ماذا يقول المقاتلون الأجانب في إدلب وماذا يقول الأهالي عنهم؟/ تيم غوراني
لم يكن من السهل أبداً الوصول إلى أحد المقاتلين الأجانب في إدلب، فبمجرد معرفتهم أنك صحافي تحدّثهم للحصول على مادة صحافية، فهذه جريمة نكراء بالنسبة إلى أغلبيتهم، إذ إنهم يعتبرون أن تسليط الضوء عليهم خطر يهدّد وجودهم.
ولكن بعد محاولات لا تخلو من المخاطر والتهديدات، استطعنا لقاء أحد قادة المقاتلين الأوزبكستانيين في إدلب، والذي اكتفى بتعريف نفسه باسم “علاء الدين أوزبك”. لم يكن الوصول إلى مقاتل من الجنسية الأوزبكية أمراً اختيارياً من بين الجنسيات الأخرى ولكن يعرف عن المقاتلين الأوزبك أنهم الأقل تشدداً وتعصباً من الجنسيات الأخرى كالتركستانيين والطاجكستانيين وغيرهم من الجنسيات الموجودة في إدلب.
أتينا تلبية للأصوات التي دعتنا إلى نصرتها
استهل علاء الدين حديثه لـ”درج” مستغرباً سؤالي عن سبب قدومهم للقتال في سوريا، وبلكنته الصعبة على الفهم، يقول “أخي أتينا إلى بلاد الشام نصرة لأهلها، هم خرجوا في التظاهرات وطالبوا المسلمين بمساعدتهم، ونحن شعرنا بأن هذا الأمر هو واجب علينا لذلك تركنا بلادنا وأعمالنا وجئنا لنصرة المستضعفين هنا، وما زلنا إلى اليوم نقاتل لأجل هذا السبب”.
توافد المقاتلون الأجانب إلى إدلب بكثرة بخاصة عام 2013 في أوج اتّساع الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها المعارضة، وتم تسهيل مرورهم إلى سوريا من طريق تركيا قادمين من بلدانهم الأصلية أو من أماكن أخرى كأفغانستان وليبيا وغيرهما من البلدان التي كانت تعيش صراعات مسلحة، وكان أبرز من احتضن هؤلاء المقاتلين هو تنظيم الدولة ليتولى بعد ذلك تنظيم القاعدة مهمة احتوائهم وتنظيمهم بعد خروج تنظيم الدولة من إدلب.
ويقدّر عددهم بحوالى 6 آلاف مقاتل، من جنسيات مختلفة، من تركستان وأوزبكستان وطاجكستان، إضافة إلى نسبة 20 في المئة من دول عربية أبرزها السعودية ومصر، مع وجود نسبة قليلة من المقاتلين الأوروبيين. وانضم القسم الأكبر منهم إلى هيئة تحرير الشام ويشغل بعضهم مناصب قيادية فيها، إضافة إلى وجود فصائل خاصة بهم ككتيبة البخاري التي تضم مقاتلين من تركستان، والحزب الإسلامي التركستاني، والتحقت نسبة قليلة منهم بفصائل أخرى كالجبهة الوطنية للتحرير المدعومة من تركيا، وجيش العزة.
إدلب “بلاد الشام وأرض الملاحم”
وفي ردّه على سؤال عما ينوي فعله في المرحلة الحالية، أجاب علاء الدين “أنا ومعظم الأوزبك المتواجدون في إدلب باقون، فإدلب أرض الجهاد وهي جزء من بلاد الشام أرض الملاحم، نحن هنا منذ 4 سنوات، وننوي البقاء إلى النهاية أو النصر، لا تهمنا تلك الأحاديث التي تقول إن علينا الذهاب من هنا، نحن لم نقترف أي خطأ يجبرنا على الذهاب، فأرض الشام ما زالت بحاجة وجودنا، سنذهب بحالة واحدة وهي توقف الجهاد هنا”.
وعن أكبر المخاوف التي يعيشونها يقول “ربما أخجل من قولها ولكن الخوف الوحيد هو من أهالي إدلب، نحن نعلم أنهم يريدوننا أن نذهب، فهم يظنون أننا ذريعة لتعرضهم للقصف والصعوبات، ولكنهم يعرفون نظام الأسد أكثر منا ويعرفون أنه يقتل من دون أي تمييز، صراحة نتعرض لضغوطات كبيرة في هذا المجال ولكن في الوقت ذاته هناك الكثير من الأنصار من “أهالي إدلب” يريدون بقاءنا ويساعدوننا ويطمئنوننا بأنهم لن يتخلوا عنا مهما حدث، وهذا يكفينا”.
نسعى إلى تأمين النساء خارج سوريا
يخشى المقاتلون الأجانب بحسب نور الدين على نسائهم وأطفالهم، ويسأل عن إمكان تهريب النساء إلى تركيا، فهو يرى أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة ووجود عائلاتهم في مكان آمن خارج سورية هو أمر يساعدهم على الصمود.
المقاتلون العرب “انتحال الشخصية السورية ليس بالأمر الصعب”
من جهة أخرى، التقى “درج” أبا عمر الجزراوي، وهو مقاتل سعودي في صفوف هيئة تحرير الشام، أفاد بأن المقاتلين العرب يمكنهم التأقلم أكثر من “العجم” كونهم قريبين أكثر من الواقع السوري، وفي حال التعرض لضغوطات كبيرة ببساطة يمكنهم أن يقولوا إنهم سوريون وفي ظل هذه الفوضى من سيدقق في الأمر، “نحن نسعى منذ مجيئنا إلى سوريا إلى عدم إظهار هويتنا الحقيقة والسنوات التي عشناها هنا، كفيلة بتعلمنا العادات واللهجة السورية، ببساطة انتحال الشخصية السورية ليس بالأمر الصعب إن لزم الأمر”.
يتابع أبو عمر حدثيه: “لدي الكثير من الأصدقاء العجم أغلبهم من تركستان، ولاحظت أن هناك قسماً كبيراً منهم ينوي الهجرة إلى السودان أو أفغانستان”، فهما مكانان جيدان بحسب وصفه للانتقال إليهما، “فهناك الجهاد ما زال مستمراً، ويمكنهم الحفاظ على حياتهم في تلك البلاد بشكل أفضل، ولكن إلى اليوم لا توجد طرقات مناسبة للذهاب، وهناك قسم كبير يبحث في هذا الأمر بشكل جدي”.
لا نية أبداً في العودة إلى الوطن
من جهته يرى المحامي أحمد العبسي وهو نازح من مدينة حماة إلى إدلب، أن “المؤشرات لا تدل عن وجود نية لمغادرة المقاتلين الأجانب سوريا، فهم باتوا يسيطرون على مناطق خاصة بهم كمدينة جسر الشغور التي تتم إدارتها والسيطرة عليها بشكل كامل من قبل الحزب الإسلامي التركستاني، إضافة إلى وجود عائلاتهم معهم وبأعداد كبيرة، وهم يتحولون تدريجياً من مقاتلين إلى مواطنين، وقد اتجهوا نحو الأعمال التجارية والسعي في الحياة كحال أي مواطن سوري، والأهم ألا ننسى أن كل مقاتل أجنبي من عرق الترك هو مدعوم من تركيا، فأنقرة تعتبر سنداً له في حال حدوث أزمة ما”.
ويضيف: “عودتهم إلى بلادهم قد تسبب لهم المشكلات كاتهامهم بالإرهاب وغير ذلك، هنا بنوا حياتهم ويعتبرون أن لهم الحق في البقاء والعيش بذريعة أنهم شاركوا في القتال وتحرير هذه المناطق، وبعد استقرارهم لا أظن أن هناك أملاً برحيلهم”.
إدلب الأكثر أمناً بالنسبة إليهم
لأديب عبد الحي وهو طالب جامعي في مدينة أريحا رأي آخر، إذ يقول: “إدلب تعتبر حاضنة جيدة للمقاتلين الأجانب مع الأسف، فهي تعطيهم الملاذ الآمن، وهم يعتبرون اليوم فئة غير مرحب بها عالمياً وخروجهم من ادلب إلى أي مكان يعرّضهم للخطر والاعتقال. نحن كسوريين لا مانع لدينا من بقائهم ولكن هم يقولون أنهم جاءوا لنصرتنا، ويجب أن يعلموا أن مساعدتنا لا تكون بالسيطرة على مناطقنا وحكمها، فلو أنهم التزموا قتال النظام، وابتعدوا من التدخل في الحياة المدنية لكان موقف الناس منهم مختلفاً، لكن من المؤسف والمضحك أيضاً أن لهم حواجز على الطرق ولديهم سلطة التدخل في الأمور الاجتماعية. إن أرادوا البقاء يجب أن يلتزموا بالأعراف والعادات. ببساطة على الغريب أن يكون مؤدباً”.
ينظر أهالي إدلب إلى المقاتلين الأجانب على أنهم فئة غير مرحّب بها، وذلك لما تسبّبوا به من مشكلات وأفعال تنافي التقاليد السورية، فأبرز شرعيو هيئة تحرير الشام اليوم هم من جنسيات غير سورية، كعبد الله المحيسني وأبو اليقظان المصري الذي يخرج بفتاوى تحلل القتل على نحو واسع، على رغم أنهم في الفترة الأولى حين كانوا يلتزمون قتال جيش النظام، كانوا يلاقون ترحيباً من الأهالي. اليوم تعيش إدلب مراحل تطبيق اتفاق سوتشي والذي يفضي إلى خروج المقاتلين الأجانب من إدلب. فهل سيخرج هؤلاء المقاتلون من تلقاء أنفسهم أم سيتم إخراجهم بطريقة ما، أم أنهم باقون؟
درج