خنزير، تُولَد/ ليلى السليماني
أن أمشي في الشارع، أن أتنقل بمترو الأنفاق ليلا. أن أرتدي تنورة قصيرة، وفستانا مقورا وحذاء بكعب عال. أن أرقص وحيدة في وسط المرقص. أن أتزين مثل شاحنة مسروقة. أن أركب «تاكسي» وأنا ثملة قليلا. أن أتمدد فوق العشب وأنا نصف عارية. أن أطلب نقلي مجانا. أن أركب حافلة ليلية. أن أسافر لوحدي. أن أشرب كأسا على رصيف مقهى بدون رفقة. أن أركض في طريق قفر. أن أنتظر جالسة على كرسي حديقة. أن اصطاد رجلا، أن أغير رأيي وأتابع سيري. أن أذوب وسط حشد شبكة القطارات السريعة الإقليمية. أن أعمل ليلا. أن أرضع ابني في الشارع العام. أن أطالب بالزيادة في الأجر. في لحظات الحياة المذكورة، اليومية والعادية، أطالب بحقي في أن لا أتعرض للمضايقة. وبحق عدم التفكير في ذلك حتى. أطالب بحريتي في عدم تعليق الآخر على تصرفي، وعلى ملابسي، وعلى مشيتي، وعلى شكل ردفيّ، وعلى حجم نهديّ. أطالب بحقي في الهدوء، في الوحدة، وبحقي في التقدم بدون خوف. لا أريد فقط حرية باطنية. أريد حرية العيش في الخارج، في الهواء الطلق، في عالم هو أيضا ملكي إلى حد ما.
لست شيئا صغيرا هشا. لا أطالب بأن أكون محمية وإنما أطالب بالدفاع عن حقوقي وتثمينها في أمان واحترام، وليس جميع الرجال خنازير. كم عدد الذين أبهروني طيلة الأسابيع الأخيرة، وأذهلوني، وفتنوني بقدرتهم على فهم ما يجري؟ والذين قلبوا أوضاعي بإرادتهم في أن لا يكونوا متواطئين، وفي تغيير العالم، وفي التحرر، هم أيضا، من هذه التصرفات؟ إذ في العمق، وخلف حرية المضايقة المزعومة المذكورة، تختبئ رؤية جبرية بشكل مرعب، عما هو ذكوري: «خنزير، تولد». إن الرجال المحيطين بي يخجلون وينتفضون ضد من يشتمونني. وضد من يقذفون على معطفي في الثامنة صباحا. وضد رب العمل الذي يُفهمني ما سأكون مدينة له بتحسن وضعي في العمل. وضد الأستاذ الذي يقايض التدريب بـ«مصة». وضد المار الذي يطلب مني ما إذا كنت «أضاجع»، وينتهي بنعتي «بالمومس». إن الرجال الذين أعرفهم مشمئزون من هذه الرؤية المتخلفة عن الفحولة. إبني سيكون، آمل ذلك، رجلا حرا، حرا ليس للقيام بالمضايقة، ولكنه حر في تعريف ذاته بشكل مغاير للمفترس المسكون بدوافع منفلتة. رجل يعرف كيف يغري بألف طريقة عجيبة متوفرة لدى الرجال لإغرائنا.
أنا لست ضحية، لكن ملايين النساء هن ضحايا. وهذا واقع وليس حكما أخلاقيا أو تحديدا ماهويا للنساء. وفي ذاتي، يخفق خوف كل اللائي يمشين في آلاف مدن العالم، مطأطئات الرأس. اللائي يطارَدن، ويتعرضن للتحرش وللاغتصاب وللشتم وللنعت بالدخيلات على الفضاءات العامة. في ذاتي تتردد صرخة اللائي يتخفين، واللائي يشعرن بالخجل، والمنبوذات اللائي يرمى بهن إلى الشارع لأنهن فقدن شرفهن. صرخة اللائي تخبأن خلف حجب طويلة سوداء لأن أجسادهن ستكون دعوة إلى المضايقة.
في شوارع القاهرة، ونيودلهي، وليما، والموصل، وكنشاسا، والدار البيضاء، هل تقلق النساء اللائي يسرن، من اختفاء الإغراء والمغازلة؟ هل لهن الحق في الإغراء، والاختيار، والمضايقة؟ آمل أن تمشي ابنتي يوما ما، في الشارع بالليل، بتنورة قصيرة وفستان مقور، وأن تجول العالم بمفردها، وأن تركب مترو الأنفاق على الساعة الثانية عشرة ليلا بدون خوف، وبدون حتى أن تفكر في ذلك. إن العالم الذي ستعيش فيه آنذاك، لن يكون عالما طهرانيا. إنه سيكون، أنا متأكدة من ذلك، عالما أكثر عدالة، حيث لن يكون فضاء الحب، والاستمتاع، ومداعبات الإغراء، سوى أكثر جمالا وأكثر اتساعا. إلى حد لا نستطيع تخيله اليوم.
القدس العربي