تنظيم الدولة حي في إدلب والمعارضة عاجزة عن ردعه/ تيم غوراني
“إيقاف صوت الراديو، الاستعداد وكأنك سائق سيارة سباق في أول المضمار، مراقبة الطريق والانطلاق سريعاً من دون أي توقف، حتى إن رأيت جدك خارجاً من قبره فلا تتوقف من أجله، فربما هو طعم ليتم اعتقالك، سر بأقصى سرعتك حتى الضفة الثانية من الطريق”، هكذا يصف خالد العلي مروره على طريق أريحا المسطومة جنوب إدلب، والذي يُعرف اليوم بطريق الموت، فيكاد لا يمر يوم من دون انفجار عبوة ناسفة أو خطف وقتل على هذا الطريق الذي غدا دوامة تبتلع المارين بلا توقف.
انتشرت خلايا تنظيم الدولة في الآونة الأخيرة بإدلب مشكّلة منطقة خاصة بها تمتد من بلدة مصيبين شرقاً مروراً ببلدة النيرب وسرمين حتى بلدة محمبل غرباً على بعد كيلومترات قليلة من مدينة إدلب.
وبين الفينة والأخرى تنشط هذه الخلايا بشكل ملحوظ حاصدة الكثير من أرواح مقاتلي فصائل المعارضة والأشخاص المدنيين على حد سواء، وذلك من خلال وضع الحواجز الطيارة ليلاً، وتفجير العبوات الناسفة وحالات الخطف وغيرها من الطرق الإرهابية التي تتبعها.
فصائل إدلب عاجزة عن ضبط المنطقة
يكمل خالد حديثه لـ”درج” وبنبرة مرتفعة: “لا أعلم لم لا يتم ضبط هذا الطريق إلى اليوم، طول الطريق 6 كيلومترات ومع ذلك لم تستطع الفصائل تأمنيه، على رغم أنها المتضرر الأكبر منه، لا أعلم حقاً هل هو نوع من التكاسل، أم أن هناك تنسيقاً بين تلك الخلايا والفصائل، أم فعلاً هي لا تستطيع تأمين هذه المسافة القصيرة، مهما كان السبب فلا مبرّر يشفع لها فهي من ادّعت أنها تحمي الناس وتجلب لهم الأمان، الوضع وصل إلى مرحلة لا تطاق فبعد توقف القصف الذي كان الهاجس الأكبر لدينا، خرجت تلك الخلايا وبلهجة بلدية يختم خالد حديثه “يا محلا الطيارة وصواريخها قدام الموت ذبحاً بسكين”، ويقصد الطريقة المعروفة التي يعتمدها التنظيم لتصفية ضحاياه.
مسؤول أمني في الجبهة الوطنية “نعمل على محاربة الخلايا وقد استطعنا تحييد بعضها”
وللوقوف عند الأسباب التي تمنع الفصائل العسكرية من ضبط المنقطة التقت “درج” بأبو خليل، وهو اسم وهمي لمسؤول أمني في الجبهة الوطنية للتحرير، ومشرف على ملاحقة خلايا تنظيم الدولة ومداهمتها في منطقة أريحا بريف إدلب الجنوبي، حيث أفاد بأنهم يعملون بشكل دائم على ملاحقة الخلايا الداعشية وتصفيتها، من خلال المراقبة الحثيثة للمنطقة والمداهمات العسكرية التي يقومون بها.
وعند سؤاله عن المنطقة التي تنشط فيها الخلايا، وعن عدم وجود انتشار فعلي لفصائل المعارضة هناك، أفاد بأنهم يعملون على جمع المعلومات عن المنطقة لتتم مداهمتها وبسط السيطرة والتخلص من الخلايا، موضحاً أنه بشكل دوري يتم إلقاء القبض على الأشخاص الذين يقومون بزرع العبوات الناسفة على الطرقات، وذلك من طريق نشر كمائن ليلية في المنطقة.
امتنع أبو خليل عن التوضيح الفعلي عن عدم قيامهم بتنظيف المنطقة من الخلايا بشكل دائم واكتفى بالحديث عن تجهيزات ودراسات أمنية، لافتاً إلى أنهم استطاعوا اعتقال عدد من العناصر التابعين لتنظيم الدولة، وقد حصلوا على معلومات مهمة تخص انتشارهم وطريقة عملهم حيث أوضح قائلاً: “هم مجموعات صغيرة لا تعرف بعضها بعضاً تنتشر في الأراضي الزراعية وبعضها ينتشر داخل المدن والبلدات يتبعون بشكل مباشر إلى “والي إدلب” ويحصلون من خلاله على التعليمات والدعم المادي، ولديهم استراتيجية معينة لكل فترة وكل عملية يقومون بها لها هدف محدد ومدروس، فمثلاً هذه الفترة مهمتهم استهداف أشخاص قياديين في الفصائل، بينما في الفترة السابقة تركز عملهم على تفجير العبوات الناسفة في أي سيارة كانت بغية بث الرعب في قلوب الجميع”.
وتابع لـ”درج” موضحاً قيامهم بحملات عدة في المناطق الشرقية في إدلب، وقد استطاعوا تنظيف المنطقة الشرقية بإدلب من خلايا التنظيم وفق قوله.
حملات أمنية ولكن بعيداً عن المركز
يرى عدي الأحمد وهو طالب هندسة في جامعة إدلب أن ما تقوم به الجهات الأمنية في الفصائل هو “ضحك على اللحى” فالقيام بعمليات ومداهمات أمنية في مناطق ربما فيها بعض الأشخاص والتركيز الإعلامي عليها هو نوع من التسويق الإعلامي، فكل إدلب تعلم أين هي الخلايا، ومناطق انتشارها أصبحت معلومة للجميع، من دون أي تحرك حقيقي للفصائل للحد من وجودها.
في المقابل قامت هيئة تحرير الشام بعملية أمنية في بلدة سرمين التي تعتبر من المراكز الرئيسية لخلايا التنظيم في إدلب، ونشرت عبر معرفاتها الرسمية أنها قامت بإلقاء القبض على عدد من الأشخاص المنتمين إلى التنظيم، مع صور تظهر مصادرتها عبوات ناسفة وسيارات معدة للتفجير، ولكن على رغم هذه الحملات بقيت إلى اليوم العمليات التي تقوم بها هذه الخلايا على الوتيرة ذاتها.
التناحر الفصائلي المصدر الأول لتغذية الخلايا
إبراهيم حج أسعد وهو تاجر للأقمشة في أريحا ومن المهتمين بتأمين الطرقات كونه يستخدمها لنقل بضائعه، عزا السبب الذي يمنع الفصائل من تنظيف المنطقة إلى كونها تعتبر منطقة فصل بين مناطق الجبهة الوطنية للتحرير المتمثلة بأحرار الشام في أريحا، ومناطق هيئة تحرير الشام في إدلب، وقد شهدت المنطقة عدة معارك بين الفصيلين أثناء الاقتتال الداخلي الأخير، وفي حال استقدام أي فصيل قوة عسكرية إلى المنطقة قد يعتبر الفصيل الآخر أن هذا تصعيد وعليه منعه من القيام بعمل أمني فيها، وذلك لسببين أولهما خوفه من أن يكون هذا التحشيد العسكري بغية الهجوم على مواقعه، وثانياً والأهم لكي يمنع الفصيل الآخر من فرض السيطرة على المنطقة وتوسيع رقعة المناطق التي لديه، وهذا الكلام لا يستثني أي فصيل سواء الهيئة أو الجبهة الوطنية، فكلاهما يحمل التفكير ذاته.
ويضيف إبراهيم: “هذا التناحر الداخلي المقيت هو من أهم المسبّبات التي تقوى عليها خلايا التنظيم في المنطقة فهي تلعب على الحبلين وقد كان لها دور فعال في الاقتتال الداخلي السابق، من خلال تأجيج الخلاف بشكل مستمر فهي تتغذى عليه”.
وأنهى حديثه موضحاً أن خلايا التنظيم استغلت التنافر والتناحر الفصائلي بشكل كامل وذكي، وذلك بسبب “غباء” فصائل إدلب وفق وصفه.
شمّاعة دولية لذريعة محاربة الإرهاب
يرى الناشط الثوري علاء الحموي السماح بانتشار هذه الخلايا من زاوية مختلفة، حيث أوضح أن هناك غايات لهيئة تحرير الشام من ترك هذه الخلايا وربما مساعدتها في بعض الأحيان، “هيئة تحرير الشام تواجه التنصيف الدولي على أنها منظمة إرهابية، وهي تستخدم محاربتها لخلايا التنظيم كشمّاعة دولية لتظهر أنها جهة تحارب الإرهاب وترفضه، وهذا ما نلاحظه بشكل جلي قبل أي قرار دولي يخص إدلب، عندها تظهر الهيئة بكل قوتها وتقوم بمداهمة الخوارج وقتالهم بحسب وصفها”.
على رغم الادعاءات التي تقدمها الفصائل العسكرية عن محاربتها هذه الخلايا تبقى المنطقة المذكورة تحصد العشرات من الأرواح وبحسب مصدر طبي رفض كشف اسمه في أريحا، فقد تم انتشال أكثر من 40 جثة من المنطقة الممتدة من أريحا إلى إدلب خلال الأشهر الأخيرة.
درج