كريستوفر فيليبس في «المعركة حول سوريا – التنافس الدولي في الشرق الأوسط الجديد»: المجموعة الدولية أوقدت النزاع بدلاً من إطفاء نار الفتنة في سوريا/ سمير ناصيف
يصعب هذه الأيام العثور على كتاب يتناول الوضع في سوريا ويغطي في الوقت عينه التطورات والأحداث الأخيرة في ذلك البلد بأكبر قدر ممكن من الموضوعية والبحث المعمق.
وقد يكون في الإمكان إدراج كتاب صدرَ للأكاديمي والباحث البريطاني كريستوفر فيليبس، في هذا المجال أكثر من غيره.
عنوان الكتاب «المعركة حول سوريا» وقد نُشر للمرة الأولى عام 2016 ثم أدخلَ الكاتب عليه تعديلات هامة العام الماضي (2017) وصدرت نسخته المعدلة هذا العام.
فيليبس، الأستاذ في العلاقات الدولية في كلية «كوين ماري» في جامعة لندن والباحث في «المعهد الملكي للشؤون الدولية» (تشاتهام هاوس) في لندن يقول في مقدمة النسخة الجديدة ان مقاربة كتابه الأساسية هي ان العوامل الدولية لعبت الدور الأساسي في تفاقم النزاع الميداني والسياسي في سوريا في السنوات العشر الماضية، وهذا الأمر لا ينفي دور العوامل الداخلية، حسب قوله، ولكن تدويل الأزمة السورية سياسياً وعسكريا ـ ميدانيا، ازداد إلى درجة كبيرة في السنوات الأخيرة وحتى عام 2017 وخصوصاً بعد تصاعد دور روسيا وإيران ميدانياً حيث أدى إلى سقوط مناطق هامة في أيدي النظام وخصوصاً في نهاية عام 2016 بعد سيطرة جيش النظام على مدينة حلب.
ومن الأمور الهامة جداً في هذه التطورات، حسب الكاتب، كان سحب الدعم التركي لبعض المجموعات العسكرية المناهضة للنظام، بعد التفاهم الذي جرى بين القيادتين التركية والروسية في تلك الفترة وبعد انطلاق عملية للسلام الميداني وتثبيته في سوريا بإشراف روسي ـ تركي ـ إيراني سُميت عملية الأستانة.
ومما يشير إلى اختلاف منهج كتاب فيليبس (إلى حد ما) عن الكثير مما كُتب عن سوريا قوله في مقدمة الكتاب، انه يجب عدم الاعتبار ان أي جهة لعبت دوراً ميدانيا أو سيادياً في الوضع السوري كانت دمية أو مطية حصراً لقوة أجنبية.
وقد أضاف الكاتب معلومات لم يذكرها سابقا إلى النسخة الجديدة وخصوصا إدراجه الفصل الحادي عشر الذي تناول الحرب السورية في عهد دونالد ترامب كرئيس لأمريكا، أي ابتداء من مطلع عام 2017 وحتى الخريف الماضي. وسيتم التركيز على هذا الفصل أكثر من غيره.
يقول فيليبس في الصفحة 233 وفي الفصل 11: «تاريخياً كان انتقال السلطة في أمريكا من رئيس إلى آخر ترافقه درجة من الاستمرارية خصوصا في السياسة الخارجية، ولكن صعود دونالد ترامب إلى الرئاسة شكّل تبدلا أساسيا واختلافا جذريا عن سياسة الرئيس السابق باراك أوباما». ويضيف ان «التزام ترامب سياسة أمريكا أولا، شكل جانباً فيه عودة إلى حقب سياسية أمريكية سابقة وتوجها دوليا جديدا. وبالتالي، من المفيد معالجة تأثير رئاسة ترامب على الأزمة السورية».
ويستهل الكاتب ما ورد بالتفصيل في هذا الفصل قائلا: «برغم ما يظهر للناس في الرؤية الأولى لسياسة ترامب في سوريا على كونها فاصلة أكثر من سياسة أوباما، ففي الواقع ان نتيجة مواقفهما لا تختلف كثيراً، حيث جرى تهميش ميداني لأمريكا في الجزء الغربي من سوريا، ولم يتم القضاء نهائياً على تنظيم «الدولة» وتواجده في مناطق أخرى من البلد».
ويعتبر الكاتب ان روسيا نجحت في تهميش الدور الأمريكي في سوريا في السنة الأخيرة من رئاسة أوباما، وفي المفاوضات التي جرت بين أمريكا وروسيا عام 2016 ولم تنجحا في وقف النزاعات الميدانية ومنع ارتكاب العمليات الدموية والوحشية من الجهات المتنازعة على الأرض. واعترف أوباما في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 أي قبل نهاية ولايته بفترة قصيرة، بأن مستقبل سوريا في المدى القصير غير مطمئن، لأن الدعم الروسي والإيراني لنظام بشار الأسد رجحا كفته على حساب خصومه (ص 234).
وفي رأي الكاتب فإن رئاسة أوباما لأمريكا لعبت دوراً في تأزيم الأوضاع في سوريا وانه ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون سقطا في المواجهة «الثعلبية» لهما من الجانب الروسي (ص 235).
ويوضح أن روسيا لعبت دورا رئيسياً في الحيلولة دون مواجهة عسكرية بين النظامين التركي والسوري بعد ترتيب موسكو لأوضاعها مع تركيا عام 2016 وبعد تثبيت الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لرئاسته وسلطته في بلده عام 2017 (ص 237 ـ 238).
ويشير الكاتب إلى ان أمريكا بقيادة ترامب كانت أكثر تنسيقاً مع موسكو ومبادراتها في سوريا ولكن بحذر، وأنها أرسلت مراقبين إلى لقاء أستانة في مطلع عام 2017 الذي تم تحت مظلة روسية تركية ـ إيرانية.
ولم تنجح المعارضة السورية في تعطيل المفاوضات وتجميدها بسبب عدم الاستجابة لمطالبها، واضطرت إلى الرضوخ للرغبة الدولية والإقليمية بعد تقلص الدعم الأمريكي لها وعلى إثر تجاوب أمريكا مع مبادرات روسيا في عهد ترامب.
كما انطلقت مفاوضات جنيف مجددا في عام 2017 ولم تتعطل نتيجة لتجنبها تناول قضية مستقبل الرئيس بشار الأسد في السلطة وادراكها ان القرارات الهامة الميدانية الفعلية تجري في أستانة (ص 242).
ويصف الكاتب دونالد ترامب بالرئيس الأمريكي الأكثر انفتاحاً على التفاوض مع روسيا في تاريخ رئاسات الولايات المتحدة، ولكن في الوقت عينه يعتبر ان من الصعب فهم «عقيدة ترامب السياسية في السياسة الخارجية» بالإضافة إلى دوافعه للانسحاب من بعض الاتفاقيات الدولية التي وقعتها أمريكا سابقاً وخصوصا في عهد أوباما.
كما انه يذكر في الصفحة (243) بعض الانتقادات التي وُجهت إلى ترامب وبينها انه يتأثر في بعض الأحيان أكثر مما يجب بنصائح مستشاريه والمقربين منه ويتخذ القرارات حسب مشورتهم ثم يتراجع عنها عندما يدرك أخطاءها.
وهذا ينطبق حسب الكاتب، على علاقته بمستشارين كستيف بانون والشلّة العائلية المحيطة به وأصدقاء له كرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض القادة الخليجيين. ومع ان في التراجع عن الخطأ فضيلة، فربما كان الكاتب ينتقد ترامب لتسرعه بعض الأحيان في اتخاذ القرارات الهامة التي من الأفضل التريث في اتخاذها.
ويذكر في هذا المجال قرار ترامب دعم مقاطعة بعض الدول الخليجية دولة قطر اقتصادياً بذريعة دعمها للإرهاب ثم تراجعه (هو ووزير دفاعه) عن هذا القرار (ص 243 ـ 244) بالإضافة إلى قرارات الرئيس الأمريكي المتبدلة في الشأن السوري سياسياً وميدانياً عسكرياً وسياسته «المندفعة» في الشأن الفلسطيني (ص 246).
ويعتبر الكاتب ان الضربة العسكرية التي وجهتها القاذفات البحرية الأمريكية إلى سوريا في 7 نيسان (ابريل) 2017 حيث تم إطلاق 59 صاروخا من نوع (توماهوك) باتجاه مطار عسكري سوري بحجة استخدام سوريا للأسلحة الكيميائية كانت بشكل رئيسي لإثبات ترامب بان مواقفه في سوريا وفي العالم عموماً مختلفة عن مواقف الرئيس السابق باراك أوباما (ص 248).
كما تضاربت مواقف ترامب المنفتحة تجاه روسيا مع مواقفه المتشددة نحو إيران، كما يشير الكاتب، وهذا أمر من الضروري توضيحه بين القيادتين الأمريكية والروسية في المستقبل. وهذا الغموض يثير التساؤلات حول ما يمكن ان يحدث في المستقبل في الوضع السوري، حسب فيليبس. (ص 250) وخصوصاً لوجود رغبة لدى النظام السوري في السيطرة على الحقول النفطية في دير الزور وفي عودة التجارة والتبادلات في الاستيراد والتصدير والعلاقات الاقتصادية مع العراق، وعدم ترحيب الجانب الأمريكي في حدوث ذلك على حساب مصالح واشنطن (ص 251).
وهذه الأمور مرتبطة في المستقبل حسب قوله، بديناميكية العلاقة بين نظام الأسد وروسيا وإيران، والعلاقة المنفتحة بين روسيا وأمريكا ترامب.
ويستنتج في الصفحة (252) من الكتاب: «أوباما كان أقل تشدداً في علاقته مع إيران وأكثر مواجهة في علاقة أمريكا بروسيا فيما ترامب يمارس عكس ذلك، أي الانفتاح نحو روسيا والتشدد باتجاه إيران».
ويضيف: «ولكن أوباما وترامب يشتركان في كونهما لا يستطيعان إيقاف توسع المصالح الروسية أو الإيرانية في سوريا وفي المنطقة». ويعتبر ان الضغوط الإعلامية والشعبية التي تُمارس في أمريكا والدول الغربية ضد ترامب، ومورست سابقاً ضد أوباما، لا تساهم في دعم الموقف الأمريكي سابقا وحاليا.
ويحذر فيليبس من أي قرار «متسرع» قد يتخذه ترامب لسحب مفاجئ للقوات الأمريكية العسكرية من سوريا، لأن مثل هذا القرار قد يزيد في حدة الأزمة السورية. (ص 253).
وفي الفصل الختامي يقول، ان من الصعب جداً تحديد الجهة المنتصرة والجهة الخاسرة في الحرب السورية برغم ان البعض كان خاسراً أكثر من الآخر، ولكن الشعب السوري هو الذي عانى المآسي والأحزان أكثر من أي جهة أخرى، كما في كل الحروب الأهلية التي تمتد لفترات طويلة بسبب رغبات جهات خارجية دولية وإقليمية في استمرار المواجهات الدموية لتمرير مصالحها الاقتصادية والسياسية.
ويعتبر ان البعض ممن يشجعون الحروب على أراضي الآخرين يجب ان يُدركوا ان دخول مثل هذه الحروب قد يكون أسهل بكثير من الخروج منها بسلامة، وبدلاً من تشجيع وتغذية الحروب الأهلية، عن قصد أو عن غير قصد، ربما كان من الأفضل (حسب الكاتب) محاولة معالجة المشاكل والتجاوزات التي أدت إلى الخلافات والمواجــهـات في ســوريا في البـداية، وهذا دور كان على واشنطن (وغيرها) أن تلعبه منذ انفجار الأزمة السورية.
Christopher Philips:
The Battle for Syria.
Yale University Press, London 2018
332 Pages.
القدس العربي