6.5 ملايين سوري لا يعرفون كيف يحصلون على وجبتهم التالية/ مروة عوض
ثماني سنوات مضت منذ أن استعرت نيران الصراع في سوريا. ورُغم أن التقاتل قد هدأ في معظم المناطق، لا تزال المعارك دائرة في شمال البلاد، ولا تزال الاحتياجات الإنسانية والفقر على أشدهما.
متى تنتهي الأزمة؟ هذا أحد أصعب الأسئلة التي يُمكن الإجابة عليها في مجال المساعدات الإنسانية، والإجابة بالطبع تتوقف على منظورك للأزمة.
قد يظن بعض الناس أن الأزمة تنتهي عندما ينتهي القتال، غير أن الحقيقة غير ذلك. تمرّ سوريا اليوم بمرحلة انتقالية حاسمة سوف تحدد ما إذا كان بوسع المجتمع السوري المضي قدماً أو أنه سيتقهقر إلى الفوضى وعدم الاستقرار. هذا هو مفترق الطرق الذي تقف عنده سوريا.
لم تنتهِ الأزمة السورية بعد. المزيد من السوريين لا يزالون يفرّون من المعارك الدائرة في المناطق الشمالية من البلاد. وبعد أن انخفضت قيمة الليرة السورية إلى عُشر ما كانت عليه عام 2011، أصبح هناك 8 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر حسب تقرير للأمم المتحدة بعنوان “لمحة عامة عن الاحتياجات الإنسانية” لعام 2019 في سوريا.
وبينما اجتمع قادة العالم في شهر مارس الماضي في بروكسل لمناقشة الخطوات المستقبلية التي يجب اتخاذها في سوريا، يجب ألا ننسى كمّ التغيّرات التي أحدثتها الأزمة في هذا البلد، وألا يغيب عنّا حجم المهام والجهود التي يجب القيام بها.
ثماني سنوات من الدمار تركتْ خلفها 11.7 مليون شخص، من نساء وأطفال ورجال، غير قادرين على العيش دون مساعدات إنسانية متعددة القطاعات. ورُغم أن الصراع انتهى في معظم البلاد، لن يتمكن هؤلاء المعوزين بين عشية وضحاها من تأمين احتياجاتهم والاكتفاء ذاتياً، ولا يزالون يعوّلون على المنظمات الإنسانية لتأمين احتياجاتهم الأساسية من طعام وشراب وملجأ، بينما يسعى العائدون منهم إلى ديارهم جاهدين إلى لملمة حيواتهم التي أذرتها رياح الصراع.
ولا يزال ضحايا الصراع في سوريا بحاجة ماسة إلى جهات مانحة أجنبية تستحدث برامج ومشاريع تساعدهم على تجاوز صدمة العنف والأذى الذي ألحقته بهم.
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، تستنفذ سلة الغذاء التي تحتوي على المواد الغذائية الأساسية ما لا يقل عن 80% من الراتب الشهري للعمال غير المهرة، و50 إلى 80% من الراتب الشهري لموظفي الخدمات العامة، وهذا يُجبر الكثيرين من السوريين على المفاضلة الصعبة بين توفير الطعام أو الحصول على الرعاية الطبية أو إرسال أطفالهم إلى المدارس.
ورُغم هذه التحديات الاقتصادية، يعود العديد من السوريين إلى ديارهم أو إلى ما تبقى من أحيائهم، لإعادة بناء حياة جديدة، خاصة بعد أن أصبحت العديد من المناطق السورية أكثر استقراراً.
ولكن المصاعب لا تزال جسيمة، فهناك ما يقرب من 6.5 مليون سوري داخل البلاد لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم الغذائية التالية (يعانون من انعدام الأمن الغذائي)، و2.5 مليوناً معرّضين لخطر فقدان الأمن الغذائي.
وهناك أيضاً 5.3 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة، و6.2 مليوناً لا يزالون نازحين داخل بلدهم ولا يعرفون لهم مسكناً ثابتاً ولا وسيلة مستقرة للعيش، ناهيك عن عدم قدرتهم على توفير أساسيات المعيشة.
خلال السنوات الثماني الماضية، عانى السوريون من فقدان الاستقرار حينما أصبحوا يواجهون موجة نزوح تلو أخرى، وعانوا أيضاً من فقدان الموارد حينما خسروا ديارهم ووظائفهم واستنزفوا مدخراتهم أثناء محاولتهم الفرار من العنف والاقتتال.
ويتيح استمرار دعم الجهات المانحة للمنظمات الإنسانية القدرة على مساعدة السوريين كي لا يفقدوا الأمل في مستقبل أفضل، على الأقل. ويرفع تقديم المساعدات الغذائية لهم عنهم عبء شراء الطعام.
وفي حين أن نشاط برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الأمم المتحدة وشركائها ضروري من أجل تقديم العون للنازحين واللاجئين، فإن مهام هذه الجهات يكمن أن تتجاوز مجرد معالجة وتوفير الاحتياجات الأساسية. فالمشتغلون في العمل الميداني يعرفون جيداً ماذا يريد السوريون، وهم يتحدثون إليهم عن طموحاتهم وتطلعاتهم لبدء حياة أفضل، حياة مُرضية تتجاوز مجرد البقاء على قيد الحياة. والسوريون يرغبون في الإنتاج، ويطمحون للحصول على الوسائل التي تُمكّنهم من تأمين أساسيات معيشتهم وتطوير أنفسهم وتوفير غدٍ أفضل لأطفالهم.
في أزمات الصراع، كتلك التي تعيشها سوريا اليوم، عادة ما يتضاءل الاهتمام العام كلما خبا الاقتتال وسكن، غير أن هذا السكون هو ما يستحق اهتمام العالم، ففيه تولد الفرصة ويُفسح المجال لمساعدة السوريين على المضي قدماً وإعادة إعمار بلادهم.