فرنسا تحاكم رفعت الأسد… من يعيد ثروته للسوريين؟/ سلافة لبابيدي – مالك الحافظ
أفادت وكالة “فرانس برس”، نقلا عن مصادر، بأن فرنسا بصدد محاكمة رفعت الأسد، عم رئيس النظام السوري بشار الأسد، بتهم تتعلق بالكسب غير المشروع.
و طالب القضاء الفرنسي بمحاكمة رفعت الأسد بتهمة بناء إمبراطورية عقارية كبيرة في البلاد باستخدام أموال من خزائن الدولة السورية، وقالت وكالة “فرانس برس” عن مصادر قانونية، إن “قاضي التحقيق أمر رفعت الأسد بالمثول أمام محكمة، بتهمة غسل الأموال بقيمة 90 مليون يورو في فرنسا”.
فيما لم يتم تحديد تاريخ موعد مثوله أمام المحكمة بعد، من جانبها كانت وسائل إعلام فرنسية، ذكرت أنّ القضاء الفرنسي يلاحق رفعت الأسد، في مجموعةٍ من التّهم التي وجهها ضدّه الادعاء العام الفرنسي، بجرائم “التهرب الضريبي واختلاس الأموال العامة وممارسة الأعمال غير الشرعية وتبييض الأموال”.
ويمتلك رفعت الأسد، بحسب التقرير الذي نشرته صحيفة ” ليبيراسيون” الفرنسية، ممتلكات عقارية بأرقام فلكية في عدد من دول العالم؛ منها 100 مليون يورو في فرنسا، 600 مليون يورو في إسبانيا، و40 مليون يورو في المملكة المتحدة ووفقاً للادعاء العام، فإنّ “لدى رفعت الأسد حسابات بنكية في جبل طارق ونيقوسيا، وغيرهما من الأماكن التي توصف على أنّها جنّات التهرب الضريبي في العالم”.
وتكشف الصحيفة نقلاً عن الادعاء أنّ “رفعت يملك ثروة لا تقلّ عن مليار يورو، وذلك بعد ثبوت ملكيته لشركةً قابضة في لوكسمبورغ، وعدد من الممتلكات الأخرى تتوزّع على ليشتنشتاين وبنما وكوراساوا”.
المحامي مهند شراباتي، ذَكّر خلال حديث لـ “راديو روزنة” أن رفعت الأسد لن يواجه فقط القضية المرفوعة ضده في فرنسا بتهمة الكسب غير المشروع من خلال شرائه عقارات بفرنسا عن طريق أموال حصل عليها بشكل غير مشروع في سوريا.
وأشار إلى أن هذه القضية كانت بداية في طور التحقيقات، بينما تبدأ الآن المحاكمات، كاشفاً بأن هذه الدعوى كانت قد أقامتها منظمتان أوروبيتان، فيما نوّه إلى وجود دعوى ثانية ضد رفعت الأسد في سويسرا، حيث تقف وراءها منظمة سويسرية.
وتتعلق الدعوى في سويسرا بطلب محاكمة رفعت الأسد لمسؤوليته المباشرة عن الجرائم التي ارتكبت في كل من سجن تدمر ومدينة حماة خلال فترة الثمانينات، حسب قوله.
ويعدّ رفعت الأسد واحداً من أشرس رجالات النظام وأكثرهم دموية إبان حقبة الأسد الأب، بسبب دوره في “المجزرة” التي شهدتها مدينة حماة عام 1982.وكان رفعت قائداً لما تعرف بــ”سرايا الدفاع”، ويتهم بأنه هو من أعطى تلك الكتائب الأوامر باغتيال آلاف من المدنيين والمعارضين السياسيين في مدينة حماة، فضلاً عن مسؤوليته عن ارتكاب جرائم تصفية بحق المعتقلين بسجن تدمر عام 1980، وكان نظام الأسد الأب قد حاصر مدينة حماة في شباط 1982 ونفذ “مجزرة مروعة” راح ضحيتها ما بين عشرة آلاف وأربعين ألف ضحية دفنوا في مقابر جماعية.وبالإضافة إلى حماة، فيعتبر رفعت مسؤولا مباشراً عن “مجزرة” ثانية شهدتها مدينة تدمر في 27 حزيران 1980، ففي ذلك اليوم -ورداً على محاولة اغتيال نفذت في اليوم الذي سبقه ضد حافظ الأسد- تدفقت سرايا الدفاع إلى سجن تدمر، وقتلت نحو ألف من المعارضين السياسيين.
من يعيد أموال السوريين المسروقة؟
مدير مركز “شام لدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان” أكثم نعيسة؛ قال في حديث لـ “راديو روزنة” أنه و بما يخص الوضع السوري ومسألة الفائدة من محاكمة مجرمي الحرب أو فيما يخص كل مجرمي الحرب، رأى أن محاكمتهم خارج سوريا ليس له مغزى سياسي ولا يعود بالنفع الاقتصادي كما ما يتمناه الشعب السوري.
وتابع نعيسة أنه وبتقديم رفعت الأسد للمحاكمة في فرنسا؛ فإنه ستنفذ المحاكمة وفق القواعد القانونية السائدة في فرنسا؛ وهي التي ستسري عليها من جانب العقوبة الجزائية أو من الجانب المالي، وأضاف “هذه الأموال موجودة ضمن الأراضي الفرنسية وتم استثمارها في الأراضي الفرنسية؛ ودخلت في إطار دورة الاقتصاد الفرنسي مما يعني أنها تعتبر أموال فرنسية”.
وأردف مشيرا إلى أنه و في المستقبل يمكن للحكومة السورية في مرحلة ما من الانتقال السياسي؛ يمكن لها أن تطالب بأصول هذه الأموال معتمدة على الاعتراف الفرنسي بأن هذه الأموال أصولها مختلسة من المال العام السوري ويحق لها في حينه أن تطالب بهذه الأموال.
وكانت وكالة “فرانس برس” قد أشارت في نيسان عام 2018؛ بأن ملكية 80% من أصول وضعت السلطات الجمركية الفرنسية يدها عليها عام 2017، تعود إلى رفعت الأسد.
وبعد وصوله إلى أوروبا، عام 1984، إثر محاولته الانقلابية الفاشلة ضد شقيقه حافظ الأسد، لفت رفعت الأسد الأنظار بأسلوب حياته الباذخ مع عائلته.
واتسع نطاق ثروته التي تم جمعها في ثمانينات القرن الماضي، لتشمل ممتلكاته 500 عقار في إسبانيا، وقصرين في باريس، مساحة أحدهما 3000 متر مربع، ومزرعة خيول، وقصرا آخر قرب العاصمة الفرنسية، إضافة إلى 7300 متر مربع في ليون، وتعود إلى رفعت الأسد ملكية 691 مليون يورو من أصول حجمها 862 مليون يورو، صادرتها الجمارك الفرنسية في مارس عام 2017.
وكان محققون فرنسيون استشهدوا بتصريحات لعبد الحليم خدام (نائب رئيس الجمهورية في 1984-2005)، قال فيها إن حافظ الأسد دفع 300 مليون دولار لشقيقه عام 1984، لنفيه والتخلص منه بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده، وجاء ثلثا المبلغ من ميزانية الرئيس والثلث الباقي كان قرضاً من ليبيا.
من جهته، ادعى وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، أن “رجال” رفعت الأسد نقلوا عربات محملة بالنقود من البنك المركزي إضافة إلى ممتلكات ثقافية، وأضاف شاهد آخر للمحققين أن رفعت الأسد سرق “كنزا بقيمة كبيرة” من أرض يملكها جده في سوريا، في حين رفض رفعت الأسد الاتهامات واعتبرها محاولات من خصومه للتخلص منه.
لماذا لا يرفع السوريون في أوروبا دعاوى ضد رفعت الأسد؟
من جانبه رجّح المحامي مهند شراباتي؛ خلال حديثه لـ “راديو روزنة” أن المنظمات السورية الحقوقية في أوروبا قد تعاونت مع المنظمات الأوروبية التي رفعت الدعوى الأخيرة ضد رفعت الأسد في باريس، لافتا إلى أن التعاون قد يكون عن طريق تزويد تلك المنظمات بالأدلة والمعلومات.
بينما أوضح أن المنظمات الحقوقية الأوروبية تتولّى الجانب القانوني أو التقني لهذا النوع من الدعاوى، وأضاف: “هم يقومون بالتحليل القانوني ومباشرة الإجراءات أمام الجهات المختصة؛ بينما ينحصر دور المنظمات الحقوقية السورية غالبا بتزويدهم بالمعلومات وربطهم مع الشهود”.
وأضاف حول ذلك بالقول: “يتوجب من أجل رفع دعوى على رفعت الأسد؛ أن تتوفر أدلة، كلنا يعرف أن رفعت الأسد ارتكب جرائم؛ ولكن من أجل أن تثبت ذلك أمام القضاء، يجب أن نمتلك أدلة، فالجرائم التي ارتكبها رفعت الأسد حدثت في فترة الثمانينيات وفي ذلك الوقت المجتمع المدني السوري لم يكن متطورا؛ كما هو عليه الآن فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الانسان وتوثيق الجرائم”.
وتابع في هذا السياق: “بعد عام ٢٠١١ أصبح لدى المنظمات السورية القدرة على أن توثق الجرائم المرتكبة وأن تجمع الأدلة وإفادات الشهود، بينما في الثمانينات كان يحصل على نطاق ضيق جدا إن لم يكن معدوما حتى، فقد مر فترة طويلة على تلك الجرائم، ورغم ذلك فهناك منظمات تعمل على هذا الموضوع ولكن يجب القول أن الموضوع ليس سهلا، فالأمر ليس بهذه البساطة ويحتاج لتحضير كبير من أجل بناء الدعوى”.
وعن جدوى قضايا محاكمة رفعت الأسد؛ أو غيره من مجرمي النظام السوري، قال مدير مركز “شام لدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان”؛ أكثم نعيسة، في حديثه لـ “روزنة” بأنه لن يكون له جدوى بالمعنى العملي في حال محاكمتهم بالخارج وخصوصا إن لم يتم محاكمتهم ضمن سياق عملية الانتقال السياسي التي سيتم من خلالها تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا وضمن الأراضي السورية.
و أكد نعيسة بأنه من المفترض أن تتم محاكمتهم على جرائمهم التي ارتكبوها ضد الشعب السوري، و أما في حال كانوا خارج الأراضي السورية فشدد على أن تكون هذه المحاكمات في إطار محكمة جنايات دولية خاصة في الوضع السوري.
هذا المقال مأخوذ من موقع راديو روزنة ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي
روزنة