الناس

هدية الأسد لنتنياهو : عودة رفات الجندي الإسرائيلي من سوريا بعد 37 عاماً -تحليلات ومقالات مختارة-

مقابل روسي وسوري للجندي الإسرائيلي؟/ وليد شقير

بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه أمس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في موسكو أن الجيشين الروسي والسوري عثرا على جثة الجندي الإسرائيلي المفقود منذ حرب لبنان عام 1982، توالدت الأسئلة المحيطة بلغز الكشف عن جثمان أحد الجنود الإسرائيليين الثلاثة الذين كان تردد أنهم أُسروا أحياء، في معركة السلطان يعقوب في منطقة البقاع الغربي المحاذية للحدود مع سورية، أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

فعلى رغم المحاولات الإسرائيلية لاسترداد الجنود الثلاثة في السنوات الماضية، لم تكشف دمشق عن مكان وجودهم إلا بالأمس، نتيجة طلب روسي بناء لتحرك من قبل بنيامين نتانياهو. وإذا كانت الأسئلة البديهية التي تفرضها هذه الصفقة تتعلق بالثمن الذي ستناله روسيا من وراء تلبية طلب نتانياهو، فإن أسئلة لا تقل أهمية عن مغزى الدور السوري في الكشف عن مكان دفن الجندي الإسرائيلي، والمقابل الذي سعت إليه دمشق في تلك العملية، خصوصاً أنها لم تحصل في إطار تبادل للأسرى كما حصل في آخر عملية تبادل عام 1984، وكانت تخص سورية، إذ أطلقت إسرائيل سراح 311 أسيراً سورياً مقابل ستة إسرائيليين في مدينة القنيطرة، من مخلفات معارك حرب 1973.

وإذا كانت عمليات التبادل تتم عادة في شكل معزول عن استمرار العداوة السياسية والعسكرية بين دولتين وقوتين، لأنها تشمل استرجاع أسرى من الطرفين، كما حصل عشرات المرات حتى الآن ومنذ عام 1948 بين العرب والمنظمات الفلسطينية و«حزب الله»، وإسرائيل، فإن «تسليم» جثمان أسير من دون الإفراج عن أسرى في المقابل يعني أن هذا المقابل سياسي، سواء أكان لروسيا أم لسورية في الحالة الأخيرة.

المؤكد، في إطار لعبة الأثمان السياسية بين الدول، وفي حالة تسليم جثمان السرجنت الإسرائيلي زخاري بوميل، الأميركي الجنسية، أن نتانياهو سيستفيد من العملية في الانتخابات العامة الإسرائيلية التي ستجري بعد أسبوع تحديداً، إذ إن المنافسة محتدمة بينه ورئيس الأركان السابق في الجيش بني غانتس زعيم حزب «أزرق أبيض» الجديد. إنها هدية تشبه تلك التي سلّمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لنتانياهو قبل أيام في واشنطن، حين أعلن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، بعدما كان أعلن ذلك وزير خارجيته جورج بومبيو من القدس المحتلة قبل أسبوعين، في ظل ميزان القوى المختل بفعل الضعف العربي والاضمحلال السوري، مهما كان رفض قمة تونس العربية قبل أربعة أيام قوياً وعالياً. موسكو تسابق واشنطن على تفضيل نتانياهو على منافسيه في اليمين المتطرف أو الأكثر تطرفاً.

كان يمكن للهدية الروسية أن تكون أقل أذية للعرب وحقوقهم في الأراضي المحتلة، لو لم تأتِ بعد الهدية الأميركية في الجولان. وقد ترمز هذه الهدية إلى المزيد من الأدلة على التقاطع في المصالح بين الكرملين والبيت الأبيض هذه الأيام في سورية، والذي يشمل الموقف من استمرار الوجود الإيراني فيها. هذا على رغم أن كثراً يعتقدون أنها هدية لإيران في الوقت نفسه، لأنها تبرر لها مواصلتها بناء بنية تحتية عسكرية في المناطق السورية الجنوبية الواقعة بمحاذاة الحدود مع الجولان، تحت شعار مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

قد يكون الثمن الروسي بالمقابل مزيداً من الانضباط الإسرائيلي في توجيه الضربات العسكرية الجوية والصاروخية ضد الوجود الإيراني في الميدان السوري، وآخرها في 28 آذار (مارس) لمستودعات أسلحة وذخائر، في ريف حلب الشمالي في العمق السوري، والتي لم تستثنِ الجيش السوري. ذلك أن مطلب موسكو الدائم من إسرائيل هو تجنب جيش النظام، بحجة أنها تعيد تنظيمه وترتيب أموره كي يلعب دوراً في مرحلة الحل السياسي عندما يحين. بذلك تكون موسكو أصابت أكثر من هدف سياسي، وسبق لبوتين أن سلّم إلى نتانياهو عام 2016 إحدى الدبابات الإسرائيلية التي كان غنم الجيش السوري خمساً منها في معركة السلطان يعقوب، بعد أن أهدتها دمشق إلى بوتين.

لكن ما المقابل السياسي لنظام دمشق طالما أن بوتين أعلن أن الجيش السوري ساعده في العثور على جثمان الجندي الإسرائيلي المدفون؟

على رغم أن لا شكوك بقدرة موسكو على الاستعانة بمن تمون عليهم من الجيش السوري لإتمام العملية، فإنها ليست المرة الأولى التي يرسل فيها النظام السوري الإشارات الإيجابية إلى إسرائيل، وتحديداً عبر موسكو. سبق للأخيرة أن أسرّت إلى أصدقاء لها بأن «النظام» طلب إليها استمزاج رأي الجانب الإسرائيلي (عام 2015) حول إمكان سيطرته على مناطق محاذية للحدود معها، مقابل الاطمئنان إلى أمنها. في الحلقة الضيقة الحاكمة في عاصمة الأمويين من يعتقد أن الضمانات الأمنية لإسرائيل عنصر مساعد على التخفيف من غلواء الموقف الأميركي ضد بشار الأسد. فهل أن تسليف نتانياهو جثمان زخاري بوميل، يرمي إلى تشجيع إسرائيل على إقناع واشنطن بتخفيف الحصار الأميركي المتصاعد، المضروب على الأسد، والإقلاع عن الإصرار على حل سياسي انتقالي وفق قرار مجلس الأمن الرقم 2254؟

الحياة

ليست رفات جندي … إنها كرامة وطن/ بسام يوسف

لابد لي في البداية من توضيح مهم للغاية، يتعلق بالقوانين والأعراف والاتفاقيات التي أجمعت، واتفقت، عليها البشرية بعد فظائع الحروب وويلاتها، هذه القوانين المتعلقة بإعادة جثث الجنود القتلى في المعارك، ورفاتهم، واحترام حقوق الأسرى، وحمايتهم، وتجنيب المدنيين وقائع الأعمال العسكرية، وإسعاف الجرحى، ومعالجتهم… إلخ، من هذه القيم الإنسانية التي يجب التمسك بها والدفاع عنها، كائنا من كان الخصم، ومهما بلغت بشاعته، فهذه الاتفاقيات لم تأت ترفاً، بل كانت حاجة ملحة من أجل تقليل النتائج الكارثية للحروب.

في العاشر من حزيران 1982 وأثناء اجتياح القوات الإسرائيلية للبنان، وقعت معركة شرسة وعنيفة -حسب التصنيف العسكري لها- في منطقة البقاع الأوسط في لبنان، وتحديدا في منطقة السلطان يعقوب أو ما يسمى “بيادر العدس”، بين قوة من الجيش الإسرائيلي من جهة، وبين قوة من الجيش السوري، ومعه مقاومون وطنيون لبنانيون من جهة أخرى، (في تلك الفترة لم يكن حزب الله قد أعلن عنه).

وحسب الرواية الرسمية السورية فإن المدرعات الإسرائيلية حاولت التقدم عبر البقاع الأوسط اللبناني للسيطرة على الطريق الدولية التي تربط بيروت بدمشق، بهدف عزل القوات الفلسطينية واللبنانية (المقاومة الوطنية اللبنانية)، لكنها وقعت في كمين تسبب بخسارة فادحة وهزيمة أليمة لها، فانسحبت تاركة وراءها ثمان دبابات معطوبة، واثنتين بجاهزية تامة، وجثث ثلاثة من جنودها.

منذ ذلك اليوم، أي منذ 37 سنة، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبحث عن هذه الجثث الثلاث لتستعيدها، وتحاول استعادة الدبابتين اللتين تم نقلهما إلى دمشق، وتمكنت في عام 2016 من استعادة إحدى الدبابتين، والتي كانت سوريا قد أهدتها إلى موسكو سابقا قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، بموافقة من الرئيس الروسي الحالي بوتين، ومنذ أيام تم الكشف عن إعادة رفات الجندي الإسرائيلي “زكريا باومل” وأيضا عبر حليف إسرائيل الرئيس الروسي “بوتين”.

بعيداً عن كل هذه التفاصيل، وبعيداً عن رمزية إهداء الدبابة الإسرائيلية في العلاقات العسكرية السوفيتية – السورية، وتفريط بوتين بها وبرمزيتها، فإن طريقة استعادة إسرائيل لرفات جنديها “باومل” فجّر لدى السوريين إحساسا بالقهر، وفتح السؤال الفاجع حتى أقصاه: ألهذا الحد تستباح كرامة السوريين، والوطن السوري، من قبل “الحكومة السورية” وحلفائها، بينما تتباهى إسرائيل باستعادة رفات جنديها بعد 37 سنة؟

لا يمكن لدولة تحتقر شعبها ومواطنيها، وتجرعهم الإذلال والمهانة في كل تفاصيل حياتهم اليومية، أن تنتصر مهما تكن القضايا التي تتبناها عادلة، وهذه الدولة لا تحتاج إلى مؤامرات، ولا تحتاج إلى جواسيس أو مخربين أو.. لتنهار، فهي ستنهار حكما، لأنها ستتآكل من داخلها، وتظل تتآكل حتى يأتي حدث عابر ليجعل منها خرابا كاملا.

لعل أهم ما فعلته الثورة السورية أنها عرّت حتى النهاية السلطة الأسدية التي تحكم سوريا منذ خمسة عقود، وكشفت البنية العميقة لها، وكشفت أيضا إلى أي حد تقيم اعتبارا للوطن السوري، أو للشعب السوري وكرامته وانتصاره واسترجاع حقوقه.

لم تكن قصة الجندي الذي استعيدت رفاته وحدها هي الفاجعة للسوريين، والمهينة لكرامتهم، ولذاكرتهم، ولتاريخهم، بل سبقها قبل أيام توقيع الرئيس الأمريكي “ترامب” على قرار بمنح إسرائيل سلطة مطلقة على هضبة الجولان السورية المحتلة، والفاجع ليس هو الموقف الأمريكي، فهو موقف معلن منذ زمن طويل، لكن الفاجع هو كيف تعاملت هذه السلطة “الأسدية” مع الحدث، وكيف جعلت قسما من السوريين مجرد بهلوانات في مهرجان سيرك سخيف، يدبكون، ويرقصون، ويزيحون الستار عن صورة لرئيس لا يعرف معنى الكرامة، ولا معنى الوطن.

لا يمكن لعاقل أن يتجاهل أن من يصنع التاريخ، وأن من ينتصر هي الشعوب، وأن الإنسان هو حجر الأساس في قيام أي دولة، أو حضارة، فلماذا إذا كرّس حافظ الأسد، ومن بعده ابنه، كل جهودهم، واستعانوا بخبرات أجنبية لكي يحطموا الإنسان السوري، ولكي يضعفوا المجتمع السوري، ولكي يهدموا كل ما يمكنه أن يحمي السوريين في وجه أي عاصفة تجتاح وطنهم؟

ليس الجواب بهذه البساطة، وليست “الخيانة” هي الاختصار المكثف للجواب، إنها أبعد من هذا بكثير، وما فعله حافظ الأسد بسوريا، وابنه من بعده لن يعيد رفات الجنود الإسرائيليين، ولا دباباتهم وحسب، إنه سيوصل سوريا إلى ما هو أدهى وأقسى.

بالتأكيد إن بشار الأسد لن يتذكر اسما واحدا من أسماء الجنود السوريين الذين استشهدوا في معركة السلطان يعقوب، ولن يتذكر اسما واحدا من أسماء الأبطال السوريين الذين خاضوا معركة صنفت من أشرس المعارك العسكرية، وانتصروا بها في ملحمة ستبقى في ذاكرة السوريين المجيدة، لكنه بكل تأكيد يحفظ أسماء الجنود الإسرائيليين الثلاثة كما يحفظ اسمه، واسم أبيه، فهل يكفي هذا لكي نفهم ونعرف الحقيقة العميقة لهذه السلطة التي تحكم سوريا؟

ليس أمام السوريين، ولا أفق لهم، ولا مستقبل إن لم يسقطوا هذا “النظام الأسدي” بكل رموزه وتفاصيله، فما أهداه ترامب لإسرائيل ليس توقيعا استعراضيا تافها، وما أهداه بوتين لإسرائيل ليس رفات جندي، إنهم يحاولون إهدار كرامة الشعب السوري، وتاريخه، ومقومات وجوده، ومستقبله.

تلفزيون سوريا

إعلام إسرائيل بعد استعادة الجندي..لا تفاصيل تنغّص الفرحة/ أدهم مناصرة

ما أن حلّت ساعة الصفر لإعلان إسرائيل نبأ استعادة رفاة جنديّها، زخاريا باوميل، من مقبرة في سوريا، حتى واظبت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمختلف أشكالها، منذ عصر الأربعاء، على الكتابة والتحليل في طيات الواقعة، فكانت عنواناً رئيسياً بإمتياز.

هذا الإهتمام الإعلامي الإسرائيلي مُستمدٌّ من الإنطباع الذي تحاول- مراراً- الحكومات والأحزاب الإسرائيلية المختلفة ومعها المستقلّون أن تُكرّسه منذ نشوء الدولة العبرية، سواء للرأي العام الداخلي وكذلك للعرب والعالَم، ضمن رسالة مفادها “لن ننسى موتانا وأسرانا..مهما طال الزمن”.

وجاء الإعلان عن عملية استعادة الرفاة، ليدفع بعض الصحف إلى الحديث عن الإستثمار الإنتخابي من نتنياهو للأمر، لكن بالمجمل حاولت الصحف الإسرائيلية أن تتحاشى الربط كثيراً بين الأمرين؛ ذلك أنه في “إسرائيل لا خلاف على استعادة رفاة جنودها”. وكأنها لا تريد أن تُنغص “الفرحة المُقدّسة”.

ناهيك عن أن هكذا موضوع مهم جداً لليهود، لدرجة أنه لا يوجد في إسرائيل ما هو أهم من ذلك ضمن النقاش العام الدائر فيها. وفي السياق، حاول هذا الإعلام أن يقول “إن استعادة رفاة جندي من أرض العدو” مهم جداً بالنسبة للوعي والثقافة لتركيبة هذه الدولة المحتلة. وهذا يدلل على أن الموضوع ليس هامشياً أو عادياً، بل هو أساس استمرارية إسرائيل.

ولهذا توحّد الإعلام الإسرائيلي في خطابه مع البروباغاندا الرسمية، وقد تجلى دور الرقابة العسكرية كحارس بوابة للإعلام. فلم يجب هذا الإعلام العبري على أسئلة عديدة مرتبطة بعملية استعادة رفاة هذا الجندي، من قبيل: “ماذا جرى تحديداً؟.. وما هي المراحل التي تمت حتى تحقق ذلك؟”.

الحق، أن هذه معلومات أمنية لا يتم البوح بها، على الأقل الآن ولفترة زمنية معينة، قبل الكشف عنها في الوقت الذي تقدره “الرقابة العسكرية”، فهي مَن يقرر ذلك بالمحصّلة، وكما جرت عليه العادة في مثل هذه الأمور.

لكن الهامش الذي أدت فيه الصحف الإسرائيلية، تمثل في التحليل والإستعراض لا المعلومات الأمنية، حتى أنها بدت- أحياناً- “ناقلة” أكثر من كونها “محققّة” ومستقصية فيما جرى.

فصحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من نتنياهو نقلت عن مصادر عربية لا إسرائيلية، معلومة حول عثور “قوى محلية” على رفاة الجندي باومل، قرب مخيم اليرموك في سوريا. فلماذا لم تسأل هذه الصحيفة عن الحيثيات، تلك المصادر الإسرائيلية التي تمتلك كلّ المعلومة، بدلاً من ذلك؟!.

وبموازاة ذلك، عَكَس الخطاب الإسرائيلي الرسمي وغيره من محتوى الشاشة المستطيلة، “قوة وانتصاراً سياسياً وعسكرياً” لإسرائيل تحت عنوان “لن ننسى جنودنا”. وتطرق هذا الخطاب الإعلامي إلى سرد تفاصيل حول “خلية النحل الإسرائيلية” ولجان التحقيق التي شُكلت على مدار سنوات طويلة، حتى حانت الفرصة المناسبة لتحقيق “الوعد” المُنتظر.

ورغم أن صحيفة “هآرتس” لم تمرر الواقعة من دون الربط بين استثمار نتنياهو لإستعادة رفاة الجندي ومقتنياته الشخصية، ومصالحه انتخابياً، إلا أنها لم تجرؤ في الوقت ذاته، على التشكيك في مسألة التوقيت أو أن تملح مثلاً إلى احتمالية أن يكون “نتنياهو قد هندس توقيت الإعلان عن استعادة الرفاة قبل ستة أيام فقط من الإنتخابات لأسباب تتعلق بمصلحته، لا بمقتضيات أمنية لها علاقة بمصلحة إسرائيل”. فهذا خطٌّ أحمر غير خاضع للمزايدة الداخلية.

بيدَ أن هذا التشكيك، أتى من جهات إعلامية فلسطينية مطلعة، حيث أفادت لـ”المدن” بغمز ولمز من أوساط إسرائيلية منافسة ومعارضة لنتنياهو، تعتقد أن التوقيت تم تحديده من الرئيس فلاديمير بوتين وبالتنسيق مع نتنياهو في سياق “برمجة مشتركة”؛ ذلك أن الرفاة نُقلت من سوريا، إلى روسيا، ثم إسرائيل. فهل هو التوقيت الذي أراده بوتين، لتكون الواقعة “هدية روسية” إلى نتنياهو، علّ فوزه بإنتخابات القريبة يكون حتمياً؟

كما ان سيناريو “دراما الإستعادة” والمتمثلة بنقل رفاة باوميل، الخميس، إلى إسرائيل برفقة نتنياهو عندما يعود من روسيا، ليس بريئاً.

لكن السؤال الأبرز في هذا المضمار: هل يريد بوتين، فعلاً، أن يفوز نتنياهو؟..ولماذا؟

لعلّ صحيفة “معاريف” حاولت أن تجيب على ذلك بطريقة غير مباشرة، عبر عنوان تحليلي طويل، يتساءل عن الثمن الذي سيجنيه بوتين مقابل ذلك. ويبدو أن هذا الثمن المقابل يحتاج إلى بقاء نتنياهو في المشهد السياسي الإسرائيلي. خاصة إذا ما تحدثنا عن شخصية “تجارية” مثل نتنياهو، فيقايض كل شيء بالربح والخسارة، والزائد والناقص. وفي ذلك يبدع الزعيم الليكودي أكثر من غيره. وهذا مثار تناغم الإدارة الاميركية والروسية مع طريقة نتنياهو، على حد سواء.

وفي السياق، سلطت الصحف الإسرائيلية على زيارة بنيامين نتنياهو إلى موسكو، الخميس، والتي من بين أهدافها أن يقول “شكراً بوتين” بسبب مساعدته في هذه “القضية الإنسانية”، بالإضافة إلى إرسال “إنذار” إلى لبنان بخصوص مصنع الأسلحة الإيراني الجديد في لبنان، وفق مزاعم تل أبيب.

المدن

رفات جندي إسرائيلي.. هدية الأسد وبوتين لنتنياهو قبيل الانتخابات/ محمد محسن وتد

بينما قصفت طائرات إسرائيلية مستودعات إيرانية في حلب، حطت طائرة “العال” الإسرائيلية في مطار تل أبيب تحمل رفات الجندي زخاري بوميل -وهو من مفقودي معركة السلطان يعقوب في الحرب على لبنان عام 1982- الذي أعيد من سوريا بعملية خاصة استمرت عدة أشهر.

استغلت إسرائيل الحرب على سوريا لتبحث عن رفات جنودها، في محطات انتظار وعمليات سرية على مدار 37 عاما، حيث قتل ثلاثون جنديا إسرائيليا في معركة السلطان يعقوب التي درات بين الجيشين السوري والإسرائيلي بلبنان.

واعتبرت المعركة فشلا استخباراتيا إسرائيليا، بينما بقي مصير ثلاثة إسرائيليين غير معروف، وهم جنديان ومواطن من أصل أميركي.

ونشط الجيش والاستخبارات الإسرائيلية خلال هذه الأعوام في جمع معلومات عن موقع رفات المفقودين، دون تنسيق مع الروس أو مساعدة ميدانية من النظام السوري.

دور النظام

وفي العام 2016، دفعت التطورات إسرائيل لنقل المعلومات إلى الروس الذين استعانوا ميدانيا بجيش النظام للعثور على الجثة من أجل إعادة رفاتها إلى تل أبيب، وقد عثر على جثة الجندي بوميل في مقبرة جنوب مخيم اليرموك بدمشق، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.

ورجحت المصادر أن قوات روسية وصلت يوم 19 مارس/آذار الماضي إلى مخيم اليرموك وداهمت المقبرة. وشوهد جنود روس وهم يغادرون بعد خمسة أيام وهم يحملون مجموعة أكياس.

وكشف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي رونين منليس مساء الخميس النقاب عن حملة أطلق عليها “زمار نوغا”، فبعد أن حددت الاستخبارات الإسرائيلية موقع الجثة، حوّلت المعلومات إلى روسيا، فتم تحليل عشرات الجثث، ويوم الأربعاء تم التعرف على جثة أحدهم دون الآخرين.

وتعمد الجيش الإسرائيلي التكتم على الدور الروسي وطبيعة المساعدة التي قدمتها قوات النظام، لكن الصحفي باراك رافيد نقل عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن “روسيا ساعدت إسرائيل على تحديد موقع جثة بوميل واستعادتها”.

وعن دور النظام في هذه المهمة، استذكر رافيد في تغريدة على “تويتر” إسقاط الطائرة الروسية بسوريا في سبتمبر/أيلول الماضي، وتصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية عن طلب الحكومة الإسرائيلية من موسكو مساعدتها في العثور على جثث الجنود الإسرائيليين، مؤكدا أن القوات الروسية بحثت -بالتعاون مع قوات النظام السوري- عن الجثث في مناطق كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

مصالح متبادلة

ورأى محللون إسرائيليون أن توقيت تسليم الجثة يعتبر هدية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبيل انتخابات الكنيست التي ستجرى يوم التاسع من الشهر الجاري، سعيا لدعمه للفوز بولاية خامسة.

وصرح نتنياهو مؤخرا بأن الضربات الإسرائيلية في سوريا ليست موجهة ضد نظام الأسد، بل ضد التموضع العسكري الإيراني هناك، في إشارة إلى موقفه الداعم لبقاء الأسد بالحكم.

وبدت فرص التقدم في إعادة جثث الجنود أكثر واقعية خلال الحرب في سوريا، خاصة بعد تدخل الجيش الروسي في سبتمبر/أيلول 2015 لدعم النظام ومنع انهياره، حيث يعتقد المحلل في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل أن الروس الذين أنقذوا الأسد خلقوا بقرارهم التدخل في الحرب قوة تفاوضية كبيرة بشأن كل ما يتعلق بإسرائيل، حيث رعى نتنياهو علاقات فعالة مع بوتين، منشئا آلية لمنع الاحتكاك بين القوات الجوية.

ويجزم هرئيل بأن إعادة الجثة نجاح رائع للجيش الإسرائيلي والاستخبارات والحكومة، وذلك بعد خيبات أمل كثيرة وبعد سنوات بدا فيها حلُّ لغز الجنود المفقودين مستحيلا، بينما تواصل إسرائيل جهودها لتحديد موقع المفقودين الآخرين.

ويضيف أنه “يُحتمل أن يترجم الإنجاز السياسي لنتنياهو إلى المجال الانتخابي كذلك، وقد يمكنه من حسم المنافسة، فعودة الرفات تشهد أيضا على العلاقات الشخصية القوية والوثيقة لنتنياهو مع القادة الأجانب”.

وخلص المحلل الإسرائيلي إلى أن التنسيق بعيد عن الكمال بين موسكو وتل أبيب، فلروسيا مصالحها الخاصة في سوريا، وخصوصا استقرار النظام، حتى بالتعاون مع إيران وحزب الله، لكن العلاقة بين نتنياهو وبوتين ساعدت إسرائيل على تعزيز تفاهماتها واستعادة رفات المفقودين.

المصدر : الجزيرة

عودة رفات الجندي الإسرائيلي من سوريا بعد 37 عاماً… تفاصيل الدور الروسي والخطة الإسرائيليّة/ هيفاء زعيتر

ليست الصدفة أبداً التي جعلت إسرائيل تستعيد رفات جنديّها زاخاريا باوميل (Zachary Baumel) بعد 37 عاماً على اختفائه في معركة مع القوات السوريّة في منطقة السلطان يعقوب اللبنانيّة الحدوديّة. أثبتت التجربة أن مثل تلك الأمور لا تحدث صدفة. لقد أتى إعلان جيش الاحتلال عن استعادة الرفات قبل ستة أيام فقط من الانتخابات الإسرائيليّة، وعشيّة زيارة نتنياهو – المأزوم انتخابياً – للرئيس فلاديمير بوتين في موسكو.

مع تأكيده التام على أن الرفات تعود لباوميل، احتفى نتنياهو بـ”واحدة من أكثر اللحظات تأثيراً خلال فترة حكمه”، هو الذي ووجه بالكثير من الانتقادات من عائلة وأصدقاء بوميل وجنود آخرين مفقودين أو أسرى استغلّ اللحظة ليؤكد “استمراره في بذل كل جهد لإعادة المفقودين ومنهم إيلي كوهين ورون آراد وأورون شاؤول وهداد غولدين”، قائلاً “لن نتوقف عن هذه المهمة المقدسة”.

لم يفت نتنياهو شكر “الموساد والشاباك والاستخبارات العسكرية والجيش على جهودهم التي شملت عملية دبلوماسيّة واسعة النطاق… سيتم سرد تفاصيلها مستقبلاً”.

من هو “الطرف الثالث”؟

كيف وصلت الرفات إلى إسرائيل لتظهر من هناك بشكل مفاجئ، بينما من عادة مثل تلك الأمور أن تحصل ضمن مفاوضات تبادل أو تسويات معلنة؟ إلى جانب تحليل رمزيّة هذه الخطوة في حملة نتنياهو الانتخابيّة، شغل هذا السؤال متابعي الحدث ليقدّم الجانب الإسرائيلي جزءاً من تفاصيله وسط صمت سوري حتى هذه اللحظة.

التفاصيل الكاملة ستتكشّف مستقبلاً كعادة عمليات من هذا النوع، لكن إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال جوناثان كونريكس نتائج فحص الحمض النووي التي تؤكد عودة الرفات (مع بزة وحذاء بوميل)، تضمّن الإشارة إلى “طرف ثالث” تعاون مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة، مؤكداً استبعاد حصول أي صفقة مع دولة أخرى.

ورغم امتناع المسؤولين الإسرائيليين عن حسم هوية الطرف الثالث ومنهم نتنياهو الذي رفض الإجابة عن السؤال بينما كان متوجهاً صباح اليوم إلى موسكو، أشارت “تايمز أوف إسرائيل” إلى روسيا، التي كانت قد كشفت في سبتمبر الماضي أنها سبق وساعدت إسرائيل في البحث عن بقايا الجنود المفقودين (زاخاريا باوميل، يهوذا كاتز وتسفي فيلدمان) في المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم “داعش”.

من جهتها، نقلت مراسلة “هآرتس” من موسكو نوا لانداو قول بوتين إن الجنود الروس، بالتعاون مع السوريين، وجدوا رفات الجندي الإسرائيلي المفقود.

وفي مايو من العام الماضي، قال مسؤول في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامة إن عناصر من “داعش” قاموا بالحفر والتنقيب عن رفات باوميل وزملائه في المقبرة اليهودية قرب مخيّم اليرموك، لتعود وزارة الدفاع الروسية وتؤكد أنها عملت مع إسرائيل على تحديد مكان الرفات.

أما تعليقاً على إعلان عودة الرفات بالأمس، فقد صرّح القيادي في الجبهة الشعبية أنور رجا أن الأخيرة كانت موجودة في مخيم اليرموك في دمشق، مرجحاً أن تكون “المجموعات الإرهابية” التي سيطرت على المخيّم هي من سلمت رفات الجندي إلى تل أبيب، بتنسيق بينها وبين الاستخبارات الإسرائيلية. وادعى أن رفات باوميل نُقلت إلى تركيا التي سلمتها إلى إسرائيل.

وبحسب “القناة 13” الإسرائيليّة، فقد أُحضرت رفات عشرات الجثث إلى إسرائيل بغاية كشف مصير الجنود الثلاثة المفقودين منذ المعركة عام 1982 لكن وحدها رفات باوميل كانت موجودة دوناً عن تلك العائدة لفيلدمان وكاتز.

وأشارت “تايمز أوف أسرائيل” إلى أن تل أبيب كانت قد ناشدت موسكو مدّها بإحداثيات محددة في سوريا، مشيرة إلى ما قاله المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف: “تم تنظيم البحث بعد موافقة روسيا على العملية مع شركائنا السوريين”.

وكان كوناشينكوف قد تحدث في سبتمبر 2018 عن ذلك كمثال في معرض كلامه عن عام 2015 وعن السبل التي ساعدت فيها موسكو إسرائيل مذ أرسلت أعداد كبيرة من القوات البريّة إلى سوريا.

وشرح “حينها أُجريت عملية البحث الخاصة في منطقة قتال يسيطر عليها داعش”، وقد “هاجم الإرهابيون فجأة الجنود الروس المشاركين في العملية. أصيب ضابط روسي. على الرغم من ذلك ، كانت روسيا على استعداد لمواصلة العملية”.

عودة إلى السلطان يعقوب وخسائر إسرائيل

من جهتها، لفتت “جيروزاليم بوست” إلى أن عملية التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 شكلت “بذرة المعلومات الاستخبارية” حول مكان دفن الجنود الثلاثة المفقودين.

وذكرت أنه في نوفمبر من عام 1993، تسلمّ إسحاق رابين الصفيحة المعدنيّة التي تحمل بيانات باوميل، ووفقاً للصحيفة شكلت تلك الصفيحة، بالإضافة إلى معلومات جزئية قدمها رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات “مصدراً حقيقياً وباباً للتقدم نحو تحديد مكان دفن الجنود المفقودين”.

استمرت هذه العملية في النصف الثاني من التسعينيات وبداية العقد الأول من القرن العشرين ، مع فريق تحقيق خاص يتولى قيادته إدارة المخابرات العسكرية ومسؤولو الموساد، ما أدى إلى “الحصول على معلومات موثوقة ومحدثة ، والتي سمحت للجيش الإسرائيلي بصياغة تقييم استخباراتي بشأن موقع باوميل”.

ولفتت الصحيفة إلى أن العملية كانت بقيادة العقيد أ. من فرع الاستخبارات وقد تم التخطيط لها في الأشهر الأخيرة بكثافة، مضيفة أن العملية بلغت ذروتها قبل أسبوع، حتى وصلت رفات الجثة إلى مطار بن غوريون منذ عدة أيام على متن طيارة “شركة العال”.

يُذكر هنا أن معركة السلطان يعقوب التي دارت بين الجيشين الإسرائيلي والسوري، بعد أسبوع من بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان قد كبّدت الاحتلال 20 قتيلاً و30 جريحاً، وستة مفقودين وثماني دبابات. عُرف مصير الثلاثة البقية، إذ عاد اثنان منهم في وقت سابق ضمن صفقة تبادل عام 1985 وعادت رفات الثالث عام 1986.

وفي عام 2016، جرى الإعلان عن تسليم روسيا لإسرائيل دبابة كانت قد غنمتها سوريا من الجيش الإسرائيلي في معركة “السلطان يعقوب”، وكانت سلمتها دمشق إلى موسكو بحجة دراسة ميّزاتها التقنيّة وطريقة عملها.

ماذا يريد نتنياهو من روسيا؟

لفتت “هآرتس” إلى استغلال نتنياهو لدور “الطرف الثالث” في حملته الانتخابيّة، من إعلان ترامب سلطة إسرائيل على الجولان، ثم زيارة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو هذا الأسبوع، إلى الدور الروسي الذي يترافق معه تقارير صحفيّة تتحدث عن نقاش سيدور اليوم بين الرجلين حول “التسوية السورية وتأمين الحدود الجنوبيّة ودرء الخطر الإيراني”.

وادعى الإعلام الإسرائيلي أن خطة نتنياهو التي تنص على إخراج إيران من سورية حظيت بقبول بوتين، في وقت يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه التطورات كرسالة انتخابيّة تؤكد على “دوره الاستثنائي” كلاعب دولي، وقلب الأوراق الداخليّة لدى الناخبين مدللاً على براعته في عالم الدبلوماسية.

وصرّح نتنياهو أثناء توجهه إلى موسكو قائلاً: “سوف نتباحث بشأن الأحداث في سوريا، والتي تتراكم، وسنناقش التنسيق المنتظم والخاص بين جيوشنا إضافة الى مسائل هامة لدولة إسرائيل”.

موقع “ديبكا” الاستخباراتي الإسرائيلي قال إن تسليم الجندي المفقود يمثل لفتة استثنائية من حسن النية من قبل بوتين تجاه إسرائيل ورئيس وزرائها ، ويؤكد عزمه على إعطاء إسرائيل دوراً في تحديد مستقبل سوريا. يأتي ذلك بعد اجتماع سابق عقد في 17 فبراير ، واستمر ثلاث ساعات ، بتشكيل لجنة مشتركة للتعامل مع انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا.

لقد أدى ذلك، بحسب “ديبكا”، إلى إدخال إسرائيل لأول مرة في عملية صنع القرار فيما يتعلق بالدولة العربية، ويبدو أن هذا الاتفاق قد فتح الباب أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في الجولان.

ويأتي ذلك بالتزامن مع كشف تقارير صحافية أن الحكومة الإسرائيلية، أبدت رغبة ملحة في إتمام صفقة تبادل أسرى مع “حماس”، في إطار المفاوضات التي أُجريت عبر الوسيط المصري وسط إصرار من نتنياهو على تنفيذ تلك الصفقة قبل إجراء الانتخابات الإسرائيلية المقررة في التاسع من أبريل.

في اليومين المقبلين، سيُمعن نتنياهو في استعراض “الإنجاز الكبير… وسداد الدين الأخلاقي أمام الجنود وذويهم”، بينما تؤكد روسيا على دورها المتزايد في الشرق الأوسط من هذا الباب كذلك على حساب الدور الذي لعبه الألمان على مدى العقدين الماضيين في صفقات تبادل أسرى سابقة (حوالي ستة) بين إسرائيل وأعدائها.

المرحلة المقبلة سيُرافقها كذلك حديث متزايد عن رون آراد، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قد بلّغ عائلة آراد والمفقودين والأسرى الآخرين بشكل خاص نتائج التحقيق حول بوميل، مؤكداً لذويهم “المضيّ قدماً في عمليّة البحث”.

كيف وصلت إسرائيل لرفات باومل في مخيم اليرموك؟/ أدهم مناصرة

كشف مصدر خاص لـ”المدن”، عن الوسائل الإستخباراتية الإسرائيلية التي اعتُمدت على مدار سنوات طويلة وتكثفت في الأشهر الأخيرة، لتحديد مكان وجود رفاة المساعد في جيش الإحتلال الإسرائيلي زخاريا باومل، الذي قتل خلال معركة سلطان يعقوب أثناء حرب لبنان الاولى قبل سبعة وثلاثين عاماً، حتى تمت استعادة رفاته وحاجياته الشخصية قبل أيام.

ويبين المصدر أن استخبارات الإحتلال الإسرائيلي اعتقلت عدداً من الفلسطينيين من الضفة الغربية في فترات مختلفة، عندما علمت أنهم قدموا من سوريا، وحققت معهم، حيث حصلت على مجموعة من المعلومات الخاصة بوجود الرفات في المقبرة التابعة لمخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق.

لكن المعلومات من المعتقلين اكتملت بشكل تام وفق عمليات ميدانية أشرفت عليها وحدة كوماندوز خاصة تابعة لإستخبارات الجيش الإسرائيلي، ووفق معلومات “المدن”، فقد ساعدت هذه الوحدة الإسرائيلية، قوة مما تسمى بـ”المرتزقة” وهي تابعة للجيش الروسي، وبمساعدة أشخاص “محليين” متواجدين على الأراضي السورية، حتى تم الوصول في نهاية المطاف إلى القبر الذي كانت رفات باومل موجودة فيه، وكذلك حاجياته الشخصية الموجودة في أحد الأماكن.

ووفق ما رصدته “المدن”، فإن رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات كان قد وعد منذ نشوء السلطة الفلسطينية عام 1994 بالمساعدة في الوصول إلى رفاته، كما وعدت حركة “حماس” بعض الأطراف الأوروبية والإقليمية التي توسطت في صفقة “وفاء الأحرار” (شاليط) بالمساعدة في الوصول إلى الرفاة واستعادتها، فضلاً عن وعود من حزب الله اللبناني للوسيط الألماني بالمساعدة في ذلك منذ سنوات.

ولكن لم يحدث أي تقدم على هذا الصعيد نتيجة الوعود، إلى أن حدث التقدم “الدراماتيكي” المتسارع في الأشهر الأخيرة، ويبدو أن إسرائيل عملت على ذلك، مستفيدة مما أسمته “حالة الفوضى” في سوريا.

مصدر سياسي مطلع قال لـ”المدن”، إن المساعدة الروسية الرسمية تمت في الأشهر الأخيرة من ناحية لوجستية وحدوث تفاهمات مع جهات “محلية”، لنقل رفات الجندي ومقتنياته الشخصية، وبموافقة النظام السوري بناء على الجهد الروسي المذكور، وسط حديث عن دور تركي “غير مباشر” أيضاً.

مصدر مقيم في موسكو كشف لـ”المدن”، أن خط سير عملية نقل رفات الجندي الإسرائيلي تمثل بنقلها من سوريا إلى روسيا، وثم إلى إسرائيل، على غرار ما حصل في قضية استعادة دبابة إسرائيلية استولى الجيش السوري عليها خلال إحدى المعارك قبل سنوات طويلة، إذ جلبها نتنياهو معه قبل ثلاث سنوات أثناء عودته من موسكو إلى تل أبيب.

وبحسب هذا المصدر، فإن الجهات “المحلية” التي ساعدت في تحديد القبر الذي يتواجد فيه رفات الجندي وكذلك بالنسبة لمقتنياته الشخصية، متصلة بجماعة مسلحة كانت متواجدة قرب الحدود مع الدولة العبرية، حيث قدمت المساعدة في هذا الملف مقابل مساعدات مالية وامنية لها من قبل إسرائيل. ويقول هذا المصدر إن النظام السوري علم بالأمر في المرحلة الأخيرة، لكنه لمح إلى وجود جهات من النظام قدمت مساعدات أيضاً، ولكن من دون علم رأس النظام في مرحلة معينة.

تجدر الإشارة إلى أن المتحدث بإسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف، كان قد لمّح في سياق حديث له قبل نحو سبعة أشهر، ارتباطاً بحادثة تسبب إسرائيل بإسقاط الطائرة الروسية العسكرية فوق سواحل اللاذقية، بأن بلاده تعمل على مساعدة إسرائيل في سوريا بخصوص قضية “إنسانية”، غير أنه لم يوضح طبيعتها، إلا أنه يبدو كان يتحدث عن رفات الجندي باومل.

والواقع، أن العديد من الأسئلة الخاصة بعملية استعادة رفات باومل، لم تجب عليها الصحافة الإسرائيلية في أعدادها الصادرة، الخميس، من قبيل: “ماذا حصل بالضبط حتى تم تحديد المكان الذي تواجدت فيه رفات الجندي الإسرائيلي بعد كل هذه السنوات؟ ثم كيف تم نقل هذه الرفات؟”. والحقيقة، أن هذه معلومات أمنية لم يُجب عنها أيضاً بشكل رسمي، وستبقى معظم المعلومات طي الكتمان.

ومع ذلك، ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” أنه جيء بجثث أخرى لجنود إسرائيليين قتلى، ولكن فقط جثة زخاريا باومل الوحيدة التي تم التعرف عليها. أما صحيفة “هآرتس”، فقالت في إطار حديثها عما أسمتهم “مفقودي معركة السلطان يعقوب”، إن التأخير في الإعلان عن العثور على جثة الجندي زخاريا باومل يعود إلى الإعتقاد بوجود جثة الجندي فلدمان. ولم تتردد الصحيفة في الحديث عن الإستثمار الإنتخابي للموضوع من قبل نتنياهو، وذلك تحت عنوان “بمساعدة الدراما الإنسانية: نتنياهو يحاول التغطية على إخفاقاته”.

وقالت صحيفة “معاريف”، إن رفات الجندي زخاريا باومل ستُدفن الخميس في اسرائيل، مشيرة في تحليلها إلى أنه “لا يوجد وجبات مجانية”، وأن مساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إعادة رفات الجندي باومل، تعني أنه سيجني الثمن في مسألة أخرى، فيما نوهت صحيفة “إسرائيل اليوم” إلى أنهم “في إسرائيل علموا مكان دفن الجندي باومل، وانتظروا الفرصة”.

بدوره، قال موقع “واللا” الإخباري إن العثور على رفات باومل، كان نتاج جهود استمرت 17 عاماً، حيث بذلها  طاقم متخصص في البحث عن الجنود المفقودين من معركة السلطان يعقوب. لكن القناة “12” الإسرائيلية، أكدت أن عملية استعادة جثة الجندي زخاريا باومل استمرت عامين.

الإذاعة العبرية العامة “مكان” أكدت أن إعادة رفات باومل وحاجياته الشخصية تمت عن طريق دولة ثالثة قبل أيام. وقد تسنى ذلك في أعقاب عملية سميت “زيمر نوغي” أي “أنشودة حزينة” وليس ضمن “صفقة”. ووفق الإذاعة الإسرائيلية، فقد تم تشخيص الرفات والتأكد من أنها تعود إلى باومل في معهد “الطب العدلي” في أبو كبير بحضور الحاخام العسكري الأكبر البريغادير إيال كريم. وعلمت عائلة باومل بالنبأ عن طريق رئيس “هيئة القوى البشرية” في الجيش الإسرائيلي الميجر جنرال موطي الموز.

كما ابلغ الجيش الإسرائيلي عائلتي “المفقودين” الآخرين في معركة سلطان يعقوب، وهما يعقوب يهودا كاتس وتسيفي فلدمان بذلك. هذا إلى جانب عائلات الطيار رون أراد والجنديين اللذين تحتجز حركة “حماس” جثمانيهما في غزة هدار غولدين وأورون شاؤول.

ويذهب رئيس الوزراء الاسرائيليى بنيامين نتنياهو، الخميس، إلى موسكو، لهذه الغاية المركزية من أجل شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكذلك شخصيات روسية أخرى على جهودهم في عملية استعادة رفات الجندي باومل.

ويعتبر مراقبون في إسرائيل أن زيارة نتنياهو إلى موسكو في هذا السياق هي انتخابية بالدرجة الأولى، بغض النظر عن المواضيع التقليدية التي سيناقشها في ما يتعلق بلجم إيران في سوريا واخراج عناصرها المسلحة كلياً من هناك، وكذلك الحال بالنسبة للمصنع الإيراني الجديد في لبنان.

وفي هذا المضمار، تقول مصادر مطلعة لـ”المدن”، إن روسيا غاضبة من النظام السوري بسبب تقاعسه اتجاه الأنشطة الإيرانية في الأراضي السورية. ويحاول نتنياهو أن يستثمر هذا الغضب لإخراج القوات الإيرانية والميليشيات التي تدور في فلكها من سوريا، ضمن خطة متكاملة.

اللافت أن الإذاعة الإسرائيلية الرسمية بثت تعليقاً للنائب السابق وليد جنبلاط على إعلان اسرائيل، الاربعاء، عن استعادتها رفات جندي فُقد منذ اجتياحها لبنان في 1982، ووثق الموقع الإلكتروني للإذاعة الإسرائيلية تغريدة جنبلاط على حسابه عبر “تويتر”، قال فيها: “في لعبة الامم بمصير الشعوب فإن تسليم رفات الجندي الاسرائيلي عبر وسطاء مجهولين هدية مجانية لكن قيمة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في انتخاباته”. وختم تغريدته بسخرية: “التحية كل التحية للنظام السوري رأس حربة الممانعة العربية والإقليمية والأممية”.

المدن

هدية بوتين وهدية ترامب/ دلال البزري

ثمّة شبه غريب بين الهديتين، الأميركية والروسية، إلى إسرائيل. كما نعلم، الأولى كانت الجولان، والثانية رُفات الجندي الإسرائيلي زخاريا بومل. والاثنتان تحيلان إلى ثلاث حروب.

هَضَبة الجولان معروفة قصتها: حرب 1967 التي أفضت إلى احتلالها، مقابل تثبيت سلطة حافظ الأسد في أعلى سلطة لبلاده. والتي تحولت لاحقاً إلى مادة بروباغاندا كاذبة عن “تحرير كامل التراب الفلسطيني”.. وما يساويها من رطانةٍ ممانعةٍ هي الدعامة “الفكرية” لنظام الأسد المخلَّد.

أما رُفات الجندي الاسرائيلي، فتعود إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتُسرد وقائعه بحسب الرواة: هناك من قال إنه، بعد أيام قليلة من هذا الاجتياح، حصلت معركة بين الجيشين الإسرائيلي والسوري. وهناك من يوضِّح بأن المعركة حصلت بين الجيش الإسرائيلي من جهة، تقابله من الجهة الأخرى قوات فلسطينية ولبنانية مشتركة، ومعها الجيش السوري. وتبايُن النظر إلى أصحاب الأدوار يقف هنا: إذ يتفق الجميع على أن المعركة كانت فخاً وقع فيه الجيش الإسرائيلي، وانقضَّت عليه القوى الوطنية المشتركة، فأدى إلى مقتل ثلاثين جنديا إسرائيليا، واختفاء آخرين، من بينهم الجندي العائد رُفاتُه إلى مقابر الوطن، موضوع الهدية الروسية إلى إسرائيل. ويجمعون أيضاً، على أن القوات النظامية السورية انسحبت من هذه المعركة بعد ثلاثة أسابيع على إشتراكها فيها؛ ومن دون أثرٍ يُذكر غير تلك المعركة التي عرفت لاحقا بمعركة السلطان يعقوب (في بيادر العدس البقاعية). وبما أن الغزو الإسرائيلي للبنان دام أكثر من أربعة أشهر، يمكن القول هنا أيضا، بعد الجولان، إن الأسد توقف عن مقاتلة إسرائيل بعد هذه المعركة، حفاظاً، أيضاً، على نفسه.

مع الهدية الروسية، تطلّ حربٌ ثالثة؛ فبما أن رُفات الجندي الاسرائيلي وُجد في مخيم اليرموك 

الفلسطيني، الواقع بالقرب من دمشق، فلا بد أن تحضر نكبة عام 1948 التي طردت الفلسطينيين إلى دول الجوار، بما فيها سورية. نكبةٌ أبقت على أنظمة، وأصعدت أخرى، منها نظام حافظ الأسد.

الهديتان الأميركية والروسية تنعشان فصول وقائع حربية، يُفترض أن وقتها قد مضى. ولكن لا. لا الحروب تنتهي في منطقتنا، ولا هزائمها تتوقف من توليد نفسها بنفسها، بحيث إنكَ تعيش على طبقاتٍ من الذاكرة المهزومة، كل واحدة منها تعود إلى حربٍ، إلى حقبةٍ حربيةٍ، أثمرت ما نحن مُصابون به الآن.

بين الهديتين، الروسية والأميركية، لا يتوقف الشبه هنا. الهديتان تفيدان نتنياهو في الانتخابات التشريعية؛ هذا مؤكّد. لكن صاحبتَي الهديتين، روسيا وأميركا، ليستا في خدمة رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ بل بخدمة مصالحهما. فوق أنهما في هذه الهدايا، تجسدان، كلٌ على طريقتها، مدى تأثير قراراتها في لعبة الحرب على سورية. وتقيسان حجم الدور الملعوب على الأرض السورية: حيث تبدو أميركا فوق الجميع، على الرغم من عدم تورّطها عسكرياً، قياساً إلى روسيا. إنها أراض سورية تلك المهداة إلى إسرائيل، والعالم كله يقف ضد قرار اعتبارها أرضاً إسرائيلية. ولكن هذه أميركا حتى الآن، فيما هدية روسيا تبدو شديدة الرمزية، أقل استراتيجية من الجولان. ولكنها تعزّز سيطرتها على الأرض، تلك النقطة الصعبة للوجود الروسي في سورية في مقابل الوجود الإيراني. رُفات جندي قضى منذ 37 عاماً، مقابل الاستيلاء “القانوني” على 1800 كلم مربع من الأراضي السورية (مساحة الجولان)! الفرق شاسع بين الهديتين؛ مع أن وقع الهدية الرمزية انتخابيا لصالح نتنياهو قد يكون أقوى من ضمّ الجولان.

والاثنتان تصيبان عصافير عديدة، بعد تحصين العصفور الإسرائيلي: منها إيران، وإفهامها أن 

الأمر ليس كله لها، لا على الأرض السورية، كما تزعم، ولا على الأراضي المحتلة، كما تعبّئ وتجنّد. من العصافير الأخرى تركيا، الأقل سطوة، لكن الغاطسة هي الأخرى في منافسة “ودّية” مع روسيا في الشمال السوري. منها الأسد نفسه، المدفوع إلى تطوير مهاراته باللعب على التناقضات بين منقذي عرشه، وباختيار الأقوى بينهم.

انظر إلى ردّة فعل النظام على كلتا الهديتين: في الأولى، أي الجولان، التزم الصمت، وشغّل ماكينة “المقاومة” بالبطاريات المعتادة، هنا وهناك من حلفائه وإعلامه. في الثانية، حاول التملّص من ضعفه أمام الروس، فبَسَط دَجَله الأهبل، وادّعى وزير إعلامه، عماد سارة، أن لا علم لسورية بموضوع رُفات الجندي الإسرائيلي، ولا بتفاصيل العثور عليه وتسليمه. لكن الرئيس الروسي كذَّب هذا الادعاء، وأكد على تعاون رجال النظام مع الروس، لإيجاد هذا الرُفات. كذبٌ ثم تكذيب ثم صمت.. وبعد يومين أو ثلاثة على حكاية الرُفات هذه، يتذكّر وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الهدية الأميركية إلى إسرائيل، الجولان، فيطلق الأنشودة: “الخيار العسكري مطروح من أجل استعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل”.. فهل من حاجةٍ للتعليق؟

جميع حقوق النشر محفوظة 2019

العربي الجديد

هذا النفاق الروسي/ رندة حيدر

المراسم الرسمية التي أقامتها السلطات الروسية في موسكو لإعادة رفات جندي إسرائيلي فُقد قبل 37 عاماً في معركة بين الجيشين، الإسرائيلي والسوري، في بلدة السلطان يعقوب في منطقة البقاع اللبناني خلال الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982، والوفد الإسرائيلي الرسمي برئاسة بنيامين نتنياهو الذي طار، قبل أسبوع من انتخابات الكنيست (البرلمان)، خصيصاً إلى موسكو ليشكر الرئيس الروسي، بوتين، شخصياً، عكس، بصورةٍ غير مسبوقة، حجم النفاق المتبادل بين الطرفين. ويصل الإحساس بهذا النفاق إلى حدود الغثيان لدى سماع الرئيس الروسي يتحدث عن القيمة العليا التي يوليها الشعب الروسي لاستعادة جثث الجنود القتلى، وأنها قيمة مشتركة بين بلده وإسرائيل، وعن تأثره بمعاناة عائلة الجندي المفقود، ورغبته في إعادة رفات ولدها إليها.

ويبرز الاستخفاف بعقول الناس لدى قراءة الهراء الإسرائيلي عن الجهود الجبارة التي بذلتها الاستخبارات الإسرائيلية سنواتٍ للعثورعلى جثث مفقودي عملية السلطان يعقوب من دون جدوى، وعن الإنجاز “العظيم” للاستخبارات الروسية في العثور أخيراً على ما تبقى من الجندي المفقود في مخيم اليرموك في سورية، وعن استرداد إسرائيل بكل فخر! “حذاء” زاخريا باومل العسكري و”سرواله”. بالإضافة إلى الاعتراف الإسرائيلي بأن هذا كله لم يكن ليحدث لولا تعاون الجيش السوري.

عكست هذه الخطوة الروسية أسلوب تعامل بوتين مع إسرائيل الذي يقوم على التلاعب بالمشاعر، والدعائية، وحب الظهور بمظهر الدولة العظمى الراعية. وأمر آخر مغزى توقيت الخطوة التي كانت بمثابة هدية مجانية إلى نتنياهو، وساهمت كثيراً في تلميع صورته، عشية انتخاباتٍ، يعلم الكل أنها كانت بمثابة استفتاء على حكمه أكثر من أي شيء آخر. وجاءت هذه الخطوة بعد أسبوع من الصورة التاريخية التي جمعت نتنياهو مع ترامب، بعد اعتراف الأخير بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. ما أظهر، مع الأسف، السباق بين زعيمي أقوى

“عكس أسلوب تعامل بوتين مع إسرائيل، والتلاعب بالمشاعر، والدعائية، حبَّ الظهور بمظهر الدولة العظمى الراعية”

دولتين على دعم صديقهما الإسرائيلي بأي ثمن على حساب الآخرين.

ومما يثيرالغضب أن يأتي خبر العثور على رفات جندي إسرائيلي مفقود منذ أكثر من ثلاثة عقود في سورية، فيما تنتشر في هذا البلد اليوم المقابر الجماعية لمواطنين أبرياء ومقاتلين قتلوا في سنوات الحرب الأهلية، بالإضافة إلى مئات الجهاديين من جنسياتٍ مختلفة. وما يدعو إلى العجب استيقاظ الحس الإنساني فجأة لدى بوتين حيال عائلة الجندي الإسرائيلي المفقود، بينما نراه يغض النظر ويتعامى عن المذابح وجرائم الحرب التي ارتكبت تحت أنظاره منذ تدخله العسكري في سورية في سبتمبر/ أيلول 2015.

ما جرى هو تنازل عن الحد الأدنى لقواعد اللعبة السائدة في عملية تبادل رفات قتلى الجنود الإسرائيليين. ومعلوم أن هذه ليست المرة الأولى التي تستعيد فيها إسرائيل رفات جنود قتلى، لكن هذا كان يجري عادة في إطار صفقة تبادل للأسرى مع الفلسطينيين عامة أو مع حزب الله. ولذلك لا يمكن تفسير الموضوع سوى بأنه هدية روسية إلى نتنياهو، لكنها ليست من دون مقابل، فلا توجد هدايا مجانية في السياسة. والأرجح أن الثمن الذي سيطلبه بوتين من إسرائيل هو وقف هجماتها الجوية على سورية، وعدم عرقلة الجهود الروسية لترسيخ نظام بشار الأسد وتدعيمه.

ليس خافياً المغزى الواضح من إشارة بوتين إلى دور الجيش السوري الذي على الرغم من انشغالاته الكبيرة في الإعداد للمعركة العسكرية لاستعادة محافظة إدلب، وجهوده لإعادة بناء قواته وترسيخ نظام الأسد، وجد الوقت للعثور على رفات الجندي الإسرائيلي المفقود، فهل يسعى بوتين إلى الحصول على موافقة نتنياهو الذي أصبح اليوم رئيس حكومة إسرائيل المقبل الذي لا يقهر على تسليم روسيا، بصورة نهائية، معالجة الوجود العسكري الإيراني في سورية؟ وهل الإقرار الإسرائيلي بدور الجيش السوري مدخل لموقفٍ إسرائيلي داعم لنظام الأسد؟

الثابت اليوم أن عقيدة “معركة بين الحروب” التي طبقتها إسرائيل في محاربتها الوجود العسكري الإيراني في سورية محدودة النتائج، ولا يمكنها بأي شكل أن تحل جذرياً المسألة، ولا أن تفرض على الإيرانيين إخراج قواتهم من سورية. لذا يبدو اليوم أنه لا مفر أمام إسرائيل سوى القبول بالعرض الروسي. ومن هنا، يمكن الاستنتاج أن مسرحية استعادة الجندي ليست سوى واحدةٍ من حلقات تفاهم إسرائيلي – روسي بشأن صورة المستقبل السياسي لسورية.

العربي الجديد

هل جاء دور إيلي كوهين؟/ فاطمة ياسين

بعد سقوط طائرة روسية تحمل جنودا روسا كثيرين في هجوم إسرائيلي اعتيادي على أهداف مختلفة في سورية، جرى في سبتمبر/أيلول الماضي، بدا أن هناك خلافاً عميقاً بين روسيا وإسرائيل، ليس فقط بشأن أسلوب الهجمات وطريقة تنفيذها، ولكن أيضا في المرامي البعيدة والقريبة لكل من الدولتين في سورية. توقفت بعد هذا الحادث الهجمات الإسرائيلية فترة، وأُعلن عن تركيب بطاريات صواريخ إس إس 300 المتطورة على الأراضي السورية، والتي ستدار بأيدٍ سورية، وهو ما أبدت إسرائيل خشية منه، ولكن الجلبة الإعلامية التي أوحت بالخلاف السياسي سرعان ما انخفضت، ثم توقفت تماماً، وخفتت اللهجة المعترضة على الصواريخ الخطيرة، وبدت موسكو من العواصم المهمة لرئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، حيث زارها بتواتر كبير وملفت في الآونة الأخيرة، ما جعل الخلاف يتلاشى تماماً، ويحل بدلاً عنه موقف جديد، يغلب عليه التآلف، وربما التحالف، فبعد رحلة نتنياهو الانتخابية إلى موسكو أحضر معه رفات جندي إسرائيلي قُتل في لبنان، استطاعت روسيا أن تجده بعد أن كان مفقودا نحو 37 عاماً.

هذا الكرم الروسي الباذخ بذله بوتين على حساب كرامة “الجيش السوري”، وكان قبل ذلك قد سلم الجانب الإسرائيلي عربة مصفحة كان يستخدمها الجندي القتيل، واثنان من زملائه في الحرب. والعمليتان تعنيان أن الروس متداخلون في بنية النظم الأمنية السورية العميقة، وعلى اطلاع جيد بأدق تفصيلاتها، وقد تكون بيد الروس الآن أوراق أخرى، يمكن أن تُلعب في وقتها، ليوظفها بوتين في علاقاته الخاصة مع إسرائيل. ويبدو أنه يرغب في أن تكون إسرائيل شريكاً في وجوده طويل الأمد في المنطقة، فيحرص على دعم إعادة انتخاب نتنياهو بتقديم مساعداتٍ غير مباشرة، لكنها حاسمة في كسب نتنياهو أصواتا إضافية.

لم تتوقف إسرائيل يوماً عن المطالبة بجاسوس إسرائيلي شهير، تم القبض عليه في عام 1965 ثم تم إعدامه، وإيلي كوهين الذي اخترق المجتمع السوري، بعد قصة مخابراتية مفبركة، تمكن من عقد صداقات مهمةٍ بين ضباط كبار ورجال سياسة، وذلك في أوائل عهد حزب البعث وبداية تغيير بنية المجتمع السوري الذي كان يعتمد على وجهاء وملاك أراضٍ وصناعيين، فأصبح بعد حكم “البعث” مجموعة ضباط مؤثرين يرتبط بهم تجار وصناعيون عديمو الخبرة والكفاءة. استغلت إسرائيل هذا التغير، ونجحت في زرع رجل تقلد شخصية المستثمر وصاحب الأموال الراغب في استثمارها في البلد بعد غربة طويلة. تنطلي هذه الحيلة على قليلي الكفاءة، ولكن كوهين انكشف، حين كان، ولشدة شعوره بالأمان، يبث رسائله المشفرة من حيٍّ يعج برجالات الدولة.

جثة هذا الرجل هي الهدف التالي لإسرائيل، خصوصا أنها قد أعلنت، منذ أقل من عام تقريباً، أنها استعادت “بعملية موساد خاصة” الساعة التي كان يرتديها كوهين. وبروتوكولات السجن السورية تقول إن متعلقات السجين تُحفظ في أمانات السجن، ما يعني أن الساعة كانت لدى المخابرات السورية، وليس من تفسير لوصولها إلى إسرائيل إلا اليد الروسية التي أصبحت تصل إلى حيث تريد في دمشق.

يحتاج الحلف القائم بين نتنياهو وبوتين إلى التغذية، ومزيد من بذور الثقة، كان منها تسليم ساعة كوهين ودبابة مريكافا وجثة الجندي. وعلى الرغم من أن كل هذه العناوين ذات قيمة معنوية، إلا أنها تتضمن رسالة تعبر عن حميمية العلاقة بين الرجلين، ومدى رغبة كل منهما في بث الروح الحارّة فيها مدة طويلة، وقد تتوج بالإعلان عن إحضار جثة كوهين نفسه، والتي رفض الجانب السوري عقودا طويلة الحديث بشأنها، والتي تعود للشخص الذي توسطت إسرائيل لإنقاذ عنقه مراراً، حتى أقنعت الفيلسوف البريطاني الشهير برتراند راسل بكتابة رسالة استرحام بشأنه إلى الرئيس السوري الأسبق، أمين الحافظ.

العربي الجديد

«حماة الرفات»: فضيحة جديدة لنظام الأسد!

جاءت «هديّة» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتكشف الانحطاط الذي وصلت إليه أوضاع نظام بشار الأسد في سوريا.

بنى هذا النظام سرديّة تاريخية طنّانة حول عدائه لإسرائيل، وانتظامه في قلب «حلف الممانعة والمقاومة»، وهي سرديّة عجيبة لأنها تتناقض مع إجرام وحشيّ ضد السوريين وشعوب المنطقة، وعلى رأسهم الفلسطينيون أنفسهم (قتلت قوات النظام السوري قرابة 10 آلاف فلسطيني خلال ثمانينيات القرن الماضي وثلاثة أضعاف هذا العدد خلال السنوات القليلة الفائتة).

لم يجد أقطاب النظام من حجّة للتعاون مع الروس والإسرائيليين للوصول إلى رفات الجندي زخاريا باومل غير القول على لسان وزير الإعلام عماد سارة إن «لا علم لسوريا بقضية رفات الجندي الإسرائيلي على الإطلاق» وأن العملية «تمت بين إسرائيل والمجموعات المسلحة في سوريا»، وهما أسوأ تبريرين ممكنين للحادثة، فإذا كانت العملية تمت فعلا بين الاستخبارات الإسرائيلية «ومجموعات إرهابية مسلّحة» بتنسيق روسيّ، فكيف يفسّر وزير الإعلام انتقال جثة باومل من بلدة «السلطان يعقوب» حيث قتل عام 1982 إلى مقابر مخيم اليرموك قرب دمشق، أي قبل وجود «المجموعات المسلّحة» المذكورة بثلاثة عقود تقريباً، في غفلة من النظام الذي يقوم أساسه على الاستخبارات والأجهزة الأمنية، وخصوصاً فيما يخص موضوع بهذه الحساسية الكبيرة؟

أنور رجا، المسؤول في «الجبهة الشعبية ـ القيادة العامّة» (التي اتهمت بالتعاون في تنفيذ العملية)، والتي تسيطر عمليّا على ما بقي من أنقاض مخيّم اليرموك الفلسطيني ومقابره التي نبشت منها جثة الجنديّ، أضاف قليلا من بهارات الغموض على قصة تسليم الجثة قائلا إن «من المرجح اكتشاف الرفات من قبل المجموعات المسلحة خلال عمليات حفر المقابر في مخيم اليرموك»، وهو تصريح أكثر إثارة للسخرية من تصريح وزير الإعلام السوري فمن أين لـ«المجموعات الإرهابية» مختبرات فحص الجينات ومعرفة الإسرائيلي من غير الإسرائيلي، ومن الذي أخبرها أصلاً أن هناك جثة لجندي إسرائيلي إذا كان النظام الأمنيّ السوري الشاهق نفسه يدّعي أنه لم يعلم بنقلها إلى تلك المقابر؟

سبق تسليم الرفات حدث كبير هو إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موافقة بلاده على سيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتلّ، وتبع التسليم تصريح رسمي روسي قد يلقي الضوء أكثر على معنى الحادثة المخزية، تقول فيه ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية إن «الجميع طوى صفحة رحيل الأسد» وإنه «رئيس فعلي لدولة ذات سيادة»!

لقد اعتبر كثيرون أن ردود الفعل الباهتة من قبل السلطات السورية حول بسط السيادة الإسرائيلية على الجولان (من قبيل قول وزير الخارجية وليد المعلم إن الإعلان «سيزيد عزلة على أمريكا») هي إذعان للنظام للأمر وكدفعة على حساب دفاع تل أبيب عن وجوده (والذي يسمّيه نتنياهو: «الحل الإسرائيلي للأزمة السورية»)، وجاءت قصة تسليم الجثّة كدفعة أخرى على الحساب واحتاج النظام بالتالي جرعة إضافية من الطمأنة مثّلها تصريح زاخاروفا بأن «الجميع طوى صفحة رحيله»، وحين تقول روسيا «الجميع» فالمقصود بالتأكيد أن إسرائيل هي على رأس قائمة هذا «الجميع».

يردد الطلاب السوريون منذ 73 عاما (تاريخ استقلال البلاد) كل يوم نشيدهم الوطني «حماة الديار عليكم سلام»، لكن البلد، للأسف، صار محتلا من جيوش كثيرة تقرّر مصيره، والأسوأ من ذلك أن حكامه صاروا حماة لجثث جنود إسرائيل في الوقت الذي تحرق أو تدفن جثث عشرات آلاف المعتقلين من أبنائه ولا يعرف أهاليهم أين صاروا.

القدس العربي

بوتين و”رفات” الشرق/ بيار عقيقي

يعتقد بعضهم أن وجود روسيا في سورية يعني حكماً “وجود قوة مماثلة لنا في السياسة والأيديولوجيا”. ويظنّ هؤلاء أن الرئيس فلاديمير بوتين هو جندي في منظومة مدافعة عن النظام السوري، بوصفه “مشاركاً في القرار”، لا “صانع قرار”. الحسابات كلها سقطت في الأيام الأخيرة، أقله لدى هؤلاء، مع تسليم روسيا رفات الجندي الإسرائيلي، زخريا باومل، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أيام من انتخابات الكنيست، يوم الثلاثاء المقبل. لم تكتفِ روسيا بالتسليم، بل أكد بوتين أن “جنوداً روساً وسوريين (تابعين للنظام السوري) شاركوا في عملية البحث عن الرفات وإيجادها”. وبعد حديثٍ عن “دفن يليق بالجندي في إسرائيل”، أوضح بوتين أن “العمل جارٍ لإيجاد رفات جنديين آخرين”، وهما تسفي فيلدمان ويهودا كاتز، وقد كانا مع باومل، في دبابة واحدة، في معركة السلطان يعقوب في البقاع اللبناني، بين الجيشين السوري والإسرائيلي، عام 1982، إبّان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. الدبابة أهداها بوتين لنتنياهو في عام 2016.

ماذا يعني هذا كله؟ يعني أساساً أن روسيا تتصرّف كـ”صانع قرار” في سورية، وأن روسيا صديقة للإسرائيليين. وطبعاً لن تسمح بانطلاق أي عمليات مقاومة في الجولان السوري لتحريره من الإسرائيليين، على افتراض أن هناك نية، على الرغم من أن السنوات التي تلت اتفاقية فك الاشتباك بين السوريين والإسرائيليين عام 1974، أوضحت عدم وجود مثل هذه النية. يمكن فهم صدمة كثيرين ممن ظنّوا أن الروس “حلفاء طبيعيون لهم”، وأنهم يتصرّفون على قاعدة “إرساء سيادة النظام السوري”. غير أن بعضهم يتناسى أو يرفض الاعتقاد بوجود قاعدة أساسية تحكم كل التعاملات بين البشر، على الرغم من وجود قوانين ناظمة، وهي “القوة تحكم”.

روسيا اليوم هي الأقوى في سورية، وهو ما اعترفت به تركيا وإيران والولايات المتحدة، كلٌّ لأسبابٍ مختلفة. بالنسبة إلى الأتراك، تسمح العلاقة الاقتصادية، تحديداً في مسألة الغاز، مع الروس، ببراغماتية متبادلة في الشمال السوري، خصوصاً في عمليات تسيير الدوريات في إدلب. بالنسبة إلى الإيرانيين، إن الوجود الروسي في سورية جاء إثر زيارة لقائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إلى موسكو، في صيف 2015، وهم يعلمون الدور الروسي في إبعادهم عن الحدود السورية الجنوبية، أي في الجولان، عن الاحتلال الإسرائيلي. أما الأميركيون، فيعلمون أن تعدد الساحات الصدامية أو المشتركة مع الروس في العالم يسمح بتفاعلٍ ثنائي بينهما أكثر، على قاعدة “الواقعية أولاً”.

حسناً، هناك أمر حقيقي، يجب عدم نسيانه أو تخطيه: مع أن بوتين متخرّج من الاتحاد السوفييتي السابق، ويُعتبر شيوعياً، إلا أنه عمل، في التسعينيات، على اكتشاف “حقيقة وجوده” في الحياة. بدأ تسلّق السلطة على قاعدة ليبرالية، مشبعة بالقومية الروسية، لا السوفييتية، أي غير الأيديولوجية المرتبطة بالشيوعية السابقة. بوتين يتصرّف حقيقة كرجل أعمال. لا يختلف عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ذلك، لكنه أكثر دهاءً منه. ورجل الأعمال عادة لا مبادئ تسيّره سوى المصالح، تحت عنوان “الواقعية السياسية”. بوتين واقعي. أثبتت التحديات التي خاضها منذ وصوله إلى الكرملين في عام 2000، قدرته على التحرّك بواقعية. الرجل ليس مجنوناً، لكنه يملك القدرة على جعل العالم يجنّ، كعادة أي رجل أعمال.

ماذا يعني هذا؟ يعني أن الرهان على بوتين لنصرة القضايا العربية، تحديداً القضية الفلسطينية، غير واقعي. الروس لا يريدون أكثر من حلّ الدولتين. أما في لبنان، فإن وجودهم الذي يعملون عليه، نفطياً خصوصاً، سيُترجم في إعادة إحياء اتفاق الهدنة بين لبنان والإسرائيليين الموقّع عام 1949. سينتظر بوتين نتائج العقوبات الأميركية على إيران، للتحرّك في هذا السياق. الآن، ما الذي يُمكن فعله تجاه طموحات بوتين؟ لا شيء، بل الاعتراف فقط بأن الروس أتوا إلى الشرق ولن يرحلوا. بالنسبة إلى الدبّ إنه فصل الربيع.

العربي الجديد

هل يمهد الموقف االأميركي بشأن الجولان السبيل أمام إسرائيل لضم الضفة الغربية؟

الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان؛ يبشر باعترافٍ مماثل في الضفة الغربية، وفق تصريح مسؤول إسرائيلي بارز، وهو ما يُعدّ تحريفاً لمسألة الاعتراف، ويهدف إلى إرساء مبدأ عام، بناء على الخطوة الأميركية تلك، في حين أن لا وجود لمثل هذا المبدأ.

أضاف المسؤول الإسرائيلي في تصريحه: “يردد الجميع أنه من المستحيل الاستحواذ على أرضٍ محتلة، لكن اتضح أن الأمر ممكن”. لا تتضمن هذه الخطوة استبقاء أرضٍ محتلة لحين اتفاق الأطراف المعنية على وضعها النهائي، بل تعني بالأحرى تطبيق سيادة من جانب واحد لدولة احتلال. لكن هذه مسألة مختلفة تماماً- كما يقول المسؤول الإسرائيلي البارز- والمنطق الذي يحركها هو أن الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، يقر بمبدأ أن الأرض التي احتُلت خلال حرب دفاعية يمكن استبقاؤها.

حتى لو تغاضينا عن الخطأ المتكرر الذي يزعم أن المسألة تنطوي على الاحتفاظ بأرضٍ فحسب، يتضح من إعلان ترامب أن المسؤول الإسرائيلي كان متسرعاً بعض الشيء. بحسب ترامب؛ فإن إسرائيل سيطرت على هضبة الجولان خلال “حرب الأيام الستة” (نكسة حزيران/ يونيو 1967)، وذلك “لحماية أمنها من التهديدات الخارجية”. وبسبب “الظروف الاستثنائية” و”لأن الأعمال العدوانية التي ترتكبها إيران والجماعات الإرهابية -بما فيها حزب الله- في جنوب سوريا، ما زالت تجعل من هضبة الجولان قاعدة محتملة لإطلاق هجمات على إسرائيل”.

لكن الظروف الاستثنائية التي أشار إليها الرئيس الأميركي، لا وجود لها في الضفة الغربية، حيث هناك تنسيق أمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ولا تسعفنا المخيلة لافتراض أن احتلال الضفة الغربية جاء في أعقاب حرب دفاعية.

من الواضح أن إعلان ترامب لا يرتكز على مبدأ عام شامل، كما يرى المسؤول الإسرائيلي البارز. وإنما على النقيض من ذلك تماماً؛ جاء بناءً على ظروفٍ استثنائية. أيضاً لا يوجد تشابه بين الوضع في الجولان والضفة الغربية في جوانب أخرى، منها: عدد السكان غير اليهود الموجودين هناك، وأهمية الضفة الغربية للشعب الفلسطيني إذا ما أراد ممارسة حقه الأصيل في تقرير المصير والحكم الذاتي، وأيضاً في ما يتعلق بالإدارة الإسرائيلية والتزاماتها في الضفة الغربية.

امتنعت إسرائيل عن ضمّ الضفة الغربية طيلة الـ25 عاماً الماضية، وأجرت مفاوضات مع السلطة الفلسطينية حول مستقبل الضفة، وحدود السلطة العسكرية الإسرائيلية بها. في الواقع، انتهكت إسرائيل القانون الدولي من خلال توطين إسرائيليين في الضفة الغربية، حصل ذلك غالباً من خلال اللجوء إلى مجموعة متنوعة من التفسيرات، التي اتضح أنها زائفة بمرور الوقت، ومن خلال عجزها عن إدارة الضفة بوصفها القيّم على سكانها.

من الصعب تخيّل أن انتهاك القانون الدولي سيمكن الجاني من اكتساب حقوق جراء تلك الانتهاكات.

بموجب القانون الدولي العرفي، إن السيطرة الفعلية لجيشٍ على منطقة لا توفر وحدها الأساس لنقل سلطة المنطقة للدولة التي يتبعها هذا الجيش، واستخدام القوة والتهديد باللجوء إليها، لا يمنحان المحتل السيادة على منطقة أو أرضٍ ما. 

هذا منطق الاحتلال العسكري وأساسه، فهو ترتيب موقت، إذ يكون الوجود العسكري فيه مقتصراً على حفظ النظام العام على الأرض والوضع القانوني كما هو، حتى يصير من الضروري تغييره؛ ويستمر هذا فقط حتى تصل الأطراف المعنية إلى اتفاق يخص وضع المنطقة وترتيباتها. 

يمكن افتراض أنه حتى لو قررت إدارة ترامب -التي لا تملك السلطة الأخلاقية أو مكانة القيادة في العالم اليوم- الاعتراف بضم إسرائيل لجميع مناطق الضفة أو أجزاء منها، فلن يعني ذلك أن الدول الأخرى ستحذو حذوها. بل على العكس، يتوقع أن تلقى مثل هذه الخطوة إدانة من غالبية أعضاء المجتمع الدولي، باعتبارها خرقاً لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي.

جدير بالذكر أيضاً، أن إدارة ترامب حين اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، قالت إنها بفعلها هذا لا تتخذ موقفاً معيناً تجاه الوضع النهائي للمدينة، ولا حتى حدود السيادة الإسرائيلية فيها، أو الجانب الشرقي الذي يطالب الفلسطينيون به عاصمة مستقبلية لدولتهم.

لذا هناك طريقتان لفهم تعليقات كبار المسؤولين الإسرائيليين. أولها هي أنها صدرت في سياق المنافسة الانتخابية بين حزب “الليكود”، الذي يرأسه نتانياهو، وبين حزب “هيامين هحداش”، على أصوات الناخبين المؤيدين لضم الضفة الغربية. يستخدم “الليكود” ترامب وانصياعه لتسجيل نقاط ضد “هيامين هحداش”. إذا كان هذا الأمر صحيحاً فلا داعي للمبالغة في رد الفعل.

لكن الاحتمال الآخر هو أن القضية حقيقية، وأن حزب “الليكود” يرغب بالفعل في ضم الضفة الغربية. لا يمكن استبعاد هذا الخيار. فقد مُهد الطريق لهكذا قرار العام الماضي، عبر تمرير قانون الدولة القومية.

رفع القانون الاستيطان اليهودي إلى مصاف القيم القومية العليا التي يجب تعزيزها. ومن الواضح وفقاً لأنصار القانون، فإن هذه القيمة لا تقف عند حدود إسرائيل مع الضفة الغربية، بل ستعمل الحكومة على توسعة المستوطنات في الضفة الغربية أيضاً.

يضفي قانون الدولة القومية قيمة عليا وبارزة على يهودية الدولة الإسرائيلية، وفي أفضل الأحوال يمنح أساساً دستورياً لضم الضفة الغربية وإقامة نظام فصل عنصري. لا أحد، حتى بين الذين يحملون هذه النيات، سيوافق على الحديث عن أسوأ الاحتمالات الممكنة، وهو أن يتم تغيير التوازن الديموغرافي في الضفة الغربية بالقوة.

ولماذا نحسن أوضاع المواطنين العرب في إسرائيل، الذين لا يعتبرهم اليمين الإسرائيلي شركاء حقيقين في السياسة الإسرائيلية؟ إذا صحت هذه الفرضية الثانية المذكورة أعلاه، وكانت هناك نية حقيقية لضم كل الضفة الغربية أو أجزاء منها، فإن حقيقة توجه “حزب الليكود” للانتخابات من دون برنامج سياسي، ليست أقل من فضيحة، تظهر رؤية الحزب الحقيقية لناخبيه، باعتبارهم أشخاصاً غير جادين، يمكن استغفالهم وسوقهم إلى أهداف لم يختاروها.

درج

رفات باومل: هل عمل الموساد مع “الشركاء السوريين”؟

رغم نفي النظام علمه بعملية استعادة اسرائيل لرفات الجندي زخريا باومل، تتكشف تفاصيل جديدة عن عدم صدق ذلك النفي. لا بل تشير المعطيات التي تقدمها الصحافة الإسرائيلية إلى أن العمل لم يكن فقط بالتعاون بين الجانب الروسي و”الشركاء السوريين”، بل أن فرقاً من الموساد عملت على الأرض السورية.

النظام وحده من يعرف مكان الدفن

ضابط منشق عن قوات النظام، قال بحسب ما نقلته قناة “كان” العبرية، إن النظام وحده من كان يملك تفاصيل حول مكان رفات باومل. وأضاف إنه لم يكن لدى المعارضة أي معلومة حول الموضوع. وأوضح أن الزعم بأن عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” أثناء سيطرتهم سابقاً على مخيم اليرموك قد ساعدوا في نقل رفات باومل الى خارج المخيم، غير معقول. ودحض الضابط المنشق الرواية التي ساقتها “الجبهة الشعبية/القيادة العامة” في دمشق، بتورط “داعش”، قائلاً إنها “أرادت التغطية على النظام الذي يترك جثث السوريين وحتى من قواته للذئاب، بينما يقوم بتسليم رفات جنود اسرائيليين”.

واعتبر الضابط أن “ما قام به الأسد هو تقديم وثائق عهد اضافية لاسرائيل، من خلال اعادة رفاة الجندي باومل”. واضاف ان “هناك الكثير من الصفقات التي حصلت تحت الطاولة بين النظام السوري وبين القيادة الاسرائيلية، التي يهمها الحفاظ على النظام وتتعاون معه”. وحذّر الضابط من أن اسرائيل “تخطيء اذا كانت تعتقد انه يمكن الفصل بين الأسد ومحور ايران-حزب الله”، فقد أصبح “بشار الاسد رهينة لايران، وسوريا تحولت الى قاعدة عسكرية ايرانية”.

بوتين صاحب البيت

وفي صحيفة “معاريف”، كتب المحلل يانير كوزين، أن عملية إعادة رفاة الجندي الاسرائيلي زخريا باومل من قبل الروس والسوريين، حققت نتائج ايجابية للجانبين، الروسي والاسرائيلي، معتبراً أن الحديث يدور عن المستوى الاستراتيجي الذي وصلت اليه العلاقات بين روسيا واسرائيل، خصوصاً بين بوتين ونتنياهو. واضاف المحلل، ان الرئيس الروسي فاجأ اسرائيل في حجم المعلومات التي كشف عنها مع بداية لقائه نتنياهو في موسكو، والتي تتعلق بالعملية التي أدت الى العثور وإعادة رفاة باومل، لسبب واضح هو أن بوتين أراد أن يثبت أنه شخصياً من يتحكم بالاوضاع.

واشار المحلل الى ان الروس اوضحوا انهم لا ينتظرون مقابلا في المدى القريب للمبادرة الانسانية التي قدموها لاسرائيل، وان ما قاموا به يستند الى علاقات شخصية متينة، ومصالح مشتركة وتفهم للقضية، حسب مصدر سياسي اسرائيلي.

لكن المبادرة الروسية تثبت من هو صاحب البيت، ومن يستطيع حل لغز عمره 37 عاما، وخاصة مع من يجب الحفاظ على علاقات وثيقة والاستجابة لمطالبه. فإلى جانب التعاون الاستخباراتي، هناك تعاون سياسي واعلامي. اذ تم الاعلان عن اكتشاف رفات باومل، قبل عشرة ايام من اعلان نتنياهو عن ذلك بشكل رسمي. وقد تم الحفاظ على سرية الامر بطلب من روسيا. ورأى المحلل انه من الجائز الافتراض ان الروس يحتفظون بمعلومات عن الجنود الآخرين، وان الجهود مستمرة لتحديد مكانهم واعادتهم الى اسرائيل.

النظام ينفي علمه

النظام السوري اكتفى بتصريح مقتضب لوزير الإعلام عماد سارة، قال فيه: “لا علم لسوريا بموضوع رفات الجندي الإسرائيلي ولا بتفاصيل العثور عليها وتسليمها”. وأضاف “ما جرى هو دليل جديد يؤكد تعاون المجموعات الإرهابية مع الموساد”.

وتابع سارة: “الدولة السورية أساساً لا علم لها بوجود رفات لأي جندي إسرائيلي في أي مكان في سوريا، وإلا لكانت تصرفت بما تقتضيه مصالحها الوطنية وهذا ما اعتادت عليه”. وأعرب عن اعتقاده بأن العملية برمتها تمت بين “إسرائيل” والمجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا، أما التفاصيل الباقية فهي جزء من ترتيبات عملية لهذه القضية والتي لا علم للدولة السورية بها أبداً.

الشركاء الروس

وكان الرئيس الروسي قد قال: “روسيا سلمت إسرائيل رفات الجندي الإسرائيلي التي عثرت عليها القوات الروسية أثناء عملية نوعية في سوريا”. مشيرا إلى أن “الأمر لم يكن سهلا، بالنسبة لمجموعة القوات الخاصة”. وأضاف ان الجندي الاسرائيلي “كان في عداد المفقودين. ونجح عسكريونا بالتعاون مع العسكريين السوريين في تحديد مكان دفنه. ويسرنا أنه سيكون بإمكان إسرائيل تكريمه عسكريا، وسيكون بإمكان أقربائه أن يحملوا الزهور إلى قبره”.

في حين اشاد نتنياهو بجهود موسكو في هذا المجال، وقال أنه دعا الرئيس بوتين منذ عامين للمساعدة في البحث عن رفات الجنود الإسرائيليين، مشيرا إلى أن بوتين كلف الجيش الروسي بهذا العمل. ووجه شكره ايضا لـ”الجنود الروس الذين عثروا على رفات زكريا باومل”.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن عملية استعادة رفات الجندي الإسرائيلي زاكاري بوميل، كانت جزءاً من عملية استخباراتية امتدت لعامين ولم تكن ممكنة لولا مشاركة روسيا الحليف الوثيق للنظام. واستقبلت إسرائيل رفات جندي من أصل 20 آخرين كانت تعمل على استعادتهم ضمن عملية أطلق عليها “أغنية الحلو والمر” انطلقت منذ سنتين.

ماذا تريد روسيا بالمقابل؟

نتيجة للجهود التي بذلتها روسيا طالب رئيس أركان الجيش الروسي فاليري غيراسيموف، إعلام القوات الروسية عن موعد الضربات الإسرائيلية في سوريا بوقت مبكر أكثر من الوقت الحالي المعمول به، بحسب “يديعوت أحرونوت”.

وجاء طلب غيراسيموف خلال لقائه كبار ضباط الجيش الإسرائيلي على هامش زيارة نتنياهو إلى موسكو، ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حول هذه القضية.

وتمت مناقشة نظام الدفاع الجوي “إس-300” خلال الاجتماع نفسه، حيث أصرت روسيا على نقل السيطرة الكاملة للمنظومة لتصبح تحت سيطرة القوات التابعة للنظام.

وغاب عن الاجتماع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إلا أن مشاركة غيراسيموف شخصياً في الحفل الذي أقيم في وزارة الدفاع الروسية، حيث تم تسليم رفات بوميل ملفوفاً بالعلم الإسرائيلي تعني عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين.

السوريون اعتنوا بالرفاة بشكل جيد

وقد توقفت عملية “أغنية الحلو والمر” في منتصف أيلول/سبتمبر 2018 بعد اسقاط طائرة عسكرية روسية، ثم عاد الزخم بالتدريج. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، إن إسرائيل طلبت مساعدة بلاده للبحث عن رفات الجنود الإسرائيليين المفقودين في سوريا، مشيراً إلى أن الجنود الروس بدأوا البحث في المناطق التي كانت سابقاً تحت سيطرة تنظيم “داعش” في محاولة منهم لإيجاد الرفات.

بدأت نتائج العملية تظهر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وبلغت ذروتها في أواخر آذار/مارس، بعدما تم تكليف القوات بإحضار الرفات، حيث قال معهد الطب الشرعي في تل أبيب إنهم استخدموا التكنولوجيا الحديثة لتحديد هوية رفات بوميل، وأشار إلى أن “الطب الشرعي تمكن من اكتشاف سبب الوفاة على الرغم من التحديات العلمية بسبب الفترة الطويلة للاحتجاز”. وتلقى المعهد أكثر من 20 عينة لرفات بشرية، تم تحديد منها رفات بوميل، في حين أن العينات الأخرى ليست للجنود الإسرائيليين.

وقال الضابط الإسرائيلي المسؤول عن العملية “لن أنسَى أبداً اللحظة التي رأينا فيها البقايا.. رأينا على الفور الملابس العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي، ووجدنا كتابة عبرية على ظهره” وأضاف “تمكنا بعد 37 عاماً من الحصول على البقايا” هذا يعني أنه قد تمت العناية بالرفات بشكل جيد.

الموساد في سوريا

معلق الشؤون العسكرية في صحيفة “يسرائيل هيوم” يوآف ليمور، كشف بحسب ما نقلته صحيفة “العربي الجديد”، أن جنوداً روسيين هم من قاموا بعمليات البحث الميداني عن مكان جثة باومل، وهو ما سمح لإسرائيل بتحديد مكان دفنها داخل سوريا، مشيراً إلى أن إسرائيل انتظرت الفرصة المؤاتية لجلبه.

وأشار ليمور إلى أن روسيا نقلت جثة باومل إلى دولة ثالثة، حيث تم التأكد من هويته بواسطة اختبار الحمض النووي، وبعد ذلك تمت إعادته إلى إسرائيل. وأشار إلى أن طواقم تابعة لكل من جهاز “الموساد” وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” عملت داخل سوريا من أجل ضمان العثور على جثة الجندي وإعادتها.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى