ثقافة الألقاب/ مفيد نجم
تشيع في الحياة الثقافية العربية مصطلحات غريبة، هي في سياقها العام استمرار لمفاهيم قديمة، حاولت أن تقيم نوعا من التراتبية، بين شعراء زمانها، على غرار التراتبية الاجتماعية التي كانت سائدة في المجتمع القديم. تتناسب تلك الرؤية في التصنيف مع روح زمنها، لكن الغريب أن ثقافتنا مازالت تعيد إنتاج هذا المحتوى.
لذلك فإن استمرار هذه المفاهيم عند تقديم هذا الشاعر أو ذاك الروائي أو المفكر مقترنا بصفة الكبير، أو الأستاذ الدكتور، يوحي وكأن هناك شاعرا أو مفكرا كبيرا، وآخر صغيرا أو متوسطا.
إن هذه الصفات، التي يصر البعض على استخدامها عن الحديث عن أحدهم، تحاول أن تصادر أفق التوقع بالتركيز على الشخصية، وليس المنتج الأدبي أو الفكري لها.
إن صفة الشاعر أو الفنان أو المفكر يكتسبها الشخص من خلال القيمة التي يمثلها إبداعه، والتمايز يكون هنا في هذه القيمة الخاصة للتجربة، لذلك وفي محاولة لرد الاعتبار للنص لجأ النقد البنيوي في ستينات القرن الماضي، إلى دراسة النص بمعزل كلي عن صاحبه، وطالب باستبعاد أي حضور للشاعر أو الكاتب في نصه.
لقد كان الإعلان عن موت المؤلف من قبل البنيويين، ردة فعل على تمركز النقد حول المؤلف في محاولة لتصحيح هذا الوضع المختل في دراسة النص. لكن ثقافتنا الأبوية التي لم تفقد اتصالها مع موروثنا الثقافي القديم، مازالت تحاول تفخيم الذات المبدعة واجتراح الألقاب، التي تجعل الشعراء والكتاب وغيرهم يتدرجون في مراتب، وكأن صفة الشاعر أو المفكر لا تحمل القيمة في ذاتها، بل من خلال هذا التدرج في مراتب الفحولة، الذي استبدلناه بهذه الألقاب.
قد لا تكون المشكلة في هذه الصفة أو تلك، بقدر ما هي في معنى أن تكون شاعرا أو كاتبا أو فنانا، أو لا تكون، وكذا الحال بالنسبة للفكر أو سواه. والغريب أن هذه الصفة التي تطلق غالبا لا وجود لها، في الثقافات الأخرى، إذ لا يطلق أحد على هيغل أو كانط صفة الفيلسوف الكبير، أو على بودلير أو ماركيز أو بيكاسو، وإذا ما جرى الحديث عن إنجازهم اقترن هذا الحديث بالإضافات، التي استطاعوا أن يقدموها، في الفلسفة أو الرواية أو الفكر الإنساني.
إن قيمة أي تجربة تكمن في ذاتها، وفي الإضافة والجديد اللذين تقدمهما إلى التراث الفكري أو الجمالي، أما الصفات التي كثيرا ما تكون تعبيرا عن سلوك اجتماعي، قائم على المبالغة في التفخيم، فإنها لا تستطيع أن تضيف شيئا لتجربة أي شاعر أو مفكر.
العرب