ثقافة وفكر

سيوف من لهب: أسباب الفتوحات الإسلاميّة واستقبال الشعوب المفتوحة لها/ حسام عيتاني

 

 

في شبه إجماع، اعتبرت الشعوب المغلوبة الفتوحات العربية عقاباً من الله على ذنوب سابقة. منها ما يعود إلى الخلافات الداخلية المتعلقة بالإيمان والصراعات بين الكنائس المختلفة التي أغضبت إلهاً لم يعتد الشقاق بين أبنائه وسئم من سوء أخلاقهم ومن آثامهم الممتدة من الخروج على سلطة الكنيسة إلى موبقات يرتكبونها في حياتهم اليومية، ومنها ما يشكل تحقيقاً لنبوءات قديمة.

وكان كتّاب الحوليات والكهنة أعلنوا توقعهم حصول الفتوحات التي تحدثت عنها كتب الأولين. وجاء في أكثر من مصدر قديم، أخبار عن سيوف من الشهب ظهرت في سماء سوريا وبلاد ما بين النهرين قبل أعوام أو أشهر من بداية الفتوحات ومن سقوط ممالك الروم والفرس. فالتاريخ النسطوري يبلغنا، مثلاً، أن يونان صاحب عمر (دير) برطورا والذي أقام في جبل سنجار، تنبأ قبل وفاته “ببطلان ملك الفرس وظهور العرب وما يلحق الناس من الشدة”، وذلك بعدما اجتمع إليه الرهبان لبناء الدير فخاطبهم قائلا “سيجيء العرب ولد اسمعيل (أولاد إسماعيل) من البرية ويملكون. ويخرب هذا العمر. وبعد سبع سنين يكون سكون في العالم وتعودون إلى العمر من حيث تبددتم وتجتمعون فيه” [1]. ويتابع التاريخ ذاته انه بعد استقرار المُلك ليزدجرد بن شهريار، آخر ملوك الفرس، واصطحاب أنصاره له من اصطخر الى المدائن بعد الصراعات التي عمت الإمبراطورية الساسانية في أعقاب حروب العقد الثاني من القرن السابع ضد البيزنطيين، “ظهر في السماء مثل الرمح من الجنوب الى الشمال. ثم انبسط إلى المشرق والمغرب ومكث على ذلك خمسا وثلاثين ليلة. فتفاءل الناس إنها علامة ظهور ملك العرب” [2].

المؤرخ البيزنطي ثيوفانس يشير إلى الظاهرة ذاتها ضمن أحداث عام 631-632 حيث يقول بعد حديثه عن هجوم المسلمين على غزة: “في الوقت ذاته تقع زلزلة في فلسطين وتظهر علامة في السماء يقال لها “دوكيتس” في اتجاه الجنوب تنذر بالفتح العربي. ظلت مدة ثلاثين يوما وتحركت من الجنوب إلى الشمال واتخذت شكل سيف” [3].

ويذكر اللاهوتي والمؤرخ الانكليزي بيديه (Bede) ظهور مذنّبين في السماء “كإنذار بالكارثة المقبلة”[4] في الحقبة التي كانت الجيوش الإسلامية تغزو فيها إسبانيا وجنوب فرنسا، من دون أن يهتم، على غرار معاصريه، بأسباب الفتوحات ولا بمعتقدات الفاتحين.

ويقول كاتب سيرة القديس ثيودور من سيكيون الواقعة قرب غالاطيا في آسيا الصغرى والمتوفى عام 613، إن بطريرك القسطنطينية توماس سأل القديس ما إذا كانت ظاهرة اهتزاز الصلبان الصغيرة أثناء الابتهالات في الكنائس حقيقة، وعندما علم من القديس أنها صحيحة، راح يرجوه تفسير معنى الإشارة هذه. وبعد إظهار ثيودور لقلة شأنه وقوله إنه هو خاطئ بائس، أجاب بأنه لا يعلم ردا على السؤال. حينها هوى توماس عند قدمي القديس وأمسكهما محتجا بأنه لن ينهض عن الأرض ما لم يلقَ ردا من ثيودور. وبعد إلحاح البطريرك، بكى القديس بكاء مراً وقال “لا أرغب في إزعاجك، وما من فائدة لك في معرفة هذه الأمور. لكن بما أنك سألت فإن اهتزاز الصلبان ينبئنا بالكثير من الخطوب المؤلمة والخطيرة- انه يعني انعدام الاستقرار في إيماننا ويُعلمنا بالجحود وبمجيء العديد من الشعوب البربرية وسفك الكثير من الدماء و(الوقوع في) الأسر في كل أنحاء العالم، وهيمنة الحزن على الكنائس المقدسة وتوقف القداديس واختلال وسقوط الإمبراطورية وارتباك الدولة ومرورها بأوقات حرجة، ويؤذن ذلك أن قدوم “العدو” (الشيطان) بات وشيكا” [5].

وثمة اتفاق بين المؤرخين على أن الإشارات الأولى إلى وقوع اضطرابات غير محددة طبيعتها في شبه الجزيرة العربية جاءت في “تعاليم يعقوب المُعمد حديثاً” (Doctrina Jacobi Nuper Baptizati)، وهي نص سجالي- دفاعي مع اليهود كتب على الأرجح في إفريقيا عام 634 ويعتبر من سلسلة النصوص الدفاعية المسيحية التي ازدهرت في القرنين الخامس والسادس وتركزت على تفنيد الشريعة والتقاليد الدينية اليهودية والدفاع عن الكنيسة وعن العقيدة المسيحية، وخصوصا بعد اعتراض اللاهوتي مكسيموس المعترف (Maximus the Confessor) على التنصير القسري ليهود الإمبراطورية البيزنطية بناء على أوامر هيراكليوس عام 632، وبالأخص ليهود قرطاجة وشمال إفريقيا. وجاءت “التعاليم” لتبين صحة تنصير اليهود الذين ما عاد من داع لتمسكهم بدينهم بعد ظهور المسيح.

وتُنسب “التعاليم” إلى يعقوب، وهو تاجر يهودي من فلسطين كان في رحلة إلى قرطاجة حيث داهمته الأحداث المتعلقة بالتنصير الذي شمله في من شمل. وفي خضم هذه الحوادث يصل من فلسطين قريب ليعقوب يدعى جوستوس حاملاً أخبار بعض ما يجري هناك وما أثاره من قلق بين أهله بسبب “ظهور نبي مزيف”. كان أول ما سمعه جوستوس عن “النبي المزيف” يدور حول قتل السراسنة أحد ضباط الحرس الإمبراطوري وابتهاج اليهود لمقتل الضابط وقولهم إن النبي قد ظهر وانه آت مع السراسنة وهو يبشر بمجيء المسيح. ويتوجه جوستوس من قيصرية إلى سيكامينا (Sykamina) حيث يلتقي عجوزا ضليعا بما تقول الكتب، ويسأله جوستوس عن النبي الجديد فيرد العجوز متنهدا “انه مزيف.لا يأتي الأنبياء شاهرين السيف. والحق انهم (السراسنة) يعملون لنشر الفوضى التي نراها اليوم. وأخشى أن يكون المسيح الذي جاء والذي يعبده المسيحيون هو المسيح الذي أرسله الله وبدلا (من الإيمان به) رحنا نستعد لاستقبال عدو المسيح” [6] .

أما النص غير الإسلامي الأقدم الذي يتحدث “من موقع الحدث” (إذا جاز القول) فهو خطبة بطريرك القدس سوفرونيوس (أو صفرونيوس)، والتي سبقت حديث المصادر العربية عن أحداث تلك الأعوام بقرن ونصف القرن على الأقل. ففي رسالة غير مؤرخة يبدو أنها كتبت أواخر عام 633 أو مطلع 634 وجهها بطريرك القدس المعين حديثا الى مجمع ديني عقد في روما، ويؤكد فيها التزامه بالإيمان الخلقيدوني مقابل انتشار عقيدة المشيئة الواحدة، يعدد سوفرونيوس البدع التي تنبغي محاربتها وإلقاء الحرم على اتباعها إلى أن يبدي أمله في أن يتيح الله “لأباطرتنا المحبين للمسيح عزما قويا وحازما لتحطيم كبرياء كل البرابرة، وخصوصا السراسنة الذين ظهروا فجأة بسبب خطايانا ودمروا كل شيء بتصميم وحشي لا يطوَّع، وبجرأة لا تعرف التقوى ولا الإيمان بالله. لذا، نرجو قداستكم، أكثر من أي وقت مضى، التوجه بتضرعات عاجلة الى المسيح حتى يتلقاها منكم برضى ويهدئ بسرعة من غلوهم (السراسنة) الغاضب ويعيد هذه المخلوقات الشريرة إلى ما كانت عليه، موطئا لأقدام أباطرتنا الذين جاد علينا الرب بهم”.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 634، حالت الغارات العربية دون حج المسيحيين إلى بيت لحم واضطر سوفرونيوس الى إلقاء عظة الميلاد التي تُلقى عادة في كنيسة المهد، في القدس. وهو بعدما عبّر عن فرحته المزدوجة لمصادفة الميلاد في يوم أحد (ما يؤكد ان السنة كانت 634 بحسب التقويم المعتمد حينها)، قال: “علينا الكفاح لنستحق مكافأة الله لنا بجلب هبات الإيمان والأعمال الصالحة كما جلب الرعاة والمجوس هباتهم إلى يسوع في بيت لحم”. وقادت المقدمة هذه سوفرونيوس إلى التطرق إلى الأحداث واستخدامها لتوجيه رسالة إلى أهله بقوله: “لكننا وبسبب خطايانا التي لا تحصى وسلوكنا شديد الإثم، كنا عاجزين عن رؤية هذه الأمور وعن الدخول إلى بيت لحم. وفي معزل عن إرادتنا، بالفعل، وعلى خلاف تمنياتنا، طُلب منا البقاء في بيوتنا، ولم تعقنا أربطة جسدية، بل أعاقنا الخوف من السراسنة”. ويتابع أن المسيحيين في القدس مثل آدم الذي حظر عليه دخول الجنة برغم “أننا لا نرى السيف المتقلب الملتهب [7]، بل نرى [سيف] السراسنة البربري الجامح المليء بكل التوحش الشيطاني. ونحن كموسى محظور علينا دخول أرض الميعاد ومأزقنا يشبه مأزق داود: هو واجه الفلسطينيين، فيما الآن استولى السراسنة الذين لا يؤمنون بالله على بيت لحم وقطعوا علينا الطريق اليها ويهددون بالقتل والدمار اذا غادرنا هذه المدينة المقدسة وتجرأنا على الاقتراب من بيت لحم الحبيبة والمقدسة”.

ويُبلغ سوفرونيوس المجتمعين في الكنيسة للإستماع الى عظته، بالرد- وبه يصل الى ذروة كلامه- وهو في التوبة والخضوع لمشيئة الله فقط، “وإذا كان علينا العيش بما يرضي الله ويسره، فسنبتهج لسقوط السراسنة الأعداء ومراقبة دمارهم الوشيك وانهيارهم الأخير. وستنغرز نِصالهم المشتهية للدماء في قلوبهم وستتحطم أقواسهم وستصيبهم سهامهم”، وتساءل: “ألم يتجلَ الله كبشر ويتعذب من أجلنا. لقد كان الإله الحق وابن الإنسان. طبيعته واحدة مع الأب فيما يظهر نفسه كرجل مثلنا. وتتجلى طبيعته كاثنين، كإله وإنسان لا انفصال بينهما. ويظل مسيحاً واحداً لا يمسه تبدل ولا زيغ ولا انشقاق ولا انقسام”.

ويظهر الوصف المفصل للهجمات العربية في عظة البطريرك سوفرونيوس في عيد الغطاس في عام 636 او 637. القسم الأعظم من العظة مخصص لتفسير معنى عمادة يسوع المسيح حيث يقول سوفرونيوس إن العمادة كانت اللقاء بين القانون والنعمة الإلهيين: الأول وضعه موسى وجسده في سرّ العمادة يوحنا المعمدان، والنعمة هي التي حملها يسوع الى بني البشر. وبعد شرح مستفيض، ينتقل البطريرك إلى تناول الفظائع التي يرتكبها العرب بما أن ذلك يضع دعوته إلى المصلين للإقلاع عن آثامهم في قالب الطلب العاجل، خصوصا لأن الآثام تلك أثارت غضب يسوع واستياءه، فيقول: “بيد ان الظروف الراهنة ترغمني على التفكير تفكيرا مختلفاً عن سبب كثرة الحروب بيننا. لماذا يُغيِر البرابرة حولنا؟ لماذا تهاجمنا قوات السراسنة؟ لماذا وقع الكثير من الدمار والنهب؟ لماذا يُسفك الدم البشري بلا توقف؟ لماذا تَفترس جوارح السماء أجساد البشر؟ لماذا تُهدم الكنائس؟ لماذا يتعرض الصليب إلى السخرية؟ لماذا تجدف الأفواه الوثنية على المسيح وهو موزِّع كل الخيرات ومزود كل المُبهجات؟ لذا هو يصرخ فينا “بسببكم يجدف على اسمي بين الوثنيين”، وهذا أسوأ من كل الأمور الرهيبة التي تجري لنا. لهذا يجول السراسنة المنتقمون والكارهون لله، وهم عار التخلي الذي ابلغنا الأنبياء به بلاغاً واضحاً، في الأماكن المحظورة عليهم. ينهبون المدن ويدمرون الحقول ويحرقون القرى ويضرمون النار في الكنائس المقدسة ويقلبون أعلى الأديرة المبجلة أسفلها ويواجهون الجيوش البيزنطية التي تندفع لصدهم، ويكدسون الغنائم في القتال. ومجددا هاهم ينهضون ويأتون ضدنا ويزيدون من تجديفهم على المسيح والكنيسة، ويطلقون أبغض التجديف على الله. ويتشدق أعداء الله هؤلاء بالنصر على الجميع، ويقلدون بإلحاح وبلا وازع الشيطان قائدهم ويفوقونه في الخيلاء التي طرد بسببها من الجنة وقضي عليه بالبقاء في الظلمة الحزينة. لكن هؤلاء الأشرار ما كانوا ليبلغوا هذا القدر من القوة التي أتاحت لهم ارتكاب الأفعال هذه ضد القانون، لو لم نُهن نحن أولاً الهبة [العمادة] ونلوث الطهارة ونُحزِن بذلك المسيح، واهب الهبات، ونحضه على الغضب منا، برغم طيبته وكرهه للشر، وبرغم أنه نبع الرقة ولا يتمنى دمار وهلاك الإنسان. في الحقيقة، نحن المسؤولون عن كل هذه الأمور ولن نجد كلمة واحدة في الدفاع عن أنفسنا. أي كلمة أو مكان سيمنح لنا لندافع عن أنفسنا بعدما أخذنا كل هذه الهبات منه، ووسخناها ولوثنا كل شيء بأعمالنا الشريرة؟” [8].

عظتا سوفرونيوس توفران نموذجا مهماً للطريقة التي سينظر فيها المسيحيون ومن ثم الغرب عموما إلى العرب والمسلمين. فمن جهة، لا تزيد الفتوحات العربية والمعاناة التي ترافقها – على غرار الحروب جميعاً – عن كونها عقاباً إلهياً ينزله رب غاضب بالمؤمنين المقصرين في واجباتهم الدينية والمخلين في سلوكهم الاجتماعي المتفلت من الضوابط التي ينص الدين عليها. ومن الجهة الثانية، يُلاحظ تطور طفيف في فهم المسلمين ودوافعهم. ففي العظة الأولى (في عيد الميلاد) يكون السراسنة، في عين البطريرك، مجموعات من الوثنيين والغوغاء الذين يعيثون في الأرض فسادا ويعيقون إتمام الشعائر الدينية، لكنهم في الثانية (عِظة عيد الغطاس) وبعد مرور عامين أو ثلاثة من الاحتكاك مع المسلمين وتوسع وجود هؤلاء وعملياتهم العسكرية، والأرجح تكثيف نشاطهم الديني، باتوا جزءا من خطة تزداد معالمها وتفاصيلها وضوحاً، يقودها الشيطان للقضاء على المسيحية بعدما أسرف أتباع يسوع في إثارة غضبه، وهو الحليم الذي لا يكنّ كرهاً للإنسان.

يتعين القول إن ملامح الجدالات الدينية تبرز واضحة في عظة سوفرونيوس، ليس مع المسلمين بطبيعة الحال، بعدما وضعهم في خانة أعداء الله والمجدفين على المسيح وبعدما حصر رؤيته إليهم كغوغاء وهمج يغيرون على المدن والقرى طمعا في الأسلاب، بل مع الكنائس الأخرى التي لم يجد البطريرك مانعاً من استعراض مقومات إيمانه الأرثوذكسي أمام اتباعه كرسالة موجهة إلى الخصوم من أنصار الطبيعة الواحدة واليعاقبة وغيرهم من أتباع الفرق المسيحية. ويبدو ذلك واضحاً بتلاوته لمقاطع تلاوة شبه حرفية من مقررات مجمع خلقدونيا المنعقد عام 451 حيث يتساءل سوفرونيوس عن تجلي المسيح وطبيعته وصلبه وعذابه، وهو ما يبدو رداً يقصد به اعتراضات النساطرة على ما هو بيّن.

ولا توفّر الإدانة الشديدة للغارات العربية في كلام سوفرونيوس توضيحاً مقنعاً للقارئ المعاصر عن السبب الذي جاء العرب من أجله من شبه الجزيرة إلى فلسطين. لكن مصدراً قريباً زمنياً من الفتوحات يحاول شرح الخلفية التي ظهرت الفتوحات عليها، وهو المؤرخ الأرمني سيبيوس الذي عاش وكتب في القرن السابع حيث يقول ان رجلاً ظهر بين العرب وأعاد الاعتبار إلى صلة النسب التي تربطهم باسماعيل (بإيحاء من اليهود) وقرر دفع بني قومه إلى استعادة الأرض الموعودة في فلسطين [9].

والمهم في كلام المؤرخ الأرمني انه كان الأول الذي يضيف إلى الإنسياق المتوقع في مقولة جعل العرب، أو بالأحرى فتوحاتهم، أداة العقاب والغضب الإلهيين لخطايا المسيحيين ويسعى، إلى جانب ذلك، نقلا عمن يقول انهم أرمن فروا من الأسر العربي، إلى وضع نظرية “موضوعية” لأسباب الفتوحات تتعلق بدوافع فاعليها والقائمين بها وليس بمن يتلقون الفعل.

ومقابل محاولة بطريرك القدس تفسير الفتح الإسلامي في سياق ديني، يتبنى سيبيوس مقاربة عاطفية تستأنف حديث الغضب الرباني حيث يقول: “مرة أخرى ينبغي علي الحديث عن الشر الذي نزل بنا في زمننا هذا، وكيف تمزق رداء الإيمان القديم وكيف نفث القيظ الجاف رياحه علينا وأحرق الأشجار المورقة الجميلة الباسقة في بساتيننا الحانية. وهذه هي الحقيقة، لأننا ارتكبنا الإثم ضد الرب وأغضبنا قديس إسرائيل. لقد قال “إذا أرضاكم ذلك يمكنكم اللحاق بي، ويمكنكم أخذ طيبات الأرض. لكن إذا رغبتم في عدم الإنصات سيفترسكم السيف، لقد نطق الرب بذلك”. لقد ظهرت هذه الدوامة سابقا فوق بابل وبلغت بعد ذلك كل البلاد… والآن إلى جنوبها، وخصوصا شعوب الهند والذين يقطنون الصحراء وهم أبناء ابراهيم المحرومون المولودون من هاجر ومن روتير وإسماعيل وعمرام وموغان وماديان ويقظان ومليساوي ويسباوي [10]وأبناء لوط حيث أمون ومؤاب وأبناء عيسو في أدوم… هي تلك الصحراء الهائلة والرهيبة التي جاءت منها دوامة الشعوب تلك المرتفعة كالعاصفة والغازية لكل البلاد والمستولية عليها. لقد تحقق القول “ان الوحش الرابع سيخلق المملكة الرابعة على الارض، أكثر شراً من الممالك الأخرى، وستُحيل كل البلدان الى صحارى”.

بهذه القصة عن الوحوش الأربعة المستمدة من سفر دانيال، يكرس سيبيوس تقليداً سيتبعه فيه كثر من رجال الكنيسة ومن المؤرخين في بحثهم عن تفسيرات للفتوحات الاسلامية. وربما كانت عودة سيبيوس ومن جاء بعده إلى المصادر المتوفرة والتي لا تنقصها الصدقية الإلهية العالية عند أبناء الشعوب المسيحية المغلوبة، أسلوباً مفهوماً من الناحية المعرفية في اللجوء إلى الأدوات الموثوقة لفهم العالم حتى لو بدت الأدوات تلك خارج العصر.

وجاء في سفر دانيال ان الملك نبوخذنصّر رأى حلماً عجز حكماء الكلدانيين والمجوس عن تفسيره، لذا أمر بقتلهم فيما تمكن دانيال اليهودي السبي من شرحه للملك وفق الصيغة التي تبدأ من الآية 31 من الإصحاح الثاني:

“أنتَ أيُّها المَلِكُ رأيتَ فإذا بِتِمثالٍ عظيمِ هائِلٍ كثيرِ البَهاءِ. كانَ واقِفًا أمامَكَ وكانَ مَنظَرُهُ رهيبًا، 32، وكانَ رأسُهُ مِنْ ذهَبٍ خالصٍ، وصَدْرُهُ وذِراعاهُ مِنْ فِضَّةٍ، وبَطنُهُ وفَخذاهُ مِنْ نُحاسٍ، 33، وساقاهُ مِنْ حديدٍ وقَدَماهُ بعضُهُما مِنْ حديدٍ والبعضُ مِنْ خزَفٍ، 34، وبَينَما أنتَ تَنظُرُ إليهِ اَنقطَعَ حجرٌ مِنَ الجبَلِ مِنْ دونِ أنْ تَلْمَسَهُ يَدٌ، فضَرَبَ التِّمثالَ على قدَمَيهِ اللَّتينِ مِنْ حديدٍ وخزَفٍ وسحَقَهُما، 35، فاَنسَحَقَ الحديدُ والخزَفُ والنُّحاسُ والفِضَّةُ والذَّهَبُ معًا، وصارَت كُلُّها كَتِبْنِ البَيدَرِ في الصَّيفِ، فحَمَلَتْها الرِّيحُ وما وُجدَ لها أثَرٌ. أمَّا الحجرُ الذي ضرَبَ التِّمثالَ، فصارَ جبَلاً كبيرًا ومَلأَ الأرضَ كُلَّها، 36، «هذا هوَ الحُلُمُ. أمَّا تفسيرُه فأُخبرُكَ بهِ أيُّها المَلِكُ: 37، أنتَ أيُّها المَلِكُ مَلِكُ المُلوكِ، لأِنَّ إلهَ السَّماءِ وهبَكَ المُلْكَ والعِزَّةَ والقُدْرَةَ والجلالَ، 38، وكُلَ ما يَسكُنُه بَنو البشَرِ ووُحوشُ البَرِّ وطُيورُ السَّماءِ وهَبَهُ لكَ وسَلَّطَكَ علَيهِ جميعًا، فأنتَ الرَّأسُ الذي مِنْ ذهَبٍ، 39، وبَعدَكَ تقومُ مَملَكَةٌ أُخرى أصغَرُ مِنْ مَملَكَتِكَ، ثُمَ مَملَكَةٌ ثالِثَةٌ سِلاحُها مِنْ نُحاسٍ فتَتَسَلَّطُ على كُلِّ الأرضِ، 40، ثُمَ مَملَكَةٌ رابِعَةٌ يكونُ سِلاحُها صَلْبًا كالحديدِ، لأِنَّ الحديدَ يَسحَقُ ويَطحَنُ كُلَ شيءٍ. فكما أنَّ الحديدَ يُحَطِّمُ، كذلِكَ تَسحَقُ هذِهِ المَملَكَةُ وتُحَطِّمُ جميعَ تِلكَ المَمالِكِ، 41، كما رأيتَ أنَّ بَعضَ القدَمَينِ والأصابِعِ مِنْ خزَفِ الفخارِ والبَعضَ الآخرَ مِنْ حديدٍ، فلذلِكَ تكونُ المَملَكَةُ مُنقَسمَةً، ولكنْ فيها قسوةُ الحديدِ لأنَّ الحديدَ مِثلَما رأيتَ مُختَلِطَ بِخزَفٍ مِنَ الطِّينِ، 42، وكما أنَّ أصابِعَ القدَمَينِ، بَعضُها مِنْ حديدٍ وبَعضُها مِنْ خزَفٍ، فكذلِكَ يكونُ بَعضُ المَملَكَةِ صَلْبًا والبَعضُ سَريعَ الانكِسارِ، 43، ورأيتَ أنَّ الحديدَ مُختَلِطَ بِخزَفِ الطِّينِ فهذا يَعني أنَّ مُلوكَ تِلكَ المَملَكَةِ يَختَلِطونَ بَعضُهُم معَ بَعضٍ بالزَّواج، فلا يَلتَحِمونَ كما أنَّ الحديدَ لا يَختَلِطُ بالخزَفِ، 44، وفي أيّامِ هؤلاءِ المُلوكِ يُقيمُ إلهُ السَّماءِ مَملَكَةً لا تَخرَبُ أبدًا، ولا يَغلِب سُلطانَها شعبٌ آخرُ، فتَسحَقُ وتَفْني جميعَ تِلكَ المَمالِكِ، وهيَ تَثبُتُ إلى الأبدِ، 45، ورأيتَ أنَّ حجرًا اَنقَطَعَ مِنَ الجبَلِ مِنْ دُونِ أنْ تَلمَسَهُ يَدٌ، فسَحَقَ الحديدَ والنُّحاسَ والخزَفَ والفِضَّةَ والذَّهَبَ، فهذا يَعني أنَّ الإلهَ العظيمَ أعلَمَ المَلِكَ ما سيكونُ بَعدَ هذِهِ الأيّامِ. حُلُمُكَ صحيحٌ وتفسيري لَه صادِقٌ». 46، فوَقَعَ المَلِكُ نَبوخذنَصَّرُ على وجهِهِ ساجدًا لدانيالَ وأمرَ لَه بِتَقدِمَةٍ وذبيحَةِ رِضًى، 47، وقالَ المَلِكُ لدانيالَ: «إلهُكُم هوَ إلهُ الآلِهَةِ حقُا وربُّ المُلوكِ، لأنَّكَ قَدِرتَ أنْ تكشِفَ هذا السِّرَّ».،48، وأكرَمَ المَلِكُ دانيالَ، فوَهَبَهُ هدايا كثيرةً، وسَلَّطَهُ على كُلِّ إقليمِ بابِلَ، وجعَلَهُ على الدَّوامِ سيِّدَ حُكَّامِها جميعًا”.

وتبوأت مملكة المسلمين موقع الوحش الرابع من سلسلة الوحوش/ الممالك التي تنبأ دانيال بها مئات الأعوام إلى أن تغيرت أوضاع الخلافة وتوسعت آفاق التفكير.

وفي إطار الصراعات المسيحية، يكتب القديس أناستاسيوس السينائي(Saint Anastasius the Sinaite)، عند أواخر القرن السابع، صلاة يرجع فيها النجاحات العسكرية العربية إلى تجاوزات الإمبراطور كونستانس الثاني للإيمان القويم، وفي هذه الحالة، للكنيسة الكاثوليكية. ويندد أناستاسيوس خصوصاً بإساءة كونستانس معاملة البابا مارتينوس الأول قائلاً: “لقد نفى حفيد هيراكليوس (كونستانس الثاني) مارتينوس وسرعان ما ظهر من الصحراء العماليق (القبائل العربية المتأسلمة) الذين ضربونا، نحن شعب المسيح. هذا هو السقوط الأول والأشد رهبة والذي لا شفاء منه للجيش الروماني (البيزنطي). أتحدث عن سفك الدماء في اليرموك وداثن اللتين جرى الاستيلاء بعدهما على مدن فلسطين وسفكت الدماء فيها، وصولا إلى قيصرية وأورشليم. وبعد دمار مصر حصل استعباد لا علاج له للأراضي (المحيطة بـ) البحر المتوسط وجزره. بيد أن المهيمنين على الإمبراطورية الرومانية لم يفهموا هذه الأمور. لقد استدعوا أقصى الناس في الكنائس الرومانية وقطعوا ألسنتهم وبتروا أيديهم. ماذا بعد؟ جاء رد الله على ما يبدو دمار الجيش الروماني دماراً كاملاً (في معركة) فونيكس (Phoenix)[11] ودمار الاسطول ودمار الشعب المسيحي برمته وفي كل الأمكنة أثناء حكمه (كونستانس الثاني). لم يتوقف هذا إلا عندما قتل مضطهد مارتينوس حتفه بالسيف في صقلية” [12]، في إشارة إلى مقتل كونستانس عام 668 على يد أحد المشاركين في مؤامرة للاستيلاء على عرش الإمبراطور.

والمثير للاهتمام أن بعض مسجلي التاريخ القدامى ربطوا بين عدد من الأحداث التي كانت شبه الجزيرة العربية وتخومها القريبة تشهدها. فالكاتب المجهول لـ”الحوليات الجورجية” التي يُعتقد أن صياغتها التي وصلت إلينا تعود إلى القرن الثاني عشر كحصيلة جمع لعدد من الوثائق الأقدم، يُعلن أن “ما من أحد قادر على تسجيل الكوارث التي مر المسيحيون بها بسبب السراسنة الذين كانوا يسمون في السابق “كأغرت أكناك”. وقد ذكر التوراة ان ألسنة الكأغرت [13] ستلعق دماء الأبرياء”. يقول: “في بدء قوة ذلك الشعب (السراسنة)، كان ثمة شخص حكم بعضاً من الاسماعيليين المحيطين به. وفي أيامه، استولى أحد أمراء بلاد ما بين النهرين ويدعى سرجيس، على ممتلكات عدد من التجار الإسماعيليين. وطلب أمير الكأغرت من السارق عدم تكرار ذلك، لكن (سرجيس) لم يلق بالا. فجمع أميرهم حشداً هائلاً من شعبه وذهب واستعاد ما كان له وما كان لغيره. وبعد فوزه أصبح ذلك الشعب أقوى. وفي تلك الفترة التقوا محمداً، المُطارد من قومه. كان محمد قد درس عند أحد الرهبان ويدعى اريانوس… واقنع (السراسنة) محمداً بالمجيء إليهم وجعلوه قائدهم العسكري. وحاربوا جميع البلدان للتكفير عن خطايا المسيحيين في اليونان وأرمينيا وسوريا وأغبانايا وإيبيريا (جورجيا) فاغتنوا واستولوا على صولجان الإيرانيين ما جعل كل الشعوب تخضع لهم” [14].

في قراءة ثانية لما يقول كاتب الحوليات، تبدو ملامح من حروب الإمارات العربية المؤيدة للفرس والبيزنطيين ومن قصة هجرة النبي إلى يثرب ومن الحكاية التي تتكرر كثيرا في الأدبيات المسيحية الشرقية عن لقاء النبي بالراهب بحيرة أو سرجيوس وقيام هذا بتلقين محمد أسس الديانتين المسيحية واليهودية. ومعلوم أن الحكاية هذه تردد صدى علاقة الرسول العربي بورقة بن نوفل الذي تقول المصادر الإسلامية إنه كان من الأحناف أو من المسيحيين العرب، إضافة إلى التأكيد على أن الدافع إلى حروب السراسنة كان “خطايا المسيحيين في اليونان وأرمينيا وسوريا…”.

أما يوحنا اسقف نقيوس القبطي الذي عاش في أواخر القرن السابع، فيلوم البيزنطيين على خطاياهم التي جلبت الغضب الإلهي المتجسد في الفتح العربي [15].

ويدعو يوحنا من فنك أو بنك الواقعة على ضفة نهر دجلة، (جون بار فنك John bar Penkaye الذي عاش في النصف الثاني من القرن السابع)، إلى عدم اعتبار ظهور أبناء هاجر أمراً عادياً “بل إلى أخذه كنتيجة لعمل إلهي. فعندما جاء هؤلاء الناس، بأمر من الله، واستولوا على ما كان للمملكتين… وضع الله النصر بين أيديهم كما لو أن الكلمات التي تعنيهم تنفذ بحذافيرها: رجل يطارد ألفاً وأثنان يهزمون عشرة الاف (سفر التثنية- الإصحاح 32- الآية 30). وإلا كيف أمكن لعراة يمتطون (جيادهم) من دون دروع أو تروس أن يفوزوا، في غنى عن المساعدة الإلهية، لقد دعاهم الله من أقاصي الأرض حتى يدمر بهم “مملكة آثمة” (سفر عاموس- الاصحاح التاسع – الآية 8) وحتى يذل بهم روح الفرس المتفاخرة” [16].

في المقابل، فإن المسيحيين اليونانيين الذين تمسكوا بمقررات مجمع خلقيدونيا حول الطبيعتين، رأوا في تأييد الإمبراطور كونستانس الثاني، حفيد هيراكليوس، لمقولة المشيئة الواحدة التي روج لها هيراكليوس وخلفاؤه كتسوية بين فكرتي الطبيعة الواحدة اليعقوبية والتي تبنتها الكنائس الشرقية ومقولة الطبيعتين التي أصر عليها الخلقيدونيون، السبب الحقيقي للفتوحات العربية، خصوصا وان كونستاتس الذي اتسم بالرعونة كان قد أساء الى البابا مارتينوس الأول الذي استدعي من روما إلى القسطنطينية ثم عُذب ونفي إلى إحدى قرى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود بعد اعتراضه على تكريس المشيئة الواحدة عقيدة للكنيسة [17].

لم ينحصر العقاب الإلهي في المشرق، بل شمل الأندلس ايضا. وجاء سقوط مملكة القوط هناك ليصدم الإيمان المسيحي صدمة شديدة، خصوصا وان الغوط كانوا قد تركوا لتوهم البدعة الإيروسية وانتقلوا الى الإيمان القويم بعد جهود خارقة بذلها عدد من كبار شخصيات الكنيسة مثل إيزدور الإشبيلي. لكن الإنجاز الرائع هذا والذي بدا وكأنه قد شيد على أرض صلبة من الدين والشريعة، تضعضع بفعل الاجتياح العربي. ولا يتردد مدونو الحوليات في ذكر السبب: “لقد أفرط القوط في إساءتهم إلى الله بغرورهم حتى استحقوا السقوط بسيف السراسنة”، أو بحسب العبارة التي رددوها Peccatis exigentibus, victi sunt Christiani”“.

وقال الملك سانشو النافاري (Sancho of Navarre) الذي حكم الشمال الإسباني بعد الفتوحات بثلاثة قرون في وثيقة تأسيس دير القديس مارتن المعروف بدير البلدة (Abbey of Albelda): “ارتكب أسلافنا الآثام بلا ندم، كانوا ينتهكون يوميا وصايا الرب، ولمعاقبتهم العقاب الذي يستحقون ولحملهم على العودة إليه، سلمهم قاضي القضاة وأكثرهم عدلا إلى شعب همجي”. لكن واقع الأمر هو إن القسم الأكبر من إسبانيا لم ينتقل إلى الكاثوليكية، ووقف المجتمع الذي تسوده الهرطقة، من وجهة النظر الكاثوليكية، عاجزا أمام إيمان المسلمين. أما الشمال الإسباني الذي كانت الكاثوليكية قد رسخت فيه، فشكل المركز الذي تجمعت فيه القوى التي شنت حروب الاسترداد اللاحقة (Reconquista) والذي قدم الدليل على صدق الاعتقادات الكاثوليكية[18]. بل إن المؤرخين الكاثوليك لا يترددون في إلقاء تبعات وصول الفتوحات العربية إلى شمال أفريقيا وإسبانيا على الأباطرة البيزنطيين المؤيدين للمشيئة الواحدة وعلى “سياستهم القاتلة” [19].

ويوجد نص سرياني يُعتقد ان واضعه كاهن ملكاني أو يعقوبي من شمال بلاد ما بين الرافدين ومنسوب إلى ميتوديوس، أسقف أولبميوس المتوفى عام 315. ويُرجح أن النص كتب في تسعينات القرن السابع أي بعد انقضاء سبعين عاماً من الأعوام المئة التي راجت تكهنات بألا يزيد العهد العربي عنها. كاتب نبوءة ميثوديوس المنحول (Pseudo Methodius) يكتشف في الانحلال الجنسي خطيئة أهانت الله فسلط على مرتكبيها سيف السراسنة فيقول عنهم: “ليس لأن الله يحبهم منحهم القوة للسيطرة على أراضي المسيحيين، بل لتفلت المسيحيين من القانون تفلتاً لم يقع مثيل له وربما لن تشهده أجيال بكاملها على الأرض. لماذا ارتدى الرجال ثياب النساء الزانيات والمومسات وزينوا أنفسهم بزينة النساء ووقفوا علناً في الساحات والأسواق وبدلوا عاداتهم الطبيعية بأخرى غير طبيعية…؟. الأمر ذاته فعلته النساء. لقد لامس الأب والإبن والأخ المرأة ذاتها التي تلامس كل الأقارب… لهذه الأسباب سلمهم الله إلى البرابرة، بسبب خطاياهم ونتنهم. ستلوث النساء أنفسهن بالرجال الذين تلوثوا سابقاً وسيحصل أبناء إسماعيل على الغنائم” [20].

كذلك يذهب القديس بونيفاس (Saint Boniface) الذي عاصر الاندفاعة العربية إلى جنوب فرنسا وخصوصا في مقاطعتي بروفنس وبورغوندي، إلى أن السلوك الجنسي المشين الذي ساد بين الغوط هو الذي دفع “القاضي الكلي القدرة” الى السماح باجتياح السراسنة لإسبانيا [21]. وملاحظة بونيفاس هذه، التي لا تخرج عن إطار تحميل الذات أوزار الحروب والسياسات ومآلاتها مقدمة تفسير غير جديد لها، جاءت بعد هزيمة العرب في بواتييه والانحسار النسبي للتهديد الذي واجهته أوروبا في النصف الاول من القرن الثامن، بحيث بات في وسع النخب الأوروبية إعمال التفكير في ما يجري حولها، بهدوء يزيد – بطبيعة الحال- عن فترات المعارك والحروب. وهو ما سيبرز في القرون التالية.

من جانب ثانٍ، لا جديد في الموقف المسيحي في تحميل الذات الخاطئة تبعات الهزائم العسكرية والسياسية. فالإمبراطور هيراكليوس خاطب الجنود الفرس الذين جاؤوا لاحتلال القسطنطينية بقيادة الأمير شاهرباراز عام 626 بالقول: “لم يعطكم الله النصر بفضل تقواكم بل لقلة تقوانا… لقد (أعطتكم النصر) خطايانا وليس شجاعتكم” [22]. كما سنرى لاحقا ان تغير النظرة المسيحية الشرقية ثم الغربية إلى الفتوحات العربية والى الإسلام والمسلمين عملية مركبة استغرقت مئات الأعوام، ويمكن الزعم أنها لم تنته حتى اليوم، تماما كما لم ينته تطور الإسلام وتغير مواقعه في الحياة الاجتماعية والسياسية للمؤمنين به، أو تغير الزاوية التي تتعامل معه الديانات والثقافات والحضارات غير العربية وغير الإسلامية، خصوصا الحضارة الغربية الحديثة.هكذا تبدو الفكرة القائلة بتموضع حضارتين في صراع أزلي بينهما وزج كل النتاج الفكري لهاتين الحضارتين في ثنائية الهيمنة (من جهة الغرب) والتحرر (من جهة الشرق)، تميل ميلاً شديداً إلى التبسيط المسرف.

ونسجا على المنوال الذي نسج سوفرونيوس عظتيه عليه، اندرجت الفتوحات في الأجواء السياسية والفكرية السائدة في المشرق في تلك الحقبة. فإذا كانت الفتوحات العربية بمثابة العقاب للخطاة، فإن لا مجال – في رأي رؤوس الكنائس المتنازعة – سوى على التشديد على أن خطايا البعض أعمق وأخطر من خطايا الآخرين. وقد تبادل اليعاقبة والأرثوذكس الملكيون اللوم في التسبب بمجيء العرب. فهؤلاء عند اليعاقبة عقاب من الله للبيزنطيين على آثامهم منذ مجمع خلقدونيا واضطهادهم أبناء الكنائس الأخرى، وعند البيزنطيين ومن والاهم في أمور العقيدة، مصيبة أنزلها الرب باليعاقبة المهرطقين[23].

ويصل الشعور بالذنب الى مستويات تدفع مؤرخين مسيحيين إلى وضع الاتهامات بارتكاب المسيحيين للخطايا على ألسنة القادة المسلمين. وينسب مخائيل السرياني، على سبيل المثال، إلى معاوية بن أبي سفيان قوله أثناء قيادته الحملة التي أعقبت استيلائه على قيصرية فلسطين التي كان حكماؤها لا يعملون بما يرضي الله والتي انتشر الفساد فيها [24]: “نحن صاعدون إلى بلد مليء بالذهب وبالثروات من كل صنف. لقد وضع الله هذه البلاد بين أيدينا بسبب آثام سكانها”. وفي مدن كيليكيا يرتكب الجنود المسلمون مجازر وفواحش “حتى وسط الكنائس” ويستعبدون “كل الشعب: الرجال والنساء والأطفال”. وهم بعد جمعهم كل الثروات راحوا يعذبون الأغنياء والأعيان لإرغامهم على كشف مخابئ ذهبهم، من دون أن يخامر المؤرخ الشك في أن كل أعمال الطائيين (العرب) هذه وغيرها عقاب من الله للمؤمنين.

على أن لوم الذات ليس محض بضاعة مسيحية. فها هو كاتب زرداشتي حديث من سلالة الفرس الذي فروا من بلادهم ولجأوا الى الهند هرباً من الفتوحات العربية، يحمّل أسلافه مسؤولية ما أصابهم. ويقول كاهن البارسيس (الفرس) الأكبر في كراتشي مانكجي نوسرفانجي دهالا (Maneckji Nusservanji Dhalla) “عمت المجاعة والأمراض وانتشر خرابها في أرجاء البلاد. وجُلبت من الأراضي الأجنبية أساليب البذخ من دون رقيب، مع كل ما تنطوي عليه من آثام، وبساطة الحياة التي علمها وأوصى زرداشت بها وحضت الدساتير عليها بشدة، أُهملت وتُركت. ولم ينأَ الجمهور عن بذخ النبلاء وآثامهم، ومكان حب البساطة حل حب محموم للمتعة. وانحسرت العادات البسيطة… لقد تضرر ضرراً عميقا كل النسيج الاجتماعي الإيراني. وجفت مصادر حب الوطن وضعفت الشجاعة التي كان الفرس القدماء يواجهون بها أعداء بلادهم. لقد حل عصر الضعف والانحطاط مكان عصر البسالة. هذه هي المسائل التي فاقمت من تدهور إيران وغطت على الكارثة المقبلة ولم يظهر أحد كمنقذ في تلك الحقبة الأشد ظلاما من معاناة الأمة، لتجنب الدمار الوشيك. في وسط المعمعة والارتباك هذين، جلس يزدجرد الثالث وهو الأخير من بيت ساسان الشهير، على العرش المتأرجح” [25].

فلنلق نظرة الآن على التفسيرات التي قدمها عدد من المستشرقين الغربيين الحديثين والتي تقوم في جانب منها على دراسة المصادر العربية بعدما أصبحت هذه متاحة لجمهور الباحثين.

يذهب وليام مويير (William Muir) إلى أن التزايد السكاني الكبير في شبه الجزيرة العربية جعل من الاكتظاظ مشكلة غير قابلة للحل سوى عبر الفتوحات والاندفاع إلى خارج المناطق الفقيرة “كأسراب الجراد” التي سودت وجه الدنيا. وهو ما يرفضه ليوني كايتاني (Leone Caetani) مشيراً إلى أن أعداد العرب والمسلمين لم تكن كثيفة، من دون ان ينفي وجود مشكلة اقتصادية جراء القحط ساهمت في دفع العرب الى الهجرة وبالتالي إلى الاصطدام بالبيزنطيين وبالفرس. أما هنري لامنس (Henri Lammens) فيعيد السبب، من جهة، إلى طبيعة العرب الميالة إلى القتال والغزو وبروز قدرة تنظيمية عسكرية متفوقة على أعدائهم جراء الخضوع التام للأوامر عند الجنود والمستقى من الطاعة القبلية للكبار، وإلى عنف مفرط في التعامل مع العدو، من الجهة المقابلة.

وسعى كارل بيكر (Carl Becker) إلى رسم صورة مركبة ذات أحداث متصاعدة في الفتوحات بوضعها في سياق حوادث تفاقمت لاحقا لتصل إلى حدود الحملات المنظمة، بعدما ظهرت فوائدها من غنائم وسيطرة على الأراضي الخصبة. وبعد ذلك فقط حصلت الهجرات العربية. وهو ما يفصّله ويقدم البراهين عليه ماكس فون اوبنهايم (Max Von Oppenheim). ويميز كيه. دبليو. بوتزر (K.W. Butzer) بين انتشار الإسلام وبين الهجرات العربية، فيما يقيم ج. هـ. بوكيه (G.H. Bouquet) حدوداً بين طبيعة الفتوحات وبين أسباب نجاحها، أي الالتزام الديني قبل إغراء الأسلاب إلى جانب ضعف بيزنطة وفارس ووجود قادة اكفاء في الجانب العربي، وهو رأي موريس كانورد (Maurice Canord) وفرانشسكو غابريللي (Franscesco Gabrielli) في الوقت عينه. ويفصِّل أم. أيه. شابان (M.A. Shaban) الحاجات الاقتصادية العربية بعد حرب الردة [26].

ويجزم صاحب “تاريخ الإمبراطورية البيزنطية” ألكسندر فاسيلييف (A.A Vasiliev) أن البدو الذين شكلوا الأكثرية الساحقة من جنود الفتوحات لم يكن من همّ لهم سوى الأسلاب والنهب فيما كانت معرفتهم بالإسلام معرفة سماعية فقط، مشدداً على غياب العامل الديني في الفتوحات، ما يذكّر بالنتائج التي توصل كايتاني إليها عن ضآلة موارد الجزيرة العربية وعدم قدرتها على تلبية احتياجات السكان من دون التبني الكامل لها [27].

ويستنتج برنارد لويس (Bernard Lewis) استنتاجاً مشابهاً بقوله إن الفتوحات العربية هي توسع للأمة العربية وليس للإسلام، بسبب الاكتظاظ الديموغرافي، وانها من طينة الهجرات التي حملت الساميين مرات تلو المرات إلى الهلال الخصيب وما بعده. وقد حصلت في القرنين السادس والسابع حالات تمدد عربية إلى مناطق الهلال الخصيب في حين أن العديد من المدن مثل بُصرى وغزة كانت تضم نسبة مهمة من سكانها من العرب. وساعد في نجاح الفتوحات أن السدين الفارسي والبيزنطي اللذين كان يمكنهما التصدي لموجات الفتوحات والهجرات العربية، كانا ضعيفين [28]. وهذا الضعف هو تحديداً ما يدين العرب بانتصاراتهم له، بحسب غيبون (Gibbon) الذي يرى انه لو وُلِد محمد في أيام القيصرين تراجان أو قسطنطين او الملك شارلمان لكان “هؤلاء تمكنوا من صد هجمات السراسنة العراة ولكانت الحماسة الدينية قد ضاعت في رمال الصحراء”، أي أن القول بأولوية الدافع الديني الإسلامي ليست كافية لتفسير الانتصارات إذ أن ضعف الطرف المقابل هو الأساس، وفق النظرة تلك [29].

وبالاعتماد على المصادر العربية، يخلص فريد دونر (Fred Donner) إلى أن سوريا شكلت عنصر جذب قوياً للعرب الذين اتحدوا بعد فتح مكة، خصوصا وان زعماء قريش الذين اصبحوا جزءا رئيسا من النخبة الإسلامية السياسية والدينية الحاكمة، كانوا على اطلاع وثيق على ازدهار الحواضر السورية وأن بعضا منهم، كأبي سفيان، امتلك أراضي قرب دمشق. ويجوز الاعتقاد بأن قريشاً سعت عند محمد الى فتح الشام وانه رأى في تلك الأرض ما يوفر مصادر عيش الجماعة الإسلامية الجديدة، من دون أن يلغي ذلك بحال حقيقة أن الشام احتلت مكانة مميزة في العقيدة الإسلامية وأن القدس -أولى القبلتين والمكان الذي أسرى محمد إليه ليلة الإسراء والمعراج- هي، في نهاية المطاف، من حواضر سوريا، التي شهدت نزول الرسالات السابقة على الإسلام أيضا.

زيادة على الأسباب الاقتصادية والدينية، توجد بلا ريب – بحسب دونر وعدد من المستشرقين الآخرين – دوافع سياسية – استراتيجية وضعت سوريا في رأس أولويات محمد والخلفاء. فأهمية توحيد القبائل العربية في كيان سياسي مركزي، بدت حاسمة أثناء الصراع مع قريش ولم تتقلص أهميته بعد فتح مكة، بل العكس استناداً إلى تجربة حرب الردة: فقد اتضح أن بقاء الدولة والدين الجديدين يتطلب ضم القبائل الرحل في الأجزاء الشمالية القريبة من الحجاز في المقام الأول والمدن والبلدات التي يقطنها الحَضَر، خصوصا أن من هذه المنطقة كان يصدر الخطر والمنافسة الأبرز للدولة العربية من قبل بيزنطة التي راحت تعيد بناء تحالفاتها مع مؤيديها العرب بعد الانكسار الفارسي وبعد تفكيك الإمبراطور الساساني خسرو برويز لمملكة الحيرة العربية قبل اندلاع الجولة الأخيرة من الحروب البيزنطية –الفارسية التي أطاحت أيضا ببقايا مملكة الغساسنة. ويجوز الاعتقاد بأن الصدام الإسلامي – البيزنطي وقع نتيجة سعي الجانبين الى التمدد في المنطقة ذاتها من شمال شبه الجزيرة العربية.

فقد كانت الدولة الإسلامية تعمل على ترسيخ وجودها بين القبائل أثناء حرب الردة وبعدها فيما كان البيزنطيون يعملون على إعادة ترتيب منطقة نفوذ سابق استعادوها بشق الأنفس بعد حربهم المدمرة ضد الفرس. ولعل الإشارات الإسلامية المبكرة إلى خطر الغساسنة [30] وفشل المحاولة التي قام بها “ملكهم” جبلة بن الايهم للانضمام الى الإسلام (بتكليف من البيزنطيين، على الأرجح) تبين المحاولات التي وضعت في قالب أسطوري بعد ذلك عن اتصالات جرت بين الروم والعرب المسلمين لضم الأخيرين إلى الأولين. ولعل السرايا التي بعث النبي بها إلى الجنوب السوري (إلى ذات أطلح في ربيع أول من العام الثامن للهجرة وإلى مؤتة في جمادى الآخرة من العام ذاته وتبوك ودومة الجندل في العام التاسع)، تشير الى ان مؤسس الدين والدولة الإسلاميين والخلفاء الأُول شعروا جميعاً بإلحاح حسم الموقف في سوريا لمصلحتهم، ليس لأسباب اقتصادية ودينية وحسب، بل أيضا لأسباب سياسية واستراتيجية حيث بدا أن السماح بالتقاط بيزنطة أنفاسها بعد حربها ضد الفرس سيؤدي إلى منع توحيد القبائل العربية التي ستجد في الإمبراطورية البيزنطية سيدا قويا يصعب التحرر من قبضته [31].

لقد كان الترابط بين نتائج حروب الردة وبين الفتوحات موضع اهتمام عدد من المؤرخين، حيث يقول لويس إن الفتحين، أي ذاك الذي جرى داخل الجزيرة العربية والآخر الذي شمل المقاطعات المجاورة لكل من سوريا والعراق ومصر، كانا متزامنين ومترابطين وليسا متتابعين. ولعل القبائل العربية لم تكن لتقبل بخضوعها للفتح لو لم تُتح لها الفتوحات في الشمال الحل الجذاب لمشكلاتها الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية. وكانت الحملات الأولى عبارة عن غارات تهدف إلى السلب، فيما جاءت الحملات اللاحقة فقط بعدما تبين ضعف العدو. وقد وفر الإسلام للفاتحين ثقة بالنفس ورمزا للنصر والوحدة. ولعل شخصيات مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص التي أدت الأدوار الأخطر في الفتوحات كانت صلتها بالإيمان صلة أداتية، فيما قبع الأكثر تدينا في الصفوف الخلفية، مع استثناءات قليلة. وفي قلب هذه الصورة تأتي أوراق البردى المصرية التي وصلت الى المؤرخين المعاصرين من القرن الهجري الأول لتقول إن اهتمامات الفاتحين كانت عملية – تنفيذية في المقام الأول بمعنى الاهتمام بمصالح الأرستقراطية الدينية –العسكرية، وأن الخليفة كان في هذه المهمة بمثابة أمين السر أو المؤتمن من قبل الجماعة على حسن إدارة مصالح جماعته[32].

إن عدم فرادة الفتوحات العربية باعتبارها ظاهرة تتكرر منذ فجر التاريخ، منذ هجرات الساميين القدامى التي جرت لأسباب اقتصادية وبيئية في المقام الأول، تلقى سنداً قوياً في الأسئلة التي تطرحها غزوات بني سُلَيْم وبني هلال لصعيد مصر وشمال أفريقيا والتي لم يكن أصحابها في حاجة إلى أي تبرير “إيديولوجي” أو ديني لينتقلوا من شمال ووسط شبه الجزيرة العربية ومن محيط المدينة المنورة إلى صعيد مصر ومن ثم إلى شمال أفريقيا وتونس، وهي الغزوات التي يحملها ابن خلدون مسؤولية دمار حضارة كانت مزدهرة بين السودان والبحر الأبيض المتوسط [33].

بيد أن القراءة هذه والتي يمكن أن تلخص الخطوط العريضة لفهم مؤرخي ومستشرقي القرنين التاسع عشر والعشرين الأوروبيين، كانت بعيدة عن تصورات كتاب الحوليات من البيزنطيين والفرس أو من مسيحيي المشرق في القرنين السابع والثامن الذين ربطوا الفتوحات العربية بمعطيات الغيب. ذلك أن الأدوات المعرفية التي كانت في حوزة كتاب الشعوب المغلوبة والمتحملة أوزار حقبة الفتوحات لم تكن تتجاوز الأدبيات الدينية واللاهوتية التي سادت بعدما انحسرت آثار الحضارة الهيلينية، أو بالأحرى الجوانب العقلانية منها، بفعل مئات الأعوام من الصراع مع الوعي الديني.

———————

[1]Histoire Nestorienne (Chronique de Seert), Texte Arabe publié par Mgr Aadai Scher in “Patrologia Orientalis” – Tome XIII- pp 469-470.

[2]Ibid- p 580.

[3]Theophanes Confessor- “The Chronicle” -C. Mango and R. Scott (trans. & edit.) Clarendon Press- Oxford- 1997- p 467

[4]Hoyland- Seeing Islam as Others Saw it- Darwin Press- 1998- p 227

[5]Hoyland- Seeing Islam- p 53

[6]Hoyland- Seeing Islam- pp 54-57

[7]يشير سوفرونيوس هنا الى الآيات 22-24

[8]Hoyland- Seeing Islam- p 69-10-71-72

[9]Sebeos- History-Chapter 30

[10] الأرجح أن سيبيوس يشير هنا الى اسماء القبائل العربية القديمة.

[11] وهي التي يسميها العرب معركة ذات الصواري عام 655

[12]W. Kaegi- “Initial Byzantine Reactions to the Arab Conquest”- Church History –XXXVIII- n 2 – p 142.

[13] يترك محقق المخطوطة ومترجمها روبرت بدروسيان (R. Bedrosian) الإحالة الى التوراة من دون توضيح، لكن يجوز الاعتقاد ان المقصود هنا هم العماليق الذين تتحدث التوراة عنهم في أسفار التكوين والخروج والعدد والتثنية وغيرها، والذين يصورون على أنهم الاعداء الاصليون لليهود خصوصا أن اسم ملك هؤلاء القوم الذي تشير اليه الحوليات هو كاغرت أكناك K’aghrt’ Aknak والذي يمكن ان يكون تحريفا لاسم ملك العماليق الوارد في التوراة وهو أغاغAgag الذي قتله الملك شاول بحسب سفر صاموئيل.

[14]The Georgian Chronicle- Chapter 16

[15]John Bishop of Nikiu- Chronicle 120-200

[16]Hoyland- Seeing Islam- p 524

[17]S.P. Brock, “Syriac Views of Emergent Islam,” in G.H.A. Juynboll (ed.), Studies on the First Century of Islamic Society (Carbondale, III., 1982), pp. 87-97

[18]William Holden Hutton -The Church and the Barbarians- Being an Outline of the History of the Church from A.D. 461 to A.D. 1003”, p 78

[19]Ibid-p 102

[20]Hoyland– Seeing Islam»- p 224 and W. Kaegi–Initial Byzantine Reaction- p 143

[21]Hoyland- Seeing Islam- p 227

[22]Sebeos – History- Chptr 26

[23]John Tolan- Saracens- Columbia University Press- 2002- p 40

[24]هناك التباس أو لعله سوء فهم في شأن مناسبة ومكان هذا الكلام. ويشير ميخائيل السرياني الى ان معاوية قاله بعد استيلائه على قيصرية وقبل «صعوده الى بلد اليهود»، ما يعطي الانطباع بأنه كان متوجها الى عمق فلسطين أو الى الجليل، في حين إن والتر كايغي يرى ان معاوية كان يتحدث الى جنوده قبل صعودهم هضبة الاناضول. راجع Chronique de Michel le Syrien- Edité par J.B. Chabot–p 431 و Walter Kaegi–Byzantium and the Early Islamic Conquests–p 246

[25]Maneckji Nusservanji Dhalla (High Priest of the Parsis, Karachi, India)- History of Zoroastrianism- p 543.

[26] بعض قراءات المستشرقين الحديثين لاسباب الفتوحات موجود في Fred McGraw Donner- «The Early Islamic Conquests»- Princeton University Press- 1981- pp 3-7.

[27]A.A. Vasiliev – “The History Of Byzantine Empire”- p 157.

[28]B. Lewis- The Arabs in History- p 55

[29]Edward Gibbon- The History of the Decline and Fall of the Roman Empire- vol. 5-50 -1782 (Written) , 1845 (Revised)- p 296

[30] والذي يمكن الاستدلال عليه من اللعنة التي يقول الجاحظ في «البيان والتبيين» إن النبي العربي صبها على الغساسنة

[31]Donner- Early Islamic Conquest- pp 96-101. لمزيد من التفاصيل عن الصدامات الأولى بين المسلمين والبيزنطيين يمكن العودة الى Kaegi-Byzantium and Early Islamic Conquests

[32]B. Lewis- Arabs- pp 55-56

[33]Ibid-158

كلمن

عدد 0، ربيع 2010

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى