الغارديان: لن تتحقق العدالة للسوريين إلا بمحاكمة الأسد على جرائم ذبح شعبه/ إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “الغارديان” مقال رأي للكاتبة ناتالي نوغيرد حول تحقيق العدالة في جرائم رئيس النظام السوري بشار الأسد. وكتبت نوغيرد تحت عنوان “يمكن تقديم الأسد للعدالة ودور أوروبا حيوي”. حيث دعت لعدم التخلي عن الأمل بتقديم الأسد وأتباعه ومن ساعدوا نظامه الإجرامي للعدالة يوما ما.
وعلى هذه الجبهة هناك أخبار جيدة في الفترة الأخيرة وهي اعتقال ألمانيا وفرنسا ثلاثة من رجال الاستخبارات السوريين المتهمين بممارسة التعذيب وهذا تطور مهم جدا. وتأتي هذه على رأس إصدار أوامر بالقبض وشكاوى في عدد من الدول الأوروبية بمن فيها السويد والنمسا. وقد تحتاج هذه القضايا وقتا ونجاحها يبدو في الوقت الحالي ضعيفا إلا أن المحققين سيعملون في النهاية على بناء سلسلة من المسؤولية تقود إلى الطاغية السوري وتحميله جرم ذبح شعبه وعلى مدار ثمانية أعوام كاملة. وتضيف أن هناك عدد من المحامين والناشطين المندفعين بحس الواجب يقومون بالتحضير لذلك اليوم الذي سنرى فيه من ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في سوريا يقفون أمام العدالة ويحاسبون عليها. وبدأت نتائج هذه الجهود تثمر في أوروبا. وتقول إنه من أجل فهم السبب علينا النظر إلى مئات ألاف السوريين الذين وصلوا إلى القارة فارين من الكابوس الذي عاشوه بوطنهم. ولدى الكثيرين منهم شهادات عن الجرائم ويساعدون في توثيق الجرائم. واستفاد عدد من المقربين للنظام من أوروبا التي قصدوها للسياحة أو تخزين أموالهم التي سرقوها في بنوكها. كما أن الكثير من دول أوروبا تعترف بـ “السلطة القضائية العالمية” التي تسمح لمحاكمها التحقيق وإدانة المسؤولين عن جرائم جماعية حتى لو لم يرتكوبها في أراضي الدولة على يد مواطن فيها ضد مواطنيها.
وتعترف الكاتبة أن ميزان القوى تغير لصالح الأسد منذ التدخل الإيراني والروسي لصالحه. والدور الذي لعبته روسيا لعرقلة محاولات الأمم المتحدة وقف نزيف الدم وتحويل سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية. فيما تخلت أمريكا عن السوريين عندما لم تتحرك للرد على المذابح الجماعية. وفعلت أوروبا نفس الأمر. وتقول إن معظم النقاش المتعلق بسوريا يدور اليوم حول تنظيم “الدولة” وآخر معاقله الأخيرة وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا.
وهناك بالطبع نقاش حي في الصحافة ودوائر السياسة الغربية حول مصير المواطنين الغربيين الذين أغرتهم دعاية التنظيم للانضمام إلى أيديولوجيته القاتلة. ونسي في هذا النقاش السوريون الذين عانوا أكثر-الأطفال الذين خنقهم غاز السارين والأسلحة الكيماوية الأخرى، وغرف التعذيب في السجون والتغييب القسري والمدن والأحياء التي تعرضت لهجمات صواريخ سكود والبراميل المتفجرة والتي كانت تلقى بدون تمييز. ولهذا السبب ترى الكاتبة أن الاعتقالات في ألمانيا وفرنسا مهمة جدا. وعلق لاجئ سوري تعرف على الرجال الذين عذبوه عندما قرأ الأخبار، بهذه الكلمات: “لقد بكيت بابتسامة على شفتي، وظللت أرتجف لساعات، وأستطيع القول إن حصانة عملاء الأسد التي حمتهم في أوروبا قد انتهت. والأمل الآن هو وقوف الأسد نفسه أمام المحكمة”. وتعتقد الكاتبة أن محاكمة مرتكي الجرائم الجماعية لا يشفي وكان من الأفضل منع حدوثها في الأساس. ولكننا نعرف أهمية محاكمة مجرمي الحرب في مرحلة الحرب العالمية الثانية في نيورمبيرغ إلى محكمة جرائم الحرب التي أنشئت في التسعينات من القرن الماضي ومحاكمة مرتكبي الجرائم في يوغسلافيا السابقة ورواندا. فهي مهمة للناجين وعائلات الضحايا. ونعرف أهمية الاستماع للشهود وأهمية عدم تجاهل المبادئ الإنسانية الأساسية التي جسدتها المواثيق الدولية. ونعرف أن هناك رهان كبير لدينا نحن المراقبين عن بعد ويتعلق بكرامتنا، خاصة عندما يأتي جيل المستقبل وينظر للخلف ويكتشف أن نصف مليون شخص ذبحوا وتم تشريد الملايين ويتساءل ماذا فعلنا؟ فمنذ عام 2011 ظلت حقول الموت السورية دوامة اختفى فيها تعهد ما بعد الحرب العالمية الثانية “لن يحدث هذا أبدا”. وترى الكاتبة أن البحث عن العدالة للسوريين هو بلا شك “ماراثون” ولكن التاريخ يعلمنا أنه يجب عدم ترك انتهاكات حقوق الإنسان بدون عقاب، مهما طال أمد العدالة وليس لأن قرارات المحاكم والإدانات تعتبر ردع عن جرائم قادمة. فجمع الأدلة وبناء الحقائق تظل مركزية لمنع إعادة كتابة التاريخ ممن يحاولون إنكار وقوع جرائم كهذه. وتمت محاكمة المسؤولين عن جرائم الخمير الحمر في كمبوديا بعد عقدين واعتقل الديكتاتور التشيلي بينوشيه بعد نهاية حكمه بثمانية أعوام. ومات سلوبدان ميلوسوفيتش في السجن وليس في قصره. وتعلق أن هذه أوقات صعبة للعدالة الدولية وإن لم توجد محكمة دولية لمساعدة السوريين فيجب أن تقوم المحاكم الوطنية بمساعدتهم. وبعد هذه الاعتقالات في ألمانيا وفرنسا اتصلت الكاتبة بالقاضية الفرنسية السابقة كاثرين مارشي أوهيل التي تترأس آلية تحقيق للأمم المتحدة أنشئت عام 2016 لتحضير ملفات جنائية عن سوريا، وسألتها إن كان الأسد سيقدم للمحاكمة؟ وكان الجواب “ربما” وليس الأسد لأن الأمم المتحدة تبحث في جرائم تنظيم “الدولة “والمقاتلين في المعارضة السورية. إلا أن القاضية كان لديها رسالة وهي أن العدالة الدولية ستجد طريقها.”والوضع لن يظل مسدودا للأبد” و “يجب أن تكون لدينا رؤية”. ويقوم فريقها بجمع الأدلة والمصادر ويحتاج لمتحدثين باللغة العربية والمحللين وخبراء التكنولوجيا للعمل على “تحليل الأدلة الرقمية”. و”هذه هي دعوة، لو كنت مهتما فادعم فريق العدالة وسيصل إلى هدفه” فالأدلة الضخمة موجودة لأن النظام السوري احتفظ بسجل شرير لأفعاله الآثمة وتم تهريب الوثائق وهناك جبل من البيانات للبحث خلالها لبناء تسلسل يقود في النهاية إلى الأسد الذي يقف على قمة الجريمة “وتذكروا أن عمره لم يتجاوز الـ 53 عاما”.
القدس العربي