الخمسون وما فعلت/ رشا عمران
لا تستهينوا بدور الخمسين ليرة السورية في المؤامرة الكونية الحاصلة منذ سبع سنوات على سورية. لها حكاية عظيمة لو كنتم تعلمون، فالمواطن السوري، الموظف الذي يتقاضى خمسين ليرة إضافية إلى ثمن طوابع التقارير الطبية، هو السبب المباشر لما حدث في سورية، فلولا طمعه وجشعه، لما وصل الحال إلى ما وصل إليه، ولا تم تخريب البلد، ولا انتشر “الإرهابيون” على امتداد الأرض السورية. ولما تمكّن “داعش” من أن يسرح ويمرح، ويفرض شروطه هنا وهناك. ولما اضطرت الحكومة السورية للاستعانة بإيران وحزب الله وروسيا، للقضاء على الذين أفسدهم الطمع بالخمسين ليرة. ولما فتحت تركيا حدودها، ليدخل من هبّ ودبّ إلى سورية. ولا حرّكت أميركا وأوروبا أساطيلها للتدخل في حال استفحل الأمر، وانتشر الفساد، وازداد عدد الطامعين بالخمسين ليرة. ولما موّل الخليج كتائب مسلحة لمواجهة ظاهرة الفساد، الشاذّة والغريبة عن المجتمعات العربية والإسلامية. ولما اضطر أحد لتدمير سورية وتهجير أهلها، ولا كانت المعتقلات قد امتلأت، ولا كان الأمن السوري (الراقي) قد اضطر لقتل المعتقلين تحت التعذيب. ولا كان الجيش العربي السوري قد تحوّل إلى عدوٍّ يقتل السوريين ويعفش حياتهم، بدل أن يكون على الجبهة مع العدو الإسرائيلي.. أساسا لولا الخمسون ليرة هذه، لكان جيشنا البطل قد انتصر على إسرائيل وحرّر الجولان وفلسطين منذ زمن طويل، لكن الطمع هو من فعل ذلك. وخيرا فعلت الحكومة السورية أخيرا أنها حاكمت أحد المفسدين، ممن أغرتهم الخمسون ليرة، خوفا من انتشار مزيد من الفساد، وكي لا يعيث “الإرهابيون” مزيدا من الخراب في سورية، الدولة المتقدّمة والمتحضرة والجميلة.
لكم أن تتخيّلوا ماذا سيحدث، لو أن أمرا كهذا انتشر في سورية الخضراء الجميلة، لو أن هؤلاء السوريين أرادوا تقليد المواطن الفاسد الذي قبض خمسين ليرة زيادةً على ثمن طابع التقرير الطبي، فلو لم تقض الحكومة الرشيدة على هذه الظاهرة الشاذّة مباشرة، لاضطر السوريون البيض، الجميلون والرائعون، لمغادرة البلد جماعات، واللجوء إلى دول المؤامرة الكبرى التي لا تصلح لعيش السوريين المعتادين على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولن يجدوهما في تلك الدول، لكنهم على الأقل لن يصادفوا مواطنين جشعين يطمعون بخمسين ليرة ثمن طابع تقرير طبي، فالعملة السورية غير متوفرة في تلك البلاد، وبالتالي لا يوجد ما يغري أحدا بالطمع. حسن حظهم وحكمة القيادة السورية الرشيدة في التعامل مع أزمات من هذا النوع أنقذا السوريين البيض الجميلين من التشبّه بالسوريين السود البشعين الذين لجأوا إلى بلاد الاستبداد الأوروبية، وحرموا أنفسهم من نعمة الحياة السعيدة تحت سقف الوطن الغالي، العزيز الديمقراطي الحر الذي ليس فندقا يغادره الناس إذا ما استشعروا سوء الخدمة.
لكم أن تتخيّلوا أيضا لو لم تبادر القيادة السورية الحكيمة إلى احتواء الموضوع منذ الكشف عنه، هل سيخطُر لكم مقدار ما سينشره هذا الفساد الفيروسي من عدوى بين المواطنين المرفّهين والآمنين، فالرفاهية لا يمكنها أن تقف في وجه فيروس الفساد، فكلما زادت رفاهية المواطن السوري ازداد طمعا وجشعا. ولذلك، عملت القيادة الحكيمة، الحريصة على سمعة مواطنيها وسلامتهم الأخلاقية والنفسية، على استئصال هذا الفيروس من أساسه، وعاقبت المواطن الجشع، كي يكون عبرة لمن يعتبر. وعليها ألّا تنسى شكر المواطنة الشريفة التي أبلغت عن هذا الفاسد، وأنقذت البلد من شرٍّ مبين، كان ليقضي على سورية، وما تتمتع به من جمالٍ ورقيٍّ وحضارة وأمان وسلام وأخلاق وتعايش وتلاحم ورفاهية ومحبة.
اكتشفت، أمس، أن لدي خمسين ليرة سورية، ما زالت معي منذ خروجي من سورية قبل ست سنوات. قلّبتها بين يدي وشممت رائحتها. لا أعرف كيف اخترقت أنفي رائحةٌ انتشرت منها، يمكن توصيفها بأنها مُغوية، ولا تقاوَم. وبعد محاولاتٍ عديدة، اكتشفت أنها رائحة الفساد النفّاذة التي تُطلقها الخمسون ليرة، وتغري بها المواطنين المرفهين. قلت بيني وبين نفسي: شكرا للقيادة السورية الحكيمة التي استطاعت القضاء على هذه الرائحة، قبل انتشارها في كل سورية، لتستطيع القيادة التفرّغ لإعادة الإعمار بعد الدمار الذي ألحقه هذا المواطن غير الشريف، نتيجة طمعه بخمسين ليرة كاملة.. خبأت الخمسين التي معي في مكان آمن، كي أظهرها في وجه من لا يصدّق أن خمسين ليرة سورية كانت السبب في خراب بلد.
العربي الجديد