الجوائز وقصيدة النثر/ رشا عمران
ربما من حسن حظ شعراء قصيدة النثر أنها ليست مغرية لأصحاب رؤوس الأموال العربية، ولا يتذوّقونها، فينشئ أحدهم جائزة خاصة بالشعر الحديث على غرار جوائز الرواية العربية التي تحولت إلى مسابقاتٍ سنوية لا تختلف كثيرا عن برامج الحظ التلفزيونية، فإذا كان ثمّة جوائز عربية للشعر، فهي مختصة بالكلاسيكي منه، أو تمنح لأساطين قصيدة التفعيلة الذين تجاوزوا السبعين عاما. وتبقى قصيدة النثر بعيدةً عن دائرة الجوائز والمسابقات، ليس تعفّفا من أصحابها، كي نكون منصفين، وإنما لأن قصيدة النثر ما زالت تحال إلى مرجعية غربية، وأصحابها يُتهمون بأنهم يدمرون تراث العرب، إذ ما زالت ذهنية المتلقي العربي سلطويةً في ما يخص الشعر. وسلطة الشعر هنا تقترب من التقديس، فهو ركنٌ رئيس من أركان التراث العربي الذي حدد شكل القصيدة بشطرين وبحور محدّدة، ثم تهاون بشأن تقطيعها، واللعب على بحور الشعر وعروضه. لم تستطع هذه السلطة التسامح مع النسف الكامل لتعريف الفراهيدي للشعر، ولا مع التخلي عن الإيقاع والموسيقى الخارجية، فالحديث عن الموسيقى الداخلية، والشغل على الخيال واللغة وعلاقاتها في قصيدة النثر، ضرب من الباطل والزندقة وتشويه التراث العربي. ضاربين بعرض الحائط كل ما قدمه الشعراء العرب خلال الستين سنة الماضية في قصيدة النثر، وكل الافتراقات المذهلة التي حدثت للنص الشعري العربي خلال تلك العقود.
ومن الغريب أن النقد العربي يتعامل مع مصطلح الكتابة بوصفه يختص بالكتابة الفكرية والسردية (رواية وقصص قصيرة) فقط، كأن الشعر ليس من أنواع الكتابة، وكأن الشعراء لا ينتمون إلى شريحة الكتّاب، فهم شعراء وليسوا كتّابا إلى أن يتحولوا إلى الكتابة السردية والروائية، ليطلق النقد والصحافة الأدبية عليهم صفة الكتّاب. وقد شهدنا، في السنوات الأخيرة، تحول كثيرين من أهم شعراء قصيدة النثر إلى الكتابة الروائية. هل هو تجريب في فنون الكتابة، أم رغبة دفينة في التنافس على الجوائز العربية، ذات القيمة المادية المرتفعة، والفرص الكبيرة في الترجمة إلى لغاتٍ عديدة والانتشار عربيا وعالميا؟ لا يمكن لأحد التكهن بهذا، ما لم يصرح به الكاتب نفسه، وهو، بكل حال، حق مشروع للجميع، التفكير في الشهرة والجوائز المادية، خصوصا لدى الشعراء الذين تمتنع دور النشر العربية جميعها عن الاعتراف بحقوقهم المادية بوصفهم مؤلفين، أسوة بالروائيين. يدفع الشاعر لدار النشر كلفة طباعة الكتاب، ولا يستثنى من ذلك إلا خمسة أو أقل من الشعراء العرب، ومعظمهم ممن تجاوزت أعمارهم السبعين عاما، بينما الفئة العمرية الأقل من الشعراء العرب تلقى ما تلقاه من تنمّر وتذمّر من دور النشر العربية، الأمر الذي لا تعانيه الفئات العمرية نفسها من كتّاب الرواية والسرد العرب، فأي روايةٍ مرحّب بها لدى دور النشر التي تضع باعتبارها، مباشرة، فوز الرواية بإحدى الجوائز العربية، وهو ما يعود بفائدة ربحية لدار النشر.
أما لماذا من حظ قصيدة النثر عدم تخصيص جائزةٍ كبيرةٍ لها، فلأنها تبقى بعيدة عن تصنيفات لجان تحكيم ومزاجياتهم، قد يكون لا علاقة لها بالشعر أصلا ولا بتذوقه، فقراءة قصيدة النثر وتقييمها ليسا عملَين سهلَين كقراءة الرواية. الرواية تنتمي إلى فن الحكي الذي يتقنه ويستسيغه كثيرون، بينما تغرف قصيدة النثر من الفلسفة وعلم النفس والمشهدية البصرية والسرد، وهو ما يتطلب جهدا في قراءتها كما جهد كتابتها. والحديث هنا عن قصيدة النثر مكتملة الأركان، لا عن الكلام النثري الذي يصنف تحت بند الشعر، ويتم التعامل معه كما لو أنه قصيدة النثر. وفي المقابل، من حق شاعر قصيدة النثر أن يحلم بإنصاف مادي ومعنوي له، لا يتحقّق في بلادنا إلا عبر الجوائز الكبيرة، كجائزة البوكر أو كتارا المخصصتين للرواية، أو جائزة الشيخ زايد التي إذا منحت لشاعر عربي فيجب “أن تكون حقيبة أدويته مساوية لحجم حقيبة ملابسه”، حسب رأي ساخر لأحد الأصدقاء.
كيف سيحل شعراء قصيدة النثر العرب هذه المعادلة؟ هل سيجرّبون حظهم في الكتابة الروائية والتقدّم إلى الجوائز؟ وهل ستصنف لجان تحكيم الجوائز أعمالهم؟ وهل سيجعلهم ذلك ينسون الشعر؟ وهل سيقل عدد الشعراء لو حصل هذا؟ أسئلة ربما تعني الشعراء، لكنها لا تعني شيئا للقصيدة التي تتابع تجريبها وتطورها، من دون أن تلقي بالا لأسئلةٍ غير مهمة كهذه.
العربي الجديد