة” يعلق يتكين ثم يضيف: “علينا الإقرار بأن بوتين – تلميذ حيدر علييف في جهاز الاستخبارات السوفييتي – هو فنان بارع في الحرب النفسية. استعراض القوة الذي قام به في دمشق، عشية زيارته إسطنبول للمشاركة في افتتاح خط نقل الغاز الروسي (التيار التركي) كان للضغط على أردوغان في موضوعات خلافية في سوريا وليبيا والعراق”.
الرسالة الثالثة هي إلى الأميركيين، ومن ورائهم المجتمع الدولي: روسيا هي صاحبة اليد الطولى في سوريا، وحدها من غير شراكة حتى مع طهران! ومصير بشار الأسد هو في يد بوتين الذي يقرر وحده متى يمكن ويجب الاستغناء عن خدماته.
بالنسبة للإيرانيين، ليس جديداً عدم اكتراث موسكو بصراعاتهم الخاصة التي تقع خارج إطار الشراكة الروسية – الإيرانية – التركية. فلطالما غضت موسكو النظر عن الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا. موقف موسكو من اغتيال سليماني منسجم مع هذه السياسة الروسية: حلوا مشكلاتكم مع الأميركيين بأنفسكم.
أما بالنسبة لتركيا، فما زالت السياسة الروسية قائمة على منح الرئيس أردوغان فرصاً إضافية ووقتاً إضافياً بانتظار الحسم في المستقبل. في هذا الإطار يأتي قرار وقف إطلاق النار في كل من إدلب وليبيا. وذلك بسبب مراهنة بوتين على مزيد من إبعاد أنقرة عن حلفائها الأطلسيين.
تلفزيون سوريا
————————
ذلك المُهان/ خضر الآغا
سوريًّا، بات معروفًا أن مفردات مثل: إذلال أو إهانة أو تحقير، إلخ… حين تُطلق فإنها تخص النظام السوري -رأسه حصريًا. بدأ ذلك قبل أن يقوم بهذه المهمة الرئيس الروسي بوتين على نحو يقلع العين من وضوحه، بدأ منذ أن صرّح حسن نصر الله رئيس ميلشيا حزب الله أن الأسد كان سقط لولا تدخله، ومنذ أن عمّت تلك المقولة إعلام مدّاحي حزب الله، وبدأت أيضًا منذ أن وجه عناصر حزب الله المقاتلين في سوريا إهانات عديدة لكبار ضباط جيش النظام السوري نتيجة الخلافات على السيطرة على منطقة ما.
بدأ مع صفقات “تبادل الأسرى” بين مجموعات مسلحة مقاتلة والنظام حيث بدأت المبادلات بإطلاق معتقلين سوريين لدى النظام مقابل إطلاق أسرى إيرانيين لدى تلك المجموعات دون المطالبة بإطلاق جندي سوري واحد. أيضًا بدأ ذلك منذ أن تمت تنحية ضباط من جيش النظام عن قيادة عمليات هنا وهناك، وانتزاعها منهم من قبل الحرس الثوري الإيراني ومجموعات أخرى تابعة له. كذلك منذ أن أعلنت إيران أنها أنقذت نظام البراميل من سقوط محقق لولا تدخلها. والإعلان الايراني المتكرر بأن سوريا تحولت إلى محافظة إيرانية، وأن إيران تتحكم بأربع عواصم من بينها دمشق.
وسنعثر في التفاصيل على الكثير من ممارسات شتى تنطوي على إهانة النظام ورأسه، وسنكتشف أنها إهانات مقصودة على التوالي. فعندما تهين شخصًا فإن ذلك يعني أنك تجعله تابعًا لك تتحدد علاقتك به انطلاقًا من علاقة التابع والمتبوع. هذه العلاقة تحددها اللغة أيضًا. ففي اللغة يتبع التابع المتبوع في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع والإفراد، وفي حركات الإعراب أيضًا في الرفع والنصب والجر، إلخ… فلا شخصية للتابع، لا شكل له، ولا دور مستقلًا… إن وجوده مشروط بوجود التابع. هذا الوجود المشروط هو ما يحدد انصياع التابع على نحو مطلق لمتبوعه، إذ في اختلال العلاقة اختلال للوجود، وهذا ما يحرص عليه التابع كهدف وحيد.
اللغة أهانت التابع باضطراد وأطلقت عليه من الصفات ما لا يمكن أخذ واحدة منها على نحو إيجابي. وإمعانًا في إهانته تدخل الفقه القانوني ليجعل التابع مسؤولًا عن أعمال وتصرفات المتبوع على الرغم من أنه مجرد تابع بلا شخصية، وبلا مقدرة على التصرف. اللغة والقانون، بوصفهما من نتاجات البشر ومحددان لسلوك البشر أيضًا، شكّلا فضاء عامًا يحتقر التابع بلا هوادة.
ضمن هذه العلاقة، علاقة التابع بالمتبوع، تتحدد علاقة النظام السوري ورئيسه بإيران وميليشياتها، وبروسيا -بوتين حصريًا. فمنذ أن أعلنت روسيا، كباقي الأطراف المساندة للنظام، أنها هي التي أنقذته من سقوط محقق، لم تتوقف عن إهانة الأسد شخصيًا، ولم تتوقف عن إبلاغ العالم بذلك عبر بث الصور والفيديوهات التي تُظهر الأسد كـ”صبي” بوتين. وإمعانًا في إهانته جعلت الأسد يتلقى أوامر التحرك والتكلم ليس من بوتين شخصيًا فحسب، بل ليس من بوتين أبدًا، إنما من مساعديه! أعلن الإعلام البوتيني خلال أول زيارة يقوم بها الأسد لروسيا أنها أقلته بطائرة “شحن”! ثم واظبت على بث صور إهانته بلا توقف.
في الدول، خاصة تلك التي تتبع النظام الرئاسي، يأتي الرئيس في الدرجة الأولى كرمز لسيادة البلد وقوته، يليه وزير الدفاع كرمز للقوة. وسّع بوتين دائرة تحقيره لرموز النظام، فأضاف هذه المرة (خلال وجود بوتين الأخير، منذ أيام، في سوريا) رمز القوة وأهانه وهو وزير الدفاع. فبدا وزير الدفاع الروسي، كرمز لقوة روسيا، جالسًا بجانب رئيسه على كرسي مواز لكرسيه، فيما بدا وزير دفاع النظام جالسًا على كرسي صغير يظهر منه رأسه وكتفاه فقط، في إشارة إلى أن القوة الوحيدة في سوريا هي القوة الروسية. إضافة إلى صور وفيديوهات أخرى تُظهر مدى تقزّم الأسد وانكفائه واضمحلاله أمام بوتين، وتُظهر الاحتقار بوزير القوة عبر إلباسه فردة واحدة من حذاء الوقاية في قدمه! وهذه الصور والفيديوهات منتشرة بكثرة بين السوريين وغيرهم في وسائل الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
التابع مُهان. وهذا ما تقوله اللغة والقانون والتاريخ والواقع الراهن.
السوريون ينسبون صفة المُهان للنظام ورأسه، المعارضون والمؤيدون أيضًا، لكن المؤيدين يبررون ذلك بأن الحرب تقيّد عمل البروتوكول. إلا أننا لسنا أمام انهيار بروتوكول بسبب الحرب، بل أمام سلسلة لا تنتهي من الإهانات المكشوفة والعلنية والتي لا تقبل تأويلات أخرى. فليست عملية بروتوكولية أن يجلس وزير دفاع على ذلك الكرسي المهين، وليس بروتوكول أن يتقدم بوتين الجميع ويدخل مقر قواته في دمشق ويلحقه الأسد كأنه عنصر مرافقة! الصور والفيديوهات التي بثها الروس تقصدوا منها إظهاره كمُهان، وليس متجاوزًا لأي بروتوكول.
روسيا تعمدت بث صور وفيديوهات الإهانة بإصرار، ولم تبث صورة واحدة ولا فيديو واحد يظهر فيه الأمر على أنه مجرد تقييد لبروتوكول.
الترا صوت
———————————-
بوتين يعلن سورية إقليماً روسياً/ غازي دحمان
لا يكترث الرئيس الروسي، بوتين، لخاطر معجبيه ومحبّيه في المشرق العربي، ومنهم من سمّاه أبو علي. يصر، وفي كل الظروف، على إحراجهم أمام مواطنيهم الذين يقفون على الضفة الأخرى، بتصرّفاته التي تذكّرهم دائماً بتدنّي أهميتهم، من خلال تقزيم دور زعمائهم (أيقوناتهم) وفعاليتهم، والإصرار على أن ما حصل في سورية من انتصار أنتجته عقول الروس وسواعدهم، وليس الآخرون سوى مشجّعين على مدرجات ملعب العمليات. ولا يكترث بوتين لتشاوف هؤلاء على مواطنيهم، وتعييرهم بالمهزومين والتكفيريين، وأحيانا كثيرة، بالعملاء للخارج، مقابل وصف أنفسهم تنويريين ووطنيين وأصحاب السيادة، وبأنهم جزء من محور عالمي يمتد من الصين وروسيا إلى فنزويلا، ويعمل على تغيير قواعد النظام الدولي الحالي، وتسيّده في السنوات المقبلة. لا يراعي بوتين مشاعرهم، حتى لو بلفتة بسيطة عبر تخفيض كمية الإذلال الموجهة لأحد رموزهم، بشار الأسد.
ما لا يعيه هؤلاء أن بوتين، السياسي الذي ترعرع في أجهزة المخابرات السوفييتية، وأدار السياسة الروسية أكثر من عشرين عاماً بأسلوب العرّابين ورجال المافيات، ليس لديه قلب. وبالتالي لا يعرف العواطف ومراعاة المشاعر، لا يرى هؤلاء المعجبين ورموزهم، وهو حينما يتعمّد إظهار بشار الأسد بهذه الصورة الهزيلة، فالقصد توظيفها في سياق إبراز أهميته لاعبا دوليا كبيرا في ساحة الصراع العالمية وتنافس المشاريع الجيوسياسية، وحسابات الأرصدة الاستراتيجية.
هنا تختلف حسابات بوتين، وتختلف الجهات التي يرغب بإيصال الرسائل إليها، مثل هذه الصورة التي ظهرت في دمشق، لرئيس دولة أجنبية يستضيف في مقرّ قواته من يفترض أنه رئيس هذه الدولة، هي إشارة إلى أولئك الذين يفاوضهم بوتين على دور روسيا وحصصها ومكانتها التي يجب أن تكون في النظام الدولي، فهو، وفق هذه الصورة، يقبض على دول، بكامل جغرافيتها وديمغرافيتها، يحوّل زعماءها إلى ألعوبة بيديه، ويتحكّم بمستقبلاتهم ومستقبلات دولهم. ولهذه الصورة أثمان، خصوصا أنه يتعمد التقاطها، وقاسم سليماني، الحاكم السابق للمشرق العربي، لم يوار في التراب بعد، وكأنه يقول الأمر كله لي الآن، لا شريك لي في سورية، ولم تعد إيران التي بات جنودها في العراء تلك الليلة، خوفاً من الاستهداف الأميركي لهم، ندّاً أو منافساً لي أنا الذي ينزل إلى مقر قواته، وليس ضيفاً على بشار في قصر ضيافته.
لم يزر بوتين، خلال نزوله إلى دمشق، أي مكانٍ له رمزيةٌ سياديةٌ سورية، حتى لا يمنح بشّار دور المضيف ولو لحظة. وطوال فعاليات الزيارة وبرنامجها كان الأخير مجرّد مرافق لا لزوم له. ومنذ لحظة نزول بوتين إلى دمشق خلع بشار صفته الرئاسية وسار في شوارع دمشق وزار أمكنتها التي حرم منها منذ بداية الثورة، متعاطياً مع الأمر أنه فرصة للترويح عن النفس وزيارة دمشق القديمة.
وليس بعيداً عن هذا السياق، ثمّة بُعد رمزي للزيارة، كان حاضراً في ذهن بوتين، فالرجل يصل إلى دمشق، في ختام مرحلة جرى خلالها نقل ملكية أصول الدول السورية لثرواتها إلى الطرف الروسي، تحت عناوين متعدّدة: استثمار أو تطوير أو استئجار، حيث وضعت الشركات الروسية يدها على حقول النفط والغاز والفوسفات، والموانئ، والمطار الدولي، ومصنع السماد، بالإضافة إلى السكك الحديدية، حتى أن هدف حربه أخيرا على إدلب السيطرة على طريق التجارة الدولي الرابط بين حلب والساحل السوري، ويفاوض تركيا على إكمال السيطرة على الطريق الذي يصل سورية بالعراق، من منبج إلى القامشلي. ومن شأن الطريقين، وحسب تقديرات صحيفة أزفستيا الروسية، تأمين خمسة مليارات دولار عوائد ورسوم ترانزيت.
هذه الثروات التي كانت تتقاسمها عائلتا الأسد ومخلوف والمقربون منهما، ستكون ثمن بقاء هؤلاء على قيد الحياة، وثمن عدم مثولهم أمام محاكم جرائم الحرب، تلك التي كلفت روسيا أكثر من 14 فيتو في مجلس الأمن، وروسيا لا تقطف الانتصارات الدبلوماسية والعسكرية من الأشجار لتهديها لهؤلاء من دون مقابل، حتى ثرواتهم التي لم تعد تجد أمانا سوى في بنوك روسيا سيكون لبوتين وأزلامه حصة فيها. وبخصوص السؤال عن كيف لسورية أن تخرج من دمار الحرب الرهيبة، ما دامت ثرواتها وأموالها قد انتقلت إلى روسيا، فالجواب في الصورة التي التقطها بوتين في دمشق، بوصفه الحاكم الفعلي لسورية، وعلى الآخرين أن يطمئنوا لاستثماراتهم في سورية المستقبلية.
يزور بوتين دمشق في نهاية مرحلة، يعلن ويدشن مرحلة جديدة، عنوانها أن سورية أصبحت إقليماً روسياً، بكل ما تعنيه الكلمة، من اقتصاد وسياسة وأمن وجيش، وحتى التمثيل الخارجي والتفاوض مع اللاعبين الآخرين في الشؤون السورية، لم يعد ثمّة شيء تملكه القيادة السورية من الأصول السورية يدلّ على أن لهذه البلاد خصوصية أو استقلالية عن روسيا، لا السماء ولا البحر ولا الأرض، أما الأشخاص، فهم من رأس النظام إلى أصغر جندي مجرّد موظفين عند بوتين يستدعي من يشاء منهم ويشرّف من يريد بلقائه.. بالمناسبة، أين وزير الخارجية، وليد المعلم، من هذه الزيارة؟
العربي الجديد
——————-
من هو خليفة بشار الأسد في حكم سوريا أو ما تبقى منها!/ وائل الخالدي
تحدث الكثيرون عن خليفة الأسد وعن المشروع البديل، أو لم يتحدثوا أصلاً، ربما بسبب ضياع المشروع السياسي وضعفه، ومحاولات روسيا المتكررة، لفرض مشروعها السياسي المنفرد في سوريا، بعيداً عن المجتمع الدولي والقرارات الأممية.
علينا أولاً وقبل الخوض في خلاف التسميات، حول خليفة الأسد، أن نقوم بجولة استقراء تام، لمفاصل النظام وآليات عمله، للوقوف على ماهية هذا النظام وطبيعة تركيبته الحالية، وقابليتها لتتغيير أو لا، هذه التركيبة التي تغيرت كثيراً بسبب ظروف الحرب في سوريا والصراعات الدولية عليها.
يمتاز النظام الأسدي الحالي، بكتلة صلبة عصبية، منفتحة على الأطراف الدولية والاتجاهات السياسية العامة، وتتلقى العروض والطلبات من عدة أطراف متنازعة دولية، وتتشاور في ما بينها بقبولها أو مماطلتها أو رفضها، بحسب مصلحة هذا النظام، الذي يمثل ماهر الأسد القوة الفارضة فيه، ويمثل بشار الأسد الواجهة التي تنفذ الأوامر أو الجهة التنفيذية. بينما يتواصل باقي أعمدة النظام مع روسيا وإيران وغيرها، ويتدارسون العروض الإسرائيلية مثلاً أو الروسية والإيرانية، ويرشحون أفضلها برأيهم، مع تذييلها بالأسباب لتفضيلهم مقترحا على الآخر، ويعرضونها أولاً بعد توافقهم على ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، والأخ الشقيق لبشار الأسد، الذي بدوره يختار أفضلها برأيه وينقلها الى «الرئاسة» للتنفيذ على الأغلب. لا يمكن إخفاء حجم العلاقة بين إيران وماهر الأسد، ولكن أعمدة النظام وقوة روسيا، تجعل الجميع تحت ضرورة الموازنة ومحاولات إرضاء الطرفين، وهنا السؤال: من هم أعمدة النظام السوري، ومن هم القائمون على صناعة القرارات السياسية والاستراتيجية فيه؟ برز اسم علي مملوك نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية، الذي وصل الى هذا المنصب بعد سلسلة عمليات تفجير واغتيالات طالت قيادات أمنية عالية المستوى، واجتماعات أمنية حساسة، دعا إلى أغلبها علي مملوك، وغاب بـ»الصدفة» عن جميعها، والذي يعتبر اليوم مهندس القلعة في سوريا وحامي أسسها، والمحافظ على التناغم داخلها بين الجميع. هنا يأتي دور بهجت سليمان، الوجه السياسي الصلب لدى النظام الأسدي، المقرب من روسيا وأستاذ السياسة الخارجية للنظام السوري، ليتوازن مع دور علي مملوك الأمني، ويلعب دور واضع سياسات النظام الأسدي.
وللحفاظ على آلية التوريث السياسي، لا بد من الحفاظ على أحد أهم أعمدة العسكر القديم ورفيق حافظ الأسد، أحمد عبود، ولذي شغل سابقاً رئيس فرع 293، وهو من جيل حافظ الأسد، وأحد الرجالات الأكثر عمقاً ومعرفة بالعلاقات الدولية في سوريا. التوريث وحده لا يكفي لشد العصبية، وإضفاء الشرعية الدينية والعائلية، لذا نرى أحد أهم أسماء شيوخ الطائفة العلوية في أساس النظام الأسدي الحالي الشيخ كامل حيدر شيخ عشيرة القراحلة، من زعماء الطائفة العلوية وأكثرهم نفوذاً، وحامي «عرين الأسد» وعصبيته العلوية، ومشروعيته الدينية والطائفية لدى العلويين.
اعتمد حافظ الأسد كثيراً على العمل المكتبي والسكرتارية، لخلق صورة «حافظ الإله»، وترك مسافة بينه وبين باقي القيادات، واختار لذلك الشخص الذي لم يغب عن مكتبه يوماً واحداً، ولم يأخذ إجازة واحدة، وهو أبو سليم دعبول (محمد ديب دعبول)، الذي شغل وظيفة مدير مكتب حافظ الأسد سابقاً، وحامي أسرار التواصلات والسكرتارية وآليات عمل تلقي الأوامر وتنفيذها، وترطيب الأجواء بين الضباط والجهات المتصارعة في سوريا، ويعتبر مقربا جداً من روسيا، وأبقى عليه بشار الأسد وماهر الأسد لولائه المطلق وخبرته الطويلة. تعتبر هذه الوجوه الخمسة، من أهم وجوه وأعمدة النظام الأسدي، وهؤلاء لا يجتمعون مع بشار الأسد لاتخاذ القرارات، بل يجتمعون منفردين، لتداول العروض والقرارات الدولية الواردة، وآليات المفاضلة بينها، وطرق التعامل معها، وبعدها يجتمعون مع ماهر الأسد، ومن ثم يتم تحويل القرارات إلى بشار الأسد للتنفيذ.
ما سبق ذكره ضروري جداً لفهم إمكانية طرح البديل داخل نظام الأسد، وآليات تداول السلطة، في ظل نظام أمني وعسكري، ودعوات شعبية دولية لتغييره، أو تثبيته، حسب صراعات ومصالح الدول العظمى، وتشتت مصالح الشعب السوري بين كل تلك الصراعات، حيث نرى أن روسيا ما زالت تنظر إلى أن البديل لبشار الأسد هو بشار الأسد نفسه، ومن الواضح حتى الآن، أن روسيا مستمرة بمخطط ترشيح بشار الأسد لدورة جديدة، وانتخابات مفتوحة بإشراف الأمم المتحدة، لتأكدها وقناعتها بتشتت المعارضة، ولوجود حلفاء كافيين لتمرير انتخاب بشار الأسد شرعياً ودولياً، خاصة مع تركيا وإيران، وآليات الضغط على اللاجئين، ودفعهم للتصويت ثانيةً لبشار الأسد، أو على الأقل الامتناع عن التصويت، خوفاً من العقاب والمحاسبة، خاصة في دول الجوار الخاضعة لإيران كلبنان والعراق.
لم يغب عن منظور النظام الأمني، الرفض الدولي المعلن لشخص بشار الأسد، لذا فإن النظام الأمني وضع خططاً لاستبدال بشار الأسد بالفعل، وأنه يتفهم وضع فيتو على اسم بشار الأسد، إما بسب جرائم استخدام «الأسلحة الكيميائية»، أو بسبب «قانون قيصر» وجرائم قتل المعتقلين أو جرائم الإبادة. ولأن النظام يعرف جيداً أهمية دوره الإقليمي لدول الصراع حول سوريا، وأنه لا يمكن لروسيا ولا لدول أُخرى كإيران، ولا حتى إسرائيل، الاستغناء حالياً، عن النظام بكامله، لذلك فإن الحديث عن البديل لبشار الأسد في حال وقع، فسوف يكون تحت «القوة الضاغطة» القصوى، وعبر النظام نفسه، وهذا يعني رضوخ النظام لتغيير اسم «الشخص الرئيس»، استجابةً للطلبات الدولية، وللعبور إلى مرحلة الاستقرار بنظره، وهنا تظهر مشكلة الشخص البديل، ومن هو الشخص الذي سيرضى به النظام الأمني ليكون رئيساً له، قبل أن يكون رئيساً لسوريا.
وإذا عدنا إلى آلية العمل الحالية للنظام الأسدي، فإن تراتبية الطلب للبديل ستسير بطريقة وتراتبية الأوامر نفسها، أي أن النظام أولاً سيطرح اسم ماهر الأسد، لاسترضائه والأمن من بطشه بأي مرشّح آخر، الذي غالباً سيرفض بسبب شخصيته الانطوائية، وعدم رغبته في الظهور من جهة، وعقليته العسكرية من جهة أُخرى، ما سيفتح المجال للترشيح أمام مرشَّحين اثنين فقط لا ثالث لهما داخل النظام الأمني نفسه وهما، علي مملوك وبهجت سليمان، ولكون علي مملوك يملك قضايا دولية مرفوعة عليه، قد تجنبه القدرة على التسويق الدولي، فإن الأكثر ترشيحاً وقبولاً لدى النظام هو بهجت سليمان صانع السياسة الأسدية والصديق القديم لحافظ الأسد. لكن تركيبة النظام الأمنية ستخلق شكوكا قوية في أي رئيس قادم، لذلك وفي حال تم التغاضي عن كل المرشحين أعلاه من النظام نفسه، فلا يملك هذا النظام سوى اختيار شخص ضعيف وموثوق من خارج النظام، عند الضرورة القصوى واستخدامه كواجهة لتمرير قراراتهم، ويكون دمية بيد المجموعة العصبية المشكّلة للنظام الأمني في سوريا نفسها، ويبقى هذا الاحتمال هو الأخير والأضعف، ومن الواضح أننا تجاوزنا آل مخلوف وأسماء الأسد، لأن آل مخلوف لا يلعبون أكثر من دور وظيفي مالي داخل النظام، ويديرون حسابات آل الأسد، بينما هاجم ماهر الأسد مراراً تحركات أسماء الأسد، واشتهر بنعتها بالصفات القبيحة أمام الضباط وأعمدة النظام، لذا من المستبعد قبول ماهر الأسد بتسليم إرث عائلة الأسد لامرأة ليست علوية، وليست من آل الأسد، وبالطبع لن يخالف النظام الأسدي الحالي رغبات ماهر الأسد في رفضه لأسماء الأسد الأخرس، حتى لو طلبت روسيا ذلك.
كاتب سوري
القدس العربي
————————–
الاسد وبوتين:لقاء الصدفة/ ساطع نور الدين
لم يقطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “شعرة معاوية” في علاقته الغامضة مع الرئيس السوري بشار الاسد، لكن زيارته الاخيرة الى دمشق الاسبوع الماضي شدت تلك الشعرة الى الحد الاقصى، الذي ما عاد يسمح بالحديث عما يجمع بين الرجلين، بل فقط بالبحث عن موعد الفراق النهائي بينهما، وهو كما يبدو لم يعد بعيداً.
الرئيس الروسي لن يترك موسكو قريباً، أو على الاقل قبل العام 2024 موعد إنتهاء ولايته الرئاسية الحالية الرابعة. لكن الرئيس السوري لن يحصل بالتأكيد على ولاية رئاسية رابعة من سبع سنوات تبدأ في العام 2021 وتنتهي في العام 2028. والارجح أنه يمكن أن يصبح مقيماً في العاصمة الروسية ، وبالتحديد في شقة فخمة في أحد أبراجها السكنية الفاخرة التي يمتلك آل الاسد وأقاربهم عدداً منها.. أو في فيلا لجؤ سياسي رسمي في إحدى ضواحي موسكو.
لكن هذا التقدير يتعارض مع حقيقة لم يجد لها أحد من الدبلوماسيين الروس ولا العرب ولا الغربيين تفسيراً: كيف يمكن ان يقيم في مدينة واحدة رجلان لم يتمكنا من التقريب بين شخصيتيهما، ولم تفلح السنوات الاربع الماضية من القتال المشترك على جبهات واحدة في إزالة مصادر الشك والارتياب المتبادلة، ولا في تغيير إحساس بوتين الدائم بأنه تسلم من إيران رئيساً سورياً لا يمكن الوثوق به، ولا بكفاءته من جهة، مثلما لا يمكن في المقابل السماح بدفعه الى الحضن الايراني بشكل يثير غضب إسرائيل وحنق العرب وقلق الغرب.
بعض الغرب كان يظن أن الاسد قادر على السير طويلا على الحبلين الروسي والايراني معا. وهذا بالضبط ما فعله في السنوات الاربع الماضية، او بالاحرى هذا ما سمح به الجانبان الروسي والايراني معا، عندما كان النظام السوري كله على مسافة أسابيع من السقوط ، حسب كلام رسمي صادر من طهران ومن موسكو. لكن الامور تغيرت الان، بعدما بات حبل النجاة الايراني مهدداً بالانقطاع في اي لحظة، وبعدما عبر بوتين من دمشق بالذات عن الكيمياء المفقودة مع الاسد بشكل صارخ، ولوح بقرب موعد الفراق.
الصورة كانت مدمرة: بدل ان تشهد زيارته الاولى الى دمشق، إستقبالاً رسمياً حاشداً على المطار، يشمل جميع بروتوكولات العلاقة الشرعية بين دولتين، وبين رئيسين يسيران معاً على السجاد الاحمر، وينتقلان الى القصر الرئاسي السوري لإجراء محادثات رسمية بحضور وفدين رفيعي المستوى، تعقبها خلوة ثنائية مغلقة بينهما، يليها مؤتمر صحافي مشترك، او على الاقل بيان متفق عليه يصدر بإسم البلدين ويحفظ في وثائقهما الرسمية.. حرص بوتين على ان تأخذ رحلته طابع السياحة العسكرية والدينية لعاصمة تديرها وتحميها وتشرف عليها القوات الروسية، التي لا تعترف بسيادة الدولة السورية او شرعيتها أو حتى وجود رئيس لها.
كانت تصفية حساب روسي قديم مع بشار الاسد الذي تعامل منذ اليوم الاول مع التدخل العسكري الروسي في خريف العام 2015، بوصفه هدية يقدمها لروسيا الباحثة عن دور عالمي ونفوذ متوسطي وحضور مشرقي، وليس خشبة خلاص توفرها روسيا لنظامه. وعلى هذا الاساس ظلت إيران خياره الاول والافضل، وحصل الايرانيون على مكافآت أكثر من حجم تقديماتهم وتضحياتهم، وأكثر بكثير من المكافآت التي حصل عليها الروس. كما أن الاسد وشركاؤه في طهران رددوا طويلا رواية غير دقيقة عن ان التدخل الروسي ما كان ليتم لولا الطلب العاجل من القيادة الايرانية الذي حمله يومها الجنرال الايراني قاسم سليماني الى موسكو، التي إستجابت على الفور وحركت في اليوم التالي قواتها الجوية والبحرية والبرية!
لعل هذه القراءة تغيرت في أعقاب إغتيال سليماني، وما قيل عن أن بوتين جاء الى دمشق لكي يطلب من الاسد التزام الحذر الشديد في تعاطيه مع ذلك الحدث المفصلي في الصراع الاميركي الايراني، وعدم المخاطرة في تعريض نفسه او بلده او القوات الروسية لأي تهديد، وبالتالي الاستعداد لواقع جديد يفرضه الضغط الاميركي الشديد على إيران، الذي قد يضطرها للخروج من سوريا، ما يزيد من حاجة النظام السوري الى الغطاء الروسي، العسكري والسياسي.
لم يكن اللقاء في دمشق بين رئيسين، ولا حتى بين قيادتي أركان جيشين. ولم يكن هناك حديث في السياسة، يتطلب في الشكل على الاقل حضور وزيري خارجيتي البلدين، (برغم التهميش المفروض على دور وزارة الخارجية الروسية في الشأن السوري لمصلحة وزارة الدفاع وضباطها). كان العرض الذي قدمه وزير الدفاع الروسي وكبار قادة القوات الروسية في المقر السابق لقيادة الاركان السورية، أمام رئيسهم بوتين وعلى مسمع الاسد ووزير دفاعه فقط ، أشبه ما يكون بدعوة الى الرئيس السوري للانضباط التام في آليات العمل العسكري وتاليا السياسي الروسي في المرحلة المقبلة.
لم تكن تلك الدعوة هدف بوتين الوحيد. إغتيال سليماني ضربة موجعة للقيادة السورية من شأنها أن تزيد المسافة بين دمشق وطهران، لكنها ربما لن تقلص المسافة بين دمشق وموسكو، اللتين تتبادلان الكثير من الشكوك في نوايا رئيسين جمعتهما الصدفة.. ولن تجمعهما الخطط التي يجري أعدادها للانتخابات الرئاسية السورية المقررة في ربيع العام 2021.
المدن
———————————
حزن “لا” سخرية.. غضب “لا” شماتة/ عمر الخطيب
شيء يشبه الزهد بالأخبار، تمر الصور سريعاً وعبارات “العاجل” لا تكاد تغيب حتى تعود، مذبحة هنا وتصريح هناك، دم هنا وخداع هناك، ألم هنا وصفقة هناك، أي بداية هذه لعام جديد؟
منذ بعض الوقت فقدت القدرة على الشماتة أو السخرية، ليحل مكانهما الكثير من الحزن والغضب، فرؤية بشار الأسد وهو يقدم واجب الطاعة لبوتين، في قلب دمشق هذه المرة، لم تثر عندي، كما اعتدت، أي حافز لأتهكم على هذه الإهانة الجديدة والمقصودة لـ “صبي بوتين”، فقد أصبحت هواية بوتين التقليل والتحقير من شأن الأسد.
وكم كان مشهد حسن نصر الله شهياً، لأدبج له الكثير من عبارات السخرية، وهو يرعد ويزبد في الحديث عن الانتقام الصاعق للقتيل سليماني، ليتبين بعد أيام قليلة أن سليماني لا يستحق أكثرمن بضعة صواريخ ولتذهب بلاغة نصر الله إلى الجحيم، فسلامة نظام خامنئي أهم بكثير من وعود نصر الله، وبضع دولارات سيأخذها ثمناً لعرضه الكاريكاتوري كافية ليمسح وعوده ورعوده، وليقف بالدور إلى جانب إسماعيل هنية الذي وجه إهانة كبرى لمدينة القدس لم يسبقه إليها أحد حين لقب قاتل الأطفال سليماني بـ”شهيد القدس”.
لا شماتة اليوم ولا سخرية، فدمشق الأسيرة، المدينة الأحلى، ومسجدها الأموي الأعظم، دخلها مغتصبها بوضح النهار وتجول في شوارعها، التي اعتدت أن أجول بها، بينما قام زعيم الصدفة بكل مهانة بتقبيل يد بوتين وتقديم فروض الطاعة، لا شك أن
الإهانة هي لبشار ونظامه، ولكن لا يمكنني أن لا أشعر بالحزن على مدينتي وبالغضب من أن هذا الذي أراه على شاشة التلفزيون صاغراً وصامتاً ما زال يحكم دمشق حتى الآن.
هو حزن وغضب، غضب من أن النظام الذي ثار عليه السوريون ركيك وضعيف إلى هذه الدرجة ومع ذلك مازال حيث هو، وحزن أسود وأنا أرى من دمر سوريا وقتل أهلها وشردهم وهو يتجول في شوارع دمشق ويقتحم جامعها الأموي.
كيف يمكن أن أشمت بنظام إيران، وأنا أرى كيف زالت الأقنعة عن وجوه تابعيه لتكشف عن قبح رهيب، فهؤلاء ندبوا قاسمي كما لم يندبه الإيرانيون، وسارعوا إلى تقديم فروض الطاعة لخامنئي بحيث أنه تفاجأ من كل هذا النفاق، هؤلاء من يتحكمون بمصير عدة دول عربية وبمستقبلها، يشاركون في حفلة ندب وقحة لمن تسبب بقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.
الحرب تكون دوماً بين عدة أطراف فريق منهم يربح وفريق منهم يخسر، وبغض النظر عن الرابح والخاسر، هناك دوماً رابح أكبر وهم تجار الموت، وتجار الموت هؤلاء لهم عدة وجوه وعدة أسماء وأساليبهم الخاصة في التخفي، بعضهم يبالغ في الأناقة و”البريستيج”، وبعضهم لا يتخلى عن ثيابه المهلهلة ومنظره الفوضوي، وأما أخطرهم فهم أولئك المتخفون خلف العبارات البراقة والحماس المبالغ به، يسرقون من الضحية آلامها وآمالها ليتاجروا بها.
كيف لي أن أسخر ممن ظهر وجهه الحقيقي وكيف لي أن أشمت بمن ناصره ووالاه، ودمنا هو المراق وكرامتنا هي المباعة.
تلفزيون سوريا
————————–
«رسائل» زيارة بوتين إلى «سوريا الروسية»/ إبراهيم حميدي
تختلف «رسائل» أول زيارة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق الثلاثاء الماضي منذ 2011، عن مضامين زيارته إلى القاعدة الروسية في حميميم في اللاذقية نهاية 2017. ذلك أن نتائجها بدأت تتراكم بمجرد مغادرته العاصمة السورية.
هي، جاءت بعد أيام من اغتيال أميركا قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، وقبل ساعات من لقائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وقبل أيام من توجهه إلى إسرائيل في «زيارة تاريخية». وحسب مسؤولين غربيين، يمكن الحديث عن أربع «رسائل»:
1 – «سوريا الروسية»: كان يُفترض أن يحط الرئيس الروسي في القاعدة الروسية في اللاذقية لمعايدة جنوده في الساحل السوري، لكن غياب «المهندس الإيراني» أتاح فرصة لبوتين لم يتردد في اغتنامها كعادته. استعجل الانتقال إلى دمشق للتجول في معالمها التاريخية والدينية للقاء الرئيس بشار الأسد في مركز العمليات الروسية للاستماع إلى تقارير عن سير العمليات العسكرية بحضور مسؤولين في الجيش من الطرفين وغياب أي مسؤول سياسي.
أراد بوتين، حسب مسؤولين غربيين، إرسال «رسالة» إلى أطراف مختلفة بأن سوريا باتت تحت النفوذ الروسي أكثر مع احتمالات تراجع النفوذ الإيراني بغياب سليماني: «مهندس» دور تنظيمات طهران بعد 2012. يجوز القول إن طهران لم تكن مرتاحة لـ«رسائل» بوتين؛ الأمر الذي عبّر عنه النائب الإيراني علي مطهري؛ إذ قال: «سلوك الرئيس بوتين في زيارته إلى سوريا كان مهيناً مثل سلوك (الرئيس دونالد) ترمب في زيارتيه إلى أفغانستان والعراق. بوتين بدلاً من زيارة الأسد في مقر الإقامة (الرئاسة)، جلس في القاعدة العسكرية الروسية في سوريا، كي يلتقيه. قدم الآخرون الشهداء، وروسيا المستفيدة».
2 – «خط الفرات»: أراد بوتين، حسب المسؤولين، التأكد من الرئيس السوري بعدم الانخراط بأي خطة إيرانية للانتقام عبر ميليشياتها شرق سوريا من قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا شرق الفرات، واحترام التفاهمات بين واشنطن وموسكو التي تعود إلى مايو (أيار) 2017، ونصت على أن شرق الفرات لأميركا وحلفائها، وغرب الفرات لروسيا وحلفائها.
جرت ترجمة ذلك في شكل فوري، بأمرين: الأول، اتفاق عسكريين روس وأميركيين على فتح معبر الصالحية في محافظة دير الزور، شمال سوريا، الذي كان مغلقاً لبضعة أشهر لتأكيد التفاهمات الكبرى واتفاق «منع الصدام» بين الجيشين. الآخر، استئناف إسرائيل غاراتها على «مواقع إيرانية» في دير الزور وسط صمت روسي وسوري. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس بأن «طائرات مجهولة» يُعتقد أنها إسرائيلية، استهدفت مستودعات وآليات لـ«الحشد الشعبي» في منطقة البوكمال بمحافظة دير الزور، أسفرت عن مقتل «ثمانية مقاتلين عراقيين على الأقل». كان هذا القصف أول اختبار، بعد اغتيال سليماني، الذي كان «مهندس» فتح معبر البوكمال بين سوريا والعراق لتأمين خط الإمداد الإيراني البديل من ذاك الذي قطعته القاعدة الأميركية في التنف.
3 – «فك الاشتباك»: في 6 يناير (كانون الثاني)، تحدث علي شمخاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، عن 13 مسرحاً للثأر الإيراني بعد اغتيال سليماني، أحدها كان عبر هضبة الجولان السورية المحتلة. وقال مسؤولون غربيون، إن «رسالة» بوتين إلى دمشق، كانت بعدم القيام بأي «تحركات مفاجئة أو إجراءات غير مرغوب فيها عبر الانخراط في خطط الثأر الإيرانية، ما دامت إسرائيل لا تستهدف القوات السورية».
كانت إسرائيل تجنبت استهداف القوات السورية، لكنها أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنها «استهدفت القوات السورية ومواقع إيرانية رداً على قصف من سوريا باتجاه الجولان»، حسب المسؤولين. وأوضح أحدهم أن بوتين «أراد تثبيت التفاهمات السابقة بعدم التدخل الروسي في العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا، ما دامت العمليات العسكرية بعيدة كل البعد عن القوات السورية».
وليست صدفة تزامن قصف «مواقع إيرانية» في البوكمال مع إعلان تل أبيب إطلاق سراح سجينين، أحدهما مسجون بتهمة التجسس لصالح سوريا. وأعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنه وافق على إطلاق سراح الأسيرين صدقي المقت وأمل أبو صالح كـ«بادرة حسن نية بعد استعادة جثمان الجندي زخاريا باومل من سوريا إلى إسرائيل» بوساطة روسية.
4 – «شرايين إدلب»: كانت إحدى النتائج المباشرة، للقاء بوتين بالأسد في دمشق ثم بإردوغان في إسطنبول، إعلان هدنة هشة في إدلب بتفاهم بين موسكو وأنقرة. وكان لافتاً أن البيان الروسي – التركي لم يتضمن الكثير من الأمور الجديدة وغابت عنه الأمور السياسية والحديث عن القرار 2254، كما كان الحال في البيان الرسمية السورية – الروسية.
وكان واضحاً، تركيز الطرفين على إدلب. ورغم إعلان موسكو مساء أول من أمس، بدء وقف النار، فإن «المرصد» تحدث أمس عن استهداف طائرات مدينة معرة النعمان وطريق دمشق – حلب الدولي ضمن التركيز على الطرق الرئيسية أو «شرايين الاقتصاد» التي بدت في خرائط عسكرية استعرضت أمام بوتين والأسد في دمشق. ويقوم وفد تركي سياسي وعسكري بزيارة موسكو غداً للتأكد من «رسائل» بوتين إلى الأسد وإردوغان.
في طريقه إلى إسطنبول وقبل زيارته القريبة إلى إسرائيل بعد أيام، أراد بوتين الحصول من الأسد على تأكيدات وأجوبة إزاء توجهات سوريا في هذا المنعطف، بعد أول مواجهة مباشرة بين أميركا وإيران لتحييد سوريا عنها ورغبة موسكو في الإفادة جيوسياسياً من الفرص الممكنة لتعزيز نفوذها من بوابة «سوريا الروسية».
الشرق الأوسط
————————-
رسائل بوتين من دمشق/ عمار ديوب
لم تكن سورية ضمن مخططات الرئيس الروسي بوتين للزيارة. كانت وجهته تركيا، ولافتتاح خط الغاز الجديد إلى أوروبا، ومناقشة قضايا تخص البلدين. جاء موت قاسم سليماني، ليقضي بسببه بوتين عدّة ساعات في سورية. الوقت هذا، تكثر فيه الأعياد، والطقس يعدُّ لطيفاً قياساً بروسيا، وهي مناسبةٌ لتفقد الجامع الأموي وبطريركية الروس الأرثوذكس وحارات دمشق القديمة. حط رحاله في مركزٍ للقوات الروسية، ولم يذهب إلى القصر الجمهوري، كما لم يفعل في زيارةٍ سابقة، حينما ذهب إلى قاعدة حميميم. رسالة بوتين في زيارتيه: إن سورية إقليم من أقاليم روسيا وليس أكثر. زيارته الحالية، هي بمثابة إعلان واضح، وللعالم بأكمله، أن سورية ليست مجال تنافسٍ مع الدول، وعلى نظام دمشق بالتحديد أن يفهم ذلك، وعلى هذه الدول التفاوض مع بوتين لترتيب شؤونها ومصالحها في هذا البلد، ومنها بالتأكيد إيران.
سلطة إيران في موقفٍ لا تُحسد عليه؛ فهي مرفوضة إقليمياً وعالمياً وداخلياً، تجدّدت الاحتجاجات الرافضة لنظام ولي الفقيه وحرسه الثوري، وكل ما جنته في سورية مهدّد بالتلاشي، وعنوان ذلك هزال الانتقام لرجلها الثاني، وتصاعد صيحات الانتقام تلك ثم خمودها. دلالة ذلك واضحة، أن إيران انكشفت كما لم تظهر من قبل، حيث صواريخها البالستية رديئة، وقوة مليشياتها لا يهابها أحدٌ، وتحديداً في العراق ولبنان، وبالتالي، ما طالبت به شعوب المنطقة والعالم في طريقه ليتحقق، أي إعادة إيران إلى دولةٍ ضمن حدودها الجغرافية، وضرورة تغيير النظام فيها. التقط بوتين اللحظة هذه جيداً، وأعلن، من دمشق، أن أوهام إيران بالبقاء في
سورية ستنتهي، وليس من طريقٍ بريٍّ إلى المتوسط عبر سورية، والدول التي تقصف المواقع العسكرية الإيرانية عند الحدود العراقية السورية ستستمر بذلك؛ الأهم ألّا يستمر النظام السوري بشرعنة وجود إيران في سورية. النظام الذي يحاول معرفة سياسات إيران تجاهه، بعد موت راعيه سليماني، وصلت إليه الرسالة من روسيا، وبالتالي لا فائدة حقيقية من عقليته القديمة في اللعب على الحبلين، وعليه الانصياع للروس فقط؛ هل يفهم الرسالة الروسية جيداً؟
لا يقضي رؤساء الدول أغلب وقتهم في أقاليم دولهم، وليس لديهم الوقت لهذا الأمر من أصله. تتعامل روسيا مع النظام السوري بهذا الشكل؛ فجيشها موجود في كل المدن السورية، وهي تغيّر وتبدّل من تركيبة النظام بكليته وبدءاً بالجيش وأجهزة الأمن، وفي الاقتصاد هناك اتفاقيات ومعاهدات تنظم مصالحها، ودبلوماسياً، هي من تقود المعارك في مواجهة أميركا والعالم، ومنذ 2011. لهذا كله، لم يتعامل بوتين مع النظام كندٍ له، وزار سورية من دون بروتوكول دبلوماسي، وحدّد هو مكان إقامته وأماكن زيارته، وأحاطه جنوده حيثما تحرّك بالأمان؛ بوتين لا يزور سورية، إنه يُلقي الأوامر فيها، ويغادرها سريعاً.
هناك قضية يناقشها السوريون كثيراً: ماذا بقي من النظام السوري؟ لا يعدو أن يكون هذا النظام أداة بيد الروس، والهدف منه: إحكام القمع ونهب بقية الثروة السورية، ومنع تجدّد المظاهرات أو أي حراك مجتمعي قد يرفض الوجود الروسي، وضمن ذلك تضغط روسيا من أجل تحصيل المليارات من النظام، وربما جدّد بوتين ذلك بزيارته الأسبوع الماضي.
أصبح الشعب السوري أمام قضية في غاية التعقيد، فهو أمام احتلال كامل، وأمام دولة لا تعترف بالنظام الاستبدادي الذي يتحكم فيه؛ بوتين بذلك لا يعترف بالنظام ولا بالشعب، وقد همشهما، ويقود طاقمه الدبلوماسي المداولات العالمية بخصوص سورية، ويتعامل مع الأخيرة ضمن سلة قضايا، وليس بشكلٍ مستقل. بوتين محق بذلك، فلماذا سيعزل سورية عن جملة مصالحه العالمية؟ وربما يؤجل التفاوض الحقيقي عليها، ليتمكن أكثر فأكثر في ليبيا ومصر مثلاً، وسواهما، وبذلك يعقد صفقة كبيرة مع أميركا وأوروبا. تركيا وعلى الرغم من خلافها مع روسيا بخصوص ليبيا، وبعض القضايا السورية، هي ليست في خلاف كبير معها، والاثنتان في حاجة متبادلة. أما إيران فتزداد عزلةً وهامشيةً، وتزيد من ذلك كثرة العقوبات عليها وتجدّدها. وبخصوص إسرائيل، فليس من خلافٍ يعتدّ به معها، وعناصر التقارب بينهما كبيرة، أولها، السماح لها بفعل ما تراه مناسباً لأمنها في سورية، وهي لا تتردّد، فتقصف وتدمر وتقتل. أميركا وأوروبا هما الأساس، وعلى مواقفهما تتحدّد مواقف الخليج، وعدا أن الأخير يتقارب تباعاً مع روسيا، وصفقات السلاح تجسد ذلك.
فكرة أخيرة لا يتم تداولها كثيراً بين السوريين، حيث أوضحت أعلاه أن روسيا همّشت النظام والمعارضة، وأن مصالحها ستتحقق في سورية، في ضوء ذلك التهميش والإنهاك الكبيرين للسوريين وغياب استراتيجية وطنية وقوى وطنية فاعلة. وبالتالي، أية صفقة سياسية، ستتضمن الحفاظ على مصالحها وإشرافها على سورية المستقبلية. تتعامل روسيا مع سورية بوصفها إقليما ملحقا بها، وبالتالي الآلية الوحيدة للتعامل معها اعتبارها احتلالا، وتحميلها مسؤولية ما فعله في سورية، ورفض اعتبارها دولةً ضامنة لتحقيق الاستقرار في سورية، كما فعلت المعارضة عبر مسارات روسيا للحل في سورية، أي عبر “أستانة” وخفض التصعيد و”سوتشي” واللجنة الدستورية، والموافقة على دورها العالمي في كل ما يخص الوضع السوري.
هناك سياساتٌ عالمية جديدة، وتُختصر بتنافس الدول العظمى على العالم المتخلف والمهمش. تتحرّك روسيا وفقاً لذلك، وكذلك بقية تلك الدول، وبالتالي يقع على الشعب السوري وبقية الشعوب التي تخضع أو ستخضع لذلك التنافس التفكير جديّاً بمستقبلها، وكيف ستخوض نضالاً وطنياً واجتماعياً، يحقق لها مصالحها ضد أنظمتها وضد تلك الاحتلالات؛ القضية هذه أصبحت مجسّدة بأسوأ الأشكال في سورية، حيث تفكّك النظام، وظهرت قوى مجتمعية تعمل بدورها مع الاحتلالات، وبالتالي أصبح الشعب أمام قضايا مركبة: تبدأ ببقايا النظام، والاحتلالات الخارجية، ولا تنتهي بقوىً مجتمعية متخلفة تتعاون مع تلك الاحتلالات.
يعي قيصر روسيا ذلك، ولهذا يرفض تفكيك بقايا النظام السوري، ويمعن، في الوقت نفسه، في تهميشه وإذلاله، وكذلك يفعل بالمعارضة؛ فهو، بوصفه ممثلا لنظامٍ تسلطيٍّ، يمارس السياسة وهو يخوض الحرب، ويهدّد بها، ويمدُّ نفوذه إلى قطاعاتٍ جديدةٍ من المجتمع السوري، ليفككها ويضبطها في مشروعه لاحتلال سورية وشرعنة ديمومته.
العربي الجديد
———————————-
مصير «دولة الظل» السورية بعد «مهندسها» الايراني
لسوريا خصوصية، بالنسبة إلى إيران، فيما يتعلق بتداعيات اغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني و«مسارح» الرد المحتمل. في هذه الساحة، عوامل شخصية وجيوسياسية متراكمة، لا تتوافر في غيرها. فيها بُعدان: شخصي رعاه سليماني وطوّره في العقدين الأخيرين، خصوصاً بعد 2011، ومؤسساتي – استراتيجي بين دمشق وطهران يعود إلى 1979.
ستة أسباب
سوريا مهمة لإيران لستة أسباب: أولاً، أنها حلقة إيران للربط البري بين العراق ولبنان. ثانياً، أن هضبة الجولان جبهة ثانية بعد جنوب لبنان، للإطلال على إسرائيل ومسارات تسوية النزاع العربي – الإسرائيلي. ثالثاً، الوقوف على مشارف العمق العربي من بوابة الأردن. رابعاً، تماس من حلب وإدلب مع التركة العثمانية. خامساً، الوصول إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط. سادساً، ساحة التعاون مع روسيا العائدة إلى الشرق الأوسط.
خمسة جيوش
إضافة إلى إيران، الموجودة رسمياً وعبر تنظيماتها، هناك أربعة جيوش أخرى:
أولاً، القوات الأميركية تقود التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش» وتقيم شرق الفرات بجوار تنظيمات عربية جنّدتها طهران على أطراف قاعدة عسكرية في البوكمال بريف دير الزور.
ثانياً، الجيش التركي عبر نقاط الرقابة الخاصة به في إدلب وريفها وفي جيوب «درع الفرات» و«غضن الزيتون» و«نبع السلام» شمال سوريا.
ثالثاً، إسرائيل، الحاضرة – الغائبة في سوريا عبر غاراتها الجوية المتكررة في دمشق وأطرافها وصولاً إلى حمص وحماة والبوكمال.
رابعاً، روسيا هي اللاعب الرئيسي بين الجيوش الأربعة. أقامت ثلاث قواعد عسكرية طويلة الأمد. في اللاذقية وطرطوس والقامشلي. ونشرت منظومات صواريخ «إس 300» و«إس 300 متطورة» و«إس 400» وعادت من سوريا إلى الشرق الأوسط.
دولتان في سوريا
في منتصف 2015، زار سليماني موسكو وكان له دور بارز في إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري المباشر في سوريا لدعم قوات الحكومة التي لم تكن تسيطر على أكثر من 10% من سوريا. وقتذاك، أبرم اتفاق «زواج المصلحة» لدعم قوات الحكومة وصولاً إلى استعادة ثلثي الأراضي: القوة الجوية من روسيا والقوات البرية من إيران، عبر ميليشيات غير إيرانية بإشراف «الحرس الثوري» وصل عددها في بعض الأوقات إلى نحو 70 ألف عنصر (سوري وغير سوري).
هذه المعادلة لبّت مطالب بوتين في تجنب «أفغانستان ثانية» وتحقيق انتصارات بأقل كلفة بشرية ومادية. لبّت طموحات إيران بإنقاذ الحليف الاستراتيجي في دمشق والدخول في النسيج الاجتماعي السوري. ومع تقدم المكاسب العسكرية كانت روسيا وإيران تتشاركان في تقاسم المصالح الاقتصادية وتعميق النفوذ بحيث يبقى إلى سنوات طويلة. بين دمشق وموسكو اتفاقات مدتها 49 سنة لإقامة القواعد العسكرية وعقود لاستثمار النفط والغاز والفوسفات. بين دمشق وطهران اتفاقات اقتصادية وتجارية وعسكرية يعود بعضها إلى منتصف 2018.
وكان واضحاً الفرق بين مقاربتين: روسيا تركز على مؤسسات الدولة، الجيش والأمن والحكومة. إيران تركز على تأسيس «دولة الظل» عبر شبكات و«هندسات اجتماعية» وجمعيات خيرية. روسيا كانت تنتشر في الضوء وفي المدن. إيران كانت تنتشر في العتمة وفي الأرياف.
سليماني كان «مهندس دولة الظل» في سوريا. غيابه سيترك أثراً عملياً في ذلك. الاغتيال أعاد مصير الدور الإيراني في سوريا إلى الواجهة. بات أولوية سواء من حيث إمكانية الرد أو حدود هذا الدور. بات أولوية على حساب تراجع أولويات أخرى تخص العملية السياسية وأخواتها. غياب سليماني «يحرر» أصحاب القرار في دمشق من ذاكرة آخر عشر سنوات. وينطبق هذا على بوتين في حال كانت لديه رغبة في تحديد أو تعريف الدور الإيراني. يُضعف دور الشبكات ويعطي فرصة لتعزيز المؤسسات. ترجيح العلاقة بين الجيشين السوري والإيراني على حساب العلاقة بين «الحرس الثوري» في طهران و«قوات الدفاع الوطني» في دمشق.
اول اشارات تلقف روسيا لغياب سليماني، قيام بوتين باول زيارة الى دمشق منذ ٢٠١١. غياب مهندس “دولة الظل”، قد يفتح الطريق لبوتين بإعادة العلاقة السورية – الإيرانية إلى سابق عهدها وتخليصها من البعد الشخصي، أو يعطي موسكو فرصة لتقديم هذا العرض كي تسهم دول عربية وغربية في إعمار سوريا ودعم عودة اللاجئين و”استكمال بناء الدولة”، كما قال بوتين، وخروج جميع الميليشيات غير الشرعية… والجيوش الأربعة!
———————–
بوتين للأسد: أمريكا تنوي إغلاق طريق طهران ـ البوكمال ـ بيروت… واتفاق تركي ـ روسي على وقف النار/ هبة محمد
دمشق ـ «القدس العربي» ـ ووكالات: ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الجمعة، أن ثمانية أشخاص من جنسيات غير سورية لقوا حتفهم في استهداف طائرات لا تزال مجهولة حتى اللحظة، لمستودعات وآليات تابعة لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران، في منطقة البوكمال عند الحدود السورية – العراقية. وقال المرصد إن عدد القتلى مرشح للارتفاع لوجود عدد كبير من الجرحى بعضهم في حالات خطرة، بالإضافة إلى وجود معلومات عن قتلى آخرين.
كان المرصد قد ذكر في وقت سابق أن طائرات مجهولة استهدفت مستودعات ذخيرة وآليات للميليشيات الموالية لإيران في منطقة البوكمال، حيث دوت انفجارات عدة في المنطقة بالقرب من الحدود العراقية – السورية.
وأضاف أنه وصلت «المرصد السوري» معلومات مؤكدة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخبر رأس النظام السوري بشار الأسد عن نية أمريكا إغلاق طريق طهران – بيروت الذي يمر من البوكمال .
وتابع «رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الخميس، قصفاً من طائرات مسيرة مجهولة استهدف بلدة الجلاء وقرية العباس في ريف مدينة البوكمال».
وأشار المرصد إلى أن طائرات مسيرة كانت قد قصفت بلدة المجاودة استهدفت، الأربعاء، بساتين النخيل في ريف البوكمال. وأشار المرصد السوري إلى تغيير تمركزات الميليشيات الموالية لإيران وانتقالها إلى أماكن جديدة بالقرب من ضفة نهر الفرات في ريف دير الزور.
ميدانياً، قالت وزارة الدفاع التركية الجمعة، إنها اتفقت مع روسيا على تنفيذ وقف لإطلاق النار اعتبارًا من يوم غدٍ الأحد في إدلب شمال غربي سوريا لوقف تدفق المدنيين، حيث فرّ مئات الآلاف منهم من العنف في المحافظة صوب الحدود التركية، بعد أن قصفت الطائرات الروسية ومدفعية النظام السوري بلدات وقرى عدة منذ تجدد هجومهما على إدلب.
وقالت وزارة الدفاع التركية إن الهجمات جواً وبراً ستتوقف في الدقيقة الأولى بعد منتصف ليل 12 كانون الثاني/يناير بموجب وقف إطلاق النار – وفق وكالة الأناضول – الذي تسعى تركيا للتوصل إليه منذ أسابيع عدة.
تزامناً استقبل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، والسفير الأمريكي في أنقرة ديفيد ساتيرفيلد.
جاء ذلك حسب بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية. وتبادل الجانبان وجهات النظر حول قضايا الأمن الإقليمي وعلى رأسها سوريا. وأشار البيان إلى مشاركة نائب وزير الدفاع التركي يونس أمره قره عثمان أوغلو، في اللقاء.
القدس العربي»
——————————————-
ماذا تبقى من سوريا الأسد؟/ د. فيصل القاسم
لعله، ومن نافلة القول، أن ذاك الشعار الطنـّان الرنـّان، أي «سوريا الأسد»، الذي طالما تباهى به الأسدان، ويجتره من والاهم، ويحمل الكثير من المضامين وينم عن رؤية آل الأسد لسوريا باعتبارها ملكية خاصة مطلقة «مطوبة» باسم العائلة المالكة، ورغم استمرار اجتراره وترويجه كيدياً واستفزازياً ونوستالجياً من قبل كثيرين، فقد وليّ إلى غير رجعة، وخسر تلك «الرهجة» التي كان عليها أيام العز والقوة والصولجان والبأس حين كان النظام ينظر لنفسه كمالك حصري لا شريك له لسوريا ووصياً متحكماً بكل سوري وحين كان «يشيل ويحط»، وله صولة وجولة داخل سوريا وفي بعض دول الإقليم…
وصحيح أن النظام ما زال قادراً على البطش والفتك بالسوريين وممارسة سياسة الوصاية والهيمنة و«السلبطة» والبلطجة والزج بهم في غياهب المعتقلات والسجون وإخفائهم من على وجه الأرض دون أن يرف له جفن وما زال يتصرف بسوريا والسوريين كقوة احتلال مجردة من أية شرعية، وأنه ما زال مستعداً لإصدار أشرس القوانين «قراقوشية» وظلماً كما فعل بالتعديل الأخير على قانون خدمة العلم حيث صار بإمكانه مصادرة ممتلكات وأموال و«شقاء عمر» أية أسرة سورية هاجر ابنها طلباً للقمة العيش أو منّ الله عليه بعمل خارج مزرعة الجوع والقهر والذل، بحجة تخلفه عن الخدمة العسكرية أي خدمة آل الأسد والموت من أجل أن يرث سوريا حافظ بشار الأسد، فكل سوريا باتت اليوم مستباحة من أجل هذا الهدف الاستراتيجي «المقدّس النبيل»، وهناك الكثير من مما يضيق ذكره عن استفراد آل الأسد بالسوريين داخل سوريا من خلال مصفوفة فاشية من الممارسات الشنيعة والمخزية والتي ستلطخ جبين هذه العصابة للأبد، لكن الصحيح أيضاً أن هناك الآن سوريا أخرى، مختلفة تماماً عن تلك التي يديرها مختار حي المهاجرين، إنها سوريا الممزقة، والمحطمة، والمقسمة، والموزعة بين عشرات الاحتلالات الأجنبية والمحلية (أي أماكن سيطرة الفصائل المسلحة)، وقد باتت كقطعة «كعكة» يتناهشها الروسي، والأمريكي، والتركي، والفرنسي، والبريطاني، والإيراني وربما لا نستثني أيضا الشقيق العربي وووو وبات قرارها الفعلي والحقيقي بيد لاعبين خارجين يتقاذفونها ككرة…
ومن هنا فقد آن الأوان كي نبدأ بالتفكير بطريقة مختلفة تماماً عندما نكتب أو نحلل أو ننظر إلى الوضع السوري الآن. مشكلة الكثير من السوريين أنهم مازالوا ينظرون إلى سوريا النظرة القديمة، أي قبل اندلاع الأحداث عام 2011. نعم سوريا ما قبل ذلك التاريخ لم تعد موجودة على الأرض. انتهت. وإذا ما زالت موجودة في أذهان السوريين الحالمين، فلا بأس كذكرى، لكن على أرض الواقع هناك سوريا جديدة، ليس مجتمعياً فحسب، بل ككيان سياسي. لم يفعل كلاب العالم وضباعه في الداخل والخارج بسوريا القديمة كل ما فعلوا كي يعيدوها إلى عهدها السابق. لا مطلقاً. كل ما حدث في سوريا من تخريب وتدمير وتهجير وترويع كان هدفه إنتاج سوريا جديدة تناسب وتلائم الذين خططوا لكل هذا الدمار والخراب والتهجير المنظم. مغفل من يعتقد أن ضباع العالم فعلوا كل ما فعلوا بسوريا كي يأتوا ويقولوا بعد كل ذلك: تعالوا نعيد سوريا إلى وضعها القديم. لا مطلقاً. انسوا.
ما زال الكثير من المعارضين يصبون جام غضبهم على النظام ورئيسه بشار الأسد. وهذا خطأ تحليلي وسياسي كبيرلا يقترفه سوى المغفلين الذين مازالوا يتعاملون مع سوريا التي كانت. لا نحاول هنا تبرئة النظام مما حل بسوريا والسوريين، لا أبداً فهذا سيدونه التاريخ بكل تفاصيله المملة في عصر التواصل الاجتماعي. لكن لندع ما للتاريخ للتاريخ، وما للحاضر والمستقبل للحاضر والمستقبل. اليوم نحن لدينا واقع جديد رفضناه أم قبلناه، يجب أن نتعامل معه، وإلا فكنا خارج السياق التاريخي. اليوم لم يعد هناك ذلك النظام الذي كان يحكم قبضته على سوريا بكل تفاصيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية. هذا النظام صار من الماضي، لا بل إن بعض المحللين السوريين يرون أن الثورات العربية فشلت في إسقاط الكثير من الأنظمة، بينما الثورة السورية هي الوحيدة التي نجحت في إسقاط النظام، بغض النظر عن النتائج الكارثية. النظام الذي كان يحكم سوريا قبل الثورة قد انتهى، وتحول إلى مجرد أداة في أيدي القوى التي ادعت إنقاذه. لهذا من العبث أن يتفاخر مؤيدو النظام بأن نظامهم قد صمد وانتصر، على العكس تماماً، فإن نظام الأسد بالإضافة إلى نظام القذافي في ليبيا هما النظامان الوحيدان اللذان تبخرا من الساحة العربية.
قد يقول البعض إن النظام مازال موجوداً بجيشه وأمنه وعقليته القديمة. وهذا صحيح، لكن هل ما زال هذا النظام سيد نفسه كي نعامله وننظر إليه بالطريقة القديمة؟ بالطبع لا. نحن الآن نتعامل مع قوى جديدة تتحكم بسوريا وبنظامها القديم، الذي صار كفصائل المعارضة السورية مجرد أداة في أيدي مشغليه وداعميه. وعندما يقول وزير الخارجية الروسي وفصائل إيرانية كثيرة إن النظام كان على وشك السقوط لولا التدخل الروسي والإيراني، فهذا ليس للاستهلاك الإعلامي مطلقاً، بل هو تعبير عن الواقع الجديد. الروس تحديداً من خلال تصريحاتهم الإذلالية المتكررة للنظام ورئيسه يريدون أن يقولوا للنظام وللسوريين: نحن أسياد الساحة السورية الآن. نحن حكام سوريا الجدد بصفة احتلالية أو استعمارية ولولانا أصلاً لما بقي هناك سوريا ولا نظام. وهذا من الناحية العملية صحيح، بغض النظر عن الفظائع التي اقترفها الروس بحق السوريين من أجل الوصول إلى هنا.
لا شك أن النظام مازال يصدر القوانين عبر مجلس الشعب، ومازال يتحكم بحياة السوريين إلى حد ما، لكن بالمجمل لم تعد سوريا رهن إشارته، وقد بات الكثير من المناطق بما فيها التي لم تثر على النظام خارج السيطرة عملياً، وإذا ما عادت تلك المناطق إلى تحت السيطرة، فستكون تحت هيمنة الروسي أو الإيراني أو التركي أو الإسرائيلي أو الأمريكي حسبما توضح خرائط توزيع النفوذ في سوريا «الجديدة». وبالتالي، صارت قوى المعارضة سواء اعترفنا بها أو لم نعترف، صارت تتعامل مع كفلاء النظام، وليس مع النظام نفسه، في تحديد مستقبل البلاد. وقد كانت كل المؤتمرات التي تبحث مستقبل سوريا تحت إشراف الروس أولاً والإيرانيين والأتراك ثانياً والراعي الأمريكي والإسرائيلي بشكل عام. وعلينا ألا نتجاوز هذه الجزئية مطلقاً، فمؤتمرات أستانا وسوتشي وضعت سوريا النظام والوطن والمعارضة تحت الوصاية الخارجية، وصار النظام مجرد طرطور مثله مثل المعارضة. وبمجرد اختيار أعضاء اللجنة الدستورية بالتساوي من المعارضة والنظام مؤشر على أن النظام لم يعد حاكماً، فلو كان منتصراً وحاكماً فعلاً لما قبل بهذه القسمة مع المعارضة المهزومة، لكنه هو نفسه مهزوم بشهادة الروس أنفسهم الذين ذكرّوه أكثر من مرة بأنهم أنقذوه من الغرق، وهم سيقبضون الثمن بالتحكم بالبلاد والعباد. وعندما نسمع أن السوريين باتوا يشتكون على النظام للروسي في مناطق عدة، ثم يقوم الروسي بمعاقبة عناصر النظام، فهذا ليس مؤشراً بسيطاً، بل هو تجسيد فعلي للواقع السوري الجديد الذي بات فيه النظام مجرد تابع للروس والإيرانيين. ولا ننسى أن الجيش والأمن السوريين باتا مجرد أدوات في أيدي الروس والإيرانيين، وهل ننسى أن أشهر فصيل سوري وهو «النمر» بات خاضعاً للجيش الروسي وليس لمعلمه الأصلي الأسد. وقد رفض سهيل الحسن «الروسي» تأدية التحية لبشار عندما زار إدلب. لقد صار ولاء أهم مؤسستين سوريتين موزعاً بين الحكام الجدد لسوريا الروس والإيرانيين، طبعاً بمباركة أمريكية وإسرائيلية.
وعلى ضوء هذه التحولات الرهيبة في البنية السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية في سوريا، يجب التوقف تماماً عن التفكير بالعقلية القديمة: نظام ومعارضة. لم يعد هناك نظام ولا معارضة، والجميع صاروا بأيدي داعميهم الروسي والإيراني بالنسبة للنظام والتركي والأمريكي بالنسبة للمعارضة. وبالتالي على السوريين المعارضين، أن يتوقفوا عن استهداف النظام إعلامياً، وخاصة عبر مواقع التواصل، لأن النظام لم يعد سيداً، وصار في محل مفعول به، ولا بد من الآن فصاعداً التعامل مع واقع جديد بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه. سوريا الآن تحت الوصاية بمباركة دولية. وكل من ينكر هذا الواقع الجديد فهو مكابر. ومهما أردتم أن تفعلوا يجب أن تضعوا في اعتباركم هذا الواقع الجديد وأن تتوقفوا عن جلد النظام، فهو لم يعد موجوداً إلا بالاسم، ونُقل عن أحدهم أن الروس يبلـّغونه التعليمات والأوامر أو نتائج سلسلة «الأساتانات» الممتعة عبر البريد الإلكتروني، وأما تعليمات وأوامر المرشد فتصل عبر رئيس قسم المبيعات بشركة صنع غزل البنات والمعمول بالجوز بطهران الذي يذهب بمهمة لمقابلة الأسد الذي ينصاع وينفذ الأوامر والتعليمات…
لقد انكمشت وتقلصت سلطات الأسد جداً وباتت تنحصر في مواضيع واهتمامات لا علاقة لها بمقام رئاسة ومهام دولة وعمل استراتيجي مجد، وربما باتت «شغلة» الأخ اليوم وسلطاته تتجلى في متابعة وشحشطة وجرجرة بعض النشطاء إلى الفروع الأمنية وقراءة البوستات المتمردة والتعليقات عليها ومن من السوريين تحت سلطته الفرعونية وضع «لايكا» على بوست مشبوه ومتآمر، كما بالنسبة لمجالدة ومماحكة ومتابعة «المتعيشة» والمياومين والجياع عبر دوريات البلدية التي تطاردهم وتعتقلهم وتصادر أكياس «الخيش» التي يحملون بها بضاعتهم، في أماكن سيطرة النظام والإشراف على توزيع «جرات» الغاز وكتابة قوائم بأسماء المستحقين وتنظيم دورهم والموافقة على جداول قطع الكهرباء والتقنين وأظلمة سوريا المنظم، ومراقبة أصحاب بسطات النعنع والسلق والجرجير البلدي وإصدار الفرمانات القراقوشية التي تجلد ظهور الفقراء والجياع تحت الحصار وتشليحهم ونهبهم كما في قانون خدمة العلم الجديد: «ادفع ما فوقك وتحتك أو الموت من أجل بقاء الأسد»، هذا هو اليوم، وسواه من الصغائر والتوافه هي ما يقوم بها الممانع والمقاوم وقاهر الإمبريالية والصهيونية.
هذه هي سوريا الجديدة سواء قبلناها أو رفضناها. رتبوا تفكيركم وتحركاتكم ومشاريعكم (إذا كان لديكم مشاريع طبعاً) بناء على هذا الواقع المرير. ثار السوريون للتخلص من المحتل الداخلي فوقعوا تحت احتلالات خارجية متعددة، للأسف مثلهم مثل الليبيين واليمنيين والعراقيين. سقط الوكيل فجاء الكفيل.
نعم ربما لم يتبق من «سوريا الأسد» على أرض الواقع، في ظل متغيرات بنيوية وجيو-استراتيجية عميقة، سوى إعلان الدفن والترحم على تلكم الأيام، كما لم يتبق إلا ذاك الشعار الأجوف الهزيل الذي يتناهى لمسامع «الطرطور» بين فينة وأخرى في وسائل إعلامه المملوكة للعائلة الأسدية وحاشيتها وعصاباتها، وحسبه هذا المجد والفخار وألف مبروك على هذا الإنجاز…
كاتب وإعلامي سوري
القدس العربي
———————————
روسيا والاستقلال السوري/ رضوان زيادة
قام الرئيس الروسي بوتين بزيارة مفاجئة إلى دمشق، والتقى خلالها بشار الأسد، ليس في قصر الروضة أو الشعب، حيث اعتاد الأخير استقبال ضيوفه، وإنما في مقر قيادة القوات الروسية في دمشق. هذه ليست المرة الأولى التي يهين فيها الرئيس الروسي بوتين نظيره السوري، ففي مرة شهيرة تم تداولها الفيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي بكثرة، منع فيها مرافق الرئيس الروسي بوتين بشار الأسد في قاعدة حميميم الأسد من التقدّم لمرافقة بوتين خلال تقديم التحية، ما أثار سخرية السوريين بشكل كبير، كيف يمنع جنديٌّ رئيس دولةٍ يفترض به أن يمثلها كون العرض العسكري يتم على أراضيها.
يرى صاحب هذه السطور أن الرئيس بوتين يقوم عمدا بهذه الإشارات، ليس من باب الاستهزاء أو عدم الاحترام فقط، وإنما، في جزء منها، لتوجيه رسائل رئيسية إلى الأسد نفسه أن من شارك في إعادة السيطرة على الأرض السورية، وهي القوات الجوية الروسية، هي من تسيطر على القرار السياسي بشكل كامل في سورية. ولذلك، لم يدافع بوتين، ولا مرة علنا، عن بشار الأسد، فهو يعرف أن تصرّفاته السياسية لا يمكن الدفاع عنها. إنه يركز دوما على سوء الاستغلال الغربي للقضية السورية، لكنه لا يجد مبرّرا في الدفاع عن الأسد، أو حمل أخطائه على ظهره، وهذا ما يفتح بابا على أسئلةٍ كثيرة، ففي وقتٍ يركز فيه النظام السوري على أن الأسد هو الرئيس مدى الحياة، وأنه الذي سيقود سورية إلى النصر، تركز السياسة الروسية أكثر فأكثر على كيف يمكن إعادة تثبيت الأسد لمرحلةٍ انتقاليةٍ، تستطيع فيها روسيا الحصول على عوائد ما بعد الحرب، ليس من سورية الهزيلة والفقيرة، وإنما من الاتحاد الأوروبي، وإذا أمكن من الولايات المتحدة.
ربما أدرك بوتين ضعف الاهتمام الدولي اليوم بسورية، واللااكتراث واللامبالاة اللذين يتعامل فيهما المجتمع الدولي اليوم مع الدم السوري في إدلب وغيرها من مدن الشمال السوري، حيث لا معنى استراتيجيا لكل ما يحدث هناك، وإذا تم ترتيب الأمر مع تركيا التي ما زالت تعارض عمليةً عسكريةً كبيرة في إدلب، فإنه يمكن قتل المئات، بل الآلاف هناك، في مقابل استعادة إدلب لفرض سيادة الأسد عليها، فالولايات المتحدة ليس لديها موقف حازم ضد العملية، والاتحاد الأوروبي كعادته مشغول بقضاياه الداخلية، و”بريكست” لا تنتهي، ولا سياسة خارجية له موحدة، يقدر على فرضها، فضلا عن تنفيذها في سورية لا اليوم ولا مستقبلاً. وهذا مما أحبط بوتين الذي توقع أن يُكافأ على أفعاله في سورية، كما أحبط أردوغان من بعده الذي توقع أن يكافئه العالم على خياراته في بناء المنطقة الآمنة في سورية، كسيناريو لإعادة اللاجئين. لقد اكتشف بوتين أن لا قيمة للاستقلال السوري لدى الأسد اليوم، بقدر أهمية تسميته رئيسا صوريا لكل سورية مهما كان الثمن، والثمن هنا دماء مئات آلاف السوريين، وتدمير مدنهم وقراهم، ولا مستقبل لإعادة إعمار سورية من كل هذا الدمار، خصوصا في ضوء ما اكتشفه من لامبالاة المجتمع الدولي مما يجري في سورية.
لقد عبّر المبعوث الدولي الجديد في تقريره إلى مجلس الأمن عن تشاؤمه حيال جهود تعديل الدستور في سورية، بشكلٍ يتعارض تماما مع تصريحاته المتفائلة الشهر الفائت، فقد قال مبعوث الأمم المتحدة، غير بيدرسون، في حديث عبر الفيديو لمجلس الأمن “لا أرى سببا لعقد اجتماع آخر للمجموعة المصغّرة”، وأعرب عن “إحباطه الشديد” إزاء عدم إحراز تقدّم، مضيفا أنّ “اللجنة الدستورية هشة وستظل كذلك”. ولم يكتشف بيدرسون اختراع العجلة. الكل يعرف أن مصير اللجنة الدستورية سينتهي كذلك، فنظام الأسد لم يُبد أية رغبة بالمفاوضات، عندما كان في ظروف أصعب بكثير في عامي 2014 و2015، فكيف له أن يقدّم التنازلات اليوم، وهو يشعر بنشوة النصر.
وعليه، يعود السؤال مجدّداً، منذ أول فيتو روسي استخدمه بوتين في مجلس الأمن لحماية نظام بشار الأسد في أغسطس/ آب 2011: ماذا يريد حقا بوتين من سورية؟ أجاب وهو يتمشى في شوارع دمشق أنه فخور بعودة الحياة الآمنة إلى شوارعها، لكنه لم يجب عما إذا كان هذا الأمان يخفي خلفه الفقر والجوع والتشرّد والنزوح، وهي كلها لا قيمة لها بنظر بوتين الذي يهتم بالصورة فقط، وما دامت صورته ترفع في دمشق فوق صورة الأسد، فلا قيمة لكل من يرفعها أو يمجّدها.
العربي الجديد
——————————–
بوتين يتحرك لتعزيز دور روسيا عقب مقتل سليماني
منذ تدخلها بشكل محوري وأساسي في الحرب بسوريا عام 2015؛ سعت روسيا لتضع نفسها في موضع اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط، فجعلت من نفسها الوسيط الأوحد الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع القوى المتناحرة في المنطقة.
والآن تجددت تلك الفرصة السانحة أمام موسكو لتعزيز سمعتها وتلميع صورتها، إذ لابد وأن يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعزيز مكانة بلاده في الشرق الأوسط عقب القرار الذي اتخذته إدارة ترمب والذي تم بموجبه اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني خلال الأسبوع الماضي، وكذلك عبر الهجوم الصاروخي الإيراني على قواعد عسكرية جوية أمريكية في العراق يوم الثلاثاء الماضي، مما تسبب بحالة توتر في الشرق الأوسط ووضع كلاً من إيران والولايات المتحدة على شفير الحرب. وقد زاد الوضع المتوتر من خطر إضعاف حسابات موسكو في المنطقة إلى حد بعيد، بيد أنه فتح المجال لظهور فرص جديدة أمام بوتين ليحقق هدفين من الأهداف طويلة الأمد والتي تشمل: تقويض مصداقية الولايات المتحدة وتوسيع التواجد الروسي في عموم أنحاء الشرق الأوسط.
وحول هذا الموضوع يعلق أندريا كيندول-تايلور وهو عضو رفيع في مركز الأمن الأمريكي الجديد ومفكر شغل سابقاً منصب نائب رئيس ضباط الاستخبارات الوطنية في روسيا وأوراسيا لدى مجلس الاستخبارات القومي بالقول: “يرى بوتين في رفض أحادية الجانب الأمريكية مهمة شخصية وهو يعرف كيف يستغل الفرص تماماً، ولهذا سيسعى للاستثمار في كل فرصة تسنح له لاستغلال اغتيال سليماني وما يعقب ذلك من حالة اضطراب وعدم استقرار بغية تشويه صورة وسمعة واشنطن في المنطقة”.
موسكو تنشط دبلوماسياً
فلقد أشعلت عملية الاغتيال فتيل التحرك على صعيد النشاط الدبلوماسي من قبل موسكو، ففي مكالمات هاتفية أجراها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي مع نظرائه في أمريكا وإيران والصين وتركيا أدان هذا الرجل عملية القتل ووصفها بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي. وفي يوم الثلاثاء الماضي، قام الرئيس بوتين بزيارة ارتجالية لدمشق للقاء بشار الأسد في خطوة هدفها تعزيز وصاية موسكو.
وتعلق هنا آنا بروشتشيفسكايا وهي من الأعضاء رفيعي المستوى لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وهو أحد بيوت التفكير في واشنطن بالقول: “”كان آخر شيء يتمناه بوتين هو أن ينحاز لطرف من الأطراف في الشرق الأوسط. ولهذا فإن الورقة الرابحة بالنسبة له هي أن يلعب دور الوسيط، وأخال أنه في وضع الانتظار والترقب حالياً، وذلك لأنه في حال قامت روسيا بشيء كبير فلابد وأن يتم ذلك بشكل دبلوماسي”.
وفي يوم الأربعاء، سافر بوتين إلى إسطنبول للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولمناقشة حالة تصعيد التوتر في الشرق الأوسط. وبالرغم من عدم اتفاقهما على مستقبل المنطقة إلا أن أردوغان وبوتين نجحا في إبرام اتفاقيات كما في الماضي، وذلك عندما اتفق الرئيسان على اقتطاع مناطق من شمال شرق سوريا خلال العام المنصرم عقب الانسحاب الأمريكي غير المتوقع بقرار من إدارة ترمب. ومن المقرر أن يستقبل بوتين يوم السبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موسكو ليتباحثا حول الأزمة، وذلك لأن كلاً من روسيا وألمانيا تعتبر من بين الدول التي تسعى لدعم الاتفاق النووي الإيراني عقب الانسحاب الأمريكي من هذه الاتفاقية عام 2018.
امتحان قاسي لبوتين
لقد أتى مقتل قائد فيلق القدس سليماني بغارة نفذتها طائرة أمريكية بدون طيار في محيط مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني/يناير كامتحان قاس بالنسبة لقدرة موسكو على أن تظل صديقة لكل اللاعبين الأساسيين في المنطقة. فلقد طورت كل من روسيا وإيران علاقات وطيدة بينهما خلال السنوات الماضية، وعملتا سوية في سوريا لجعل ميزان القوى يميل لصالح نظام الأسد. وبالرغم من وجود مصالح مشتركة بينهما، إلا أن موسكو تسعى في الوقت ذاته لإقامة علاقات أعمق مع إسرائيل والسعودية عدوتا طهران، بالإضافة إلى إقامة علاقات لاعبين آخرين في المنطقة.
وبخصوص ذلك تحلل جوليا سفيشنيكوفا وهي خبيرة ومستشارة بشؤون الشرق الأوسط لدى مركز PIR أحد بيوت التفكير في موسكو وتقول: “تحاول موسكو أن تلعب دور اللاعب الراسخ ومصدر الثقة في الشرق الأوسط وهذا يخدم قضيتها بكل تأكيد. إلا أن هذا الوضع يقلق موسكو بشكل كبير، ولهذا ستسعى لتنأى بنفسها عن تلك المعمعة قدر الإمكان”.
إن قرار إدارة ترمب الذي قضى باغتيال مسؤول رفيع المستوى أتى مفاجئاً للكثير من الدول في مختلف بقاع العالم، وأدى لتقويض مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن هذه الفرجة الصغيرة تسعى موسكو للاستفادة من هذا الوضع. إذ لطالما أثبت الكرملين براعته في استغلال الأزمات في مختلف بقاع العالم لتعزيز أهدافه الاستراتيجية بدءاً من أزمة أوكرانيا مروراً بما حدث في شمال أفريقيا ووصولاً إلى سوريا.
فلقد طعنت واشنطن روسيا عندما فرضت عليها عقوبات بسبب تدخلها في شرق أوكرانيا وقيامها بضم القرم، إلا أن الكرملين كان يشير إلى حرب العراق وأفغانستان على أنهما خير دليل على النفاق الأمريكي، لذا من المحتمل أن يستغل مقتل سليماني ودعوة ترمب لاستهداف المواقع الثقافية الإيرانية كدليل آخر يعزز فكرة التجاوزات الأمريكية مع القيام في الوقت ذاته بتعزيز مكانة روسيا كوسيط يمثل قوة إقليمية.
وفي الوقت الذي قد يرحب فيه الكثير من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بمقتل سليماني في سرهم، إلا أن الكثير منهم أيضاً يخشى من تحمل تبعات وعواقب الانتقام الإيراني. ولعل هذه المخاوف قد هدأت بعض الشيء بعد رد إيران على مقتل جنرالها وذلك بإطلاق نحو عشرين صاروخاً لاستهداف قوات التحالف والقوات العسكرية الأمريكية في العراق. بينما تشير التقارير الأولية إلى عدم وجود إصابات بين صفوف الأمريكان، وبأن كلا الطرفين قد عبر عن رغبته بعدم تصعيد الوضع. وهنا يمكن أن يتنفس حلفاء الولايات المتحدة الصعداء، ولكن إذا استنتجوا بأن واشنطن تركتهم عرضة لانتقام إيران، فإن ذلك سيشجع على ظهور محور يسعى للتقارب مع موسكو من أجل أي وساطة قد يحتاج إليها هؤلاء مستقبلاً.
هذا ولقد تميزت الشهور الأخيرة من عام 2019 بخروج موجة من الاحتجاجات المناهضة لإيران في كل من العراق ولبنان، ولوهلة بدا الأمر وكأن النفوذ الإيراني القوي في المنطقة بدأ بالتراجع، إلا أن الغارة الجوية التي نفذت في الثالث من كانون الثاني/يناير أعادت المشاعر المعادية لأمريكا إلى الصدارة مجدداً، ولاريب أن تكون موسكو قد رحبت بهذا التحول.
وهنا يعلق مارك كاتز وهو أستاذ في علم السياسة والحكومة لدى جامعة جورج مايسون بالقول: “بقدر ما رغب بوتين بظهور المشاعر المعادية لأمريكا؛ لم يكن بوسع روسيا أن تعمل على إعادة تلك المشاعر وإظهارها. إلا أن ترمب هو من فعلها ضد نفسه”.
فاغنر في العراق
وفي الوقت الذي من المستبعد فيه أن تقوم روسيا بنشر تواجدها العسكري بشكل تقليدي في العراق، يتوقع بعض المحللين الروس الذين أجرت معهم فورين بوليسي لقاءات ظهور مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية وهي عبارة عن شركة تعهدات عسكرية خاصة تعمل في الظل سبق وأن خاضت الحرب لصالح الكرملين في سوريا وأوكرانيا وأجزاء من أفريقيا بهدف الحصول على مكاسب، وذلك في العراق في أعقاب الانسحاب الأمريكي، أما الدور الذي ستلعبه القوات الأمريكية مستقبلاً في العراق فمازال مجهولاً في الوقت الراهن، وذلك بعدما سارع البنتاغون لإنكار التقارير التي صدرت يوم الاثنين الماضي والتي تكشف عن قيامها بسحب الجنود من البلاد عقب وصول رسالة غير موقعة من اللواء ويليام سيلي قائد قوات المهمات الأمريكية في العراق ورد فيها بأن البنتاغون لابد له وأن يحترم قرار البرلمان العراقي الداعي لإخراج القوات الأمريكية من البلاد.
وهنا سارع المحللون الروس للإشارة إلى أن موسكو تتخذ خطواتها بحذر عقب مقتل سليماني وما تلا ذلك من رد أمريكي وإيراني. وبالرغم من الإدانة الروسية لمقتل سليماني، لم تتعهد موسكو باتخاذ أي إجراء فعلي لدعم طهران، ويستبعد المحللون أن يقوم بوتين بدعم أي محاولة إيرانية للأخذ بالثأر، وقد يقتصر دوره على دعم طهران فقط.
وبحسب ما أورده المحلل أدلان مارغويف المتخصص بالعلاقات الروسية-الإيرانية لدى معهد موسكو للعلاقات الدولية وهو عبارة عن جامعة تديرها وزارة الخارجية الروسية؛ فإن لدى الكرملين قلق كبير إزاء منع التصعيد في المنطقة والذي بدوره قد يقلب الوضع الجيوسياسي الحالي في الشرق الأوسط ذلك الوضع الذي ساعد تدخلها في سوريا على تكريسه، إلى جانب السعي لمواصلة رسم المسار الذي رسمه بوتين لمصالح روسيا في المنطقة.
ويضيف هذا المحلل قائلاً: “لم يتغير حتى الآن أي شيء استراتيجي على مستوى كبير بالنسبة لموسكو. ثم إنه من الصعب على موسكو أن تنتقل إلى هناك؛ ولكن من الطبيعي أن يحدث ذلك بطريقة ما، إذ إن كل ما فعلته روسيا هو معالجة المواقف الصعبة في الشرق الأوسط والتعامل معها”.
المصدر: فورين بوليسي
تلفزيون سوريا
—————————————
سليماني..بطل الجمهورية العربية السورية!
منح رئيس النظام السوري بشار الأسد، قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، الذي قُتل في غارة أميركية، وسام “بطل الجمهورية العربية السورية”، حسب ما أوردت وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية الرسمية.
وسليماني مسؤول عن دعم وإدارة عدد كبير من الميليشيات التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد. وينظر إليه السوريون على أنه مسؤول عن آلاف القتلى الذي سقطوا بنيران قوات الأسد والميليشات المدعومة إيرانياً، كما أنه مسؤول عن صمود الأسد بعدما كان على وشك السقوط عام 2015.
وقالت إرنا إن التكريم جاء على هامش زيارة وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب، طهران، الاثنين، حيث استقبله نظيره الإيراني أمير حاتمي.
وأوضحت الوكالة الرسمية أنه على هامش اللقاء سلم أيوب إلى حاتمي وسام “بطل الجمهورية العربية السورية”، الذي منحه الأسد لسليماني في 3 كانون الثاني/يناير، أي في اليوم التالي لمقتله.
وذكرت إرنا أن الوسام سيتم تسليمه لأسرة سليماني “تقديراً وتثميناً لجهوده الكبيرة في سياق مكافحة تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا”.
يذكر أن سليماني قتل بعد وقت قصير من خروجه من مطار بغداد، وكان عائداً على متن طائرة من سوريا. وقالت وسائل إعلام أميركية إن مخبرين لصالح الولايات المتحدة في مطار دمشق أكدوا صعود سليماني على متن طائرة “أجنحة الشام” من دمشق إلى بغداد.
من جهة ثانية، قال وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إن سليماني قُتل في إطار استراتيجية أوسع لردع التحديات التي يشكلها خصوم الولايات المتحدة والتي تنطبق أيضاً على الصين وروسيا.
وفي خطاب في معهد هوفر في جامعة ستانفورد، لم يشر بومبيو إلى خطر الهجمات الوشيكة التي خطط لها سليماني. جاء ذلك رداً على سؤال كرر خلاله تأكيده السابق بأن استباق مثل هذه المؤامرات كان السبب في ضربة أميركية بطائرة مسيرة استهدفت سليماني.
وركز خطابه الذي يحمل عنوان “استعادة الردع: المثال الإيراني”، على ما أسماه استراتيجية الإدارة لبناء “ردع حقيقي” ضد إيران بعد سياسات الجمهوريين والديموقراطيين السابقة التي شجعت طهران على “النشاط الخبيث”.
ورفض الديمقراطيون وبعض المشرعين الجمهوريين مبررات الإدارة بأن الهجوم كان بهدف الدفاع عن النفس وكان مدعوما بمعلومات مخابرات لم يكشف عنها بشأن هجمات وشيكة.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت سابق، إن الأهداف المحتملة تشمل أربع سفارات أميركية. لكن وزير الدفاع مارك إسبر قال إنه لم يطلع على أي تحذير مسبق من الهجمات الوشيكة على السفارات.
وقال بومبيو إن هناك “استراتيجية أكبر” وراء مقتل سليماني. وقال: “الرئيس ترامب والقادة منا في فريق الأمن القومي يعيدون بناء الردع، الردع الحقيقي، ضد جمهورية إيران الإسلامية”.
وأضاف “يجب أن يفهم خصمك ليس أن لديك القدرة على فرض التكلفة فحسب ولكنك في الحقيقة على استعداد للقيام بذلك”. وقال إن “أميركا تتمتع الآن بأفضل موقع قوة لم نكن فيه قط في ما يتعلق بإيران”.
من جهته، قال وزير العدل الأميركي ويليام بار إن هناك “مبررات قانونية مُتعددة” لدى إدارة ترامب، في قرارها قتل قاسم سليماني.
تصريحات بار، في حضور نائب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي ديفيد بوديش ومسؤولين آخرين، جاءت في مؤتمر صحافي، حيث أظهرعلانية للمرة الأولى دور وزارة العدل الأميركية في التشاور مع البيت الأبيض بشأن المنطق القانوني للغارة الأمريكية التي قُتل فيها سليماني.
ورداً على سؤال، قال بار إنه كان هناك وقت قصير لاتخاذ قرار تنفيذ الهجوم، مُضيفاً: “كان هذا عملاً مشروعاً للدفاع عن النفس، لأنه أوقف الهجمات المستمرة” ضد الأميركيين وأعاد عنصر الردع”. وجادل وزير العدل الأمريكي بأنه ليس هناك شرط لمعرفة وقت ومكان الهجوم التالي.
المدن
——————————–
ذلّ الأسد في حضرة بوتين… ومجد الأوسكار السوري/ ياسر أبو شقرة
جلس الأسد ووزير دفاعه، كالعبيد، وتواصل إذلالهم أمام المستعمر الذي يستبقيهم على “رأس” بلاد احتل حتى صورتهم فيها. ومع دفق صورهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في حضرة فلاديمير بوتين، نبت ذل على جبين بلاد فقدت صور مدنها على الخريطة، وأثبت لأي متابع أن للصورة قوة يستعرض من خلالها الروس آخر احتلالاتهم للكرامات غير الثروات، بينما يستعرض النظام الفاشي قوته بصور المدن الممسوحة، والأرواح الهائمة، وجثث الأبرياء التي تداس بأقدام مصوّريه وإعلامييه، فيعلن من خلالها أن لا رحمة لمن شقّ عصا الطاعة، تلك العصا التي كسرها السوريون منذ قرابة العقد، لتبدأ فنونهم باجتياح العالم.
للسنة الثالثة على التوالي، يحجز الفيلم الوثائقي السوري مكانه ضمن لائحة الترشيحات القصيرة لجائزة الأوسكار، “آخر الرجال في حلب” لفراس فياض العام 2018، و”عن الآباء والأبناء” لطلال ديركي العام 2019، وفيلما “إلى سما” لوعد الخطيب وإدوارد واتس، و”الكهف” لفراس فياض وقد دخلا الللائحة القصيرة لهذا العام في انتظار نتائج حفلة توزيع جوائز الأوسكار في التاسع من شباط/ فبراير 2020.
ثلاثة مخرجين، لا يجمع بينهم طريقة ولا أسلوب، لا منهج، ولا داعم، بل موت لاحقهم فاختاروا الفن نقيضاً له. وفي الوقت الذي تدعم حكومات دول عظمى صناعة السينما في بلادها، وتحاول إيصال مخرجيها إلى ما وصل إليه المخرج(ة) السوري(ة) خلال السنوات الماضية من ثبات على المنصات، استطاعت الحالة الفردية السورية، والتي حظيت باهتمام شركات الإنتاج الكبرى، أن تحافظ على مستوى رفيع من صناعة الفيلم الوثائقي، الأمر الذي يحرج الدولة السورية بأكملها، ويحرج إعلام أصدقائها مُدَّعي الممانعة، فيمنعهم من تغطية تقليدية هانئة لجوائز الأوسكار، لأن كاميرا الهاتف التي لاحقها النظام منذ أن أطلق رصاصته الأولى في صدر أول متظاهر، وحاول أن يقتل حاملها، صقلتها السنوات العجاف وباتت تصنع المعجزات لشعب طور إمكانياته الفردية رغم أساه ومنفاه.
وبين صناعة السينما، وإيجاد التمويل، وتوزيع الفيلم في الأسواق، وإنتاج الفكرة الأصيلة، والعمل على الوثيقة، والحِرفية العالية في ظل غياب أساس أكاديمي، والهرب من البكائيات وصورة البلاد النمطية التي كرسها الإعلام، تطورت حالة السينما الوثائقية السورية على صعيد صنّاعها كما على صعيد جمهورها السوري. فبات المتلقي لا يهتم لأمر الجوائز، بقدر اهتمامه لجودة الفيلم الذي يتحدث عنه، ما بات يضع عبئاً على المخرج(ة) يدفعه دوماً للأمام، لأن المتلقي اليوم صار يعرف أكثر من أي وقت مضى، أن قضيته التي دفع من روحه ثمناً لها، ليست للمتاجرة. البوصلة هي أن نقدم أنفسنا للعالم كأناس جديرين بالحياة وبالحرية، وليس بالشفقة والتعاطف. قضيتنا التي لا تمس الكثير من شركات الإنتاج العالمية، نخاف عليها أن تصبح سلعة، أو أجندة سياسية.
في فيلم “آخر الرجال في حلب” يأخذنا فراس فياض في رحلة إلى حلب نرى معها “أصحاب الخوذ البيضاء”، وهم الدفاع المدني الذي يعود لهم الفضل في إنقاذ حياة الآلاف من همجية الأسد، وفي الوقت ذاته كان قد اشتدّ سعار النظام وحلفائه ضد من يُفشلون محاولاته في إبادة المدنيين. في تلك السنة انتشرت عبر وسائل الإعلام التابعة لمحور النظام، تهويلات حرصت على تخوين هؤلاء الشبان المدنيين، وتصويرهم على أنهم صهاينة تابعون لإسرائيل في أكثر الروايات الإعلامية ابتذالاً وسخفاً. فما كان أجمل من فيلم وثائقي عمل صاحبه على تسليط الضوء على معاناة هؤلاء الشباب الذين يهرعون نحو أكثر مناطق المدينة خطورة، كي يستعدوا لانتشال ضحايا القصف، فيما هم أنفسهم أول الضحايا المحتملين، ولإسقاط الروايات المبتذلة لسفاحي الإعلام من خلال منصة الأوسكار.
أما فيلم طلال ديركي “عن الآباء والأبناء” في العام التالي، فهو الذي تكشّف معه المتلقي السوري كناقد، ولم تأخذه المفخرة بوصول السوريين إلى الأوسكار، بل رُفض الفيلم على المستوى الشعبي. إذ لم ينظر ديركي بعين شعبه، إنما بعيون المنتجين ذوي النظرة المسبقة، والأجندة السياسية، ليدخل ديركي حياة جهاديّ في ريف إدلب بهدف تصوير همجيته، بعدما اقتحم حياته كلصّ، مدعياً أنه من محبّي الجهاد. الجمهور السوري، الذي عانى من هؤلاء الجهاديين ويعرفهم أكثر من أي أحد في العالم، رأى في الفيلم أجندة غربية، لا تميز الثائر السوري بل حتى المواطن، عن الجهادي الذي صُوّر ببرود، بعدما استفزه المخرج ليقول كل الكليشيهات النمطية التي يصورها الغرب عن الجهاديين. ولم يبدُ هناك فرق بين إدلب وكابول، مدينتان لا يمكن لسوري أن يجمعهما معاً، إنما هي عين المنتجين الاستشراقية السطحية. ومع هذا الفيلم، عرف السوريون أنه يمكن أن تكون للأوسكار أبعاد أخرى، وطريق أقل احترافاً واحتراماً.
والآن، ينتظر السوريون فيلم “الكهف”، الذي يعيد فراس فياض للترشيحات بعد عامين. الفيلم الذي صُوّر في الغوطة الشرقية، عن مشفى ميداني، ويناقش ضمن مواضيعه حياة طبيبة تعاني كما يعاني أهل الغوطة، بالإضافة إلى صعوبات عملها كأنثى في هذا العالم الذكوري، هذا الفيلم مازال قيد المهرجانات ولم يخرج للصالات بعد.
أما فيلم “إلى سما” لوعد الخطيب وإدوارد واتس والذي برهن تفاعل الناس معه بعد بدء عروضه في الصالات العالمية، أنه جوهرة التاج في الإنتاج السينمائي الوثائقي السوري، الفيلم الحاصل على العديد من الجوائز العالمية، يتحدث عن علاقة حب وأمومة بين وعد الخطيب وزوجها الطبيب الميداني، ثم زواجهما في حلب، فإنجابهما الطفلة “سما”، وأخيراً خروجهم جميعاً من المدينة مرغمين. وعبر تشابك المشاعر الحاملة للعلاقات الإنسانية الرقيقة، نرى حكاية حلب التي تصورها وترويها الأم لطفلتها الصغيرة، ونعيش في فضاء المشفى الميداني مع أقسى الحالات الحرجة التي تأتي بسبب همجية القصف. أول أفلام وعد الخطيب يحصد عدداً من الجوائز والترشيحات، ما يجبرنا على انتظار الآتي منها بشغف.
وبينما يأتي العام الثالث على التوالي، ليؤكد حضور الفيلم السوري كمرشح للأوسكار، وعبر فيلمين هذا العام، يغمض النظام عينيه عما يجري، فيما تغرق المؤسسة العامة للسينما في دمشق بفسادها وعصاباتها. يغمض النظام عينيه، ويتوسل أي مهرجان في مصر السيسي، أو بقية دول الثورة المضادة، من أجل نشر بروباغندا، أبرز ما فيها هو قلة الاحتراف، ومحاولة تلميع صورة الأراغوزات المهينة، القادمة من كاميرات الروس. ومَن أغمض عينيه عن كل مهرجانات العالم ومنصاته، هيهات له أن يصنع فيلماً أو يلتقط صورة.
المدن