عن أحوال اللاجئين السوريين في بلاد الشتات بعد حرق مخيم “بحنين” في لبنان، المأساة، ردات الفعل، ماالعمل -مقالات مختارة-
الحل؟..نحرق لاجئاً سورياً/ عمر قدور
لن ننتظر العدالة لعشرات العائلات السورية التي أُحرقت خيامها، في مخيم بحنين ليل السبت الفائت، إذ لم يسبق للقضاء اللبناني إنصاف سوريين معتدى عليهم في حالات أخذت بعض حقها من الاهتمام الإعلامي، أو سوريين كانوا طرفاً في تقاضٍ ما. لا يقلل من فداحة هذا أن القضاء اللبناني عاجز عن إنصاف لبنانيين أيضاً، وعاجز عن البت في قضايا تمسّ الأمن الوطني اللبناني، كعجزه عن التحرك في قضية المصارف ثم في قضية انفجار مرفأ بيروت.
هناك خصوصية لبنانية-سورية تمنع الاستعانة بالسياق اللبناني ككل، واعتبار الاشتباك مع السوري تفصيلاً من الطينة ذاتها. مثلاً، من المستحسن ملاحظة كون الكراهية اللبنانية البينية محكومة بحتمية التعايش، ولتأجيجها مواسم يتوخى أصحابها مكسباً ضمن التوازنات اللبنانية أو مكسباً بتغييرها. أما كراهية السوري فتتغذى بأمل الخلاص منه، وبعض جذورها مرتبط بنشأة لبنان على أساس فكرة الخلاص نفسها، لتأتي الوصاية الأسدية على لبنان بمسببات إضافية فوق هواجسها البكر، ثم ليأتي اللجوء السوري مذكَّراً بنظيره الفلسطيني فوق لعنة سوريته.
قبل اللجوء السوري، كان الفلسطيني يقبع في منزلة تحت الطوائف اللبنانية، كطائفة منبوذة بموجب سلسلة من القوانين لكن لا يُستسهل الاعتداء عليها ما لم يكن مغطى بميليشيا لبنانية قوية. إننا لا نتخيل إحراق مخيم فلسطيني، ما لم يأت في سياق حرب كبرى على شاكلة ما جرى في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، مع التنويه بوجود فصائل فلسطينية فيها لا تفتقر كلياً إلى القدرة على ردع اعتداء كالذي طاول السوريين في بحنين. مع اللجوء نال السوري منزلة الأمس الفلسطينية، يُضاف إليها كونه أعزل تماماً من أية حماية، وأعزل أيضاً من التعاطف الذي ناله النازح الفلسطيني قبل نشوء منظمة التحرير واشتباكها مع الدولتين الأردنية واللبنانية.
حتى في أوج الوصاية الأسدية، لم تكن الأخيرة لتتدخل من أجل انتهاك تعرّضَ له سوري بسيط، فالذين كانوا يرتكبون شتى أنواع الانتهاكات ضد اللبنانيين والفلسطينيين لم يكونوا في وارد استنكار انتهاك بسيط بالمقارنة. تطويع القضاء اللبناني كان من مستلزمات عهد الوصاية أيضاً، ومن المستحسن ألا يكون عادلاً، والأهم أن يكون عاجزاً بصرف النظر عن ضحايا عجزه ما دام الأقوياء قادرين على تحصيل المكاسب بأدواتهم وفي مقدمهم الأسدية وقواتها ومخابراتها آنذاك.
في مقام البديهيات أن يكون تغييب العدالة أولاً على حساب الأضعف، تدرجاً إلى الأعلى ضمن تراتبية سلطوية. السوري الآن هو الأضعف على الإطلاق ضمن الواقع اللبناني، من دون أن يحتكر موقع الضحية. ثمة فريق لبناني يُمسك برئاسة الجمهورية لا يتوقف عن تحميل السوري مسؤولية التدهور اللبناني، وهذا الفريق مسنود بحزب الله الذي لا يتبنى الموقف نفسه علناً لكنه يتهم الثائرين على الأسد بأنهم خونة وأنصار مؤامرة كونية تجلس إسرائيل في قمرة قيادتها، وهذه دعاية تنسحب على اللاجئين مع استلال وصمة داعش بضرورة أو من دونها.
عندما نتحدث عن عجز للقضاء “فضلاً عن تغييب الوعي الحقوقي”، وعن تراتبية تضع شريحة ما عرضة للانتهاك والإفلات من العقاب، فذلك يعني في المحصلة استباحة تلك الشريحة بلا أدنى رادع ولأي سبب كان. نظرياً، لا يوجد هناك ما يمنع لبنانياً تشاجر مع زوجته أو أحد أفراد عائلته، وللتنفيث عن غضبه ذهب ورمى عقب سيكارته على خيمة للاجئين متعمداً إحراقها، أو أخرج ولاعته وتولى الإحراق الذي امتد إلى المخيم كله. بعد ذلك، قد تخبرنا عائلته بأنه كان غاضباً حقاً، غاضباً ربما من البطالة، ولو لم يخرج لربما قتل أحداً من أفراد العائلة، ليصبح ضحاياه السوريون قرباناً لضحية محتملة من العائلة العزيزة. علينا أن نعذر القاتل الذي كان سيرتكب العنف على أية حال، وعلينا أن نكون عقلانيين بأن نضع أنفسنا مكانه، هو الذي يرى اليد العاملة السورية الرخيصة تحرمه من رزقه وتكاد تدفعه من اليأس إلى قتل أحد من أحبائه!
لا نريد رسمَ كاريكاتور ساخرٍ، بل الواقع هو الذي يرسم لنا أفقاً داكناً جداً. الواقع الذي لا يتعلق فحسب بعجز القضاء اللبناني، أو استنسابيته التي تحابي الأقوى بحسب اتهامات لبنانية. الواقع الذي خلص إليه عموم اللبنانيين هو ما يشبه إفلاساً عاماً بسبب “أزمة المصارف”، الإفلاس الذي جرّد فئات واسعة من أمانها الاقتصادي. كارثة انفجار المرفأ لا تُختزل بخسارة فورية تُقدّر بـ15 مليار دولار، وإنما تتجاوزها إلى الخسائر المستمرة مع عدم إعادة تأهيل ما دُمّر واستئناف النشاط التجاري للمرفأ كما كان من قبل، أي استئناف عائداته التجارية وفرص عمله الضائعة. أزمة السلطة اللبنانية غير جديدة، إلا أن استعصاءها عطفاً على كوارث السنة الأخيرة سيعزز منسوب اليأس عند أولئك العاجزين عن الهجرة إلى الخارج الغربي أو الخليجي.
ضمن الأمد المنظور، من النموذجي أن تدفع الشرائح الأضعف ضريبة الانهيار اللبناني. السوري ليس الأضعف فحسب، هو المنبوذ الذي تتهرب سلطة الأسد من السماح له بعودة آمنة، والمنبوذ غربياً بتراجع برامج استقبال اللاجئين على نحو ما كان يحصل في السنوات السابقة. هو في العراء المطلق الذي يبيح لفرقاء لبنانيين تحميله مسؤولية الانهيار، وأفظع من ذلك استبطان العنف الذي يغلي في صدور اللبنانيين وضرورة تسكينه لئلا ينفجر باتجاه غير محسوب. على صعيد متصل، حتى إذا حُمّلت القيادات اللبنانية مسؤولية أساسية عن الانهيار فتغييرها أو الانقلاب عليها لن يبدو في المتناول، لن يكون على غرار تحميل السوري قسطاً وافراً من مسؤولية الانهيار فهذا يمكن استهدافه، يمكن على الأقل تفريغ طاقة الغضب المتولد تجاهه.
إذا لم يكن من حل جذري، فلماذا لا نجرّب حلولاً جزئية؟ لماذا لا نبدأ بما هو في المتناول؟ هكذا يكون السوري، بوصفه شريكاً في المسؤولية عن الانهيار، هدفاً سهلاً؛ هدفاً يمكن تفريغ طاقة الغضب به بلا حساب. كأن لسان حال هذا الجحيم هو “لنحرق سورياً” لعل الوضع يصبح أفضل، وإذا لم يتحقق الهدف المرجو فلنحرق سورياً آخر.
المدن
—————————-
حقد بعض اللبنانيين على السوري/ أحمد برقاوي
حدثني صديقي الذي كان يعمل صيفاً في زحلة فقال:دخلت صالون حلاقة وانتظرت دوري، وحين جلست على كرسي الحلاقة راح الحلاق ينتف شعري بيديه، صرخت من ألمي، وراح يشتمني على وقاحتي :كيف لواحد مثلي أن يدخل على حلاق لبناني ، وطردني رفساً. وقس على ذلك مئات الوقائع التي كانت تدل على اضطهاد العمال السوريين في لبنان.
إنه لسؤال يحار المرء في الإجابة عنه : ما سبب هذا الحقد العميق لبعض اللبنانيين ومن جميع الطوائف في لبنان على السوري و الفلسطيني؟
سأحصر الإجابة في هذا المقال عن حقد لبناني على السوري ،على أن أفرد مقالاً آخر عن علاقة اللبناني بالفلسطيني الذي يعيش لاجئاً على أرض هذا الأول.
وهذا الحقد على السوري لا يعود إلى مرحلة دخول قوات الأسد وأمنه إلى لبنان والتصرف كقوات احتلال متخلفة، كما هو سلوكها في سوريا، كما لا يعود الحقد على الفلسطيني إلى مرحلة دخول المقاومة إلى لبنان, بل إلى مرحلة تسبق هذين الحدثين.
فالنخبة السورية السياسية ساهمت في إنشاء دولة لبنان الكبير التي أسسها غورو، ومنحت لبنان الأقضية الأربعة :حاصبيا وراشيا والبقاع وبعلبك.ولم يصدر عن السوريين أي شعور عدائي تجاه أي طائفة لبنانية.وشمال فلسطين وجنوب لبنان لم ينفصلا تاريخياً، إلا بعد احتلال فلسطين من الحركة الصهيونية.
فيما قبل الاحتلال الأسدي لبنان، كان عدد كبير من فلاحي حوران وغيرها من المناطق السورية يعملون في قطاع الخدمات المتعددة في لبنان.كانت معاملة هؤلاء العمال قاسية جداً، وظروف حياتهم صعبة إلى أبعد الحدود، فضلا عن شعور لبناني بالتعالي عليهم.
في منطقة المصنع في جديدة يابوس يتصرف الأمن اللبناني مع السوريين بطريقة فظة جداً جداً، أسوأ من تصرف الإسرائيليين مع الفلسطينيين في معبر أريحا.وقس على ذلك.
حتى أن كثيراً من أفراد النخبة السياسية الحاكمة في لبنان كانت حاقدة في أعماقها على الجماعة الحاكمة في سوريا ، وذليلة كل الذل أمامها.
أعود للسؤال:كيف نفسر هذا الحقد؟
أولاً:إن العدوانية التي يمارسها اللبناني على العمال السوريين نوع من الشعورالطبقي المتعالي.فالسوري يقوم غالباً بالأعمال التي لا يقوم بها اللبناني ،فيشعر اللبناني بسيادة زائفة على السوري.
ثانياً:إن هناك شعوراً لبنانياً شبه عام بأن استقلال لبنان عن سوريا أمر أقرب إلى المستحيل بسبب العلاقة الجغرافية من جهة، والمصالح المرتبطة بهذه الجغرافيا، وهذا ما يولد انحراف الحقد، فبدل أن يكون الحقد على الجغرافيا يتحول الحقد على الناس.
ثالثاً:الطائفية في لبنان ذهنية عامة، فالنظام الطائفي نظام ذهني أيضاً، فتتنوع علاقة اللبناني بالسوري وفق الانتماء الطائفي.فالعلاقة بين مسيحيي لبنان بمسيحيي سوريا علاقة عضوية وعائلية وحبية.
فالانتماء الطائفي هنا أيضاً يحدد العلاقة مع الطائف المختلفة.فيما علاقة الطائفة السنية اللبنانية مع الأكثرية السنية السورية علاقة وعي بالانتماء للأكثرية وليس وعي طائفي.لكن كره سنة لبنان للنظام في سوريا قد ينسحب على كره السوري.وقس على ذلك علاقة دروز لبنان بدروز سوريا.
فيما علاقة الشيعة السياسية الطائفية في لبنان علاقة عدوانية بسنة سوريا الذين يناصبون النظام العداء بوصفه نظاماً طائفياً.والحقد على السنة شيعياً لا يساويه أي حقد آخر،لأنه ذو أسس تاريخية قديمة، وجزء من الوعي المتوارث.فما زالت المعركة قائمة بين يزيد بن معاوية والحسين بن علي.
رابعاً :صحيح بأن لبنان بلد ذو نظام طائفي وديمقراطية طائفية، لكنه بلد الحريات، فالحرية في لبنان صنعت الشعور بالتفوق على سواهم ، وخاصة على السوريين الذين لم ينعموا بالحرية خلال خمسين عاماً.
لا شك بأن هناك آلاف اللبنانيين المتعاطفين مع الشعب السوري وبخاصة من النخبة المثقفة، لكن هؤلاء لا يشكلون ذهنية عامة.
——————————
مخيم اللاجئين في المنية: حياة كاملة أُحرقت لـ”خلاف فردي”!
“كان خروجنا من المخيم صعباً، لكن البحث عن مكان نلجأ إليه كان أصب”. وجوه اللاجئين وحدها تقول الكثير، فيما أفواههم وألسنتهم صامتة.
“عريانين وبردانين وجوعانين”. عبارة اختصرت بها إحدى اللاجئات السوريات في مخيم المنية، شمال لبنان، حال السكان هناك بعد الاعتداء الذي تعرضوا له، وتمثل بإحراق المخيم بما فيها.
بكلام قليل توجز ما حدث: “كنت جالسة مع أطفالي في الخيمة عندما سمعنا صوت طلقات رصاص. حاول الصغار الخروج لكنني منعتهم. لم أكترث لمعرفة ما يحدث فقد اعتقدت أن الأمر إشكال عابر، لكن فجأة بدأ الصراخ يطوّق المكان وألوان اللهب تُضيء الخيمة. احتضنت نَصر ابني الأصغر وخرجت كالمجنونة مع طفلي الآخرين من الخيمة، بدأت أركض لألاحق الفارين من دون أن أدري إلى أين أنا ذاهبة أو كيف سأخرج من المخيم مع أطفالي وإن كنا سننجو أصلاً”.
صمتت السيدة قليلاً ولم تشأ أن تتابع الحكاية. ثم استدركت: “تشردنا مرة تانية. نحن مكتوب علينا التشرد بالحفافي والبساتين”. ثم انسحبت مرددة هذه العبارة. تقدمت نحو خيمتها التي تحوّلت رماداً وهي تمرر نظرها في كل اتجاه عساها تجد شيئاً سلِم من النار. رفعت من بين الركام إحدى الأواني الحديدية. مسحتها بيديها من الغبار والرماد. تفحصتها من كل الزوايا وكأنها تراها للمرة الأولى. أزاحت “صُرّة” من على كتفها وضعت ما وجدت فيها، ثم أعادتها إلى مكانها. خسرت كما غيرها من السوريين كل ما تملك وأبسطه. ثيابها وثياب أطفالها. مأكولاتهم وألعابهم. أوراقهم الثبوتية ومدخراتهم القليلة. ذكرياتهم التي كانو بدأو يألفونها لعلّهم يتناسون مآسي التهجير من سوريا. خسرت 76 عائلة سورية السقوف التي من شأنها أن تحميها في عزّ برد الشتاء على خلفية شجار بين شخصين اثنين!
وعلى رغم تضارب الروايات، إلا أنه بحسب معلومات “درج”، أتى شخص من آل المير إلى المخيم في محلة بحنين – المنية وأراد شراء بعض الأغراض من دكان صغير فيه لكنه وجده مقفلاً، فأصر على صاحب الدكان على فتحه. وبعدما اشترى ما أراد وأثناء خروجه من المكان تعرض لإحدى الفتيات السوريات ما أثار حفيظة السوريين الذي أخرجوه من المخيم بالقوة. وما لبث أن تطور الإشكال بينهم إلى تضارب وإشهار سلاح، علماً أن هناك خلافات قديمة بينهم. فبحسب أبناء المخيم إن عدداً من السوريين يعملون مع الشاب من آل المير في قطاف الليمون ولهم بحوزته أجور لم يدفعها. بعد وقت على الإشكال عاد الشاب إلى المخيم ومعه عدد من أفراد عائلته (آل المير) الذين اعتدوا بالضرب على عدد من السوريين وأضرموا النار بالمخيم.
أثناء اندلاع النار حاصر الشباب اللبنانيون منفذ المخيم الوحيد على الطريق الدولي (الأوتوستراد)، فلم يجد اللاجئون السوريون خياراً للنجاة بأرواحهم سوى القفز من على السور الاسمنتي الذي يلفّ المخيم. لم يجدوا في المكان سوى سلم خشبي واحد استعانوا به للفرار من ألسنة النار. احتشدوا في نقطة واحدة حيث وضعوا السلّم وتوالوا على الصعود عليه والقفز إلى الطرف الآخر، بينما الدخان الكثيف يخنق أنفاسهم وكل شيء يتحوّل رماداً أمام أعينهم. وعلى رغم هول ما عاينوه كان البحث عن مكان للمبيت أصعب ما حفلت به تلك الليلة وفق حسن، أحد الشباب اللاجئين الذي يعمل في خدمة توصيل النراجيل في أحد المقاهي في المنية. يقول: “كان خروجنا من المخيم صعباً، لكن البحث عن مكان نلجأ إليه كان أصعب. فعندما حاولنا اللجوء إلى مخيمات أخرى قريبة تم تهديدنا بإحراقها أيضاً بمن فيها، فخفنا أن نتسبب بإيذاء سوريين آمنين في مخيمات آخرى”.
قضى الحريق المفتعل على قرابة 100 خيمة تألّف منها المكان. وعلى رغم احتشاد كثيرين على مدخله لمعاينة ما خلّفته النار، إلا أن الصمت كان أشد وطأة، فهول المشهد كان أوضح تعبير.
وجوه اللاجئين وحدها تقول الكثير، فيما أفواههم وألسنتهم صامتة. الأطفال مبعثرون في كل مكان يبحثون عما تبقى لهم من أمان. يحملون أكياساً ويجولون لإنقاذ ما يمكن من أغراض وأثاث وحتى طعام. وجوه أغلبهم شاحبة لا سيما من عاين منهم ما حدث وشعر بأن الاستقواء عليهم وتهديدهم بالموت بات مثل “شربة المي”. وإذ استنكر أبناء المنية والجوار ما حدث وأعلنوا تضامنهم الكامل مع اللاجئين السوريين، يبقى الأكيد أن هذا النوع من الاعتداءات قد يتكرر في ظل اشتداد الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان واستمرار البعض بنشر خطاب الكراهية والتحريض وسط غياب أي نوع من المحاسبة.
وبحسب الناشط المدني في منطقة المنية محمد الدهيبي، “ما حدث لا يعبر عن أخلاق أبناء المنطقة بل يجب حصره في إطار الإشكال الفردي والمطالبة بإجراء تحقيقات في الحادثة ومعاقبة الجناة”، مؤكداً أن “أبناء المنية فتحوا أبواب منازلهم لاستقبال العائلات التي نجت من الحريق”. ولفت إلى مساع لتأمين احتياجات العائلات المتضرّرة من مواد غذائية وفرشات للنوم وبطانيات وأدوية وثياب وحليب وحفاضات للأطفال، “بعدما التهمت النيران أبسط مقوّمات حياتهم”.
وفي السياق، يشير المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين في شمال لبنان، خالد كبارة إلى أن “الحريق قضى على المخيم بشكل كامل بسبب وجود مواد سريعة الاشتعال وقوارير غاز انفجرت تباعاً بمجرد ملامستها النار”، مؤكداً أن “المفوضية ستبحث في إمكان إعادة إعمار المخيم أو دمج العائلات في مخيمات أخرى، لكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت”، لافتاً إلى أن “المفوضية بالشراكة مع جهات محلية تواصلت مع العائلات المتضررة فور وقوع الحريق لتقديم المساعدات بصورة عاجلة”.
في المقابل، كانت قيادة الجيش اللبناني كشفت في بيان عن توقيف دورية من مديرية المخابرات في بلدة بحنين– المنية، مواطنين لبنانيين اثنين، وستة سوريين على خلفية ما وقع في البلدة بين شبان لبنانيين وعمال سوريين، والذي تطوّر إلى إطلاق نار في الهواء من قبل اللبنانيين، قبل قيامهم بإحراق خيام النازحين السوريين.
درج
———————–
لبنان ومصر..خطاب”أنسنة اللاجئين”في مجتمعات عنصرية منغلقة/ وليد بركسية
لبنان ومصر..خطاب”أنسنة اللاجئين”في مجتمعات عنصرية منغلقة يعلو صوت الضحك أكثر عند قراءة الهاشتاغات الموازية مثل “سوريا أم الكل” و”سوريا تتسع للجميع”
مهما اختلفت توصيفات حادثة إحراق خيام اللاجئين السوريين في منطقة بحنين شمال لبنان، بين جريمة عنصرية أو إشكال فردي أو تعبير عن فائض القوة أو اعتداء منظم على فقراء مستضعفين، فإن غياب المفاجأة عن ردة الفعل العامة، يجعل ما حصل وكأنه جزء من روتين يفترض التأقلم معه، ليس من ناحية استجرار البيانات السابقة والعبارات العاطفية الجوفاء ومبادرات الحلول الوهمية، المستنسخة جميعها من حوادث مشابهة تكررت طوال سنوات وزادت وتيرتها مؤخراً، بل من ناحية إنتظار الأسوأ.
ولعل غياب الدهشة يتكرر عند الحديث عن أن الكم الأكبر من الاعتداءات العنصرية الجماعية وخطاب التخويف من اللاجئين يأتي من الدول العربية التي تستضيف لاجئين من دول عربية “شقيقة”.
فهذه الدول المحكومة لأدبيات القوة والتحكم بالسلطة، ولم تنجح ثورات الربيع العربي في تغييرها للأسف، تعمل على خلق مجتمعات منغلقة تكرس فيها الخوف من الآخر، وينتشر فيها خطاب إعلامي مدعوم من السلطة، يحيل كل المشاكل المحلية المسؤولة عن البؤس الاقتصادي والمعيشي، إلى الغرباء، أي اللاجئين، ويتطابق ذلك مع خطاب قومي يرفع من شأن الهويات المحلية، ويحول العلاقة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، من نطاقها الإنساني المفترض إلى نطاق صراع البقاء في ظل ندرة الموارد.
هذه المشاهد لاحراق الخيام في المنية مخزية ومستفزة وعلى القوى الامنية محاسبة الفاعلين فورا .. اوقفوا دومينو الكراهية، الامور لا تُعالج بتبادل اطلاق النار وباحراقٍ مقزز لخيام اللاجئين !! pic.twitter.com/E8oG6u344y
— Salman Andary (@salmanonline) December 26, 2020
ومع انتقال هذا الخطاب إلى السوشيال ميديا، ليس من الغريب بالتالي أن يشبه المشهد الآتي من بحنين مقطعاً من فيلم رعب مثل “The Purge” أو أن تتم مقاربته مع سلسلة أفلام “The Hunger Games”.
والأسوأ أن الأمر لا يتعلق هنا بالسوريين في لبنان وحدهم، ففي مصر على سبيل المثال ينتشر على نطاق واسع هذه الأيام هاشتاغ عنصري #ياسيسي_يامعمرها_السوري_بيدمرها، يحمل نفس التغريدات العنصرية ضد اللاجئين عموماً، ومن بينهم اللاجئون اليمنيون والليبيون والآتون من دول أفريقية. وتتطابق جميعها في أن اللاجئين يتلقون المساعدات ويعيثون في البلاد فساداً، بينما “أصحاب البلاد الأصليين (مصريون، لبنانيون، ..) يعيشون في فقر وبؤس ولا يجدون عملاً.
شارع اليمنيين
وسوريا الصغري
سوريا الكبري
حي السودانيين
حي الأفارقة.
ولسه ياما نشوف
الولايات المتحده المصرية الافرواسيوية#اللاجيين_ينهبون_مصر#ياسيسي_يامعمرها_السوري_بيدمرها https://t.co/Zgzjrcm56c
— Espresso🎗🇪🇬🇪🇬🇪🇬🎗 (@Ahmed52610568) December 27, 2020
وإن كان تعبير “أنسنة اللاجئين” بحد ذاته قاسياً لافتراض انعدام الإنسانية في أولئك البشر الذين تقطعت بهم السبل بغض النظر عن جنسياتهم، وفقدوا كل ما يملكون بسبب الحروب والسياسات الشمولية تحديداً، فإنه يبقى للأسف مطلوباً لوجود خطاب كامل يعمل على “شيطنة اللاجئين”، حتى في أشد أزماتهم، فيما يبدو أن كثيرين ينسون أو يتناسون أسباب اللجوء الأصلية التي تدفع الأفراد للهروب من بيوتهم.
هو نقاش يتفرع عن نقاش أكثر شمولاً حول الصراعات في المنطقة، إن كانت ثورات شعبية ضد الدكتاتوريات المحلية أم حروباً تقودها السلطات الحاكمة ضد الإرهاب. وتلك الأخيرة هي السردية السامة التي تؤسس لخطاب إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا تحديداً على اعتبار أنها باتت آمنة بعد “تطهير الجيش السوري لها من الإرهاب”، رغم أن غالبية اللاجئين هربت في الواقع من الإرهاب الممارس عليهم من قبل الدولة السورية نفسها، ضمن ممارسات تتخطى الإبادة خلال سنوات الحرب نفسها إلى الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري والانتقام.
ومن المثير للاهتمام أن حادثة بحنين أتت بعد أيام قليلة من تداول كثيف لصورة طفل سوري لاجئ في لبنان يدعى عبد الرحمن شيخون (13 عاماً)، وهو يقرأ قصة “الأجنحة المتكسرة” لجبران خليل جبران، خلال استراحة له من عمله في أحد المتاجر التي تبيع مساحيق الغسيل.
ورغم أن المعلقين كانوا يوجهون رسائل الحب والإعجاب للطفل الذي نزح إلى لبنان مع عائلته قبل سنوات واضطر لترك المدرسة قبل عامين ومازال يحافظ على حبه للقراءة، من دون أبعاد أخرى، إلا أن الصورة نفسها كانت تجسيداً لمفهوم “أنسنة اللاجئين” ضمن مجتمعات عنصرية منغلقة على نفسها من جهة، وإظهاراً لقصور واضح في تقديم اللاجئين كبشر مستضعفين قبل أي شيء آخر، ضمن حيز الاستقطاب اللبناني نفسه.
طفل سوري يدعى “عبدالرحمن شيخون” ذو 13 عامًا لاجئ في #لبنان ، يظهر في الصورة خلال قراءة رواية “الأجنحة المتكسرة” لجبران خليل جبران أثناء عمله في ورشة لبيع المنظفات pic.twitter.com/cg28wiOWSZ
— Siba Madwar صبا مدور (@madwar_siba) December 23, 2020
واللافت أن دراسات إعلامية أشارت منذ سنوات الى مشاكل تعامل الإعلام اللبناني مع اللاجئين السوريين، ومن بينها دراسة لمؤسسة “مهارات” العام 2016، بعنوان “رصد العنصرية في الإعلام اللبناني: تمثيلات السوري والفلسطيني في التغطيات الإخبارية”، وجدت أن 24% من التغطيات الصحافية كانت سلبية، وهو رقم ارتفع إلى 43% في التقارير الإخبارية لأن “وسائل الإعلام تقوم بنشر التقارير الإخبارية كما تردها من المصادر الأمنيّة، من دون العمل على إعادة صياغتها بشكل يتحاشى الاتجاه السلبي الوارد فيها”، مع الإشارة إلى أن النبرة المستخدمة في التقارير التلفزيونية حول السوريين والفلسطينيين، سلبية في “التغطيات الأمنية وموضوع الأعباء الناجمة عن واقع النزوح”، بينما هي إيجابية في “التغطيات الإنسانية والاجتماعية”، والمشكلة أن الملف الأمني شكل 34% من مجمل التغطيات.
على أن ذلك الخطاب ليس عبثياً بل هو جزء من هوية الدولة نفسها، ما يشكل الفارق الأكبر بين الدول العربية المستضيفة للاجئين ونظريتها الغربية، التي تحافظ على هيكلية بالحد الأدنى، تضمن فيها حقوق الإنسان وتعمل على دمج اللاجئين ضمنها.
ويفيد تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” صدر في العام 2018 بأنه: “تنتهك السياسات التعسفية والأنظمة والممارسات التمييزية التي تنفذها الحكومة اللبنانية والبلديات المحلية على التوالي، القانون الدولي لحقوق اللاجئين وحقوق الإنسان”، ويعود ذلك إلى أن لبنان يعتبر نفسه ممراً يعبر منه اللاجئون وليس دولة قادرة على استقبال أعداد كبيرة منهم، خصوصاً أنه لم يوقع على اتفاقية جنيف للعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين أو بروتوكول العام 1967 الملحق بها.
وأمام هذا الوضع المأساوي، لا يمكن سوى ترقب الأسوأ فعلاً، فالحلول المطروحة في مواقع التواصل الاجتماعي، والداعية لإعادة السوريين إلى بلادهم “الآمنة”، مهما كانت غير جدية تبقى وحيدة من دون طروحات بديلة.
والأسوأ أن تلك العبارات باتت مدخلاً لترويج أفكار النظام السوري حول حمايته للشعب السوري وكرامته رغم أنه المتسبب الأول في إذلال السوريين وأزمتهم الإنسانية، ولا يمكن سوى الضحك عند رؤية جمهور الموالين وهم ينشرون صور الخيم المحترقة في بحنين، وهم يتباكون على أخوانهم السوريين “الهاربين من الإرهاب والذين تمنعهم السياسات الخارجية من العودة إلى بلادهم”. يعلو صوت الضحك أكثر عند قراءة الهاشتاغات الموازية مثل “سوريا أم الكل” و”سوريا تتسع للجميع”.
#راجعين #سوريين #مع_عودة_اللاجئين_والنازحين#سورية_أم_الكل #سوريا_تتسع_للجميع 👇 https://t.co/LXcrN0eRnV
— نغم مستو (@naghammesto) December 26, 2020
المدن
——————————
رماد مخيم بحنين: اللاجئ المهجّر والمتوحّش البربري/ نادر فوز
لم يبق في مخيّم بحنّين للاجئين السوريين سوى رؤوس بطاطا محروقة التهمتها نيران حاقدة أشعلها بربريون متوحّشون بالمخيّم. من اللاجئين من أضاع أوراقه الثبوتية، ومنهم من احترق جنى عمره (بالليرة اللبنانية وأقلّ من 3 آلاف دولار)، ومنهم من فقد سُتراً أو بطانية وحيدة. لم تكن يد عقاب إلهي ولا خطأ بشرياً وراء الحريق، إنما كائنات غير حسّاسة أضرمت النار عمداً في المخيّم، فحرقت ما يقارب مئة خيمة منصوبة في المكان، وهجّرت عشرات العائلات منها إلى عراء وصقيع مشبّعان رعباً وجحيماً.
صور المخيّم المحترق، مساءً، كأنها تعود إلى فجوة من فجوات براكين فيرنر هيرزوك (فيلم “إلى الجحيم”). أحمر وبرتقالي وأسود يتخالطون، من دون تعليق ولا مؤثرات ولا دوّي فقش لهيب. جحيم من صناعة بشرية لا دخل للطبيعة به، ولا الآلهة. وصور المخيّم المحترق، صباحاً، توثيق للمجزرة. تعيدنا قرابة العقدين والنصف إلى الوراء، إلى مجزرة قانا الأولى في أيام عدوان عناقيد الغضب عام 1996. جحيم، من صناعة بشرية، أيضاً لا دخل للطبيعة ولا الآلهة به.
لاجئون مهجّرون
اللاجئون، عنصر اجتماعي مستضَعف عموماً. حتى في هذا الشطر الاجتماعي، شرائح استضعاف أقصى وأدنى. شرائح استضعاف عمري بين أطفال ومراهقين وبالغين. شرائح جندرية بين نساء ورجال، قاصر ومتزوّجة وربّة عائلة. عاطل عن العمل ومنتج، وغيرها من الشرائح الأخرى منها المحظي أو المتروك في سبيل الحياة والقدر. لكن أقصى شرائح الاستضعاف التي يخرج بها علينا إحراق مخيّم بحنّين، اللاجئ المهجّر من خيمته. لا بل نساء وأطفال وعجزة لاجئون، تمّ تهجيرهم من خيمهم، ليصبحوا لاجئين نازحين من بؤرة مشتعلة. سبق وسُجّلت حوادث مماثلة لتهجير اللاجئين من مخيّماتها أو أماكن سكنهم، كما حصل في دير الأحمر سابقاً أو في بشرّي. إلا أنّ ذلك لم يكن بهذا القدر من الاستخفاف والحقد والكره والقذارة. لماذا؟
نعمة الذلّ
يقول منطق اللجوء، إنّ بشراً يهربون من مكان ما، في ظرف قهر وموت ودمار، إلى مكان أكثر أمناً للبقاء على قيد الحياة ولململة حيواتهم، بانتظار سِلم العودة إلى ديارهم أو فرصة للاستقرار. اللاجئون، ليسوا بدواً يعيشون حياتهم الطبيعية في الخيام كما يخيّل إلى البعض. ولا مسرورون بتقاضي 40 ألف ليرة لبنانية (أقل من 5 دولارات) شهرياً، إن تقاضوها. هربوا من جحيم سوريا، بنظامها وعسكرها المحلّي والأجنبي ومجموعاتها المسلّحة، لأنهم عاجزون عن الحياة فيما بينها. يعيشون في ذل الإعاشة وأكل البطاطا وسرقة خطّ كهربائي لم تؤمّنه الدولة لهم، وقضاء الحاجة في تنكة أو علبة متنقلّة أو في الخلاء. حتى نعمة الذلّ هذه، مهدّدون بها، مستكثرة عليهم، ممنّنون بها. لماذا؟
مخزون ينفد
ما بدأه نظام الأسد الأب والأبن، واستكملته ميليشياته الحليفة ومعارضوه على شاكلة داعش، يستمرّ بتنفيذه متوحّشون لبنانيون. الموت أو العيش في احتقار وتصغير وإخضاع وذمّ. على يد سفّاحين في سوريا أو متوحّشين في لبنان، لا يهم. ولا خيار ثالث. يسرقون من آلاف السوريين، مواطنين مفترضين في سوريا أو لاجئين في لبنان، ما تبقى فيهم من حسّ بشري. يخنقون ما تبقى لديهم من كرامة إنسانية. مخزون الصبر على الذلّ، والأمل بحياة أفضل، والإيمان بمتغيّر لا بد أن يأتي، والكذب على الذات في واقع الإهانة الفردية، والضغط على تحقير جماعي، نفد. إن لم ينفد، قارب أن ينفد. لماذا؟
إحراق مخيّم بحنّين جريمة شنيعة لم يعاقب عليها القانون بعد. شروع بالقتل الجماعي العمد، ينتظر من يحكم فيه. إلا أنه فعلياً يبسّط عين الواقع في حوضنا المتوسّطي المستمرّ في انزلاقه، دون فرملة، إلى التوحّش والبربرية والبدائية. لماذا؟ لأنّ في هذا الحوض المتوسّطي، وغيره، عودة إلى الغريزة في السياسة والأخلاق والدين والممارسة اليومية بشتّى مجالاتها. إنسان بدائي، يُمسك بآيباد ويركب طيّارة، وبات متمكناً من إشعال النار بإصبع واحد. فكيف لا يضرم النار في جماعة بأسرها؟ قد يعود حتى إلى جمع رؤوس وأعضاء ضحاياه من البشر في علّاقة مفاتيح.
المدن
————————-
النزوح السوري..كقضية سياسية/ ساطع نور الدين
لا يسير لبنان، في تعامله مع ملف النازحين السوريين، نحو سيناريو فلسطيني جديد، يكرر ما حصل مع أزمة اللاجئين الفلسطينيين في النصف الاول من القرن الماضي، وكانت حصيلته كارثية، لكن تفادي مثل هذا الاحتمال يزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
ما حصل في مخيم بحنين الشمالي، لا يمكن أن ينسب الى العنصرية اللبنانية وحدها. في الأصل ما زال إستخدام تلك العبارة في التعاطي مع النازحين السوريين، يثير الدهشة. فهي صفة لا تصلح لشعب يتباهى بعنصريته، ويستحضرها في كل تفصيل يومي، ويعتمدها في التعاطي مع الأخر، الذي يمكن ان يكون من طائفة أخرى، من مذهب آخر، من منطقة أخرى..وليس فقط من شعب آخر، لا تفصله عنه أي من مكونات “العنصر”، سواء في الاصل او اللغة او الثقافة او حتى الدين.
بداهة القول أن اللبنانيين عنصريون تجاه بعضهم البعض، تستوجب الانتقال الطبيعي الى وضع الهمجية اللبنانية التي تجلت في الاعتداء على مخيم بحنين في سياقها الاجتماعي-السياسي، حيث يمكن العثور على فجوات خطرة، في تنظيم العلاقة بين الكتلتين البشريتين اللبنانية والسورية وضبطها من دون اللجوء الى العنف او السلاح.
في التجربة الفلسطينية البائسة، كانت الدولة اللبنانية هي التي تتولى الانضباط ثم الاضطهاد ثم الانفجار داخل المخيمات، الى أن أنتج الفلسطينيون أدواتهم في الدفاع عن النفس، ثم الهجوم على المؤسسات اللبنانية، في إطار هجوم شامل جرى في مختلف دول الشتات من أجل إحياء الهوية الوطنية الفلسطينية، وصياغة مشروع الحرية والاستقلال والعودة.
في التجربة السورية، الحديثة العهد نسبياً، ما زالت الدولة تتهيب ممارسة القمع على نطاق واسع، وما زالت ترتبك في تحديد هوية النازحين السوريين، وما إذا كانوا في غالبيتهم هاربين من الموت في وطنهم، أو ما إذا كانوا مهاجرين إقتصاديين يبحثون عن لقمة العيش، حسبما كانت وستبقى هجراتهم السنوية او الموسمية الى سوق العمل اللبناني. وهي تواجه معضلة، مع النظام السوري الذي يصرح برغبته في إعادة النازحين، لكنه يعمل المستحيل لكي يعرقل هذه العودة، سواء بطلب اللوائح الإسمية، أو البراءات الامنية، أو الاكلاف المالية..
التفسير الاجتماعي لما جرى في بحنين، سهل وبسيط: صراع بين كتلتين بشريتين على فرص العمل المتضائلة، وعلى مقاومة الفقر والجوع المتنامي ، لا سيما في المنطقة اللبنانية الاشد فقراً، وبالتالي الاكثر إضطراباً. وهو ما ينطبق أيضاً على معظم أنحاء منطقة البقاع التي سبق أن شهدت مثل هذه الحوادث، ولو من دون عنف واسع، أو سلاح سياسي ظاهر.
ظهور السلاح وإستخدامه في بحنين، يفرض اللجوء الى القراءات السياسية الضرورية من الآن فصاعداً. التقاليد اللبنانية العريقة، تبيح اللجوء الى السلاح للاستعراض او للاستقواء او حتى للانتصار على الخصوم. لكنه لم يوجد مسلح واحد، من دون جهة سياسية تغطيه أو تحميه أو تموله لكي تستخدمه في برامج محددة، وواضحة، قد تكون بحجم خوض صراع محلي عائلي أو قروي أو إنتخابي.. أو إستجابة لقرار خارجي، يود الاستفادة من تلك الرحابة اللبنانية في التعاطي مع السلاح.
حتى الآن، لم يتوصل التحقيق الى ما هو أبعد من الخلاف الشخصي، وربما لن يتقدم كثيرا في ما وراء هذا الدليل الواهي، الذي لا يكفي لفهم ذلك الهجوم المسلح على مخيم سوري كامل بنسائه وأطفاله..لكنه أيضا لا يتيح الاشتباه بالجهة التي حرضت أو نفذت ذلك الاعتداء، طالما أن هناك جواً من التنافر اللبناني السوري، الناجم عن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يصيب الجانبين، ويدفعهما الى الإشتباك.
لا يمكن لأحد أن ينفي الصراع على الكتلة البشرية السورية، الذي بدأ عملياً في مؤتمر عودة النازحين المنعقد في دمشق الشهر الماضي، والذي يفترض ان يستكمل الشهر المقبل بمؤتمر مشابه في بيروت..ويكون، حسب جدول الاعمال الروسي المعلن، جزءًا من حملة الانتخابات الرئاسية السورية المقررة بعد ستة أشهر، والتي تنص القرارات الدولية على ضرورة إشراك جميع النازحين السوريين فيها، أينما كانوا.
لكن حدود هذا الصراع في لبنان، محدودة ومحسومة سلفاً. قد تتطلب إحراق المزيد من مخيمات النازحين، لكنها لا تمثل تحدياً بالنسبة الى النظام الذي يفضل عدم إستعادة النازحين من لبنان، او بتعبير أدق يفضل إعطاء الاولوية لإستعادة نازحين الى بلدان أخرى، غنية ومؤثرة ومخاصمة.. كما أنه لا يمثل تحدياً بالنسبة الى المعارضة السورية التي تميل الى عدم مقاربة هذا الملف إلا من زاويته الانسانية، لإعتقادها ان غالبية النازحين الى لبنان، هم الاشد عوزاً من جهة، أو الأقرب الى النظام من جهة ثانية.
ما جرى في مخيم بحنين، عارٌ لبنانيٌ جديد، لكن حصره في الحيز الاخلاقي، أو “العنصري”، أو حتى المعيشي، لا يؤدي سوى الى عميق الهوة بين شعبين جائعين، لن يترددا في اللجوء الى السلاح.
المدن
————————–
نيران مخيم بحنين: ورمت الأمهات أطفالهن وراء السور/ جنى الدهيبي
لم تنم عشرات عائلات اللاجئين السوريين إثر الجريمة المروعة التي أدت لإحراق مساكنهم كاملة في مخيم بحنين – المنية شمال لبنان. لكن صباح الأحد 27 كانون الثاني، كشف لهم حجم الدمار، بعد أن التهمت النيران خيمهم الهشّة ومحتوياتها، ليجد النساء والأطفال والرجال أنفسهم يتعرضون لعملية تهجير لا تقل قسوة وبشاعة عن التهجير الأول من بلدهم سوريا (راجع “المدن”).
مشاهد مروعة
هذا الحادث وإن يتحمل مسؤوليته مجموعة أفراد، مجردين من أدنى حسّ إنساني وأخلاقي، إلا أنه يشي باختلال عميق سياسي وأخلاقي بات يهيمن على جماعات المشرق العربي بأسره، والجنوح إلى عنف غرائزي منفلت من أي رادع أو وازع. اختلال لا تعالجه مسارعة أهالي المنية والجوار وطرابلس ومختلف المناطق اللبنانية إلى شجب الجريمة واستنكارها. وإذ أعلنت مئات العائلات اللبنانية عن فتح منازلها ومراكزها والفنادق ودور العبادة لإيواء العائلات السورية، التي تشرّدت في “برد كانون” تحت وطأة التهديد والتنكيل ليلًا، فهذا لا يخفي أيضاً فداحة ما وقع، ولا يخفف من المسؤولية عن سلسلة من الحوادث المتواترة التي تدل على الاحتقان العنيف في بيئاتنا الاجتماعية التي تصرفه عنفاً واعتداءات وجرائم على الفئات المستضعفة، كحال اللاجئين.
المشاهد المروّعة في المخيم المحروق صباحًا، طغت عليها ملامح الحزن والصدمة على وجه أطفاله ونسائه، بعد أن عادت العائلات لتفقد ما بقي لها في هذه الخيم، فلم تجد لا طعامًا ولا مالًا ولا لحافًا ولا ثيابًا. كلّ ما في هذه الخيم النايلونية ومواد أخرى، أُحرق ودُمّر، حتّى أن رجلًا سوريًا كان قد جمع طوال عمره مبلغا مالياً من عمله، فلم يجد منه ليرة واحدة.
وكان الناشط الإجتماعي محمد الدهيبي، وهو يعمل في منظمة الأمم المتحدة (UN)، تطوع مع مجموعة من الشباب اللبنانيين والسوريين لإغاثة الضحايا، وقد عاينوا سويًا حادث الحريق قبل بدء اندلاعه ليلًا.
صرخات النساء والأطفال
يروي الدهيبي لـ”المدن” تفاصيل مشاهدته العينية، بعد أن اندلع الإشكال بين أحد أفراد آل المير وبعض اللاجئين من مخيم بحنين. وحتى الآن ما زالت الروايات متضاربة حول خلفيته، بانتظار الرواية الأمنية الرسمية، لا سيما أن مخابرات الجيش نفذت حملة اعتقالات واسعة في المنطقة، شملت بعض المتورطين وسوريين أيضًا، نتيجة إطلاق نار واسع في المنطقة قبل الحريق وبعده.
ويشير الدهيبي أن الإشكال بدا منظمًا للغاية من قبل المعتدين، ولم يبدُ عفويًا، لا سيما بعد أن تمت محاصرة اللاجئين السوريين عند البوابة الرئيسية للمخيم من قبل مجموعة من المسلحين، وحاصروا بوابته الخلفية أيضًا، بعد أن قطعوا كل الكابلات الكهربائية عن المخيم، فتحول إلى ظلامٍ دامس لا تُسمع منه إلا صرخات وبكاء النساء والأطفال.
وفي هذا المخيم المكتظ، لا توجد ممرات آمنة. وتتلاصق الخيم بسور خفاني وببعضها البعض. قبل اندلاع الحريق وقطع الكهرباء، خيّم إطلاق الرصاص في المنطقة، وجرى تهديد السوريين، حسب الدهيبي، بعدم اللجوء إلى مخيم آخر مجاور لهم، وإلا سيتم إضرامهم جميعًا بالنار. وبعد أن عجز السوريون عن الهروب من البوابة الرئيسية، بدأت بعض النساء برمي أطفالهن خارج السور الخلفي خوفًا من احتراقهم، كما جرى الاستعانة بسلم صغير لم يجدوا غيره للهرب من الخلف، فصاروا يسقطون عنه، على وقع انفجار قارورات الغاز وفق الدهيبي.
المفوضية والجيش والبلدية
في هذه الأثناء، يستمر الجيش بتطويق المنطقة من مختلف جوانبها في ظل تنفيذ المداهمات. وحول المساعدات الإغاثية، يشير الدهيبي أنه جرى التواصل مع بلدية بحنين لأخذ إذن فتح حديقة البلدية لإستقبال المساعدات العينية. لكنها رفضت، في ظل محاولة رئيس بلدية بحنين مصطفى وهبي عدم التدخل بالقضية!
وليلاً، وصلت المساعدات لنحو 17 عائلة، بحسب الدهيبي. وهناك أطفال رضع ما زالوا من دون حليب، كما جرى التبرع بشكل عاجل بنحو 250 ربطة خبز.
وقال الدهيبي: “هرب عشرات اللاجئين حفاة نحو البساتين، فتبعثروا عن بعضهم البعض بالظلام، وقد عادوا صباحاً ليجلس كل منهم عند مربع خيمته المحروقة”.
وهذا المخيم الذي تشغل مساحته نحو 1500 متر مربع، يوجد فيه نحو 100 خيمة.
وفي السياق، يشير المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين في شمال لبنان، خالد كبارة لـ”المدن”، أن هذا المخيم يضم نحو 76 عائلة سورية، وقد تواصلت المفوضية معهم، بالشراكة مع جهات محلية لتقديم المساعدات بصورة عاجلة. كما تسعى لتأمين مأوى مؤقت لبعضهم من الأكثر حاجة، نظرًا لقلة أعداد مساكن الإيواء شمالاً. ولفت كبارة أن المعطيات الأولية تفيد عن احتراق كامل للمخيم نتيجة وجود مواد سريعة الاشتعال، وأن المجتمع الأهلي اللبناني ساند في عملية إغاثة السوريين، كما أن العمل ما زال مستمراً لتقييم الأضرار وتقديم المساعدات الطارئة.
مخابرات الجيش
وبعد ظهر اليوم الأحد، أعلنت قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه في بيان أن “دورية من مديرية المخابرات أوقفت اليوم في بلدة بحنين- المنية، مواطنين لبنانيين وستة سوريين على خلفية إشكال فردي وقع مساء أمس في البلدة بين مجموعة شبان لبنانيين وعدد من العمال السوريين، ما لبث أن تطور إلى إطلاق نار في الهواء من قبل الشبان اللبنانيين الذين عمدوا أيضاً على احراق خيم النازحين السوريين”.
وحسب البيان، فإن وحدات الجيش تدخلت على الاثر وسيّرت دوريات في المنطقة كما نفذت مداهمات بحثاً عن المتورطين في اطلاق النار واحراق الخيم، وضُبط في منازل تمت مداهمتها أسلحة حربية وذخائر وأعتدة عسكرية.
وأكّدت القيادة أنه تم تسليم الموقوفين والمضبوطات، وبوشر التحقيق باشراف القضاء المختص، فيما تستمر ملاحقة باقي المتورطين لتوقيفهم.
المدن
—————————-
“عقاب جماعي” يطارد آلاف اللاجئين.. سوريون يروون مأساتهم بعد حرق خيامهم بشمال لبنان/ جنى الدهيبي
عند حافة خيمتها المحروقة في مخيم اللاجئين السوريين في بحنين-المنية شمالي لبنان، تجلس فادية محمد (38 عاما) تمسح دموعها، بعد أن فقدت الأمل بالعثور على محتويات خيمتها التي كانت مدعمة بشوادر النايلون، قبل أن تلتهم نيران حريق مروّع المخيم بأكمله.
هذه المرأة السورية التي هربت من مسقط رأسها بحمص إلى لبنان قبل 8 سنوات، وجدت أن الحرب تلاحقها بعد أن دمرت النيران خيمتها التي كانت تؤوي أطفالها.
وقالت للجزيرة نت “لحظة بدء اندلاع الحريق لم أفكر إلا بإنقاذ أطفالي من الموت، كنتُ أبدّل ملابس الرضيع فحملته شبه عارٍ، وأمسكت بأيديهم لأركض بحثًا عن مخرج، وعدنا صباحًا ولم أجد خيمتي التي ذابت وصارت كالفحم الأسود”.
وعلى بُعد أمتارٍ، كانت تقف أم علي (43 عامًا) التي هربت من الحسكة السورية إلى لبنان في 2011، وهي أم لـ6 أولاد، شكت للجزيرة نت بالسؤال “ما ذنبنا لكي ندفع ثمن إشكال فردي لا علاقة لنا به؟ ما ذنب أطفالنا كي يهربوا من النيران والرصاص منتصف الليل وهم يرتجفون من البرد؟”.
وكان عدد من المواطنين اللبنانيين أضرموا النار في مخيم للاجئين السوريين في بحنين-المنية ليل السبت، إثر خلاف فردي دار بين مجموعة من إحدى عائلات المنطقة وعمال سوريين في المخيم، مما أدى إلى سقوط عددٍ من الجرحى.
وفي وقتٍ ما زالت الروايات المحلية تتضارب حول خلفيات الحادث الذي شرّد عشرات العائلات السورية، أصدرت قيادة الجيش اللبناني بيانًا رسميًا أوضحت فيه أن مديرية المخابرات أوقفت الأحد مواطنين لبنانيين و6 سوريين على خلفية إشكال فردي وقع في بلدة بحنين بين شبان لبنانيين وعدد من العمال السوريين، ما لبث أن تطور إلى إطلاق نار في الهواء من قبل الشبان اللبنانيين الذين عمدوا أيضا إلى إحراق خيم اللاجئين السوريين.
وروى أحد شهود العيان للجزيرة نت اللحظات المريرة التي عاشها اللاجئون قبل إضرام النيران، إذ أقدم المعتدون على قطع أسلاك الكهرباء عن المخيم، وأطلقوا الرصاص عشوائيًا في الهواء، وهدد بعضهم اللاجئين بحرق أي مخيم قريب يلجؤون إليه.
وبعد فشل الهروب من البوابة الرئيسية، هرب عشرات الشبان والنساء والأطفال إلى السور الخلفي، وكان بعضهم يركضون حفاة، فاستعانوا بدرجٍ صغيرٍ بدؤوا يسقطون عنه نحو البساتين المحيطة على وقع دوي انفجار قوارير الغاز جراء الحريق.
ومن بين اللاجئين الهاربين، كان الطفلان الصديقان أحمد العيسى وأمير محمد (10 سنوات)، وهما من مدينة القامشلي السورية، وقد بدت ملامح الخوف على وجهيهما، وقال أحمد للجزيرة نت “جئت إلى المخيم لأتفقد دراجتي لكنني لم أجدها، وقد ضرب المعتدون عمي على رأسه، وكنت أخشى من وصول النار إلى جسدي قبل أن أركض بعيدا في البستان”.
ويقاطعه أمير متمنيًا العودة إلى سوريا، لأنه يعيش هنا بظروف صعبة ومن دون مدرسة، ولا يمكن أن ينسى “ليلة الرعب من الحريق” كما وصفها.
ومخيم بحنين-المنية هو واحد من عشرات المخيمات المنتشرة في لبنان، ومعظمها بنيت بطريقة عشوائية وفي مساحته التي لا تتجاوز 1500 متر مربع، يوجد به 86 خيمة تسكنها نحو 76 عائلة، أي أن هناك 379 لاجئا سوريا، بحسب ما يشير المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين في شمال لبنان خالد كبارة.
السيدتان فادية وأم علي احترقت خيمتاهما بما فيهما (الجزيرة)
استنكار
وقد أثار حريق مخيم اللاجئين استنكارا لبنانيا واسعا على المستويين الرسمي والشعبي، لا سيما أن شمال لبنان معروف كبيئة حاضنة للاجئين السوريين وقضيتهم، ووصفه كثيرون بالفعل المدان والعنصري والإجرامي، كما طالبوا بالقصاص من المعتدين.
كما تواصل وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية مع وزيرة الدفاع زينة عكر، وأكد حرص الوزارة على سلامة اللاجئين وضرورة معالجة أسباب الحادثة وتداعياتها ومحاسبة الفاعلين.
وأعطى المشرفية توجيهاته إلى فريق الاستجابة الذي قام بالتنسيق بين السلطات المحلية والجهات الأمنية والمنظمات الدولية الفاعلة، وحرص على ألا يبيت أحد من العائلات في العراء ودون مأوى، بحسب بيان وزارة الشؤون.
من جهته، دان مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إحراق مخيم النازحين السوريين في بلدة بحنين-المنية، واصفا ما جرى بـ “الجريمة النكراء التي تستحق العقاب الشديد من الذين قاموا بهذا العمل المشين بحق الإنسانية”.
خلفيات الأزمة
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها اللاجئون السوريون إلى التنكيل والطرد من أماكن سكنهم، وآخر حادث كان قبل شهرٍ في نهاية نوفمبر/تشرين الأول، حين غادرت نحو 270 عائلة سورية بلدة بشري الجبلية شمالي لبنان، بعد أن أثار حادث مقتل شاب لبناني على يد لاجئ سوري توترًا دفع مجموعة من شباب المنطقة لطرد السوريين المقيمين لديهم، كرد فعل على الجريمة.
وفي السياق، يعتبر ناصر ياسين، أستاذ في الجامعة الأميركية مهتم بقضايا اللاجئين، أن إحراق مخيم بحنين-المنية لم يكن مستغربا وليس جديدا والمفارقة بحجم عدوانية الحادث، ويرى أن اللاجئين غالبا ما يتعرضون عند كل إشكال فردي إلى “عقاب جماعي” صار يطارد آلاف السوريين في لبنان.
ويربط ياسين -في تصريح للجزيرة نت- ما يتعرض له اللاجئون السوريون بـ3 عوامل أساسية:
أولًا، تحول اللاجئ في لبنان إلى إنسان مستباح، في ظل تصاعد خطاب الكراهية منذ أكثر من عامين ومطالبة بعض الفئات والمسؤولين برحيل السوريين، كما يحملهم البعض مسؤولية الأزمات باعتبارهم يشكلون ضغطًا إضافيًا على المجتمع اللبناني مع وجود ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري.
ثانيًا، غياب الدولة اللبنانية عن مقاربة ملف اللاجئين منذ 9 سنوات بشكل كامل، مما أدى لخلق نوع من الشرائع الجماعية التي تمارسها فئة من المجتمع المضيف بحق اللاجئين من دون أي رادع قانوني.
ثالثا، الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان التي زادت حدة الاحتقان بين المجتمعين اللبناني والسوري، خصوصا أن اللاجئين يقيمون في المناطق الأكثر فقرا، لسهولة العيش فيها بطرق غير قانونية، وهو ما يزيد من التوترات نتيجة تشاركهما في المعاناة نفسها.
ويلفت ياسين أن نحو 90% من اللاجئين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وحجم المساعدات التي تصلهم لا تكفي لسد أدنى حاجاتهم، والمشكلة أن معظمهم لا يتمتعون بحماية قانونية، إذ هناك نحو 70% من اللاجئين لا يملكون أوراق إقامة رسمية، إما لأنهم لجؤوا هربا بطريقة غير شرعية، وإما لأنهم لم يجددوا إقامتهم لعدم امتلاك كلفة نفقاتها.
هذه العوامل مجتمعة وغيرها، بحسب ياسين، أسست أرضية للعنف، ولولا تضامن فئة واسعة من اللبنانيين مع اللاجئين لأخذت ردود الفعل الانتقامية وتيرة أشد عنفًا، يخشى من تفشيها مع توالي تداعيات الانهيار الكبير الذي يعصف لبنان.
—————————
العنصرية ضد اللاجئين في لبنان تجد ضالتها في مخيم المنية.. حريق يشعل التعليقات/ أحمد خواجة
أقدم شبّان لبنانيون على إحراق عشرات الخيم التي يتّخذ منها لاجئون سوريون مأوىّ لهم في أحد المخيمات المتواجدة في منطقة المنية في شمال لبنان. وبحسب مصادر متقاطعة، فإن العملية الانتقامية هذه أتت على خلفية إشكال بين لاجئ سوري يقطن في المخيم، ومواطن لبناني من المنطقة من عائلة المير.
وعلى إثر انتشار الخبر اشتعلت وسائل التواصل في لبنان، وأعلن القسم الأكبر من الناشطين اللبنانيين تضامنه التام مع اللاجئين السوريين في مخيم المنية وفي أي مكان آخر من لبنان. وعلى الفور، نظمّ شبان لبنانيون حملات لتأمين سكن بديل مؤقت لعشرات العائلات التي وجدت نفسها بلا مأوى بشكل مفاجئ. مع العلم أن اللاجئين يعيشون ظروفًا معيشية خانقة، في ظل الحالة الاجتماعية الكارثية التي تشهدها المخيمات، خاصة في فصل الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة، مع عدم قدرة معظم الأهالي هناك على تأمين وسائل التدفئة من محروقات وملابس وبطّانيات.
وتحوّل وسم #المنيه إلى الترند رقم واحد في لبنان في اليومين الأخيرين. واتخذت النقاشات والمشاحنات بين الناشطين أبعادًا طائفية وعنصرية. وفيما رفض القسم الأكبر من اللبنانيين الاعتداء على المخيم، ورأوا فيه تصرفًا فاشيًا وانتقامًا جماعيًا من لاجئين عزل يرزحون تحت ظروف معيشية قاسية، خرجت أصوات قليلة تبرّر ما حصل، وتدافع عن الهجوم على المخيم، وترى فيه ردّة فعل مبررة على ما أسموه تجاوزات يقوم بها اللاجئون. فيما دعا البعض منهم اللاجئين للعودة إلى بلادهم، بحجة أن الأمن والاستقرار عادا إليها. حجّة تدحضها ممارسات النظام السوري في حق اللاجئين الذي عادوا إلى سوريا في السنوات الأخيرة.
في لبنان ..يحرق الفقراء خيم الافقر منهم …ويستقوي الضعفاء على من هم أضعف منهم
حرق مخيم للاجئين السوريين في #المنية وتهجير أكثر من 100 عائلة في العراء pic.twitter.com/gqsiOkhFBp
— Ziad Aziz (@ziadaziz75) December 26, 2020
اعتذر لإخواننا السوريين مما فعله الجهلة في بلدة المنية. و أتبرأ من كل إنسان شمت ودافع وبرر الإحراق الذي حصل
كلنا هاشتاغ #المنية على تويتر . pic.twitter.com/cwLkqP5wHz
— Al-MASDAR (plus+) (@Husein_dib) December 27, 2020
الناشط أنس صباغ نشر على تويتر صورتين من المخيم بعد حرقه، ووصف ما جرى بالجريمة الإنسانية. من جهته، رأى أحد المغردين أن توقيت الجريمة مشبوه، وأن الهدف منها هو الضغط على اللاجئين للعودة إلى سوريا بشروط بشار الأسد، بعد فشل مؤتمر اللاجئين الأخير الذي رعته الدول الداعمة للأسد. وقد اعتذر عدد من الناشطين اللبنانيين مِن مَن أسموهم الأخوة السوريين، وأكّدوا بأن “الهمجية التي شهدها المخيم”، لا تشبه طبيعة الشعب اللبناني الذي يفتح بيوته للاجئين.
جريمة إنسانية بكل معنى الكلمة .#المنيّة pic.twitter.com/4GqxyArrMk
— Fadia Bazzi فاديا بَزي (@fadiambazzi) December 27, 2020
#لبنان تختار الوقت المناسب في الشتاءالقارص لتحرق مخيمات السورين ليضغطو على الناس الخنوع والخضوع ل #بشار_البهرزي بعد فشل مؤتمر عودة اللاجئين.#لبنان#المنيّة pic.twitter.com/CK96GqMbXe
— M.H Salem (@MHSalem8) December 27, 2020
الإعلامية ديما صادق اعتبرت من خلال حسابها على تويتر، أن الاستقواء على الضعفاء لا يمت للوطنية بصلة، بل هي عنصرية، فاشية وشوفينية، وحقارة إنسانية بأدنى مستوياتها. وأكدّت وقوفها مع الضغفاء دائمًا في وجه من يستقوي عليهم. أما نورا تركماني، الناشطة من منطقة المنية، فقد أكدت أن أهالي المنطقة يستنكرون الفعل الإجرامي الذي قام به عدد من الشبان في وجه اللاجئين السوريين، وأن أهالي المنطقة يعملون على معالجة الآثار السلبية للحادثة.
من أبكى الناس ظلماً أبكاه الله قهراً … #لبنان #المنيّة pic.twitter.com/3toAzoNnsV
— Israa Aboutaam (@israa_aboutaam) December 27, 2020
عفكرة أهالي #المنيه استنكروا يلي صار و فتحوا بيوتهم لكل السوريين/ات يلي احترقت خيمهم و أيضًا اهل الشاب يلي صار معه المشكل استنكروا وأيضًا فتحوا بيتهم و الموضوع عم يتسكر بكل محبة يعني وقفوا عنصرية وقفوا قرف…#بس_هيك
— Noura Turkemani (@terekmaninoura) December 26, 2020
وأوردت قناة lbc لاحقًا، أن الجيش اللبناني أوقف شخصًا من آل المير، بتهمة اشتراكه في الهجوم وإحراق المخيم، في منطقة جب جنين في البقاع الغربي. مع العلم أن مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان أدان الاعتداء، كذلك فعل عدد من الشخصيات الدينية والسياسية.
وتجدر الإشارة إلى أن الاعتداء على مخيم المنية ليس الأول من نوعه في لبنان، حيث تعرّضت مخيمات اللاجئين السوريين لعمليات انتقامية أكثر من مرة، ولأسباب مختلفة، دفع ثمنها في الغالب أناس عزل لا حول لهم ولا قوة. وآخر هذه الاعتداءات كانت في مدينة بشري البقاعية، حيث هجم مئات الشبان من المدينة على مخيم لللاجئين السوريين على تخومها، وقاموا بطرد قاطنيه وحرق خيمهم وممتلكاتهم، على إثر خلاف بين لاجئ سوري ومواطن من بشري، انتهى بإطلاق الأول النار على الثاني ما تسبب في مقتله وفي تفجير الوضع.
——————————–
اللاجئون السوريون في لبنان والحرب التي لم تنته بعد/ طارق شوشاري
«قررت أنا وزوجتي ألا نعود ثانية إلى سوريا، حتى لو رحل بشار الأسد.. ربما نقوم عندها فقط بزيارات خاطفة». بنبرة صوت رتيب قالها أبو خالد، أمام جمع من السوريين، الذين وصلوا إلى النمسا قبل بضع سنوات، واستقر بهم الحال فيها، تبادل الآخرون النظرات في ما بينهم، مع قليل من الهمهمة، وبدا أن معظمهم على الأقل يشاطر أبو خالد ضمنيا اتخاذ القرار نفسه.
بالنسبة لهؤلاء ممن نجحوا في الوصول إلى أوروبا، وبقية البلدان الغربية الأخرى، تبدو الحرب التي عايشوا فصولها المرعبة يوما بيوم قد انتهت على الأقل كواقع يومي، خبروا معاناتها وفظاعاتها جيدا، لكن الوضع بالنسبة لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين ما زالوا عالقين في مخيمات اللجوء في دول الجوار، يبدو مختلفا تماما.
ففي بلد مثل لبنان، وفي ظل الظروف القائمة هناك، وطريقة تعامل المجتمع المحلي والسلطات الرسمية مع أوضاعهم، لم يحظ اللاجئون السوريون بشعور الأمان الذي يحتاجه أي لاجئ فار من الحرب وأهوالها، بل إن الحرب التي فروا من نيرانها، يبدو أنها لم تنته بعد، فهي ما تزال تلاحقهم وتحرق خيامهم البائسة. لا تُعرف على وجه الدقة أعداد السوريين الذين اضطروا مجبرين على مغادرة وطنهم إلى دول الجوار القريب منه والبعيد، ومنه إلى أقاصي الأرض، لكن أرقام الأمم المتحدة الأخيرة ترجح أن العدد يقترب الآن من 7 ملايين شخص. وتكشف مأساة النازحين واللاجئين السوريين خارج حدود بلدهم عن مفارقة لافتة في الواقع العربي المُعاش، ففي حين مُنح اللاجئون السوريون، الذين استطاعوا الوصول إلى أوروبا وبقية البلدان الغربية (وهي بلدان لا تمت لثقافتهم ولعاداتهم وأصولهم العرقية بصلة) أوضاعا وحقوقا إنسانية وقانونية، ساعدت كثيرين منهم على نسيان ما عايشوه من فظائع الحرب، ومخاطرالطريق إلى بلدان اللجوء، وبقي اللاجئون السوريون في دول الجوار (وهي الأقرب إليهم، بل والمتماهية معهم اجتماعيا وثقافيا وعرقيا) يتجرعون المعاناة الحياتية والنفسية، بكل تفاصيلها وتعقيداتها اليومية، مضافا إليها هواجس المستقبل.
من بين دول الجوار كلها تميز لبنان على صعيد المأساة السورية بأمرين: الأول أنه الأقرب جغرافيا إلى مراكز ومناطق الثقل السكاني في سوريا، مع سهولة الإجراءات القانونية للدخول إلى أراضيه، التي لا تزال معمولا بها في سنوات الحرب الأولى على الأقل، ما أهله بالتالي لأن يشكل الخيار الطبيعي والموضوعي، كبلد لجوء واستقرار مؤقت بالنسبة لكثير من السوريين الفارين، والثاني أنه بات الأبرز من بين الدول المستضيفة للاجئين السوريين، على صعيد حوادث الاعتداء والإساءة، التي يتعرضون لها. المفارقة هنا أن الثورة السورية شكلت في بداياتها الأولى لمعظم اللبنانيين، على اختلاف توجهاتهم وطوائفهم، مناسبة لإعادة التعرف على سوريا كبلد مجاور، بمدنه وقراه ومناطقه وأقاليمه، وبشيء من تاريخه السياسي القريب، وقبل كل هذا كوطن لشعب هبّ في سبيل استرداد حريته وكرامته المسلوبة منذ عقود. خطا كثير من اللبنانيين خطواتهم الأولى في طريق إعادة التعرف على سوريا، بعد أن كان هذا البلد ولخمسة وثلاثين عاما مضت، مرتبطا بأذهانهم بالنظام السوري وأفعاله وتدخلاته في لبنان، عسكريا وأمنيا وسياسيا، ولم تكن أبدا محل استحسان ورضا أغلبيتهم، بل سببا لسخطهم على سوريا والسوريين معا. التمييز بين سوريا الشعب، وسوريا النظام، انعكس وقتئذ على ما دوّنه، وكتبه كثيرٌ من اللبنانيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام المختلفة، وفيه تعبير صريح عن التعاطف مع ثورة الشعب السوري، ضد نظام خبر اللبنانيون أنفسهم ديكتاتوريته وقمعه، بينما التزمت حفنة من اللبنانيين المرتبطين بالنظام السوري، من سياسيين وكتاب، الصمت المؤقت تجاه ما يجري، واكتفوا بمراقبة تطورات الوضع، وكان الظن يغلب عند معظمهم، بأن مصير النظام الذي استخدمهم لمآربه السياسية والأمنية، واستخدموه لمصالحهم الشخصية، لن يختلف عن مصير نظرائه في تونس ومصر وليبيا. غير أن ما بدا وكأنه شبه إجماع شعبي لبناني من الموقف العام تجاه ما يجري في سوريا، الذي اتسم بإيجابية ملحوظة تجاه الثورة السورية، وما قابله حينئذ من «حيادية وصمت ونآي عن النفس» على المستوى الرسمي، بدأ لاحقا بالتزعزع والاهتزاز، أثر الكشف عن التدخل المباشر لحزب الله، وأطراف لبنانية أقل شأنا إلى جانب النظام السوري، في المعارك والمواجهات، التي كانت تجري على الأرض.
عمد حزب الله المرتبك آنذاك، جراء القرار الإيراني بالزج به في أتون الحرب السورية، إلى جهد إعلامي ودعائي كبير، ليبرر أمام قاعدته الحزبية والشعبية، وأمام الرأي العام اللبناني ككل، أسباب تدخله العسكري المباشر والفج في الأحداث السورية، وركزت حملته على خليط من الأسباب والذرائع، التي تداخلت فيها السياسة ببعديها المحلي والإقليمي، مع الطائفية الصريحة، التي شكلت مادة لا غنى عنها لإيجاد وازع القتال في نفوس عناصره ولضمان حماسة التأييد والمباركة من قبل أنصاره وحاضنته الاجتماعية.
مع حلول عام 2004 كان التحريض الطائفي والسياسي في لبنان والمنطقة ككل قد بلغ ذروته، خاصة مع انخراط إيران وأذرعها الطائفية (بتنسيق كان لابد منه مع الولايات المتحدة وبموافقة ضمنية إسرائيلية) في محاولة لكسر وتعطيل موجات التغيير في المنطقة العربية، وتزامن هذا التحريض الذي سماه البعض «الفتنة الشيعية ـ السنية» مع اندفاع أعداد أكبر من المواطنين السوريين إلى مغادرة بلدهم إلى دول الجوار، ومنها لبنان هربا من تمادي النظام بأعمال القتل والتدمير الممنهج، المترافقة مع تمادي القوى الدولية الفاعلة، أو ما يسمى بالمجتمع الدولي، في غض الطرف عن أفعاله وجرائمه، والاكتفاء بتصريحات وإدانات وعقوبات مدروسة دعائية الطابع. مع تكاثر أعداد اللاجئين السوريين في لبنان، وبروز تجمعات ومخيمات مؤقتة لأكثرهم فقرا، في كل المناطق اللبنانية تقريبا، كانت الأجواء مهيأة لموقف سياسي، وإلى حد ما شعبي في أوساط طائفية معينة، غير مُرحب بوجودهم، مستغلا الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية أصلا، في لبنان، وما تشكله من ضغط على المواطنين العاديين، الذين راح بعضهم ينفس عن غضبه واحتقانه من الوضع العام، عبر استهداف اللاجئين السوريين، أفرادا أو حتى جماعات في أوقات ومناسبات معينة، وزادت عليه السلطات اللبنانية من حين إلى آخر حملات وموجات من المداهمة والاعتقال، في مخيمات اللاجئين بذرائع مختلفة، ومنها العلاقات المزعومة لبعض اللاجئين بجماعات وفصائل سورية مسلحة. مع الوقت تطورت موجة التمييز والاستهداف التي تعرض، وما زال يتعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان، لترتدي طابعا طائفيا أوضح عندما عمدت بعض بلديات المدن والبلدات في بعض المناطق إلى حظر تجول ليلي للسوريين المقيمين فيها، بل أقدمت بعض البلديات على طردهم إلى خارج حدودها الإدارية، وفي حالات معينة منعت بلديات أخرى اللاجئين السوريين من دفن موتاهم في المقابر التابعة لها. وهكذا بات اللاجئ السوري في لبنان، خاصة الأكثر فقرا بنظر شريحة من اللبنانيين، إما شريكا (باعتباره مهجّرا محسوبا على مناطق الثورة والمعارضة السورية) في «مؤامرة دولية « تستهدف المقاومة في لبنان، التي يمثلها حزب الله، وما يسمونه محور المقاومة في المنطقة، أو مغايرا طائفيا ودينيا حاله حال اللاجئ الفلسطيني، أو منافسا للبناني في تحصيل الرزق، أو متهما ومشبوها دائما في مخالفات جنائية وقانونية. وقد لعب الإعلام اللبناني الحزبي والموجه بمعظمه طائفيا وسياسيا دورا لا يُستهان به في بلورة هذه الاتهامات والتشجيع عليها.
راكمت هذه التجارب المريرة بطبيعة الحال نظرة شك، بل وعداء متبادلة بين شريحة اللبنانيين الرافضين لوجود اللاجئين السوريين من جهة، والسوريين بشكل عام، الذين بات كثير منهم وتحت وطأة شعور الإهانة والغبن واضطهاد كل ما هو سوري، يميل بدوره إلى خطأ التعميم، ليطال كل ما هو لبناني، في تجاهل لمواقف شرائح شعبية واجتماعية لبنانية، ما تزال على تعاطفها مع السوريين وثورتهم، وفي تجاهل أيضا لأصوات ناشطين وإعلاميين ومثقفين لبنانيين من مختلف الاتجاهات والطوائفن ترفض وتستنكر حالة الظلم والاستهداف التي يتعرض لها اللاجئ السوري في لبنان. تمثل أصوات العقلاء في لبنان القادرين على بلورة استنتاجاتهم ومواقفهم الخاصة تجاه الأحداث، والوقائع المحلية والإقليمية، خاصة تلك التي يتأثر بها بلدهم، والمتحررين بالتالي من تبعية القطيع المُسير طائفيا، تمثل تذكيرا لبقية اللبنانيين بالأهمية الحيوية لسوريا، كبلد مجاور والوحيد بالنسبة للمسافر وحركة البضائع اللبنانية نحو العالم الخارجي عن طريق البر، مدركين أنه لا مفر أمام جميع اللبنانيين، وإلى أي فئة انتموا من علاقات أكثر من جيدة، بل ومتميزة مع الشعب السوري ذاته، الذي يشكل في نهاية المطاف ثابتا ديمغرافيا واجتماعيا وتاريخيا في محيطهم المباشر، غير قابل للإزالة والاندثار مهما تكالبت عليه المصائب والمحن والاستهدافات.
كاتب فلسطيني
القدس العربي
—————————–
حول حرائق مخيمات السوريين في لبنان/ د . كمال اللبواني
لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع فيه عن اعتداء أو تجاوز على اللاجئين السوريين في لبنان، فاللبناني قد تربّى على شعور بالفوقية على غيره في المنطقة، وقد تعزّز عنده هذا الشعور عندما شاهد فقر وضيق حال وعوز السوريين، فمارس عليهم ليس فقط فوقيته وعنصريته، بل أيضاً حقده المختزن من أيام تحكّم الجيش الأسدي بمصائر لبنان وشعبه، طيلة ٢٤ عاماً من الاحتلال والقهر. حرائق
وزاد فوق هذا تحريض حسن وإعلامه، وحلفائه من المسيحيين والدروز والشيعة، على السوريين، واتهامهم بأنّهم إرهابيين، بالتناغم مع إعلام النظام السوري المجرم وكحلفاء له، وهكذا تجمعت كل عناصر الحقد والكره والعنصرية والهمجية لتمارس بشكل يومي ومستمر على السوريين، وفي كل المجالات، وعلى نطاق منهجي واسع، ليس أقلّه الملاحقة والاضطهاد والاعتقال والتعذيب والتسليم لسلطات الأمن السورية، والحصار ومنع التجوّل والعمل، وليس فقط استغلالهم، صحياً وجسدياً وجنسياً.. بل كل ذلك معاً، وقد زاد عليها محاولات حرقهم أحياء، كما حدث أكثر من مرة (بشري والمنية).
لم تقم الدولة اللبنانية بأبسط واجباتها تجاه اللاجئين، وتساهل القضاء اللبناني كلياً مع كل الجرائم التي رفعت إليه للنظر فيها، فالسوري دوماً مذنب، واللبناني دوماً بريء، وزاد على ذلك ضخ التحريض ضد السوريين من كل الجهات، ومن أعلى المستويات، بما فيها رئيس الجمهورية وصهره وزير الخارجية، ومعهم أبواق حزب الله كلهم، مما شجع كل من تسوّل له نفسه للاعتداء والاغتصاب والتشبيح، فمن أمن العقاب أساء الأدب.
يعتقد بعض اللبنانيين أنّ أزمتهم الاقتصادية سببها وجود اللاجئين، ولا يعلمون أنّ سورية قد ضخت في بنوك لبنان ما يزيد عن ١٠٠ مليار دولار، وأنّ اللبنانيين كانوا شركاء في تعفيش وسرقة ممتلكات السوريين، وأنّ أغلب شبيحة النظام ورجالاته يستودعون ممتلكاتهم فيها، وأنّ مصارف لبنان قد حجزت بل ضيعت معظم أرصدة عملائها من السوريين، وأنّ المساعدات التي تقدّم للبنان بسبب اللاجئين يسرق ثلاثة أرباعها، وهي تفوق كثيراً ما يصرف عليهم، ناهيك عما ينتجونه وما يأتيهم من مساعدة ذويهم، فلبنان مستفيد اقتصادياً من اللاجئين، بل يعيش ويقتات على ما يأتيهم من إغاثة.
كما لا بدّ من التنويه أنّ سبب هجرة السوريين هي تدخل حزب الله كذراع إيراني في سورية، ومساعدته نظام الحكم هناك الذي كان آيلاً للسقوط لولا تدخلهم، كما صرّح حسن نصر الله نفسه، أي أنّ خراب سورية ودمار مدنها وتهجير أهلها هو بفعل حزب الله اللبناني الذي يحكم لبنان ويعين ويعزل رئيس الجمهورية والوزراء، بل إنّ عناصره هم بذاتهم مرتكبون لجرائم تهجير وضد الإنسانية بحق السوريين، بمن فيهم من اضطر للهجرة إلى لبنان، بعد أن اجتاحت فصائل وميليشيات حزب الله وإيران بلداتهم، كما حدث في كل القلمون وحمص وريف دمشق.
وبناء عليه، وبسبب كون لبنان دولة فاشلة محكومة من عصابة مجرمة تقتل اللبنانيين قبل السوريين، كما حدث مؤخراً في انفجار مصنع وقود صواريخ في ميناء بيروت، وسط العاصمة، وهي من تغتال كبار شخصيات لبنان (ومؤخراً أصدرت محكمة جنايات دولية إدانة لعناصر من الحزب في جريمة اغتيال رفيق الحريري)، والذي تبعه اغتيال عشرات من قادة لبنان.. وبسبب أنّ كل الميليشيات والعصابات في لبنان مسلحة وتدّعي أنّها مسلحة للدفاع عن الذات والمقاومة، وبسبب أنّ المخيمات الفلسطينية ما تزال مسلحة أيضاً وتعتمد الحماية الذاتية، لذلك أصبح من الواجب تذكير لبنان بمسؤولياته في حماية المخيمات، وفي حال استمرار الحوادث الطلب من الأمم المتحدة إرسال قوات حماية دولية، فإذا فشلت، وطبقاً للشرعة الدولية التي تعطي الحق في الدفاع عن النفس، أصبح من اللازم تشكيل لجان حماية للمخيمات من أبنائها، وتسليحهم بالسلاح المناسب ليقوموا هم بحماية أرواحهم وممتلكاتهم وأطفالهم من الجريمة المتوحشة التي تجوب أرض لبنان وسورية.
طبقاً للوضع المتعارف عليه في لبنان ذاته، أسوة بسلاح حزب الله والقوات والاشتراكي وأمل والمخيمات، ففي لبنان الأمن ذاتي ولا توجد دولة لها سلطة على المسلحين ولا المجرمين، فالمطلوب من السوريين أن يذهبوا للحرق بسلام، وتطبيق شريعة غاندي إذا أحرق أحدهم ابنك فقدّم له بنتك، وإذا اغتصب امرأتك فقدّم له نفسك ليغتصبك.
لماذا يطلب من السوريين ذلك مع أنّهم يعيشون على أرضهم التاريخية التي قسمها الجنرال غورو، ولم تستطع العيش كدولة ذات سيادة يطبق فيها القانون حتى الآن؟. حرائق
ليفانت – د. كمال اللبواني ليفانت
——————————-
النازحون السوريون 2021.. أرقام كارثية تكشف حجم المأساة/ عمر يوسف
رغم الهدوء على الجبهات في سوريا، فإن أزمة النازحين السوريين لا تزال مستمرة في أقصى شمالي البلاد، فعودة القتال وشبح النزوح المتكرر بات المسيطر على أذهان الآلاف منهم، وأصبح حلم العودة صعب المنال في الوقت الراهن، وربما المستقبل القريب.
ومع انتشار جائحة كورونا في شمالي سوريا، زادت الأعباء على الأهالي والكوادر الطبية.
كم يبلغ عدد النازحين السوريين؟
وفق أحدث إحصائية لفريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري، فإن أعداد النازحين السوريين بلغت حتى هذه الأثناء نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق المعارضة السورية.
في حين يبلغ عدد سكان المخيمات مليونا و43 ألفا و869 نازحا، يعيشون ضمن 1293 مخيما، من بينها 282 مخيما عشوائيا أقيمت في أراض زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.
معظم المخيمات أقيمت في أراض زراعية طينية (الجزيرة)
كم عدد النازحين العائدين؟
توضّح الأرقام التي وثقتها “منسقو الاستجابة” خلال أغسطس/آب الماضي، أن 33.37% من النازحين عادوا إلى بلداتهم وقراهم، مقدرة أعدادهم بنحو 347 ألف شخص من أصل مليون نزحوا جراء الحملة العسكرية التي نفذها النظام وحلفاؤه مطلع العام الجاري.
بينما قدّر الفريق نسبة النازحين غير القادرين على العودة إلى مناطقهم بسبب سيطرة النظام عليها بـ45.09%، ونسبة المهجّرين الوافدين من محافظات أخرى وغير قادرين على العودة إلى المناطق التي نزحوا إليها سابقا بـ7.98%.
ما أعداد الحالات الإنسانية الخاصة؟
وفق فريق الاستجابة، فقد بلغ عدد الأيتام من سكان مناطق سيطرة المعارضة السورية 197 ألفا و865 يتيما من النازحين والسكان، بينما بلغ عدد الأرامل السوريات اللاتي لا معيل لهن 46 ألفا و302 أرملة.
أما أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة فقد بلغت حتى هذه الأثناء 199 ألفا و318 حالة إنسانية، معظمهم لا يتلقون رعاية خاصة أو مساعدات طارئة.
جائحة كورونا ومحنة النازحين
وفق وحدة تنسيق الدعم وترصد الوباء، فقد تم تسجيل 17 ألفا و768 إصابة بفيروس كورونا في شمال غربي سوريا، معظمها في إدلب وحلب.
وقد بلغ مجموع الإصابات المسجلة في المخيمات 1828 إصابة، بزيادة قدرها 718 إصابة خلال العشرين يوما الأخيرة، أي ما يعادل 10.30% من إجمالي الإصابات المسجلة في المنطقة.
وبحسب أحدث تصريح إعلامي لمدير مديرية صحة إدلب الطبيب سالم فواز عبدان، فإن هناك ازديادا كبيرا في عدد المصابين، يزداد معه عدد المرضى المحتاجين إلى الاستشفاء في المستشفيات ومراكز العزل، لدرجة إشغال 80% من أسرّة العناية المشددة، كما أن معظم أجهزة التنفس الصناعي البالغ عددها 80 مشغولة.
صورة لمعبر باب الهوى بين تركيا وسوريا (الجزيرة)
المعابر والمساعدات
يحصل أهالي الشمال السوري على المساعدات الأممية عبر معبر وحيد هو معبر “باب الهوى”، وهو اليوم شريان النقل البري بين سوريا وتركيا، ويبعد عن مدينة إدلب حوالي 33 كيلومترا، ويقابله من الجانب التركي معبر “جيلفا جوزو” التابع لولاية هاتاي التركية.
ونتيجة الفيتو الروسي الصيني، أجبر مجلس الأمن على إغلاق معبر “باب السلامة” مع تركيا، واعتماد باب الهوى وحده فقط لنقل المساعدات لمدة عام كامل منذ 12 يوليو/تموز الماضي.
إغلاق باقي المعابر فاقم حالة الأهالي المدنيين في ريف حلب، حيث بات من العسير وصول المساعدات إليهم، وأصبحت آلاف الأسر مهددة بالجوع.
مخيمات الشمال السوري تغرق بمياه الأمطار والوحل في ظل غياب شبكات الصرف الصحي وتعبيد الطرق (الجزيرة)
شتاء النازحين
أقيمت معظم مخيمات الشمال السوري في الأراضي الزراعية بريف إدلب، مما يجعل موسم الشتاء مأساة متكررة تغرق فيها المخيمات بمياه الأمطار والوحل.
وبحسب مدير فريق منسقي الاستجابة محمد حلاج، فإن أهم أسباب تكرار محنة غرق المخيمات -التي توقع أن تستمر في حال عدم حدوث أي تفاعل من الجهات الداعمة- هي عدم استبدال الخيام البالية التي يقيم فيها النازحون منذ 5 أو 6 سنوات، وغياب شبكات الصرف الصحي في معظم المخيمات لتصريف مياه الأمطار، إضافة إلى عدم تعبيد الطرق الرئيسة في محيط المخيمات.
منذ بداية مأساة النزوح في سوريا، فقد العشرات من النازحين السوريين حياتهم جراء البرد وغياب وقود التدفئة.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن 167 شخصا قضوا بسبب البرد منذ عام 2011، بينهم 77 طفلا. وسجلت درجات حرارة متدنية العام الماضي في سوريا وصلت إلى نحو 9 درجات تحت الصفر في مناطق الشمال السوري.
المصدر : الجزيرة
————————–
أوجه معاناة اللاجئين في تركيا واليونان/ أيمن أبو هاشم
تجاوزت النكبة الثانية، التي استفاق عليها الفلسطينيون في سورية، من حيث فداحة وقائعها، وعسف تداعياتها، تلك المخاطر الوجودية التي نجمت عن نكبة العام 1948. لا أدل عليها من حقائق الأزمة الإنسانية، التي اختبروها منذ بدايات الصراع في سورية، وعلى امتداد محطاته المتتالية، وما حلّ بأوضاعهم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، من تدهورٍ شامل طال مختلف جوانب حياتهم. لم تقتصر فقط على من تبقّى منهم في الداخل السوري، بل شملت العديد من اللاجئين الذين اضطروا إلى مغادرة سورية، واتجهوا إلى دول الجوار. كانت تركيا إحدى الوجهات الأساسية التي لجأوا إليها، باعتبارها المعبر الأساسي للهروب من جحيم الحرب، والممر الذي تنكّبوه في هجراتهم غير الشرعية للوصول إلى أوروبا، والتي قصدها عشرات الآلاف منهم، عبر طرق التهريب البحرية والبرية. فيما لم تتمكن أعداداً منهم من مغادرة الأراضي التركية، وبقيت عالقة فيها. فيما فضّلَ آخرون البقاء والاستقرار فيها لأسباب ودوافع مختلفة.
أما اليونان التي تشكّل بوابة اللاجئين إلى أوروبا، فهي بمثابة قاعدة انطلاق وتوزع اللاجئين نحو مختلف الدول الأوروبية، ومع تشديد الإجراءات حيال الهجرة غير الشرعية في السنوات الأربع الأخيرة، لا يزال قسم من اللاجئين الفلسطينيين عالقاً أيضاً في الجزر اليونانية، بانتظار توفر فرص تهريبه، ووصوله إلى حيث يقصد.
لعلّ تسليط الضوء في هذه المقال، على الصعوبات والمشكلات المتعددة، التي تواجه اللاجئين العالقين في تركيا واليونان، ما يوضح إلى حدٍ كبير – كما سنأتي عليه – حقائق معاناتهم المركبة، وتفاقم حالة القلق الوجودي الذي يكابدونه، مع استمرار محطات انتظارهم حيثما يتواجدون، وتأثرهم الكبير بجائحة كورونا التي ضاعفت من صور تلك المعاناة، ما جعلهم كفئات مستضعفة ضمن حالات اللجوء الأكثر هشاشةً، عالقين بصورة فعلية بين السماء والطارق. فلا هم قادرون على تحمل الظروف الاقتصادية والمعيشية والنفسية الصعبة، التي تواجههم في دول العبور، ولا هم قادرون على الوصول إلى دول أوروبا كمحطة أخيرة يستقرون فيها.
العالقون في تركيا
يتواجد في تركيا ما بين (8000 إلى 9000) لاجئ فلسطيني سوري، يتوزع نصفهم تقريباً في المناطق الحدودية مع سورية “الريحانية- أنطاكية- كلس- عنتاب- مرسين- العثمانية- نزيب” فيما النصف الآخر اتجه إلى المدن الداخلية الكبرى “إسطنبول- أنقرة- بورصة- أضنة” وقد دخل أغلبهم منذ بدابة الحرب عبر الحدود البرية بطرق غير شرعية. تُعامل الحكومة التركية من دخلوا أراضيها معاملة اللاجئ السوري، ويمنحون بطاقة “الكامليك”، وهي “بطاقة التعريف للحماية المؤقتة” يتمتع صاحبها بالحقوق التي تُقدّمها الحكومة التركية، كحق التعليم والرعاية الصحية، ومنح تراخيص العمل حسب تعليمات وزارة العمل، وتسجيل المواليد وتثبيت الزواج والطلاق والوفاة، وتنظيم عقود الإيجار والحسابات البنكية، والتنقل من خلالها داخل الأراضي التركية، شريطة الحصول على إذن سفر من دوائر الهجرة في الولايات. فيما كانت الحكومة التركية تطلق على اللاجئين صفة “ضيوف” وهي صفة تنطوي على التزام أخلاقي، ليس لها آثار قانونية وفق حقوق اللاجئين في القوانين الدولية، إلا أنه بعد صدور قانون الحماية المؤقتة بقرار من مجلس الوزراء في 13/10/ 2014 .أصبح بالإمكان تحديد المركز القانوني للاجئين السوريين، ومن ضمنهم فلسطينيو سورية، حيث يشمل قانون الحماية كل من يهجّر من بلاده، ويلجأ إلى تركيا أو الحدود التركية لظروف تهدد حياته، وتمنعه من العودة إلى بلاده، ويشمل زوجته وأولاده، كما يقضي بمنح السلطات التركية حق البقاء له في تركيا، إلى أن يقرر بنفسه العودة إلى بلده دون أي إكراه.
أما على صعيد الولاية الدولية، فتنظر وكالة الأونروا إلى فلسطينيي سورية في تركيا، بوصفهم خارج مناطق عملياتها الخمس، ولا يستفيدون من كافة الخدمات التي تقدمها في تلك المناطق، رغم مطالباتهم المتكررة بأن يشملهم تفويض المساعدة، الذي تختصُّ به الأونروا، باعتبارها المرجعية الدولية للاجئين الفلسطينيين، ما يقتضي وفق أحكام القانون الدولي أن يشملهم تفويض الحماية، الذي تختص به المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لكنها تمتنع عن القيام بدورها تجاههم. خلافاً لاتفاقية اللاجئين الدولية عام 1951، التي توجب على المفوضية النهوض بمسؤولياتها تجاه اللاجئين، في حال عدم وجود وكالة دولية أخرى تشملهم برعايتها ومساعداتها.
في ضوء ذلك، يواجه فلسطينيو سورية في تركيا صعوبات معيشية كبيرة، وتعاني مئات الأسر من نقص في احتياجاتها الإنسانية، لا سيما تلك التي ليس لها معيل، أو بسبب عدم قدرة رب الأسرة على العمل، بسبب التعقيدات في منح أذونات العمل. وضعف المداخيل في المهن التي يعمل فيها اللاجئون، والتي لا تتناسب مع نفقات الحياة المرتفعة. كما يوجد أكثر من (500) لاجئ لا يحملون بطاقة “الكمليك”، وأكثرهم ممن تم تهجيرهم من مخيم اليرموك إلى الشمال السوري عام 2018. ومنه دخلوا عبر منافذ التهريب إلى الأراضي التركية. تتضاعف معاناة من لا يحملون بطاقة الحماية المؤقتة على وجه التحديد، لأنها بطاقة التعريف الرسمية للاجئ وفق القانون التركي، ومن لا يحصل عليه يُعتبر متواجداً بصورة غير شرعية، ومهدداً بالترحيل في أي وقت، مع أن الحكومة التركية تتغاضى في كثير من الأحيان، عن تنفيذ إجراءات الترحيل بحق هؤلاء. كما لا يستفيدون من الخدمات الصحية والتعليمية، التي يتمتع بها حاملو تلك البطاقة.
لا توجد إحصائيات دقيقة لنسب الفقر والبطالة بصورة عامة، تشمل كافة مناطق توزع فلسطينيي سورية في تركيا، غير أن هناك إحصائيات جزئية تشمل مناطق معينة يعيشون فيها، تؤشر بدورها إلى مدى اقتراب تلك النسب من الحقيقة. ففي مدينة مثل أورفا الحدودية والتي تتواجد فيها قرابة (70) عائلة فلسطينية، تبلغ نسبة العائلات التي تعاني من نقص كبير في توفير مقومات الحياة الأساسية، من إيجار سكن ومأكل وملبس ومواد تدفئة، قرابة (55) عائلة. في حال مقارنة دخلها، بمداخيل المواطنين الأتراك، فإنها تندرج ضمن حالات ما دون خط الفقر. ليس وضع بقية تجمعات اللاجئين الذين يقيمون في مدن أخرى بأفضل حالاً، وما يُقدم لهم من مساعدات عن طريق مؤسسات إغاثية سورية أو فلسطينية سورية، يعتبر شحيحاً وموسمياً ويغطي جزءاً يسيراً جداً من احتياجات تلك العوائل. كما أن عدد المشمولين ببرنامج الإعانات النقدية الذي يقدمه الهلال الأحمر التركي للاجئين السوريين ومن في حكمهم، لا يتعدى (20) % من مجمل فلسطينيي سورية في تركيا.
مع انتشار وباء كورونا تأثر قطاع كبير من اللاجئين، لا سيما أرباب ومعيلو أسرهم، الذين يعملون في ورش صناعية، وفي أعمال البناء، والمهن الحرفية، وفي المطاعم والمقاهي، حيث أدى إغلاق الكثير منها، إلى قطع موارد أرزاقهم رغم الأجور المتدنية التي كانوا يحصلون عليها، وتحوُّل غالبيتهم إلى عاطلين عن العمل.
أما حملة الشهادات العلمية وأصحاب الكفاءات، ممن يستطيعون العمل حسب اختصاصاتهم، فهم قلة محدودة جداً من الأطباء والمعلمين والصحافيين ونشطاء المجتمع المدني. فيما تحول صعوبات تعديل الشهادات، لا سيما بالنسبة للمهندسين والمحامين، دون انخراطهم بسوق العمل. مع العلم أن القسم الأكبر من حملة الشهادات والكفاءات الفلسطينية السورية التي كانت في تركيا، هاجر إلى أوروبا خلال السنوات الماضية.
يفتقد اللاجئون في تركيا إلى أية مرجعية وطنية أو دولية، خلافاً لما كانوا عليه في سورية قبل بدء الصراع عام 2011، ويقتصر دور السفارة الفلسطينية على منحهم جوازات سفر بلا رقم وطني، وتقوم بمساعدتهم في الجوانب الإغاثية بشكل محدود جداً، ومن خلال التنسيق مع الجالية الفلسطينية في تركيا. كما يجدون صعوبات كثيرة في الحصول على وثائق الأحوال المدنية من سورية، بسبب العراقيل التي تضعها دوائر مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للنظام السوري، والتي يحتاجون للحصول عليها، إلى تدخل وسطاء وسماسرة مقابل مبالغ مالية كبيرة.
تُضاعف تلك الظروف المعيشية والإنسانية القاسية، من تدهور أوضاعهم بصورة متسارعة، ومع رغبتهم بالحصول على وثائق توفر لهم الاستقرار القانوني والمعيشي، تستحوذ الهجرة غير الشرعية على تفكير غالبية من تبقى منهم، في حال أتيحت لهم أية فرصة لطرق أبوابها، لا سيما أن تركيا كانت قبل توقيع الاتفاقية الأوروبية – التركية في شباط 2016، النافذة الأكبر لطرق التهريب نحو أوروبا، وكانت موجات متواصلة من فلسطينيي سورية، قد عبرت البحار إلى شواطئ أوروبا، وسقط عشرات الضحايا خلال رحلات الموت التي شهدوا أهوالها.
العالقون في اليونان
وصل أغلب اللاجئين إلى الجزر اليونانية، من تركيا عبر بحر إيجة، من خلال شبكات تهريب البشر، التي نشطت بصورة كبيرة قبل توقيع اتفاق الحد من تدفق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016. مع ذلك، لم يؤدِ الاتفاق إلى وقف نهائي لتدفق اللاجئين، بسبب انعكاس الأزمات السياسية على خطوات تطبيقه في مراحل لاحقة. لكن بكل تأكيد نجم عنه انخفاض كبير في تدفق اللاجئين بنسبة تفوق 95% قياساً بالأعوام التي سبقت إبرامه. وفقاً لتقديرات الحكومة اليونانية بلغ عدد اللاجئين لديها (37000) لاجئ، فيما يُقدر عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين العالقين في اليونان وفق إحصائيات غير رسمية (4000) لاجئ. غالبيتهم يتواجدون في جزر “ليسبوس – متليني – خيوس – ليروس – كوس).
يرى العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، أن مصطلح “العالقين” في اليونان، والذي يشمل حكماً الفلسطينيين السوريين، هو أحد آثار اتفاقية العام 2016، وهو ينطبق على المهاجرين السوريين ومن في حكمهم، الذين تُركوا عالقين في الجزر اليونانية، وليس لديهم الحق في الذهاب إلى مراكز المدن اليونانية، ويخشون العودة إلى تركيا. إذ يعود لسلطات اللجوء اليونانية (GAS) أن تقرر ما إذا كان مقدمو طلبات اللجوء، يستوفون معايير اللجوء أم لا، حيث يشمل ذلك أيضا إثبات حالة “الاستضعاف” الأطفال غير المصحوبين بذويهم، والمرضى، والمعوقين، والنساء الحوامل، وضحايا التعذيب، أو الاغتصاب، والأشخاص الذين تم الاتجار بهم.
تعاني مخيمات الجزر ظروفاً معيشية صعبة حيث تتجاوز أعداد اللاجئين قدرتها الاستيعابية بستة أضعاف، حيث تُحشر في العديد من تلك المخيمات، ثلاث عوائل في خيمة واحدة. ويجد قاطنوها صعوبات في الحصول على الخدمات الصحية والطبية، ومن مشكلاتها أيضاً سوء النظافة والتعقيم، ما يزيد من انتشار عدوى كورونا بين اللاجئين. يشير اللاجئ الفلسطيني السوري حسين الخطيب، العالق مع أسرته في مخيم “كاراتيبي الجديد” عن أنواع أخرى من معاناة اللاجئين حيث يقول: “كنّا نقيم في مخيم موريا الذي تعرض لحريق كبير في شهر أيلول 2020، نجم عنه احتراق المخيم الذي كان يضم (12700) طالب لجوء، وقد واجهنا خطرا وشيكا يهدد حياتنا جراء تلك المأساة التي وقعت”.
فيما أعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، عن قلقها وتخوفها من تعرض آلاف اللاجئين، وعمال الإغاثة لخطر التسمم بالرصاص، في مخيم المهاجرين الجديد الذي تم نقل اللاجئين إليه، بعد الحريق الذي أتى على مخيم موريا. إذ تضيف المنظمة: “إن المخيم الجديد ويسمى مخيم “كاراتيبي” ويقع في جزيرة ليسبوس اليونانية، تم بناؤه على أرض ميدان رماية عسكري سابق، ويحوي مواد ملوثة برصاص الذخائر، تشكل مصدراً لخطر التسمم، الذي ستكون له نتائج صحيّة ضارة على حياة المقيمين فيه”.
تكشف معاناة الفلسطينيين السوريين العالقين أيضاً، عن تعرضهم لآثار نفسية عميقة، فهم يشعرون أنهم موزعون على مخيمات، تشبه السجون في طريقة تعامل السلطات اليونانية مع المقيمين فيها. فعدا عن سوء الخدمات، والاكتظاظ داخل الخيم، وعدم توفر العديد من الاحتياجات اليومية الضرورية. يخالجهم شعور حاد بالضياع والتشظي النفسي، ويسيطر عليهم الخوف من بقائهم، في هذه الدوامة المريرة المسكونة بالانتظار والترقب، لا سيما أن أعداداً منهم لا تزال في هذه الوضعية الكارثية منذ أربع سنوات.
حلول طي التجاهل
تثير مشكلة آلاف الفلسطينيين السوريين العالقين في هذه الدول، جدلاً قانونياً حول وضعيتهم كلاجئين لا تُطبق عليهم معايير اتفاقية اللاجئين لعام 1951، رغم أنهم الفئة الأكثر احتياجاً للتمتع بتفويض الحماية الذي توفره المفوضية. لا يغير من ذلك اختلاف أوضاعهم القانونية نسبياً ما بين تركيا واليونان، بل إن تردي أحوالهم الإنسانية والمعيشية عموماً، وتضخم أشكال معاناتهم، مع غياب مقومات وشروط عودتهم الآمنة والطوعية إلى مخيماتهم في سورية، تؤكد المأزق الوجودي الذي يواجه حياتهم ومستقبل أبنائهم. يغيب عن أذهان المجتمع الدولي وأرجح أنه تجاهل مقصود، حيال هؤلاء العالقين تحت وطأة ظروف تفوق قدرتهم على الاحتمال، ما يتوجب عليه القيام به من التزامات ومسؤوليات إنسانية وأخلاقية، في إيجاد حلول عملية مُنصفة تجاهم، تبدأ أساساً في تصنيفهم كلاجئين، مشمولين بكافة الحقوق الواردة في اتفاقية اللاجئين الدولية. فلا إمكانية لتوفير معالجات قانونية وإنسانية تخفف من معاناتهم، وتضعهم على سكة الحلول المطلوبة، دون توفير الآليات القانونية التي تضمن حقوقهم الإنسانية، وتلبي احتياجاتهم الأساسية بما يصون كرامتهم. يندرج في إطار تلك الحقوق، حقهم في الاستفادة من خدمات ومساعدات الأونروا بوصفها المرجعية الدولية لقضية لجوئهم، أسوةً بأقرانهم في مناطق عمليات الأونروا. في حال تعذر شمولهم بتفويض الأونروا وهي الفرضية الغالبة، تسهيل تسجيلهم في برامج إعادة التوطين التي تختص بها المفوضية السامية، دون خضوع هذا الحق لأي معايير سياسية، على حساب حقهم بالحفاظ على عودتهم إلى ديارهم الأصلية في فلسطين.
من المؤسف أن المجتمع الدولي الذي يتحمل مسؤولية كبرى، عن قضية تهجيرهم عام 1948، وعن صمته طيلة السنوات الأخيرة، عن تهجيرهم وتهجير ملايين السوريين على يد النظام السوري، لا يزال يسير على خطى الإنكار والتجاهل في محنة نكبتهم الثانية. مع تركهم أسرى المصير المجهول، عالقين تحت سطوة المعاناة المفتوحة، تكتمل فصول مأساتهم المتواصلة، وهي وصمة عار بحق الإنسانية.
العربي الجديد
——————————–
مخيما الهول وروج: معسكران للعقاب في شمال شرقي سوريا/ عمّار المأمون
“الحياة” هناك عقاب يصل حد التعذيب على جريمة غير محددة قانونياً، وإن كانت الإرهاب فلا سلطة لتنفيذ الحكم أو مراعاة شروط السجناء القانونيّة.
صدر أخيراً عن منظمة “حقوق وأمن الدوليّة” الجزء الأول من تقرير بعنوان “غوانتانامو أوروبا: الاحتجاز غير محدد الزمن لأطفال ونساء أوروبيين في شمال شرقي سوريا”. وقبل الحديث عن التقرير لا بد من الإشارة إلى أنها ليست المرّة الأولى التي يُتداول فيها مصطلح “غوانتنامو” بمعانيه القضائيّة والسياديّة في وصف سياسات بعض الدول الأوروبيّة.
اقترُح في فرنسا العام الماضي وهذا العام مرة أخرى مشروع قانون بنفي المدانين بجرائم إرهابية، “لأن فرنسا كدولة ذات سيادة لها الحق في تقرير من تستقبله ومن لا تستقبله”، وفي اقتراح سابق، أُشير إلى إمكان تحويل جزر كيرغولين في أقصى جنوب الكرة الأرضيّة إلى معسكر للاعتقال يوضع فيه من تتم إدانتهم بتهم “الإرهاب”، سواء كانوا داخل فرنسا أو خارجها، ناهيك بسحب الجنسية الفرنسيّة منهم إن كانوا من حامليها.
التقرير السابق الذي أنجز بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وتشرين الثاني 2020 يشير إلى أن مخيمي الهول وروج الخاضعين لسلطة “قوات سوريا الديمقوراطيّة”، هما مخيمان للاعتقال مشابهان لغوانتانمو (قانونياً)، وفيهما نساء وأطفال أوروبيون من 5 دول (بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، هولندا وانكلترا) وعددهم من بين الـ70 ألف محتجز هناك، 11 ألفاً، بينهم 640 طفلاً، و230 امرأة، كما أن نصف الأطفال من كل الجنسيات، أعمارهم تحت الـ5 سنوات، والآخرون أقل من 12 سنة، وهناك أكثر من 500 طفل يتيم أو من دون راع بالغ.
يتعرض المحتجزون في المخيم لأشد أشكال المعاملة قسوة، من عنف مباشر مطبق عليهم أو بسبب شروط الاحتجاز، وهم لا يخضعون لأي قانون، لا قوانين الحرب ولا قوانين بلدهم الأصلي، نتيجة خضوعهم لجماعة مسلحة لا تمتلك اعترافاً قانونياً، ولتنطبق القوانين السابقة عليهم، لا بد من تصنيف النزاع في تلك المنطقة كـ”صراع مسلح ذو طبيعة غير دوليّة”، أي أن الأطراف ضمنه ليست دولاً ذات اعتراف رسمي، بل جماعات مسلحة تسيطر على الأرض، إذا افترضنا أن طرفي النزاع هما تنظيم “داعش” و”قوات سوريا الديموقراطيّة”.
جُرّد الأوروبيون المحتجزون في هذه المخيمات غير الشرعية من حق التقاضي العادل وشروط الاحتجاز الإنسانيّة، ويخضعون لمعاملة يوميّة تشبه التعذيب، بسبب قرار سياسي من بلدانهم بـ”تركهم” هناك، وعدم استقبالهم وتسهيل عودتهم لمواجهة القانون في بلادهم.
تلخيص التقرير أو استعراض نتائجه والحجج القانونيّة التي يستند إليها لوصف المخيمين بغوانتانامو، والاستثناء القانوني والدولي الذي يمثله، لن يشرح بدقة الموقف الأوروبي، بل سيكون تكراراً للألم الذي يختبره من هم هناك، وعلامة على عجز القانون الدولي أمام القرار السياسي، وترديداً للبلاغة السياسيّة التي وظفتها الجهات الأوروبيّة في ردودها على صنّاع التقرير.
لكن لا بد من الإشارة إلى المنهجيّة التي أنتج وفقها التقرير لتحقيق نظرية “المخيّم”، التي تعطّل القانون. هذه المنهجية تتحرك بأسلوبين، الأول قانوني يُناقش عبره الوضع القانوني للمخيمين والقائمين عليهما وعلاقتهم بالقانون الدولي والقوانين الأوربيّة المحليّة، والتي نصل إثرها إلى نتيجة تفيد بوجود تنسيق أمني أوروبي مع القائمين على المخيم لعدم ترحيل من فيه من أطفال وسجناء وعدم تسهيل عودتهم إلى بلدانهم الأصليّة.
الأسلوب الثاني هو اللقاءات الشخصية التي قام بها صناع التقرير لرصد طبيعة الحياة في المخيم والعنف الذي يتعرض له المحتجزون هناك، والذي يتأرجه بين العنف الاعتباطي الذي يمارسه القائمون على المخيم والأذى الجسدي والجنسي للأطفال والنساء، مع تأكيد الأثر النفسي على المحتجزين.
ما سنحاول القيام به هو الإشارة إلى مفاهيم مرتبطة بـ”المخيم” ودلالاتها في أوروبا ولفهم الإصرار على “ترك” مواطنين أوروبيين للموت، في حين أن غيرهم يتمتعون بحماية السيادة الوطنيّة وينطبق عليهم القانون، خصوصاً أن هذا الـترك أو الـBan ليس الأول من نوعه في أوروبا، إذ مورس سابقاً وأفقد أفراداً حقوقهم كبشر، كحالة مخيمات الاعتقال اليهودية وسفن نقل اللاجئين.
كتلة الأعداء الذين لا يستحقون الحياة
العداوة التي تمارسها الدول الأوربية ضد مواطنيها “الممنوعين” من دخول أراضيها قائمة أولاً على أساس التجانس، أي أن الأعداء ومن يتشابه معهم يتعرضون للمعاملة ذاتها، وهي الترك في المخيم من دون أي حقوق قانونيّة، لكن الموضوع لا يرتبط بالمقاتلين الذكور الذين كانوا في “داعش” وحسب، بل أيضاً أطفالهم وزوجاتهم، هذا التجانس الذي ترى فيه الحكومة الأوروبيّة “أعداءها” ككتلة واحدة، حتى لو كانوا من مواطنيها، انتهاك صريح لحقوقهم كأفراد خاضعين لسيادة الدولة المسؤولة عن “حياتهم”.
عدم التفريق بين المحتجزين على أسس الاتهام القانوني يعني أنهم جميعاً “إرهابيون”، ولا أحد منهم يختلف عن الآخر من المنظور السياسي، هو عدو لا يستحق الدخول حتى في النظام القانوني الوطني. ويصبح المعتقلون أشبه بكتلة واحدة، بعدما اتخذ قرار بـ”تركهم” لموتهم وإعاقة عودتهم إلى أوطانهم.
“هم ليسوا على الإطلاق أبرياء حتى تثبت إدانتهم”
مفهوم “لا يستحق الحياة” هنا نتاج قرار سياسيّ، فغياب عقوبة الإعدام في الدول الأوربويّة وسجن الإرهابين فقط لا يرضي الرأي العام بالمقارنة مع ما فعلوه فـ“هم ليسوا على الإطلاق أبرياء حتى تثبت إدانتهم”، أما الترك للموت كما في مخيم الاحتجاز، فيلبي نداء الرأي العام الذي يرى في الإرهابيين الإسلامويين وكل من يدعمهم لا عناصر “ضد المواطنة” وحسب، بل يراهم أيضاً أفراداً لا يستحقون الحياة والمحاكمة العادلة أمام دولهم الأصليّة.
هم كتلة من الأعداء لا بد من أن تترك بعيداً على أرض “غريبة” غير خاضعة للسيادة الوطنيّة، بالتالي هم يفقدون “فرنسيتهم” أو “ألمانيتهم”، وكأن ما ارتكبوه ليس بجرائم، بل نفي لمفهوم الوطن نفسه الذي يرفض استقبالهم أو عودتهم.
أمن “الجميع” مقابل “موت” البعض
تباطأت الحكومات الأوروبيّة في موضوع “أُسر داعش”، أي مواطنيها ممن انضموا للتنظيم كزوجات، أو أبناء ولدوا هناك لآباء أوروبيين، وحجج عدم استعادتهم لمحاكمتهم تتلخص بعدم توافر آليات ترحيلهم إلى أوطانهم كذلك غياب معرفة حقيقة ما قاموا به من “جرائم”، والحجة الأشد سذاجة هي عدم توافر البنى التحتية لاحتجازهم، أي أنه لا يوجد سجن للإرهابيين في فرنسا مثلاً.
أطلقت صفة “التباطؤ” بوصفها معياراً للحياة، فكلما امتدّ الزمن في الاحتجاز، تناقصت احتمالات النجاة، فالموت هو الهدف هنا، وهذا ما نراه حين تسعى قوة الأمن داخل الأراضي الفرنسيّة مثلاً إلى قتل المشاركين في الأعمال الإرهابية أثناء مطاردتهم أو تنفيذهم هجماتهم، كون المحاكمة لا ترضي الرأي العام، والعقوبات لا تتناسب مع طبيعة الجرم “الإرهابيّ”، فيختزل الزمن عبر القتل.
يخلق الفناء لحظة الاشتباك أو الترك للموت فئتين، الأكثرية التي تتمثل بالمواطنين الصالحين. والأقلية، أولئك الأعداء الذين يشكلون تهديداً وجودياً ومستمراً في الزمن، والذين من الأفضل تركهم في المخيمات، فهم موسومون بالـ”لا فرنسية” واللاانتماء إلى قيم الجمهوريّة.
إن أردنا أن نقارب الموضوع من وجهة نظر ثقافيّة، أولئك المتروكون في المخيمات أقرب للأُضحيّة، قَتلهم في المخيم لا يُجرّم أحداً، وتركهم لموتهم اختزال للعنف الذي يمكن أن يسببوه إن عادوا. هذه الأضحيّة تُقدم لحماية “الأكثريّة”، أولئك الصالحون المقيمون على أرض الوطن، الذين لهم الأولويّة، بعكس أولئك “الأعداء” المهددين بأن يُطردوا من النظام القانونيّ كلياً عبر نزع الجنسية منهم أو عدم محاكمتهم، فموتهم لا تدخل مباشراً للسلطة فيه، أي أنها لم تأمر بقتلهم، بل عرقلة عودتهم، ما يعني أنهم يجنون ثمار ما حصدوا، وعلى ابتذال هذه العبارة، لكن الجريمة الإرهابيّة تبدو حجة أوروبيّة لتعطيل القانون وترك الموسوم بها لموته.
أفضليّة العقاب على المحاكمة
لم يخضع أي من الموجودين في المخيم للمحاكمة، لأنهم ليسوا متهمين بشيء، خصوصاً الأطفال، هم في مساحة غامضة أطلق عليها في التقرير مصطلح “Absentia” أي “حوكموا غياباً”، من دون أن يواجهوا تهماً أدينوا بها، وإن تمت إدانتهم فهم لا يمضون مدة الحكم في المخيم، بل هم محتجزون قسراً.
هنا نقترب من لغة الأدب، فـ”الحياة” هناك عقاب يصل حد التعذيب على جريمة غير محددة قانونياً، وإن كانت الإرهاب فلا سلطة لتنفيذ الحكم أو مراعاة شروط السجناء القانونيّة. وهنا تظهر خاصية أخرى لـ”مخيم الاعتقال” وهي تعليق الزمن وتحويل انتظار المحاكمة أو تنفيذ الحكم إلى عقاب منفصل عن العقاب على الجريمة، أي حتى لو تم الترحيل إلى فرنسا مثلاً، وإعلان البراءة أو الإدانة القانونيّة، فلا تحسب المدة التي أمضوها في المخيم كجزء من الحُكم.
هذا “التكنيك” قرأنا دلالته في نص اقتراح القانون المذكور في البداية “فرنسا ليست مدينة لهم بشيء”، لكن هذه الـ”هم” تعود إلى نساء وأطفال لم يشاركوا في أعمال إرهابيّة، هم متروكون هنا في ظل تأخير بيروقراطيّ وأمني، أشبه بموت بطيء لا يتدخل “الوطن” به بل يشرف على إنجازه بتعطيل سيادته على مواطنيه.
“الحياة” هناك عقاب يصل حد التعذيب على جريمة غير محددة قانونياً.
إشكاليّة الأنا الوطنيّة
هذه العمليّة السياسيّة التي يحتجز إثرها المواطنون الأوربيون فقط لاقتران اسمهم بـ”داعش”، سواء كانوا أطفالاً رضعاً أو نساء أسرى، يدفعنا لإعادة النظر في مفهوم العداوة للتشدد الإسلاميّ، إذ يبدو أن هذا التشدد ينتقل بالدم من الآباء إلى الأبناء، وجنسياً من الرجال إلى النساء، سخافة هذه المقاربة التي نقترحها، هي ذاتها سخافة الحجة الأوربيّة التي ترى أن “الأنا الوطنيّة” البيضاء، لا يمكنها أن تنتج نوعاً من التشدد كهذا، والأمر أقرب إلى فايروس من الشرق، والمصابون به، لا بد أن يتركوا هناك ويحجروا كي لا تنتقل العدوى التعاطفيّة لبقية المواطنين المطيعين.
هذا المُعدي بتشدده لا بد من إفنائه، إثر ذلك يظهر الترك للموت هنا كتقنية سياسية لا قضائيّة، كون المؤسسة القضائية من وجهة نظر الرأي العام غير قادرة على الوقوف بوجهه، ولا حتى المحاولات الثقافية كافتتاح “مراكز نزع التشدد” و”نشر التسامح” كانت ناجعة.
هذه العدوى تظهر بوضوح في التهم الموجهة لفئة من المتشددين في فرنسا، لا يخالفون قيم الجمهوريّة فقط، هم أيضاً انفصاليون، أي يهددون وحدة التراب الفرنسي، وترحيل بعضهم أو ترك الإرهابين منهم لموتهم، ليس سوى “تطهير” للجسد الوطني الأوروبيّ، من ذاك العدو الذي لا تمكن محاكمته ولا إعادته إلى داخل هذا الجسد، بل لا بد من نفيه ونزع صفة المواطنة عنه، ما يتركه لأهواء مُحتجزيه.
درج
———————————-
“الاعتداء الجنسي مقابل العمل”: محنة اللاجئات في مصر في ظل “كورونا”/ شحاته السيد وسحر الحمداني
واجهت منال التحرش الجنسي منذ وصولها إلى مصر، وازداد التحرش بها بعدما اضطرت للعمل في منزل رجل أعمال. يوثق التحقيق تزايد الاعتداءات الجنسية بحق لاجئات خلال جائحة “كورونا”.
صباح الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وصلت منال إلى مصر، بعد رحلة شاقة من أقصى جنوب السودان، ذاقت خلالها كل أنواع العذاب، بداية من سلب أموالها مروراً بالتحرش الجنسي، وصولاً إلى الاغتصاب.
منال هربت من ويلات الصراعات المسلحة في بلدها قاصدة مصر، ظناً منها أنها ستنجو بنفسها وشقيقاتها ووالدتها المريضة من ويلات عاشتها لسنوات في وطنها، لكن واقعها لم يتغير، بل ازداد سوءاً، بما رأته في رحلة الهجرة إلى مصر.
خلال رحلة الهجرة غير الشرعية تعرضت للاغتصاب على يد سماسرة الهجرة الذين لم تؤثر فيهم دموعها وتوسلاتها المتكررة لئلا يعتدوا عليها، ما تسبب بأصابتها بإعياء شديد وتهتك في أعضائها التناسلية، كما تروي منال.
تحمّلت منال آلامها واستسلمت لاعتداء السماسرة لحماية شقيقاتها ووالدتها من الاغتصاب أو التحرش، أيضاً كانت تعتقد أنها بمجرد وصولها إلى مصر ستنتهي معاناتها، لكن حدث ما لم تكن تتمناه. فمنذ لحظات وصولها الأولى، تعرضت لمضايقات وتنمّر واعتداء جنسي.
لم تقتصر محنتها على الاعتداء الجنسي، بل كانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين معاناة أخرى تواجهها منال. حاولت تسجيل لجوئها لتحظى بالحماية والمساعدات المالية والغذائية والصحية التي تتكفل بها المفوضية وشركاؤها، لكنها استمرت 6 أشهر في محاولة التواصل مع المعنيين وفي النهاية لم تفلح.
المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصّت علىّ أن “لكل شخص حقاً في مستوى معيشة يكفي لضمان الحماية والصحة والرفاهية له ولأسرته، وبخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية”.
بشكل ينافي القوانين التي أقرتها الأمم المتحدة والدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من بينها مصر، لم تقدم مفوضية اللاجئين أي إجراءات لحماية اللاجئات من المُضايقات والاعتداءات الجنسية والجسدية، بخاصة بعد تفشّي جائحة “كورونا”، حيث أغلقت أبوابها أمام اللاجئين ولم تعد فتحها حتى نشر هذا التحقيق، بحسب المحامي هيثم حسين المستشار القانوني للمنظمة المصرية الدولية لحقوق الإنسان.
لاجئة تعرضت لاعتداء عنيف
ووفق تقرير الاستجابة، تم إبلاغ المفوضية وشريكتها هيئة “كير” الدولية بـ1231 حالة عنف جنسي، وعنف قائم على أساس نوع الجنس من الأفارقة والجنسيات الأخرى عام 2019، وتزايدت حالات الاغتصاب والاعتداءات الجسدية في مصر بعد “كوفيد- 19” إلى حوالى 300 ألف حالة منذ بداية 2020 حتى الآن.
واجهت منال الاعتداء الجنسي والعنف الجسدي منذ وصولها إلى مصر، لكن الأمر اختلف كثيراً بعد تفشي “كورونا”، إذ زادت حدة التحرش بها بعدما اضطرت للعمل في منزل رجل أعمال مصري في ضواحي القاهرة. ابتزها صاحب المنزل فأجبرها ممارسة الجنس مقابل إعطائها راتبها الذي تعبت من أجله شهراً كاملاً، وهددها إن رفضت بأن يتهمها بالسرقة ويحرر ضدها محضراً في قسم الشرطة.
خضعت منال لاعتداءاته خلال شهرين، هي مدة عملها في منزله، قبل أن تترك العمل وتتنقل إلى منزل آخر في مدينة نصر تملكه سيدة عجوز، هرباً من الاغتصاب.
منال واحدة من 3 حالات وثقها على مدى 5 أشهر هذا التحقيق، الذي تم إنجازه اعتماداً على مصادر البيانات المفتوحة، وهو يوثق تزايد الاعتداءات الجنسية والجسدية بحق اللاجئات في مصر خلال جائحة “كورونا”، أثناء عملهن بعد توقف أعمال أزواجهن وأولادهن.
لم تكن معاناتها الوحيدة المضايقات الجنسية والجسدية في مصر،
بل كانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين
معاناة أخرى تواجهها منال.
كما يبين التحقيق قصور مفوضية اللاجئين في مصر وشركائها ومنظمات المجتمع المدني والحكومة المصرية في حماية اللاجئات من الاعتداءات الجنسية والجسدية بعد تفشي “كورونا”.
أكثر من 80 في المئة من اللاجئين في مصر يعيشون في أوضاع بائسة بحسب مفوضية اللاجئين، التي قال مفوضها السامي عبر موقعها على الإنترنت، “أشعر بقلق عميق إزاء حقيقة أن 8 من أصل 10 لاجئين في مصر يعيشون في أوضاع إنسانية بائسة، ولا يمكنهم تلبية حتى أبسط احتياجاتهم. ويعتبر الحصول على لقمة العيش تحدياً يومياً لهم. يحتاج هؤلاء اللاجئون إلى مساعدة إنسانية كافية وفي الوقت المناسب. ولكن مع ذلك، فنحن عاجزون الآن عن تزويدهم بالاحتياجات الضرورية أو المحافظة على برامجنا الأساسية لحماية اللاجئين في هذا البلد”.
سوء معاملة موثقة مع اللاجئات واللاجئين
منال ليست الوحيدة التي تعرضت لاعتداءات جنسية عنيفة، أمل أيضاً كانت لها حكايات قاسية مع الاعتداءات الجنسية خلال جائحة “كورونا”.
بحسب الدكتورة كارما نفادي مديرة “مركز الرضوى للصحة النفسية والاستشارات التربوية والأسرية”، فإن “المغتصبة واجهت لحظات رعب زلزلت كيانها النفسي وأحدثت تهتكات وشروخاً نفسية هائلة، وواجهت الموت، وانتهكت كرامتها، لذلك حين نراها بعد الجريمة مباشرة تكون في حالة من التشوش والشرود والذهول، وربما لا تستطيع التحدث بشكل منتظم وإنما تصدر عنها كلمات متقطعة أو مبهمة”.
أمل (17 سنة)، طالبة في الثانوية العامة، وصلت إلى مصر في كانون الأول/ ديسمبر 2018، هرباً من الصراع في السودان، بصحبة والدها وشقيقها الأكبر وشقيقاتها الصغيرات، وحظيت بمنحة مفوضية اللاجئين لاستكمال دراستها في مصر.
تقول أمل: “تعرضت للضرب والتنّمر والتحرش من زملائي في المدرسة وجيراني في المنزل، أنا وإخوتي نعيش في رعب وساءت حالتنا النفسية حتى وصلت إلى الاكتئاب المستمر، وحاول والدي التواصل مع المفوضية أكثر من مرة لكن من دون جدوى… الأمر بات لا يُحتمل بخاصة بعد جائحة كورونا”.
بعد توقف الأعمال في مصر في ظل الوباء، أصبح والدها وشقيقها بلا عمل، تنفيذاً لقرار الحكومة المصرية رقم 719 لسنة 2020، في 17 آذار/ مارس الماضي، والمتضمن تخفيض العمالة في مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام والخاص والمصانع، للحد من انتشار فايروس كورونا المستجد، “كوفيد- 19”.
عَمل والدها وشقيقها كان مصدر دخلهم الوحيد، بعد توقف المساعدات المالية والغذائية التي كانت تُقدمها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي تُقدر بنحو 700 جنيه أي ما يعادل 50 دولاراً في الشهر، لم تكن تكفي لدفع إيجار المنزل، فاضطرت أمل إلى البحث عن عمل لها ولشقيقاتها الصغيرات.
تحدّثت إلى الكثير من صديقاتها تسألهم عن وظيفة، فلم تجد أمامها غير العمل في المنازل براتب لا يتجاوز 800 جنيه في الشهر، وأرشدتها إحدى صديقاتها إلى مكتب لتشغيل العاملات المنزليات في حي الدقي التابع لمحافظة الجيزة، وأخبرتها أنه مكتب موثوق فيه ويوفر العمل بشكل سريع.
“تواصلت مع المكتب بسرعة، وقالولي العمل موجود ليكي انتي واخواتك، براتب 800 جنيه في الشهر، ونحن 3 بنات يعني هنوفر مبلغ يساعد في تحسين المعيشة حتى ينتهي الحظر وتعود الحياة لطبيعتها مرة أخرى”، تروي أمل.
على رغم الحظر اتفقت أمل مع مكتب تشغيل العاملات على بدء العمل بسرعة، وتم الاتفاق على الراتب أيضاً. وفي صباح اليوم التالي اصطحبت شقيقاتها من مدينة أكتوبر وتوجهت بهن إلى مقر مكتب التشغيل لاستلام العمل، لعلّها توفّر دخلاً جيداً لها ولأسرتها.
تسلّمت العمل في منزل مهندس في منطقة العجوزة المجاورة لمكتب التشغيل، وشقيقاتها تسلمن العمل في فيلا يملكها رجل أعمال في منطقة الزمالك وسط القاهرة. مرّت الأيام الأولى بلا مشكلات، وفي الأسبوع الثاني للعمل تعرضّت شقيقتها الصغرى للتحرش من أحد أبناء صاحب المنزل، بعدما طلب منها أن تذهب لتنظيف الحديقة الخلفية. لم تستوعب الصغيرة ما حدث لها بسبب عدم إدراكها أن ما حدث تحرش جنسي، إذ كانت في الرابعة عشرة من عمرها.
نجل صاحب العمل لم يتوقف عند التحرش فقط، بل اصطحبها إلى أحد أطراف المنزل بحجة تنظيف المكان، واعتدى عليها جنسياً حتى أفقدها وعيها. بعدما اغتصب شقيقتها الصغرى توجهت منال إلى صاحب المنزل تشكو إليه ما فعل نجله بأختها، لكنه عنّفها وضربها واغتصبها هي أيضاً.
بحسب المحامي هيثم حسين المستشار القانوني للمنظمة المصرية الدولية لحقوق الإنسان، فإن العنف الجسدي تصاعد بعد “كورونا” في المجتمع المصري عموماً. يقول: “نحاول في المنظمة توفير الحماية للمعتدى عليهن جسدياً وجنسياً لكننا نواجه مشكلات عدة، أولها خوف الضحايا من تحرير محضر بسبب تهديد المُغتصب، أو عدم وجود معالم للجريمة. ومن الأخطاء المتكرّرة أن يقوم المحيطون بالضحية بتغيير ملابسها وأن يطلبوا منها أن تأخذ حماماً لتتخلص من آثار الاغتصاب، وهم يظنون أن ذلك يريحها جسدياً ونفسياً، وهم لا يدرون أن أخذ حمام وتغيير الملابس سيضيّع حق المغتصبة إذ سيخفي معالم الجريمة، فالاغتصاب غالباً جريمة بلا شهود، ولذلك يكون اعتماد سلطات التحقيق على ما تجده من آثار للمتهم على جسد الضحية وملابسها.
الدكتورة كارما نفادي، توضح أن “الاغتصاب من الناحية النفسية يتضمن عنفاً جسدياً وقهراً ورغبةً في امتلاك جسد المرأة وصولاً إلى الفعل الجنسي، أي أنه جريمة عنف ولكنها تتصل بأشكال مرتبطة بالجنس، أو أنه فعل جنسي كاذب ترتبط دوافعه بالغضب والقوة والسيطرة والعدوانية أكثر من الرغبة والمتعة. والاغتصاب يعكس مشاعر متناقضة تجاه الأنثى ففيه الرغبة المنحرفة والعداء تجاهها والشعور بالفشل في التعامل السوي معها.
على غرار حالة أمل ومنال، قابل معدا التحقيق نسرين، التي وصلت إلى مصر من سوريا في كانون الأول/ ديسمبر 2016 هرباً من ويلات الحرب في بلادها، بعد سقوط قذيفة صاروخية على منزلها في مدينة حمص.
تنقلت بين مدينة اسكندرية والقاهرة بحثاً عن عمل بعد رفض مفوضية اللاجئين تقديم مساعدات مالية أو غذائية لها، تعّرضت لمضايقات وتحرش جنسي منذ وصولها إلى مصر، لكنها لم تصل إلى الاغتصاب، حتى تفشي جائحة “كورونا” في مصر.
مع “كورونا”، توقفت حياة نسرين بشكل كامل بعد قرارات الإغلاق الحكومية التي فُرضت في مصر، وحظر التجول الذي يمنع النزول إلى الشارع من السابعة مساءً حتى السادسة صباحاً، بحثت عن عمل تؤمّن من خلاله قوت يومها فلم تجد أمامها سوى العمل في المنازل.
بعد محاولات من البحث، وجدت عملاً لها في فيلا في مدينة اكتوبر، يملكها رجل أعمال مصري، تسكن معه زوجته وأولاده.
تقول نسرين: “كان يبدو على الرجل الوقار والاحترام، وارتحت بعض الشيء لكنني كنت أخشى أن يكون ذلك مجرد تظاهر، وبالفعل بعد مرور الشهر الأول لاحظت نظراته الوقحة نحوي، لكنني لم أبدِ أي اهتمام حفاظاً على عملي”.
تضيف: “نظرات الرجل تغيرت جذرياً نحوي، وبات يستغل كل فرصة نكون فيها وحيدين في المنزل، كان يتغزل بي ويمدح جمالي، على رغم أنني محجبة وأرتدي عباءات واسعة لا تُظهر ملامح جسدي، كان الخوف يتملكني وأحاول إخفاءه”. وتتابع نسرين: “فكّرت كثيراً أن أحكي لزوجته ما يحدث، لكنني خفت من رد فعلها، فهو لم يلمسني ولم يقترب مني، كان يتغزل بي لجذبي نحوه، لكن مع رفضي المستمر وعدم مبالاتي بتغزلاته تجرأ أكثر، ومع أول فرصة كنت فيها في المنزل بمفردي تحرش بي، وضربني، وشدني من شعري حتى وصلنا إلى غرفة نومه، واغتصبني”.
طُردت نسرين من العمل بعدما اغتصبها صاحب المنزل، وهرولت مسرعة إلى الطريق وهي في حالة نفسية سيئة، عادت إلى منزلها وهي تكتم دموعها كأن شيئاً لم يحدث، وما أن وصلت إلى غرفتها حتى انهارت بشكل كامل.
تحدثت مع قريبة لها تسكن في مدينة العبور، وقصّت لها ما حدث، فنصحتها بأن تسكت ولا تفعل شيئاً حتى لا يتكرر معها الاغتصاب. حاولت بعدها التعايش مع ألمها لكنه كان يزداد يوماً بعد يوم.
تواصلت نسرين مع مفوضية اللاجئين لاتخاذ الإجراءات القانونية بعدما قررت أن تأخذ حقها من مغتصبها، لكنها لم تقدم لها شيئاً سوى جلستين مع أخصائية نفسية عبر الهاتف.
الدكتورة كارما نفادي توضح، “إذا كانت شخصية المغتصبة متماسكة قبل الاغتصاب، وإذا لقيت دعماً كافياً بعده فإنها قد تتعافى بشكل شبه كامل خلال عام من الحدث وتعود إلى حياتها الطبيعية كأي امرأة بما يتضمن حياة جنسية سوية”.
“كان يبدو على الرجل الوقار والاحترام،
وارتحت بعض الشيء لكنني كنت أخشى أن يكون ذلك مجرد تظاهر،
وبالفعل بعد مرور الشهر الأول لاحظت نظراته الشهوانية نحو جسدي،
لكنني لم أبدِ أي اهتمام حفاظاً على عملي”.
“وفي بعض الحالات قد يكون هناك خوف موقت من العلاقة الجنسية (قد يصل إلى درجة الرُهاب)، وقد يكون هناك نوع من التقلصات المهبلية تصعب عملية الجماع في بداية الزواج مثلاً أو قد يكون هناك نوع من البرود الجنسي. وهذه الأشياء يمكن علاجها في حينها، ولكن من الأفضل أن نعالج المغتصبة مبكراً حتى نجنبها كل تلك التداعيات”، كما تؤكّد نفادي.
بحسب تقرير مفوضية اللاجئين لعام 2020 فإنها طلبت دعماً بمبلغ 118 مليون دولار، حصلت منه على 45 مليون دولار منذ بداية جائحة “كورونا” في مصر، تقول إنها أنفقت منه على قطاع حماية اللاجئين من بينهم الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية والجسدية.
معدا التحقيق تواصلا مع مفوضية اللاجئين وهيئة إنقاذ الطفولة في مصر، لسؤالهما عن الإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها في قضايا العنف الجنسي والجسدي، وأيضاً لمساعدة الحالات التي وثقها التحقيق، وتوفير الرعاية النفسية والمالية والغذائية لهم، لكن لم يصلنا أي ردود منهم حتى انقضاء المدة القانونية، 15 يوماً.
أُنجز هذا التحقيق بدعم “المركز الدولي للصحافيين” و”مشروع فايسبوك للصحافة” وبإشراف الزميلة أسماء العبيدي
درج
————————————-
لاجئو تركيا: وضع “الضيافة” المؤقتة/ عفاف الحاجي
قد تكون حالات التمييز، ورهاب الأجانب ظاهرةً منتشرةً في العالم، وهي إشكاليّة تعاني منها مجتمعات عدّة، إلا أن للاجئين السوريين في تركيا خصوصية – وضعية “الضيافة المؤقتة” – التي تجعلهم الخاصرة الطريّة، والفئة الأكثر هشاشة أمام أيّ تحولاتٍ في الخطاب، أو في التعامل القانوني المعنيّ بشؤونهم.
“انتهت الضيافة”، و”كلٌّ إلى وطنه، أطلتم البقاء”، وغيرها من عباراتٍ باتت تطلّ برأسها دورياً على منصة تويتر التركي، مع وسوم من قبيل “السوريين إلى سوريا”، و”لا نريد السوريين في بلدنا”، يصاحبها تعليقات متنوعة يتعثّر بها المرء تحت فيديو يوتيوب، أو مراجعة لمكانٍ ما في “غوغل ماب”، حيث يكتب أحدهم “ذهبتُ لهناك ووجدتُ الكثير من السوريين، لا أنصح بالزيارة”، أو ملاحظة هامشية في نهاية وصف أحد البيوت المعروضة للإيجار على موقع “صاهبِندن” التركي تقول “لا نستقبل سوريين” أو “لا أجانب”.
قد تكون حالات التمييز، ورهاب الأجانب ظاهرةً منتشرةً في العالم، وهي مسألة إشكاليّة تعاني منها مجتمعات عدّة، إلا أن لوضع اللاجئين السوريين في تركيا خصوصية تجعلهم الخاصرة الطريّة، والفئة الأكثر هشاشة أمام أيّ تحولاتٍ في الخطاب أو في التعامل القانوني المعنيّ بشؤونهم. ويعود ذلك أولاً إلى احتضان تركيا لقرابة 3.6 مليون سوريّ حسب الأرقام الأخيرة الصادرة من الأمم المتحدة، وهو ما يجلب معه تحدّياته المتعلقة بقابلية استيعاب البلد لهذا الرقم، والإجراءات المطلوبة لتحقيق الاندماج، وما يوسّع أيضاً من الشريحة المتأثرة، وهناك ثانياً وضع السوريين في تركيا تحت “الحماية المؤقتة” عوضاً عن منحهم صفة اللجوء التي يتمّ عبرها ضمان الحقوق المنصوص عليها بالمواثيق الدولية، وتطوير سبل الاندماج المحلي. وجاء ذلك على قاعدة “المهاجرين والأنصار”، وأن السوريين “ضيوف لدينا”، وفقاً لتعبيرات الحكومة التركية، وهو خطاب على الرغم من محاولته لتقريب الشعبين عبر الإحالة العاطفية، إلا أنه أيضاً يجعل شريحة اللاجئين أكثر تأثراً بمزاج “المستضيف”.
.. بالأرقام
أظهرت دراسة بحثية صادرة في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الجاري، أُعدّت بدعم من مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا، أن ما يصل إلى 85 في المئة من الأتراك المستطلعة آراؤهم يريدون أن يعيش الوافدون الجدد في عزلة عن الأحياء التركية. فبعد ما يقرب من عقدٍ من بداية وصول اللاجئين السوريين إلى تركيا منذ بداية الحرب، يبدو أن مضيفيهم لا يزالون ينظرون إليهم بصورةٍ سلبية وفقاً لمراد أردوغان، خبير الهجرة والباحث في الجامعة التركية الألمانية في إسطنبول، الذي ترأس الدراسة، والتي جاءت تحت عنوان “البارومتر السوري 2019”. وتظهر استطلاعات الرأي واسعةُ النطاق، الواردة في الدراسة، بأنّ هنالك مخاوفَ من “فقدان الوظائف بسبب وجود السوريين” لدى 39.8 في المئة من الأتراك الذين تمت مقابلتهم، فيما أعرب 31.7 في المئة من المستطلعة آراؤهم عن قلقهم من “المشاكل الأمنية التي قد يتسبب بها السوريون”. وجاءت المخاوف الأخرى متنوعة، بين هاجس “انخفاض الخدمات العامة”، و”مساهمة السوريين السياسية (في الانتخابات)”، ومن أن “السوريين سيحصلون على الجنسية التركية، ويكون لهم رأي في مستقبل أو مصير تركيا”، ومن أن “السوريين سيضرّون بهوية المجتمع التركي”.
وتخلص نتائج الدراسة إلى أنه و”على الرغم من مستوى الدعم والتضامن الذي أبداه المجتمع التركي تجاه السوريين، فإن هنالك انخفاضاً كبيراً في مستوى القبول والتضامن مع زيادة المخاوف”، وهو ما تعبّر عنه الدراسة بصورةٍ أخرى: “لقد تحوّل قبول المجتمع التركي غالباً إلى تسامح”، ويعضد ذلك أن 60 في المئة من المستطلعة آرائهم اعتبروا أن مسألة السوريين ضمن “أهم ثلاث مشاكل تواجهها تركيا”. وضمن قسم نظرة الأتراك إلى السوريين تلاحظ الدراسة انخفاض نسبة من يصفون السوريين بأنهم “ضحايا هربوا من اضطهاد أو حرب” من 57.8 في المئة في عام 2017، إلى 35 في المئة في الدراسة الحديثة. وعند سؤالهم عن أنسب وصفٍ قد يختارونه للسوريين في تركيا، فضّل 42 في المئة من المشاركين الأتراك بأن يصفوا السوريين بأنهم “أشخاصٌ خطرون سيسببون لنا الكثير من المشاكل”، و41.4 في المئة بأنهم “أشخاصٌ لم يحموا بلدهم”، و39.5 في المئة وصفوهم بأنهم “عبئ علينا”. وتعتقد الدراسة أن هذه التعابير المستخدمة من قبل الأتراك في وصف السوريين دالّةٌ على زيادة المسافة الاجتماعية التي يضعها المجتمع التركي بينه وبين اللاجئين السوريين، حيث تُستبدل “مشاعر القرب والتعاطف” بالتخوفات.
يعتبر الباحث أن نتائج الدراسة إيجابية بالمجمل، على الرغم مما ورد فيها، لأن “المجتمع التركي يشكو – من السوريين – كثيراً بصورةٍ شفويّة، لكنه لا يتبنى الموقف، أي أن مقاومتهم سلبية”، على حدّ ما صرّح لصحيفة ديلي صباح التركية. لكن تدني التعاطف باطّراد، وتباعد الهوّة ما بين المجتمعين مؤشرات قد تُترجم على أرض الواقع بصورٍ مختلفة. ومع مرور الزمن، تصبح الحالة أكثر إلحاحاً للبحث عن سبل اندماجٍ حقيقي، حيث لا تعود الاستراتيجيات المستخدمة لحالة الطوارئ و”وضع المؤقت” تنفع.
في الواقع، ظهرت عدة حوادث اعتداء على السوريين بدافعٍ عنصريّ، لم يكن آخرها حادثة قتل الطفل السوري أيمن حمامي (16 عاماً) عبر تلقيه ثلاث طعنات نافذة في القلب على يد شبان أتراك هاجموه وأخاه وأحد أقاربه في إحدى بلدات ولاية سامسون شمالي تركيا، وحادثة اعتداء بائعين أتراك على الفتى السوري حمزة عجان (17 عاماً) في مدينة بورصة والتي أدت إلى مقتله بالهراوات والحجارة. وقد تبعت هذه الحادثة حالةُ تعاطف وتفاعل كبيرين. وهناك الشاب السوري مؤيد إسماعيل الملحم (24 عاماً) الذي تعرض لإطلاق النار من قبل مواطن تركي من مدينة مديات بسبب خلافٍ يخص العمل لساعات إضافية. وفضلاً عن حوادث الاعتداء الجسدية المتعددة الواقعة على أفراد سوريين مما جرى توثيقه عبر وسائل الإعلام، شهد حيُّ “كوتشوك شكمجة” في إسطنبول أعمال عنف ضد السوريين في شهر حزيران/ يونيو 2019، انتهت باضطرار الشرطة لاستخدام الغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريق الحشد.
احتقان تغذّيه الصراعات الحزبية
لا تساعد التصريحات التركية تماماً على تخفيف حالة الاحتقان، أو التخفيف من القلق العام، إذ تجري استثارة المخاوف الاقتصادية والمعيشية لدى المواطن التركي عبر الحديث باستمرار عن الإنفاق على السوريين، وربط ذلك بالأعباء الاقتصادية التي تواجه البلد. وهو ما قد يكون له انعكاس أشدّ مع الضغوط التي تتعرض لها الليرة التركية، والأزمة التي تولدها جائحة كورونا. في نهاية العام الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده أنفقت 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين. وكانت رئيسة حزب “الجيد” المعارض، ميرال أكشينر، قد عزت حالة البطالة في تركيا مباشرةً إلى وجود السوريين، حين قالت إن “وجود اللاجئين السوريين نتيجةٌ خاطئة لسياسة أردوغان” تسببت بـ”انخفاض مستوى معيشتنا، فالشباب الأتراك أصبحوا يعانون من البطالة، وحتى الوقت الذي سيجدون فيه عملًا تستمر الدولة في منحهم الرواتب”. ويُلاحظ استخدام الورقة السورية – بغض النظر عن أجندة الحزب – ضمن جدول الأعمال السياسية للأحزاب وخطاباتها المحلية.
قد تكون بداية التغيّر في نبرة خطاب الحزب الحاكم، تعود لشهر كانون الثاني/ يناير عام 2019 مع تصريح الرئيس التركي بأنه يهدف إلى إعادة ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري إلى بلادهم، والذي جاء على نفس الخط مع تصريحٍ لاحق في شهر تموز/ يوليو 2019، حين أوضح قرار حكومته باتخاذ خطوات جديدة تجاه السوريين في تركيا، تتضمن فيما تتضمن التشجيع على العودة. وتبع ذلك حملة تشديد في القوانين وفرض قيود متعددة على السوريين. بالمقابل، تركّز المعارضة التركية مع كل استحقاق انتخابي على التهجمّ على سياسة أردوغان الترحيبية باللاجئين، عبر التوكيد بأن إعادة السوريين إلى بلادهم على رأس أجندتها.
لا يتورع بعض السياسيين الأتراك من الانخراط في خطاب تحريضي مباشر ضد اللاجئين السوريين، واستخدام منصاتهم لتأجيج الأزمة، مثال ذلك نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري إنجين أوزكوتش الذي اختار نشر فيديو مجتزأ من خطابٍ قديم لرئيس حزبه كمال قليجدار أوغلو يقول فيه “سنرسل جميع السوريين إلى سوريا” مرفقاً بالهاشتاغ العنصري “السوريون إلى سوريا”، وذلك بعد يومين تماماً من حادثة قتل الطفل السوري أيمن حمامي، وفي اليوم نفسه شاركت إلاي أكصوي –وهي إحدى مؤسسي حزب الجيد المعارض، ومرشحة سابقة عنه في الانتخابات البلدية – فيديو لطابور من الأجانب يصطفون أمام إدارة الهجرة، لتصف الأمر ساخرةً بقولها “هكذا يصطف الناس أمام المنتجات المجانية”، معتبرةً أن حزب العدالة والتنمية يجر البلد إلى كارثة أمنية لاستقباله هؤلاء الأجانب. علماً أن اللاجئين والأجانب الذين تم تصويرهم كانوا يقفون بصورة قانونية أمام دائرة حكومية للحصول على التصاريح المطلوبة. وكانت أكسوي قد ساهمت في نشر المعلومات المغلوطة ضد السوريين سابقاً، وقد يكون أبرزها نشرها تغريدةً في شهر تموز/ يوليو 2019 تقول فيها إن شاباً سورياً قد تحرّش بطفلة تركية، وهو الخبر الذي تسبب بموجة مظاهرات مناهضة لوجود السوريين، ليتبيّن لاحقاً بطلان الخبر تماماً. هناك أمثلة عديدة على أشكال من خطاب الكراهية، والمعلومات المغلوطة التي ينشرها النائب البرلماني والعضو السابق لحزب الجيد أوميت أوزداغ – يشتهر باهتمامه بمعدلات الإنجاب لدى السوريين، والخدمات المجانية المفترضة المقدمة للسوريين، وأن مجيء السوريين لتركيا ليس ناتجاً عن القصف، بل لتغيير ديمغرافية البلد، أو أنهم “قنابلُ ذرية ديمغرافية” على حدّ وصفه – والنائب التركي سنان أوغان – ويشتهر بأحاديثه عن خصوبة المرأة السورية، والحياة المجانية المفترضة التي يعيشها السوريون على حساب ضرائب الأتراك، واعتباره السوريين مشاريع لمفجرين إرهابيين وقتلة ومغتصبين – وغير ذلك…
يعدّ انتشار المعلومات المغلوطة من أبرز المشاكل التي تواجه سوريي تركيا، وكان من آخرها محاولة ربط انتشار فيروس كورونا بوجود السوريين. إلا أن تداعيات الجائحة، والتوترات الناجمة عنها تقع أول ما تقع على اللاجئين. بينما تتحدث وسائل الإعلام والجهات المعنيّة عن تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي والمعيشيّ في مختلف دول العالم، يعدّ اللاجئون السوريّون من ضمن أكثر الفئات هشاشة وتلقيّاً لتداعيات الجائحة السلبيّة، نظراً لأن معظم اللاجئين يعملون بالمياومة، أو بالطرق غير النظامية لعدم إمكانية حصولهم على إقامة العمل أو الأمان الوظيفي الذي قد يتوفّر للمواطن المحلي، فضلاً عن احتياجاتهم المادية الأكثر إلحاحاً، وفقدانهم لمدخّراتهم وممتلكاتهم خلال الحرب. وتظهر فجوة كبيرة في البيانات المتعلّقة بأثر جائحة كورونا على شريحة اللاجئين السوريين في تركيا، وذلك لعملهم ضمن القطاع غير الرسمي، ما يجعل من الصعب معرفة معدّل فقدانهم للوظائف، وتأثرهم بالحال الاقتصادي المتضرر عالمياً. يأتي هذا بنداً إضافياً على قائمةٍ طويلة من تفاصيل المعاناة اليومية التي تتسم بها حياة اللاجئ السوري أصلاً. فضمن دراسةٍ أجرتها رئيسة قسم علم الاجتماع في جامعة “بهجهيشهر” في إسطنبول، نيلوفر نارلي، على عيّنة من 380 لاجئاً سورياً في أحد الأحياء الإسطنبولية عام 2018، تبيّن أن معظم العائلات السورية المشمولة في الدراسة تسكن في شقق أو أقبية منخفضة الإيجار، وتفتقر إلى المرافق الكافية للنوم والنظافة الشخصية وإعداد الطعام وتخزينه. كما يجبر الأطفال الذكور الأكبر سناً على المساهمة في ميزانية الأسرة منذ عمرٍ مبكّر لأجل مساعدة العائلة على البقاء، وهي ظروف رديئة ازدادت حدّتها هذا العام مع مضاعفات الجائحة، إذ تنشط العمالة السورية في القطاعات الخدمية والسياحية والورشات التي تضررت أو توقف العمل فيها بصورةٍ كبيرة أثناء الأزمة. كما تأثرت العائلات التي كانت تعتمد على معيليها ممن طالتهم قرارات الحجر الصحي (الفئة العمرية ما دون الـ20 عاماً أو ما فوق الـ60 عاماً).
كان عام 2020 عاماً صعباً وقاسياً على اللاجئين السوريين في تركيا، يملؤه الخوف والترقب، وفي الوقت الذي تبيّن فيه دراسة “البارومتر السوري” الحديثة ارتفاع نسبة السوريين القائلين بعدم نيّتهم العودة إلى سوريا إلى 51.8 في المئة، فإن تصاعد خطاب العنصرية، واتساع الفجوة بين اللاجئين ومضيفيهم، مع استمرار التعامل مع اللاجئين باعتبارهم وضعاً مؤقتاً، قد يكون له تداعياته غير المحسوبة في حال لم تُقدّم مشاريع عمل، وإجراءات مخصصة بهدف تحقيق الانسجام وأخذ التخوفات من الطرفين على محمل الجد.
صحافية من سوريا مقيمة في اسطمبول
السفير العربي
———————————–
العمالة السورية في تركيا/ عدنان عبد الرزاق
يقول التاريخ الحديث، إنّ ألمانيا، بعد خسارتها أعداداً كبيرة من عمالتها في الحرب العالمية الثانية، عرضت على إيطاليا عام 1955 ومن ثم على اليونان عام 1960 وأخيراً على تركيا عام 1961 لترفدها بالعمالة وفق اتفاق استمر حتى أزمة النفط العالمية عام 1973.
واعتمدت ألمانيا وقتذاك، قاعدة “رابح رابح”، بحيث تستقدم عمالة تسد النقص في سوق العمل، وتلتزم بتأهيلهم والعيش الكريم، لعامين مبدئياً، أو من عرفوا قتذاك بـ”عمال ضيوف”، ليتم تخييرهم بعد ذلك بين العودة إلى بلادهم أو الاستمرار والحصول على كافة الحقوق والميزات التي يتلقاها الألماني.
ولأنّ ألمانيا قدّمت لـ”العمال الضيوف” ما لم يجدوه في بلادهم، امتنع 750 ألف عامل تركي عن العودة واستوطنوا ليشكلوا نواة جالية تصل اليوم إلى زهاء 2.5 مليون تركي، ما نسبته 14% من عدد السكان، واحتلوا المركز الأول ضمن 16 مليون شخص من أصول مهاجرة في ألمانيا.
لو عكسنا ما قاله التاريخ بالأمس عن العمالة التركية في ألمانيا، على واقع حال العمالة السورية في تركيا، فأي تشابه في الحالتين وما هي أوجه الخلاف؟
من الغرابة ربما، تطابق عدد العمال السوريين في تركيا مع عدد العمالة التركية قبل نحو ستة عقود في ألمانيا. فوفق مراكز الإحصاء التركية، يوجد في تركيا نحو 750 ألف عامل سوري من ضمن نحو 3.6 مليون لاجئ، كما يتقارب زمن ما قضاه العمال الأتراك، منذ اتفاق العمالة حتى وقف التدفق، مع زمن وجود السوريين في تركيا، منذ عام 2011 حتى اليوم.
لكن الاختلاف كبير ومؤلم، فألمانيا عاملت العمالة التركية، خلال السنين الأولى، كعمال ضيوف ومنحتهم كامل الحقوق وربما أكثر، عبر إغراءات لم يجدها العمال السوريون في تركيا، ربما حتى الآن، فهم محرومون في الغالب من إذن العمل، ولا يتقاضون إلا أقل الأجور ضمن شروط عمل قاسية، وفق اعتراف عضو البرلمان التركي وحزب “العدالة والتنمية”، أحمد سورجون.
والبرلماني سورجون قال حرفياً، خلال مقابلة تلفزيونية أخيراً “لولا وجود السوريين لانتهت الصناعة”. وألمح إلى الأعمال الشاقة التي توكل إليهم، وأن 35 ألف عامل فقط من أصل 750 ألف عامل في تركيا يعملون بشكل قانوني.
وأثار كلام البرلماني التركي ردود أفعال كثيرة، بعد أن سلط الضوء على قضية إنسانية وقانونية وأخلاقية، فكتب العديد من الكتاب والإعلاميين، مثل مراد أوغلو في صحيفة “سوزجو” وكوبرا بار في “خبر تورك”. وتعالت الصيحات بضرورة قوننة عمل السوريين والاستفادة من قوة عملهم التي تتمناها دول كثيرة.
وهنا، لن نشير إلى ما يتعرض له غالبية العمال السوريين في تركيا من ظروف سيئة، إذ إن حاجتهم للعمل تجعلهم يقبلون العمل بشكل غير قانوني الذي يتركهم عرضة للحوادث، أو الاستغلال من حيث الأجور وساعات العمل الطويلة.
وليأخذ الطرح صفة التوثيق، لا الرمي والاتهام، يقول تقرير “جمعية الصحة والسلامة المهنية” التركية: شكل السوريون أعلى نسبة بين اللاجئين في 2019 بتعرّضهم لحوادث عمل في تركيا، توفي 40 عاملاً سورياً شكلوا ما نسبته 37% من إجمالي الوفيات بسبب حوادث العمل بين اللاجئين في تركيا.
وأكثر من ذلك، وبحسب رئيس اتحاد النقابات إرغون أتالاي، يتقاضى معظم العمال السوريين رواتب شهرية تتراوح بين 1500 و1800 ليرة تركية، أي أقل من الحد الأدنى للأجور.
ومن عوامل الاختلاف، وليستوي القول، لا بد من الاعتراف بأنّ السوريين في تركيا لم يأتوا بطلب تركي لنقص العمالة، كما أنهم يقيمون وفق “قانون الحماية المؤقتة” وليس كلاجئين، يمكنهم المطالبة بحقوقهم والجنسية بعد مضي مدد محددة، بيد أن ذلك لا يلغي طرق الاستفادة المتاحة، بما فيها الجنسية الاستثنائية وكسب العقول والمهارات التي تهاجر حتى اليوم باتجاه أوروبا.
نهاية القول: يقول آخر مسح حول اللاجئين السوريين في تركيا، والمعروض حالياً أمام البرلمان، إنّ 51.8% من المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم لن يعودوا إلى سورية أبداً حتى لو انتهت الحرب، في حين هذه النسية لم تزد عن 16.7% خلال سنوات لجوء السوريين الأولى إلى تركيا.
فإن علمت تركيا، وهي تعلم، أنّ من يعيش من السوريين في المخيمات ويتلقى مساعدات، هم فقط 59.7 ألف سوري من أصل 3.6 ملايين لاجئ سوري، أي لا تزيد نسبتهم عن 1%، ستعلم بعدها، وهي تعلم، كم ينفق السوريون في الأسواق، وكم يدفعون إيجار منازل، وكم يساهمون بشكل عام، بتحريك الاقتصاد، ما يستوجب على تركيا أن تستفيد منهم، ولو وفق ما تعاملت ألمانيا مع عمالتها، فتمنح السوريين عوامل الاستقرار التي تبدأ بالحقوق كما العمالة التركية ولا تنتهي عند منحهم الجنسية، لتكسب حينها كما كسبت ألمانيا وربما أكثر.
كما أن لدى السوريين نقاط اختلاف عن العمالة التركية عندما هاجرت لألمانيا، إذ إن بعض أصحاب الرساميل يحتلون قوائم الأكثر استثماراُ في تركيا لأربعة أعوام على التوالي.
العربي الجديد
—————————–
ماذا فعلت تركيا بالشباب السوري/ بسام جوهر
شهدت الساحة العسكرية السورية المعارضة، خلال السنوات الماضية، تغيرات وتبدلات على صعيد التسميات وإعادة التموضع وكذلك على صعيد الولاءات والتبعية لهذه الجهة أو تلك. عدد قليل من الفصائل العسكرية، التي كانت لا تُعد ولا تُحصى، حافظت على أسمائها وهياكلها الأساسية، بينما الغالبية العظمى غيرت أسماءها وولاءاتها على أثر وقف الدعم الأمريكي والخليجي لهذه الفصائل.
أواخر عام 2016 وبعد صفقة تسليم حلب التي أشرفت عليها تركيا وروسيا، والتي قضت بوقف المعارك وخروج الفصائل العسكرية المعارضة المسلّحة من حلب، انتقل عدد كبير من هذه الفصائل إلى ريف حلب الشمالي، وقد حاول بعضهم تشكيل قوى عسكرية جديدة والبحث عن قوى مدعومة ولديها تمويل مالي وعسكري بغية الانضمام إليها.
في هذه الأجواء وجدت تركيا نفسها وسط عدد كبير من المقاتلين المدربين جيدا، غير المنظمين والذين فقدوا التواصل، أو تم التخلّي عنهم من قبل الجهات التي كانت تدعمهم بالمال والسلاح. لذلك بدأت تركيا في بداية عام 2017 بخطة لتنظيم هؤلاء المقاتلين، بعد أن أصبحت هي الجهة الوحيدة الممولة والداعمة مادياً وعسكرياً، خاصة وأنها شاهدت، وبالملموس، التنافس المحموم بين قادة هؤلاء المقاتلين للتقرّب منها وتقديم فروض الطاعة والولاء لها، وبعد أن اختبرت ولاء بعضهم في عملية درع الفرات في آب / اغسطس عام 2016.
استطاعت تركيا تنظيم وبناء القوى العسكرية المتواجدة في ريف حلب وقسم آخر في ريف إدلب، تحت اسم (الجيش الوطني السوري) وتم ربط هذا (الجيش الوطني) بالحكومة السورية المؤقتة عبر هيئة الأركان ووزارة الدفاع، لكن مع ( تغيير بسيط) في أولويات ومهام هذا الجيش القتالية، حيث بات التصدي للطموح الكردي ومحاولة الأكراد خلق حالة معينة على الأرض، من أولى المهام القتالية الواجب تنفيذها، إن لم تكن هي المهمة الوحيدة.
ولتحقيق هذه المهمة العصماء، كان على تركيا البحث عن العناصر الأكثر ولاءً بين هذه الفصائل كي توليها الاهتمام من حيث التدريب والدعم المالي وتقديم السلاح الأكثر تطوراً.
وجدت تركيا ضالتها في الفصائل السورية من أصول تركمانية، حيث نظمت صفوفهم وميزتهم عن غيرهم من باقي الفصائل من حيث الدعم المالي والتسليح، على الرغم من أن باقي الفصائل المقاتلة ليست في حالة عداء مع تركيا، لا بل جميعها تسبح في فضاء الولاء لها بدرجات متفاوتة.
لكن من هم هؤلاء الفصائل الذين كان لهم الدور الأبرز في غزو تركيا للأراضي السورية وعملياتها الثلاث المسماة ( درع الفرات- غصن الزيتون ونبع السلام)، إضافة للمهام اللاحقة التي فرضتها أجندات أردوغان ومغامراته في ليبيا والآن في ناغورني كرباخ؟
فرقة الحمزة أو الحمزات:
تشكلت هذه الفرقة عام 2016 وذلك بانضمام عدة فصائل عسكرية على رأسها لواء الحمزة الذي شكل الجسم العسكري للتشكيل، عام 2017 انضمت فرقة الحمزة إلى الفيلق الثاني التابع (للجيش الوطني)، لتكون دعامة أساسية تعتمد عليها تركيا في تماسك (الجيش الوطني).
يشكل السوريون التركمان الجزء الرئيسي لجسم هذا التشكيل، يقود هذه الفرقة الملازم أول سيف بولاد الملقب ب أبو بكر المنحدر من القومية التركمانية. وتتقاطع العديد من المعلومات أن قائد هذه الفرقة كان عميلاً مزدوجاً لتركيا وداعش، إذ عيّنه داعش والياً على مدينة الباب أثناء تواجد داعش في المدينة.
تسيطر فرقة الحمزة على مدينة عفرين ومواقع كثيرة شمال المدينة، إضافة إلى سيطرتها عل مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، ومدينة رأس العين وتل أبيض.
فرقة السلطان مراد:
تدرّج هذا التشكيل من كتيبة إلى لواء ومن ثم فرقة، التأسيس كان عام 2012 على يد (يوسف الصالح)، وهو من قرية قريبة من الحدود التركية ولا تبعد كثيراً عن مدين إعزاز السورية، وكان يعمل في صناعة الأحذية فبل بدء الصراع في سوريا. معظم مقاتلي هذه الفرقة من العرب لكن ازداد عدد العناصر التركمانية فيها بعد انضمام لواء (السلطان محمد الفاتح)، بينما قياداتها من السوريين من أصول تركمانية.
انضمت الفرقة إلى الفيلق الثاني في (الجيش الوطني السوري) عام 2017 . يقود الفرقة حاليا ثلاثة أشخاص: المسؤول العام يوسف الصالح، القائد الميداني فهيم عيسى والمسؤول العسكري العقيد أحمد عثمان.
انتشرت الفرقة سابقاً في جسر الشغور وبعض الأحياء في مدينة حلب، لكن تواجدها الآن هو في المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش التركي في ريف حلب الشمالي والشمال الغربي.
لواء السلطان سليمان شاه (لواء العمشات):
سبق وأن أفردنا مقالة خاصة لهذا التشكيل وقائده وممارساته في منطقة تواجده.
تأسس هذا التشكيل أواخر 2011 تحت مسمى (لواء خط النار) علي يد محمد حسين الجاسم المعروف ب أبو عمشة، بالقرب من مدينة السقيلبية في محافظة حماة. أوائل عام 2016 تغير اسم اللواء إلى (لواء السلطان سليمان شاه)، نسبة إلى مؤسس السلطنة العثمانية، أما تسمية العمشات فترجع إلى اسم قائده أبو عمشة. أغلب مقاتلي هذا اللواء مع قائدهم ينحدرون من الأقلية التركمانية في محافظة حماة.
انضم لواء (سليمان شاه) إلى الفيلق الأول من (الجيش الوطني)، عام 2017. تنتشر عناصر هذا التشكيل في منطقة الشيخ حديد بالقرب من مدينة عفرين.
تعتبر هذه القوى الثلاث، إضافة إلى تشكيلات أخرى مثل فيلق المجد التابع للإخوان المسلمين في سوريا بقيادة الرائد ياسر عبد الرحيم، ولواء المعتصم بقيادة المعتصم عباس، ولواء السمرقند بقيادة ثائر معروف وحركة نور الدين الزنكي بقيادة الشيخ توفيق شهاب الدين، اليد الضاربة لتركيا ضمن الأراضي السورية.
شاركت هذه القوى جميعها في العمليات الثلاث للجيش التركي ضمن الأراضي السورية، حيث سعت هذه القوى لتهجيّر المكون الكردي السوري قسرياً ومحاولة إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة وخاصة عفرين، إذ قام لواء العمشات بطرد الكثير من الأكراد السوريين من بيوتهم وإحلال عائلات تركمانية سورية نزحت من حمص وحماة.
الآن، ولخدمة السياسة التركية التوسعية للحكومة التركية وتلبية لمغامرات أردوغان خارج سوريا، فقد فتحت هذه الفصائل مكاتب للتجنيد ضمن مقراتها، وذلك بهدف تجنيد مقاتلين سوريين لإرسالهم إلى ليبيا وناغورني كرباخ. وتحت ضغط الفقر والحاجة، تقدم شباب سوريون صغار تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عام ولا يمتلكون أية خبرة في القتال، للتجنيد والذهاب إلى ليبيا وناغورني كارباخ. حسب تقرير كتبته الكاتبة اليزابت تسوركوف ، نشرته في صحيفة (نيويورك ريفو).
لاشك أن معظم المقاتلين السوريين دفعتهم الحاجة إلى القتال في صفوف الجيش التركي، بغية تحقيق مكاسب مادية، وهم الذين عانوا بالأصل من أهوال الحرب وشُردوا من مناطقهم ووجدوا أنفسهم بين سندان النظام الأسدي الرهيب، والذي كأي نظام قمعي كان نابذاً للشعب وكان المسبب الأول للدفع بالسوريين نحو تركيا وغيرها من الدول، وبين مطرقة المعارضة الفاسدة التي باعت نفسها لتركيا وغيرها.
هؤلاء المقاتلون هم سوريون لكن ولائهم الآن مكرّس لخدمة تركيا وأجنداتها في المنطقة وخارج المنطقة.
إن عودة هؤلاء المقاتلين إلى ولائهم لسوريا المستقبل، يتطلّب الكثير من العمل، أولها أن يكون هناك معارضة سياسية وعسكرية سورية ويكون ولاءها لسوريا وسوريا فقط، وهذا ما نفتقده في المرحلة الراهنة، في ظل سيطرة واضحة للمعارضة الفاسدة، التي رهنت قرارها لتركيا، على المؤسسات الرسمية للمعارضة السورية.
بسام جوهر
ضابط ومعتقل سياسي سابق.
موقع نواة
——————————-
=========================